ديڤد هيوم

عودة للموسوعة

ديڤد هيوم

ديڤد هيوم
David Hume
وُلـِد (1711-05-07)7 مايو1711
إدنبرة، اسكتلندة
توفي 25 أغسطس 1776(1776-08-25) (عن عمر 65 عاماً)
إدنبرة، اسكتلندة
الجامعة الأم University of Edinburgh
العصر فلسفة القرن الثامن عشر
المنطقة الفلسفة الغربية
المدرسة Naturalism, Scepticism, Empiricism,
Scottish Enlightenment
الاهتمامات الرئيسية
Epistemology, Metaphysics, Philosophy of Mind, Ethics, Political الفلسفة, Aesthetics, Philosophy of Religion, Classical Economics
الأفكار البارزة
Problem of causation, Induction, Is-ought problem, Utility

ديڤد هيوم David Hume (و. 1711 - 1776). فيلسوف أسكتلندي أثر في تطور مدرستين فلسفيتين حديثتين، هما ممضى الشكوكية، وممضى التجريبية.

درس القانون والاقتصاد والفلسفة والأدب، فظهرت مواهبه الأدبية في كتاباته الفلسفية. ارتحل إلى فرنسا بين سنتي 1734ـ1737 عاد بعدها إلى إنكلترا ونشر كتابه «رسالة في الطبيعة البشرية» Treatise of Human Nature ت(1739) وحرره في ثلاثة أجزاء: الكتاب الأول في الأفكار، والثاني في الانفعالات والأخير في الأخلاق، ولما لم يلق مؤلفه هذا رواجاً وقبولاً عند الناس توجه إلى الكتابة في السياسة فذاع صيته وعاد من حديث للفلسفة ولخّص أفكاره في كتاب مبسط عنوانه «بحث في الفهم الإنساني» An Enquiry Concerning Human Understanding ت(1740) وهي الأفكار والموضوعات نفسها التي أتى على بحثها في «الرسالة» كما خط أيضاً «منطقات أخلاقية وسياسية» Essays, Moral and Political ت(1741)، و« بحث في مبادئ الأخلاق» Enquiry Concerning the Principles of Morals، ثم توفر على تدوين «تاريخ بريطانيا العظمى» History of Great Britain فأخرجه في ثلاثة مجلدات (1754ـ1762) ونال استحساناً كبيراً لدى القـرّاء، ثم نشر كتابه «التاريـخ الطبيعي للديـن» The Natural History of Religion ت(1757) وكان قد خط «محاورات في الدين الطبيعي» Dialogues Concerning Natural Religion لم ينشره في حياته تجنباً للجدل، ثم عاد إلى فرنسا سنة 1763 وصادق جان جاك روسوالذي صحبه معه إلى إنكلترا ثم ما لبث حتى تخاصم معه.

حياته

وُلد هيوم في إدنبرة وقضى غالبية سني حياته في الكتابة، ومن وقت لآخر، كان يقدّم خدماته في بعثات دبلوماسية في فرنسا وأقطار أخرى. وأعظم أعماله: رسالة في الطبيعة البشرية في الفترة بين 1739، 1740م، ولم تجذب إليها إلا اهتمامًا ضئيلاً، عندما نُشرت. ولكن شهرة هيوم طبقت الآفاق وبخاصة في فرنسا، بعد حتى نشر عددًا أكبر من أعماله في الفلسفة، والدين والتاريخ. وكانت هذه الأعمال تضم بين دفتيها: موضوعات فلسفية عن الفهم الإنساني (1748). وبحث فيما يتعلق بمبادئ السلوك الأخلاقي (1751)، وكتاب هيوم عن تاريخ بريطانيا (1754، 1756)؛ تاريخ إنجلترا (1759، 1762).

وبلغت خط هيوم هذه مرتبة رفيعة بين خط التاريخ الهامة عن هذاالقطر.

شغل هيوم عدة مناصب منها «السكرتير» الخاص للجنرال سانت كلير S.Clair ت(1746) ومحافظ لمخطة كلية الحقوق في جامعة إدنبره (1952)، و«سكرتير» السفارة الإنكليزية في باريس (1763ـ1766).


سيرته

أ- الفيلسوف الشاب

كان هتشسن جزءاً متواضعاً من حركة "التنوير الاسكتلندي"، أما هيوم فكان ألمع كواكبها. وهويروي لنا في ترجمته الذاتية البسيطة، ذات الصفحات الست، أنه ولد بأدنبرة في 26 أبريل 1711، "لأسرة طيبة أباً وأما، فأسرة أبي فرع من إيرل Home أوHume وكانت أمي ابنة السير ديفد فوكنر عميد كلية الحقوق". ومات الأب في 1712، تاركاً ممتلكاته لشقيق ديفد الأكبر، جون هيوم، ولديفد دخلاً يبلغ ثمانين جنيهاً في السنة- يكفي لمعيشة متقشفة. أما الأسرة التي كانت كلها تدين بالممضى المشيخي، فقد أشربت الصبي اللاهوت الكلفني اشراباً قوياً تخلّف على شكل الحتمية في فلسفة ديفد. كان في بكرة جميع أحد يختلف إلى صلاة في الكنيسة تتصل ثلاث ساعات، منها ساعتان من الوعظ؛ ثم يعود عشية جميع أحد إلى الكنيسة ساعة؛ يضاف إلى هذا صلوات الصباح في البيت(72). ولم يكن مندوحة من حتى ينتقض ديفد على هذا كله بالانحراف إلى الهرطقة ما دام فيه ذرة من صلابة الخلق. وحين بلغ الثانية عشرة ولج جامعة إدنبرة. ثم هجرها بعد ثلاث سنوات دون درجة، عازماً على حتى يفرغ بكليته للأدب والفلسفة. وفي السادسة عشرة خط إلى صديق يلوم نفسه. "لأن سلامي العقلي لا تدعمه الفلسفة دعماً يكفي للثبات للطمات القدر. فعظمة النفس وسموها هذا لا سبيل إليه إلا في الدرس والتأمل.. .. فاسمح لي بأن أتحدث هكذا كفيلسوف، فذلك موضوع أطيل التفكر فيه ولا يعييني الحديث فيه اليوم كله(73)".

وسرعان ما تبخر إيمانه الديني:

"وجدت ضرباً من جرأة الطبع يتملكني، وهي جرأة لا تميل إلى الخضوع لأي سلطة في هذين الموضوعيين (الفلسفة والأدب)... فلما ناهزت الثامنة عشرة بدا كأنه قد انفتح أمامي مشهد حديث من الفكرة، أطربني منتهى الطرب، وحملني بحماسة الشباب الطبيعية على حتى أنبذ جميع لذة أوشغل آخر لأعكف عليه العكوف كله(74)".

ونطق في فترة لاحقة أنه "لم يشعر بأي إيمان بالدين منذ بدأ قراءة لوك وكلارك(75)". فما حتى بلغ السابعة عشرة حتى كان قد خطط لرسالة في الفلسفة.

وألح عليه أقرباؤه في حتى الفلسفة وثمانين جنيهاً في العام لن يتيحاً له سوى عيش ضنك، وأن عليه حتى يقنع بضرورة التكسب. فهل في استطاعته حتى يفهم القانون،يا ترى؟ وحاول ذلك طوال ثلاث سنوات مؤلمة (1726- 29). وانهارت صحته، وأوشكت روحه أيضاً حتى تنهار، وفقد اهتمامه بالأفكار فترة. "رأيت دراسة القانون شيئاً يثير في "الغثيان"(76)، فطلقها، وعاد إلى الفلسفة، من الممكن بانحراف واحد. ففي أواخر فبراير 1734 رحل عن أدنبرة إلى لندن "لأبذل محاولة هزيلة جداً لولوج مجال من الحياة أكثر نشاطاً(77)". وفيخمسة مارس مثلت آگنس گلبريث أمام القس جورج هيوم (عم ديفد) واعترفت بأنها حبلى. فلما جيء بها أمام جلسة لمجلس الكنيسة المشيخية صرحت بأن "المستر ديڤد هيوم... هوأبوالطفل" وارتاب المجلس في صدقها فأحالها إلى الاجتماع التالي للمجلس المشيخي المحلي؛ وأمام هذا المجلس في 25 يونيو، كررت التهمة. وقد اتى في محضر مجلس تشيرنسايد: "إن رئيس الجلسة... ناشدها حتى تقول الصدق وتعترف هل أذنب معها إنسان آخر... وبعد حتى نظر المجلس في الأمر، وأحيط أعضاؤه فهماً بأن ديڤد هيوم المذكور خرج من المملكة، أحالوها إلى دائرة مجلس تشيرنسايد امتثالاً لقواعد الكنيسة(78)".

وهذا يحتاج مثولها في المسرح أمام الكنيسة وعرضها في المشهرة ثلاثة آحاد. وفي 1739 أدينت آگنس مرة أخرى بالزنا.

ومضي هيوم إلى برستل بعد حتى توقف في لندن، واشتغل في مخط تاجر "ولم تمض عليّ شهور حتى وجدت ذلك الجولا يلائمني إطلاقاً" فعبر البحر إلى فرنسا، حيث المعيشة أرخص منها في إنجلترا. ومكث فترة في رانس، ثم رحل إلى لافليش (على نحو150 ميلاً جنوب غربي باريس)، لأن كلية اليسوعيين فيها كانت تملك مخطة كبيرة، واتصل الاسكتلندي المدبّر اتصالاً ودياً بالكهنة فسمحوا له باستعمال خطهم. وقد وصفه أحد الآباء في نظرة لاحقة بأنه "كان شديد الاعتداد بنفسه.... في روحه حيوية أكثر مما فيها من التماسك وفي خياله توقد أكثر مما فيه من العمق، وقلبه أشد انغماساً في الأمور المادية والعجب الروحي من حتى يتغلغل إلى الخفايا المقدسة للحقائق الإلهية(79)".

وفي ظل اليسوعيين ألف هيوم أول جزئين من رائعته الشكوكية "رسالة في الطبيعة البشرية". وفي سبتمبر 1737، عاد إلى إنجلترا مثقلاً بمخطوطته. وقد لقي عنتاً مع الناشرين، لأنه خط في ديسمبر إلى هنري هيوم يقول: "إنني الآن أجب كتابي، أي اقتطع منه أجزاءه الممتازة، محاولاً حتى أقلل ما استطعت من إيذائه لشعور الناس(80)". وكان أبرز ما حذف منه "مناقشات حول المعجزات فنحاها لاستعمالها في أوقات أسلم. أما الباقي، الذي ضمن أنه يدق على أفهام المتشبثين بالقديم، فقد نشره جون نون اللندني غفلاً من اسم المؤلف في مجلدين في يناير 1739. وباع هيوم المجلدين إجمالاً بخمسين جنيهاً واثنتي عشرة نسخة- وهي صفقة ليست خاسرة جداً بالنسبة لكتاب في المنطق ونظرية الفهم بقلم شاب مغمور في السابعة والعشرين. على أنه كان قمم من قمم الفلسفة الحديثة.

ب- الغض من شأن العقل

كشف "الإعلان" الذي تصدّر الكتاب عن ثقة هيوم في قدراته. فقد نطق فيه أنه يستهدف دراسة الطبيعة البشرية من حيث الفهم والانفعالات، ثم في مجلد ثالث قادم من حيث الأخلاق والسياسة. وشرع في تحليل "الانطباع" (الإحساس)، والإدراك الحسي، والذاكرة، والخيال، والفكر، والعقل، والاعتقاد. وهذا البحث في كيفية وصولنا إلى حتى "نعهد" درس أساسي، لأن صحة الفهم والفلسفة والدين والتاريخ تتوقف على طبيعة الفهم، وأصلها، وإمكان وثوقنا بها. وهوفرع من الدراسة عسير، لأنه يتناول الأفكار المجردة لا الأمور المحسة، والفكر آخر شيء يحاول الفكر حتى يفهمه.

وبدأ هيوم بقبوله تجريبية لوك نقطة انطلاق لبحثه، فكل الأفكار مستقاة في النهاية من التجربة بطريق الانطباعات. وهذا أما أحاسيس خارجية كالضوء والصوت والحرارة والضغط والروائح والذوق؛ وأما داخلية كالخدر والجوع واللذة والألم. والإدراك الحسي إحساس مفسر؛ "فالضوضاء" إحساس، ولكن "نقرة على الباب" إدراك حسي (وهيوم ليس دقيقاً أوثابتاً دائماً في استعماله هذين المصطلحين). والمولود أعمى أوأصم ليس لديه "فكرة" عن الضوء أوالصوت، لأنه لم يكن لديه إحساس بأحدهما. وفكرتا المكان والزمان نابعتان من التجربة، فالأولى "فكرة نقاط مرئية أومحسوسة موزعة بنظام معين"، والثانية إدراك التعاقب في انطباعاتنا(81) ولا تختلف الأفكار عن الانطباعات إلا في ضعف "القوة والحيوية التي تقع بهما على الذهن(82)". والاعتقاد "ليس إلا فهماً أكثر حيوية وحدة لأي فكرة... إنه شيء يشعر به الذهن، يميز أفكار الحكم عن خرافات الخيال(83)".

ويبدوحتى هيوم في تعريفاته هذه يرى في "الذهن" كياناً أوأداة حقيقة تمارس الانطباعات أوالأفكار، أوتمتلكها، أوتتذكرها، أوتحكم عليها. على أنه إذ يمضي في البحث ينكر وجود أي ذهن ملحق بالحالات النفسية- الإحساس، أوالإدراك الحسي، أوالفكرة، أوالشعور، أوالرغبة التي تشغل الوعي في لحظة بعينها يقول:

"إن ما نسميه "الذهن" لي إلا كومة أومجموعة من مختلف الإدراكات الحسية توحدت معاً بشتى الارتباطات، ويفترض فيها- وإن كان الفرض خطأ- أنها وهبت غاية البساطة والتطابق... أما أنا فإنني حين أتغلغل فيما أسميه "نفسي" أعثر دائماً على إدراك حسي معين أوآخر، للحرارة أوالبرودة، للضوء أوالظل، للحب أوالكره، للألم أواللذة. ولا أستطيع إطلاقاً حتى ألحظ شيئاً غير الإدراك الحسي. فإذا زالت عني إدراكاتي الحسية أي فترة، كما يحدث بالنوم العميق، فإنني طوال هذه الفترة أكون عادم الحس "بنفسي"، ويمكن القول حقاً إنني غير موجود. وإذا زالت إدراكاتي الحسية كلها بالموت، فعجزت عن التفكير والشعور والإبصار والحب والكره بعد تحلل جسمي، فإنني أمحق محقاً، ولست أتصور ما يلزم بعد ذلك لجعلي عدما في عدم... وإذا ضربنا صفحاً عن بعض الميتافيزيقيين.. فقد أجرؤ على التأكيد بأن باقي البشر ليسوا سوى حزمة أومجموعة من مختلف الإدراكات الحسية التي يعقب بعضها بعضاً بسرعة فائقة، والتي تتدفق تدفقاً دائماً... وهذه الإدراكات الحسية المتعاقبة... تشكل الذهن(84)".

إلى غير ذلك بضرة واحدة من هذا الفتى المتهور سقطت ثلاث فلسفات: الفلسفة المادية، لأننا (كما أثبت باركلي) لا ندرك "المادة" أبداً، ولا نعهد غير عالمنا العقلي عالم الأفكار والمشاعر؛ والفلسفة الروحانية، لأننا لا ندرك أبداً "روحاً" ملحقة بمشاعرنا وأفكارنا الخاصة؛ وفلسفة الخلود، لأنه ليس هناك "ذهن" يبقى حياً بعد الحالات الذهنية العابرة. وكان باركلي قد هدم المادية برده المادة ذهناً، فضاعف هيوم التدمير برده الذهن أفكاراً. فلا "المادة" ولا "الذهن" موجودان. لا لوم على ظرفاء العصر أذن حتى "يرفضوا الفيلسوفين جميعاً بهذه العبارة" No matter, never mind (وفيها تورية، لا يهم (لا مادة)، لا بأس (ولا ذهن)).

وحرية الإرادة في هذه النظرة المدمرة محالة، فليس هناك ذهن يختار بين الأفكار أوالاستجابات، وتعاقب الحالات النفسية يقرره ترتيب الأحاسيس، وترابط الأفكار، وتناوب الرغبات؛ إذا "الإرادة" ليست سوى فكرة تنساب فتصبح حركة، والهوية الشخصية هي شعور الاستمرار حين تستحضر حالة نفسية حالات سابقة وتربط بينها بفكرة العلة.س ولكن العلة أيضاً ليست سوى فكرة؛ فليس في قدرتنا حتى نثبت أنها واقع موضوعي. فإذا أدركنا أن: أ (اللهب مثلاً) تعقبه بانتظام ب (الحرارة)، استنتجنا حتى أ كانت العلة في ب، ولكن جميع ما لاحظناه هوتعاقب الأحداث، لا عملية علية، فليس في استطاعتنا حتى نعهد حتى ب ستعقب أ دائماً. "كل استدلالاتنا العقلية المتصلة بالسبب والنتيجة لا مصدر لها غير العادة(58)". وليست "قوانين الطبيعة" التي نتحدث عنها إلا تعاقبات مألوفة في تجربتنا؛ لا روابط ثابتة وضرورية في الأحداث، ولا ضمان أنها ستصدق غداً. فالفهم إذن تراكم للاحتمالات المعرضة للتغيير دون إنذار. والميتافيزيقيا محالة إذا زعمت أنها نسق من الحقائق حول واقع مطلق، لأنه لا سبيل إلى فهم "الأسباب" الكامنة وراء النتائج، ولا "المادة" الكامنة وراء الأحاسيس، ولا "الذهن" الذي ينطق أنه كامن وراء الأفكار. وما دمنا نبني إيماننا بالله على سلسلة من الأسباب والنتائج يفترض أنها ترتد إلى "محرك أول لا يتحرك"، فإن علينا حتى نتخلى عن تلك السفسطة الأرسطاطالية. إذا الأمور كلها تتدفق، وما اليقينية إلا حلم من الأحلام.

وبعد حتى ينشر هيوم الدمار من حوله بسيف عقله البتار، يتوقف لحظة تواضع فيقول "حين أتأمل القصور الفطري في حكمي، تقل ثقتي بآرائي عنها حين أتأمل الأمور التي أتناولها بالاستدلال(86)" فهويفهم مثلنا حتى اليقينية ليست ضرورية للحياة، ولا للدين، ولا حتى للفهم؛ وإن درجة كبيرة من الاحتمال تكفي لعبور شارع أوبناء كتدرائية أولتخليص نفوسنا. ويسلم في تذييل للكتاب بأنه قد يحدث هناك رغم ذلك نفس وراء الأفكار، وواقع وراء الأحاسيس، وعلاقة علية وراء التعاقبات المتصلة. وهوثابت على موقفه نظرياً "لم يسعدني الحظ إلى الآن بأن اكتشف أي أخطاء جسيمة في الاستدلالات المعروضة في المجلدين السابقين(87)". ولكنه يتعهد في لطف أنه، عملياً، يتخلى عن شكوكيته حالما يضع قلمه.

"لوسئلت هل أوافق مخلصاً على هذه الحجة الذي بذلت هذا الجهد في إقرارها، وهل أنا حقاً واحد من هؤلاء الشكاك الذين يمضىون إلى حتى جميع الأمور غير يقينية... لأجبت... أنني لا أنا لا أي إنسان آخر دان بهذا الرأي في أي وقت بإخلاص وثبات(88)... إنني أتناول غذائي، وألعب النرد، وأتحدث وأسمر مع أصحابي، فإذا عددت بعد ثلاثة أربع ساعات من الترويح إلى هذه التأملات، بدت لي باردة مفتعلة سخيفة جداً بحيث لا أستطيع حتى أجد في صميم نفسي ما يدفعني لمزيد من الإيغال فيها(89)... إلى غير ذلك يواصل الشاك استدلاله العقلي واعتقاده، وأن أكد أنه لا يستطيع الدفاع عن استدلاله العقلي بالعقل؛ وعلى هذه القاعدة نفسها يجب حتى يوافق على مبدأ وجود الجسد وأن عجز عن الانادىء بأي حجج من الفلسفة بأنه أثبت صحته(90)".

وأخيراً يتنكر هيوم للجدل العقلي باعتباره هادياً للحياة ويضع ثقته في الإيمان الحيواني، في الاعتقاد القائم على العهد بأن الواقع عقلاني تتخلله العلية. وحين يؤكد هيوم حتى "الاعتقاد هوعلى الأصح عمل من أفعال الجانب الحساس لا الجانب العارف من طبائعنا(91)" فإنه- وقد بلغ السابعة والعشرين من عمره- يلقى بجان جاك روسو، ذي الستة والعشرين، في الشباب والنظرية، كما قدر له حتى يلتقي به بعد ذلك في الصداقة والمأساة. ولم يقتصر أبرع المجادلين العقليين في عصر العقل على اتهام المبدأ العلي للعقل، بل أنه فتح باباً لرد العمل الرومانسي الذي سينزل العقل عن عرشه ويجعل من الوجدان إلهاً له.

و"الكتاب" والمجلد الثاني من "الرسالة" يواصل إنزال العقل عن عرشه. فنرى هيوم يرفض محاولات الفلاسفة بناء مبدأ أخلاقي على تحكم العقل في العاطفة. وهويعني بحدثة العاطفة الرغبة الوجدانية. "لكي أثبت مغالطة هذه الفلسفة بأكملها، سأحاول حتى أثبت أولاً حتى العقل وحده لا يمكن حتىقد يكون دافعاً لأي عمل من أفعال الإرادة؛ ثانياً إنه لا يستطيع إطلاقاً معارضة العاطفة في اتجاه (ضد قوة) الإرادة(92)". "فلا شيء يستطيع مقاومة أوتعطيل دافع العاطفة إلا عاطفة مضادة" (أهذا صدى لسبينوزا؟). ويضيف هيوم إمعاناً منه في ترويع المتشبثين بالقديم "إن العقل عبد، وينبغي حتىقد يكون عبداً، للعواطف (الأداة المنيرة والمنسقة للرغبات) ولا يمكن حتى يزعم لنفسه أي وظيفة أخرى سوى خدمتها وطاعتها(93)".

ثم يمضي إلى تحليل دقيق للعواطف- وأهمها الحب، والكره، والعطف، والغضب، والطمع، والحسد، والكبرياء. "إن العلاقة التي تُحدث في الكثير الغالب عاطفة الكبرياء هي علاقة الملكية(94)". وكل العواطف تقوم على اللذة والألم، وتميزاتنا الأخلاقية تنبع في النهاية من هذا المنبع الخفي ذاته "إننا نميل إلى إطلاق اسم الفضيلة على أي صفة في الآخرين تعطينا اللذة لأنها تعين على نفعنا، وإلى إطلاق اسم الرذيلة على أي صفة بشرية تعطينا الألم(95)". وحتى مفاهيم الجمال والقبح مشتقة من اللذة والألم. يقول: "لوتأملنا جميع الفروض التي وضعت... لتفسير الفرق بين الجمال والقبح، لوجدناها كلها تنحل إلى هذا، وهوحتى الجمال نظام وهجريب للأجزاء، مهيأ لإعطاء اللذة والرضي للنفس، أما بسبب التكوين الفطري لطبائعنا (كما نرى في جمال الجسم البشري) أوبسبب العهد (كما نرى في الإعجاب بنحافة القوام في النساء) أوبسبب النزوة العارضة (كما نرى في إضفاء الكمال على أوهام الرغبة المعاقة)... فاللذة والألم إذن ليسا مرافقين ضروريين فحسب للجمال والقبح، ولكنهما يكوّنان جوهرهما ذاته،... وما الجمال إلا شكل يحدث اللذة، كما حتى القبح بناء للأجزاء يحدث الألم(96)".

والحب بين الجنسين يهجرب من هذا الإحساس بالجمال، مضافاً إليه "الرغبة الجسمية في التناسل ورقة ومودة سمحتان(97)".

وفي مارس 1739 عاد هيوم إلى أدنبرة. وراح يقلب الدوريات في لهفة بحثاً عن نقد لمجلديه، وعانى من نتائج تقليبها. نطق "لم تلق محاولة أدبية قط حظاً أعثر مما لقيت "رسالتي في الطبيعة البشرية" فلقد ولدت ميتة من المطبعة، ولم تحظ حتى بإثارة دمدمة سخط بين المتعصبين(98)" ولكنه حين خط هذا في شيخوخته كان قد نسي، من الممكن بسبب الرغبة في نسيان الذكريات الكريهة، حتى عدة منطقات نقدية ظهرت خلال سنة بعد نشر كتابه. وقد شكت كلها تقريباً من أنه عسير الفهم، وأن المؤلف جاز لشبابه بالإعلان عن ذاته بتكرار الإشارة إلى نفسه وإلى الجدة الخطيرة التي تنطوي عليها أفكاره. نطق ناقد نموذجي من أعدائه: "إن ما يؤذي القارئ أشد الأذى هوتلك الثقة التي يسوق بها مفارقاته.. فما عهدنا شاكاً أشد من هذا بتراً بآرائه... وأمثال لوك وكلارك ليسوا في الغالب في نظره سوى مجادلين تافهين سطحيين بالقياس إليه(99)".

وأعد هيوم للمطبعة، في عزيمة صادقة رغم حزنه، المجلد الثالث من رسالته، المحتوي على الكتاب الثالث "في الأخلاق". وقد ظهر في 5نوفمبر 1740. وساء تحليله للفضيلة العقلانيين بقدر ما ساء اللاهوتيين. فهويزعم حتى قواعد الفضيلة ليست إلهامات خارقة، ولكنها أيضاً ليست استنتاجات خلص إليها العقل، وذلك- كما يكرر هيوم القول "لأن العقل ليس له تأثير على عواطفنا أوأفعالنا(100)". وحسنا الخلقي ليس مصدره السماء بل التعاطف- شعور الزمالة مع إخواننا من البشر، وهذا الشعور جزء من الغريزة الاجتماعية التي بها نلتمس الارتباط بالغير لخشيتنا من العزلة. "إن أول حالة وموقف للإنسان يمكن حتى يوصفا بحق بأنهما اجتماعيان"؛ و"الحالة الطبيعية" التي عاش فيها الناس دون تنظيم اجتماعي "يجب اعتبارها حديث خرافة(101)"، فالمجتمع قديم قدم الإنسان. وإذ كان الناس أعضاء في جماعة، فإنهم سرعان ما تفهموا حتى يمتدحوا التصرفات النافعة للجماعة، ويذموا الضارة بها. ثم إذا مبدأ التعاطف جعلهم يميلون إلى تقبل أومحاكاة الآراء التي سمعوها من حولهم؛ وبهذه الطريقة اكتسبوا معايير وعادات الثناء واللوم، وطبقوا هذه الأحكام بوعي أوبلا وعي على سلوكهم. هذا في رأي هيوم أصل الضمير، لا صوت الله (كما سيتصور روسووكانت). ويقول هيوم إذا قانون التعاطف هذا، قانون التجاذب الجماعي، هوعام ومنير في العالم الأخلاقي شأن قانون الجاذبية في الكون المادي، ثم يختم بهذه العبارة "إلى غير ذلك يحدوني على الجملة الأمل بأنه لا ينقصنا شيء للبرهان السليم على هذا النسق من الأخلاق(102)".

وكان المجلد الثالث أقل لفتاً للأنظار حتى من المجلدين السابقين. وظلت بقايا النسخ الألف والمائة، وهي مجموع نسخ الطبع الأولى للرسالة، إلى سنة 1756، مكدسة على رفوف الناشر، ولم يعش هيوم ليرى طبعة ثانية من كتابه.


جـ- الأخلاق والمعجزات

كان واضحاً أنه لا يستطيع كسب قوته بقلمه. وفي 1744 بذل محاولة فاشلة للوصول إلى كرسي الأستاذية بجامعة ادنبره. ولا شك أنه قبل في شيء من الإحساس بالهوان (أبريل 1745) وظيفة مفهم خاص لمركيز أنانديل الصغير لقاء راتب قدره 300 جنيه في العام. أما المركيز فقد اختلط عقله، وتبين هيوم أنهم يتسقطون منه حتىقد يكون حارساً لمجنون؛ ونشبت المشاجرات، فطرد (أبريل 1746) واضطر إلى حمل دعوى مطالباً براتيه. ثم اشتغل سنة (1746- 47) سكرتيراً للجنرال جيمس سانت كلير، وكان يتقاضى راتباً طيباً، ويتناول طعاماً طيباً. وفي يوليو1747 عاد هيوم إلى أدنبرة وهويملك ويزن من الجنيهات أكثر كثيراً منه حين غادرها. وفي 1748 أعاد الجنرال استخدامه سكرتيراً وياوراً في بعثة إلى تورين، واكنسي ديفد الآن سترة قرمزية متوهجة.

وأعجب جيمس كولفيلد (إيرل تشارلمونت فيما بعد) وكان يومها طالباً بتورين، بذكاء هيوم وخلقه، ولكن أفزعته سمنته. نطق:

"إن سحنته حيرت فهم الفراسة وأعيت قدراته... في الكشف عن أقل أثر لمواهبه العقلية في ملامح وجهه التي تخلومن المعنى. كان وجهه عريضاً سميناً، وفمه واسعاً، بغير أي تعبير غير تعبير البلاهة... وكانت بدانة جسمه كله أجدر بأن توحي للناظر بفكره العمدة آكل الترسة، لا الفيلسوف المهذب(103)".

ويدعى كولفيلد هذا أنه رأى هيوم (وهوفي السابعة والثلاثين) جاثياً على ركبتيه أمام كونتيسة متزوجة (في الرابعة والعشرين)، يبثها غرامه ويعاني عذاب الحب المحتقر؛ أما السيدة فرفضت حتى تبادله هذا الغرام قائلة إنه ليس إلا "عملية طبيعية في نسقك الفلسفي". ويقول المصدر نفسه حتى هيوم أصيب بالحمى وحاول الانتحار لولا حتى منعه الخدم، ويروي اسكتلندي آخر حتى هيوم "تناول القربان الأخير" أثناء سقمه على يد كاهن كاثوليكي. وقيل إذا هيوم اعتذر عن مطارحة الغرام وعن تناول القربان الأخير قائلاً "إن نظام دماغي كان مختلاً، وكنت مجنوناً لأي نزيل لمستشفى المجاذيب(104)" وفي ديسمبر 1748 عاد إلى لندن وفرغ للفلسفة بعد حتى بلغت ثروته ألف جنيه.

واعتزم حتى يجدد أذناً مصغية من حديث لأفكار "الرسالة"، فنشر في 1748 "تحقيقاً عن الفهم البشري"، وفي 1751 "تحقيقاً عن مبادئ الأخلاق". وفي "إعلان" قدم به لطبعه لهذين التحقيقين صدرت بعد وفاته (1773) تنكر للرسالة باعتبارها "عملاً صبيانياً" ورجا حتى "تعتبر الموضوعات التالية وحدها هي المحتوية على آرائه ومبادئه الفلسفية(105)". أما تلاميذ هيوم فقد وجدوا عموماً في أعمال هيوم الأولى من الدسم أكثر مما وجدوا في أعماله الأخيرة، فهذه تغطي الأرض نفسها من الممكن بأسلوب أقل عدواناً وبتراً، ولكنها تخلص إلى النتائج ذاتها.

وبعد حتى أعاد هيوم تحليله الشكي للعقل قدم القسم العاشر من التحقيق الأول، وهومنطقة "في المعجزات" الذي رفض الناشر من قبل حتى يطبعه ضمن الرسالة. واستهله باعتداده العادي بنفسه، "إني أغبط نفسي على أنني عثرت على حجة... إذا صدقت كانت للعقلاء والمثقفين رانادىً دائماً لكل ضروب الوهم الخرافي وستكون إذن نافعة أبد الدهر". ثم يطلق أشهر فقراته فيقول:

"ما من شهادة تكفي لإثبات معجزة، إلا إذا كانت الشهادة منقد يكون فيه كذبها أكثر إعجازاً من الواقعة التي تحاول إثباتها... فإذا أنبأني إنسان بأنه رأى ميتاً يبعث، سألت نفسي للتوأيهما أكثر احتمالاً، حتىقد يكون هذا الشخص خانادىً ومخدوعاً، أوحتى الواقعة التي يرويها سقطت عملاً. فأوازن بين المعجزتين، وطبقاً لرجحان إحداهما... أرفض المعجزة الأكبر. ولن تجد في التاريخ كله معجزة شهد عليهما عدد كاف من الناس، أوتوا من صادق الإدراك والتعليم والثقافة ما يؤمننا أي انخداع قد ينخدعون به، ومن النزاهة التي لا ريب فيها ما يحملهم فوق أي شبهات من أي قصد في خديعة غيرهم، ومن الثقة وحسن السمعة في أعين البشر ما يجعلهم يخسرون الكثير إذا ضبطوا متلبسين بأي كذبة؛ ويشهدون في الوقت نفسه على وقائع سقطت علانية، وفي جزء مشهور من العالم، مما يجعل الضبط أمراً لا يمكن تجنبه؛ وهذه الظروف كلها لازمة لإعطائنا الثقة الكاملة في الشهادة البشر.. "إن القانون الذي نهتدي به عادة في استدلالاتنا العقلية هوحتى الأمور التي لا خبرة لنا بها تشبه تلك التي لنا بها خبرة؛ وأن ما وجدناه أكثر الأمور عادية هودائماً أكثرها احتمالاً؛ وأنه حيثقد يكون هناك تعارض في الحجج ينبغي لنا حتى نفضل تلك القائمة على أكبر عدد من الملاحظات الماضية.. وأنها لقرينه قوية ضد جميع العلاقات الخارجة والإعجازية ما يلاحظ من أنها تكثر على الأخص بين الأمم الجاهلة والهمجية،... ومن الغريب حتى مثل هذه العجائب لا تحدث أبداً في أيامنا. ولكن لا غرابة... في حتى يكذب الناس في جميع العصور(106)".

واسترسل هيوم في انادىء عقبات أخرى في طريق الإيمان المسيحي: حياد الطبيعة الهادئ إزاء الإنسان ومنافسيه على الأرض؛ وتنوع الشرور المتكاثر في الحياة والتاريخ؛ ومسئولية الله الواضحة عن خطيئة آدم، وعن جميع الخطايا، في عالم لا يمكن حتى يقع فيه شيء- طبقاً لفرض المسيحي- إلا برضي الله. ودرءاً لتهمة الكفر عنه، أجرى هيوم على لسان "صديق يحب المفارقات الشكية" "لا أستطيع أبداً الموافقة" على مبادئه، دفاعاً عن تخيل أبيقور حتى الآلهة موجودة ولكنها لا تعبأ بالبشر. ويتساءل الصديق لم لا يمكن حتى يتفق الدين والفلسفة على ألا يزعج أحدهما الآخر كما اتفقا- فيما يظن- في الحضارة الهلنستية: "بعد حتى انتهى الفزَع الأول الذي نجم عن مفارقات ومبادئ الفلاسفة الجديدة، يظهر حتى هؤلاء المفهمين عاشوا طوال العصور القديمة في انسجام عظيم من الخرافة المقررة، وقسموا البشر قسمة عادلة بينهما: فالقسم الأول يدعى لنفسه جميع الفهماء والحكماء، والثاني جميع السوقة والأميين(107)". فيا له من أسلوب للمهادنة!

وفي 1749 عاد هيوم إلى إسكتلندة ليعيش مع أخيه وأخته في ضيعتهما بناينويلز. وبعد عامين تزوج جون هيوم، وانتقل ديفيد إلى أدنبرة، وأوفد إلى المطبعة الآن "التحقيق في مبادئ الأخلاق" الذي أما حتى يحل محل المجلد الثالث من الرسالة، وأكد من حديث حتى الحس الأخلاقي مشتق ن التعاطف أوالمشاعر الاجتماعية؛ ورفض ما مضى إليه سقراط من حتى الفضيلة والذكاء شيء واحد؛ واستنكر استنكاراً قاطعاً فكرة لأرشفوكوالقائلة بأن الأفعال "الغيرية" مدفوعة أنانياً بأمل اللذة الحاصلة من التقدير الاجتماعي الذي يتسقط حتى تحظى به. فاللذة التي نستشعرها في مثل هذه الأفعال، في رأي هيوم، ليست سبباً لها بل مرافقاً ونتيجة لها؛ أما الأفعال ذاتها فهي عملية من عمليات غرائزنا الاجتماعية(108).

ولكن أبرز ملامح هذا التحقيق الثاني هوتفصيله لمبدأ منفعة أخلاقي. فبعد هتشسن بثلاثة وعشرين عاماً، وقبل بنتام بثمانية وثلاثين، عهد هيوم الفضيلة بأنها "كل صفة في العقل نافعة أولذيذة للشخص نفسه أولغيره(109)". وعلى هذا الأساس برر الذات الصحية للحياة باعتبارها نافعة للفرد، والمعيار المزدوج للفضيلة باعتباره نافعاً للمجتمع. يقول:

"إن طفولة الإنسان الطويلة العاجزة تقتضي تضافر الوالدين للإبقاء على حياة صغارهما، وهذا التضافر يحتاج إلى فضيلة العفة أوالوفاء للفراش الزوجي.. والخيانة من هذا النوع أشد أذى في المرأة منها في الرجل. ومن ثم كانت قوانين العفة أشد صرامة على أحد الجنسين منها على الآخر(110)". وقد خط المؤلف المفتون بكتابه عن هذا التحقيق في مبادئ الأخلاق يقول: "في رأيي (أنا الذي ينبغي ألا أكون حكماً في هذا الموضوع) أنه من بين جميع مؤلفاتي.. .. أفضلها بما لا يقاس" وأضاف "لقد ولد غير ملحوظ ولا مرموق في هذه الدنيا(111)".


د- الداروينية والمسيحية

وفي 1751 ألف "حوارات في الدين الطبيعي". وهوأشد ما أخرج مزاجه الشيطاني تخريباً وعدواناً على المقدسات. هنا يتحدث ثلاثة أشخاص، ديميا الذي يدافع عن السنية، وكليانثيس الربوبي، وفيلوالذي هوهيوم لا يخطئه النظر. ويزعم ديميا أنه ما لم نفترض وجود عقل أعلى وراء ظواهر الطبيعة فإن العالم يصبح غير مفهوم إلى حد لا يطاق، ولكنه يسلم حتى إلهه غير مفهوم بتاتاً للعقل البشري(112). ويلوم كليانثيس ديميا على محاولته تفسير غير المفهوم بغير المفهوم، ويؤثر حتى يثبت وجود الله بأدلة القصد في الطبيعة. أما فيلوفيسخر من الحجتين، ويزعم حتى العقل لا يمكن أبداً حتى يفسر العالم أويثبت وجود الله. "فأي امتياز خاص تمتاز به حركة الدماغ الصغيرة هذه التي نسميها الفكر، حتى يتحتم علينا حتى نجعلها نموذجاً للكون كله؟(113)". وأما عن القصد، فإن تكييف الأعضاء لتلائم الأغراض من الممكن لم ينشأ عن إرشاد إلهي، بل عن تجارب الطبيعة، البطيئة المتخبطة، خلال آلاف السنين(114). (هنا نجد "الانتخاب الطبيعي" بعد 1.800 سنة من لوكرينيوس، وقبل 108 سنة من داروين). وحتى لوسلمنا بالقصد فوق الطبيعي، فإن قصور التكييفات وعيوبها، وآلاف الآلام في دنيا الإنسان والحيوان، تكشف لنا- على أحسن الفروض- عن إله محدود القدرات والذكاء، أوإله غير مكترث للبشر بتاتاً. "فحياة الإنسان في النهاية ليست أعظم أهمية للكون عن حياة المحارة(115)" يقول:

"يخيل للمرء حتى هذا الإنتاج الفخم لم يتلق آخر اللمسات من خالقه، فكل جزء فيه ناقص الصقل جداً، والخطوط التي نُفذ بها غاية في الخشونة. فالرياح مثلاً تساعد الناس على الملاحة، ولكن وما أكثر حتى تصبح مؤذية حين تنقلب زوابع وأعاصير! والأمطار ضرورية لتغذية جميع نباتات الأرض وحيواناتها، ولكن ما أكثر ما تكون شحيحة وما أكثر ما تكون مسرفة!... ليس في الكون شيء كثير النفع إلا انقلب المرة بعد المرة مؤذياً لإفراطه أوقصوره، ثم حتى الطبيعة لم تتخذ حيطتها بالدقة المطلوبة من جميع ألوان الخلل أوالفوضى(116)".

وأسوأ من هذا حتى الأمر لا يقتصر على وجود الخلل وسط النظام (إذا نظرنا إلى العالم على أنه مخطط)، بل إذا في وسط الحياة الزاخرة صراعاً عقيماً على الدوام مع الموت.

"إن حرباً لا يخمد لها أوار تستعر بين جميع الكائنات الحية. فالضرورة، والجوع، والعوز- تحفز الأقوياء والشجعان، والخوف، والقلق، والرعب، تقلق الضعفاء والعاجزين. وأول مدخل للوليد إلى الحياة فيه ألم مبرح له ولأمه المسكينة، والضعف والعجز والضيق رفقاء جميع فترة من مراحل تلك الحياة، ثم يختم آخر الأمر بالعذاب والرعب.. لاحظ أيضاً.. حيل الطبيعة العجيبة، لتكدر حياة جميع كائن حي.. .. تأمل ذلك الجيش العرمرم من الحشرات التي تتربى على جسم جميع حيوان، أوتغرز حمتها فيه وهي تطير من حوله... فكل حيوان يحدق به أعداء يسعون على الدوام إلى إشقائه وتدميره.. ولإنسان ألد خصوم الإنسان. فالقهر، والظلم، والاحتقار والإهانة، والعنف، والإغواء، والحرب، والافتراء، والغدر، والتزييف؛ بهذه يعذب الناس بعضهم بعضاً(117).

"انظر إلى هذا الكون نظرة محيطة. يا لها من وفرة هائلة في الكائنات، الحية المنظمة، الحساسة النشيطة! إنك لتعجب بهذا التنوع الضخم وهذه الخصوبة الهائلة. ولكن افحص بتدقيق أكثر هذه الكائنات الحية... ما أشد عداءها وتدميرها بعضها لبعض!... والكل لا يمثل سوى فكرة الطبيعة العمياء، التي تزخر بمبدأ محي عظيم، ويتدفق من حجرها دون تمييز أورعاية أبوية أطفالها الشائهون المجهضون(118)".

وتوحي الأدلة المتضاربة على الخير والشر في العالم إلى فيلوبثنائية الآلهة المتنافسين أوتعددهم، بعضهم "أخيار" وبعضهم "أشرار"، وربما كانوا مختلفي الجنس. وهويلمع في خبث إلى حتى العالم:

"لم يكن سوى المحاولة الفجة الأولى لإله طفل أقلع عنها بعد ذلك خجلاً من إنجازه الأعرج.. أوأنه نتاج الشيخوخة والخرف في إله طعن في السن، وبعد موته واصل العالم مسيرته مغامراً، مدفوعاً بالدفعة والقوة الفعالة الأولى التي تلقاها منه(119)".

ولعل العالم كما أكد البراهمة "نشأ عن عنكبوت لا نهائي غزل خيوطه المعقدة كلها من أمعائه... فلم لا يغزل نسق منظم من البطن كما يغزل من الدماغ؟(120)". فتكون الخليقة والحالة هذه أنسالاً. أومن الممكن "كان العالم حيواناً والإله روح العالم التي تحركه وتتحرك به(121)". وبعد هذا المزاح كله يعود فيلوإلى القصد، فيسلم بأن "علة النظام أوعلله في الكون فيها على الأرجح بعض الشبه بالذكاء الإنساني(122)". ثم يعتذر عن آرائه المخزية عن الكون:

"يجب حتى أعترف أنني أقل حذراً في موضوع الدين الطبيعي مني في أي موضوع آخر... وأنك على الأخص يا كليانثيس، أنت الذي أعيش معه في علاقة حميمة بغير قيود، تدرك أنني رغم تحور حديثي، وحبي للحجج الغريبة، فليس هناك من طبع ذهنه بإحساس بالدين أعمق من إحساسي، أومن يعبد الكاهن الإلهي عبادة أعمق إذ يكتشف في نفسه أنه يناقش أساليب الطبيعة وحيلها التي لا يمكن تفسيرها. فالقصد، أوالنية، أوالتخطيط، يسترعي في جميع مكان نظر أشد المفكرين غفلة وغباء، وما من رجل يمكن حتى يتجمد في المذاهب الفلسفة السخيفة تجمداً يجعله يرفض هذا القصد على طول الخط(123)".

على حتى أصحاب هيوم ناشدوه ألا ينشر الحوارات رغم هذا العرض بالمصالحة. فأذعن، وحبس المخطوطة في مخطه، فلم تر النور إلا في عام 179، بعد موته بثلاث سنوات. ولكن افتتانه بالدين أغراه بالعودة إلى الموضوع، وفي 1757 نشر "أربع منطقات" تناولت إحداها "تاريخاً طبيعياً للدين". وسحب منطقين آخرين بناء على إلحاح ناشره، وقد طبعا حين كان أبعد من حتى يناله خوف أولوم؛ وأحد الموضوعين عن الخلود، والآخر تبرير للانتحار حين يصبح الشخص عبئاً على إخوانه.

ومنطق "التاريخ الطبيعي للدين" هذا يجمع بين اهتمام هيوم القديم بالدين، واهتمامه الجديد بالتاريخ. فقد فات فترة الهجوم على المعتقدات القديمة إلى فترة التساؤل عن كيفية توصل الإنسان إلى اعتناقها. ولكنه لا يميل إلى البحث الصابر المستأني، حتى بين المواد الشحيحة المتاحة آنئذ عن الأصول الاجتماعية، بل يؤثر حتى يتناول المشكلة بالتحليل السيكولوجي والاستنباط العقلي. فعقل الإنسان البدائي فسر العلية كلها قياساً على إرادته وسلوكه، فوراء أعمال الطبيعة وأشكالها- كالأنهار والمحيطات والجبال والعواصف والأوبئة والعجائب الخ- تصور هذا الإنسان أعمالاً إرادية يقوم بها أشخاص مختفون ذووقدرة خارقة؛ ومن هنا كان الشرك أول ضروب الإيمان الديني. وإذ كانت قوى أوأحداث كثيرة مؤذية للإنسان، فقد كان لخوف نصيب موفور في أساطيره وعباداته، فجسد هذه القوى الشريرة والشياطين وحاول حتى يسترضيها. ولعل الإله لذي آمن به كلفن كان شيطاناً قاسياً، خبيثاً، مستبداً، قاسي الإرضاء (وهذه إشارة خبيثة من هيوم)(124). وإذ تصور الإنسان الآلهة الخيرة على شكل البشر- إلا من حيث القوة والدوام، فإنه افترض أنها تمنح العون والراحة بقاء الهدايا والزلفى، ومن ثم كانت طقوس القرابين، والضحايا، والعبادة، وصلاة التضرع. وبازدياد التنظيم الاجتماعي حجماً واتساعاً، وبخضوع الحكام المحليين لملوك أعظم، موت دنيا اللاهوت بتغيير مشابه، فعزا الإنسان في الخيال إلى الآلهة نظاماً هرمياً تسوده الطاعة، وانبعث التوحيد من الشرك، وبينما كانت الجماهير لا تزال تجثوللآلهة أوالقديسين المحليين، عبد المثقفون زيوس، أوجوبتر، أوالله.

ولسوء الحظ أصبح الدين أكثر تعصباً حدثا غدا أكثر توحيداً. فالشرك جاز بألوان كثيرة من العقيدة الدينية، أما التوحيد فقد طالب بالتماثل. وانتشر الاضطهاد، وغدت الصيحة المطالبة بالعقيدة السنية "أعنف العواطف الإنسانية وأعتاها جميعاً(125)". وأكرهت الفلسفة على حتى تكون خادماً لإيمان الجماهير ومدافعاً عنه بعد حتى كانت مطلقة نسبياً بين القدامى باعتبارها دين الصفوة. وفي هذه العقائد التوحيدية- اليهودية والمسيحية والإسلام- فصل الاستحقاق و"الخلاص" أكثر فأكثر عن الفضيلة، وربط بحفظ الشعائر والإيمان الأعمى. وترتب على هذا حتى المتفهمين أصبحوا أما شهداء وأما منافقين، وبما أنهم قلّما اختاروا الاستشهاد، فإن حياة البشر لوثها النفاق وعدم الإخلاص.

على حتى هيوم كان يغضي عن قدر من النفاق، وذلك في نوباته الأقل ولعاً بالقتال. مثال ذلك أنه حين استشاره قسيس شاب فقد إيمانه أيبقى في الكنيسة ويقبل وظائفها، أجاب ديفد، ابق:

"إن الوظائف المدنية الصالحة للمثقفين نادرة... ومن المغالاة في احترام العامة ونزعاتهم الخرافية حتى يعتز المرء بإخلاصه معهم. فهل وقع مرة حتى التزم إنسان بشرفه بأن يقول الصدق للأطفال أوالمجانين؟... والوظيفة الكنسية إنما تضيف القليل إلى الخداع أوقل التظاهر- البريء- الذي يبدونه يستحيل على المرء حتى يشق طريقه في هذه الدنيا(126)".


هـ- الشيوعية والديمقراطية

اتجه هيوم في أخريات عمره أكثر فأكثر إلى السياسة والتاريخ بعد حتى أعياه الجدل حول مسائل يقررها الوجدان- في رأيه أكثر مما يقررها العقل. ففي 1752 نشر "أحاديث سياسية". وقد أدهشته إقبال القراء عليها. وأبهج إنجلترا حتى تنسي نزعته لاهوته المدمرة في النزعة المحافظة لسياسته. كان يتعاطف بعض الشيء مع التطلعات إلى مساواة شيوعية:

"لا بد في الحق من الاعتراف بأن الطبيعة سخت على الإنسان سخاء يتيح لكل فرد حتى يتمتع بجميع ضروريات الحياة، بل أكثر كمالياتها، لوحتى عطاياها كلها قسمت بالقسط بين الأنواع، وحسنت بالفن والصناعة،.. كذلك لا بد من الاعتراف بأننا أينما خرجنا على هذه المساواة سلبنا من الفقراء رضي أكثر مما نضيف إلى الأغنياء، وبأن الإشباع الطفيف لغرور طائش في فرد واحد، كثيراً ما كلف أكثر مما يكلفه الخبز لكثير من الأسر بل الأنطقيم".

ولكنه أحس حتى الطبيعة البشرية تجعل حلم المدينة الفاضلة التي تسودها المساواة ضرباً من المحال:

"إن المؤرخين ينبئوننا، لا بل الفطرة السلمية تنبئنا، بأن هذه الأفكار عن المساواة "التامة" مهما بدت قيمة إلا أنها في صميمها "غير ممكنة عملياً"، وألا لألحقت أشد الأذى بالمجتمع الإنساني. فلوأنك سوبت تسوية كاملة بين الملكيات، لحطمت درجات الناس ومراتبهم المتنوعة من حيث الصنعة والعناية والجد تلك المساواة فوراً. أولوفرضت الرقابة على هذه الفضائل... لأحتجت إلى أكثر محاكم التفتيش صرامة لمراقبة أي ضرب من عدم مساواة بمجرد ظهوره، وأشد السلطات القضائية صرامة لعقابه وإصلاحه.. .. فمثل هذا السلطان المفرط لا بد حتى ينحدر سريعاً إلى درك الطغيان(127)".

ونالت الديمقراطية من هيوم، كما نالت الشيوعية، رفضه المتعاطف. فالمبدأ في رأيه "مبدأ... نبيل في ذاته... ولكن تكذبه جميع التجارب، حتى الناس هم الأصل في جميع ضروب الحكم العادل(128)". ورفض النظرية (التي سيحييها روسوبعد قليل) القائلة بأن الحكومة نشأت أصلاً من "تعاقد اجتماعي" بين الناس، أوبين الشعب والحاكم، لأنها نظرية صبيانية:

"فكل الحكومات الموجودة الآن تقريباً، أوالتي خلفت لنا أي سجل في التاريخ، أسست أصلاً إما على الاغتصاب، أوعلى الغزو، أوعليهما جميعاً، دون حتى تزعم بأنها حظيت بموافقة الشعب، أوبخضوعه الاختياري. وأغلب الظن حتى أول سيطرة الإنسان على الجماهير بدأت في حالة الحرب.. .. وكان من أثر استمرار تلك الحالة طويلاً... وهوأمر مألوف لدى القبائل المتوحشة، حتى الشعب تعود الخضوع(129)".

إلى غير ذلك أصبحت الملكية أكثر أشكال الحكم انتشاراً، ودواماً، وأذن فأكثرها عملية على الأرجح. "إن الأمير الوراثي، والنبلاء دون أتباعهم، والشعب الذي يصوت بواسطة ممثليه، يؤلفون خير ملكية، وأرستقراطية، وديمقراطية(130)".

وبالإضافة إلى تفنيد هيوم لروسوسلفاً، استخدم أسلوبه "الأديسوني" لينبذ سلفاً نظرية مونتسكيوالتي تزعم حتى مناخ البلد يقرر طبع أهله. خط يقول في "منطقات أخلاقية وسياسية" ظهرت طبعته الثانية في آن واحد تقريباً (1748) مع "روح القوانين": "أما عن الأسباب الطبيعية فإني أميل إلى الشك في مفعولها في هذا المجال. كذلك لا أظن حتى الناس يدينون بأي شيء في طبعهم أونبوغهم للهواء أوالغذاء أوالمناخ(131)". فالخلق القومي يترتب على الحدود القومية لا المناطق المناخية، وأهم ما يقرره هوالقوانين والحكومة وهيكل المجتمع وأعمال السكان ومحاكاة الجيران أوالرؤساء.

في ظل هذه العوامل المتنوعة المحلية تكون الطبيعة البشرية أساساً طبيعة واحدة في جميع زمان ومكان؛ فالدوافع والغرائز ذاتها، التي تفرضها دواعي البقاء، تنتج أساساً، في جميع العصور والأقطار، الأفعال والنتائج ذاتها.

"فالطموح والجشع ومحبة الذات والغرور والصداقة والكرم وروح الجماعة- هذه العواطف، المختلطة بدرجات متفاوتة، والموزعة بين أفراد المجتمع، كانت منذ حتى وجدت الدنيا وما زالت مصدر جميع الأفعال والمشروعات التي لوحظت بين بني البشر. أتريد حتى تعهد عواطف اليونان والرومان وميولهم وسير حياتهم،يا ترى؟ إذن فادرس جيداً طبائع الفرنسيين والإنجليز وأفعالهم، فلن تخطئ كثيراً حتى طبقت على الأولين معظم الملاحظات التي لاحظتها على الآخرين- فالبشر شيديوالتشابه في جميع زمان ومكان حتى إذا التاريخ لا يضيف إلى فهمنا جديداً أوغريباً في هذا الباب. وأهم فائدة له حتى يكشف عن المبادئ الثابتة والعامة للطبيعة البشرية بعرضه البشر في شتى الظروف والمواقف، ويمدنا بالمواد التي نكون منها ملاحظاتنا ونحيط منها فهماً بالمنابع المنتظمة لأفعال البشر وسلوكهم. فهذه السجلات للحروب والدسائس والأحزاب والثورات هي مجموعات كبيرة من التجارب يستعين بها فيلسوف السياسة أوالأخلاق على تحديد مبادئ فهمه (132)".

وقد أضاف هيوم إضافات قيمة للفكر الاقتصادي في كتابيه "أحاديث سياسية" و"منطقات ورسائل في موضوعات مختلفة" (1753). ذلك أنه رفض رأي الفيزوقراطيين الفرنسيين القائل بأن جميع الضرائب تقع في النهاية على الأرض. ومضى إلى أنها تقع في النهاية على العمل، لأن "كل شيء في العالم يشترى بالعمل(133)" (وهوهنا مردد صدى لوك). وحتى قبل حتى تتشكل الثورة الصناعية تنبأ بأن العمال "سيحملون أجورهم بالتكتل"، وندد بتمويل المصروفات والمشروعات الحكومية بالضرائب المرتفعة والإصدارات المتكررة للسندات، وتنبأ بأن مثل هذه الإجراءات الضريبية ستجر "الحكومات الحرة" إلى "حالة العبودية التي ترزخ تحتها جميع الأمم المحيطة بنا"(134). والنقود ليست هي الثروة، وسك مقادير تزيد على متطلبات التجارة منها إنما يحمل الأسعار ويعرقل التجارة الخارجية. والنظرية "المركنتلية" الخاطئة التي ما زالت تحمل الدول الأوربية على الهجريز على الصادرات، ومنع الواردات، وتجميع المضى، ستحرم أوربا من المنافع الدولية الناشئة عن قدرة جميع أمة على إنتاج سلع نوعية بفضل التربة والمناخ والمهارات الخاصة بأدنى تكلفة وأعلى جودة. ثم جرؤ على حتى يصلي:

"لا بوصفي إنساناً فحسب، بل أحد الرعايا البريطانيين،.. لأجل التجارة المزدهرة لألمانيا، وأسبانيا، وإيطاليا، بل وفرنسا ذاتها. وإني على الأقل واثق حتى بريطانيا العظمى وهذه الأمم جميعاً سيزيد ازدهارها لوحتى ملوكها ووزراءها اعتنقوا هذه الآراء السمحة الخيرة نحوبعضهم البعض... فازدياد الثروة والتجارة في أي أمة لا يؤذي وإنما على العكس من ذلك يدعم عادة ثروة وتجارة جيرانها جميعاً(135)".

هذه الأفكار، التي من الممكن كانت متأثرة بممضى "عدم التدخل" الذي نادى به الفيزيوقراطيون، أثرت بدورها في آدم سمث، صديق هيوم، ولعبت دوراً في تطوير سياسة بريطانية تقول بحرية التجارة، وهي تجد تحقيقها في أوربا الغربية في عصرنا هذا.


و- التاريخ

في 1752 بعد حملة شنها عليه الحزب السني الذي اتهمه بأنه زنديق وقح، انتخب هيوم أميناً لمخطة كلية المحامين بأدنبرة. وكان المنصب كبير المعنى في نظره رغم تواضع راتبه الذي لم يزد على أربعين جنيهاً في العام، لأنه جعله السيد المتصرف في ثلاثين ألف مجلد. وبفضل وجود هذه المخطة في متناوله استطاع حتى يؤلف كتابه "تاريخ إنجلترا". وكان في عام 1748 قد اعترف إلى صديق له بهذه الحدثات "لقد طالما نويت حتى أؤلف كتاب تاريخ في سني حياتي الأكثر نضجاً(136)". وكان يسمى التاريخ "الخليلة العظمى للحكمة(137)"، ويؤمل حتى يجدد فيه مسببات نهوض الأمم وسقوطها، يضاف إلى هذا:

"أن نرى النوع الإنساني كله يمر بنا وكأنه في عرض أمامنا. بادياً على سجيته، دون أي من هذه الاستخفاءات التي طالما شوشت حكم المتفرجين على هؤلاء الناس أثناء حياتهم- فأي مشهد آخر يمكن حتى تتصوره بهذا البهاء والتنويع والتشويق،يا ترى؟ وأي متعة للحواس أوالخيال يمكن حتى تقارن به؟(138)".

إن مظاهر القرن الثامن عشر أنه أنجب في جيل واحد ثلاثة من أعظم مؤرخي العالم؛ ڤولتير، وهيوم، وجبون، وكلهم مؤسس في الفلسفة، محاول حتى يعيد تفسير التاريخ بلغة غير اللاهوت، وفي أعرض منظور للفهم حشده زمانه. ولم يملّ جبون من الثناء على هيوم والإقرار بفضل تأثيره، وكان يقدر إطراء هيوم للمجلد الأول ممن "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها" (1776) فوق جميع إطراء آخر. فهل كان هيوم بدوره مديناً بالكثير لفولتير،يا ترى؟ كان قد توصل إلى فلسفته وصاغها كباحث مدين للربوبيين الإنجليز لا للشكاك الفرنسيين. "والرسالة في الطبيعة البشرية" سبقت جميع الأعمال الكبرى التي خطها فولتير وديدروومونتسكيو. ولكن من الممكن كان كتاب هيوم "تاريخ إنجلترا" (1754- 62) مديناً بشيء لكتاب فولتير "عصر لويس الرابع عشر" (1751)، وحتى لكتاب "منطق في العهد" الذي طبعت أجزاء منه في 1745 و1755. هؤلاء المؤرخون الثلاثة كلهم أجمعوا على فضح الخرافة، ورفض التفسيرات الخارقة، والتوحيد بين التقدم وتطور الفهم والعادات والفنون.

وخط هيوم تاريخه إلى الخلف. فغطى مجلده الأول الصادر في (1754) عهدي جيمس الأول وتشارلز الأول- السنوات 1603- 49، والثاني (الصادر في 1756) امتد من 1649 إلى 1688، والثالث والرابع (الصادران في 1759) من 1485 إلى 1603، والخامس والسادس (الصادران في 1761) من غزويوليوس قيصر لإنجلترا إلى ارتقاء هنري السابع العرش في 1485.

وقد أدهشه عنف النقد الذي هوجم به المجلد الأول. كان يؤمن بأن تسلط حزب الأحرار على إنجلترا منذ استقدموا وليم الثالث في 1688، وخوفهم من الثورتين الأستيوارتيتين الناشبتين في 1715 و1745، قد لوثا كتابة التاريخ الرسمي الإنجليزي بالعداء لأسرة ستيوارت، ثم زعم أنه بريء من النزعات المضادة. "رأيتني المؤرخ الوحيد الذي أهمل في وقت واحد الحكومة والمصلحة والسلطة الراهنة من جهة، وصيحة التحيز الجماهيري من جهة أخرى(136)". ولكنه نسي أنه اسكتلندي، وأن إسكتلندة ما زالت تبكي سراً أميرها الجميل تشارلي، وأن الاسكتلنديين، وأغلب الظن حتى هيوم لم يشذ عنهم، لم يغفروا قط لإنجلترا قتلها تشارلز الأول نصف الاسكتلندي، واستقدامها أولاً رجلاً هولندياً، ثم آخر ألمانياً، لحكم إنجلترا وإسكتلندة وويلز. فبينما نراه يسلم بأن تشارلز الأول جاوز حدود الامتيازات الملكية واستحق حتى يخلع، نجده بصور البرلمان متجاوزاً بالمثل حقه، ومذنباً بالمثل في أمر الحرب الأهلية. ولقد سلم بحق لامة في خلع الملك الصالح، ولكنه تمنى لوحتى أحداً لم يدفع هذا الحق قط إلى نهايته، وخاف من "هياج الشعب وظلمه" وأحس حتى إعدام تشارلز "الرجل المعتدل الكريم النفس" قد زعزع بشكل خطر عادات الشعب في احترام الحكومة. واحتقر البيورتان لأنهم "منافقون متظاهرون بالتقوى "لوثوا" لغتهم "برطانه" غامضة و"ووشوا آثامهم بالصلوات(140)". وحكم على فترة الكومونولث (جمهورية كرومويل) بأنها فترة تقوى قاتلة، وطغيان عسكري، وفوضى اجتماعية، لم تبرأ البلاد منها إلا بعودة أسرة ستيوارت إلى العرش. وقد مضى فولتير في عرضه لتاريخ هيوم إلى أنه منصف تمام الإنصاف:ا

"إن المستر هيوم... غير متحيز للبرلمان ولا للملكية، ولا هوأنجليكاني ولا مشيخي، إنما هورجل منصف لا أكثر. فلقد طالما حرم جنون الحزبية إنجلترا من المؤرخ النزيه كما حرمها من الحكومة الصالحة. فما خطه محافظ كان يرفضه الأحرار، الذين يكذبهم المحافظون بدورهم... ولكننا نجد في المؤرخ الجديد ذهناً يسموفوق مظانه، يتحدث عن مواطن الضعف وعن الأخطاء الجسمية وأفعال القسوة حيث الطبيب عن الأوبئة(141)".

أما النقاد البريطانيون فلم يوافقوا فولتير. فهولم يأخذوا على هيوم إنه قل حتى عاد إلى المصادر الأصلية، بل (كما ذكر فيما بعد) "هوجم بصيحة واحدة كلها لوم واستنكار، بل بغض وكراهية. فالإنجليز، والاسكتلنديون، والإيرلنديون، والأحرار، والمحافظون، ورجال الكنيسة الأنجليكانية وأتباع المذاهب المنشقة، وأحرار الفكر المتدينون، والوطنيون والحاشية- جميع أولئك أجمعوا على السخط على الرجل الذي جرؤ على حتى يذرف دمعة كريمة على مصير تشارلز الأول وايرل سترافورد. وبعد حتى همدت السورة الأولى لغضبتهم، كان أشد خزياً ما بدأ من حتى الكتاب طوى في زوايا النسيان. وقد أبلغني المستر ملر أنه لم يبع خلال اثني عشر شهراً إلا خمسة وأربعين نسخة منه(142)". وقد فت هذا في عضده حتى لقد حدثته نفسه حيناً بأن يرحل كما رحل في شبابه إلى مدينة من مدن الأنطقيم في فرنسا، حيث يستطيع العيش باسم منتحل. ولكن فرنسا وإنجلترا كانتا تقتتلان، وقد أوشك المجلد الثاني على نهايته، فاعتزم حتى يواصل العمل. وازداد تحيزه بسبب ما لقي من معارضة، ففي تنقيحه للمجلد الأول أدخل "نيفا ومائة تغيير". ولكنه يقول بكل البهجة الخبيثة التي يستشعرها عفريت ضخم "جعلتها كلها في صف المحافظين(143)" ومع ذلك بيع من المجلدات التالية عدد لا بأس به، ورحب به المحافظون الآن محامياً شديد المرس، وسلم بعض الأحرار بسحر أسلوبه البسيط، الواضح، البتار، الصريح، الذي تجاوز أحياناً وقار جبون الحصيف. فوصفه للصراع المثير بين هنري الثاني وتوماس أبيكيت يضارع رواية جبون لاستيلاء العثمانيين على القسطنطينية. وحمل تأثير المجلدات الستة المتراكم صيت هيوم إلى ذروته. وفي 1762 مضى بوزويل في تقديره له إلى أنه "أعظم الكتاب في بريطانيا(144)"- ولكن بوزويل كان اسكتلندياً. وفي 1764 صرح فولتير في تواضع بأن الكتاب "ربما كان أفضل تاريخ خط في أي لغة إطلاقاً(145)" وقد زاحه جبون وماكولي إلى الظل، ووازن ماكولي تحيزه بتحيز معادل، ولا ينصحنا المؤرخون بقراءة كتاب هيوم اليوم، لأن تسجيله للوقائع قد طرأت عليه تحسينات منذ أمد بعيد، ولكن قارئاً بدأ قراءته باعتباره واجباً فوجده فيه الإنارة والمتعة.


ز- الفيلسوف العجوز

في 1755 بدأت حركة يقودها بعض رجال الدين الاسكتلنديين لاتهام هيوم أمام مجمع الكنيسة العامة بتهمة الزندقة، وكان "التنوير الاسكتلندي" قد أنجب حركة متحررة بين شباب القساوسة، فاستطاعوا حتى يحولوا دون أي إدانة علنية للفيلسوف- المؤرخ؛ ولكن الهجمات الكنيسة اتصلت هذه، ولدغته لدغات جعلته يعود إلى التفكير في الفرار. وواتته فرصته حين نادىه ايرل هرتفورد (1763) ليكون نائب سكرتير له في سفارة لفرنسا، وحصل له على معاش قدره 200 جنيه مدى الحياة.

وكان منذ أمد بعيد معجباً بالفكر الفرنسي، وقد تأثر بالرعيل الأول من كتاب "التنوير"الفرنسي، وراسل مونتسكيووفولتير. وكانت أعماله تحظى في فرنسا بثناء يفوق كثيراً ما حظيت به في إنجلترا. وعشقته الكونتيسة دبوفليه من قراءة خطه، وخطت له تتملقه، واتىت لندن إلى لتراه، فأفلت منها. ولكن حين وصل باريس بسطت عليه رعايتها، وجعلته بطل صالونها، وناضلت لتوقظ صدره عاطفة الرجولة، ولكنه وجدته أثبت وأرسي من حتى تجرفه رياح الغرام. وكان يدعى للمآدب في الاجتماع تلوالاجتماع. نطقت مدام دبينيه "لاتكتمل بدونه". وفتحت له الأرستقراطية ذراعيها، ورفت من حوله عظيمات النساء- حتى بومبادور العليلة. وخط يقول: "إني واثق حتى لويس الرابع عشر لم يكابد قط في أي ثلاثة أسابيع من حياته مثل هذا التملق الكثير". والتقى بطورجوودالمبير ودولباخ وديدرو، ونادىه فولتير من عرشه النائي في فرنيه "يا قديسي ديفد". وأدهش ايرل هرتفورد حتى يجد الناس يسعون وراء سكرتيره وينحنون له أكثر كثيراً مما يعملون معه. ولكن هوراس ولبول غاظه هذا كله، وسخر بعض "الفلاسفة" من بدانة هيوم غيرة منه. وفي إحدى الحفلات بعد حتى ولج هيوم عقب دالمبير بآية من الإنجيل الرابع (يوحنا) "والحدثة صار جسداً" وقيل إذا إحدى السيدات المعجبات بهيوم ردت عنها على الملاحظة بحضور بديهة عجيب "والحدثة صار محبوباً(146)". لا عجب حتى يخط هيوم، الذي ناكده خصومه في أدنبرة، وكرهون في لندن، "إن الحياة في باريس تبعث على الرضي الحقيقي لوفرة مجتمع الأشخاص المعقولين الأذكياء المهذبين، الذين تزخر بهم المدينة(147)".

وفي نوفمبر 1965 أقبل سفير بريطاني جديد، فأنهى استخدام هيوم فعاد إلى أدنبرة، ولكن في 1767 قبل وظيفة وكيل في وزارة الخارجية بلندن. في هذه الفترة أتى بروسوإلى إنجلترا، فخلق له متاعب مشهورة، ولا بد من إراتى هذه السيرة الآن. وفي أغسطس 1769، حين بلغ الثانية والخمسين، عاد نهائياً إلى أدنبرة، وقد غدا الآن "غنياً جداً (لأنني كنت أملك دخلاً قدره ألف جنيه في العام) سليم البدن، أتسقط- رغم أني طعنت في السن بعض الشيء- حتى استمتع طويلاً بالراحة، وأن أرى شهرتي في اتساع(148)".

وأصبح بيته في شارع سانت ديفد صالوناً يجتمع فيه من حوله آدم سمث ووليم روبرتسن وغيرهما من مشاهير الاسكتلنديين كأنه ملكهم المعترف به. ولم يحبوه لرجاحة ذهنه فحسب، فقد رأوا أنه رغم استدلالات العقلية المحطمة للمقدسات، محدث ظريف بشوش معتدل في الجدل متسامح مع الآراء المعارضة، لا يسمح للخلاف في الأفكار بالانتقاص من حرارة صداقاته. ويبدوأنه (كمونتيني وفولتير) كان يضع الصداقة فوق الحب. "إن الصداقة بهجة الحياة الإنسانية الكبرى(149)". ومع ذلك كان محبوباً من النساء، من الممكن لأنه لم يكن متزوجاً. وكان الضيف الأثير في بيوت كثيرة، وإذا كانت سمنته تتلف المقاعد(150)، فإن خفة روحه عوضت عن ثقل بدنه، وقد اقترح ضريبة على السمنة، ولكنه تسقط حتى "بعض القساوسة قد يدعون حتى الكنيسة في خطر"، وكان يبارك ذكرى يوليوس قيصر لأنه آثر السمان من الرجال- نطق آدم سمث: "كنت على الجملة أعده دائماً.. أقرب ما تسمح به طبيعة الضعف البشري من فكرة عن الرجل الكامل الحكمة والفضيلة(151)".

وإذا لم يكن بد من البحث عن نقائص في هذا الخلق الذي بلغ غاية اللطف، أوعن بقعة معتمة في هذا الذهن الألمعي، فإن أكبر أخطائه التي يصعب اغتفارها له هي إشاراته إلى "الفرض البشع" الذي افترضه سبينوزا "الكافر"(152)، وهي إشارات لا بد حتى الهدف منها كان تغيير لون جلده ليحمي نفسه. ولقد كانت سيكولوجية هيوم أكثر سيكولوجيات زمانه نفاذاً، ولكنها لم تعلل تماماً الإحساس بالهوية الشخصية؛ فإن حالة نفسية ما لا تستدعي حالة نفسية أخرى فحسب، بل قد تستدعيها باعتبارها حالتي "أنا"، وإحلال "التتابع المنتظم" محل "العلة" لا يحتاج سوى تغيير في العبارة؛ و"التتابع المنتظم" كاف للفهم والفلسفة؛ وكتابه "تاريخ إنجلترا" لا يفتأ يحاول تفسير الأحداث بالأسباب(153)". وإن شكوكيه تخلى عنها صاحبه صراحة في الحياة العملية، لا بد حتى تكون خاطئة من حيث نظريتها، لأن الممارسة هي المحك النهائي للنظرية. ومن الغريب حتى هيوم مع ردّه العلة إلى العهد، والفضيلة إلى شعور التعاطف، لم يعط وزناً يذكر للعهد والشعور في تفسيره للدين، وأبدى أقل التعاطف مع وظائف الدين الملحة في التاريخ. وكان عديم الإحساس بتعزيات الإيمان، والراحة التي كان يمسح بها على النفوس المقشعرة أمام سر الوجود وضخامته، أووحشة الزن، أوحتمية الهزة القاسية. لقد كان نجاح وسلي رد التاريخ على هيوم.

على أننا برغم هذه الاعتراضات التافهة نعود إلى الإقرار بما اتسم به ذهن هيوم النفاذ من رهافة بتارة. لقد كان هووحده "التنوير للجزر البريطانية، ونحن إذا استثنينا مجال الرؤية السياسية، وجدنا حتى أثر هيوم أساساً كان في بريطانيا معادلاً لأثر نيف وعشرة فلاسفة في فرنسا.. ومع أنه كان يشعر بالتأثير الفرنسي شعوراً عميقاً، فإنه توصل إلى أفكار التنوير، وكان بعض لطماته البالغة الشدة قبل حتى يجرد "الفلاسفة"- بل فولتير- مخالبهم على "العار" l'inf(me، لقد كانوا مدينين له بقدر دينه لهم. خط إليه ديدرويقول: "إني أحييك، إني أحبك، إني أجلك(154)" وفي إنجلترا أنهى ممضى الربوبية بتحديه قدرة العقل لا إلى أسوار العقيدة القديمة فحسب، بل إلى قلعته الحصينة. وكان جبون سليل هيوم في الفلسفة، وتلميذه الذي بزه في التاريخ. وفي ألمانيا أيقظ كتابه "تحقيق في الفهم البشري" كانت من "سباته الدجماطيقي" بما بدا من تقويضه لكل الفهم والميتافيزيقا واللاهوت عن طريق تشككه في موضوعية العلة. وبعد حتى قرأ كانت مخطوطة الترجمة التي قام بها هامان لكتاب "الحوارات حول الدين الطبيعي "أدمج في إعداده النهائي لكتابه "نقد العقل الخاص" (1781) انتقادات هيوم للحجة القائمة على القصد، واعتبر هذه الانتقادات مستعصية على الرد(155).

وقد خط هيوم يقول "أتمنى حتىقد يكون حظي- لأجلي ولأجل أصدقائي جميعاً- حتى أقف دون عتبة الشيخوخة فلا أوغل في ذلك الإقليم الكئيب(156). واستجاب له الحظ. تقول ترجمته الذاتية:

"في ربيع 1775 أصبت باضطراب في أمعائي لم يفزعني في لأول وهلة، ولكنه أصبح بعد ذلك، كما خشيت، قتالاً لا شفاء منه. وإني الآن أعلق أملي على الانحلال السريع. لقد عانيت ألماً طفيفاً جداً من اضطرابي هذا، وأعجب من ذلك أنني برغم التدهور الشديد الذي ألم ببدني، لم أعان قط ولوللحظة واحدة أي هبوط في معنوياتي، بحيث لوطلب إلى حتى أسمي فترة حياتي التي أوثر حتى أعيشها من حديث فربما أغربت بأي أسمى هذه الفترة الأخيرة. فعندي الحماسة ذاتها التي ألفتها في الدرس، والمرح في صحبة الإخوان، ثم أنني أحسب حتى الرجل إذا توفي وهوفي الخامسة والستين إنما يوفر على نفسه بضع سنين من العلل والإسقام(157)".

وائتمر عليه الإسهال، ذلك الانتقام الأثير إلى الآلهة من عظماء البشر، مع النزيف الداخلي، فهبطا بوزنه سبعين رطلاً في عام واحد (1775). وخط إلى الكونتيسة بوفليه يقول "إني أرى الموت يدنوشيئاً فشيئاً دون حتى أشعر بقلق أوأسى. أحييك بكثير من الود والاحترام لآخر مرة(158)" ومضى لاستشفاء بالمياه المعدنية في باث، فلم تجد فتيلاً في التهاب المعي الغليظ المقرح المزمن. ولكن ذهنه ظل هادئاً صافياً.

وعاد إلى إدنبرة في أربعة يوليوواستعد للموت "بالسرعة التي يشتهيها أعدائي إذا كان لي أعداء، واليسر والبشاشة اللذين يتمناهما لي أصدقائي(159)" فلما قرأ في كتاب لوكان "حوارات الموتى" مختلف الأعذار التي تذرعيها المحتضرون لشارون حتى لا يستقلوا تجاربه من فورهم ليعبر بهم نهر الجحيم إلى الأبدية، لاحظ أنه لا يستطيع حتى يجد عذراً مناسب حالته إلا بأنه قد يحدث متوسلاً "قليلاً من الصبر أي شارون الطيب. لقد كنت أحاول فتح عيون الجماهير. فلوعشت بضع سنين أخر لطبت نفساً بأن أرى سقوط بعض مذاهب الخرافة السائدة". ولكن شارون أجاب "أيها الوغد المتلكئ، لن يحدث هذا ولوبعد مئات السنين. أتتوهم أنني مانحك فسحة طوال هذه السنين،يا ترى؟ فادخل الزورق إذن من فورك".

أما بوزويل، الملحاح الوقح، فقد أصر على توجيه هذا السؤال إلى الرجل المحتضر- أيؤمن الآن بحياة آخرة،يا ترى؟ وأجاب هيوم "إنه لوهم غير معقول للغاية حتى نعيش إلى الأبد". وثابر بوزويل على إلحاحه قائلاً "ولكن من المؤكد حتى فكرة الحياة المستقبلة تسر النفس؟" وأجاب هيوم "أبداً، إنها فكرة كئيبة جداً". وأقلبت النساء ورجونه حتى يؤمن، فصرفهن عن الموضوع بمزاحه(161).

ومات في هدوء، "بغير ألم كثير" (كما نطق طبيبه) في 27 أغسطس 1776. ومشي ف جنازته جمع غفير برغم هطول المطر الغزير. وسمع صوت يقول "كان كافراً"، وأجاب صوت آخر "لا يهم، فلقد كان رجلاً أميناً(162)".

شهرة ديفيد هيوم

كانت شهرة ديفيد هيوم أثناء حياته كمؤرخ، أكبر منها كفيلسوف. ولقد بدأت مسيرة هيوم الفلسفية بشكل مشؤوم، نوعًا ما. حيث كانت أولى محاولاته المُبكرة في وضع نظام فلسفي تام جديد: رسالة في الطبيعة البشرية (1939 – 40)، والتي نشرها وعمره 26 عام، ولقد كان الكتاب على حد تعبيره الفكاهي: «عديم الفائدة بالنسبة للصحافة، حيثُ لم يصلْ إلى درجة تثير الهمهمة بين المتحمسين.»

وبمرور الوقت، ازدادت مكانة هيوم حتى وصلت لأعلى مستوى. منذ بضع سنين، تم سؤال آلاف الفلاسفة الأكاديمين عن الفيلسوف الذي ينتمون إليه، ويتشابهون معه. ولقد اتى هيوم بشكل صريح في المرتبة الأولى، متفوقًا على أرسطو، كانط، وفيتجنشتاين. وحتى الفهماء – الذين لديهم القليل من الوقت للفلسفة – عادة ما يضعون استثناءً لهيوم. وحتى البيولوجي لويز ولبرت والذي يقول بأن الفلاسفة «على قدر عالٍ للغاية من الذكاء، ومع ذلك فلا يمتلكون شيئًا مفيدًا لقوله»، يضع استثناءً لهيوم – معترفًا بأنه أحبه في فترة من حياته.

ومع ذلك، فإن الإسكتلندي العظيم يظل ذا شأنٍ كجزء من فيلسوف الفلاسفة. وحتى الآن لا يُوجد أي خط شعبية ناجحة عنه، كما حظي مونتين، تخصصه، سقراط، فيتجنشتاين والرواقيون. اقتباساتهم – لا اقتباساته – تزين الأكواب ومناشف الشاي، وتحدق وجوههم من الملصقات. لم يعبر هيوم حتى الآن من التميز والسموالأكاديمي إلى الإطراء والإشادة العامة (بين الجمهور).

والأسباب التي تجعله على هذا النحو، هي نفسها الأسباب التي من المفترض ألا تجعله كذلك. إذا صلابة هيوم كشخص ومفكر تعني أنه لم يمتلك هذا النوع من «السمات» التي تُروِج وتَبيع المثقفين. باختصار، فهولم يكن تراجيديًا، أورومانسيًا – كما حتى أفكاره ليست بسهلة التلخيص. إضافةً إلى ذلك، فإن نفوره من التعصب من أي نوعٍ جعله عقلانيًا للغاية، ومعتدلًا في إلهام معجبيه من المتحمسين. النزعة الإنسانية لهيوم

أعماله

أراد هيوم في كتابه «الرسالة» حتى ينشئ فهماً تجريبياً للطبيعة الإنسانية يعتمد فيه المنهج التجريبي للعلوم الوضعية على طريقة نيوتن [ر]، فيطبق كيفية التحليل للكشف عن العناصر الأولية للظواهر النفسية وقوانين تفاعلها منطلقاً من حتى جميع ما يحصل عليه الذهن من معانٍ وأفكار إنما مصدره التجربة، ولا شيء سابق عليها، ويقول إذا الفكر يتألف من إدراكات حسية تقسم إلى فئتين تتمايزان بدرجة الحيوية والقوة: فئة الانطباعات impressions أوما يسمى الإحساسات والمشاعر والانفعالات كانطباعات الإحساس والبصر والسمع وسائر الحواس، وفئة الأفكار ideas أوالخواطر والصور الذهنية التي تنشأ عندما يفكر المرء في إحساساته، وهي أدنى حيوية وأقل قوة من الانطباعات التي تتميز منها بدرجة أعلى من النشاط والقوة. وتقسم الانطباعات إلى انطباعات الحس الأولية وهي مجهولة الأصل، وانطباعات ثانوية مصدرها الأفكار، فالكراهية مصدرها فكرة الألم التي هي بدورها نسخة لانطباع الألم الأول. والأفكار نوعان: أفكار بسيطة وهي نسخ عن الانطباعات وتماثلها، والأفكار المركبة من الأفكار البسيطة المشتقة من الانطباعات وجميعها مستمدة من التجربة، فليس هناك من مفاهيم أولية قبلية سابقة على التجربة ويمتنع القول بفطرية الأفكار innate ideas، ويؤكد هيوم ما مضى إليه جون لوك [ر] Locke من حتى العقل خال من أي معانٍ سابقة على التجربة، فالفهم الإنسانية بعدية ومكتسبة. ويحدد هيوم القوانين التي يتم بوساطتها الربط بين الأفكار أوالمعاني، ويرجعها إلى مبادئ ثلاثة وهي التشابه والتجاور الزماني والمكاني ومبدأ السببية [ر] causality، فبالخيال يتم الربط بين الأفكار التي تشابهت انطباعاتها أوتجاورت في المكان والزمان أواقترنت سببياً، وهذه الأفكار تتداعى بحسب قوانينها الخاصة تلك من دون أي تدخل خارجي كقانون الجاذبية بالنسبة للعمليات الفيزيائية.

ويمضى بعد ذلك إلى تحديد العمليات الاستدلالية العقلية التي تكشف عن العلاقات إما بين الأفكار وإما بين أمور الواقع، والاستدلال في الأولى برهاني وهووسيلة الرياضيات، والصدق فيه تام دون الحاجة إلى التجربة، أما في الثانية فالصدق فيه لا يستدل عليه إلا في التجربة كما هي الحال في العلوم الطبيعية التي تتبع قيمتها لعلاقة السبب بالنتيجة. وبالتحليل يجد هيوم حتى مبدأ السببية ليس نظرياً إذ لا شيء فطري في العقل، وليس مكتسباً لا بالحس الظاهر أوالباطن فهوليس فهم مباشرة بقوة خفية وليس بالاستدلال لأن معنى العلة والمعلول متغايران. وكل ما هنالك حتى التجربة تبين تعاقب الحوادث واطراد وقوعها على منوال محدد يخلق في الذهن استعداداً لربط السبب بالمسبب والانطباع بالفكرة، كارتباط الحرارة بالنار، وتسقط حدوثهما دائماً على نحومتلازم، والتسقط حالة نفسية تقوم على الميل والعادة التي قويت بالتكرار، وعندما تحدث أحوال متشابهة في المستقبل يميل العقل بحكم العادة وتبعاً لقوانين التداعي association إلى الاعتقاد بوقوع النتائج عينها، والاعتقاد بأمور الواقع ليس عقلياً برهانياً وإنما مردّه إلى يقين ذاتي وطابع احتمالي.

وبآلية التداعي ذاتها يفسر هيوم طبيعة «الأنا» التي يرفضها بوصفها جوهراً، وموقفه هذا تدعيم لموقف بركلي [ر] Berkeley، فبحسب هيوم لا يوجد انطباع من قبيل الجوهر بالذات وما يمكن معهدته أوإدراكه يقتصر على الانطباعات والأفكار المرتبطة بعضها ببعض بعلاقات التماثل والتتالي والعلية فالنفس عنده «حزمة أوسيّال من الإدراكات الحسية المتعاقبة وعلاماتها».

ويرد هيوم الاعتقاد بالعالم الخارجي إلى ميل أونزوع tendency طبيعي للمخيلة لهجريب صورة منتظمة وموحدة عن العالم يربط فيها بين المدركات الحسية التي لا وجود لها إلا في العقل وبالتالي فإن تصورات من قبيل الأمور والنفس (الأنا) والهوية والاتصال ما هي إلا أوهام للمخيلة تسقطها على المدركات، وأي فروض فلسفية لتدعيم حقائق إيمانية كالخلود والسقوط والإثم والحساب هي محض خرافة، فلا مجال للحديث عن معجزات [ر] أساساً لبناء لاهوتي ينهض عليها، كما يرفض القول بوجود إله بالاعتماد على المنطق البرهاني ويصف رفضه أوإلحاده بأنه إلحاد فلسفي فهويشك في وجود إله، ولكنه لا يمتنع عن القول باحتمال وجوده.

وتساير فلسفته الأخلاقية إلى حد بعيد نظريته في الفهم، فهويستبعد حتىقد يكون للعقل تأثير في السلوك الأخلاقي أودور في بناء الأحكام الأخلاقية خاصة حتى العقل ميدانه أمور الواقع، وعلاقات الأفكار والأخلاق تتجاوز نطاقهما، فالسلوك مصدره فطرة العقل وميول الفرد وتجارب ماضيه للشخصية لما هوسارّ ومؤلم، فطلب اللذة والابتعاد عن الألم قوام الحكم الأخلاقي الذي يبنيه هيوم على العاطفة دون العقل؛ لأن القرارات الأخلاقية تؤثر في السلوك وهذا ما تستطيعه المشاعر والعواطف وحدها، وما تحمله تلك القرارات من إقرار أوإنكار لا ينجم عن الأنانية، إلا التعاطف أوما يسميه اهتماماً «إنسانياً» يحمل على محبة الخير للناس جميعاً ويجعل هذا التعاطف معياراً للاستحسان الأخلاقي الصادق. وإذا كان معيار اللذة والألم يتعارض وبعض المعاني الأخلاقية كالعدالة واحترام الملكية والولاء فلأن تلك المعاني التزامات تقوم على المواضعة الجماعية والاتفاق، من دونها لا يتماسك المجتمع ولا يؤدي وظائفه.

وقد كان لنظرية هيوم في الأخلاق أثر واضح عند بعض الفلاسفة الإنكليز حتى عدّه بعضهم مؤسساً لممضى المنفعة الأخلاقية.

فلسفته

قامت فلسفة هيوم على عدم الثقة بالتأمل الفلسفي. ولكنه آمن حتى جميع فهم جديدة تأتي نتيجة للخبرة، وأن جميع الخبرات لا توجد إلا في العقل على شكل وحدات فردية من الخبرة، وكان يعتقد أنّ جميع ما مَرّ به الفرد مباشرةً من خبرة لم يكن أكثر من محتويات شعوره الخاص، أوما يتضمنه عقله الخاص. كما كان هيوم يعتقد بوجود عالم ما خارج منطقة الشعور الإنساني، ولكن لم يطرأ على ذهنه أنّ هذا الاعتقاد كان من الممكن إثباته. انظر: الشكوكية؛التجريبية.

أطلق هيوم على وحدات الخبرة الحيوية الفعّالة اسم المدركات الحسِّية، أما وحدات الخبرة الأقل حيوية وفعالية فقد أطلق عليها اسم المعتقدات أوالأفكار. فالحدثات والمدركات لها معانيها عند الشخص إذا كانت لها علاقة مباشرة بوحدات الخبرة هذه. وكانت جميع وحدة من الخبرة منفصلة متميزة عن بقية الوحدات الأخرى جميعها، على الرغم من حتى الوحدات عادة ما تُمارس وتُجرب على أنها مرتبطة بعضها ببعض.

وطبقًا لما يراه هيوم، فقد ربطت ثلاثة مبادئ الأفكار المتحدة بعضها ببعض: 1- التشابه 2- التّماس أوالتجاور 3- السبب والنتيجة (الأثر).

ففي التشابه؛ إذا ما تشابهت وحدتان من الخبرة، فإن التفكير في واحدة قد يؤدي إلى التفكير في الأخرى. أما في حالة إذا ما تلازمت وتجاورت وحدتان الواحدة مع الأخرى، فإن التفكير في واحدة قد يثير التفكير عن الأخرى. وفي حالة السبب والنتيجة، فإذا ما سبقت وحدة واحدة باستمرار وحدة أخرى، فإن فكرة الوحدة الأولى ستظهر في فكرة الوحدة الثانية.

وقد اشتهر هيوم بهجومه على مبدأ السببية. ويقرر هذا المبدأ أنه لا يمكن حتى يحدث أويظهر إلى عالم الوجود شيء من غير سبب. وكان هيوم يعتقد أنه بالرغم من حتى حدثًا واحدًا (مجموعة من الانطباعات) يسبق دائمًا حدثًا آخر، إلا حتى هذا لا يثبت حتى الحدث الأول سبّب الحدث الثاني. ونطق هيوم كذلك: إذا التزامن المتواصل بين حدثين، ينشئ تسقطًا بأن الحدث الثاني يفترض أن يتم حدوثه بعد الأول. ولكن لم يكن هذا شيئًا أكثر من اعتقاد راسخ، أوعادة عقلية فهمتنا إياها الخبرة، ولم يستطع أحد حتى يبرهن حتى هناك ارتباطات سببية بين الانطباعات

وقد بنى هيوم نظريته عن الأخلاقيات على الخبرة، رافضًا الرأي القائل بأن العقل في استطاعته التمييز بين الفضيلة والرذيلة. وقد فحص الظروف التي كان فيها الناس يتحدثون عن الأخلاقيات. وختم أقواله بأن الميزات الفاضلة عند الناس هي تلك التي كانت سائغة أونافعة لهم. وكان هيوم يزعم حتى الناس جميعًا يملكون عاطفة الخيرية؛ ومعناها الرغبة الطيبة، وأن هذه العاطفة كانت أساس الأحكام الأخلاقية.


المصادر

  • الموسوعةالمعهدية الكاملة
  • الموسوعة العربية

انظر أيضاً

  • Age of reason
  • Contributions to liberal theory
  • Human science
  • Hume's fork
  • Hume's Law
  • Hume's principle
  • ليبرالية
  • The Missing Shade of Blue
  • Scientific scepticism

الهامش

المصادر

  • Anderson, R. F. (1966). Hume’s First Principles, University of Nebraska Press, Lincoln.
  • Ayer, A. J. (1936). Language, Truth and Logic. London.
  • Bongie, L. L. (1998) David Hume — Prophet of the Counter-Revolution. Liberty Fund, Indianapolis,
  • Broackes, Justin (1995). Hume, David, in Ted Honderich (ed.) The Oxford Companion to Philosophy, New York, Oxford University Press,
  • Daiches D., Jones P., Jones J. (eds )The Scottish Enlightenment: 1730-1790 A Hotbed of Genius The University of Edinburgh, 1986. In paperback, The Saltire Society, 1996 ISBN 0-85411-069-0
  • Einstein, A. (1915) Letter to Moritz Schlick, Schwarzschild, B. (trans. & ed.) in The Collected Papers of Albert Einstein, vol. 8A, R. Schulmann, A. J. Fox, J. Illy, (eds.) Princeton University Press, Princeton, NJ (1998), p. 220.
  • Flew, A. (1986). David Hume: Philosopher of Moral Science, Basil Blackwell, Oxford.
  • Fogelin, R. J. (1993). Hume’s scepticism. In Norton, D. F. (ed.) (1993). The Cambridge Companion to Hume, Cambridge University Press, pp. 90-116.
  • Garfield, Jay L. (1995) The Fundamental Wisdom of the Middle Way Oxford University Press
  • Graham, R. (2004). The Great Infidel — A Life of David Hume. John Donald, Edinburgh.
  • Harwood, Sterling (1996). "Moral Sensibility Theories," in The Encyclopedia of Philosophy (Supplement) (New York: Macmillan Publishing Co.).
  • Hume, D. (EHU) (1777). An Enquiry concerning Human Understanding. Nidditch, P. N. (ed.), 3rd. ed. (1975), Clarendon Press, Oxford.
  • Hume, D. (1751). An Enquiry Concerning the Principles of Morals. David Hume, Essays Moral, Political, and Literary edited with preliminary dissertations and notes by T.H. Green and T.H. Grose, 1:1-8. London: Longmans, Green 1907.
  • Hume, D. (1740). A Treatise of Human Nature (1967, edition). Oxford University Press, Oxford.
  • Hume, D. (1752-1758). Political Discourses
Bilingual English-French (translated by Fabien Grandjean). Mauvezin, France, Trans-Europ-Repress, 1993, 22 cm, V-260 p. Bibliographic notes, index.
  • Husserl, E. (1970). The Crisis of European Sciences and Transcendental Phenomenology, Carr, D. (trans.), Northwestern University Press, Evanston.
  • Kolakowski, L. (1968). The Alienation of Reason: A History of Positivist Thought, Doubleday, Garden City.
  • Morris, William Edward, David Hume, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2001 Edition), Edward N. Zalta (ed.)
  • Mossner, Ernest Campbell (1950). "Philosophy and Biography: The Case of David Hume". The Philosophical Review. 59 (2): 184–201. doi:10.2307/2181501. Retrieved 2008-03-10. Unknown parameter |month= ignored (help)
  • Norton, D. F. (1993). Introduction to Hume’s thought. In Norton, D. F. (ed.), (1993). The Cambridge Companion to Hume, Cambridge University Press, pp. 1-32.
  • O'Connor, D. (2001). Routledge philosophy guidebook to Hume and religion, Routledge, London.
  • Penelhum, T. (1993). Hume’s moral philosophy. In Norton, D. F. (ed.), (1993). The Cambridge Companion to Hume, Cambridge University Press, pp. 117-147.
  • Phillipson, N. (1989). Hume, Weidenfeld & Nicolson, London.
  • Popkin, Richard H. (1993) "Sources of Knowledge of Sextus Empiricus in Hume's Time" Journal of the History of Ideas, Vol. 54, No. 1. (Jan., 1993), pp. 137-141.
  • Popkin, R. & Stroll, A. (1993) Philosophy. Reed Educational and Professional Publishing Ltd, Oxford.
  • Popper. K. (1960). Knowledge without authority. In Miller D. (ed.), (1983). Popper, Oxford, Fontana, pp. 46-57.
  • Robinson, Dave & Groves, Judy (2003). Introducing Political Philosophy. Icon Books. ISBN 1-84046-450-X.
  • Russell, B. (1946). A History of Western Philosophy. London, Allen and Unwin.
  • Robbins, Lionel (1998). A History of Economic Thought: The LSE Lectures. Edited by Steven G. Medema and Warren J. Samuels. Princeton University Press, Princeton, NJ.
  • Spiegel, Henry William,(1991). The Growth of Economic Thought, 3rd Ed., Durham: Duke University Press.
  • Stroud, B. (1977). Hume, Routledge, London & New York.
  • Taylor, A. E. (1927). David Hume and the Miraculous, Leslie Stephen Lecture. Cambridge, pp. 53-4.

للاستزادة

  • Ardal, Pall (1966). Passion and Value in Hume's Treatise. Edinburgh, Edinburgh University Press.
  • Beauchamp, Tom and Rosenberg, Alexander, Hume and the Problem of Causation New York, Oxford University Press, 1981.
  • Ernest Campbell Mossner. The Life of David Hume. Oxford University Press, 1980. (The standard biography.)
  • Peter Millican. Critical Survey of the Literature on Hume and his First Enquiry. (Surveys around 250 books and articles on Hume and related topics.) [1]
  • David Fate Norton. David Hume: Commonsense Moralist, Skeptical Metaphysician. Princeton University Press, 1978.
  • Garrett, Don (1996). Cognition and Commitment in Hume's Philosophy. New York & Oxford, Oxford University Press.
  • J.C.A. Gaskin. Hume's Philosophy of Religion. Humanities Press International, 1978.
  • Norman Kemp Smith.The Philosophy of David Hume. Macmillan, 1941. (Still enormously valuable.)
  • Frederick Rosen, Classical Utilitarianism from Hume to Mill (Routledge Studies in Ethics & Moral Theory), 2003. ISBN 0415220947
  • Russell, Paul (1995). Freedom and Moral Sentiment: Hume's Way of Naturalizing Responsibility. New York & Oxford, Oxford University Press.
  • Russell, Paul (2008). The Riddle of Hume's Treatise: Skepticism, Naturalism and Irreligion New York & Oxford, Oxford University Press.
  • Stroud, B. (1977). Hume, Routledge, London & New York. (Complete study of Hume's work parting from the interpretation of Hume's naturalistic philosophical programme).
  • Hesselberg, A. Kenneth (1961). Hume, Natural Law and Justice. Duquesne Review
  • Gilles Deleuze, Empirisme et subjectivité. Essai sur la Nature Humaine selon Hume (Paris: Presses Universitaires de France, 1953) trans. Empiricism and Subjectivity (New York: Columbia University Press, 1991)

وصلات خارجية

  • Online editions of Hume's work:
    • David Hume at the Online Library of Liberty
    • أعمال من David Hume في مشروع گوتنبرگ
    • Works by David Hume in audio format at LibriVox
    • Books by David Hume at the Online Books Page
  • David Hume resources including books, articles, and encyclopedia entries
  • Hume Society, an international scholarly society
  • نطقب:Sep
  • David Hume at James Boswell — a Guide
  • Hume on Religion: Guardian series on Hume by philosopher Julian Baggini
  • David Hume Bibliography
  • A Bibliography of Hume's Early Writings and Early Responses
  • "A play reading at the Edinburgh Festival Fringe regarding Humes life and legacy"
  • A podcast interview of Stewart Sutherland discussing Hume on the Argument from Design
  • A podcast interview of Peter Millican discussing Hume's Significance
  • 'The Empiricist Turn', a lecture on Hume's arguments against the existence of God given by Professor Keith Ward at Gresham College, 14 February 2008 [available for free audio, video or text download].
  • David Hume Institute considers legal and economic aspects of public policy questions.


تاريخ النشر: 2020-06-08 14:00:37
التصنيفات: Articles with hCards, Pages with citations using unsupported parameters, فلاسفة القرن 18, ليبراليون كلاسيكيون, فلاسفة ملحدون, فلاسفة حديثون مبكرون, وضعيون, فلاسفة التنوير, Philosophes, Modern philosophy, فلاسفة الفن, اقتصاديون اسكتلنديون, التنوير الاسكتلندي, كتاب مقالات اسكتلنديون, مؤرخون اسكتلنديون, فلاسفة اسكتلنديون, شكوكية, نفعيون, فلاسفة العلم, خريجو جامعة إدنبرة, أشخاص من إدنبرة, مواليد 1711, وفيات 1776, ديڤد هيوم, لا أدريون اسكتلنديون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بث مباشر.. المراجعة النهائية لمادة الفيزياء لطلاب الثانوية العامة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:22:56
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 35%

متهمًا الدول الغربية.. مندوب روسيا بمجلس الأمن: الجوع بغزة ت

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:23:16
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

توني كروس فى استطلاع قناة اليوم السابع عبر واتساب: الاعتزال مرفوض

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:22:54
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 36%

حبس سائق ميكروباص معدية أبو غالب 4 أيام على ذمة التحقيقات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:23:11
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 41%

100 سؤال هتلم بيهم منهج الجيولوجيا قبل امتحانات الثانوية العامة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:23:06
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 44%

جثة مجهولة الهوية تستنفر شرطة وزان

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:23:21
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 85%

سامح شكري يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزيرة خارجية هولندا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:22:22
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

الزمالك يعلن إصابة أحمد حمدى بقطع فى الرباط الصليبي الأمامي للركبة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:22:51
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 41%

“صبحي” يلتقي الكيان الشبابي “المصريون الشباب”

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:22:23
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

استخراج جثتين جديدتين لضحايا حادث ميكروباص معدية أبو غالب

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:22:52
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

ماندو العدل عن حالته الصحية: تجربة صعبة لكن الحمد لله ربنا عدانى منها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:23:00
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 43%

انطلاقا من الشهر المقبل.. رفع رسوم تأشيرة "شنغن" بنسبة 12%

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:23:18
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 81%

أشهر أمراض العيون عند الأطفال وطرق الوقاية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-21 18:22:49
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 38%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية