ابن زريق البغدادي(? - 420 هـ / ? - 1029)، أبوالحسن علي (أبوعبد الله) بن زريق المحرر البغدادي. انتقل إلى الأندلس وقيل إنه توفي فيها، لعله يجد فيها من لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره، ويهجر الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه جميع الحب، ويخلص لها وتخلص له جميع الإخلاص، فمن أجلها يهاجر ويسافر ويغترب وهناك في بلاد الأندلس - كما تقول لنا الروايات والأخبار المتناثرة - يجاهد الشاعر ويكافح من أجل تحقيق الحلم، لكن التوفيق لا يصاحبه، فهناك يسقم ويشتد به السقم وتكون نهايته ووفاته في الغربة ؛ ويضيف الرواة بعداً جديداً للمأساة، فيقولون حتى القصيدة التي لا يعهد له شعرٌ سواها وجدت معه عند وفاته سنة أربعمائة وعشرين من الهجرة.
قصيدة لا تعذليه فإن العذل يولعه
يخاطب فيها زوجته، ويؤكد لها حبه حتى الرمق الأخير من حياته، ويهجر خلاصة لتجربته مع الغربة والرحيل، من أجل الرزق وفي سبيل زوجته التي نصحته بعدم الرحيل فلم يستمع إليها. وفي ختام قصيدته يظهر نادم متصدع القلب من لوعةٍ وأسى، حيث لا أنيس ولا رفيق ولا معين.
والمتأمل في قصيدة ابن زريق البغدادي لا بد له حتى يكتشف رقة التعبير فيها، وصدق العاطفة، وحرارة التجربة ؛ فهي تنم عن أصالة شاعر مطبوع له لغته الشعرية المتفردة، وخياله الشعري الوثّاب، وصياغته البليغة المرهفة، ونفسه الشعري الممتد ؛ والغريب ألاقد يكون لابن زريق غير هذه القصيدة، الذي لم تحفظ له خط التراث الشعري غير قصيدته هذه.
مبتر من قصيدته
وله قصيدة عينية أسماها قمر في بغداد:
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
|
|
قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
|
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ
|
|
مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
|
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
|
|
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
|
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
|
|
فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ المَهرِ أَضلُعُهُ
|
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
|
|
مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
|
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
|
|
رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
|
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
|
|
مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
|
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً
|
|
وَلَوإِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
|
تأبى المطامعُ إلا حتى تُجَشّمه
|
|
للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
|
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ
|
|
رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
|
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُو
|
|
لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
|
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى
|
|
مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
|
وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت
|
|
بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
|
وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُهُ
|
|
إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
|
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً
|
|
بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
|
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَويُوَدِّعُنِي
|
|
صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
|
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً
|
|
وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
|
لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ
|
|
عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
|
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ
|
|
بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
|
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ
|
|
وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
|
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا
|
|
شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
|
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ
|
|
كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
|
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ
|
|
الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
|
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ
|
|
لَوأَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
|
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِنُها
|
|
بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
|
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ
|
|
بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
|
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا
|
|
لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
|
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ المَهرَ يَفجَعُنِي
|
|
بِهِ وَلا أَنّض بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
|
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ
|
|
عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
|
قَد كُنتُ مِن رَيبِ مَهرِي جازِعاً فَرِقاً
|
|
فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
|
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست
|
|
آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
|
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا
|
|
أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
|
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ
|
|
وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
|
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ
|
|
كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ
|
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا
|
|
جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
|
لَأَصبِرَنَّ لِمَهرٍ لا يُمَتِّعُنِي
|
|
بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
|
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً
|
|
فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
|
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا
|
|
جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
|
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ
|
|
فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ
|
إنتاجات فنية عنه
صدرت رواية « ابن زريق البغدادي - عابر سنين » للروائي والشاعر الدكتور احمد الدوسري عن مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع في المنامة، وتتناول سيرة الشاعر ابن زريق البغدادي المغترب من بغداد إلى الأندلس وكتابته لأشهر قصيدة حب ولوعة واغتراب في الشعر العربي.
وينتظر تجسيدها في مسلسل تلفازي بعدما وقّع المنتج الأردني إسماعيل كتكت صاحب شركة فرح ميديا عقدا مع الدكتور الدوسري لإنتاج روايته ابن زريق البغدادي. لتقدم في رمضان 2011 في أكبر إنتاج عربي. وأسندت مهمة كتابة السيناريوللسيناريست مراد منير.
مراجع
-
^ رواية " ابن زريق البغدادي " للدكتور أحمد الدوسري إلى الدراما قريباً
المصادر
وصلات خارجية
- حكاية ابن زريق وقصيدته اليتيمة صوتيا - إذاعة شعر