الشوقيون

عودة للموسوعة

الشوقيون

الشوقيون، هوتنظيم إسلامي متطرف ظهر في قرية كحك بمحافظة الفيوم، مصر في فترة التسيعينات. مؤسس التنظيم، الشيخ شوقي، هوعضومنشق عن الجماعة الاسلامية. ويُعهد التنظيم بتكفيره الجماعات الإسلامية الأخرى. اعتمد التنظيم علي تمويل أنشطته من خلال سرقة الدراجات النارية والسطوعلي محلات المضى. في أبريل 1990، اقتحمت قوات الشرطة قرية كحك، مركز الشوقيين، وقتلت زعيمهم شوقي الشيخ، والكثير من أتباعه، بينما نجح عدد من أعضاء التنظيم في الفرار إلى حتى اعتقل معظمهم لاحقاً. ومنذ 2011 حدثت عدة محاولات من أعضاء التنظيم لإعادة إحياءه من حديث في بعض قرى الفيوم. يعتبر تنظيم الشوقيين النواة الأساسية لتأسيس تنظيم داعش، حيث تمكن حلمي هاشم، ضابط شرطة مصري سابق، من إعادة ضم الكثير من الشوقيين، وهوحالياً من أبرز أعضاء تنظيم داعش.

التاريخ

سُميت جماعة الشوقيين نسبة لمؤسسها المهندس شوقي الشيخ، الذي اعتقل في بداية الثمانيينات بتهمة الانضمام لتنظيم الجماعة الإسلامية. في المعتقل التقى شوقي بنجيب عبد الفتاح إسماعيل، ابن القيادي الإخواني عبدالفتاح إسماعيل الذى نُفذ فيه حكم إعدام عام 1965 مع سيد قطب.

استفزت أفكار نجيب الأب، المرشد الثانى لجماعة الإخوان حسن الهضيبي، للرد على أطروحاته بكتاب شهير "نادىة لا قضاة" يرد عن الإخوان- فى حينه- الاتجاه التكفيري الذى غلف أفكار عبدالفتاح إسماعيل.

حين التقى المهندس الشاب شوقي الشيخ، الابن نجيب كان الأخير- مستلهماً أباه- الذي كان ينتمى حينها إلى تنظيم التوقف والتبين التكفيري.

ويرى الباحث فى شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلى حتى هذا اللقاء كان الحلقة الفاصلة فى حياة شوقي الشيخ، ويتوقف أمامه فرغلي معتقدًا حتى بذرة التكفير ستجد فى نفس شوقي تربة خصبة جداً فى مخاض النقاشات مع نجيب، ليبلورها بمعهدته بعد أقل من عشر سنوات على نحوأكثر تطرفاً من الآباء الأوائل للفكر التكفيرى، وربما بما يفوق قدراتهم على التصور.

بينما يرى الدكتور كمال حبيب الخبير فى الحركات الإسلامية حتى شوقي الشيخ قريب في تفكيره من مجموعة مجدي الصفتي التى دخلت فى لقاءة مع قوات الأمن فى بلدة الحرانية بالمنوفية، وحاولت اغتال حسن أبوباشا، والاعتداء على مكرم محمد أحمد، مرجحاً تأثر شوقي بشكرى مصطفي زعيم جماعة التكفير والهجرة بخلاف تأثره بالقطبيين فى السجون.

لمع نجم شوقي الشيخ في صفوف الجماعة الإسلامية، وتردد حتى أبناء الجماعة كانوا يشبهونه بعمر بن الخطاب، وبالصحابي أبى دجانة، الرجل المقدام الذى ارتدى عُصابة حمراء على رأسه يوم أحد في علامة جسارة واستبسال لا يخطئها العرب حين يرونها.

بمرور الوقت، لم يعد عمر عبد الرحمن زعيم الجماعة الإسلامية المرموق رمزاً فى عيني شوقي، ولم تعد أطروحات الجماعة بأحدثها لتقنعه. لقد تبلور مشروعه تماماً وحان وقت الانفصال عن الجماعة.


الانشقاق عن الجماعة الإسلامية

يعتقد كمال حبيب أنه على هامش المجموعات الرئيسية للتيارات الإسلامية، تتكون دوماً جماعات أصغر لديها أفكارها الخاصة الهامشية مثل التكفير والعزلة واللقاءة مع المجتمع والدولة، وهوما وقع في سيناريوشوقي، الذى لم يكن من صلب فكرة الجماعة الإسلامية بمقدار ما كانت محطة عابرة ومؤقتة له بطبيعة الحال.

وحسب أحد أبناء قرية كحك: لم يكن شوقي مجهولاً أبدًا، فعائلته ضخمة، وأعمامه موزعون على طول مركز أبشواي بالفيوم، ما بين عمدة وضابط ومسؤول حكومى، أما سمعته وسط الناس فكانت كفارس من أقطاب الجماعة الإسلامية، يعمل تحت إمرتها، وينفذ مخططاتها، ويدافع عنها، حتى الموت باعتبارها جماعة المسلمين بالمعنى الفقهى الأول. كان الجميع يعهدون صلاته الضخمة بعبود الزمر وعمر عبدالرحمن وغيرهما ممن كانوا فى مخيلة أهالى الفيوم «فوارس» تماماً كأبى زيد الهلالى، والزناتى خليفة.

ويمضى مسترسلًا: نطق الرجل- وهوخريج كلية الهندسة- إذا اللغة العربية هى الوعاء الذى اختاره الله لبث نوره ممثلاً فى القرآن إلى العالمين، وبالتالى، قواعد الصرف تقول إذا عملين لا تدخل عليهما «أعمل التفضيل»، هما «مات وفنى»، ولأن اللغة ترفض حتىقد يكون فلانا أموت أوأفنى من فلان، لذلك يجب ألا يقيم الموسرون دواوين عزاء ضخمة سرادقات وصوانات، وكل ما يقيم سرادقاً لتلقى العزاء، ستقوم جماعة الشيخ شوقي بحرقه فوراً.

فى البدء، لم يصدق الناس قدرة الشوقيين على فرض أمر واقع، فتحول عزاء المهندس أحمد مخلوف (كبير عائلة مخلوف وقتها)، إلى كتلة من النيران، بعدما تسلق أعضاء الشوقيين الأسطح، وأضرموا النيران فى صوان العزاء، بينما الناس جلوس داخله.

تكررت الواقعة مرات مع عائلات محرم ومحجوب والداودية وحتى مع أبناء قبائل بدوية عريقة لها من السلاح والرجال منعة ضخمة، فمن حرق صوان عزاء لآل الباسل فى «إطسا»، إلى شبه حرب شوارع جرت لمنع بناء سراق لقبائل عرب المرماح فى طامية، وصولاً إلى أولاد على فى أبشواى الذين فوجئوا بإنذار مكتوب بالدم على الصوان يحذرهم «قبل فوات الأوان».

لم يفرح أحد بما يعمله شوقي الشيخ سوى الغلابة، وهؤلاء هم الغالبية الساحقة والمسحوقة من أهالى الفيوم، فحين رأى الناس أخيراً حتى بوسعهم دفن موتاهم بذات الكيفية التى يمكن للأكابر حتى يدفنوا بها موتاهم، اقتربوا من «بطلهم الشعبى الموقر»، وطارت الأخبار فى البلاد، وانزعجت الجماعة الإسلامية (المسيطر الأكبر فى الفيوم وقتها)، من نموشعبية هذا المتمرد الغرائبى الفريد.

في هذه الأيام الخالية من نهاية الثمانينيات تناقل الناس وقوف شوقي الشيخ فى وجه مدير أمن المحافظة موبخًا ومتوعدًا لأجل شىء يخص مصالح الناس، بقلب ميت وبقوة لا يعهد أحد مصدرها، ومن ثم كان شوقي أقرب لبطل شعبى قبل حتى تدقق فى طرحه الديني.

كان الصدام بين الجماعتين يلعب على أوتارٍ مختلفة، لكن بروز الشوقيين بسبب تفضيلهم وتر الحاجة الاقتصادية وعوز الناس، فحين أفتى الشيخ عمر عبدالرحمن بمنع «تزغيط الطيور» باعتبار عملية «التزغيط» تدخلاً بشرياً فى إرادة الله للطير حتى يأكل قدر حاجته فقط، ثارت ثائرة نساء القرى والنجوع، فالتزغيط وتربية الطيور وبيعها هوالمورد الأساسى لدخلهن، فبعد حتى أحكمت الجماعات سيطرتها على الشارع، ومنعت النساء من الخروج لكسب العمل فى الحقول، لم يكن أمامهن إلا التزغيط، لذلك طاردت النسوة قوافل الدعوة التى جابت القرى لتنبه على النسوة بعدم التزغيط.

فى اللقاء، وقف شوقي في مسجد الرحمة بأبشواى وخطب قائلا: «إن من يضيقون ما وسع الله من أرزاق على خلقه، هم والحاكم الكافر سواء بسواء، فيا أيها الناس من فتنكم فى معيشتكم، وضيق عليكم ما وسعه ربكم، وتنطع بحق الطيور على حق بنى آدم، فقاتلوه، وطاردوه، واقعدوا له جميع مرصد»، فتناقل الناس الخطبة وشعرت الجماعة الإسلامية بالخطر.

ثم سرعان ما سرت الهمهات بين أتباع شوقي وأتباع عمر عبدالرحمن، إلى حتى وصل شوقي للنقطة التى لا رجوع بعدها فى الخصومة. يقول أحمد رجب، الصحفى ابن محافظة الفيوم: «تساءل شوقي وسط أتباعه: من يأتينى برأس عمر عبدالرحمن وله الجنة؟!».

عند هذه النقطة، سيأخذنا الباحث ماهر فرغلى إلى الفرضية التى يطلقها البعض من حتى وزارة الداخلية دعمت شوقي فى بداية المطاف لإحداث نوع من التوازن أمام الوحش مترامى الأطراف المدعوبالجماعة الإسلامية. كما كان للأمر رمزيته تمامًا، فانشقاق أحد أبناء عمر عبدالرحمن عنه، وفى محافظة الفيوم تحديدًا، حيث تتمركز قوته، وبكل هذه الكاريزما، أمرٌ يمكن حتى يحدث زلزالًا داخل صفوف الجماعة. وقد كان بالعمل، ولكن بأى ثمن؟!

بداية التنظيم

توطدت أركان مُلك شوقي وتبعه كثيرون، واعتقدوا فيه اعتقادًا يتراوح بين الدينى والشخصى والبطولى، حتى وصل لفترة طلب فيها من الناس حتى تتحاكم بين يديه فى خصوماتها، وأن يؤدوا إليه الزكاة والمكوس، وفقاً لماهر فرغلى.

وتخلد الذاكرة الشعبية حتى شوقي قد تمكن من أمور بلدة «كحك» تمامًا، وقد استوثق من فداء أنصاره له، ومن شعبيته وسط الناس حتى أقدم على حماقته الكبرى، حين أوفد للرئيس حسنى مبارك برقية مضمونها: «من والى كحك إلى والى مصر»، يدعوفيها شوقي الرئيس المخلوع إلى الإسلام أوالقتال أوالجزية!

وقبل حتى نصل لهذه الذروة الدراماتيكية وما ترتب عليها، نعود لأحمد رجب، الصحفى ابن محافظة الفيوم، الذى يتذكر تلك الأيام التى نشأ على سماع قصصها فى قرية مجاورة لقرية كحك عاصمة خلافة «شوقي»، فيقول: كان الشوقيون فى هذه الأيام يستبيحون جميع شىء بعدما دان لهم ولاء الناس، يسرقون الأوز والبط والماعز التى ترعى فى الشوارع، بفتوى من شوقي نفسه الذى قسم الناس لكافر مسالم وكافر محارب.. يستوى الجميع فى الكفر عدا أبناء جماعته!

بلغ الأمر مبلغًا لا يتخيله أحد، فقد استباح الشوقيون ما تقع عليه أيديهم من حيوانات قابلة للأكل وكأنهم يأجوج ومأجوج التى لا تظل ولا تذر، حتى أنك لوفقدت واحدة من ماعزك التى ترعى أمام بيتك، قد تجد بعد سويعات قليلة جلدها معلقًا على بابك، فى رسالة من أتباع شوقي أنهم أكلوها بالهناء والشفاء، فلا ترهق نفسك فى البحث عن معزتك المسكينة، يحكى لنا رجب.

تسرب الغضب لقلوب كثيرين جراء توسع أتباع شوقي فى سرقة الدراجات النارية والبط والأوز والتعدى على الناس، فضلا عن القلق الذى سببه بابتزاز شخصيات قبطية مرموقة فى الفيوم، بخلاف تمركزه فى مربع واحد بجوار البلدة التى خرج منها يوسف والى، وزير الزراعة آنذاك، نائب رئيس الحزب الحاكم! فحانت ساعة الانتقام.

اللقاءة مع الشرطة

الجماعة الإسلامية تتمنى لوانطبقت السماء على الأرض فى لقاء حتى يزول كابوس شوقي وجماعته.. خاصة بعد طلبه رأس الرجل الكبير «عمر عبدالرحمن»، وأتباعه مخابيل يطيعونه فى أى شىء وبجسارة منبترة النظير.

الغلابة الذين فرحوا بشوقي فى بداية الأمر ثم فوجئوا به يأكل بطهم وأوزهم ويتدخل فى أمور الزواج والطلاق.. ويفتى فى أمور العلاقات الزوجية وضوابطها بين أفراد جماعته وبين غير المنتمين إليها.

هذه هى اللحظة الفاصلة التى تتنقل فيها الكاميرا لترصد تربص الجميع بشوقي، بينما يتناول المهندس الشاب سلاحه ويأمر الأتباع بالاستبسال فى لقاءة الحشود الأمنية الزاحفة لكحك.

بالطبع ستميل الذاكرة الشعبية إلى إجراء تعديلات كثيرة على الرواية الأصلية، يختلط التهويل بالخيال، ويمتزج ما جرى بما كان يمكن حتى يجرى، ويتلاقى ما حصل مع ما تمنى البعض حتى يحصل، لينتهى الحال بالرواية النهائية مزيجًا من كروموزمات هجينة لآباء كثيرين للروايات الشعبية المعتمدة.

الرواية الأولى: أمر مبارك بتحريك سلاح الطيران فتوجه إلى القرية ودك شوقي وأتباعه دكًا وصب عليهم اللهيب من السماء بعد البرقية إياها.

الرواية الثانية: حاصرت مدرعات ودبابات الجيش قرية كحك، وسوتها بالأرض، ثم تجول الجنود بين حطام البيوت ودخان النيران وأنين الأجساد التى تثوى على تخوم الاحتضار.

الرواية الثالثة: توجهت الشرطة بتشكيلات واسعة من قوات الأمن المركزى وقد صمدت القرية أيامًا وليالى كثيرات بينما يستبسل الجميع فى الدفاع عن شوقي.

لكن الرواية الأقرب للدقة حول دوافع تحرك الأمن ستكون بحوزة الداخلية نفسها بطبيعة الحال.

فقد تم حينها اختيار كادر أمنى ذى مواصفات خاصة جدًا لمهمة شوقي، ضابط قوى البنية صلب التكوين خشن اليدين حاد النظرة هادئ الطباع يحمل رتبة عميد فى الأمن المركزى (القوات الخاصة) حصل على دورات تدريبية فى مدرسة الصاعقة بالجيش، وفوق جميع هذا خاض حربًا حقيقية من قبل، حين تم إلحاقه بكتائب الجيش المصرى فيما عهد بثغرة الدفرسوار فى حرب أكتوبر 1973 أمام إسرائيل، كما أنه خاض لقاءة شرسة قبل وقت قريب فى قرية مغلقة يسيطر عليها متطرفون فى محافظة بنى سويف.

الضابط هوالعميد خيرى طلعت، قائد قوات الأمن المركزى لشمال الصعيد، ونقطة تمركزه مع جنوده الأشداء وضباطه من نخبة قوات الداخلية هى محافظة المنيا (240 كيلومتراً جنوب القاهرة) ونحو140 كيلومتراً من الفيوم حيث مملكة شوقي وملكه.

يقول طلعت: تحركنا إلى كحك ومعى من 20 إلى 30 مجموعة قتالية، تضم جميع مجموعةعشرة أفراد، لكن الطريق إلى كحك لم يكن إلا من خلال ممر زراعى وحيد، ومع أول ضوء نهار تحركنا للاقتحام، لكن فوجئنا بوابل من الرصاص ينهال علينا من جميع جانب.

حينها وبصورة فنية لم يعد ممكنا التقدم إلا من خلال المدرعات، لكن المدرعات لن تسمح لأحد بحمل رأسه وتوجيه سلاحه، وإلا سيتم قنصه، لذلك عند نقطة معينة، قررت ورجالى دخول القرية على أرجلنا، فتحركنا وسط الزروع الكثيفة إلى حتى بدأ الاشتباك.

كرجل عسكرى أدركت على الفور أننا نقابل ميليشيا عسكرية مدربة على نحودقيق، فقد كان التصويب احترافيًا وإدارة المعركة من جانبهم تعكس وعيًا تكتيكيًا بأسس الاشتباك. لقد تمركزوا خلف سواتر، واحتموا بنقاط حصينة، وشيدوا أبراجاً فوق المنازل، واحتلوا نقاط تمركز مرتفعة عن الأرض وثبتوا قناصة مهرة، وأمطرونا بقنابل الجلدينايت شديدة الانفجار.

أضف على جميع هذا حتى وراءهم معتقدا دينيا صلبا، وقائدا ملهما اسمه «شوقي الشيخ» يقف وسطهم ويحارب مثلهم ويحمسهم!

يضيف طلعت: طلبت تعزيزات على الفور من الداخلية التى كانت تراقب عن كثب، فتم تحريك قرابة 500 جندى من قوات الأمن المركزى بالجيزة (نحو90 كيلومتراً شمال الفيوم).

أخذنا نتحرك مترًا بمتر حتى اتخذنا سواتر من بيوت القرية، ثم تمكنا من اعتلاء أسطح بعض المنازل، وأخذنا نحكم الخناق ونقترب من بيت شوقي شيئًا فشيئا.

وبيت شوقي كان أحصن نقطة، حيث يعتليه فرد برشاش روسى ملحق به شريط عدد رصاصه 200 طلقة، فى حين لم يكن معنا إلا بنادقنا، أما باقى أسلحتنا فقد تخففنا منها فى المدرعات التى لم تتمكن من التقدم فى الأرض الزراعية الطينية اللينة وتحت وابل الرصاص.

لم يعد لدينا سوى تواصلنا الاحترافى بالنظر والإشارة، حتى تمكنا من اقتحام آخر نقطة حصينة حيث يقف شوقي وسط أتباعه ومن فوقهم أبراج التمركز والقناصة والسلاح الوفير والرصاص السخى.

كان الجوصيفًا ومرهقًا للجميع، ومع غروب الشمس سقط شوقي جثة هامدة ومعه نحو14 من أتباعه، وبعدها استسلم من استسلم وهرب للزراعات من هرب.

وقفت مجموعة منا أمام جسد شوقي تتأمله والبنادق فى يدها والعرق على جبينها والدم ينزف من بعضنا، فى حين تم إسناد مهمة مطاردة الفارين للضباط الأصغر رتبة وللجنود.

يقول طلعت: «بيوت أنصاره كانت ممتلئة بوسائل الرفاهية، لقد اعتنى شوقي بهم ووزع عليهم من غنائمه وابتزازاته لأموال لأطباء والصيادلة وتجار المضى المسيحيين».

كما أسس وحدة صحية فى القرية، يجلب إليها أطباء- كرهًا أوطوعا- من قلب محافظة الفيوم للعناية بسكان كحك والكشف عليهم ومداواتهم، وعين عددًا من أتباعه مسقمين ومسقمات، ومنع الكشف على السيدات إلا بوجود رجالهن معهن، تحكى السيدة عن وجعها للرجل ويحكى الرجل للطبيب!

أثناء دخولى لأحد منازل القرية- والكلام لطلعت- فوجئت بفتيات صغيرات فى عمر الفترة الابتدائية بينما بطونهن منفوخة، فظننت حتى هناك داءً فى هذا البيت فاستفسرت من الأم فصدمتنى بأن بناتها حوامل وأنها هى الأخرى حامل، بعدما أجبرها شوقي هى وبناتها على الزواج من أتباعه بعد وفاة زوجها!

يقول الصحفى أحمد رجب: يتداول الناس فى القرى المجاورة لكحك (سنرووغيضان والحامولى) حتى شوقي منع طبخ الملوخية بحجة أنها تزيد الشهوة الجنسية! وقد اخترع فتاوى تجيز تطليق المرأة من زوجها إذا غاب عنها أكثر من ثلاث ليال.

الشهادات المتاحة معنا من أطراف متعددة، تشير إلى حتى شوقي تدخل كثيرا فى تفاصيل العلاقات الجنسية والزواج والطلاق، وكان مشغولا بهذه الأمور حد الهوس.

بل إنه حين حرم الاختلاط ومضى فى تطبيق تصوراته عن الشريعة لم يكن يسمح للنساء بمجالسة الرجال، إلا هوكان يجالسهن بنفسه ويجمعهن فى مواعيد متفق عليها بحجة تلقينهن أسس العقيدة.

وهى رواية بحاجة فى حد ذاتها للتأمل من زاوية نفسية عن الرجل الذى اهتم بشؤون النساء (ولومجرد الاهتمام بمعزل عن سياقه ونتائجه!) إلى هذا الحد الفائق، فقد كان يتزوج من أهالى أتباعه وتابعاته، ويبدى اهتمامًا لكل ما يخص المرأة، بدءًا من فتوى تزغيط البط وصولا لترتيب الحياة الجنسية لمن يقعن داخل حدود ملكه، وربما بما جعل- كنتيجة متسقطة- من النساء عنصرًا فاعلًا فى دولته قصيرة الأمد.. سواء كن زوجات أتباعه أومجرد رعاياه.

يندهش العميد خيرى حين يتذكر ردود أفعال الأهالى بعدما اغتال هوورجاله شوقي قائلا: كان بعضهم حزينا بعمق ويقولون لنا إذا شوقي كان يذكرهم بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب لأنه كان عادلا وكان مهمومًا بشؤون رعيته.

يضيف خيرى: ما توفر أمامى عن شوقي أنه كان مثقفًا ولبقا وآسرًا ومقنعًا، يحفظ ابن تيمية وأبا الأعلى المودودى جيدًا، ولديه تخريجات لكل شىء تقريبًا.. رجل له حضوره وواثق من نفسه.


الشوقيون وداعش

عقب مصرع شوقي، ولعدة أشهر، اندفع الباقون من أتباعه إلى عمليات السطوعلى محلات المضى المملوكة للمسيحيين، ثم تورط اثنان من أبناء جماعته فى اغتال اثنين من المهندسين الزراعيين لسرقة متعلقاتهما، الأمر الذى تلاه دفنهما فى أحد المصارف الزراعية.

ولما توصلت المباحث الجنائية للمتهمين، وقد أدركت أنهما من أتباع شوقي الشيخ، تولى أمن الدولة الأمر، وتوجه الضابط «أ. ع.» فى يوم مشهود من العام 1991 إلى منزل الشابين.

وهنا تختلف الروايات فى طبيعة ما حدث، البعض يقول إذا الضابط ضرب أم الشابين، فى حين يقول آخرون إذا الضابط أمرها بالسير عارية فى الطريق، والبعض يقول اغتصب زوجة أحد الشابين.. جميع إنسان ممن التقيتهم لديه رواية متباينة عما عمله «أ. ع.»، لكن المشهجر حتى الرواية الشعبية تتهم ضابط أمن الدولة بالتورط فى شىء ما مرفوض أخلاقيا أوقانونيا يخص سيدة من بيت الشابين القاتلين.

ثارت ثائرة الشابين، وتربصا بالضابط حتى قتلاه بوابل من الرصاص أمام عيون الجميع وبصورة وحشية وبوجه سافر وباستعراض وتحدٍ لكل من يدب على أرض الفيوم بقدمين.

يقول محمد حسين: أحيانًا كان يركب جميع اثنين منهما موتوسيكل، أحدهما يتولى قيادته والآخر يعطيه ظهره ويتولى تصفية الأهداف التى يحددها التنظيم، برشاش آلى. وأحيانًا كانوا يدفنون بعض أفراد الشرطة أحياء وفقا لما سمعناه!

وبينما يساق الشوقيون إلى السجون والمعتقلات مكبلين فى الأصفاد، ويبدوحتى النهاية أوشكت على الانسدال على هذه الحكاية التى لم تدم طويلا، لن يلاحظ أحد حتى شوقي قد هجر لعنته لتأخذ مسراها من بعده، حتى تحرق الأخضر واليابس.

سيتعاقب على الإمارة من بعده ضابط شرطة سابق اسمه حلمي هاشم سيستلهم من خطى شوقي الكثير، سيقرؤها جيدًا ويتأملها مليًا ويختزنها فى نفسه إلى حتى صار اليوم مفتيًا لداعش.

أى مدخل يمكن حتى يمت للمنطق بصلة ونحن نتحدث عن ابن شوقي البار وتلميذه النجيب، الضابط حلمى هاشم الذى لم يلتق شوقي، لكنه تقصى منهجه وبحث فى أفكاره وقابل تلاميذه (وكثير منهم أميون!) وأخذ يمحص فى طرح شوقي ويجيله فى ذهنه حتى انتهى لأمرين:

الأول حتى يتوسع فى دراسة الفقه الجنائى الإسلامى كما يشير الذين عايشوه، ليضاف إلى حصيلته المعهدية كضابط شرطة تفهم القانون فى الكلية واستوعب فكرة تحييث وتكييف الاتهامات للمجرمين.

والثانى هوالتملص من العمل الشرطى فى آخر محطة حل بها وهى مصلحة السجون ليتعاطف وينضم إلى الذين كان هوسجانهم يومًا ما،

حتى تم اعتنطقه أكثر من مرة مع جماعات تكفيرية مختلفة، بينما يصر على المضى قدما فيما اختاره، مقتنعا تماما بدوره كمسجون من الممكن بأكثر من اقتناعه بما كان يقوم به وهوسجان.

وكدارس للقانون توسع فى التأصيل لأفكار أبيه الروحى شوقي الشيخ من متون الفقه الإسلامى القديمة، وكضابط سابق بدأ خدمته فى صفوف الأمن المركزى التى تفهمك أول ما تفهمك قواعد الاشتباك بالسلاح والتعارك تحت صوت الرصاص ووسط زخات الطلقات، انتهى هاشم إلى منتجه الفقهى الأكثر بشاعةً على الإطلاق.. «الذبح»!

يُنسب لهاشم تأصيله وحثه لأفراد تنظيم الدولة على تطبيق الأحكام فى أسراهم «ذبحًا» أمام العالم كله.

في عام 2004 وعلى خلفية تفجيرات طابا (في سيناء) تم اعتنطق قرابة ثلاثة آلاف مشتبه فيه من أهالي سيناء، وكان من بينهم الشاب الخجول الانطوائى توفيق فريج زيادة.

يقول ماهر فرغلى: احتك توفيق فى المعتقل عن قرب بالشوقيين والتكفيريين واقتنع بأفكارهم. ولج السجن وخرج منه وقد تسرب فى نفسه شيء من حدثات شوقي غير قابل لأن يتزحزح مستقبلا أبدا!

حسنًا الصدفة ليست هنا، ليست فى تحويل شاب انطوائى صامت حاصل على تعليم سهل (دبلوم صنايع) إلى شوقي تكفيرى شرس على منهج رجل لم يره فى حياته مطلقا، بل فى هذا اليوم من أيام ثورة 25 يناير، بينما يتجول توفيق فريج بين صفوف الثوار والمحتجين، ليصطدم دون قصد بشابين، سيلتفت كلاهما وبينما يهم توفيق بالاعتذار سيتضح أنهما رفيقا المعتقل محمد عفيفى ومحمد هارون.

قليل من الكلام أوكثيره، وسينتهى الأمر بثلاثتهم وقد أقنعهما بالانضمام لتنظيم التوحيد والجهاد الذى كان يعمل على الأرض منذ سنوات، سيتمكن الخجول الصامت توفيق من رسم بناء تنظيمى محكم سيذهل أجهزة الأمن فيما بعد.

سيوزع المهام على أسس جغرافية ووفقا لتخصصات تتراوح بين العقائدى والحركى والتنظيمى واللوجيستى، وسيجعل من رفاقه الجدد كوادر مرعبة داخل تنظيم يتألف من سلفيين جهاديين وفلول أتباع رفاعى سرور وحشد غير متجانس من الإسلاميين الذين خرجوا من قماقمهم فى أعقاب ثورة يناير.

وسيعمل مؤقتًا هذا التنظيم بعدما دبت فيه الروح على يدى توفيق فريج حتى ينتهى به المطاف لاسم أنصار بيت المقدس، التى ستبايع داعش لتصبح داعش مصر.

انظر أيضاً

  • داعش
  • جماعة التكفير والهجرة

المصادر

  1. ^ "الشوقيون: «بروفة داعش» فى الفيوم 1990". جريدة المصري اليوم. 2017-02-25. Retrieved 2019-03-07.
تاريخ النشر: 2020-06-05 18:04:38
التصنيفات: جماعات متمردة في مصر, منظمات جهادية في مصر, الإسلاموية في مصر

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الحكومة: لي تيمشي فشي طموبيل يتحمل الكلفة ديالها

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 68%

احتمال تعديل وزاري قد يسقط وزراء فاشلين..الحكومة توضح!

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:03
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 74%

أخنوش يستقبل سانشيز بمطار الرباط قبل لقاء الملك محمد السادس

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:17:59
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 85%

المكتب السياسي للأحرار يناقش كل شيء إلا المحروقات

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:00
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 73%

موعد مباراة الرجاء أمام الأهلي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:19
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

قاعدة "الـ 15 دقيقة" .. الحل السحري حين يجافيك النوم

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:28
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

اتفاقيات جامدة بين المغرب وإسبانيا منذ 2019.. هل يجري تفعيلها؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:09
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 73%

السعودية تعلن عودة سفيرها إلى لبنان

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:26
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

تأكيدا للمصالحة.. سانشيز يحل بالمغرب

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:33
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

كوفيد-19: 80 إصابة جديدة وأكثر من 6 ملايين و174 ألف ملقح بالكامل

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:10
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 75%

بلاغ للديوان الملكي.. تفاصيل استقبال الملك لرئيس الحكومة الإسبانية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:31
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

لقجع يكشف تفاصيل مشكل حمد الله والمنتخب المغربي

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:32
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 57%

تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:32
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

لنفض الغبار عن “صورة نمطية”.. دنيا بوتازوت “شيخة” في رمضان

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:17:59
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 76%

هذه مواعيد مباريات الوداد والرجاء بربع نهائي دوري أبطال إفريقيا

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:36
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

عريس عراقي يبلغ من العمر 103 سنوات يحتفل بزفافه بحضور أحفاد أحفاده !

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:27
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

المغرب يعطي الضوء الأخضر للتعاون الطاقي واستيراد الغاز عبر إسبانيا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:17:58
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 73%

الأهلي يقدم طلبا لوزير الرياضة بشأن مباراة الرجاء

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-04-07 21:18:19
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 56%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية