الورقة البيضاء 1939

عودة للموسوعة

الورقة البيضاء 1939

الورقة البيضاء 1939
و.أ. رقم 6019 ضمن الورقة البيضاء 1939.
تأسست مايو1939
صُدق عليها 23 مايو1939
الغرض بيان السياسية البريطانية في فلسطين الانتداب.

الورقة البيضاء 1939 White Paper أوورقة مكدونالد 1939 هي ورقة سياسية أصدرتها الحكومة البريطانية تحت رئاسة نڤيل تشمبرلين استجابة للثورة العربية 1936–39، في أعقاب الموافقة الرسمية عليها في مجلس العموم، في 23 مايو1939، أصبحت بمثابة السياسة الحاكمة لفلسطين تحت الانتداب من 1939 حتى انتهاء الانتداب البريطاني عام 1948، بعد حتى أحيل الأمر للأمم المتحدة.

بموجب الورقة يتم تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق عربية ويهودية ودولية. أصدرت الحكومة البريطانية، خلافاً لسياستها للسنوات العشرين السابقة، كتاباً أبيض هوتعبير عن وثيقة رسمية تقيد هجرة اليهود الى فلسطين. وحدد "الكتاب الأبيض" العدد الإجمالي لليهود المهاجرين الى فلسطين بخمسة وسبعين الف إنسان للسنوات الخمس التالية. كما أشار الكتاب الى النية في تأسيس دولة عربية مستقلة في فلسطين. وبعد نشر "الكتاب الأبيض" بدأت الفصائل اليهودية المسلحة تقاتل سلطات الإنتداب البريطانية.


خلفية

مؤتمر لندن، قصر سانت جيمس، فبراير 1939. الممثلون الفلسطينيون العرب (في الخلفية)، من اليسار إلى اليمين: فؤاد سابا، يعقوب الغصين، موسى الفهمي، أمين التميمي، جمال الحسيني، عوني عبد الهادي، جورج أنطونيوس، وألفريد روش. قبالة الممثلين العرب والفلسطينين، سير نڤيل تشمبرلين. على يمينه لورد هاليفاكس، وعلى يساره مالكولم ماكدونالد.

بعد انتهاء ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 وتجدد فعاليات الثورة الفلسطينية حتى عام 1939، لرفض قرار تقسيم فلسطين، لجأ البريطانيون لتحويل قضية فلسطين إلى قضية عربية عامة ودعوة ممثلين عرب من العراق ومصر والسعودية واليمن وشرق الأردن لمؤتمر لندن، واستشارة فرنسا كدولة منتدبة على سوريا ولبنان بدعوى المناداة بإقامة سلام وتقدم في فلسطين. فنظمت بريطانيا مؤتمر لندن فيسبعة فبراير 1939، في قصر سان جيمس ، لعدة أسابيع. وكان برنامج المؤتمر عقد حوارات بريطانية مع الوفود العربية في ساعات الصباح، ولقاءات بريطانية مع اليهود بعد الظهر لتجنب جلوس الفريقين العربي واليهودي معا. وخلال مداولات المؤتمر برزت إشاعة بالتوجه لإعلان استقلال فلسطين فنظم اليهود حملة إرهابية كبيرة على العرب أدت لاستشهاد نحو40 فلسطينيا وجرح عدد مماثل، فنظم العرب ثورة مضادة في مارس 1939 حيث عمت معارك عنيفة بين مناطق عكا وصفد وبين القدس ونابلس اغتال فيها ضباط بريطانيون وأسقطت طائرات بريطانية واستشهد عشرات المواطنين العرب وانتهى مؤتمر لندن في 27 مارس 1939 دون نتيجة تذكر. فلجأت بريطانيا لطريقة جديدة لحل قضية فلسطين تتمثل بإصدار بلاغ رسمي في 17 مايووهوالكتاب الأبيض الثالث 1939.


دوافع السياسة البريطانية الجديدة وتطوراتها

بعد نحوعشرين عاماً من السياسات البريطانية الغاشمة في فلسطين، تلك السياسات التي بنيت على مصالح آنية قصيرة النظر أملتها الظروف الدولية المستجدة التي تمخضت عنها الحرب العالمية الأولى بدأت الحكومة البريطانية في أواخر الثلاثينات، إثر تأزم الوضع الدولي مجدداً، في إعادة النظر في تلك السياسة بهدف إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة العربية.

فمنذ أواسط الثلاثينيات، بدأت تلوح في الأفق البريطاني مخاطر جديدة تهدد مكانتها كقوة عظمى وحيدة في العالم، في مقدمتها استعادة ألمانيا لقوتها وبدء تطلعها مع صعود الحزب النازي بزعامة هتلر إلى سدة الحكم، نحومجال حيوي يمتد من أوروبا إلى المناطق الحيوية من عالم الإمبراطورية البريطانية، وبخاصة المنطقة العربية التي تأكد وجود المخزون الضخم من النفط فيها.

هكذا لم تعد المصالح البريطانية في المنطقة العربية منصبة على حماية قناة السويس وطرق المواصلات إلى الهند، بقدر ما أصبحت تعني ضرورة الحفاظ على السيطرة على منابع النفط العربية، ليس فقط من الخطر الألماني، وإنما أيضاً من منافس آخر أخذت قوته تتعزز خلال الثلاثينيات، والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية التي حصلت على أول امتياز للنفط في العربية السعودية في ذلك الحين. وفي سياق تصاعد القوة الأمريكية المنافسة والمهددة للإمبراطورية البريطانية، بدأت تلوح في سماء السياسة البريطانية مخاطر تحول الحركة الصهيونية التي أنشأتها بريطانيا ورعتها نحوالولايات المتحدة، والتي يفترض أن تستغلها لطرد بريطانيا من المنطقة العربية. وأمام تعاظم هذه المخاطر يوماً بعد يوم عدد وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدن عام 1937 الأسباب التي تدعوبريطانيا إلى القلق والتخوف من احتمال اضطرارها الدخول في حرب جديدة، وهي:

  • حماية سلامة ووحدة الإمبراطورية البريطانية.
  • حماية فرنسا وبلجيكا ضد أي هجوم ألماني.
  • حماية قناة السويس.
  • حماية العراق.

كذا نما تيار قوي في الأوساط السياسية البريطانية يدعوإلى ضرورة إعادة النظر في السياسة العربية لبريطانيا. فبعد عقد المعاهدة البريطانية ـ العراقية في عام 1930 وحصوله على الاستقلال في عام 1932، ثم عقد معاهدة 1936 مع مصر، بدا واضحاً لهذا التيار، وبخاصة بعد اندلاع الثورة في فلسطين عام 1936، حتى تلك الثورة في ظل الظروف الدولية المستجدة، من شأنها إشاعة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، والتأثير في الرأي العام العربي وتأليبه ضد بريطانيا، في وقت هي في أمسّ الحاجة فيه لتعزيز رصيدها في المنطقة.

ففي أواسط الثلاثينيات، وبخاصة بعد اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936، بدأ التفكير في بريطانيا باتجاه ضرورة إيجاد حل لمشكلة فلسطين. وقد تعزز الاتجاه نحوتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ونقل العرب من الدولة اليهودية وذلك مع صدور تقرير لجنة بيل الملكية التي أوصت في تقريرها الصادر في 22 يونيو1937 بالتقسيم، حيث ما لبثت الحكومة البريطانية حتى أصدرت بيان سياسة فيسبعة يوليو1937 أيدت فيه فكرة التقسيم وطرحت الموضوع على مجلس العموم الذي أوصى بدوره بحمل الموضوع إلى عصبة الأمم قبل المضي في التطبيق. غير حتى لجنة الانتدابات في العصبة وافقت من حيث المبدأ على فكرة التقسيم ولكنها أوصت بتأجيل إقامة الدولتين وتمديد فترة الانتداب.

وفي اجتماع لاحق لمجلس العصبة في أواخر 1937، شن الأعضاء حملة شعواء على تقرير لجنة بيل، على أساس أنه يوصي بإقامة دولة يهودية صغيرة لا تملك أية مقومات وأنه لا بد للدولة اليهودية حتى تضم مناطق استراتيجية وتكون قابلة للحياة.

غير حتى الاتجاه الذي أخذ يقوى في الدوائر السياسية البريطانية في ذلك الحين، هوضرورة عدم التعامل مع المشكلة الفلسطينية بمفردها، وضرورة إشراك قيادات الدول العربية المجاورة في مناقشة موضوع التقسيم أوأي سياسة بديلة لذلك. ومنذ نوفمبر 1937، في الوقت الذي أخذت فيه الأوضاع الدولية بالتأزم، صدرت عدة مذكرات وبيانات سياسية عن الحكومة البريطانية تؤكد على هذا التوجه، منها مذكرة صادرة عن وزير الخارجية أنطوني إيدن في نوفمبر 1937، اتى فيها بأن السياسة البريطانية المقبلة في فلسطين لا يمكن التعامل معها بمعزل عن الدول العربية المجاورة، "فالبلدان العربية الشرق أوسطية تشكل كلاً عضوياً ومترابطاً بشكل وثيق.. إذا أية سياسة لنا في فلسطين ستنعكس آثارها على جميع المنطقة وتؤثر كثيراً في مستقبل علاقاتنا مع قوى الشرق الأوسط وبخاصة العراق ومصر والعربية السعودية وهي دول تسيطر على مواصلاتنا البرية والبحرية إلى الشرق". ويشار إلى حتى هذا الرأي قد جعل مجلس الوزراء ينقلب على فكرة التقسيم.

ومع استنطقة وزير المستعمرات، أورمسبي گور المعروف بانحيازه القوي إلى الصهيونية في عام 1938، ومجيء مالكولم ماكدونلد، الأكثر اعتدالاً وموضوعية إلى وزارة المستعمرات، تعززت التوجهات نحوالعرب في الحكومة البريطانية. ولم يتردد ماكدونلد من السفر إلى فلسطين متخفياً للإطلاع بنفسه على حقيقة الوضع فور تسلمه منصبه الجديد. وفي العام نفسه، قام بإرسال لجنة وودهيد إلى فلسطين التي أقرت في تقريرها الصادر في 27 أبريل 1938 بأن التقسيم غير عملي "لأنه يحتاج نقلاً إجبارياً للعرب من الدولة اليهودية، حيث ما لبث حتى صدر بيان سياسة اتى فيه: "إن تقرير اللجنة يبين حتى التقسيم يتضمن صعوبات جمة.. ولذا فهوغير عملي، لذلك فإن الحكومة ستواصل تحمل مسؤولياتها في فلسطين، وهي مصممة على بذل جميع جهودها من أجل تعزيز التفاهم بين العرب واليهود، والدعوة إلى مؤتمر يشارك فيه العرب.. وإذا لم يؤد المؤتمر إلى أي اتفاق خلال فترة معقولة، فإن الحكومة ستتخذ قرارها وتعلن سياستها.

وقد يحدث سليماً القول بأن الحكومة البريطانية كانت تفكر في الرفض الصهيوني المتسقط لمقترحاتها، حيث حتى حضور الدول العربية في المؤتمر كان من شأنه، ليس فقط إرضاء العرب في ظل الوضع الدولي المتوتر، بل كان يمكن له حتى يرجح كفة الجانب العربي الفلسطيني، ويعمل في الآن ذاته على تهدئة الفلسطينيين ودفعهم لقبول الأفكار البريطانية الجديدة التي تتطلب موقفاً معتدلاً منهم. غير أنه يظهر واضحاً حتى هذا لم يحدث على النحوالذي تصورته الحكومة البريطانية، حيث لم يتمكن العرب من دفع الفلسطينيين إلى قبول الكتاب الأبيض والتعاون مع الحكومة البريطانية على تطبيقه. لذلك تمسكت الحكومة البريطانية بالكتاب الأبيض بعد إعلانه رسمياً، ويستدل على ذلك من القرارات التي اتخذتها بشأن الهجرة والأراضي خلال عامي 1939 ـ 1940. ولم يكن ذلك بعيداً عما لمسته في المواقف العربية غير الفلسطينية من تأييد للكتاب الأبيض. وقد جرى جميع ذلك في وقت كانت فيه الحرب العالمية الثانية ما زالت في مراحلها الأولى، وحينما كان الوضع العسكري البريطاني سيئاً.

في مايو1940 وقع تبدل حكومي بريطاني أتى بونستن تشرشل المؤيد للصهيونية، إلى رئاسة الحكومة. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من إلغاء سياسة الكتاب الأبيض، فهوقد سعى إلى عرقلتها ومحاولة الالتفاف عليها. فمن جهة، عمد تشرشل في مايو1941 إلى تغيير الوضع الاستراتيجي العسكري في المنطقة العربية، حيث بعث بقواته إلى العراق فقضى على حركة رشيد عالي الكيلاني ـ الحاج أمين الحسيني وبعد إتمام المهمة وإعادة الوصي على عرش العراق ورئيس وزرائه نوري السعيد إلى لحكم، انطلقت القوات البريطانية في حزيران إلى سورية، فأسقطت حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا ونصبت مكانها حكومة فرنسا الحرة "الموالية للحلفاء". وبذلك أصبحت بريطانيا مسيطرة سيطرة كاملة على المنطقة العربية الممتدة من العراق حتى مصر، على الرغم من وجود حليفتها الضعيفة فرنسا في سورية ولبنان، ولم تعد هناك تخوفات بريطانية جدية من احتمال قيام أية تحركات عربية مناهضة لها.

في الآن ذاته بدأ تشرشل يفكر في حتى إقامة شكل من الوحدة أوالاتحاد العربي المحدود من شأنه حتى يقضي على سياسة الكتاب الأبيض ويتيح إقامة حكم ذاتي يهودي مستقل في فلسطين. وكان المشروع المفضل لدى تشرشل في هذا المجال هومشروع فيلبي. والجدير بالذكر حتى مشروع الكولونيل فيلبي، الذي كان يعمل في الثلاثينيات مستشاراً سياسياً للملك ابن سعود، هوفي الأصل فكرة صهيونية طرحها بن غوريون على فيلبي في أواسط الثلاثينيات. ويتلخص مشروع بن غوريون في إقامة اتحاد فيدرالي أوكونفدرالي عربي برئاسة الملك ابن سعود، فيضم إلى جانب العربية السعودية كلاً من العراق وشرقي الأردن وفلسطين، شرط الاعتراف بأن تكون فلسطين دولة يهودية ضمن الاتحاد، والموافقة على إطلاق الهجرة اليهودية إليها. وقد راقت الفكرة لفليبي الذي أخذ يدرسها ويجري تعديلات عليها حتى أصبحت تعهد بمشروعه، وبخاصة حتى فليبي كان يسعي في ذلك الحين إلى إحباط توجهات تي أي لورانس، المعروف بلورانس العرب، الذي كان يعمل هوالآخر على مشروع اتحاد عربي برئاسة أمير شرقي الأردن، الأمير عبد الله، وفي السياق ذاته بالنسبة لفلسطين. وقد يحدث بن غريون هوصاحب فكرة هذا المشروع أيضاً.

استهوى مشروع بن گوريون ـ فليپي ونستون تشرشل، ومن غير المستبعد حتى سبب ذلك هوحتى هذا المشروع إنما يوفر لتشرشل اصطياد ثلاثة عصافير بحجر واحد. فالمشروع في الأساس صهيوني بمعنى حتى اليهود يؤيدون اتحاداً عربياً يضمن لهم أقامة حكم ذاتي يهودي في فلسطين. والثاني هوحتى تشرشل صاحب النظرة الثاقبة يدرك حجم التطلعات الأمريكية للسيطرة على المنطقة ولومن خلال المشروع الصهيوني، لذلك، فإن الولايات المتحدة ستتعاون مع بريطانيا على إنجاح المشروع. أما السبب الثالث والأهم، فهوالسيطرة المباشرة على النفط السعودي من خلال حكومة ذاتية يهودية تشكل جزءاً من الاتحاد. ولا يمكن إغفال حتى النفط كان وراء الفكرة الأساسية للمشروع الذي طرحه بن گوريون. في 19/1941، وفيما كانت القوات البريطانية منهمكة في العراق وتستعد للتوجه إلى سورية، وزع تشرشل مذكرة غير معتمدة على أعضاء حكومته، اقترح فيها تشكيل "خلافة" إسلاميةقد يكون الملك ابن سعود هوالخليفة فيها وتضم إلى جانب العربية السعودية كلاً من العراق وشرق الأردن وفلسطين اليهودية ذات الحكم الذاتي. ثم أضاف إليها سورية وكذلك جبل لبنان ضمن صيغة حكم ذاتي.

غير حتى وزارة الخارجية ووزارة المستعمرات وقفتا ضد أفكار تشرشل وتوجهاته، وذلك انطلاقاً من حتى الكثير من العرب الآخرين وبخاصة الهاشميين في العراق وشرقي الأردن، لن يقبلوا بذلك، حيث ما لبث وزير الخارجية أنطوني إيدن حتى تصدى لتلك الأفكار بطريقة غير مباشرة في خطابه الشهير بخطاب مانشن هاوس في 28 مايو1941 والذي نطق فيه بأن إحداث انقلاب رشيد عالي في العراق "يجب حتى لا تؤثر في علاقة بريطانيا بالعرب أوفي تضامنها مع قضاياهم"، وبأن بريطانيا لن تتردد في دعم أية وحدة يترقبها العرب أنفسهم. وكانت هناك قناعه قوية في وزارة الخارجية وفي الاستخبارات البريطانية بضرورة التزام بريطانيا بسياسة الكتاب الأبيض وبأن هذه السياسة "لا تتعارض ولا تنفي إمكانية دعم أي اتحاد يترقبه العرب.

وقد شهدت السنوات الثلاثة اللاحقة مناقشات ومداولات عديدة بشأن السياسة البريطانية في فلسطين والمنطقة العربية ككل، وأصبحت مسألة الوحدة أوالاتحاد العربي ومسألة فلسطين تشكلان مسألة واحدة مترابطة سلباً أوإيجاباً.

فالرأي السائد في الأوساط البريطانية في ذلك الحين كان يتمثل في حتى طرح الأفكار حول اتحاد عربي في الوقت الذي لم يتم فيه استكمال تطبيق الكتاب الأبيض يمكن حتى يؤدي إلى تشكك العرب في صدق نوايا بريطانيا، لذلك لابد من استكمال تطبيق الكتاب قبل التحدث عن أي مشروع عربي.

غير حتى هذه الآراء كانت تقابلها آراء أخرى بأن تطبيق الكتاب الأبيض، ثم إقامة وحدة أواتحاد عربي من شأنه حتى يهدد المصالح البريطانية في المنطقة، وذلك إذا فكر العرب في الانقلاب على بريطانيا بعد حتىقد يكونوا قد توحدوا. فقد كانت بريطانيا تفضل عقد معاهدات بريطانية مع جميع دولة عربية على حدة. ومع ذلك، فقد كانت هناك قناعه لدى المؤيدين لاستكمال تطبيق الكتاب الأبيض بصعوبة هذا التطبيق طالما بقي تشرشل في رئاسة الحكومة.

ويبدوحتى وجهة النظر الثانية، إلى جانب موقف تشرشل، هي التي أخذت تزداد قوة مع مرور الوقت، وقد تعزز ذلك بعمل التطورات التي شهدتها الحرب العالمية، إذ شكل عام 1943 نقطة تحول في مسار تلك الحرب، حيث أصبح نصر الحلفاء شبه مؤكد بعمل الفوز البريطاني في معركة الفهمين ومعارك البحر المتوسط التي انتهت باستسلام أكثر من 250 ألف جندي ألماني وإيطالي في تونس، إضافة إلى معركة الغواصات في الأطلنطي.

فقد شهد عام 1943 تحركاً عربياً باتجاه بريطانيا لدعم إقامة شكل من الاتحاد العربي، أبرزها تحركات الأمير عبد الله أمير شرقي الأردن وتحركات رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس، ومشروع رئيس الوزراء العراقي المعروف بمشروع الهلال الخصيب أو"استقلال العرب ووحدتهم"، أوالكتاب الأزرق، الذي قدمه للبريطانيين.

ويشكل هذا المشروع الأخير، وكذلك سابقه، نسفاً للكتاب الأبيض واستبداله بحكم ذاتي يهودي في فلسطين في إطار الاتحاد العربي، ولذلك فإن هذين المشروعين لا يختلفان بالنسبة لفلسطين عن مشروع فيلبي، آخذين في الاعتبار حتى فكرة الحكم الذاتي اليهودي، إنما كانت تعني الاستقلال شبه الكامل لليهود في فلسطين، وهوشبه استقلال يحمل بذور الدولة المستقلة في أحشائه، بينما كان الكتاب الأبيض ينفي ذلك. وتشير الكثير من الوثائق البريطانية التي تم الإفراج عنها في السنوات اللاحقة إلى حتى الدوائر السياسية البريطانية لم تكن في عام 1943 متحمسة على النحوالذي كانت عليه في عام 1939 و1940 لفكرة الاتحاد العربي، بل حتى هناك آراء مستندة إلى الوثائق البريطانية، تؤكد حتى التصريح الشهير الآخر الذي أدلى به وزير الخارجية أنطوني إيدن في فبراير 1943 الذي أكد فيه حتى المبادرة من أجل الوحدة أوالاتحاد العربي "يجب حتى تأتي من العرب أنفسهم" إنما كان بمثابة محاولة للتملص من الالتزام بذلك، كما شكل مراهنة على حتى العرب أنفسهم لن يتفقوا على تحقيق ذلك نظراً للتنافس المستعر بين الزعامات العربية المتنوعة من عراقية وسعودية ومصرية وشرق أردنية. بل إذا تياراً قوياً بقي متمسكاً في ذلك الحين بضرورة تطبيق الجانب الدستوري من الكتاب الأبيض فور انتهاء الحرب.

ففي اجتماع لمجلس الحرب الخاص بالشرق الأوسط عقد في القاهرة في مايو1943، تم اتخاذ توصيات في مقدمتها التوصية بضرورة عدم الانحراف عن سياسة الكتاب الأبيض في فلسطين، وتوصية بالعمل على تشجيع الدول العربية على البدء بتحقيق اتحاد اقتصادي وثقافي قبل الحديث عن الوحدة السياسة، أما التوصية الثالثة فتدعوالحكومة إلى طرد فرنسا من سورية ولبنان لكي يتم ضمان السيطرة البريطانية التامة على المنطقة. والجدير بالملاحظة حتى وزارة الخارجية البريطانية رفضت جميع توصيات مجلس الحرب، باستثناء التوصية الخاصة بالكتاب الأبيض.

ويمكن الاستنتاج في هذا المجال حتى هذا التيار من البريطانيين المؤيدين لسياسة الكتاب الأبيض في عام 1943 لم يكن بعيداً عن التخوف من التأييد المتنامي في الولايات المتحدة للحركة الصهيونية، بكل ما يعنيه ذلك من تحول المشروع الصهيوني إلى أداة لطرد بريطانيا من المنطقة لصالح الولايات المتحدة.

وقد استمرت هذه السياسة خلال عام 1944، حيث يشار في الكثير من الوثائق البريطانية إلى حتى وزارة الخارجية ووزارة المستعمرات، وكذلك رئيس الوزراء تشرشل بالطبع، لم يدعموا فكرة تأسيس جامعة الدول العربية، وكانت هناك رغبة قوية في تأجيل اجتماع الإسكندرية الذي نادى إليه مصطفى النحاس، رئيس وزراء مصر. غير حتى الأوساط البريطانية، وبعد عدم تمكنها من تأجيل الاجتماع، عمدت إلى التدخل في قراراته وفي صياغته ميثاق الجامعة، ودفعه إلى الاعتدال فيها.

عملى الرغم من التأييد القائم للكتاب الأبيض، رفضت بريطانيا إطلاق سراح جمال الحسيني لكي يتمكن من حضور المؤتمر بصفته يتمتع بشرعية التمثيل الفلسطيني. كما تم تحذير الوفود العربية من إثارة أية مشاكل بشأن فلسطين، وأعطيت وعود للوفد السوري بشأن الاستقلال شرط عدم إثارة مثل هذه المشاكل. ويمكن القول بشكل عام حتى المواقف البريطانية، وبخاصة منذ عام 1943، قد خضعت لحقيقة تزايد اعتمادها مالياً وعسكرياً على الولايات المتحدة. وفي ظل غياب عصبة الأمم المتحدة، كان لابد لبريطانيا حتى تحصل على موافقة الولايات المتحدة على أي قرار بشأن فلسطين.

في عام 1945 سقط ونستون تشرشل وحزب المحافظين، ووصل حزب العمال إلى الحكم. وعلى الرغم من التأييد الكبير في صفوف الحزب المذكور للحركة الصهيونية، فقد ظلت الحكومة ملتزمة على الصعيد الرسمي على أقل تقدير، ليس بسياسة الكتاب الأبيض وإنما بعدم إقامة دولة يهودية في فلسطين. ففي رده على طلب الرئيس الأمريكي ترومان بإدخال مئة ألف لاجئ يهودي إلى فلسطين فوراً، رد رئيس الحكومة البريطانية الجديد، كليمنت أتلي، باقتراح تشكيل لجنة تقصي حقائق أنجلوـ أمريكية، حيث زارت اللجنة فلسطين وقدمت في 20 أبريل 1946 تقريرها الذي وإن تكن رفضت فيه تقسيم فلسطين، فهي أوصت بإدخال مئة ألف لاجئ يهودي إليها فوراً [34]، ناسفة بذلك أبرز أسس الكتاب الأبيض. ومع ذلك فقد قررت الحكومة الجديدة عقد مؤتمر في لندن لمناقشة الوضع، حيث عقد المؤتمر في 27 يناير 1947 واستمر لغاية 14 فبراير 1947 قدم خلالها وزير الخارجية إرنست بيڤن مشروعاً يتضمن فرض نظام وصاية بريطانية على فلسطين لمدة خمس سنوات يقام خلالها حكم ذاتي منفصل لكل من العرب واليهود على أسس كانتونية يصار بعدها إلى إقامة دولة فلسطينية اتحادية أويتم استمرار نظام الوصاية. ويبدوواضحاً حتى مشروع بيفن وإن يكن قد التزم بمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية الواحدة التي نص عليها الكتاب الأبيض، إلا أنه جرد الكتاب الأبيض من أبرز مبدأين من مبادئه، ألا وهما مبدأ وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومبدأ الدولة الديمقراطية حيث اقترح إدخال مائة ألف يهودي على مدى عامين يتم بعدها دراسة الموضوع. وبذاقد يكون قد رضخ للطلب الأمريكي بهذا الشأن.

كان ذلك آخر نبضة في نبضات السياسة البريطانية الفلسطينية، حيث ما لبثت بريطانيا حتى قررت حمل المسألة الفلسطينية إلى الأمم التي شكل قيامها بديلاً لعصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مع فوز معسكر الحلفاء. وثم انسحبت بريطانيا من فلسطين في 15 مايو1948 مخلفة فلسطين لمصيرها المشؤوم. وفي محاولة منها لتأكيد موقفها، فقد رفضت بريطانيا التصويت في 29 نوفمبر 1947 على مشروع قرار الأغلبية الذي طالب بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. غير أنها كذلك، لم تصوت إلى جانب مشروع قرار الأقلية الذي أوصى بإقامة دولة فلسطينية واحدة على نحوشبيه بسياسة الكتاب الأبيض. وبذلك انطوت صفحة يمكن القول بأنها كانت أبرز صفحة في صفحات التاريخ السياسي الفلسطيني، صفحة كان فيها أمل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية أمراً ممكناً.


المحتوى

تصنيف وحدود الأراضي في مناطق نقل الأراضي كما هومنصوص عليه عام 1940.

تألف الكتاب الأبيض من مقدمة وثلاثة أبواب: الأول للدستور، والثاني للهجرة والثالث للأراضي.

المقدمة

ففي المقدمة، أسندت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض إلى صك الانتداب فأشارت إلى حتى الصك الذي يتضمن تصريح بلفور، كان أساس السياسة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة زهاء عشرين عاماً. تم أشارت إلى الغموض الذي يكتنف بعض العبارات في صك الانتداب كعبارة "وطن قومي للشعب اليهودي" وعزت ما نشب من قلق وشحناء بين العرب واليهود إلى ذلك الغموض وخلصت إلى ضرورة وضع تعريف واضح للخطة السياسية ولأهدافها، مشيرة إلى حتى التقسيم المؤدي إلى إقامة دولتين عربية ويهودية من شأنه حتى يوفر ذلك الوضوح، غير أنه غير عملي وليس بمستطاع أي من الدولتين سد نفقاتهما بذاتهما، لذا كان على الحكومة البريطانية استنباط بديل للتقسيم، أي سياسة أخرى من شأنها حتى تفي بالالتزامات المترتبة عليها نحوالعرب واليهود.

الباب الأول: الدستور

أما في باب الدستور، فإن المادة الرابعة تشير ثانية إلى تعبير وطن قومي يهودي، فتقول بأن واضعي صك الانتداب الذي أدمج فيه تصريح بلفور، لا يمكن حتىقد يكونوا قد قصدوا تحويل فلسطين إلى دولة يهودية خلافاً لإرادة العرب سكان البلاد. ولذلك، فإن حكومة جلالته تعلن الآن بعبارات لا لبس فيها ولا إبهام أنه ليس من سياستها حتى تصبح فلسطين دولة يهودية. أما المادة الخامسة فتقتبس فقرة من الكتاب الأبيض الصادر عام 1922 حول مفهوم الوطن القومي اليهودي، فتقول المادة بأن الحكومة البريطانية تتمسك بذلك التفسير الذي يعتبر اليهود في فلسطين طائفة لها في الحقيقة مميزات قومية، غير حتى ما قصد بترقية الوطن القومي اليهودي في فلسطين لا يعني فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالاً، بل زيادة رقي الطائفة اليهودية حتى تصبح مركزاًقد يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر من الوجهتين الدينية والقومية، وحتى تدرك هذه الطائفة بأن وجودها في فلسطين حق وليس منّة، وذلك هوالسبب الذي جعل من الضروري ضمان إنشاء الوطن القومي اليهودي ضماناً دولياً والاعتراف رسمياً بأنه يستند إلى صلة تاريخية. وتواصل المادة السادسة التأكيد على حتى الحكومات البريطانية قد التزمت بهذا التفسير لمفهوم ترقية الوطن القومي اليهودي، فتشير إلى أنه منذ صدور الكتاب الأبيض في عام 1922، هاجر إلى فلسطين ما يزيد على ثلاثمائة ألف يهودي بحيث ارتفع عدد سكان الوطن القومي اليهودي إلى أربعمائة وخمسين ألفاً، أوما يقارب ثلث سكان البلاد برمتهم.

ثم ينتقل الكتاب في المادة السادسة إلى مراسلات حسين ـ مكماهون (التي نوقشت في المؤتمر)، فتقول المادة، بأن المندوبين العرب والبريطانيين لم يتمكنوا من الاتفاق حول تفسير هذه المراسلات، لذلك فإن حكومة جلالته تتمسك بالرأي القائل حتى جميع فلسطين الواقعة غربي نهر الأردن كانت قد استثنيت من العهد الذي بتره السير هنري مكماهون، وهي لذلك لا تستطيع حتى توافق على حتى مراسلات مكماهون تشكل أساساً عادلاً للانادىء بوجوب تحويل فلسطين إلى دولة عربية مستقلة.

ثم تقول المادة الثامنة حتى حكومة جلالته ملزمة بصفتها الدولة المنتدبة حتى تضمن تطوير مؤسسات الحكم الذاتي في فلسطين، غير أنه لا يمكن إبقاء سكان فلسطين تحت التدريب إلى الأبد حيث أنه لا بد حتى يتمتع سكان البلاد بما أمكن من سرعة بحقوق الحكم الذاتي التي يمارسها أهالي البلاد المجاورة، وفي ضوء حتى حكومة جلالته لا تستطيع حتى تتنبأ في الوقت الحاضر بشكل النظام الدستوري الذي سيكون عليه الحال لحكومة فلسطين في النهاية، فإن حكومة جلالته ترغب حتى ترى قيام دولة فلسطينية في النهاية، وينبغي حتى تكون تلك الدولة، دولة يساهم فيها الشعبان المقيمان في فلسطين.

ولذلك تشير المادة التاسعة، إلى ضرورة وجود فترة انتنطقية قبل الانتنطق إلى الدولة المستقلة، يتزايد خلالها نصيب أهالي البلاد في الحكم وتنموفيها روح التفاهم والتعاون بين العرب واليهود. تم يخلص هذا الباب إلى القرارات في هذه الشأن والتي يمكن إيجازها بما يلي:

  • إقامة دولة فلسطينية في غضون عشر سنوات.
  • قيام الدولة يحتاج التشاور مع عصبة الأمم.
  • يسبق قيام الدولة فترة انتنطقية يعطى خلالها السكان نصيباً متزايداً في حكم بلادهم.

تشكيل هيئة تشريعية عند توفر الظروف.

  • بعد خمس سنوات من بدء استتباب الأمن والنظام في البلاد تشكل هيئة من ممثلي أهالي فلسطين وحكومة جلالته لوضع دستور الدولة.
  • إذا لم تتوفر الظروف بعد عشر سنوات لإقامة الدولة المستقلة يتم التشاور مع أهالي فلسطين ومجلس العصبة والدول العربية المجاورة قبل اتخاذ قرار بالإراتى. وإذا قررت الحكومة البريطانية الإراتى فستدعوهؤلاء الفرقاء إلى التعاون معها لوضع خطوط المستقبل بغية الوصول إلى الهدف المنشود.

الباب الثاني: الهجرة

تم ينتقل الكتاب إلى باب الهجرة، فيخلص إلى:

  • يسمح بالهجرة اليهودية لفلسطين إلى حتى يصبح اليهود يشكلون ثلث السكان.
  • بعد دراسة الوضع الراهن واحتمالات الزيادة الطبيعية والهجرة اليهودية غير الشرعية، يفترض أن يسمح بإدخال 75 ألف يهودي على مدى خمس سنوات، تتوقف بعدها الهجرة نهائياً، ما لم يوافق عرب فلسطين على غير ذلك.
  • إن حكومة جلالته مصممة على قمع الهجرة غير الشرعية، وسوف يخصم عدد جميع مهاجر غير شرعي يتمكن من دخول البلاد، من الكوتا المقررة أعلاه.


الباب الثاني: الأراضي

أما في باب الأراضي، يقر الكتاب بأن الحكومة البريطانية لم تطبق حتى الآن أي قيد على انتنطق الأراضي على الرغم مما ينص عليه صك الانتداب من شرط ضمان عدم إلحاق أي أذى بحقوق جميع فئات الأهالي الآخرين. لذلك يقرر الكتاب منح المندوب السامي سلطات عامة لمنع وتنظيم انتنطق الأراضي.

ويبدوواضحاً مما سبق، حتى الكتاب يلغي حق تحول فلسطين إلى دولة عربية مستقلة كما يلغي حق تحولها إلى دولة يهودية خالصة، ويصل إلى حل وسط هوالدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة المحكومة بعدم تجاوز اليهود نسبة ثلث السكان في أي وقت، وعدم الانتنطق الحر للأراضي وفق نظام يتم وضعه لاحقاً. كما يتضح بأن هناك سياسة آنية مباشرة تتطلب التطبيق الفوري، وهي المتعلقة بالهجرة والأراضي، وسياسة لاحقة خاصة بالجانب الدستوري وتمتد إلى عشر سنوات.

تطبيق سياسة الهجرة وملابساتها

فور الإعلان رسمياً عن الكتاب الأبيض، بدأت الحكومة البريطانية بالإعداد لتطبيق بابي الهجرة والأراضي، حيث عمدت في أبريل 1939 إلى تعديل قوانين الهجرة المعمول بها حتى ذلك الحين، بحيث تتفق مع سياسة الكتاب الأبيض في هذا المجال، وبدأت بتطبيق تلك السياسة التي ما لبثت حتى أدت إلى صراع صهيوني ـ بريطاني محموم امتد على مدى السنوات اللاحقة ضم غرق بواخر تحمل لاجئين وعمليات تفجير واغتيالات*. وقد تواصلت عملية تطبيق السياسة الخاصة بالهجرة على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من ضغوط عمليات خروج اليهود من الأراضي الألمانية والمناطق التي احتلتها ألمانيا خلال الحرب. ففي أيلول 1943، صدر تقرير بريطاني اتى فيه أنه "منذ نيسان 1939 ولج إلى فلسطين نحو44 ألف يهودي، بحيث يبقي من الكوتا نحو31 ألفا . وفي 25 أغسطس 1945، رد وزير المستعمرات البريطاني على الصهاينة بأن ما تظل من الكوتا التي كان مقرراً لها حتى تنتهي في 31 مارس 1944، هوألفان فقط، وبأن أي تعديل لاحق "سيخضع للتشاور مع العرب حول زيارة عدد اللاجئين وذلك بالسماح بإدخال 1500 يهودي في الشهر"، وقد تم ذلك بعد سقوط حكومة تشرشل والمحافظين وفوز حزب العمال في عام 1945. وفي 20 يناير 1946 أعرب مسؤول الإدارة البريطانية في فلسطين حتى الكوتا قد انتهت، وأنه قد بوشر بتطبيق كوتا جديدة بمعدل 1500 يهودي في الشهر منذ 30 يناير 1946.

ولا يعهد ما إذا كانت الحكومة البريطانية قد تشاورت مع العرب في شأن هذه الزيادة على كوتا الكتاب الأبيض. فمن المرجح حتى أياً من العرب الفلسطينيين لم يستشر في ذلك لأسباب سترد لاحقاً، كما يرجح بأن الحكومة البريطانية قد تشاورت مع بعض العرب وأخذت الموافقة على ذلك بشكل غير رسمي كما سيرد لاحقاً أيضاً.

كان الوضع قد تغير مع انتهاء الحرب ووصول حزب العمال البريطاني إلى الحكم في عام 1945. فإلى جانب السياسة العمالية المؤيدة للصهيونية، كانت الضغوط الأمريكية في مجال الهجرة كبيرة جداً، في وقت بدا فيه واضحاً حتى بريطانيا لم تعد سيدة الموقف بمفردها.

ففي 13 نوفمبر 1945 أدلى وزير الخارجية الجديد، إرنست بيفن ببيان في مجلس العموم البريطاني تحدث فيه عن رغبة الحكومة في إدخال 15 ألف لاجئ يهودي شهرياً إلى فلسطين، متجاهلاً سياسة الكتاب الأبيض كلياً . كما تحدث بيفن في مؤتمر لندن حول فلسطين الذي عقد في أواخر عام 1946، عن ضرورة إدخال مائة آلف لاجئ يهودي إلى فلسطين على مدى عامين، حيث يتم تقرير حجم الهجرة بعد عامين وفقاً للقدرة الاستيعابية لفلسطين، وذلك ضمن خطة سياسية جديدة قوامها إقامة نظام وصاية بريطاني لخمس سنوات " لإعداد البلاد للاستقلال". والجدير بالذكر أنه الهجرة اليهودية غير الشرعية قد ازدادت منذ عام 1945 دون أي تشدد بريطاني على النحوالذي جرى خلال النصف الأول من الأربعينات. غير أنه وفي سياق الكتاب الأبيض، لا بد من القول أنه وإلى حين صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947، بقيت النسبة السكانية لليهود في فلسطين بحدود ثلث السكان.

سياسة انتنطق الأراضي

أما بالنسبة لسياسة الكتاب الأبيض الخاصة بانتنطق الأراضي، فقد بدأت الحكومة البريطانية بتطبيقها مع إصدارها للتعليمات الخاصة بذلك في 28 فبراير 1940 حيث قسمت هذه التعليمات أراضي فلسطين إلى ثلاثة مناطق: منطقة ساحلية تشكل 5% من المجموع الكليقد يكون اليهود أحراراً في شراء الأراضي فيها، منطقة تشكل 63.4% من المجموع الكلي يحظر فيها انتنطق الأراضي من عربي فلسطيني لغير عربي فلسطيني إلا في ظروف معينة، منطقة تشكل 31.6% من المجموع الكلي يخضع فيها انتنطق الأراضي من عربي فلسطيني لغير عربي فلسطيني لقرار المندوب السامي.

وقد صادق مجلس العموم على هذه التنظيمات فيستة مارس 1940 بأغلبية 292 صوتاً لقاء 129صوتاً. ومما لا ريب فيه حتى تلك التنظيمات قد ساعدت في الحد من انتنطق الأراضي لليهود على الرغم من حدوث عمليات التفاف غير قانونية عليها وتغاضي حكومة الانتداب عنها، حيث كان يقوم عملاء عرب فلسطينيون بشراء أراضٍ من الفلاحين أوغيرهم، ثم يعطون الصهاينة شيكات بدون رصيد، فيستولي الصندوق القومي اليهودي على الأراضي.

ردود العمل والتأثيرات

مظاهرة يهودية ضد الورقة البيضاء في القدس، 1939.
مظاهرة يهودية ضد الورقة البيضاء في تل أبيب عام 1939، من مجموعة الحرية القومية لإسرائيل.
مظاهرة يهودية ضد الورقة البيضاء في تل أبيب عام 1939، من مجموعة الحرية القومية لإسرائيل.


الموافقة البرلمانية

عصبة الأمم

ردود العمل العربية

أخذت معضلة فلسطين تشغل الحكومات العربية على نحوجدي خلال النصف الثاني من الثلاثينيات. وكان أول توجه في هذا المجال، هوالنداء الذي وجهه جميع من ملك العربية السعودية وملك العراق وأمير شرقي الأردن للفلسطينيين لوقف الإضراب والثورة في عام 1936، معبرين في ذلك البيان عن أملهم في حتى تغير الحكومة البريطانية سياستها الفلسطينية الصهيونية. وتلا ذلك نداء آخر ناشدوا فيه الفلسطينيين عدم مقاطعة لجنة بيل الملكية التي وصلت إلى البلاد لتقصي الأوضاع وتقديم التوصيات للحكومة البريطانية.

والجدير بالذكر حتى الدول العربية لم تكن خلال الثلاثينيات دولاً كاملة الاستقلال. فقد حصل العراق على الاستقلال عام 1932 وكان استقلاله شكلياً تحكمه المعاهدة البريطانية العراقية المسقطة عام 1930، وكان البريطانيون هم الذين يرسمون سياسة العراق ويديرون شؤونه من خلال مستشارين بريطانيين متواجدين في جميع مؤسسة من قمة هرم الدولة إلى قاعدتها. ولم تستقل مصر استقلالاً شكلياً على النحوالذي كان عليه العراق إلا في عام 1936 حين تم التوقيع على المعاهدة البريطانية ـ المصرية. وكان المستشارون البريطانيون هم الذين يوجهون السياسة العربية السعودية التي كانت تتلقي مساعدات مالية بريطانية سنوية لإدارة شؤون الدولة. أما سورية وشرقي الأردن، فلم تحصلا على الاستقلال إلا في عام 1946.

كانت المشاركة العربية في مؤتمر سنت جيمس في عام 1939 أول مشاركة عربية في المداولات والاجتماعات الخاصة بمشكلة فلسطين، حيث كانت تلك المداولات والاجتماعات قبل ذلك تعقد بين البريطانيين والفلسطينيين وبين البريطانيين واليهود. فقد شارك في المؤتمر وفود حكومية عراقية وسعودية ومصرية وشرق أردنية إلى جانب وفد يمني دعي كمراقب. غير حتى عدة تحركات عربية كانت قد سبقت انعقاد المؤتمر، وبخاصة منذ اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936، غير أنها كانت تحركات منفصلة دون أي تنسيق عربي مشهجر، حيث نشط العراقيون والمصريون والسعوديون في محاولة لإقناع بريطانيا بضرورة تغيير سياستها الموالية للصهيونية. وقد حكمت روح التنافس هذه التحركات، حيث كان جميع طرف عربي يتوجس من تحركات الطرف الآخر، وبخاصة حتى الحديث في الأروقة البريطانية كان قد بدأ في الثلاثينيات حول إقامة شكل من الاتحاد العربي، فكان جميع طرف يخشى حتى يتفق الطرف الآخر مع بريطانيا على تزعمه لمثل هذا الاتحاد.

ويتضح من التحركات العربية قبل وخلال وبعد مؤتمر سنت جيمس أنها قد اتفقت على تليين الموقف الفلسطيني وإقناعه بضرورة قبوله المقترحات البريطانية. فكان الاجتماع العربي الذي عقد في القاهرة قبل التوجه إلى لندن لحضور المؤتمر، حيث تم الاتفاق مبدئياً على حد أدني من المطالب، كما بذلت جهود سعودية ومصرية وعراقية بعد المؤتمر للتوسط بين الفلسطينيين والحكومة البريطانية لإجراء بعض التعديلات على مسودة الكتاب الأبيض التي قدمت في المؤتمر وإقناع الفلسطينيين بالقبول بها، وهوما لم يحدث، حيث انتهت تلك المداولات بعدم تمكن الفلسطينيين من اتخاذ قرار، وبالتالي رفض الكتاب رسمياً كما سيرد لاحقاً. فقد كانت مصر والسعودية بشكل خاص تميلان بشدة إلى القبول بالكتاب الأبيض، إدراكاً منهما حتى البديل لسياسة الكتاب الأبيض في أي حل قادم هوالتقسيم الذي يدعمه شرقي الأردن بشدة.

غير حتى التطورات اللاحقة، وبخاصة منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، قد أرخت بظلها على الدول العربية، حيث تراجع الانهماك بالمشكلة الفلسطينية، وبخاصة حتى الثورة الفلسطينية كانت قد انتهت تماماً. ففي العراق، أدى الانقلاب الذي قام به الضباط القوميون بزعامة رشيد عالي الكيلاني ومشاركة الحاج أمين الحسيني في مايو1941 إلى إحداث تحول في السياسة العراقية، يمكن ملاحظته في الموقف العراقي عام 1940 والموقف في عام 1942.

ففي 25 مايو1940 بعث رئيس الحكومة العراقية بمذكرة إلى الحكومة البريطانية يقول فيها بأن العراق "على استعداد لدخول الحرب ضد ألمانيا لقاء تعهد بريطاني بتطبيق الحكم الذاتي في فلسطين خلال الحرب أو فور انتهائها. غير حتى الحكومة البريطانية لم ترد على تلك المذكرة. أما في عام 1942، فقد أعرب العراق الحرب على ألمانيا دون طلب أية شروط من بريطانيا.

كما حتى تعزز الوضع العسكري البريطاني في المنطقة العربية بعد إسقاط حكومة فيشي الموالية لألمانيا في سورية عام 1941، قد انعكس على المواقف العربية التي أخذت تتنافس من حديث على اقتناص المشاريع الوحدوية التي تدعمها بريطانيا. فانصب الاهتمام منذ عام 1943 على إيجاد نوع من الوحدة أوالاتحاد العربي الذي يمكن من خلاله إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية. عملى الرغم من استمرار تمسك العراق ومصر والعربية السعودية بالكتاب الأبيض ومواصلة المطالبة بتطبيقه كاملاً من قبل بريطانيا، فإن المشاريع العربية الوحدوية كمشروع الهلال الخصيب أومشروع سورية الكبرى قد انطلقت من مبدأ إيجاد حل للمسالة الفلسطينية على أساس منح "حكم ذاتي" لليهود في فلسطين في إطار الاتحاد العربي، وليس في إطار دولة فلسطينيةقد يكون للعرب الفلسطينيين فيها أغلبية سكانية وسياسية.

وقد اتى تصريح لنوري السعيد في أغسطس 1943 في سياق طرحه لمشروع الهلال الخصيب، والذي نطق فيه بأن فلسطين "قد لا تكون مشمولة في مشروع الاتحاد العربي"، معززاً لتلك التوجيهات، حيث ما لبث نوري السعيد حتى اضطر إلى إصدار تكذيب رسمي لهذا التصريح بعد موجة من الاحتجاجات الفلسطينية.

ويمكن القول أنه منذ عام 1943، تم تعريب المسألة الفلسطينية تعريباً تاماً. ففي سياق انهيار القيادة الفلسطينية العربية وتشتتها أواعتنطقها منذ عام 1940، أخذت المسألة الفلسطينية تناقش بين بريطانيا والزعماء العرب، جميع على حدة، كما تحولت المسألة برمتها إلى جزء من المشاريع الوحدوية العربية التي انتهت بتشكيل جامعة الدول العربية في عام 1945بدون إيجاد حل للمسألة الفلسطينية سواء في إطار الجامعة أوخارجها. كما أصبحت المناقشات العربية تدور بدون مشاركة أي من الفلسطينيين العرب. ففي عام 1944 نجحت مصر في عهد رئيس الوزراء مصطفي النحاس في إخراج جامعة الدول العربية إلى النور، وذلك بعد فشل المشاريع الوحدوية السابقة، سواء كانت عراقية أم شرق أردنية. غير حتى مصطفى النحاس لم يتمكن من إقناع بريطانيا بالإفراج عن جمال الحسيني وأمين التميمي، المعتقلين في روديسيا، للاشتراك في مؤتمر الإسكندرية التحضيري، وذلك بصفة حتى جمال الحسيني هوالشخص الوحيد المتبقي الذي يمكن حتى يشكل زعامة شرعية عربية فلسطينية. وعلى الرغم من حتى بروتوكول الإسكندرية الصادر فيسبعة أكتوبر 1944 قد نص على المطالبة العربية بتطبيق الكتاب الأبيض، فإن صيغته قد اتىت معتدلة ومهادنة. ولم يفلح المجتمعون العرب في قبول عضوية فلسطين في الجامعة، على الرغم من أنه قد تم قبول كيانات لم تكن مستقلة، مثل سورية ولبنان وشرقي الأردن، حيث لم يسمح لموسى الفهمي، وهوالفلسطيني العربي الوحيد الذي جاء جزءاً من مؤتمر الإسكندرية، بالتوقيع على بروتوكول الإسكندرية. كذلك لم يحضر أي فلسطيني قمة أنشاص التي عقدت في 27 أيار 1946 لمناقشة تقرير اللجنة الأنجلوـ الأمريكية التي كانت قد أوصت بإدخال مئة ألف يهودي إلى فلسطين، غير حتى المؤتمر ذكر في بيانه الأخير بأن "قضية فلسطين ليست قضية خاصة بعرب فلسطين وحدهم .. بل هي قضية العرب جميعاً، وأن فلسطين عربية يتحتم على الدول العربية وشعوبها صيانة عروبتها، وأنه ليس في إمكان هذه الدول الموافقة بأي وجه من الوجوه على أية هجرة جديدة، ويعتبرون ذلك نقضاً صريحاً للكتاب الأبيض الذي أرتبط به الشرف البريطاني.

وفي اجتماع مجلس الجامعة العربية في الثامن من حزيران 1946 في بلودان، اتخذ المجتمعون قرارات "سرية" نصت على "حجب أية امتيازات اقتصادية عن بريطانيا والولايات المتحدة وإلغاء مالهما من امتيازات في الدول العربية وعدم تأييد مصالحها ومقاطعتهما مقاطعة أدبية في حالة إصرارهما على إدخال مهاجرين يهود جدد إلى فلسطين. غير حتى هذه التوصيات أوالقرارات ظلت حبراً على ورق. وفي مؤتمر لندن الذي عقد في أواخر 1946، قدمت الدول العربية السبع الأعضاء في الجامعة العربية مشروعاً يستند إلى الكتاب الأبيض، إلا أنه رفض من الحكومة البريطانية.

وكانت آخر محاولة عربية لإنقاذ سياسة الكتاب الأبيض في عام 1947 حيث تقدمت الوفود العربية والإسلامية إلى الجمعية العامة بعد إحالة المسألة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة من قبل بريطانيا، بمشروع أصبح يعهد باسم مشروع الأقلية الذي سقط أمام مشروع الأغلبية الذي قرر تقسيم فلسطين. وبذلك انتهت آخر محاولة للإبقاء على فلسطين موحدة كدولة فلسطينية وديمقراطية.

وقد يحدث من الممكن القول بالإشارة إلى ما سبق، حتى الدول العربية لم تتمكن من وضع تصور عربي لحل المسألة الفلسطينية، إذ حتى تعريب المسألة الفلسطينية منذ أواسط الأربعينيات قد أدى إلى تغليب مصالح جميع دولة عربية على المصلحة الفلسطينية، حيث أصبحت المسألة الفلسطينية تعني ضرورة عدم انعكاسها سلباً على مصالحهم السياسية الخاصة. كما وكان العرب ضعفاء بعمل التنافس القائم بينهم ولم يتمكنوا من الاستفادة من الأهمية الإستراتيجية للمنطقة بالنسبة لبريطانيا والولايات المتحدة.

ردود العمل الفلسطينية

قبل المضي في استعراض وتقييم المواقف الفلسطينية من الكتاب الأبيض، يجدر التعهد على المواقف السياسية التي اتخذتها القيادة السياسية الفلسطينية قبل فترة الكتاب الأبيض.

فمنذ عام 1929، إذا لم يكن قبل ذلك، قبلت اللجنة التطبيقية، التي كانت بمثابة القيادة الشرعية لعرب فلسطين إلى حين حلها في عام 1934، بحل وسط يتمثل في إقامة حكومة فلسطينية على قاعدة التمثيل النسبي للسكان من عرب ويهود، ومع حق المندوب السامي البريطاني في استخدام الفيتوإذا لزم الأمر، إضافة إلى شرط تقييد الهجرة وبيع الأراضي لليهود. كان عدد اليهود في فلسطين في ذلك الحين قليلا نسبياً حيث كانوا يشكلون نحو18% من السكان. ومع ذلك، فقد ظلت القيادة الفلسطينية متمسكة بهذه المبادئ خلال الثلاثينيات على الرغم من تزايد الهجرة وارتفاع النسبة السكانية لليهود. ففيثمانية يوليو1937، أي بعد يوم واحد من صدور تقرير لجنة بيل الملكية المتضمن التوصية بتقسيم فلسطين، أصدرت اللجنة العربية العليا، التي تشكلت عام 1936 لقيادة الثورة، مذكرة رفضت فيها توصيات اللجنة، وطالبت فيها "بوقف الهجرة وبيع الأراضي، وإقامة حكومة وطنية ديمقراطية ترتبط مع بريطانيا بمعاهدة تحفظ جميع الحقوق المشروعة لليهود.

وفي الاجتماع التمهيدي الذي عقدته الوفود العربية في القاهرة قبل التوجه إلى لندن لحضور المؤتمر، اتفق العرب بما فيهم الفلسطينيون على الحد الأدنى المقبول عربياً من مؤتمر لندن، والذي تضمن إقامة حكومة فلسطينية يتم فيها تمثيل اليهود وفقاً لنسبتهم العددية، على الرغم من حتى نسبة اليهود كانت قد ارتفعت كثيراً عما سبق. فخلال الاجتماع المذكور الذي عقد في 17 يناير 1939 تم الاتفاق على المطالبة بما يلي:

  • إقامة دولة "عربية" فلسطينيةقد يكون تمثيل اليهود فيها وفقاً لنسبتهم العددية.
  • منح اليهود ضمانات دستورية، حيث يمنحون استقلالاً داخلياً واسع النطاق في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية، فيكون تعليمهم بلغتهم والموظفون المحليون منهم ويكون لهم الاستقلال المطلق في شؤونهم وأحوالهم الشخصية، وذلك في إطار وقف الهجرة، وإلغاء فكرة الوطن القومي اليهودي.
  • عقد معاهدة بين بريطانيا وفلسطين على غرار المعاهدة البريطانية العراقية.

وتضيف مصادر أخرى ما يلي: "خطة تستند في محتواها على الميثاق الفلسطيني قدر الإمكان.. تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية في المناطق التي يؤلف لعرب الأكثرية فيها، وكذلك الإسلام دينها، وتكون اللغة العربية اللغة الثانية في المناطق اليهودية.

وخلال مؤتمر سنت جيمس، طالب رئيس الوفد في خطابه بإقامة "حكومة ديمقراطية فلسطينية"، كما تشير بعض المصادر إلى حتى الوفد الفلسطيني قد تلقى خلال انعقاد المؤتمر إيعازاً من الحاج الحسيني يتضمن الموافقة على تشكيل حكومة انتنطقيةقد يكون ثلثاها من العرب والثلث من اليهود.

هكذا يظهر واضحاً حتى القيادة الفلسطينية وتحت ضغط الظروف المستجدة وموازين القوى، قد تخلت عن مطالبها السابقة المتمثلة في دولة عربية خالصة والتمييز بين يهود ووطنيين وغير وطنيين أوالاعتراف فقط باليهود الذين كانوا في فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى.

فلماذا رفض الفلسطينيون العرب الكتاب الأبيض وقرروا عدم التعاون مع بريطانيا على أساسه في البيان الصادر في 29 مايو1939،يا ترى؟ وهل رفضوه حقاً،يا ترى؟ ومن رفضه ومن قبل به،يا ترى؟ ولماذا لم يتم التعاون مع بريطانيا عملياً لاستخلاص ما يمكن استخلاصه من الكتاب؟

تشير الشهادات التي أوردها عدد من أعضاء اللجنة العربية العليا الذين شاركوا في تلك الأحداث، وكذلك كتابات عدد من المراقبين الفلسطينيين الذين عاشوا تلك الأحداث، ثم الدارسين لتلك الفترة، والتي يفترض أن نستعرضها لاحقاً، إلى أنه فيما يتعلق بالكتاب الأبيض نفسه، فقد كان الاعتراض الرئيس منصباً بدرجة أوبأخرى، على وجود فترة انتنطقية وتأجيل إقامة الحكومة إلى ما بعد عشر سنوات، وذلك على الرغم من موافقة الحكومة البريطانية خلال المباحثات التي جرت بعد انفضاض المؤتمر، على تسليم المراكز الرئاسية في الدوائر الحكومية للعرب فور عودة السلام لفلسطين كما ورد سابقاً. كما تشير الرسالة التي بعث بها محمد عزة دروزة الذي كان يمثل رأي الحاج أمين الحسيني آنذاك، إلى عوني عبد الهادي بتاريخ 15 مايو1939 إلى عدم وجود اعتراض على فترة انتنطقية، حيث تطالب الرسالة بتشكيل "حكومة وطنية بدستورها ومجلس نوابها ورئيس دولتها خلال ثلاث سنوات"، يتم بعدها إنهاء الانتداب "خلال فترة معقولة، الأمر الذي يوضح حتى الأمر لم يكن غير قابل للتفاوض، فيما لوتوفرت الإرادة العربية الفلسطينية لفرض وقائع جديدة فوق الأرض.

وكان البيان الصادر بتوقيع الحاج أمين الحسيني في 29/5/1939 الذي أعرب فيه رفض اللجنة العربية العليا للكتاب الأبيض قد أدرج الكثير من الانتقادات يمكن تلخيصها بما يلي: الإشارة إلى صك الانتداب، عدم ضمان الاستقلال لأنه معلق بموافقة اليهود، الفترة الانتنطقية ليست نهائية، الدستور يشير إلى وطن قومي يهودي، ما ورد في الفقرة الخاصة بمراسلات حسين ـ مكماهون حول فلسطين، إعطاء اليهود نسبة الثلث، تدابير انتنطق الأراضي غير كافيه، وتم اختتام البيان الذي صدر بتوقيع الحاج أمين الحسيني بالفقرة التالية: "من أجل هذا، فإن اللجنة العربية العليا لا يسعها إلا حتى تعلن باسم الشعب العربي في فلسطين رفضها لهذه الخطة، وعدم تعاونها مع الحكومة البريطانية لتطبيقها.. إذا الأمم الحية لاقد يكون القول الفصل في حياتها ومستقبلها والقرار الأخير في مصير أوطانها داريها للخط البيض والسود، إنما القول الفصل والقرار الأخيرة لإرادة الأمة نفسها، وقد أعربت الأمة العربية إرادتها ونطقت حدثتها داوية وجارفة، وستصل إلى ما ترغب بعون الله، وستستقل فلسطين ضمن الوحدة العربية وستبقى عربية إلى الأبد.

غير حتى الكثير من الشهادات والاستنتاجات الأخرى، تؤكد على المسؤولية الشخصية للحاج أمين الحسيني في رفض الكتاب، وتعزوذلك إلى مسببات شخصية. ففي كتابة الخاص بالحاج أمين الحسيني، يورد فيليب مطر عدة مسببات تتلخص في رفض بريطانيا التعاون معه شخصياً، على الرغم من حتى مصادر أخرى تؤكد على حتى بريطانيا كانت تنوي العفوعنه والسماح له بالعودة إلى فلسطين. كما يقول مطر بأن المفتي كان يضع الاعتبارات الشخصية فوق الاعتبارات السياسية العملية، إضافة إلى مثاليته، كما يضيف إلى ذلك سبب رفض بريطانيا العفوعن الثوار في فلسطين فوراً، وكذلك موقف الثوار أنفسهم الذين أعربوا رفضهم للكتاب، في وقت كان الحاج أمين الحسيني يشكل رمزاً ومصدر إلهام لهم.

أما عوني عبد الهادي أمين سر اللجنة العربية العليا وممثل حزب الاستقلال فيها، فيقول: لابد لي من القول بأنني كنت من القائلين بقبول الكتاب الأبيض لأنني كنت أعتقد أنه من المحال على الحكومة البريطانية حتى تمضى مع العرب إلى أبعد ما مضىت إليه، وبأن مهمة السياسي حتى يعهد ما ممكن وما هوغير ممكن، وأن السير على سياسة خذ وطالب هي أفضل من التعنت غير الجدي". ويرد عوني عبد الهادي على تشدد المفتي إزاء المطالبة بتشكل الحكومة الفلسطينية فوراً، بقوله: "وهنا أبديت رأيي وقلت، أنا لا أفهم تشددنا بطلب تشكيل الحكومة دفعة واحدة، إذ لا يوجد هناك أي استقلال بعد قبولنا بأنقد يكون المندوب السامي على رأس هذه الحكومة وله حق الفيتووأنقد يكون مع جميع وزير مستشار بريطاني.

ممثلاً لوجهة نظر الشيوعيين يقول إميل توما الذي عايش جميع تلك الأحداث: "القوى الديمقراطية رأت في الكتاب الأبيض نجاحاً حققته تضحيات الجماهير، ودعت إلى القبول به بوصفه خطوة على الطريق التحرري.

أما أحمد الشقيري، الذي عايش أيضاً تلك الأحداث، فيقول: "لم يكن الكتاب الأبيض محققاً لمطالبنا القومية بكاملها، بل لم يكن يخلومن فجوات وسقطات، ولكنه كان خطوة على الطريق، وكانت جميع الدول العربية تلح على اللجنة العربية العليا بقبول الكتاب الأبيض كحل مرحلي يضع زمام الأمور بأيدينا، معظمه إذا لم يكن كله.. كان معروفاً حتى الحكومة البريطانية لم تكن مستعدة حتى تتعاون معه، بل مع جمال الحسيني.. ولكن الحاج أمين ضعف أمام نوازعه الشخصية، فازداد عداؤه للكتاب الأبيض ولأنصاره، وبات يشير إلى المجاهدين علي ألا يوافقوا على الكتاب الأبيض.

ويقول تسفي بيليغ الذي ألّف كتاباً هاماً عن الحاج أمين الحسيني: "كان الكتاب الأبيض الثمرة الأكثر أهمية للكفاح السياسي العسكري الذي قاده الحاج أمين الحسيني بعد عشرين عام تقريباً، لكن تطرفه كان السبب في ألاّ يقطف الفلسطينيون هذه الثمرة، وذلك لأنه وقف مع تعنت قادة فصائل الثورة الذين رفضوا الانصياع للقيادة السياسية وقبول الكتاب الأبيض، فهؤلاء القادة ما كانوا ليكتفوا بأقل من الاستقلال الكامل، وطالبوا كشرط لإيقاف الثورة بالعفوعن المئات من زملائهم الموجودين في السجون، بالإضافة إلى ذلك، أقلقت الحاج أمين إمكانية قيام خصومه بقطف ثمار كفاحه وأن يسيطروا بمساعدة البريطانيين على مواقع مركزية في التسوية النهائية". ويختتم بيليغ بقوله: "لقد أزالت معارضة الحاج أمين للكتاب الأبيض أحد عوامل الخطر المهدد للصهيونية. أما الحاج أمين نفسه، فبعد حتى هاجمه الكثيرون على رفضه للكتاب الأبيض، وبخاصة بعد ما آلت إليه الأمور في عام 1948، قام خلال الخمسينيات بنشر سلسلة منطقات في الصحف المصرية، أنكر فيها أنه رفض الكتاب الأبيض، وألقى باللوم على بريطانيا لأنها لم تنفذه. غير أنه ما لبث في عام 1967 حتى اعترف بالموقف الرافض الذي اتخذه من الكتاب الأبيض، وعزا ذلك إلى تأجيل إقامة الدولة.

أما بالنسبة لمواقف أعضاء اللجنة العربية العليا، يصف عزة طنوس الذي شارك في مؤتمر سنت جيمس الوضع بقوله: اجتمعنا أعضاء الوفد بعد عودتنا من لندن مع المفتي في لبنان، باستثناء راغب النشاشيبي ويعقوب فراج (حزب الدفاع).. كانت معنوياته عالية.. (وإذا صح ذلك فهويعني حتى الوفد لم يرفض الكتاب الأبيض في لندن وإنما انتظر إلى حين الاجتماع مع الحاج أمين لاتخاذ القرار).. وثم احتدت المناقشة حين تنبه بعضنا إلى حتى الحاج أمين لم يكن راضياً عن الكتاب الأبيض.. وتبين لنا بعد مناقشات استمرت خمسة عشر يوماً، حتى الشخص الوحيد الذي يرفض الكتاب الأبيض هوالحاج أمين، بينما كان الأربعة عشر عضواً مع الكتاب، وقد عقدوا العزم على إنهاء السياسة السلبية التي تبنتها القيادة العربية من قبل، وصار شعارنا الآن: خذ وطالب بالباقي. وعند هذا الحد من المناقشات، هيمن جومن الامتعاض والفزع.. فقد كان الأعضاء الأربعة عشر يعهدون تأثير الحاج أمين الحسيني السحري على الجماهير الفلسطينية، وبأن شيئاً لا يتم دون موافقته، وبأن الكتاب الأبيض لا ينفّذ إلا إذا باركه القائد الأعلى.. واستمرت اجتماعات اللجنة العليا دون نتيجة، ويستطرد طنوس: "حين فشل أعضاء اللجنة في إقناع الحاج أمين بتغيير موقفه، لم يجدوا مخرجاً غير حل اللجنة العربية العليا وأن يتفرقوا.. والبديل الآخر كان في لقاءة المفتي وإعلان قبولهم بالكتاب الأبيض، لكنهم وللأسف، لم تكن لديهم الشجاعة، والسبب في ذلك هوعقلية الجماهير الفلسطينية المتعلقة بالمفتي.. ورأوا حتى مجال العمل سُدّ أمامهم، فما بقي لهم إلا حتى يمضوا جميع في طريقه بحثاً عن ملجأ أمين يقيهم من أذى الأيام السوداء المقبلة، وهجر جميع منا الأخر على مضض، حزيناً مرغماً، وبقي البعض منا مع الحاج أمين مثل جمال الحسيني وأمين التميمي. أما البقية: ألفرد روك ويعقوب الغصين وأحمد حلمي عبد الباقي وعبد اللطيف صلاح وحسين الخالدي وفؤاد سابا ورشيد الحاج إبراهيم وعوني عبد الهادي، فقد سمحت لهم حكومة الانتداب بالعودة إلى فلسطين، كما عاد موسى الفهمي وجورج أنطونيوس وأنا إلى القدس.

ويبدوحتى فشل أعضاء اللجنة في إقناع الحاج أمين لم يحدث إلا بعد مساعٍ أخرى، حاول فيها بعض الأعضاء العمل من أجل إقناع الحكومة البريطانية بإجراء بعض التعديلات على الكتاب الأبيض، حيث توجه عزة طنوس إلى لندن وعقد اجتماعاً مطولاً مع وزير المستعمرات مالكوم ماكدونلد الذي رد عليه بقوله: "لا توجد وثيقة سياسية بصورة عامة بدون فجوات.. إذا الكتاب الأبيض يلغي الدولة الصهيونية وينهي سياسة الوطن القومي اليهودي ويبدأ سياسة جديدة تؤدي بعد فترة انتنطقية إلى فلسطين مستقلة أنتم دائماً فيها أكثرية، إذا الخوف من أكثرية يهودية ومن فقدان الأرض العربية قد زال وليس للعرب الآن ما يخافون منه"، واستطرد قائلاً: "وإذا أخذنا بعين الاعتبار العطف المتزايد على اليهود بسبب اضطهاد هتلر لهم، نجد حتى الكتاب الأبيض هوإنجاز حكومي كبير"، واختتم قائلاً: "سيكون شيئاً مؤسفاً إذا رفضت اللجنة العربية العليا سياسة جهدت الحكومة في إقامتها ضد صعوبات كبرى. إذا أضعتم هذه الفرصة، فلن تعود أبداً. كما حدت بعد ذلك اجتماع القاهرة الذي وعدت فيه الحكومة البريطانية بإجراء بعض التعديلات، وهوالمشار إليه سابقاً.

وفي حين يقول عزة طنوس حتى جميع أعضاء اللجنة كانوا مع الكتاب باستثناء الحاج أمين، فإن أحمد الشقيري يقول بأن اللجنة "قد انقسمت بين فريق هوالأكثرية يرى حتى نقبل بالكتاب ونعمل على تحقيقه حتى تصير منطقيد الأمور بأيدينا.. وفريق آخر هوالأقلية ويرأسه الحاج أمين يرى حتى نرفضه". أما الحاج أمين نفسه فادعى في جزء من مذكرات خطها عام 1971 حتى جميع أعضاء اللجنة العربية العليا قد أيدوه في موقفه الرافض للكتاب الأبيض، فهماً بأن الكثير من أعضاء اللجنة لم يحضروا الاجتماع الذي نادى إليه لإصدار البيان الخاص برفض الكتاب الأبيض، بينما يقول أحمد الشقيري إذا أكثرية اللجنة: جمال الحسيني، أحمد حلمي عبد الباقي، عوني عبد الهادي حسين الخالدي وغيرهم رضخوا أمام رفض المجاهدين كما عبر عنه الحاج أمين، فيما يصف عصام سخنيني الانقسام الذي وقع في الساحة السياسية العربية الفلسطينية إزاء الكتاب الأبيض، بأنه لم ينحصر في الخلاف التقليدي بين الحسينيه والنشاشيبية فقط، بل وصل هذا الخلاف إلى داخل اللجنة العربية العليا نفسها وإلى صفوف أنصار الحاج أمين نفسه. بالإضافة إلى ذلك، فإن حزب الدفاع الذي كان يرأسه راغب النشاشيبي الذي لم يشارك في الاجتماع مع الحاج الحسيني، عقد في 29/5/1939 مؤتمراً ينطق بأن عدد الحاضرين فيه بلغ 1400 شخص، معلناً قبول الحزب والحاضرين بالكتاب الأبيض وكان ذلك في نفس اليوم الذي أصدر فيه الحاج أمين الحسيني الرفض الرسمي للكتاب الأبيض. كما أعرب حزب الكتلة الوطنية الذي كان يرأسه عضواللجنة العربية العليا عبد اللطيف صلاح، عن تأييده للكتاب الأبيض.


ردود العمل الصهيونية

أما الصهيونيون فقد أصيبوا بصدمة كبيرة لتحديد الهجرة فنعتوا الكتاب الأبيض بالكتاب المخزي واعتبروه حنثاً بالوعود المقطوعة لهم وخرقاً لشروط الانتداب، وقاموا بأعمال عنيفة ضد السلطات البريطانية في فلسطين والخارج. وفي اجتماع هام عقدوه في فلسطين أقسموا اليمين على مقاومة الكتاب الأبيض بأي ثمن. واستشاط وايزمن غيظاً بصورة شخصية لأنه كان يعتبر مالكولم ماكدونالد صديقه الحميم الذي ساعده كثيراً في الضغط على والده ومتري ماكدونالد ونقل الأخبار إليه.


ردود العمل الأمريكية

في أواخر الثلاثينيات، لم تكن الإدارة الأمريكية معنية كثيراً بالشأن الفلسطيني أوالعربي عامة إلا بالقدر المتعلق بمسألتين اثنتين، أولها معضلة اللاجئين اليهود الذين أخذوا يخرجون من ألمانيا أوالمناطق التي احتلتها، حيث كان الهدف الأمريكي هوالحيلولة دون تدفق هؤلاء اللاجئين إلى أراضيها، وكان السبب في ذلك هومعارضة اتحاد نقابات العمال الأمريكيين لقدوم اللاجئين الذين من شأنهم توفير أيادٍ عاملة رخيصة والتأثير في المستوى المعيشي للعمال الأمريكيين. ولذلك، فمنذ صدور قوانين نورنمبرغ في ألمانيا في أواسط الثلاثينيات، واشتداد زخم خروج اليهود منها، بقيت أبواب الولايات المتحدة مغلقة في وجوههم. ومع الحرب العالمية الثانية، كانت السفن الأمريكية المحملة بالمؤن والسلاح والمساعدات تفرغ حمولتها في أوروبا وتعود فارغة إلى الولايات المتحدة. ولم تكن الولايات المتحدة وحدها في تبني تلك السياسة، بل كذلك كانت إنجلترا وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا، الأمر الذي يبين حتى مسألة اللاجئين اليهود قد لعبت دوراً رئيساً في الدعم الضخم الذي تلقته الحركة الصهيونية من الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى حين قيام الدولة اليهودية في فلسطين.

أما المسألة الثانية فيما يتعلق بالاهتمام الأمريكي بالمنطقة العربية فتتعلق بالنفط، حيث حصلت الولايات المتحدة عبر شركة ستاندرد أويل الأمريكية على امتياز التنقيب منذ أواسط الثلاثينيات، وأصبح النفط أحد العوامل الرئيسة المحددة ليس فقط للسياسات الأمريكية وإنما لكل سياسات الدول الأوروبية إزاء المنطقة العربية.

وفي إطار المصالح النفطية، ظل الرئيس روزفلت حذراً من الاندفاع وراء تحويل اللاجئين اليهود إلى فلسطين إذ يذكر أنه كان يرى حتى معضلة اللاجئين اليهود أكبر من حتى تتحملها فلسطين. لذلك نادى في عام 1938 إلى عقد مؤتمر لتدارس المشكلة، واقترح توزيع نصف مليون يهودي على عدة بلدان، من بينها فلسطين. كما شارك في عام 1943 في مؤتمر آخر عقد في بيرمودا (19-20 /4/1943) وتم في هذا المؤتمر وبدعم من روزفلت، اتخاذ قرار بتوسيع اللجنة الخاصة بحل معضلة اللاجئين اليهود والعمل على وصولهم إلى أراضي محايدة وإرسال قسم منهم إلى مدغشقر بعد الحصول على موافقة فرنسا بصفتها الدولة المستعمرة لمدغشقر. وقد ظل روزفلت معنياً بمثل هذه الحلول حتى وفاته حيث اقترح في أوائل عام 1945 إعادة توطين اللاجئين اليهود في أوروبا وبخاصة في بولندة. غير أنه على الرغم من الموقف الأمريكي من الهجرة اليهودية إلى الأراضي الأمريكية، فقد أخذت الحركة الصهيونية تقوى وتشتد في الولايات المتحدة بعمل دخول الكثير من الأثرياء والرأسماليين والفهماء اليهود إليها، وبعمل قرار الحركة الصهيونية في أوائل الأربعينيات بنقل مركز ثقلها من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين أخذت الأموال اليهودية تلعب الدور الرئيس في الانتخابات الأمريكية.

فلدى صدور الكتاب الأبيض، يذكر حتى روزفلت لم يعلن تأييداً أورفضاً علنياً له، غير أنه عبر بشكل شخصي عن شكوكه بما تقوله بريطانيا من حتى صك الانتداب ليس فيه ما يشير إلى إمكانية تحويل الوطن القومي اليهودي إلى دولة بدون موافقة العرب. وإذ بتر النشاط الصهيوني في الولايات المتحدة مراحل متقدمة مع عقد مؤتمر بلتمور عام 1942 الذي تم فيه اتخاذ قرار تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، منح روزفلت تأييده لذلك البرنامج بعمل الضغوط التي مارسها عليه اتحاد نقابات العمال الأمريكيين الذي كان قد تحول إلى حليف للحركة الصهيونية، والذي كان روزفلت يعتمد عليه اعتماداً كبيراً.

بغض النظر عن ذلك، ظل روزفلت ملتزماً جانب الحذر في هذا المجال، ويذكر أنه قد اتفق مع تشرشل في عدة لقاءات خلال الحرب، على عدم اتخاذ أي قرار بشأن فلسطين إلى حتى تتضح نتيجة الحرب والوضع الدولي العام. ويذكر أنه في عام 1944 طرح فكرة إقامة نظام وصاية في فلسطين تديره بريطانيا لمدة خمس سنوات، وذلك في إطار توجهه بعدم اتخاذ قرار بشأن فلسطين قبل انتهاء الحرب العالمية. ولم تتمكن الحركة الصهيونية من انتزاع قرار من الكونغرس في 27/1/1945 أومن مجلس الشيوخ في 2/2/1945 على مشروع ينص على "اتخاذ الإجراءات لوضع نهاية لغلق أبواب فلسطين وفتحها أمام الهجرة اليهودية.. بحيث يتمكن اليهود من أعادة تحويل فلسطين إلى كومنويلث يهودي حر". على الرغم من القرارات المؤيدة لإقامة دولة يهودية وفقاً لبرنامج بلتمور، من قبل الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري خلال عام 1944.

وفي اتفاق كوينسي الذي تم في فبراير 1945 في المياه المصرية بين الملك ابن سعود وروزفلت وتشرتشل وهما في طريق عودتهما من مؤتمر يالطا، أكد روزفلت لابن سعود على أنه لن يتم اتخاذ أي إجراء بشأن فلسطين إلا استناداً إلى صيغة المشاورات الكاملة مع العرب، وهوموقف مماثل للموقف البريطاني الرسمي. وبعد نحوشهر من ذلك اللقاء، أدلي روزفلت بتصريح نطق فيه بأنه يؤيد إقامة "دولة فلسطينية ديمقراطية حرة".

تبادل روزفلت الكثير من الرسائل مع الملك ابن سعود كان آخرها رسالة مؤرخة في 5/4/1945 تتضمن تأكيداً على مواقفه السابقة. وبعد أسبوع واحد فقط، أي في 12 أبريل نيسان 1945، توفي روزفلت بصورة مفاجئة.

كان هاري ترومان قد فاز في انتخابات عام 1944 بمنصب نائب الرئيس بفضل الأصوات والأموال اليهودية. ومع وفاة روزفلت، تسلم ترومان الرئاسة. وفي 31/8/1945 وجه رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني الجديد، آرنست بيفن، طالبه فيها بإلغاء سياسة الكتاب الأبيض وفتح أبواب فلسطين أمام مئة ألف لاجئ يهودي.

ففور انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، أخذت تتضح معالم موازين قوى دولية جديدة انتهت بها موازين الأربعينيات، حيث بدا واضحاً حتى الصراع المقبل لنقد يكون بين دول الحلفاء ودول المحور، وإنما بين قوتين صاعدتين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وهي موازين جديدة حكمت على سياسة الكتاب الأبيض بالتراجع إلى حتى تمت هزيمة تلك السياسة مع سقوط مشروع الأقلية في الأمم المتحدة لدى طرح قضية فلسطين على الأمم المتحدة عام 1947، وهي هزيمة حققتها القوتان العظميان الجديدتان في إطار معادلات سياسية جديدة. لقد كان مشروع الأقلية في الأمم المتحدة بمثابة النفس الأخير لسياسة الكتاب الأبيض.


انظر أيضاً

اقرأ نصاً ذا علاقة في

الورقة البيضاء 1939


  • عليا بت
  • الصراع الإسرائيلي العربي
  • الانتداب البريطاني على فلسطين
  • ورقة تشرشل البيضاء 1922
  • ورقة پاس‌فيلد البيضاء، 1930
  • مقترحات لدولة فلسطين
  • جيش الظل: التعاون الفلسطيني مع الصهيونية 1917–1948

الهوامش

  1. ^ وأحياناً تـُعهد بإسم ورقة ماكدونالد البيضاء MacDonald White Paper (كما في Caplan, 2015, p.117) على اسم مالكولم مكدونالد، البريطاني وزير المستعمرات ترأس تشكيلها.
  2. ^ by 268 votes to 179.

المصادر

  1. ^ Debate and vote on 23 May 1939; Hansard. Downloadedعشرة December 2011
  2. ^ Hansard, HC Deb 22 May 1939 vol 347 cc1937-2056 and HC Deb 23 May 1939 vol 347 cc2129-97; "Resolved, That this House approves the policy of His Majesty's Government relating to Palestine as set out in Command Paper No. 6019."
  3. ^ Hansard, HC Deb 18 February 1947 vol 433 cc985-94: "We have, therefore, reached the conclusion that the only course now open to us is to submit the problem to the judgment of the United Nations...
    بارنت جانر Pending the remitting of this question to the United Nations, are we to understand that the Mandate stands. and that we shall deal with the situation of immigration and land restrictions on the basis of the terms of the Mandate, and that the White Paper of 1939 will be abolished?...
    السيد بيڤن No, Sir. We have not found a substitute yet for that White Paper, and up to the moment, whether it is right or wrong, the House is committed to it. That is the legal position. We did, by arrangement and agreement, extend the period of immigration which would have terminated in December, 1945. Whether there will be any further change, my right hon. Friend the Colonial Secretary, who, of course, is responsible for the administration of the policy, will be considering later."
  4. ^ الكتاب الأبيض، موسوعة النكبة
  5. ^ ماكدونالد (كتاب – الأبيض 1939)، الموسوعة الفلسطينية

المراجع

  • Khalaf, Issa (1991). . SUNY Press. ISBN .
  • Hurewitz, JC (1968). The Struggle for Palestine. Westport, CT: Greenwood Press. ISBN .
  • Caplan, Neil (2015). . Routledge. ISBN .
  • Cohen, Michael (2014). . Routledge. ISBN .

وصلات خارجية

  • نص الكتاب الأبيض
  • 23 May 1939 House of Lords debate in Hansard
  • British White Paper of 1939 at Yale University
  • Peel Commission report or 1937 at Jewish Virtual Library
تاريخ النشر: 2020-06-06 18:22:23
التصنيفات: الانتداب البريطاني على فلسطين, تاريخ فلسطين (منطقة), أوراق بيضاء, 1939 في المملكة المتحدة, 1939 في العلاقات الدولية, وثائق الانتداب البريطاني على فلسطين, الوضع السياسي اليهودي, خروج اليهود, الامبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الثانية, فلسطين الانتداب في الحرب العالمية الثانية, وثائق 1939

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

استقالة الحكومة المصرية والسيسي يكلف مدبولي بتشكيل أخرى

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:01
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 78%

ديفيد ديفيز يقترب من الرحيل عن الأهلي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:08:29
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 40%

تتويج مغربي بالجائزة الكبرى للاتحاد الدولي للكراطي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:07
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 80%

رسميا.. تحديد موعد إجراء الجولة الـ30 لحسم لقب البطولة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:10
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 71%

حكيمي يودع مبابي بكلمات مؤثرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:07:38
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 99%

بنك المغرب يصدر دليلا حول منصة مقارنة الأسعار وتواريخ القيمة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:04
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 84%

شاهد.. مبابي بقميص ريال مدريد وأول تعليق له

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:07:36
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 90%

الجامعة تغير موعد مباراة المنتخب المغربي أمام الكونغو

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:08:58
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 80%

رسوم التسجيل.. بنموسى يدافع عن مؤسسات التعليم الخصوصي

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

انخفاض بـ 11 في المائة.. أكثر من 493 ألف مترشح لنيل شهادة البكالوريا

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:57
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

تفويض التعمير بعد قرابة ثلاث سنوات من "الشبهات".. الكوبل "ماساخيش"

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:59
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

حكيمي يودع مبابي بكلمات مؤثرة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:08:48
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 76%

الكاف يعلن عن معلومات منافسات إفريقيا للأندية لموسم 2024-2025

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:08:27
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 43%

متاجر بفرنسا تحذر من "السويهلة" المغربية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:56
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

تعزيز التنسيق الثنائي.. حموشي يستقبل مدير الشرطة بالرباط

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:53
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

الحكومة المصرية تقدم استقالتها للسيسي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:07:59
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 99%

دعوات داخل فرنسا للاعتراف بفلسطين.. هل يفعلها ماكرون؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:13
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 77%

عمر كمال ينضم إلى منتخب مصر

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:08:30
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 39%

إجراءات جمركية جديدة لتسهيل استقبال المغاربة المقيمين بالخارج

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:10:00
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

جامعة كرة اليد تنتخب الزوات رئيسا للجنة التأديب

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:09:55
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 52%

من داخل سجن الأوداية.. دنيا بطمة تطلب “العفو الملكي”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-06-03 21:08:55
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 70%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية