المعركة
نسور السرب 46 بقاعدة المنصورة الجوية.
أطلقت إسرائيل غارة كبيرة الحجم تتكون من مائة طائرة مقاتلة من نوع إف-4 فانتوم الثانية وإيه أربعة سكايهوك (A-4 Skyhawks) لتدمير قاعدة المنصورة الجوية (يطلق عليها أيضاً البقلية أوقاعدة شاوة الجوية). استمرت المعركة 53 دقيقة. إستناداً إلى المصادر المصرية اشتبكت في تلك المعركة 180 طائرة مقاتلة في آن واحد، معظمها تابع لإسرائيل.
عند فجر يوم 14 أكتوبر، اليوم التاسع من حرب أكتوبر، أطلق الجيش الثاني والثالث للقوات المسلحة المصرية (9 ألوية مدرعة) في محاولة لتوسيع رأس جسرهم الحالي على الجانب الشرقي لقناة السويس، وكانت هذه الألوية مدعومة بقاذفات (MIG_21)، (SU_7)، (SU_20)، (MIRAGE)، وكان معظم تلك الطائرات متمركزة في القواعد الجوية غرب القناة وفي دلتا النيل. وكانت هذه الطائرات القاذفة تؤدي مهماتها تحت حماية المقاتلات من طراز (MIG_21 MF) التابعة للواء دفاع جوي (104)، الذي كان يتمركز معظمه في قاعدة المنصورة الجوية حيث كان به سربان من تلك الطائرات، بينما كان السرب الثالث متمركزاً في قاعدة طنطا الجوية.
رداً على ذلك، حاولت القوات الجوية الإسرائيلية (للمرة الرابعة) تدمير اللواء (104) الذي كان يستخدم في مهام الدفاع الجوي وتقديم الحماية والغطاء للقاذفات المصرية المتجهة لضرب الأهداف الإسرائيلية في سيناء. وعندما تقوم بضربه وتدميره، كان يُفترض أن تستعيد بذلك السيادة الجوية التي كانت تتمتع بها سابقاً عندما قامت بتحطيم الطائرات المصرية في 5 يونيو 1967.
انطلقت الهجمات الإسرائيلية ضد المطارات المصرية في (المنصورة، طنطا، الصالحية)، وفي الحقيقة كانت هناك محاولات إسرائيلية في يوم (7، 9، 12) أكتوبر لتدمير قاعدة المنصورة الجوية واللواء (104) المتمركز بها، ولكن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل. حيث أخفقت في خرق الدفاعات الجوية المصرية من صواريخ ومدفعية وطائرات مقاتلة معترضة. واعترف الإسرائيليون أنفسهم بفقد (22) طائرة في اليوم السابع من الحرب وكان يوم (12 أكتوبر) هو أسوأ يوم للقوات الجوية الإسرائيلية.
أما الهجوم الإسرائيلي الرابع على هذه القواعد، فهو الأشهر من بين هذه الهجمات حيث قامت أكثر من 100 طائرة (F-4) فانتوم و(A-4) سكاي هوك بمحاولة لضرب القاعدة الجوية الضخمة بمدينة المنصورة. وقامت معركة جوية هي الأكبر من نوعها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. في هذه المعركة، اشترك أكثر من 180 طائرة مقاتلة من كلا الجانبين، وكان معظم تلك الطائرات للقوات الجوية الإسرائيلية المهاجمة، ودامت المعركة حوالي (53 دقيقة) وفقاً للتصريحات من كلا الجانبين.
بالإضافة للتفوق العددي من جانب القوات الجوية الإسرائيلية، حيث امتلكت طائرات مختلفة الطرازات وحديثة مثل (PHANTOMS & MIRAGE & SKY HAWK)، هذا بالإضافة إلى طياريها ذوي التدريب الفائق والخبرة الممتازة.
أما ما كان يميز الجانب المصري عن نظيره الإسرائيلي، فهو أن الطيارين والطائرات المصرية كانت مدعومة بموظفي الصيانة ومحطات القيادة والسيطرة والتوجيه الأرضي، لأن المعركة كانت فوق الأراضي المصرية في دلتا النيل. الروح المعنوية العالية للطيارين كانت أيضاً عاملاً مهماً، حيث كانوا يدافعون عن سماء بلادهم. كما أن الضربة الجوية الناجحة في يوم 6 أكتوبر 1973 أعادت لهم الثقة بالنفس مرة أخرى.
وكان اللواء (104) الجوي مشغولاً بالكامل منذ اليوم الأول للحرب، حيث كان يقوم بمهام الغطاء الجوي للقاذفات المصرية بالإضافة إلى مهمات الهجوم والقذف الأرضي، هذا بجانب قيامه بالدفاع عن مجاله الجوي فوق مدينة المنصورة ضد الهجمات المستمرة من الجانب الإسرائيلي لتدمير القاعدة الجوية.
وفي تمام الساعة (3 مساءً) من يوم الأحد الموافق (14 أكتوبر 1973)، كان كل شيء هادئاً ولم يُلاحظ أي أمور غير اعتيادية فوق سماء مدينة المنصورة، إلا من صوت الطائرات المقاتلة التي تطلق من القاعدة إلى سيناء لتطبيق المهام الموكلة بها والعودة مرة أخرى إلى القاعدة.
في الساعة (3:15 مساءً) من نفس اليوم، أنذرت مواقع المراقبة المصرية على ساحل دلتا النيل قيادة القوات الجوية المصرية بوجود حوالي (20) طائرة فانتوم قادمة من اتجاه البحر، وكانت تطير فوق المنطقة الجنوبية الغربية باتجاه (بور سعيد، الدلتا). وكان موجوداً في ذلك الوقت في مقر القاعدة الجوية بالمنصورة اللواء جوي أركان حرب (محمد حسني مبارك) قائد القوات الجوية المصرية، الذي استلم الإشارة وأمر قائد اللواء الجوي (104)، أحمد عبد الرحمن نصر، بتجهيز (16) طائرة (MIG-21) المستعدة للانطلاق والتي كانت محمية بالأغطية الواقية من أشعة الشمس، وأوصى الطيارين بعدم التفاعل مع الطائرات المهاجمة.
التكتيك المصري:
كانت القيادة المصرية قد درست أساليب الهجمات الجوية الإسرائيلية من خلال التجارب في حرب الاستنزاف، حيث كان الإسرائيليون يتبعون نمطاً موحداً في هجماتهم الجوية. كان يتم إرسال ثلاث موجات من الطائرات:
- الموجة الأولى: تركز على جذب الطائرات المصرية المدافعة وإبعادها عن الأهداف.
- الموجة الثانية: تركز على قمع الدفاعات الجوية المصرية وتدمير الرادارات.
- الموجة الثالثة: تأتي الطائرات القاذفة لضرب الأهداف الرئيسية.
بناءً على هذه الاستراتيجية، قررت القيادة المصرية أن الطائرات الإسرائيلية القادمة هي الموجة الأولى في الهجوم، وطلبت من الطائرات المصرية ألا تهاجمها. بالفعل، حاولت طائرات الفانتوم الإسرائيلية إغراء الطائرات المصرية لكنها فشلت، وعادت الطائرات الإسرائيلية إلى البحر المتوسط.
في الساعة (3:30 مساءً)، أفادت القيادة المصرية بوجود حوالي 60 طائرة معادية تقترب من ثلاثة اتجاهات مختلفة، فتم تجهيز الطائرات المصرية لإعتراضها.
التفاعل مع المعركة:
في الساعة (3:38 مساءً)، بدأت معركة جوية عنيفة بين الطائرات المصرية والإسرائيلية. كانت القوات الجوية المصرية قد أرسلت العديد من طائرات MIG-21 من قواعد مختلفة للاعتراض. في النهاية، تم إسقاط العديد من الطائرات الإسرائيلية. بحلول الساعة (4:08 مساءً)، عبرت آخر طائرة إسرائيلية الساحل.
النتائج:
في الساعة (10 مساءً)، أذاعت الإذاعة المصرية بلاغاً أكدت فيه أن القوات الجوية المصرية أسقطت 17 طائرة إسرائيلية وفقدت 6 طائرات مصرية. وفي المقابل، أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أن القوات الجوية الإسرائيلية أسقطت 15 طائرة مصرية، لكن تم تعديل الرقم لاحقاً إلى 7 طائرات.
التأثير الاستراتيجي:
كانت هذه المعركة الجوية بمثابة نقطة تحول في الصراع، حيث أظهرت قدرة القوات الجوية المصرية على التصدي للطائرات الإسرائيلية المتفوقة تقنياً. هذا النصر رفع من معنويات الجيش المصري وفتح المجال لمزيد من التحركات العسكرية على الأرض.