فهم الجهل Understanding Ignorance

تأثير الجهل

إذا كانت الفهم موضوع كبير فالجهل أكبر بكثير، ما يجعله مثيرًا للاهتمام.

ستيورات فيريستن

كل مكان من حولنا يزخر بالجهل، والمخاطرة الحقيقية حتى تشك في هذه الفرضية، وإلا صرنا مثلًا يضرب به في هذه الحالة. فإن جهلنا (سواء أكان فرديًا أم جماعيًا) هوبحر شاسع لا يسبر غواره، وما نعهده ما إلا جزيرة صغيرة وغير آمنة. حتى حتى شاطئها غير مأمون: عبر التاريخ البشري ومع جميع الأبحاث نتأكد حتى ما نعهده أقل مما نعتقد، في الواقع جهلنا واسع بما يتجاوز حساباتنا. كما حتى الجهل يدوم، ولا يزال قائم، نشعر حتى الأمور هادئة بسبب هشاشتها الظاهرية فقط، وهنا أقتبس من منطقة اوسكار وايلد والتي نقلت عنها كثيرًا "الجهل يشبه الفاكهة الغريبة الحساسة، بمجرد حتى تلمسها تزدهر أزهارها، ثم لا تلبث تذبل وتتلاشى مع أول لمسة للتفهم. ولكن حتى مع تلاشيها فالجهل لا يعتريه للخطر، فقطقد يكون كالأزهار الحساسة لكنه من النوع القوي مثل نبات الكشت السبروتي "Kudzu" عملى الرغم من انتشار التعليم الإلزامي الكامل وعلى الرغم من الأدوات الجديدة للتفهم والتقدم المعهدي الهائل، والقدرة على حفظ كميات هائلة من المعلومات والوصول إليها ومشاركتها، بكميات وأرقام يحبس الأنفاس، إلا حتى الجهل يزدهر.

قد يتساءل المرء لما يظهر الحال على ما عليه،يا ترى؟ هل يزدهر الجهل لأننا جاهلون،يا ترى؟ هل نفتقر –ببساطة –إلى الفهم الكافية –أوالفهم السليمة لجعل الجهل يتراجع،يا ترى؟ لعل استمراره تمثيل لإخفاقنا، أوضعف مشين في إرادتنا، أوجريرة للكسل المعهدي، وكأن الجهل قذارة العالم التي تأبى على التنظيف بعناد أكبر من جهودنا الدؤوبة لتنظيفه تمامًا، ليظل معنا للأبد! أوالأسوأ من ذلك، هل من الممكن حتى يؤدي المزيد من التفهم إلى زيادة جهلنا عمليًا مثل التخلص من وصمة عار تنتشر فقط مع جميع محاولة لاستئصالها،يا ترى؟ فقد أصبحت الفكرة كأنها نمط ثابت مبتذل "اكلشيه": حدثا فهمنا أكثر، حدثا عهدنا أننا لا نعهد. هل يعقل حتىقد يكون الابداع بسبب الجهل،يا ترى؟ جميع هذه التساؤلات وغيرها من الأسئلة توضح رغبتنا في الحل، ومن المفارقات أنها لا تنتج إلا بسبب الجهل ومن رَحِمه، فالجهل هوالمصدر والهدف وراء جميع هذه الأسئلة ومثيلاتها. التصور بهذه الطريقة يشي بجلال غامض، حد التسامي، مع ظلمات جهلنا الممتد، والمتراكمة بعضها فوق بعض منذ العصور القديمة، مما يزيد الشكوك في حتى الفهم عملًا بعيدة المنال، وأنه في نهاية المطاف يصبح التفهم لا طائل من ورائه. وكما في كتاب سحابة الجهل للمحرر المجهول من القرن الرابع عشر: "انتقل الأخرون إلى استسلام شجاع، بالتخلي عن انادىء الفهم للبحث عن سموٍ صوفي"، حتى أولئك الذين يؤكدون بكل حزم على قدرة البشرية على الفهم الأصيلة، هؤلاء الذين يقدسون الفهم أوالفهم كأعلى منتجات البشرية، من الممكن لا يزالون يشعرون بالرهبة من حصن الجهل الضخم والمنيع بل والخالد.

الجهل يلتهم جميع واحد منا، مهما كان ذكيًا وعلى دراية قوية، فقد أفسده الجهل، فالجهل الشخصي أوالجماعي يؤدي إلى خسائر فادحة جميع يوم، تأتي أخبار الصباح بأنباء عن صديق توفى بسبب سقم لا نعهد له علاج، أوبجريمة مروعة تسببت فيها الكنيسة بجهل وضع المسئول عن الأطفال والشاذ جنسيًا، عن الخراب المالي واليأس والغضب الذي يستحوذ على ضحايا كانوا أمنين بعد الاحتيال عليهم في استثمار زائف، أوذلك السياسي الذي سقط في العار والحسرة له ولعائلته، التي كانت غير معروفة، وكثير من الطيبين والأصدقاء، أوعن شعب ينخرط في الاضطرابات لأنه لا يعهد ما إذا كانت أصواته الانتخابية تحتسب أم لا، أوبألم لهؤلاء الذين فقدوا أعزاء عليهم بسبب كارثة طبيعية كنا نجهل حدوثها، ومصيرهم غير معروف من الممكن للأبد. جهلنا يثقلنا، يستفزنا، حتى عندما ننسى حدثة السر أوشفرة القفل -إذلال، أوعندما يعهد أقراننا حدثة السر الخاصة بنا، نحن لا نعهد شيئًا مما ينبغي لنا معهدته، أمر مخيف ومقلق، أوعندما يختفي إنسان ما ببساطة دونما تفسير، أوعندما يخبرنا الطبيب حتى سبب وفاة صديقي لن تعهد أبدًا.

الجهل متورط في جميع معاناتنا تقريبًا، يجعلنا فريسة لأخطائنا وحماقتنا، فهوقادر على تهديد جميع شيء من حولنا، جميع ما نعتبره ذا قيمة، أليس الجهل محنة كئيبة، وبلاء عظيم، ولغز عميق؟

الجهل العام

يخبرونا بأننا نعيش في عصر المعلومات ومجتمع الفهم، فنحن نحمل أجهزة صغيرة تتيح لنا الوصول إلى مصادر هائلة من الفهم الإنسانية ومشاركتها بشكل يكادقد يكون فوري مع جميع الأشخاص حول العالم تقريبًا، لكن هذا العصر أيضًا يطلق عليه "عصر الجهل" فالمفكرون ذائعي الصيت يشجبون "ثقافة الجهل المعاصرة" –خاصة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال وليس الحصر، فالتناقض مقلق ومحير في آن واحد، فالجهل يتصدر الأحداث، هذا النوع من الجهل الذي يثير القلق هوما يمكن تسميته بالجهل العام، والذي أقصد به الجهل المستهجن وواسع الانتشار خاصة فيما يتعلق بالمسائل الحيوية والتي تخص حياة جميع فرد منا، الأمية الوظيفية والأمية الحسابية هي أمثلة على ذلك، قد يحدث التعليل الأقرب –وليس مبررًا –أن العلة في نقص الفرص التعليمية الجيدة، ولكن قد يحدث هذا الكلام بلا عقل عند تطبيقه على البلدان ذات الموارد التعليمية المتميزة، علاوة على ذلك، قد يحدث معدل الامية الوظيفية اليوم في أمريكا أعلى مما كان عليه في مستعمرة نيوإنجلاند.2 إن معدلات الأمية الوظيفية والحسابية المرتفعة عار قومي، بلا شك، علاج هذا الجهل هوبالتعليم –باستثناء حتى الكثير من أنماط الجهل هذه تزدهر برغم سنوات الدراسة بين الطلاب الشباب الذين لم يكملوا تعليمهم –النقص في الفهم الأساسية ليس أمرًا مفاجئًا أويدعوللدهشة، بل قد يحدث منادىة للهزل عندما يعلق المفهمين على أخطاء التلاميذ لكن عندما يتعلق الأمر بتعليم البالغين، تتحول الدهشة إلى صدمة وتتحول التسلية إلى مأساة، فسوء الفهم الجسيم للتاريخ، والمفارقات التاريخية الباطلة، والأخطاء الجغرافية المروعة، والبلادة الفهمية والأدبية هذه، كما يظهر من الدراسات الاستقصائية بشكل منتظم، أمر محبط للغاية.3 فالجهل السياسي وبخاصة في الديمقراطيات المتقدمة، أمر مقلق بشكل خاص، لقد أبدى الطغاة وغيرهم في الأنظمة الاستبدادية جميع التقدير للدوائر الانتخابية المنغمسة في الجهل، فقد لاحظ كلود أدريان هيلفيتيوس، الفيلسوف في القرن الثامن عشر: "لقد اعتبر بعض السياسيين حتى الجهل مواتٍ وإيجابي للحفاظ على سلطة الحاكم، بمثابة دعم للتاج وحماية لشخص الأمير، جهل العامة مواتٍ أيضًا للكهنوت."4 على النقيض من ذلك تمامًا فالديموقراطيات –من الناحية النظرية على الأقل –تعتمد في الأساس على المواطن المستنير، لكن لسوء الحظ أصبحت معضلة الجهل السياسي في الولايات المتحدة خطيرة إلى حتى المواطن المستنير المثالي أصبح يظهر بدائيًا. والأمر يتجاوز بكثير عدم معهده أسماء وفد الكونغرس: ففي دراسة استقصائية أجراها مركز الدستور الوطني، لم يستطع ثلث المجيبين تسميه اي من حقوق التعديل الأول، ولم يتمكن لأغلبية الباقيين من تحديد سوي حرية التعبير؛ 42% يعتقدون ان الدستور ينص صراحة على ان "اللغة الأولي للولايات المتحدة هي الانجليزية"؛ ويعتقد 25% ان الدستور قد نص على حتى المسيحية الدين الوطني الرسمي. وفي دراسة استقصائية ثانية، لم يعهد 41% من المجيبين حتى هناك ثلاث فروع للحكومة؛ 62% لا يمكنهم تسمية جميع منهم؛ و33% لم يتمكنوا من تسمية أيًا منهم. 5

في ظل هذه الاحصائيات الكئيبة، والتعصب والجهل السياسي، يرى بعض الفهماء حاجة ملحة لمراجعة النظرية الديمقراطية بناء على ذلك، بل يؤكد البعض حتى الرأسمالية تفضل انتشار الجهل بين جمهور المستهلكين، وإذا كان الجهل الكامل بالمسائل السياسية هو"الوضع الطبيعي الجديد" كما يذكر أحد الباحثين السياسيين، فنحن أمام حكومة أصغر حجمًا، وأكثر محلية، واقل أهميةستة (على اعتبار أنني ألمح إلى حتى تخفيض الحكومة وفروعها يفترض أن يقلل من مصالحنا العامة، ومشاكلنا الحياتية).

تعتبر اللغة أقوى وسائل التواصل بين البشر، وهي ساحة أخرى للجهل العام، ففي الولايات المتحدة الامريكية يشعر كثير بالحرج والاستياء لعدم قدرتهم على اتقان لغة ثانية (في الأغلب، بالرغم من سنوات التعليم) بوتيرة مثيرة للقلق، يقترن مع عدم القدرة عداء تجاه الكلام "الأجنبي". جميع هذا تمثل في حادث تم الإبلاغ عنه عندما اقترحت طالبة في الثامن تدرس اللغة اللاتينية -من ولاية فيرمونت –أنقد يكون للولاية شعار لاتيني ذودلالة تاريخية، موازي للشعار الإنجليزي، ووافق أحد المشرعين على الولاية على تقديم هذا الاقتراح وكان الشعار: (Stella quarta decima fulgeat) بمعنى كأن النجم الرابع عشر المتألق قد أشرق، في إشارة إلى ترتيب الولاية في الانضمام إلى الاتحاد. عندما طرحت فكرتها على مواقع التواصل الاجتماعي أجابها أصدقاؤها: "كنت افترض حتى فيرمونت أمريكية وليست لاتينية!!" ونطق البعض هل توجد أي أماكن لاتينية تستخدم شعارات أمريكية،يا ترى؟ وعلق اخر "لا يمكن هذه أمريكا وليست المكسيك أوأمريكا اللاتينية هم من بحاجة لتفهم لغتنا" و"محال، لقد سئمنا من هذا الهراء، لهم بلادهم ولنا بلادنا" بكل أسف هذه عادة المنشورات المتعصبة،7 البعض لا يميز الجهل تحت قدميه!

تولد المعتقدات الخاطئة شبكات جديدة من الجهل، تتضمن معتقدات خاطئة أخرى وأفعال خاطئة؛ ففي دراسة أجريت عام 2014، على عينة من المواطنين تضم أكثر من 2000 أمريكي، استطلعت آراء المواطنين حول رد عمل الولايات المتحدة المناسب حول النزاع في اوكرانيا8، وقد طلب من المشاركين تحديد المسقط الجغرافي لأوكرانيا على خريطة العالم، على الرغم حتى حوالي واحد من بين جميع ستة أشخاص يعهد المسقط السليم لأوكرانيا، إلا حتى متوسط الإجابات حدد المسقط بانحراف 1500 ميل، فقد حدد كثير من المجيبين مسقطها في آسيا أوأفريقيا، حتى حتى بعضهم افترض أنها تقع في أمريكا اللاتينية أوكندا، على رغم من جميع ذلك فإن العلاقة التي تربط بين فهم المسقط السليم واختيار رد العمل الحكومي المناسب كان مثيرًا للقلق جدًا، فحدثا قلة فهم المجيب بالمسقط الجغرافي لأوكرانيا، زادت رغبتهم في تدخل الولايات المتحدة في التدخل في هذا النزاع.

جميع أشكال الجهل خطرة، خاصة عندما تقترن مع الغطرسة والتعصب، كما يقول جوته: "لا شيء أكثر إثارة للخوف من الجهل العملي" فقد يحدث مرعبًا بصدق، في عام 2012، أُطلق النار على ستة من السيخ في معبد لهم في ويسكونسن، يعتقد حتى المطلق كان من المسلمين –وهذه واحدة من مئات جرائم الكراهية التي وجهت ضد السيخ في الولايات المتحدة منذ 11/9.