غزوة الخندق

عودة للموسوعة

غزوة الخندق

غزوة الخندق
جزء من غزوات الرسول محمد

القتال بين علي بن أبي طالب (يسار) وعمروبن عبد ود (يمين) أثناء غزوة الخندق
التاريخ شوالخمسة هـ / مارس 627 م
المسقط
المدينة المنورة
النتيجة انسحاب الأحزاب وفوز المسلمين
الخصوم
 المسلمون: المهاجرون والأنصار.

 قريش

  • كنانة (الأحابيش)
  • غطفان (فزارة وبنومرة وأشجع)
  • بنوأسد
  • سليم
  • يهود بني النضير وبني قريظة.
القادة والزعماء
محمد
علي بن أبي طالب
سلمان الفارسي
أبوسفيان بن حرب (قائد قريش وبني كنانة)
عيينة بن حصن (قائد بني فزارة)
الحارث بن عوف (قائد بني مرة)
مثمن بن رخيلة (قائد بني أشجع)
طليحة بن خويلد (قائد بني أسد)
سفيان بن عبد شمس (قائد بني سليم).
القوات
3.000 10.000
الخسائر
تسعة من المسلمين أربعة من المشركين
مسقط غزوة الخندق.
مسجد سلمان الفارسي، معركة الخندق، المدينة المنورة.
غزوة الخندق (المدينة المنورة)
غزوة الخندق.

غزوة الخندق (وتُسمى أيضاً غزوة الأحزاب) هي غزوة سقطت في شهر شوال من العام الخامس من الهجرة، الموافق مارس 627 م، بين المسلمين بقيادة رسول الإسلام محمد، والأحزاب الذين هم مجموعة من القبائل العربية المتنوعة التي اجتمعت لغزوالمدينة المنورة والقضاء على المسلمين والدولة الإسلامية. سبب غزوة الخندق هوحتى يهود بني النضير نقضوا عهدهم مع الرسولِ محمدٍ وحاولوا قتله، فوجَّه إليهم جيشَه فحاصرهم حتى استسلموا، ثم أخرجهم من ديارهم. ونتيجةً لذلك، همَّ يهود بني النضير بالانتقام من المسلمين، فبدأوا بتحريض القبائل العربية على غزوالمدينة المنورة، فاستجاب لهم من العرب: قبيلة قريش وحلفاؤها: كنانة (الأحابيش)، وقبيلة غطفان (فزارة وبنومرة وأشجع) وحلفاؤها بنوأسد، وسليم وغيرُها، وقد سُمُّوا بالأحزاب، ثم انضم إليهم يهودُ بني قريظة الذين كان بينهم وبين المسلمين عهدٌ وميثاقٌ.

تصدَّى الرسولُ محمدٌ والمسلمون للأحزاب، وذلك عن طريق حفر خندقٍ شمالَ المدينة المنورة لمنع الأحزاب من دخولها، ولمَّا وصل الأحزابُ حدود المدينة المنورة عجزوا عن دخولها، فضربوا حصاراً عليها دام ثلاثة أسابيع، وأدى هذا الحصار إلى تعرِّض المسلمين للأذى والمشقة والجوع. وانتهت غزوة الخندق بانسحاب الأحزاب، وذلك بسبب تعرضهم للريح الباردة الشديدة، ويؤمن المسلمون حتى فوزهم في غزوة الخندق كان لأن الله تعالى زلزل أبدانَ الأحزاب وقلوبَهم، وشتت جمعَهم بالخلاف، وألقى الرعبَ في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده. وبعد انتهاء المعركة، أمر الرسولُ محمدٌ أصحابَه بالتوجه إلى بني قريظة، فحاصروهم حتى استسلموا، فقام الرسولُ محمدٌ بتحكيم سعد بن معاذ فيهم، فحكم بقتلهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدًا بين المسلمين، فأمر الرسولُ محمدٌ بتطبيق الحكم.

قبل الغزوة

غزوة بني النضير

سقطت غزوة بني النضير بعد غزوة أحد، في ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة، بين المسلمين ويهود بني النضير، وذلك للأسباب التالية:

  1. نَقْض بني النضير عهودهم مع المسلمين، والتي تشترط عليهم ألا يؤووا عدوًا للمسلمين، وقد عملوا ذلك في غزوة السويق، حيث نذر أبوسفيان بن حرب حين عاد إلى مكة بعد غزوة بدر، نذر ألا يمس رأسَه ماءٌ من جنابة حتى يغزوالمدينة، فلما خرج في مائتي راكب قاصدًا المدينة، قام سيد بني النضير "سلام بن مشكم" بالوقوف معه وضيافته، وأبطن له خبر الناس، أي دلَّه على مواطن ضعف المسلمين.
  2. محاولة اغتيال الرسولِ محمدٍ، إذ خرج الرسولُ في نفر من أصحابه عن طريق قباء إلى ديار بني النضير يستعينهم في دية القتيلين العامريين الهوازنيين، وهما رجلان من بني كلاب لقيا عمروبن أمية الضمري الكناني فقتلهما وهولا يفهم أنهما كانا عند الرسول محمد، وذلك في أول يوم من رجب، فنطقت قريش: "قتلهما في الشهر الحرام". فخرج الرسولُ إلى ديار بني النضير يستعينهم في ديتيهما، وذلك تطبيقا للعهد الذي كان بين الرسول وبين بني النضير حول أداء الديات، وإقرارًا لما كان يقوم بين بني النضير وبين بني عامر بن صعصعة من عقود وأحلاف. واستقبل بنوالنضير الرسولَ محمداً بكثير من البشاشة والكياسة، ثم خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون في قتله والغدر به، ويبدوأنهم اتفقوا على إلقاء صخرة عليه، من فوق جدار كان يجلس بالقرب منه، ولكن الرسولَ استوعب مقاصد بني النضير، ويؤمن المسلمون حتى الخبر اتىه من السماء بما عزم عليه بنوالنضير من شر، فنهض وانطلق بسرعة إلى المدينة، ثم تبعه أصحابه بعد قليل.

ونتيجة لذلك، صمم الرسولُ محمدٌ على محاربة بني النضير، الذين نقضوا العهد والمواثيق معه، وأمر أصحابه بالتهيؤ لقتالهم والسير إليهم. وأنذر الرسولُ بني النضير بالجلاء خلال عشرة أيام، وقد أوفد الرسولُ محمداً بن مسلمة إليهم، ونطق له: «امضى إلى يهود بني النضير، وقل لهم: إذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أوفدني إليكم حتى اخرجوا من بلادي؛ لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم مما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرًا، فمن رُئي بعد منكم ضربت عنقه»، ولم يجدوا جوابًا يردون به سوى حتى نطقوا لمحمد بن مسلمة: "يا محمد، ما كنا نظن حتى يجيئنا بهذا رجل من الأوس"، فنطق محمد: "تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود"، فنطقوا: "نتحمل"، فمكثوا أياما يعدون العدة للرحيل.

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

وفي تلك المدة أوفد إليهم عبد الله بن أبي بن سلول مَن يقول لهم: "اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، ولا تخرجوا فإن معي من العرب وممن انضوى إلى قومي ألفين، فأقيموا، فهم يدخلون معكم حصونكم، ويموتون عن آخرهم قبل حتى يصلوا إليكم"، فعادت لليهود بعضُ ثقتهم، وتشجَّعَ كبيرُهم حيي بن أخطب وأوفد جدي بن أخطب إلى الرسولِ محمدٍ يقول له: "إنا لن نريم -أي لن نبرح- دارنا فاصنع ما بدا لك"، فكبَّر الرسولُ وكبَّر المسلمون معه، ونطق: «حاربت يهود».

وانقضت الأيام العشرة ولم يخرجوا من ديارهم، فتحركت جيوش المسلمين صوبهم، واستخدم الرسولُ على المدينة ابن أم مكتوم وسار إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهى إليهم فرض عليهم الحصار. وضُرب عليهم الحصارُ لمدة خمس عشرة ليلة. والتجأ بنوالنضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عونا لهم في ذلك، فأمر الرسولُ ببترها وتحريقها، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:

وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

وأدرك بنوالنضير حتى لا مفر من جلائهم، ودب اليأسُ والرعبُ في قلوبهم، وخاصة بعد حتى أخلف عبد الله بن أبي بن سلول وعده بنصرهم، وعجز إخوانهم حتى يسوقوا إليهم خيرًا أويدفعوا عنهم شرًا، فأوفدوا إلى الرسولِ يلتمسون منه حتى يؤمنهم حتى يخرجوا من ديارهم، فوافقهم الرسولُ على ذلك ونطق لهم: «اخرجوا منها، ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة»، والحلقة هي الدروع والسلاح، فرضوا بذلك.

ونقض اليهودُ سُقُفَ بيوتهم وعُمْدَها وجدرانَها لكي لا ينتفع منها المسلمون، وحملوا معهم كميات كبيرة من المضى والفضة، حتى حتى سلام بن أبي الحقيق وحده حمل جلد ثور مملوءًا مضىًا وفضة، وكان يقول: "هذا الذي أعددناه لحمل الأرض وخفضها، وإن كنا هجرنا نخلاً ففي خيبر النخل". وحملوا أمتعتهم على ستمئة بعير، وخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن من خلفهم، حتى لا يشمت بهم المسلمون، فقصد بعضهم خيبر وسار آخرون إلى أذرعات الشام. وأسلم منهم رجلان فقط: يامين بن عمرووأبوسعد بن وهب، فأحرزا أموالهما.

وقد تولى عملية إخراجهم من المدينة محمد بن مسلمة، بأمر من الرسولِ محمدٍ. وكان من أشرافهم الذين ساروا إلى خيبر: سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فلما نزلوها دان لهم أهلها.

ونزلت في غزوة بني النضير سورة الحشر بأكملها، فوصفت طرد اليهود، وفضحت مسلك المنافقين، وبينت أحكام الفيء، وأثنت على المهاجرين والأنصار، وبينت جواز البتر والحرق في أرض العدوللمصالح الحربية، وأن ذلك ليس من الفساد في الأرض، وأوصت المؤمنين بالتزام التقوى والاستعداد للآخرة، ثم خُتمت بالثناء على الله تعالى وبيان أسمائه وصفاته. وكان ابن عباس يقول عن سورة الحشر: "قل: سورة النضير".


أسباب غزوة الخندق

منظر عام للمدينة المنورة قديمًا

بعد حتى خرج يهود بني النضير من المدينة إلى خيبر خرجوا وهم يحملون معهم أحقادهم على المسلمين، فما حتى استقروا بخيبر حتى أخذوا يرسمون الخطط للانتقام من المسلمين، فاتفقت حدثتهم على التوجه إلى القبائل العربية المتنوعة لتحريضها على حرب المسلمين، وكونوا لهذا الغرض وفدًا يتكون من: سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، وأبي عمار.

خرج الوفد الذي يتكون من عشرين رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يحرضونهم على غزوالرسول محمدٍ، ويوالونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، التي قد أخلفت وعدها في الخروج إلى بدر، فرأت في ذلك إنقاذ سمعتها والبر بحدثتها. ثم خرج هذا الوفد إلى غطفان، فنادىهم إلى ما نادى إليه قريشا، فاستجابوا لذلك، ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك، فاستجاب له من استجاب، إلى غير ذلك نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب المشركين على الرسول محمدٍ ودعوته والمسلمين.

وقد وافقت قريش على غزوالمدينة لأنها شعرت بمرارة الحصار الاقتصادي الذي ضربه عليها المسلمون، ووافقت غطفان طمعًا في خيرات المدينة وفي السلب والنهب. وقد نطق وفد اليهود لمشركي مكة: "إن دينكم خيرٌ من دين محمد، وأنتم أولى بالحق منه"، وفي ذلك نزلت الآيات: Ra bracket.png أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً Aya-51.png أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا Aya-52.png La bracket.png.

وقد أبرم الوفد اليهودي مع زعماء أعراب غطفان اتفاقيةً ضد المسلمين، وكان أبرز بنود هذا الاتفاق هو:

  1. أن تكون قوة غطفان في جيش الاتحاد هذا: ستة آلاف مقاتل.
  2. أن يدفع اليهود لقبائل غطفان (لقاء ذلك) جميع تمر خيبر لسنة واحدة.

وعملاً، خرجت من الجنوب قريش من كنانة في أربعة آلاف يقودهم أبوسفيان صخر بن حرب حتى نزلوا وادي العقيق، ووافاهم بنوسليم بمر الظهران وهم سبعمئة يقودهم سفيان بن عبد شمس، وخرجت من الشرق بنوأسد يقودهم طليحة بن خويلد، وقبائل غطفان: بنوفزارة، يقودهم عيينة بن حصن، وبنومرة وهم أربعمئة يقودهم الحارث بن عوف، وبنوأشجع وهم أربعمئة يقودهم مثمن بن رخيلة، ونزلت غطفان بجانب أحد. ثم اتجهت هذه الأحزاب، وتحركت نحوالمدينة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه. وبعد أيام، تجمَّعَ حول المدينة جيش يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل، أربعة آلاف من قريش وأحلافها كنانة، وستة آلاف من غطفان وأحلافها بني أسد وسليم.

استعداد المسلمين للمعركة

مضى جمهور أهل السير والمغازي إلى حتى غزوة الأحزاب كانت في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة، وقيل إنها سقطت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقيل إذا هزيمة الأحزاب كانت يوم الأربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وقيل أنها سقطت سنة أربع هجرية. ويرى الفهماء حتى القائلين بأنها سقطت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي سقط بعد الهجرة، ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، وهومخالف لما عليه الجمهور مِن جَعْل التاريخ من المحرم سنة الهجرة.


حفر الخندق

كانت استخبارات الدولة الإسلامية على حذر تام من أعدائهم؛ لذا فقد كانوا يتتبعون أخبار الأحزاب، ويرصدون تحركاتهم، ويتابعون حركة الوفد اليهودي منذ خرج من خيبر في اتجاه مكة، وكانوا على فهم تام بكل ما يجري بين الوفد اليهودي وبين قريش أولاً، ثم غطفان ثانيًا.

وبمجرد حصول المدينة على هذه المعلومات عن العدوشرع الرسولُ محمدٌ في اتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة، ونادى إلى اجتماع عاجل حضره كبار قادة جيش المسلمين من المهاجرين والأنصار، درس فيه معهم هذا الموقف. فأشار الصحابي سلمان الفارسي على الرسولِ محمدٍ بحفر خندق، نطق سلمان: "يا رسول الله، إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل، خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله حتى تخندق؟"، فأَعجب رأيُ سلمان المسلمين. ونطق المهاجرون يوم الخندق: "سلمان منا"، ونطقت الأنصار: "سلمان منا"، فنطق الرسولُ محمدٌ: «سلمان منا أهل البيت».

وعندما استقر الرأي بعد المشاورة على حفر الخندق، مضى الرسولُ هووبعضُ أصحابه لتحديد مكانه، واختار للمسلمين مكانًا تتوافر فيه الحمايةُ للجيش. فقد ركب الرسولُ محمدٌ فرسًا له ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فارتاد موضعًا ينزله، فكان أعجبَ المنازل إليه حتى يجعل "جبل سلع" خلف ظهره، ويخندق من "المذاد" إلى "ذباب" (أكمة صغيرة في المدينة يفصل بينها وبين جبل سلع ثنية الوداع) إلى "راتج" (حصن من حصون المدينة لأناس من اليهود)، وقد استفاد الرسولُ من مناعة جبل سلع (وهوأشهر جبال المدينة) في حماية ظهور الصحابة.

رسم توضيحي يبين غزوة الخندق

كان اختيار تلك المواقع موفقًا؛ لأن شمال المدينة هوالجانب المكشوف أمام العدو، والذي يستطيع منه دخول المدينة وتهديدها، أما الجوانب الأخرى فهي حصينة منيعة، تقف عقبة أمام أي هجوم يقوم به الأعداء، فكانت الدور من ناحية الجنوب متلاصقة عالية كالسور المنيع، وكانت حرة واقم من جهة الشرق، وحرة الوبرة من جهة الغرب، تقومان مقام حصن طبيعي، وكانت آطام بني قريظة في الجنوب الشرقي كفيلة بتأمين ظهر المسلمين، إذ كان بين الرسولِ محمدٍ وبني قريظة عهدٌ ألا يمالئوا عليه أحداً، ولا يناصروا عدوًا ضده.

لقد كانت خطة الرسولِ محمدٍ في الخندق متطورةً ومتقدمةً بالنسبة للعرب، إذ لم يكن حفر الخندق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم، بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريبًا عنهم، وبهذاقد يكون الرسولُ محمدٌ هوأولَ من استخدم الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين، فقد كان هذا الخندق مفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام، وأبطل خطتهم التي رسموها.

اقترن حفر الخندق بصعوبات جمة، فقد كان الجوباردًا، والريح شديدة والحالة المعيشية صعبة، بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدوالذي يتسقطونه في جميع لحظة، ويضاف إلى ذلك العملُ المضني، حيث كان الصحابة يحفرون بأيديهم، وينقلون التراب على ظهورهم، ولا شك في حتى هذا الظرف بطبيعة الحال يحتاج إلى قدر كبير من الحزم والجد. وكانت هناك مجموعة من الأنصار تقوم بحراسة الرسولِ محمدٍ في جميع ليلة، وعلى رأسهم عباد بن بشر، وقد قسَّم الرسولُ أعمالَ حفر الخندق بين الصحابة، جميع أربعين ذراعًا لعشرة من الصحابة، ووكل بكل جانب جماعة يحفرون فيه.

وقد شارك الرسولُ الصحابةَ جوعَهم، نطق أبوطلحة: "شكونا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجوعَ فحملنا عن بطوننا عن حجر حجر، فحمل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن حجرين". كما شارك الرسولُ الصحابةَ في حفر الخندق، وكان يرتجز بحدثات ابن رواحة وهوينقل التراب، ويقول:

والله لولا الله مـا اهتدينا ولا تصـدقـنا ولا صـليـنا
فأنزلن سكيـنـة عـلـيـنا وثبت الأقـدام إذا لاقيـنا
إن الأعادي قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبيـنا

ثم يمد صوته بآخرها.

وكان الصحابة يقولون يوم الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدًا على الإسلام ما بقينا أبدًا

وقيل "على الجهاد"، والنبي يقول:

اللهم إذا الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة

لقد كان لهذا التبسط والمرح في ذلك الوقت أثره في التخفيف عن الصحابة مما يعانونه نتيجة للظروف الصعبة التي يعيشونها، كما كان له أثره في بعث الهمة والنشاط بإنجاز العمل الذي كلفوا بإتمامه، قبل وصول عدوهم.

وكان الصحابة يستأذنون الرسولَ محمداً في الانصراف إذا عرضت لهم ضرورة، فيمضىون لتمضية حوائجهم، ثم يرجعون إلى ما كانوا فيه من العمل، فأنزل الله فيهم: Ra bracket.png إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَن Aya-62.png La bracket.png. ومعنى الآية الكريمة: إذا استأذنك يا محمد الذين لا يمضىون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لتمضية بعض حاجاتهم التي تعرض لهم فأذَن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها، واستغفر لهم، فكان الرسولُ بالخَيار، إذا شاء أذن للمستأذن إذا رأى ذلك ضرورة له، ولم ير فيه مضرة على الجماعة، فكان يأذن أويمنع حسب ما تقتضيه المصلحة ويقتضيه مقام الحال. كما قسم الرسولُ أصحابه إلى مجموعات للحراسة ومقاومة جميع من يريد حتى يخترق الخندق.

وواصل المسلمون عملهم في حفر الخندق، فكانوا يحفرونه طول النهار، ويرجعون إلى أهليهم في المساء، حتى تكامل الخندق حسب الخطة المنشودة، قبل حتى يصل جيش الأحزاب إلى أسوار المدينة.

تأمين الذراري والنساء والصبيان

لما فهم الرسولُ محمدٌ بقدوم جيش الأحزاب وأراد الخروج إلى الخندق، أمر بوضع ذراري المسلمين ونسائهم وصبيانهم في حصن بني حارثة، حتىقد يكونوا في مأمن من خطر الأعداء، وقد عمل الرسولُ ذلك لأن حماية الذراري والنساء والصبيان لها أثر فعال على معنويات المقاتلين؛ لأن الجندي إذا اطمأن على زوجته وأبنائهقد يكون مرتاح الضمير هادئ الأعصاب، أما إذا كان الأمر بعكس ذلك فإن أمر الجندي يضطرب ومعنوياته تضعف ويستولي عليه القلق، مماقد يكون له أثر في تراجعه عن القتال.

إذن، وضع الرسولُ محمدٌ النساء والأطفال في حصن فارع قوي حمايةً لهم؛ لأن المسلمين كانوا في شغل عن حمايتهم، للقاءتهم جيوش الأحزاب، فعندما نقض يهود بني قريظة عهدهم مع الرسول، أوفدت بنوقريظة يهوديًّا ليستطلع وضع الحصن الذي فيه نساءُ المسلمين وأطفالُهم، فأبصرته صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول محمد، فأخذت عمودًا ونزلت من الحصن فضربته بالعمود فقتلته، فكان هذا العمل من صفية رادعًا لليهود من التحرش بهذا الحصن الذي ليس فيه إلا النساء والأطفال، حيث ظنت يهود بني قريظة أنه يحميه الجيشُ الإسلاميُّ، أوحتى فيه على الأقل من يدافع عنه من الرجال.

بعض معجزات الرسول محمد أثناء حفر الخندق

رسم قديم للمدينة المنورة

يؤمن المسلمون أنه قد ظهرت خلال فترة حفر الخندق معجزاتٌ حسيةٌ للرسول محمد، منها تكثير الطعام الذي أعده جابر بن عبد الله، إذ نطق جابر بن عبد الله: «إنا يوم الخندق مُحفِّر، فعرضت كدية شديدة، فاتىوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فنطقوا: "هذه كدية عرضت في الخندق"، فنطق: «أنا نازل»، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المعول، فضرب في الكدية فعاد كثيبًا أهيل (رملاً سائلاً) أوأهيم (الرمل الذي لا يتمالك)، فقلت: "يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت"، فقلت لامرأتي: "رأيت بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟"، فنطقت: "عندي شعير وعناق" (العناق: الأنثى من أولاد الماعز)، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم بالبرمة (القِدر)، ثم جئت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي (الحجارة التي تنصب ويجعل القدر عليها)، قد كادت حتى تنضج، فقلت: "طُعَيمٌ لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أورجلان"، نطق: «كم هو؟»، فذكرت له، فنطق: «كثير طيب»، نطق: "قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي". فنطق: «قوموا»، فقام المهاجرون والأنصار، فلما ولج على امرأته نطق: "ويحكِ اتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم"، نطقت: "هل سألك؟"، قلت: "نعم"، فنطق: «ادخلوا ولا تضاغطوا»، فجعل يكثر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، نطق: «كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة»».

وهذه ابنة بشير بن سعد تقول: «دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم نطقت: "أي بنية، امضىي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما"، فأخذتها فانطلقت بها، فمررت برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا ألتمس أبي وخالي، فنطق: «تعالي يا بنية ما هذا معك؟»، فقلت: "يا رسول الله، هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغذيانه"، نطق: «هاتيه»، فصببته في كفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم نادى بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم نطق لإنسان عنده: «اصرخ في أهل الخندق حتى هلم إلى الغذاء»، فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب».

وعندما اعترضت صخرةٌ الصحابةَ وهم يحفرون، ضربها الرسولُ محمدٌ ثلاث ضربات فتفتتت، نطق إثر الضربة الأولى: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة»، ثم ضربها الثانية فنطق: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض»، ثم ضرب الثالثة، ونطق: «الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة». وقد تحققت هذه البشارة التي أبلغت عن اتساع الفتوحات الإسلامية والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة يقابلون المشاق والخوف والجوع والبرد القارس.

بدء غزوة الخندق وفرض الحصار على المسلمين

«اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب،
اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم»

محمد بن عبد الله

أقبلت قريش وكنانة في أربعة آلاف مقاتل، حتى نزلوا بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزعابة، وأقبلت غطفان وبنوأسد وسليم في ستة آلاف حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد. ولما رأى المؤمنون الأحزاب نطقوا: "هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله". فنزلت هذه الآية من سورة الأحزاب: Ra bracket.png وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا Aya-22.png La bracket.png.

وأما المنافقون فقد انسحبوا من الجيش، وزاد خوفُهم، حتى نطق معتب بن قشير الضبيعي الأوسي: "كان محمد يعدنا حتى نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه حتى يمضى إلى الغائط"، وطلب البعضُ الآخرُ الإذنَ لهم بالرجوع إلى بيوتهم بحجة أنها عورة، فقد كان موقفهم يتسم بالجبن والإرجاف وتخذيل المؤمنين، وقد صور القرآنُ حالَ المنافقين في هذه الآيات: Ra bracket.png وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا Aya-13.png وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا Aya-14.png وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا Aya-15.png قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا Aya-16.png قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا Aya-17.png قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا Aya-18.png أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَ Aya-19.png يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا Aya-20.png La bracket.png.

وخرج الرسولُ محمدٌ في ثلاثة آلاف من المسلمين، فجعلوا ظهورَهم إلى جبل سلع فتحصنوا به، والخندق بينهم وبين الأحزاب، وكان شعارهم: «هم لا ينصرون»، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة. ولما أراد المشركون مهاجمةَ المسلمين واقتحامَ المدينة، وجدوا خندقاً عريضا يحول بينهم وبينها، فالتجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين، بينما لمقد يكونوا مستعدين له حين خرجوا من ديارهم، إذ كانت هذه الخطة -كما نطقوا- مكيدةً ما عهدتها العرب، فلمقد يكونوا أدخلوها في حسابهم رأسا.

وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضابا، يتحسسون نقطة ضعيفة، لينحدروا منها، وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين، يرشقونهم بالنبل، حتى لا يجترئوا على الإقتراب منه، ولا يستطيعوا حتى يقتحموه، أويهيلوا عليه التراب، ليبنوا به طريقاً يمكّنهم من العبور.

وكره فوارسٌ من قريش حتى يقفوا حول الخندق من غير جدوى في ترقب نتائج الحصار، فإن ذلك لم يكن من شيمهم، فتلبس منهم للقتال جماعةٌ فيها عمروبن عبد ود العامري القرشي وعكرمة بن أبي جهل المخزومي القرشي وضرار بن الخطاب الفهري القرشي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي القرشي وغيرهم، ثم خرجوا على خيلهم فمروا بمنازل حلفائهم وبني عمومتهم بني كنانة فنطقوا يستثيرون حميتهم للقتال: "تهيئوا يا بني كنانة للحرب، فستفهمون من الفرسان اليوم"، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم، حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه نطقوا : والله إذا هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها"، فتيمموا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، ونادى عمروإلى المبارزة، فانتدب له علي بن أبي طالب، ونطق حدثة حمي لأجلها، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتجاولا وتصاولا، حتى قتله عليٌّ، وانهزم الباقون حتى اقتحموا من الخندق هاربين، وقد بلغ بهم الرعبُ إلى حتى هجر عكرمة رمحه وهومنهزم عن عمرو.

وكان عمروبن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم أحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلّماً ليُرى مكانُه، فلما وقف هووخيله نطق: "من يبارز؟"، فبرز له علي بن أبي طالب فنطق له: "يا عمرو، إنك كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه"، نطق له: "أجل"، نطق له علي: "فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام"، نطق: "لا حاجة لي بذلك"، نطق "فإني أدعوك إلى النزال"، فنطق له: "لم يا ابن أخي،يا ترى؟ فوالله ما أحب حتى أقتلك"، نطق له علي: "لكني والله أحب حتى أقتلك"، فحمي عمروعند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيلهم منهزمةً حتى اقتحمت من الخندق هاربة. ونطق علي بن أبي طالب في ذلك:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه ونصـرت رب محمد بـصـوابي
فصـددت حيـن هجرـته متـجدلاً كالجذع بين دكادك وروابي
وعفـفت عن أثوابه ولوأنني كنت المقـطر بزّني أثوابي
لا تحسـبن اللـهَ خاذلَ ديـنِه ونبـيه يا معـشر الأحـزابِ

وقد حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة، لاقتحام الخندق، أولبناء الطرق فيها، ولكن المسلمين كافحوا مكافحة شديدة، ورشقوهم بالنبل وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم. ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فاتت بعض الصلوات عن الرسولِ محمدٍ والمسلمين، فقد وَجَّهَ المشركون كتيبةً غليظةً نحومقر الرسول، فقاتلهم المسلمون يومًا إلى الليل، فلما حانت صلاة العصر دنت كتيبةٌ، فلم يقدر الرسولُ ولا أحدٌ من أصحابه الذين كانوا معه حتى يصلوا، وشغل بهم الرسول فلم يصل العصر، ولم تنصرف الكتيبة إلا مع الليل، فنطق الرسولُ محمدٌ: «ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارًا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس».

وقد دامت محاولةُ العبور من المشركين، والمكافحةُ المتواصلة من المسلمين أياماً، إلا حتى الخندق لما كان حائلا بين الجيشين لم يجر بينهما قتالٌ مباشرٌ وحربٌ داميةٌ، بل اقتصروا على المراماة والمناضلة. وفي هذه المراماة اغتال رجال من الجيشين: ستة من المسلمين وعشرة من المشركين، بينما كان اغتال واحد أواثنين منهم بالسيف.

نقض بني قريظة عهدهم مع المسلمين

كان المسلمون يخشون غدر يهود بني قريظة الذين يسكنون في جنوب المدينة، فيقع المسلمون حينئذ بين نارين، اليهود خلف خطوطهم، والأحزاب بأعدادهم الهائلة عبرهم، ونجح اليهودي زعيم بني النضير في استدراج كعب بن أسد زعيم بني قريظة لينضم مع الأحزاب لمحاربة المسلمين. فقد انطلق كبير بني النضير حيي بن أخطب إلى ديار بني قريظة، فأتى كعب بن أسد القرظي، سيد بني قريظة، وصاحب عقدهم وعهدهم، وكان قد عاقد الرسولَ محمداً على حتى ينصره إذا أصابته حرب، فضرب عليه حيي الباب، فأغلقه كعب دونه، فما زال يحدثه حتى فتح له بابه، فنطق حيي: "إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على ألايبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه"، فنطق له كعب: "جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه، فهويرعد ويبرق، ليس فيه شيء، ويحك يا حيي! فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء"، فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى جاز له على حتى أعطاه عهداً من الله وميثاقا: "لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمداً حتى أدخل معك في حصنك، حتى يصيبني ما أصابك"، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين.

وسرت الشائعات بين المسلمين بأن قريظة قد نقضت عهدها معهم، وكان الرسولُ محمدٌ يخشى حتى تنقض بنوقريظة العهد الذي بينهم وبينه، ولذلك انتدب الزبير بن العوام ليأتيه من أخبارهم فمضى الزبير، فنظر ثم عاد فنطق: "يا رسول الله، رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم، وقد جمعوا ماشيتهم"، وبعد حتى كثرت القرائن الدالة على نقض بني قريظة للعهد، أوفد الرسولُ سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير ونطق لهم: «انطلقوا حتى تنظروا أحقٌّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا،يا ترى؟ فإن كان حقًّا فالحنوا لي لحنًا أعهده، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس»، فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم قد نقضوا العهد، فرجعوا فسلموا على الرسول ونطقوا: "عضل والقارة"، فعهد الرسولُ مرادهم. ومعنى الحنوا لي لحنًا: أي قولوا لي كلاماً لا يفهمه أحد سواي، وعضل والقارة: قبيلتان من كنانة تجاوز منهما الغدرُ بأصحاب الرسولِ في "ذات الرجيع".

واستقبل الرسولُ غدر بني قريظة بالثبات والحزم واستخدام جميع الوسائل التي من شأنها حتى تقوي روح المؤمنين وتصدع جبهات المعتدين، فأوفد في الوقت نفسه سلمة بن أسلم في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل، يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير ليرهبوا بني قريظة، وفي هذه الأثناء استعدت بنوقريظة للمشاركة مع الأحزاب، فأوفدت إلى جيوشها عشرين بعيرًا كانت محملة تمرًا وشعيرًا وتينًا لتمدهم بها وتقويهم على البقاء، إلا أنها أصبحت غنيمة للمسلمين الذين استطاعوا مصادرتها وأتوا بها إلى الرسولِ محمدٍ.

زادت جيوش الأحزاب في تشديد الحصار على المسلمين بعد انضمام بني قريظة إليها، واشتد الكرب على المسلمين، وتأزم الموقف، وقد تحدث القرآن الكريم عن حالة الحرج والتدهور التي أصابت المسلمين، ووصف ما وصل إليه المسلمون من جزع وخوف وفزع في تلك المحنة الرهيبة، وذلك في هذه الآيات: Ra bracket.png إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا Aya-10.png هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا Aya-11.png La bracket.png. وكان افترض المسلمين بالله قويًا، وفي ذلك نزلت هذه الآيات: Ra bracket.png وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا Aya-22.png La bracket.png.

وتزايدت محاولات المشركين لاقتحام الخندق، وأصبحت خيل المشركين تطوف بأعداد كبيرة جميع ليلة حول الخندق حتى الصباح، وحاول خالد بن الوليد مع مجموعة من فرسان قريش حتى يقتحم الخندق على المسلمين في ناحية ضيقة منه، ويأخذهم على حين غرة، لكن أسيد بن حضير في مائتين من الصحابة يراقبون تحركاتهم، وقد حصلت مناوشات استشهد فيها الطفيل بن النعمان، والذي قتله هووحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب يوم أُحُدٍ، إذ رماه بحربة عبر الخندق فأصابت منه مقتلاً، واستطاع حبان بن العرقة من المشركين حتى يرمي سهمًا أصاب سعد بن معاذ في أكحله (أي في وسط ذراعه)، ونطق: "خذها وأنا بن العرقة"، وقد نطق سعد بن معاذ عندما أصيب:

اللهم إذا كنتَ أبقيتَ من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قومَ أحبُّ إليَّ حتى أجاهدهم من قوم آذوا رسولَك وكذبوه وأخرجوه، اللهم وإن كنتَ وضعتَ الحرب بيننا وبينهم فاجعلها شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.

مفاوضة غطفان

اختار الرسولُ محمدٌ قبيلة غطفان بالذات لمصالحتها على مال يدفعه إليها على حتى تهجر محاربته وترجع إلى بلادها، فهويفهم حتى غطفان وقادتها ليس لهم من وراء الاشتراك في هذا الغزوأيُّ هدفٍ سياسي يريدون تحقيقه، أوباعثٍ عقائدي يقاتلون تحت رايته، وإنما كان هدفُهم الأول والأخير من الاشتراك في هذا الغزوالكبير هوالحصولَ على المال بالاستيلاء عليه من خيرات المدينة عند احتلالها؛ ولهذا لم يحاول الرسولُ محمدٌ الاتصال بقيادة الأحزاب من اليهود (كحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع)، أوقادة قريش كأبي سفيان بن حرب، لأن هدف أولئك الرئيسي، لم يكن المال، وإنما كان هدفهم هدفًا سياسيًّا وعقائديًّا يتوقف تحقيقه والوصول إليه على هدم الكيان الإسلامي من الأساس؛ لذا فقد كان اتصاله فقط بقادة غطفان، الذين لم يترددوا في قبول العرض الذي عرضه عليهم الرسول، فقد استجاب القائدان: عيينة بن حصن الفزاري الغطفاني، والحارث بن عوف المري الغطفاني لطلب الرسولِ محمدٍ، وحضرا مع بعض أعوانهما إلى مقر قيادة الرسولِ، واجتمعا به وراء الخندق مستخفين دون حتى يفهم بهما أحد، وشرع الرسولُ في مفاوضتهم، وكانت المفاوضة تدور حول عرض تقدم به الرسولُ يدعوفيه إلى عقد صلح منفرد بينه وبين غطفان، وأهم البنود التي اتىت في هذه الاتفاقية المقترحة:

  1. عقد صلح منفرد بين المسلمين وغطفان الموجودة ضمن جيوش الأحزاب.
  2. توادعُ غطفانُ المسلمين وتتوقفُ عن القيام بأي عمل حربي ضدهم، وخاصة في هذه الفترة.
  3. تفكُ غطفان الحصار عن المدينة وتنسحب بجيوشها عائدة إلى بلادها.
  4. يدفعُ المسلمون لغطفان لقاء ذلك ثلثَ ثمار المدينة كلِّها من مختلف الأنواع، ويظهر حتى ذلك لسنة واحدة. فقد نطق الرسولُ لقائدي غطفان: «أرأيت إذا جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟»، نطقا: "تعطينا نصف تمر المدينة"، فأبى الرسولُ حتى يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك، واتىا في عشرة من قومهما حين تقارب الأمر.

وقَبْلَ عقد الصلح مع غطفان، شاور الرسولُ الصحابةَ في هذا الأمر، فكان رأيهم في عدم إعطاء غطفان شيءًا من ثمار المدينة، ونطق السعدان: سعدُ بن معاذ، وسعدُ بن عبادة: "يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟"، فنطق: «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من جميع جانب، فأردت حتى أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما»، فنطق له سعد بن معاذ: "يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعهده، وهم لا يطمعون حتى يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قِرى أوبَيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا،يا ترى؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم"، فنطق الرسولُ: «أنت وذاك»، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم نطق: "ليجهدوا علينا". وفي رواية أخرى: بعد حتى انتهى سعد بن معاذ من كلامه، سَُّر الرسولُ بذلك ونطق: «أنتم وذاك»، ونطق لعيينة والحارث: «انصرفا فلا يناسبكما عندنا إلا السيف»، وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها.

اختلاف الأحلاف وتفككهم

مضى رجلٌ من غطفان هونعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني إلى الرسولِ ليعلن إسلامه، ونطق له: "يا رسول الله، إذا قومي لم يفهموا بإسلامي فمرني بما شئت"، فنطق له الرسولُ: «إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إذا استطعت فإن الحرب خدعة». فمضى من فوره إلى بني قريظة -وكان عشيرا لهم في الجاهلية- فدخل عليهم ونطق: "قد عهدتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم"، نطقوا: "صدقت"، نطق: "فإن قريشا ليسوا مثلكم، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون حتى تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم وهجروكم ومحمداً فانتقم منكم"، نطقوا: "فما العمل يا نعيم؟"، نطق: "لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن"، نطقوا: "لقد أشرت بالرأي". ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش، ونطق لهم: "تفهمون ودي لكم ونصحي لكم؟"، نطقوا: "نعم"، نطق: "إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم"، ثم مضى إلى غطفان، فنطق لهم مثل ذلك.

فلما كانت ليلة السبت من شوال سنةخمسة هـ، بعثت قريش وغطفان إلى يهود: "إنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكراع والخف، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدا"، فأوفد إليهم اليهود: "إن اليوم يوم السبت، وقد فهمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن"، فلما اتىتهم رسلهم بذلك نطقت قريش وغطفان: "صدقكم والله نعيم"، فبعثوا إلى يهود: "إنا والله لا نرسل إليكم أحدا، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدا"، فنطقت قريظة: "صدقكم والله نعيم"، فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم.

وقد نجحت حيلة نعيم بن مسعود أيما نجاح، فغرست روح التشكيك، وعدم الثقة بين قادة الأحزاب؛ مما أدى إلى كسر شوكتهم، وتهبيط عزمهم.

نادىء المسلمين بالنصر

عندما اشتد الكربُ على المسلمين أكثر مما سبق، حتى بلغت القلوب الحناجر وزلزلوا زلزالاً شديدًا، توجهوا إلى الرسول محمدٍ ونطقوا: "يا رسول الله هل من شيء نقوله،يا ترى؟ فقد بلغت القلوب الحناجر"، فنطق: «نعم. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا». كما نادى الرسولُ محمدٌ على الأحزاب فنطق: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم».

انهزام الأحزاب وفوز المسلمين

يؤمن المسلمون حتى الله تعالى استجاب نادىءَ نبيه على الأحزاب، فصرفهم بحوله وقوته، وزلزل أبدانهم وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف، ثم أوفد عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده سبحانه، فقد كان الرسولُ يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده». واتى في سورة الأحزاب الآية: Ra bracket.png يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا Aya-9.png La bracket.png. نطق القرطبي في تفسير هذه الآية:

وكانت هذه الريح معجزة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين كانوا قريبًا منهم، ولم يكن بينهم إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها ولا خبر عندهم بها... وبعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد وبترت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيول بعضها في بعض، وأوفد عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب المعسكر حتى كان سيد جميع خباء يقول: "يا بني فلان هلم إليَّ"، فإذا اجتمعوا نطق لهم: "الناتى الناتى"، لما بعث الله عليهم الرعب.
رسم للمسجد النبوي عام 1857 م، الذي أُنشأَ فيه أولُ مستشفى إسلامي حربي يوم غزوة الخندقخمسة هـ

وكان الرسولُ يتابع أمر الأحزاب، وأحب حتى يتحرى عما وقع عن قرب فنطق: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة»، فاستخدم أسلوب الترغيب، وكرره ثلاث مرات، وعندما لم يُجْدِ هذا الأسلوب لجأ إلى أسلوب الجزم والحزم في الأمر، فعين واحدًا بنفسه فنطق: «قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم، ولا تذعرهم عليَّ». نطق حذيفة بن اليمان العبسي الغطفاني: "فمضيت كأنما أمشي في حمَّام، فإذا أبوسفيان يصلى ظهره بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس، وأردت حتى أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تذعرهم عليَّ»، ولورميته لأصبته، فرجعت كأنما أمشي في حمَّام، فأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصابني البرد حين رجعت وقررت، فأبلغت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وألبسني فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائمًا حتى الصبح، فلما حتى أصبحت نطق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «قم يا نومان»". ويروى أنه لما كان حذيفة عند الأحزاب، نطق أبوسفيان: "ليأخذ جميع رجل منكم بيد جليسه"، نطق حذيفة: فضربت بيدي على يد الذي على يميني فقلت: "من أنت؟"، نطق: "معاوية بن أبي سفيان"، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي، فقلت: "من أنت؟"، نطق: "عمروبن العاص"، إلى غير ذلك بدرهم بالمسألة حتى لا يتيح لهم فرصة ليسألوه، وبهذا تخلص من هذا المأزق الحرج الذي من الممكن كان أودى بحياته.

الشعر والهاتى بين الفريقين

بعد تفرق قبائل الأحزاب انبرى شعراؤهم لتهوين انهزامهم، ومن القصائد التي ذكرت بغزوة الخندق:

قصيدة لضرار بن الخطاب الفهري القرشي، أحدِ شعراء الأحزاب، يهجوفيها المسلمين ويتوعد بغزوهم كرة أخرى فيقول:

ومشفقة تظن بنا الظنونا وقد قدنا عرندسة طحونا
كأن زهاءها أحد إذا ما بدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات على الأبطال واليلب الحصينا
وجردا كالقداح مسومات نؤم بها الغَواة الخاطئينا
كأنهم إذا صالوا وصُلنا بباب الخندقين مصافحونا
أناسٌ لا نرى فيهم رشيدا وقد نطقوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهم شهرا كريتا وكنا فوقهم كالقاهرينا
نُراوحهم ونغدوجميع يوم عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات نقدُّ بها المفارق والشئونا
كأن وميضهن معرِّيات إذا لاحت بأيدي مصلتينا
وميضُ عقيقةٍ لمعت بليلٍ ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فأنا قد هجرنا لدى أبياتكم سعدا رهينا
إذا جن الظلام سمعت نوحا علىسعدٍ يرجعن الحنينا
وسوف نزوركم عما قريبٍ كما زرناكم متوازرينا
بجمعٍ من كنانة غير عُزلٍ كأسد الغاب إذ حمَت العرينا

فأجابه كعب بن مالك السلمي الخزرجي أحد شعراء المسلمين قائلاً:

وسائلةٍ تسائل ما لقينا ولوشهدتُ رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلا على ما نابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدقٍ به نعلوالبرية أجمعينا
نقاتلُ معشرا ظلموا وعقوا وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعالجهم إذا نهضوا إلينا بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغاتٍ كغُدران الملا مُتَسَرْبلينا
وفي أيماننا بيض خفاف بها نشفي مِراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسدا شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا على الأعداء شوسا مفهمينا
لننصر أحمدا والله حتى نكون عبادَ صدقٍ مخلصينا
ويفهم أهل مكة حين ساروا وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك وأن الله مولى المؤمنينا
فأما تقتلوا سعدا سفاها فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنات طيباتٍ تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردَّكم فلا شريدا بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثَم خيرا وكدتم حتى تكونوا دامرينا
بريحٍ عاصف هبتْ عليكم فكنتم تحتها متكمِّهينا

وقد نطق الرسولُ محمدٌ لشاعر المسلمين حسان بن ثابت النجاري الخزرجي يوم قريظة: «اهج المشركين، فإن جبريل معك».

أول مستشفى إسلامي حربي

أنشأ المسلمون أول مستشفى إسلامي حربي في غزوة الأحزاب، فقد ضرب الرسولُ محمدٌ خيمةً في مسجده في المدينة، عندما دارت رحى غزوة الأحزاب، فأمر حتى تكون رفيدةٌ الأسلميةُ الأنصاريةُ رئيسةَ ذلك المستشفى، وبذلك أصبحت أولَ مسقمة عسكرية في الإسلام، واتى في السيرة النبوية لابن هشام: «وكان صلَّى الله عليه وسلَّم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم، ينطق لها رفيدة، في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من به ضيعة من المسلمين، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم قد نطق لقومه حين أصاب سعدَ بنَ معاذ السهمُ بالخندق: «اجعلوه في خيمة رفيدة، حتى أعوده من قريب»».

ويُفهم من النص السابق حتى من أصيب من المسلمين إذا كان له أهلٌ اعتنى به أهلُه، وإن لم يكن له أهلٌ، جيء به إلى المسجد حيث ضُربت خيمةٌ فيه لمن كانت به ضيعةٌ من المسلمين، وسعد بن معاذ الأوسي، ليس به ضيعة، ولكن لمَّا أراد الرسولُ محمدٌ الاطمئنان عليه باستمرار، جعله في تلك الخيمة التي أعدت لمن به ضيعة وليس له أهل، ذلك حتى هؤلاء هم في رعاية الرسولِ محمدٍ.

القتلى في غزوة الخندق

القتلى من المسلمين

استمرت غزوة الخندق والحصار مضروب، فما مضت أسابيع ثلاثة على ذلك الحصار حتى دب القنوط والتخاذل في صفوف المهاجمين، على حين بقيت جبهةُ المسلمين سليمةً لم تثلم، ومع كثرة الأحزاب وتحرشاتهم ومناوشاتهم المستمرة طيلة تلك المدة إلا أنه لم يقتل من المسلمين إلا عدد قليل وهم:

  1. سعد بن معاذ الأشهلي الأوسي، سيد الأوس وحامل لوائهم يوم الخندق. رماه حبان بن العرقة بسهم فمات به بعد شهر وهوحبان بن أبي قيس العامري القرشي.
  2. أنس بن أوس بن عتيك الأوسي، رماه خالد بن الوليد بسهم فقتله.
  3. عبد الله بن سهل الأشهلي الأوسي.
  4. ثعلبة بن عنمة السلمي الخزرجي.
  5. طفيل بن النعمان السلمي الخزرجي، قتله وحشي.
  6. كعب بن زيد النجاري الخزرجي، قتله ضرار بن الخطاب الفهري القرشي، ويُنطق حتى الذي أصابه هوأمية بن ربيعة بن صخر الدؤلي الكناني.
  7. سليط
  8. سفيان بن عوف الأسلمي، فقد رُوي حتى الرسولَ محمداً بعث سليطاً وسفيانَ بن عوف الأسلمي طليعةً يوم الأحزاب، فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء التفت عليهم خيل لأبي سفيان، فقاتلا حتى قُتلا، فأُتيَ بهما إلى الرسولِ محمدٍ فدُفنا في قبر واحد، فهما الشهيدان القرينان.
  9. سنان بن صيفي السلمي الخزرجي.

القتلى من الأحزاب

  1. منبه بن عثمان بن عبيد العبدري القرشي، أصابه سهم فمات منه بمكة.
  2. نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي القرشي، اقتحم الخندق بفرسه فتورط فيه فقتل هناك، ولأهميته لدى المشركين، فقد بعثوا لشراء جسده ليدفنوه فأعطاهم الرسولُ محمدٌ إياه ونطق: «لا خير في جسده ولا في ثمنه».
  3. عمروبن عبد ود العامري القرشي، قتله علي بن أبي طالب في مبارزة جرت بينهما.
  4. حسل بن عمروبن عبد ود العامري القرشي، فقد نطق ابن هشام: وحدثني الثقة أنه حُدّث عن ابن شهاب الزهري أنه نطق: "قتل عليٌّ يومئذ عمروبن عبد ود وابنه حسل بن عمرو".

بعد غزوة الخندق

نتائج غزوة الخندق

لقد كانت غزوة الخندق من الغزوات الهامة التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم وحققوا فيها نتائج مهمة منها:

  • فوز المسلمين وانهزام أعدائهم، وتفرقهم ورجوعهم مدحورين بغيظهم قد خابت أمانيهم وآمالهم.
  • تغير الموقف لصالح المسلمين، فانقلبوا من موقف الدفاع إلى الهجوم، وقد أشار إلى ذلك الرسولُ محمدٌ حيث نطق: «الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم».
  • كشفت هذه الغزوة يهود بني قريظة وحقدهم على المسلمين وتربص الدوائر بهم، فقد نقضوا عهدهم مع الرسول في أحلك الظروف وأصعبها.
  • كشفت غزوة الأحزاب حقيقةَ صدق إيمان المسلمين وحقيقةَ المنافقين وحقيقةَ يهود بني قريظة.
  • كانت غزوة بني قريظة نتيجة من نتائج غزوة الأحزاب، حيث تم فيها محاسبةُ يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد مع الرسول في أحلك الظروف وأقساها.

غزوة بني قريظة

يؤمن المسلمون أنه في اليوم الذي عاد فيه الرسولُ محمدٌ إلى المدينة، اتىه جبريل عند الظهر، وهويغتسل في بيت أم سلمة، فنطق: "أوقد وضعت السلاح،يا ترى؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب"، فسار جبريل في موكبه من الملائكة. فأمر الرسولُ مؤذناً فأذن في الناس: "من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة". واستخدم على المدينة ابن أم مكتوم، ومنح الراية علي بن أبي طالب، وقدّمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها منطقةً قبيحةً لرسول الإسلام محمدٍ.

وضرب المسلمون الحصار على بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة، ولما اشتد الحصار وعظم البلاء على بني قريظة، أرادوا الاستسلام والنزول على حتى يحكِّم الرسولُ فيهم سعدَ بنَ معاذ، ونزلوا على حكمه، ورأوا أنه سيرأف بهم بسبب الحلف بينهم وبين قومه الأوس، فجيء بسعد محمولاً؛ لأنه كان قد أصابه سهم في ذراعه يوم الخندق، فقضى حتى تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن تُقسم أموالهم، فأقرّه الرسولُ، ونطق: «قضيت بحكم الله»، ونفذ حكم الإعدام في أربعمائة في سوق المدينة، حيث حفرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات، وقد نجا مجموعة قليلة جداً بسبب وفائها للعهد ودخولها في الإسلام، وقسمت أموالهم وذراريهم على المسلمين. ويرى المسلمون حتى هذا جزاءٌ عادلٌ هبط بمن أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين، وكان جزاؤهم من جنس عملهم، حين عرَّضوا بخيانتهم أرواحَ المسلمين للقتل، وأموالَهم للنهب، ونساءَهم وذراريهم للسبي، فكان حتى عوقبوا بذلك جزاءً وفاقًا.

ولم تقتل من نساء بني قريظة إلا واحدة، تروي السيدة عائشة بنت أبي بكر قصتها فتقول: «لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، نطقت: والله إنها لعندي تتحدث معي تضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها: "أين فلانة؟"، نطقت: "أنا والله"، قلتُ: "ويلك وما لك؟"، نطقت: "أُقتل"، قلتُ: "ولم؟"، نطقت: "حدثًا أحدثتُه"، (وكانت قد طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، فقتلها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم به)، فانطلق بها فضُربت عنقُها»، وكانت عائشة تقول: «والله ما أنسى عجبي من طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عهدت أنها تقتل». وبالقضاء على بني قريظة خلت المدينة تمامًا من الوجود اليهودي، وصارت خالصة للمسلمين.

وجمع الصحابة الغنائم التي خلفها بنوقريظة، فكانت من السيوف ألفًا وخمسمائة سيف، ومن الرماح ألفي رمح، ومن الدروع ثلاثمائة درع، ومن التروس ألفًا وخمسمائة ترس وجحفة، كما هجروا عددًا كبيرًا من الشياه والإبل وأثاثًا كثيرًا وآنية كثيرة، ووجد المسلمون دنانًا من الخمر، فوزعت الغنائم وهي الأموال المنقولة كالسلاح والأثاث وغيرها بين المحاربين من أنصار ومهاجرين ممن شهدوا الغزوة، فأعطي أربعة أخماس الغنائم لهم، إذ جعل للفرس سهمين، وللراجل سهمًا، فالفارس يأخذ ثلاثة أسهم له ولفرسه، وغير الفارس يأخذ سهمًا واحدًا له، والخمس المتبقي هوسهم الله ورسوله المقرر في القرآن، وأما ما عثر الرسولُ والمسلمون من الخمر عند بني قريظة فقد أراقوه ولم يأخذوا منه شيءًا، ولم ينتفعوا به كذلك. وأما الأموال غير المنقولة كالأراضي والديار فقد أعطاها الرسولُ للمهاجرين دون الأنصار، وأمر المهاجرين حتى يردوا إلى الأنصار ما أخذوه منهم من نخيل وأرض، وكانت على سبيل العاريَّة، ينتفعون بثمارها، وقد اتى في القرآن عن تلك الأراضي والديار الآيةُ هذه: Ra bracket.png وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا Aya-27.png La bracket.png. هذا وقد أوفد الرسولُ سعدَ بن عبادة بالخمس من الذرية والنساء إلى الشام فباعها، واقتنى بالثمن سلاحًا وخيلاً ليستعين به المسلمون في معاركهم مع الأعداء من يهود ومشركين، وكذلك بعث إلى نجد سعد بن زيد فباع سبيًا واقتنى سلاحًا.

مقتل كعب بن أسد رئيس بني قريظة

وجيء برئيس بني قريظة كعب بن أسد، وقبل حتى يضرب الرسولُ محمدٌ عنقَه جرى بينه وبين كعب الحوارُ التالي: نطق الرسولُ محمدٌ: «كعب بن أسد؟»، نطق كعب بن أسد: "نعم يا أبا القاسم"، نطق الرسول: «ما انتفعتم بنصح ابن خراش لكم، وكان مصدقًا بي، أما أمركم باتباعي، وإن رأيتموني تقرئوني منه السلام؟»، نطق كعب: "بلى والتوراة يا أبا القاسم، ولولا حتى تعيِّرني يهودٌ بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين يهود"، فأمر الرسولُ محمدٌ بضرب عنقه فضربت. ومما ترويه خط السيرة النبوية عن يهود بني قريظة أنهم كانوا يُرسَلون طائفة تلوطائفة لتضرب أعناقهم، وقد سألوا زعيمهم كعب بن أسد فنطقوا: "يا كعب ما تراه يصنع بنا؟"، نطق: "أفي جميع موطن لا تعقلون،يا ترى؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذُهب به منكم لا يرجع،يا ترى؟ هووالله القتل".


قبلها:
غزوة بني المصطلق
غزوات الرسول
غزوة الخندق
بعدها:
غزوة بني قريظة

المصادر

  1. ^ Islamic Occasions. "Battle of al - Ahzab (Tribes), Battle of Khandaq (Dirch, Moat, Trench". Retrieved 20 June 2016.
  2. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير سليم؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Rodinson 208
  3. ^ السِّيرةُ النّبوية، عرضُ وقائع وَتحليل أحدَاث، عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي، دار الفهم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة السابعة، 1429 هـ - 2008 م
  4. ^ تاريخ الطبري (2/ 284)
  5. ^ تفسير القرطبي، سورة البقرة الآيات 217-219
  6. ^ الواقدي (1/ 365) التاريخ السياسي والعسكري، ص190
  7. ^ التاريخ السياسي والعسكري لدولة المدينة، ص190
  8. ^ طبقات ابن سعد الكبرى (2/ 57)، مغازي الواقدي (1/ 363 - 370)
  9. ^ تاريخ الطبري (2/ 552)
  10. ^ سيرة ابن هشام (3/ 212)
  11. ^ تاريخ الطبري (2/ 553)
  12. ^ السيرة النبوية لابن كثير (3/ 146)
  13. ^ الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري (المتوفى: 1427 هـ)، دار الهلال - بيروت، الطبعة: الأولى
  14. ^ حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول (1/ 257)
  15. ^ السيرة الحلبية (2/ 566)
  16. ^ السيرة الحلبية (2/ 565)، حديث القرآن الكريم (1/ 257)
  17. ^ المغازي للواقدي (1/ 374)، اليهود في السنة المطهرة (1/ 321)
  18. ^ السيرة النبوية لابن هشام (3/ 212)
  19. ^ ابن هشام 2/ 190، 191، 192، زاد المعاد 2/ 71، 110، سليم البخاري 2/ 574، 575
  20. ^ السيرة النبوية لابن هشام (3/ 237)
  21. ^ التاريخ السياسي والعسكري، د. علي معطي، ص310
  22. ^ سورة النساء 51-52
  23. ^ غزوة الأحزاب، محمد احمد باشميل، ص141
  24. ^ إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ١ - الصفحة ٢٢٤
  25. ^ الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج ٢ - الصفحة ٦٦
  26. ^ السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص443
  27. ^ المغازي (2/ 440) بدون إسناد
  28. ^ الطبقات (2/ 65، 73) بإسناد متصل
  29. ^ البداية والنهاية (4/ 105)
  30. ^ غزوة الأحزاب، محمد احمد باشميل، ص144، 145
  31. ^ مغازي الواقدي (2/ 444)، والطبقات الكبرى (2/ 66)
  32. ^ السيرة النبوية لابن هشام (3/ 247)
  33. ^ معجم البلدان (3/ 236)
  34. ^ العبقرية العسكرية في غزوات الرسول، ص442
  35. ^ البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق (5/ 57) رقم 4106
  36. ^ مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب (3/ 1432) رقم 129
  37. ^ القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص482
  38. ^ صفوة التفاسير للصابوني (2/ 351)
  39. ^ أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1410)
  40. ^ ابن هشام 3/ 330، 331
  41. ^ غزوة الأحزاب، د. محمد عبد القادر أبوفارس، ص98
  42. ^ الرحيق المختوم، ص283، 284
  43. ^ البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق (5/ 55) رقم 4101
  44. ^ السيرة النبوية لابن هشام (3/ 241)
  45. ^ السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص449
  46. ^ نضرة النعيم (1/ 325)
  47. ^ رواه البخاري في سليمه، عن عبد الله بن أبي أوفى، رقم: 2933.
  48. ^ سورة الأحزاب: 13 - 20
  49. ^ السيرة النبوية لابن هشام ص 224
  50. ^ سيرة ابن إسحاق، السير والمغازي
  51. ^ البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق (5/ 58) رقم 4111
  52. ^ ابن هشام 2/ 220، 221
  53. ^ مغازي الواقدي (2/ 457)
  54. ^ السيرة النبوية لابن كثير (3/ 199)
  55. ^ السيرة الحلبية (2/ 323)
  56. ^ سورة الأحزاب 10-11
  57. ^ سورة الأحزاب 22
  58. ^ مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود (3/ 1389) رقم 1769
  59. ^ غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص201
  60. ^ غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص201، 202
  61. ^ المغازي للواقدي (2/ 477)
  62. ^ البداية والنهاية (4/ 106)
  63. ^ تفسير القرطبي، سورة الأحزاب الآية 9
  64. ^ البداية والنهاية (4/ 113)
  65. ^ مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري (4/ 18)
  66. ^ البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الأحزاب (5/ 59) رقم 4114
  67. ^ البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق (5 - 59) رقم 4114
  68. ^ سورة الأحزاب 9
  69. ^ تفسير القرطبي (4/ 144)
  70. ^ مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب (3/ 1414) رقم 1788
  71. ^ مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب رقم 1788
  72. ^ مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، (3/ 1414) رقم 1788
  73. ^ شرح الزرقاني (2/ 120)
  74. ^ من معين السيرة، ص293
  75. ^ السيرة النبوي لابن هشام ص 255
  76. ^ السيرة النبوي لابن هشام ص 256
  77. ^ سليم البخاري كتاب المغازي حديث رقم 4124
  78. ^ المستشفيات الإسلامية، الدكتور عبد الله السعيد، ص43
  79. ^ السيرة النبوية لابن هشام (3/ 263)
  80. ^ السيرة النبوية لابن هشام ص 227
  81. ^ أسد الغابة 1/122، 244- أنس بن أوس الأوسي
  82. ^ كشف الأستار 2/333
  83. ^ مرويات غزوة الخندق، إبراهيم بن محمد المدخلي، المبحث الثالث: القتلى من الجانبين
  84. ^ السنن الكبرى للبيهقي، رقم 18356
  85. ^ البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، (5/ 58) رقم 4110
  86. ^ حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول (2/ 442)
  87. ^ سليم السيرة النبوية، ص373
  88. ^ البخاري، كتاب المغازي، باب مرجع رسول الله من الأحزاب (5/ 61) رقم 4121
  89. ^ السيرة النبوية السليمة (1/ 315 - 317)
  90. ^ سليم السيرة النبوية، ص377
  91. ^ الصراع مع اليهود (2/ 96، 97)
  92. ^ الصراع مع اليهود (2/ 98)
  93. ^ سورة الآحزاب 27
  94. ^ اليهود في السنة المطهرة (1/ 368)

المراجع الأساسية

  • السِّيرةُ النّبوية - عرضُ وقائع وَتحليل أحدَاث. المؤلف: عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي. الناشر: دار الفهم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان. الطبعة: السابعة، 1429 هـ - 2008 م.
  • الرحيق المختوم. المؤلف: صفي الرحمن المباركفوري (المتوفى: 1427 هـ). الناشر: دار الهلال - بيروت (نفس طبعة وترقيم دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع). الطبعة: الأولى.
  • السير والمغازي لابن إسحاق، تحقق سهيل زكار، دار الفكر، طبعة أولى 1978 م.
  • السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، د. مهدي رزق الله أحمد، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض الطبعة الأولى، 1412 هـ - 1992 م.
  • البداية والنهاية، أبوالفداء ابن كثير الدمشقي. دار الريان للتراث.
  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، دار صادر، بيروت.
  • السيرة النبوية، لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام، دار الفكر، بدون تاريخ.
  • السيرة النبوية، لابن كثير، للإمام أبي الفداء إسماعيل، تحقيق مصطفى عبد الواحد، الطبعة الثانية، 1398 هـ، دار الفكر بيروت، لبنان.
  • سليم البخاري، محمد إسماعيل البخاري، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1411 هـ - 1991 م.
  • سليم مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان الطبعة الثانية، 1972 م.

وصلات خارجية

اقرأ نصاً ذا علاقة في

غزوة الخندق


  • غزوة الخندق (غزوة الأحزاب) من مسقط سيرة الإسلام.
  • غزوة الأحزاب - الخندق
  • غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ (الأحزاب).. دروس في ذكراها
      
غزوات الرسول
غزوة الأبواء | غزوة بواط | غزوة العشيرة | غزوة سفوان | غزوة بدر الكبرى | غزوة بني سليم | غزوة بني قينقاع | غزوة السويق | غزوة ذي أمر | غزوة بحران | غزوة أحد | غزوة حمراء الأسد | غزوة بني النضير | غزوة ذات الرقاع | غزوة بدر الآخرة | غزوة دومة الجندل | غزوة بني المصطلق | غزوة الخندق | غزوة بني قريظة | غزوة بني لحيان | غزوة ذي قرد | صلح الحديبية | غزوة خيبر | غزوة عمرة القضاء | فتح مكة | غزوة حنين | غزوة الطائف | غزوة تبوك

تاريخ النشر: 2020-06-05 19:46:58
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, صفحات بأخطاء في المراجع, معارك العصر النبوي, غزوات الرسول محمد, مقالات مميزة, إسلام, سرايا الرسول محمد, تاريخ قريش, محمد بن عبد الله, عصر نبوي, تاريخ إسلامي, معارك خالد بن الوليد, تاريخ مكة, 627, معارك العرب, حصارات, مقالات جيدة في en

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

انطلاق الامتحانات العملية لشهادة الدبلومات الفنية.. والنظرية 27 مايو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:22:24
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 36%

مع مريـم العذراء نرتفع نحو إبنها يسوع (٢٠)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:21:59
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

تداول أسئلة امتحانات الشهادة الإعدادية فى عدة محافظات والتعليم تحقق

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:22:20
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 50%

صباح الخير يا مصر..

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:22:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 58%

بـ 375 مليون دولار.. أمريكا تقدم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:25:25
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 54%

الرئيس الأوكراني يصل إلى اليابان لحضور قمة مجموعة السبع

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:25:18
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

جهاز الأهلى يسابق الزمن لتجهيز محمد الشناوى بعد إصابة السمانة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:22:29
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 44%

ليفربول يستضيف أستون فيلا فى الدوري الإنجليزي للتمسك بأمل الأبطال

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:22:27
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 39%

الفاكهة الصيفية.. 6 طرق لجني الفوائد الصحية للرمان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:22:26
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 50%

قادش يهزم بلد الوليد بثنائية بالدوري الاسباني

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:21:58
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

%93 من القراء يطالبون بتغليظ عقوبة استخدام الحيوانات لترهيب المواطنين

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:22:23
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

إبقاء المتهم بتسريب وثائق سرية للبنتاغون موقوفا بانتظار محاكمته

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-20 12:16:28
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 85%

الدوري الفرنسي : موناكو يسقط امام ليون ويفقد فرصة المركز الثالث

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-20 09:25:28
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 56%

سعيد شيبا أفضل مدرب في كأس أمم أفريقيا "تحت 17 سنة"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-20 12:16:00
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية