نص الموضوعة

لايمكن لمفصل واحد حتى يحرك العالم. لذلك وأثناء تحليل أية ظاهرة سياسية، يقسم الباحثون أبعاد هذه الظاهرة إلى ثلاث مستويات- تمثل الأبعاد التي تؤثر في هذهِ الظاهرة -. كما حتى فهم دور جميع بُعد يساعد على إدراك أوسع لحدود ومؤثرات الظاهرة المدروسة. وهذه الأبعاد هي: (المحلي، الإقليمي، الدولي). والمناقشة المتروية لما يشهده جميع من لبنان والعراق الآن ضروري لفهم تأثيراته على صعيد المستويات الثلاث المذكورة.

داخلياً، وبلا شك فأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها البَلدان تشكل عوامل مساهمة وجوهرية في الانفجار الشعبي الذي وقع ويحدث الآن، إلا أنه يوجد سمتان ميزتا الحراك الحالي قد يحدثان فارقاً يستدعي النظر إلى مستويات أكبر من المستوى المحلي، وهما:

• الاستمراية، والقوة المتضاعفة التي اكتسبها الحراكان مع مرور الوقت، وهذا يعني حتى هنالك أطراف لا ترغب لهذا التحرك حتى ينطفئ بعد.

• والثاني هوعدم وجود مبادرات أوتنازلات عملية وجدية من قبل السلطات الحاكمة، بغية التخفيف من حدة الاحتقان والغضب في الشارع، مما يعني حتى أطرافاً أخرى ترغب إنهاء الاحتجاجات دون تقديم تنازلات، إما لأنها ستخسر كثيراً إذا قدمتها أولأن قرار التنازل من عدمه ليس في يديها.

وهنا نقابل حالة من التأزم، فالساسة ليس بإمكانهم تقديم تنازلات ترضي الشارع، وذلك لأنهم لا يملكون قرارهم، الذي هورهن أطراف دولية لا ترغب التراجع أمام الدول التي تغذي الحراك وتعمل على استمراره. باختصار، نحن أمام حالة كثيراً ما تتكرر بين الدول، وهي حتى يتم تفريغ اللقاءة المباشرة بين الدول المتصارعة لصراع هيمنة وسيطرة على دول اضعف، وبالتالي تتجنب الدولتان الصدام المباشر باهظ التكاليف، وتقللان الخسائر المادية والمعنوية التي قد تنتج عن اللقاءة المباشرة، وبعد تأكد جميع من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حتى أي احتكاكات مباشرة لنقد يكون تأثيرها وخسائرها محدودة، غيرت امريكا هجماتها لتستهدف مناطق النفوذ الإيراني في العراق ولبنان.

التوقيت الدولي والإقليمي

يشهد جميع من لبنان والعراق مظاهرات متفرقة منذ عدة أعوام، وكانت تختلف حدتها وأسبابها بشكل متباين غالباً كانت تهدأ تلقائياً أوعبر وعود من بعض المسؤولين، إلا حتى توقيت التصعيد الحالي يحتاج وقفة تأملية. إذ علينا حتى لا ننسَ أنه وفي الأشهر السابقة تمت محاولة إجبار إيران على تقديم تنازلات عبر التهديد أوالقيام بعمليات عسكرية محدودة، ولكن إيران كانت قادرة على حتى ترد في هذا المجال سواء عبر الضربات التي أصابت أرامكوالسعودية، أوعبر تهديد أمن الملاحة في الخليج، وحتى في اليمن لم تعطِ المعارك المستمرة هناك أفضلية لأي طرف، وهذا ما يرجح احتمالية استبدال الولايات المتحدة الأمريكية أسلوب العصا والجزرة، بسياسة التقويض التدريجي، والعمل على استنزاف القدرات الإيرانية عبر معارك سياسية في مناطق نفوذها الحيوية، والعراق ولبنان هما العكازان التي تستند عليهما إيران في أي تعثر يصيبها على المستوى الدولي، وبالتالي سحبهما منها وإن لم يؤدِ إلى سقوطها سيسهل من عملية رضوخها تحديداً بعد تحجيم دورها في سوريا على حساب روسيا التي أبعدت إيران وحلفائها عن الحدود الإسرائيلية-التي كانت نقطة هجوم متقدمة لصالح إيران-،وضبطت مواقع انتشارها في سوريا ببؤر لا تملك أهمية استراتيجية كبيرة. وعلى صعيد مختلف، فإن التوقيت قد يصبح مفهوماً إذا أخذنا بعين الاعتبار المستوى المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية، فالتقويض والاستنزاف الذي يهدف بالأساس للوصول لاتفاق نووي جديد، يحقق شروط ترامب وإسرائيل، وإن تمكن ترامب من إجبار إيران على العودة والبدء بمفاوضات جديدة، سيعطي دفعة مهمة لشعبيته واحتمال استمراره في ولاية رئاسية جديدة، خصوصا بعد الضربات التي تعرضها سواء في خسارة حليفه نتنياهوفي الانتخابات الأخيرة، أوالضرر الذي سيصيبه إثر محاولة عزله في الكونغرس.

بين النسبية والصفرية

الموقف الحالي يضع إيران أمام خيارات محدودة، فالحالة الاقتصادية في إيران في تراجع مستمر، كما حتى حجم الحاضنة الشعبية لها في العراق ولبنان في تراجع مستمر، وبالتالي على إيران حتى تقرر الآلية التي ستستخدمها في التعامل مع هذه الحالة، إما حل نسبي، يقتضي تنازلات محدودة لقاء خسائر محدودة، أوالعمل على معادلة صفرية النتائج، بحيث تعمل على الصمود والاستمرار بالرهان على انطفاء الاحتجاجات وتمكن حلفائها من السيطرة على الموقف، على الأقل لحين موعد الإنتخابات الرئاسية القادمة في أمريكا، والرهان على خسارة ترامب، والرهان الأخير سيستدعي من إيران العمل على التأثير على تلك الانتخابات، وبالتالي اللجوء لأكثر من استطاع التأثير عليها في آخر مرة: روسيا، والتي غالبا لن تفضل مصالح إيران على مصالحها، إلا أنه لا يزال يوجد احتمال حتى تتوافق في فترة ما. ومن التسويات النسبية المطروحة التي يمكن تبنيها في لبنان هوتشكيل حكومة جديدة بشرط حتى تقبل إيران وحزب الله الموافقة أوالبدء بإجراءات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وذلك يتيح لإسرائيل حتى تبدأ بالاستثمار في حقول النفط والغاز المكتشفة حديثاً في المنطقة المتنازع عليها من الحدود البحرية، وهذا السيناريوسيساهم في تهدئة الشارع لبناني الذي سيتم إقناعه بإقتراب تحسن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية بعمل بنج عوائد النفط والغاز المأمولة. الخيار الثالث، وهوالأرجح تبنيه، هوالعمل على استنزاف الوقت عبر تقديم تنازلات أووعود بتنازلات، بغية عودة الاستقرار ولومؤقتاً، لحين اقتراب الانتخابات الرئاسية في أمريكا، ودخول صناع القرار في متاهاتها، وهذا يعني تخفيف الضغط عليها، والعمل حينها على تسليم الأوضاع وتدعيم حلفائها وأجندتها.

تفاضلات صعبة

على إيران الآن حتى تحدد الأولويات الاستراتيجية لها، فلا هي تملك الإمكانيات ولا القدرة على لقاءة الطوفان الحاصل في كلا البلدين، وبالتالي سهجرز جهودها على البلد الاكثر أهمية لها، وهوالعراق!. وسبب أولوية العراق على لبنان هوحتى الأخير يتم الاستعانة به كمنصة هجومية على إسرائيل، إما العراق، فهوضمن المجال الحيوي الإيراني ويعد بوابة هجومية ضد الخليج ودفاعية للحدود الغربية الايرانية، إذ حتى إمكانية قبول إيران بتحول العراق لمنطقة خطر عليها، يبقى احتمال غير وارد، وهذا الأمر يدفع بإيران لهجريز جهودها على العراق، وهذا لن يعطينا رؤيا إلا لسيناريوهات متشائمة، فأكبر سفارة في العالم هي سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، والنفوذ الإيراني في العراق متجذر لدرجة كبيرة مما يعني حتى الصراع لنقد يكون سهلاً وحتما ستراق فيه دماء الكثيرين كرمى عيون مصالح الدول الكبرى، وعلينا حتى لا ننسَ حتى خلايا داعش السرطانية تنموبسرعة هائلة في هكذا ظروف، فما بالكم اذا كان هنالك من يستورد "الدواعش" من سوريا كما يحدث الآن. هنالك رأي مختلف يقول حتى إيران لن تفرض بلبنان، وحتى إذا أدى ذلك لأن تضعف نفوذها في العراق، للبنان هوورقة الضغط شبه الوحيدة بيد إيران ضد إسرائيل، فتخليها عنها قد يحول علاقاتها مع امريكا واسرائيل، لعلاقة مماثلة لعلاقة كيس الرمل مع الملاكم، وكيس الرمل (الذي هوإيران) لا يستطيع إلا حتى يتلقى الضربات دون حتى يرد عليها. كما يشير على أولوية لبنان هوصمود إيران لعقود بوجود عراق معادي لها، بل حتى أحياناً كانت في فترات حرب مفتوحة مع العراق، إلا حتى نقاطها الهجومية المتقدمة في لبنان عوضتها. رغم ما سبق، لا زلت أرى الأولوية في نظر إيران للعراق، إذ لم تعد لإيران قوة في الأوساط المجتمعية العربية، كما انها لم تعد تلك الدولة الثورية التي تمتلك مرونة وحرية التمركز في الصراعات الدولية، هي تحمل الآن إرث ثقيل من السياسات والمواقف السابقة التي قيدت التحركات المتاحة لها الآن، ولذلك افترض حتى تأمين المجال الحيوي المباشر أصبح الآن أولوية لها، إذ حتى وجود تفوق أمريكي في العراق سيجعل المعارك السياسية تتم في داخل إيران بدلاً من مواقع نفوذها، وهذا ما لن تسمح به إيران، فلا يوجد ضمان من حتى الحاضنة الشعبية المتأكلة للسلطة في إيران ستصمد أمام عدوى الثورات المنتشرة في مناطق مناهضة الولايات المتحدة الأمريكية، وإن استطاعت الصمود فالمعارضة تنتظر أي مساحة للتحرك. إن هجريز إيران على العراق وتقليل الدعم عن حزب الله سيجعل حزب الله يحارب وحيداً، ما سيجعله يعتمد بشكل أكبر على العامل الذي يمتلك فيه التفوق وهوالسلاح مما يهدد الأمن الداخلي اللبناني، وأكثر ما يدعوللتشائم هوأنه وأثناء هذا الصراع لن تتحسن أي من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تحرّك الناس من أجلها. وفي مجال المساومة الشيطان هنا لا يسكن التفاصيل، إنما سيتبع الخط العام، فالفكرة ليست في استنطقة الحكومة في أي من البلدين أوبقائها، إنما في الصورة المستقبلية للبلاد، وطريقة حل المشكلات التي تعاني منها، فالمنح والقروض لن تأتي إلا بضمان الطرف المقدم لها حتى نفوذه مضمون في البلاد.

على الضعيف حتى يعاني كما يجب

التحالف مع طرف أقوى منك دون وجود علاقات ضامنة بالتزامه التعامل الند للند معك، سيؤدي عاجلاً أوآجلاً إلى حتى يساوم عليك بغية تحقيق أهدافه الكبرى. عقب غزوالعراق وبعد حتى وصلت القوات الأمريكية لحدود إيران، اضطرت إيران إلى قبول دخول لجان التفتيش الأممية مباني مشروعها النووي، وذلك لتهدئة الأوضاع وتجنب لقاءة غير قادرة على تحملها. ولكنها أعربت في فبراير ٢٠٠٦ أنها لن تلتزم بما يقرره مجلس الأمن فازدادت الضغوط والتهديدات الدولية عليها، ولم تتوقف إلا بأن احتلت حرب تموز٢٠٠٦ الساحة الدولية، الحرب التي قامت بعد عملية لحزب الله ضد الجيش الإسرائيلي هي ما ساهم في تخفيف الضغوط على إيران، حسن نصر الله قائد الحزب أقر لاحقاً بأنه لوفهم حتى العملية كانت ستؤدي للحرب ما كان أقدم عليها. إذاً من دفع حزب الله للقيام بالتصعيد،يا ترى؟ يقول محمد ابوالغيط وزير خارجية مصر في حينها أنه مضى إلى سوريا ليفهم منها سبب قيام الحزب بهذا التصعيد وأكد له الرئيس السوري حتى سوريا لم تكن تفهم شيء عن العملية، وأن وليد المفهم نطق له بحديث جانبي بأنه يعتقد بأن إيران هي من كانت خلف العملية. وبالعمل من يتابع مسيرة الضغوطات التي تتم على إيران ولا تنتهي إلا بحرب اسرائيلية وحركات المقاومة في غزة أولبنان، سيتمكن من الربط بين طرفي العلاقة. إن قيام إيران بتفريغ الضغوط عليها عبر حرب محدودة من غزة أولبنان تستهدف إسرائيل هوأمر وارد بقوة، تحديداً إذا نظرنا للمصلحة التي يمكن حتى يحققها الأطراف المتنافسة في الداخل الإسرائيلي ففكرة الهروب للامام قد يتبناها نتنياهولكي يتمكن من كسب شعبية أكثر أويحقق تحالف يبقيه رئيس للحكومة، وإن تم أمر أولا فأن الخلاصة المستنتجة من الحالة الراهنة توضح رخص حياة وأرواح وأحلام الشعوب الضعيفة، حيث يقوم الأقوياء بما يريدون وعلى الشعوب الضعيفة حتى تظل تعاني كما يجب كما يقول ثيوسيديديس.

المصادر