توماس هبز

عودة للموسوعة

توماس هبز

توماس هبز
Thomas Hobbes
وُلـِد (1588-04-05)5 أبريل 1588
مالمسبري, ولتشاير, إنگلترة
توفي 4 ديسمبر 1679(1679-12-04) (عن عمر 91 عاماً)
دربيشاير, إنگلترة
العصر فلسفة القرن السابع عشر
(الفلسفة المعاصرة)
المنطقة الفلسفة الغربية
المدرسة العقد الاجتماعي, الواقعية
الاهتمامات الرئيسية
الفلسفة السياسية, التاريخ, الأخلاق, الهندسة
الأفكار البارزة
المؤسس المعاصر لتقليد العقد الاجتماعي؛ الحياة في state of nature هي "منفردة، فقيرة، nasty, brutish وقصيرة"

توماس هوبز (و.خمسة أبريل 1588 - 1679) هوفيلسوف إنگليزي، كتابه الشهير، في عام 1651، لڤياثان وضع الأساس لمعظم الفلسفة السياسية الغربية من وجهة نظر نظرية العقد الإجتماعي.

ويـُذكر هوبز اليوم لعمله في الفلسفة السياسية, بالرغم من إسهاماته في مجالات شتى, منها التاريخ, الهندسة, فيزياء الغازات, ثيولوجيا, الأخلاق, الفلسفة العامة, والعلوم السياسية. بالرغم من ذلك كله فنظرية هوبز عن حتى الطبيعة البشرية هي مهتمة ذاتياً بالتعاون، قد ظلت صامدة في حقل فهم الإنسان الفلسفي.


المؤثرات التي شكلت شخصيته

ولد هوبز فيخمسة إبريل 1588، ولما يكتمل المدة المقررة للحمل، وتعزوأمه ولادته المبتسرة قبل الأوان إلى فزعها من مجيء الأسطول الأسباني "الأرمادا"، ومن الخطر الذي يتهدد إنجلترا بغزوساحق على أيدي الوثنيين السفاحين. أما الفيلسوف فينسب إلى خروجه غير المرتقب قبل الأوان إلى الحياة نزعة الجبن التي تملكته وغلبت عليه، ولكنه كان أجرأ الهراطقة في عصره. وربما ورث الوالد- وكان قسيساً أنجليكانياً في مامز بري في ولتشير- ابنه بعض نزوع إلى المشاكسة، فان هذا الوالد اشتبك يوماً في شجار على باب كنيسته ثم اختفى، تاركاً أبناءه الثلاثة ليتولى تربيتهم أخ له.

وأثرى هذا الخ وأيسر، والتحق توماس بكلية مجدلن في جامعة أكسفورد، هياباً جباناً، ولا ريب، مثله في ذلك مثل أي شاب يجرؤ على اقتحام المغارات المخصصة لأصنام العشيرة. ولم يجد في الفلسفة التي تدرس هناك إلا قليلاً مما يروقه، فتسلى بقراءات خارج المنهج المقرر، وتعهد بطريق مباشر على الآداب الإغريقية واللاتينية. ولما تخرج في سن العشرين أسعده الحظ ليكون مفهماً خاصاً لوليام كاڤندش الذي أصبح إرل ديڤونشاير الثاني. وقد ثبت حتى الحماية التي بسطتها عليه هذه الأسرة كانت ذات قيمة كبيرة له أيام هرطقته. وفي 1610 طاف في صحبة تلميذه بأراتى القارة. وعند عودته أشتغل لبعض الوقت سكرتيراً لفرنسيس بيكون، وربما أسهمت هذه الخبرة المثيرة في تكوين فلسفته التجريبية بكل ما في هذه الحدثة من معنى. ويروي أوبري أنه حوالي هذه الفترة "كان مستر بنجامن جونسون شاعر التاج صديقه الحميم الذي يكثر التردد عليه(1)وكان أغزر فهماً من هوبز. ولم يكن قد أشتد عوده بعد، وسرعان ما عاد هوبز إلى أسرة كافندش، واحتفظ بصلته بها طيلة ثلاثة أجيال، ومن الجائز حتى الفيلسوف اقتبس من هؤلاء الحماة الكرام ذوي المنعة والقوة الآراء المتعلقة بالنظام الملكي والكنيسة التقليدية، وتلك الآراء هي التي غفرت له ميتافيزيقيته المادية وخلصته من الموت حرقاً.

وكان اكتشافه لإقليدس نقطة تحول في حياته العقلية. ذلك أنه وهوفي سن الأربعين، سقط بصره في مخطة خاصة، على كتاب "العناصر" مفتوحاً على المسألة رقم 47 من القسم الأول. وما حتى قرأها حتى صاح "يا إلهي، هذا محال" وأشار شرحها إلى أنها برهان على مسألة سابقة، وهذه على أخرى، إلى غير ذلك، حتى عاد إلى التعاريف الأولية والبديهيات. وابتهج بهذا البناء المنطقي، وأغرم بفهم الهندسة(2)ولكن أوبري بضيف "أنه كان منصرفاً- إنصرافاً كبيراً إلى الموسيقى ومارس العزف على الكمان الكبير". وفي 1629 نشر ترجمة لتوكيديدس (المؤرخ اليوناني في القرن الرابع ق.م) وكان غرضه السافر المزعوم من ذلك هوحتى يحذر إنجلترا من أخطار الديموقراطية. وفي تلك السنة أستأنف رحلاته، مفهماً آنذاك لأبن أول تلاميذه، أرل ديفونشير الثالث. وربما قوت زيارته لجاليليو(1636) من نزوعه إلى تفسير الكون على أسس ميكانيكية.

صفحة العنوان لكتاب De Cive ‏(1642)

وعاد إلى إنجلترا في 1637، ولما أشتد الصراع بين البرلمان والملك شارل الأول، خط رسالة بعنوان "مبادئ القانون الطبيعي والسياسي"، دافع فيها عن السلطة المطلقة للملك، بوصفها أمراً لا غنى عنه للنظام الاجتماعي والوحدة الوطنية. وجرى تداول هذه الرسالة مخطوطة، وربما- كانت تؤدي إلى القبض على المؤلف لولا حتى شارل حل البرلمان. وعندما احتدم النزاع فقد رأى هوبز أنه من الحكمة حتى يعود أدراجه إلى القارة (1640)، وبقى هناك، ومعظم وقته في باريس، طيلة الأحد عشر عاماً التالية. وفي باريس كسب صداقة مرسن وجاسندي، ولكن جلب على نفسه عداوة ديكارت. فإن مرسن نادىه إلى تدوين بعض التعليقات على "تأملات" ديكارت، فاستجاب هوبز في شيء من الكياسة ولكن في كثير من الحدة، ولم يغتفر له ديكارت هذا قط. وعندما نشبت الحرب الأهلية في إنجلترا (1642) أسس المهاجرون الملكيون لأنفسهم مستعمرة في فرنسا، وربما أخذ هوبز عنهم مزيداً من التعاطف مع الملكية، فإنه لمدة عامين (1646-1748) اشتغل بتدريس الرياضيات لأمير ويلز المنفي، الملك شارل الثاني فيما بعد. واتىت حركة الفروند ضد لويس الرابع عشر في فرنسا- وكانت مثل الثورة في إنجلترا، تهدف إلى الحد من سلطة الملك- فأكدت اقتناعه بأن الملكية المطلقة وحدها هي التي يمكن حتى تحافظ على الاستقرار والأمن الداخلي.

وفي بطء شديد وصل هوبز إلى صياغة محددة واضحة لفلسفته. ويقول أوبري: "أنه سار طويلاً وأعمل الفكر وتأمل، وكان في رأس عصاه قلم ومحبرة، وكان يحمل في جيبه دائماً كراسة، حتى إذا عرضت له فكرة، فسرعان ما كان يدونها على الفور حتى لا تضيع(3)" وأصدر سلسلة من التأليف الأقل قيمة ، التي ليس لها الآن ذكر، ولكنه- في 1651 جمع جميع أفكاره في كتاب يجمع بين طرافة الفكر والأسلوب وعدم المبالاة، هو"لواياثان" (التنين) أو"المادة والشكل"، و"سلطة الدولة دينية ومدنية" (التنين) أو"المادة في تاريخ الفلسفة، وجدير بنا حتى نتوقف عنده في شيء من التروي.


المنطق وفهم النفس

يكاد أسلوب هوبز يقارب أسلوب بيكون في الجودة، ولكنه ليس غنياً بالصور الوضاءة مثله، ولكنه قوي متميز فعال صريح مثله تماماً، مع شيء من التهكم اللاذع بين الحين والحين. وليس فيه زخرف ولا تظاهر بالبلاغة والفصاحة، فما هوإلا تعبير واضح عن فكر واضح، مع اقتصاد حكيم في الوسائل اللفظية. يقول هوبز "إن الحدثات بالنسبة للعقلاء ليست سوى أنضاد "فيشات" أي وسائط للعد والحساب، ولكنها ثروة الأغبياء، التي تضفي قيمة وقدراً، استناداً إلى أرسطوشيشرون أوتوما الأكويني(4)". وبهذا السلاح الجديد- قضي هوبز على كثير من الكلام الطنان الرنان الأجوف الذي لا يحمل معنى. وعندما سقط بصره على تعريف توما الأكويني "للأبدية" بأنها "الحاضر الخالد" هم كتفيه استهجاناً لهذا التعريف على أنه "من البسيط جداً حتى ينطق، ولكن على الرغم من أني قد أسر به، فأني لم أستطع حتى أفهمه قط، وأولئك الذين يستطيعون فهمه أسعد مني حظاً". وعلى كذلك كان هوبز "اسمياً صريحاً" (ممضى الاسمين: ممضى فلسفي يقول بأن المفاهيم المجردة أوالكليات ليس لها وجود حقيقي، وأنها مجرد أسماء ليس غير): فالإنماء أوالأسماء المجردة مثل "الرجل، الفضيلة" هي مجرد أسماء لأفكار تعميمية، ولا تمثل شيئاً مدركاً بالحواس، فكل الأمور لها وجود فردي- أعمال فاضلة فردية، ورجال فرديون....

إنه يحدد مصطلحاته وألفاظه تحديداً دقيقاً. وعلى الصفحة الأولى من كتابه يعهد "لواياثان" بأنه مصلحة مشهجرة أورابطة أودولة. إنه عثر اللفظ في التوراة (سفر أيوب- الإصحاح 41) حيث استخدمها الرب اسماً لحيوان بحري هائل غير ذي نوع محدد، رمزاً للقوة الإلهية، واقترح هوبز حتى يجعل من الدولة نظاماً ضخماً عليه حتى يستوعب جميع النشاط الإنساني ويوجهه. ولكنه قبل حتى يصل إلى قضيته الأساسية ألقى نظرة شاملة على المنطق وفهم النفس بيد لا ترحم.

إن هوبز فهم الفلسفة على أنها ما نسميه الآن فهماً: "فهم الآثار والظواهر المكتسبة من فهم الأسباب، أوبالعكس فهم العلل أوالأسباب الممكنة كما تدلنا عليها فهم آثارها المعروفة لدينا(5)". وتبع بيكون في تسقطه حتى يجني من وراء هذه الدراسة أوهذا- المنهج فوائد عملية عظيمة للحياة الإنسانية. ولكنه تجاهل دعوة بيكون إلى التعليل الاستقرائي، وأخذ "بالاستدلال المنطقي" أي الاستنتاج من التجربة. وفي إعجابه بالرياضيات أضاف "أن الاستدلال المنطقي هوبعينه من الجمع والطرح" أي الجمع بين الصور والأفكار، أوالفصل بينهما. ومضى إلى أننا لا نفتقر إلى التجربة، ولكن الذي نفتقر إليه هوالتعليل السليم لها، أننا إذا استطعنا حتى نقضي على خبث الألفاظ الخالية من المعنى في الميتافيزيقا، وعلى التحيزات التي نقلناها بحكم العادة أوالتعليم أوروح التشيع والتحزب، إننا إذا استطعنا هذا فأي عبء نطرحه على كواهلنا، والعقل على أية حال ليس معصوماً من الخطأ! ولا يمكن إلا في الرياضيات، حتى يزودنا بالحقيقة اليقينية التي لا ريب فيها. "إن فهم النتيجة، التي قلت من قبل أنها تسمى الفهم، ليست مطلقة، بل هي مشروطة. ولا يستطيع أحد حتى يعهد عن طريق التعليل حتى هذا الشيء أوذاك كان أوقد يكون أوسيكون، مما يعهد بشكل مطلق، بل يعهد أنه حينقد يكون هذاقد يكون ذاك، وإذا كان هذا كان ذاك، وحين سيكون هذا سيكون ذاك، أي حتى هذا الشيء أوذاك يعهد مشروطاً"(6).

وكما سبقت هذه العبارة حجة هيوم في أننا نعهد النتائج فقط دون الأسباب، فأن هوبز كذلك تجاوز لوك في فهم النفس الحسي. حتى جميع الفهم تبدأ بالحس "ليس ثمة فكرة في عقل الإنسان إلا تولدت بادئ ذي بدء، تامة أوعلى دفعات، في أعضاء الحس(7)". وهذا علن نفس مادي صريح: لا يوجد شيء خارجنا أوداخلنا- إلا المادة والحركة، وكل الصفات المحسوسة "أوحسية (الضوء، اللون، الشكل، الصلابة، النعومة، الصوت، الرائحة، الطعم، الحرارة، البرودة، هي في الشيء الذي يسببها أويحدثها ليست إلا عدة حركات كثيرة للمادة تؤثر بها على أعضائنا بأشكال مختلفة، كما أنها، فينا نحن الذين تأثرنا بها، ليست إلا حركات مختلفة، لأن الحركة لا تنتج إلا حركة(8)"، فالحركة في شكل تغيير أمر ضروري للحس- إذا إحساسك- بنفس الشيء دائماً يساوي أنك لا تحس بشيء مطلقاً(9). (إلى غير ذلك فأن الرجل الأبيض أوالرجل الملون لا يتنبه أي منهما إلى رائحته لأنها دائماً تحت أنفه). ومن الحس يتابع هوبز سيره ليستخلص التصور والذاكرة عن طريق تطبيق فريد لما صار قانون الحركة الأول عند نيوتن: أنه إذا بقي جسم ساكناً ما لم يحركه شيء آخر، فإنه يظل ساكناً إلى الأبد، فتلك حقيقة لا يشك فيها أحد. أما إذا كان الجسم متحركاً، فإنه يظل إلى الأبد إلا إذا أوقفه شيء آخر، فإنه على الرغم من حتى السبب واحد في الحالين (وهوعلى التحديد حتى أي شيء لا يمكنه التغيير بذاته) فهذا أمر لا يمكن التسليم به بسهولة..

إذا تحرك الجسم مرة، فإنه يظل يتحرك إلى الأبد (إلا إذا عاق حركته شيء آخر(، وهذا الذي يعطل حركته، أياً كان، لا يستطيع حتى يعطلها دفعة واحدة إنما يعطل حركته تماماً في الوقت المناسب وشيئاً فشيئاً. وكما نرى في الماء، فقد تسكن الريح ولكن الأمواج لا تهدأ إلا بعد فترة طويلة من سكون الريح. وهذا ما يحدث للحركة التي تتم داخل الأجزاء الداخلية في الإنسان، ثم حين يرى أويحلم.... الخ، حيث أنه عندما يزول ويختفي الشيء أوتغلق العين، فإننا نظل نستبقي صورة الأمور التي رأيت، ولوأنها تكون أكثر غموضاً منها حين كنا نراها. وهذا ما يسميه اللاتينيون "خيالاً".... وهوعلى هذا الأساس ليس إلا "حساً يضعف"، فإذا عبرنا عن هذا الضعف، فما يشير على حتى الحس يتضاءل وأنه قديم، وأنه غابر، فإن هذا يسمى "الذاكرة"...... والذاكرة العامرة، أوتذكر أشياء كثيرة يسمى "الخبرة أوالتجربة(10)". والأفكار تعبير عن تصورات ينتجها الحس أوالذاكرة. والفكر هونتيجة لمثل هذه التصورات. ولا تتحكم الإرادة الحرة في هذه النتيجة، بل إنها تخضع لقوانين ميكانيكية تحكم توارد الخواطر.

إن الأفكار أوالخواطر لا يعقب الواحد منها الآخر اعتباطاً، ولكن يحدث إننا لاقد يكون لدينا تصور لما لن نكن قد أحسسنا به جملة أوتفصيلاً من قبل، فإننا كذلك لن ننتقل من تصور إلى تصور ليس لدينا عهد به في حواسنا من قبل. وهذا هوالسبب: إذا جميع التصورات (الأخيلة والأفكار) إنما هي حركات في داخلنا، وهي بقايا ما تم في حواسنا. وهذه الحركات التي تعاقبت الواحدة منها بعد الأخرى في الحس تستمر أيضاً مجتمعة بعد الحس.... ولكن بما أنه في الحس بالنسبة لشيء واحد بعينه يدرك، قد يأتي أحياناً شيء. وأحياناً يأتي شيء آخر، فقد يحدث عاجلاً أوآجلاً، في تصور شيء ما، ألا نكون على يقين من أننا سنتصور شيئاً بعده. وهذا مؤكداً فقط إذا كان ثمة شيء قد أعقب مثيلاً له من قبل في وقت من الأوقات(11).

توماس هوبز

وقد تكون هذه السلسة من الأفكار مشوشة أوغير موجهة، كما هوالحال في الأحلام، وقد تكون "مضبوطة أومحددة طبقاً لرغبة أوهدف أوخطة ما". وفي حالة الأحلام نجد حتى الصور الساكنة الهاجعة في المخ "توقظها أوتهيجها أية إثارة في الأجزاء الداخلية في جسم الإنسان". لأن جميع أجزاء الجسم مترابطة، بطريقة ما، بأجزاء معينة في المخ. "أعتقد حتى هناك تبادلاً في الحركة من المخ إلى الأجزاء الحيوية، ومنها ثانية إلى المخ، بهذا لا يولد التصور حركة في تلك الأجزاء فحسب، بل حتى الحركة في تلك الأجزاء كذلك تولد تصوراً شبيهاً بهذا الذي أنتجها(12)". وأحلامنا هي شكل معكوس لتصوراتنا في اليقظة: الحركة ونحن متيقظون بادئة بطرف، وبادئة بالطرف الآخر حين نحلم(13)" والتسلسل المنطقي للصور في الأحلام يرجع إلى عدم وجود أي إحساس خارجي يضبطها أوأي غرض يوجهها.

وليس للإرادة الحرة أي مكان في فهم النفس عند هوبز. والإرادة نفسها ليست موهبة أووجوداً مستقلاً، بل هي مجرد الرغبة الأخيرة أوالنفور الأخير في عملية التدبر (حركتان جسميتان أساسيتان هما الاشتهاء أوالحركة نحوالأمور والنفور أوالحركة بعيداً عن الأمور)، والتدبر تناوب بين حالات الرغبة أوالنفور، وهوينتهي عندما يمكث أحد الدوافع وقتاً كافياً ليتحول إلى عمل أوتصرف ما. "في التدبر نجد حتى الأمور أوالنفور الخير الذي يقترن في الحال بالعمل أوبالإغفال الناتج عنه (عن الاشتهاء أوالنفور) هوما نسميه الإرادة(14)" "إن الشهوة والخوف والأمل وغيرهما من الانفعالات لا تسمى اختيارية، لأنها لا تنبع من الإرادة، بل هي الإرادة نفسها، والإرادة ليست اختيارية(15)" "لأن جميع عمل من أفعال إرادة الإنسان وكل رغبة وكل ميل، إنما ينتج عن سبب ما، وهذا السبب ينتج عن سبب آخر، إلى غير ذلك في سلسلة متصلة (حلقتها الأولى في يد الله أول جميع الأسباب) وكلها تنبع من الضرورة. وعلى هذا فإن الذي يستطيع حتى يدرك الصلة بين تلك الأسباب، قد تبدوله واضحة جلية "ضرورة" إلى جميع أفعال الإنسان الاختيارية(16)". وهناك في الكون بأسره سلسلة متصلة الحلقات من الأسباب والنتائج أوالآثار. وليس هناك شيء طارئ غير متسقط، أوخارق معجز، أومن قبيل الصدفة.

والعالم كله آلة من المادة، متحركة طبقاً لقانون، والإنسان نفسه آلة شبيهة بهذه. والأحاسيس تدخل إليه كأنها حركات، وتولد صوراً وأفكاراً وكل فكرة هي بداية حركة، وتصبح عملاً إذا لم تعقها فكرة أخرى(17). وكل فكرة، مهما تكن مجردة، تحرك الجسم بدرجة ما، مهما تكن غير منظورة. والجهاز العصبي تعبير عن هجريب آلي لتحويل الحركات الحسية إلى حركة عضلية. والأرواح موجودة ولكنها مجرد أشكال دقيقة للمادة(18). والنفس والعقل ليسا غير ماديين، ولكنهما اسمان للعمليات الحيوية للجسم ولأعمال المخ. ولا يحاول هوبز حتى يفسر السبب في حتى الوعي ينموبمثل هذه العملية الميكانيكية من الحس إلى الفكرة إلى الاستجابة. إنه باختزال جميع الصفات المدركة للأشياء إلى صور في "الذهن"، يقترب كثيراً من الموقف الذي اتخذه باركلي فيما بعد في دحض المادية- إذا جميع الحقيقة المعروفة لنا إدراك حسي، وذهني.


الأخلاق والسياسة

إن هوبز مثل ديكارت قبله، وسبينوزا بعده، تولى تحليل الانفعالات، لأنه يرى فيها مصدر جميع أفعال الإنسان، ويستخدم الفلاسفة الثلاثة جميعهم لفظة "الانفعال" على نطاق واسع لتضم أية غريزة أووجدان أوعاطفة- وبصفة أساسية، الاشتهاء (الرغبة) والنفور، الحب والكراهية، الفزع والخوف، ووراء هذه كلها اللذة والألم- العمليات النفسية التي تحمل أوتخفض من حيوية الكائن الحي. والاشتهاء بداية حركة نحوشيء يبشر باللذة. والحب ضرب من الاشتهاء، موجه نحوشخص. وكل الإندفاعات (كما كان يقول لاروشفوكولد بعد ذلك بأربعة عشر عاماً) هي أشكال من حب الذات، وكلها تنبع من غريزة المحافظة على الذات. فالإشفاق هوتصور المصائب تنزل بنا في المستقبل، يثيره فهمنا بمصائب الغير، والصدقة إرضاء للشعور بالقوة في مساعدتنا للآخرين. والاعتراف بالفضل ينطوي أحياناً على شيء من العداء "أن حصولنا ممن نرى أنه مساولنا على فوائد أومنفعة أعظم مما كنا نأمل منه، ينزع بنا إلى التظاهر بالحب، والحق أنه بغض خفي، وهويضع المرء في موقف المدين اليائس، حتى أنه في حالة تصنعه عن رؤية دائنه، إنما يرغب ضمناً في حتى يمضى هذا الدائن إلى حيث لا يراه المدين أبداً . لأن المنفعة التي حصل عليها منه طوق بها عنقه، وفي هذه المنة أوالفضل عبودية(19)". والنفور الأساسي هوالخوف. والاشتهاء الأساسي هواشتهاء السلطة. "إني أرى في البشر جميعاً نزعة عامة. هي الرغبة الدائمة التي لا تهدأ في السلطة فوق السلطة، وتلك الرغبة لا يخمد أوارها إلا عند الموت(20)". إننا نرغب في الثراء والفهم بوصفها وسائل للسلطة. وفي الأوسمة ومظاهر الحفاوة والتكريم، لأنها مرشد على السلطة، ونحن نريد السلطة لأننا نخشى التعرض للخطر. والضحك تعبير على التفوق والسمووالسلطة.

إن الانفعال بالضحك ليس إلا تألقاً أواعتزازاً مفاجئاً (رضي ذاتياً) ينشأ عن إدراك مفاجئ لبعض السمووالحملة فينا، بالمقارنة بوهن الآخرين وعجزهم، أوبوهننا وعجزنا فيما مضى، لأن الناس يضحكون من حماقاتهم السابقة عندما تخطر ببالهم فجأة، إلا إذا استحضروا معها شيئاً من مواطن الخزي والعار في حاضرهم.... ويكون الضحك أكثر ماقد يكون عارضاً لأولئك الذينقد يكونون على وعي تام بقدراتهم البالغة الضآلة، الذين يضطرون إلى التماس شيء من الراحة في ملاحظة نقائص الآخرين. ومن ثم فإن كثرة الضحك من عيوب الناس مرشد على ضعة النفس. فإن من أروع الأعمال التي ينهض بها ذووالعقول الكبيرة حتى يساعدوا الآخرين ويحرروهم من الذل والازدراء، وألا يقارنوا أنفسهم إلا بأقدر الناس(21).

والخير والشر مصطلحان ذاتيان يختلفان في المضمون، لا من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان فحسب، بل من إنسان إلى إنسان أيضاً. "إن الإنسان يسمي موضوع شهوته أورغبته خيراً، وموضوع كراهيته أونفوره شراً، لأن هاتين الحدثتين تستعملان دائماً في ما يتعلق بالشخص الذي يستخدمها، لأنه ليس ثمة خير أوشر سهل أومطلق، وليس هناك قاعدة عامة للخير أوالشر يمكن استنباطها من طبيعة الأمور ذاتها(22)". وقد تكون الانفعالات خيراً، وقد تؤدي إلى العظمة. "وهذا الذي ليس لديه رغبة قوية.... وفي السيطرة أوالثروة أوالفهم أوالشرف والمهابة. لا يمكن حتىقد يكون لديه خيال واسع أوعقل راجع". إذا ضعف الانفعال غباء، وقوته بشكل غير طبيعي جنون وانعدام الرغبات موت(23).

إن بهجة هذه الحياة لا تكمن في هجوع الذهن في حالة من الرضي والاكتفاء. لأنه ليس هناك ما يسمونه "الغرض الأسمى" و"الخير الأسمى" كما تحدثت عنهما خط الفلاسفة الأخلاقيين القدامى.... فالبهجة هي تقدم الرغبة المستمر من هدف إلى هدف، وتحقيق الهدف السابق يظل طريقاً لتحقيق ما بعده(24).

إن حكم رجال هكذا تكوينهم وميلهم إلى الكسب ، والمنافسة وحدة الأهواء والانفعالات فيهم، ونزعتهم إلى النضال والكفاح، نقول حتى مثل هذا الحكم هوأشد مهام البشر تعقيداً ومشقة، ويجدر بنا حتى نهيئ لمن يتولونه جميع عون أوسلاح من فهم النفس ومن القوة والسلطان. وعلى الرغم من حتى إرادة الإنسان غير حرة فإن للمجتمع ما يبرر تشجيعه لبعض الأعمال ويطلق عليها "أعمالاً فاضلة" ويثيب عليها، على حين يندد بأعمال أخرى، ويقول بأنها "أعمال مرذولة" ويعاقب عليها. وليس ثمة تناقض هنا مع "الحتمية"، فإن هذه الاستحسانات والتنديدات الاجتماعية تضاف، من أجل خير الجماعة ومصالحها، إلى الدوافع الني تؤثر في السلوك. "إن العالم يحكمه الرأي(25)"، فالحكومة والدين والقانون الأخلاقي، هي إلى حد كبير تلاعب بالرأي، للتخفيف من الضرورة ونطاق القوة.

إن الحكومة ضرورية، لا لأن الإنسان شر بالطبيعة- لأن "الرغبات وسائر الانفعالات ليست آثمة في حد ذاتها(26)"- بل لأن الإنسان بطبيعته أكثر نزوعاً إلى الفردية منه إلى الروح الاجتماعية، إذا هوبز هنا لم يتفق مع أرسطوفي حتى الإنسان "حيوان سياسي"، أي مخلوق مهيأ بالطبيعة للاجتماع. إنه على النقيض من ذلك استوعب "حالة طبيعية" أصلية (وهي على ذلك الطبيعة الأصلية للإنسان)، على أنها حالة تنافس وعدوان متبادلين لا يوقفهما إلا الخوف، لا القانون. ويمكننا (كما يقول هوبز) حتى نتصور هذه الحالة الافتراضية إذا لاحظنا العلاقات الدولية في زمننا هذا، فإن الأمم لا تزال إلى حد كبير في "حالة من الطبيعة"، ولم تخضع بعد لقانون أوسلطة مفروضة عليها.

إن الملوك وأصحاب السلطان في جميع الأزمان، بسبب استقلالهم، يعيشون وسط الأحقاد والحذر، يقفون وقفة المصارعين والمجادلين دائماً، أسلحتهم مشروعة، وعيونهم مثبتة جميع منهم على الآخر- أي قلاعهم وحامياتهم ومدافعهم على حدود ممالكهم- يبثون العيون والأرصاد على جيرانهم، وتلك هي وقفة الحرب، لا توجد سلطة عامة، لا يوجد قانون ولا يوجد ظلم ولا جور. والقوة والخداع هما في الحرب فضيلتان أساسيتان(27).

إلى غير ذلك افترض هوبز حتى الأفراد والأسرات كانت قبل ظهور التنظيم الاجتماعي، تعيش في حالة حرب دائمة، عملية أومحتملة، "كل إنسان ضد الآخر(28)". ولا تقتصر الحرب على الالتحام في المعركة فقط، بل قد يأتي وقت يظهر فيه بشكل واضح، عزم الإنسان على الاشتباك في معركة(29). ونبذ نظرية فقهاء الرومان وفلاسفة المسيحية في حتى هناك، أوكان هناك إطلاقاً، "قانون طبيعي" بمعنى قوانين الصواب والخطأ، مؤسسة على طبيعة الإنسان بوصفه "حيواناً عاقلاً". وسلم بأن الإنسان كان عقلانياً في بعض الأحيان، ولكنه استوعب أنه "مخلوق ذوانفعالات وأهواء- ورغبة السلطان والقوة فوق جميع شيء- يستخدم العقل أداة للرغبة أوالاشتهاء، ولا يحكمه إلا الخوف من القوة. والحياة البدائية- أي الحياة قبل التنظيم الاجتماعي- كانت بلا قانون، عنيفة مخيفة، "قذرة كريهة وحشية فقيرة(30)".

وفي تصور هوبز أنه من "حالة طبيعية" المفترضة هذه، خرج الناس باتفاق ضمني بين بعضهم بعضاً، على حتى يخضعوا جميعاً لسلطة عامة. وتلك هي نظرية "العقد الاجتماعي التي أصبحت مألوفة شائعة يفضل رسالة روسوالتي تحمل هذا الاسم (1762). ولكنها كانت بالعمل قديمة مطروقة في أيام هوبز. فإن ملتون في رسالته "ولاية الملك والحكام" (1649) كان قد فسر العقد بأنه اتفاق بين ملك ورعاياه- على أنهم يطيعونه، وعلى أنه سيقوم بمهام منصبه على خير وجه، فإذا أخفق هذا، كما نطق ملتون (مثل ما نطق بوكانان وماريانا وكثيرون غيرهما)، كان للشعب الحق في خلعه. واعترض هوبز على النظرية بهذه الصيغة، على أساس أنها لم تؤسس سلطة مخولة حتى تنفذ العقد، أوتحدد كيف من الممكن أن ومتى نقض. وآثر القول بأن هذا الاتفاق مبرم، لا بين الحاكم والمحكومين، بل بين المحكومين الذين اتفقوا فيما بينهم:

إنهم منحوا جميع سلطانهم وقوتهم (أي حقهم في استخدام القوة بعضهم ضد بعض) لرجل واحد أولجماعة من الرجال.... فإذا تم هذا، أتحد الجميع في رجل واحد يسمى الدولة. وهذا هومنشأ اللواياثان الكبير.... بل على الأرجح منشأ "الرب الفاني" الذي ندين له، في ظل "الإله الحي الباقي" بسلامنا والدفاع عنا لأنه بمقتضى هذه السلطة التي خولها إياه جميع فرد في الدولة، له الحق في حتى يستخدم كثيراً من السلطات والقوة اللتين منحتا له، ومن ثم فإنه بالإرهابقد يكون قادراً على تشكيل إرادة الناس جميعاً.... غايته من ذلك حتى يستخدم جميع قوتهم وكل ما يملكون من وسائل. حدثا عثر الضرورة تدعوإلى ذلك، من أجل سلامهم والدفاع المشهجر عنهم. وهذا الذي يمثل هذا "الشخص" ويحمل هذا العبء يسمى ملكاً، وينطق حتى له سلطة ملكية، وكل من عداه من رعاياه(31).

وفي شيء من الطيش افترضت النظرية ف هؤلاء الهمج "القذرين المتوحشين" الذين تجاوز ذكرهم، درجة من النظام والعقلانية والاتضاع، وهي درجة تسمح بتنازلهم عن سلطاتهم. وأجاز هوبز في شيء من الحكمة، حتى تنشأ الدولة على أصول بديلة:- ويكمن الوصول إلى هذه السلطة الملكية الحاكمة عن طريقين، أولهما القوة الطبيعية، كما هوالحال حين يعمد رجل ما إلى إخضاع بنيه وذرياتهم لحكومته، لأنه قادر على تدميرهم والقضاء عليهم إذا أبوعليه ذلك، أويخضع أعداءه لإرادته عن طريق الحرب. أما ثانيهما فهوحين يتفق الناس فيما بينهم على الخضوع طواعية واختياراً لرجل أوجماعة من الرجال، ثقة من الناس بأن هذا الرجل أوجماعة الرجال سيتولون حمايتهم ضد الآخرين. ويمكن حتى يطلق على هذا "رابطة سياسية"(32) (الدولة).

ومهما كان الأساس الذي قام عليه الحاكم، فإنه لكيقد يكون حاكماً وملكاً حقاً، لا بد حتىقد يكون ذا سلطة مطلقة، فإنه بدونها لا يستطيع حتى يحقق أمن الفرد أوسلام الجماعة. ومقاومته إنما تعني نقض العقد الاجتماعي الذي أقره ضمناً جميع فرد في الجماعة بقبوله حماية رأس الدولة له. وقد تسلم هذه "الاستبدادية المطلقة" النظرية ببعض قيود وحدود عملية. فيمكن مثلاً الوقوف في وجه الملك إذا أمر إنساناً بأن يقتل نفسه أويبتر عضواً من جسمه ليعطله أويشوهه، أويعترف بجريمة لم يرتكبها، أوإذا لم يعد الحاكم قادراً على حماية رعاياه. "المفهوم إذا التزام الرعايا نحوالملك يبقى ما بقيت سلطته التي يستطيع بها حمايتهم، ولا بقاء لهذا الالتزام إذا فقد السلطان(33)". والثورة دائماً جريمة إلا إذا حققت نجاحاً. إنها دائماً غير مشروعة وغير عادلة، لأن القانون والعدالة كلتيهما يحددهما ويحكمهما الملك، ولكن إذا أقامت الثورة حكومة مستقرة فعالة، فإن على المواطن حتى يلتزم بطاعة السلطة الجديدة.

ولا يحكم هذا الملك بمقتضى الحق الإلهي، حيث أنه يستمد سلطته من الشعب، ولكن يجب حتى تقيد سلطته جمعية شعبية أوقانون الكنيسة. ويجدر حتى تمتد هذه السلطة إلى الملكية، فيجب على الملك حتى يحدد حقوق الملكية (التملك)، وعليه حتى يعيد توزيع الممتلكات الخاصة، حيثما يقدر حتى هذا يحقق المصلحة العامة(34). "والحكم المطلق" ضروري، لأنه إذا كانت السلطة شركة، بين الملك والبرلمان مثلاً، فسرعان ما ينشب النزاع، ثم الحرب الإلهية، فتعم الفوضى وتتعرض الحياة والممتلكات للخطر. وحيث حتى الأمن والسلام هما الضرورتان الأساسيتان للمجتمع، فإنه لا ينبغي حتىقد يكون هناك فصل، بل وحدة كاملة وهجريز تام في السلطات الحكومية. وحيثما توزعت السلطات لاقد يكون هناك ملك، وحيثما لاقد يكون ملك، لا تكون هناك دولة(35).

وبناء على هذاقد يكون الشكل المنطقي للحكومة هوالملكية. ولا بد حتى تكون وراثية، لأن حق اختيار الخلف جزء من سيادة الملك، ونكرر القول بأن البديل لهذا هوالفوضى(36). وقد تصلح الحكومة عن طريق الجمعية ولكن شريطة حتى تكون سلطتها مطلقة، غير خاضعة لرغبات متقلبة لدى شعب غير متفهم. "إن الديموقراطية لا تعدوحتى تكون أرستقراطية خطباء(37)" فما أسهل حتى يهيج زعماء الدهماء مشاعر الشعب، ومن ثم كان لزاماً حتى تمارس الحكومة الرقابة على الخطابة والصحافة، وينبغي حتى تكون هناك رقابة صادقة على المطبوعات والواردات وقراءة الخط(38). ولا يجوز حتىقد يكون هناك جدل عقيم حول الحرية الفردية والآراء الخاصة والضمير. وينبغي حتى يقتلع من الجذور جميع ما يهدد سيادة الملك، ومن ثم السلام العام(39). فكيف يتسنى حكم دولة أوحماية علاقاتها الخارجية إذا بقى جميع فرد حراً في طاعة القانون أومخالفته وفقاً لرأيه الخاص؟


الدين والدولة

وكذلك يجب على الملك حتى يحكم دين شعبه، لأن الدين يمكن حتىقد يكون قوة مدمرة متفجرة إذا تشدد فيه الناس. ويقدم هوبز تعريفاً موجزاً: "إن الخوف من القوة الخفية التي يلفقها العقل أوتصورها الأقاصيص، إذا جاز بانتشاره فهو"الدين". وإذا لم يسمح فهو"الخرافة"(40). وهذا يهبط بالدين إلى مجرد الخوف والخيال والانادىء، ولكن في مواضع أخرى نرى هوبز يعزوه إلى التسائل الملهوف عن علل الأمور والحوادث وبداياتها(41). وتقود ملاحقة الأسباب هذه في النهاية إلى الاعتقاد (كما أعترف الفلاسفة الوثنيون) "بأنه لا بد حتىقد يكون هناك "محرك" واحد، أي سبب واحد لكل الأمور، وهوما يعنيه الناس بقولهم الله(42)" ومضى الناس بشكل طبيعي إلى حتى هذا "السبب الأول" كان مثلهم: شخصاً ونفساً وإرادة، ولكنه فقط أقوى منهم بكثير. ونسبوا إلى هذا "السبب" جميع الأحداث التي لم يستطيعوا تبين محدداتها الطبيعية بعد، ورأوا في الأحداث العجيبة معجزات ونبوءات للإرادة الإلهية.

في هذه الأمور الأربعة: فكرة الأرواح، والجهل بالأسباب الثانوية، والتفاني فيما يخشاه الناس، وأخذ الأمور الطارئة على أنها نذر أوبشائر، تنطوي البذور الطبيعية للدين، التي نمت بسبب مختلف أوهام الكثير من الناس وأحكامهم وأهوائهم، نقول نمت حتى أصبحت طقوساً متباينة إلى حد حتى ما يقوم به فرد، يعتبر في معظم الأحوال سخيفاً مرذولاً عند الآخر(43).

كان هوبز "ربوبياً" لا ملحداً. فأعترف "بكائن أسمى(44)" ذكي، ولكنه أضاف "قد يعهد الناس... بالطبيعة حتى الله موجود، ولوأنهم لا يدركون ما هو(45). "ويجب ألا ندرك حتى لله شكلاً، لأن جميع شكل محدود، أوله أجزاء، أوله مكان ما هنا أوهناك، "لأن أي شيء له مكان، لا بد حتىقد يكون مقيداً محدوداً"، أوأنه يتحرك أويظل في مكانه، لأن هذا مكانه، لأن هذا ينسب له مكان، كما يجب ألا نقول إلا عن طريق المجاز بأنه يمارس الحزن والندم والغضب والرحمة والحاجة والشهوة والأمل أوأية رغبة أخرى(46). وخلص هوبز إلى حتى "طبيعة الله خافية لا يمكن فهمها(47)" وقد لا يصفه هوبز بأنه روحي غير مادي، لأننا لا نستطيع حتى ندرك شيئاً بلا جسم، ويحتمل حتى جميع "روح" جسدية ولكن بشكل دقيق(48).

وبعد حتى حدد هوبز لكل من الدين والرب مكانه، عرض حتى يستخدمهما أداتين للحكومة ليكونا في خدمتها، ومن أجل هذا أورد سوابق ذوات شأن خطير. إن المؤسسين والمشرعين الأولين للدول بين "الأمميين (غير اليهود) الذين كانت غاياتهم الإبقاء على طاعة الناس وعلى السلام، عنوا في جميع مكان:

أولاً: بأن يطبعوا في أذهان الناس حتى تلك التعاليم التي اتىوا به بها فيما يتعلق بالدين، لا يجوز الظن بأنها اتىت من عندياتهم، بل أنها اتىت بأمر من بعض الآلهة أوالأرواح، وإلا كانوا (المؤسسون والمشرعون من الطبيعة أسمى وأرقى من مجرد بشر معرضين للفناء، حتى يمكن تقبل قوانينهم في كثير من اليسر. إلى غير ذلك زعم "نوما پومپليوس" (ثاني ملوك روما) أنه تلقى الطقوس التي أقامها بين الرومان من الحورية إگريا، كما زعم مؤسس پيرووأول ملوكها أنه وزوجته من أبناء الشمس.

ثانياً: حتى يشيعوا الاعتقاد بأن الأمور التي تغضب الآلهة هي نفسها الأمور التي حرمها القانون(49). ولكيلا يستنتج أحد حتى موسى أستخدم وسائل شبيهة بهذه في نسبة شرائعه لله، يضيف هوبز، في نفور خاص من النار، حتى "الرب بنفسه، بوحي خارق، أقام الدين" بين اليهود.

ولكنه يشعر بأنه على حق، بالأمثلة التاريخية، في حتى يوصي بأن يصبح الدين أداة للحكومة، وبناء على هذا الغرض يفرض الملك مبادئ الدين وتعاليمه. وإذا كانت الكنيسة مستقلة فإنهقد يكون هناك ملكان، ومن ثم لاقد يكون ملك أبداً، وتكون الرعية موزعة بين السيدين. إذا انتحلت السلطة الروحية حق الحكم بأن هذا أوتلك أثم، فإنها تنتحل، نتيجة لذلك، حق الحكم بأن هذا هوالقانون (لأن الإثم ليس إلا مخالفة القانون).... وإذا كانت هاتان السلطتان (الكنيسة والدولة) تناوئ الواحدة منهما الأخرى فإن الدولة تتعرض لخطر كبير هوخطر الحرب الأهلية والتمزق(50). وفي مثل هذا الصراعقد يكون للكنيسة اليد العليا "لأن أي إنسان وهوفي تام وعيه ورشده لا بد حتى يدين في جميع الأمور. بالطاعة المطلقة، للرجل الذي يعتقد حتى حكمه عليه سينجيه أويقضي عليه". وحين تثير السلطة الروحية نفوس الرعايا "بالخوف من العقاب أوالأمل في الثواب" من هذا النوع الخارق للطبيعة"، وتخنق تفكيرهم وتعطل عقولهم بالحدثات الغريبة القاسية، فلا بد أنها بذلك تسقط الشعب في حيرة، وأما حتى ترهق البلاد بالظلم والجور، وأما حتى تلقي بها في أتون حرب أهلية(51). ويرى هوبز حتى المخرج الوحيد من مثل هذا المأزق الحرج حتى تكون الكنيسة خاضعة للدولة. ولما كانت الكنيسة الكاثوليكية ترى في هذا رأياً آخر، فإن هوبز، في الجزء الرابع من "لواياثان" يهاجمها على أنها ألد وأقوى عدولفلسفته.

ثم يورد هوبز "نقداً أشد" للكتاب المقدس- يرتاب في تأليف موسى للأسفار الخمسة الأولى من التوراة، ويؤرخ "الأسفار التاريخية" في زمان متأخر عما هووارد في النواميس التقليدية. ويرى ألا تتطلب المسيحية من معتنقيها إلا الإيمان "بيسوع المسيح" أما بالنسبة لبقية أركان العقيدة، فيجدر بها حتى تجيز اختلاف الرأي بين الناي في نطاق الحدود الآمنة للنظام العام. ولمثل هذه العقيدة البسيطة المطهرة لا يوفر هوبز مجرد تأييد الحكومة فحسب. بل جميع قوة الدولة لنشرها ما وسعها الجهد. ويتفق مع البابا في حتىقد يكون للدولة دين واحد(52). ويشير على المواطنين بأن يتقبلوا لاهوت مليكهم دون تردد محرج، لأن هذا واجب أخلاقي، كما هوواجب الدولة. "لأن الحال بالنسبة لأسرار ديانتنا هي الحال بالنسبة للأقراص الصحية هند السقمى، إذا بلعت دفعة واحدة كان لها فضل الشفاء، أما إذا مضغت، فإنها في معظم الأحوال تلفظ ثانية ولاقد يكون لها أي تأثير(53)". وانتهى أشد هجوم شنه إنجليزي على المسيحية، بمسيحية قامت وكأنها قانون لا مفر منه لدولة استبدادية مطلقة.

اصطياد الدب

صفحة العنوان من كتاب لڤياثان

اتى في الفقرة الأخيرة من "لواياثان": "إلى غير ذلك أختم دون تحيز، حديثي عن الحكومة المدنية والدينية التي تضطرب بفوضى العصر الحاضر... وليس لي من هدف إلا حتى أضع تحت أنظار الناس العلاقة المتبادلة بين الحماية والطاعة".

ولم يتحقق الناس من عدم التحيز على نطاق واسع. فإن المهاجرين الذين تجمعوا حول تشارلز الثاني في فرنسا رحبوا بدفاع هوبز عن النظام الملكي، ولكنهم استنكروا ماديته على أنها حمق وطيش إذا لم تكن تجديفاً، وعراهم الأسى والأسف لما استنفد فيلسوفهم العنيد من صفحات في مهاجمة الكنيسة الكاثوليكية، على حين كانوا لفورهم يلتمسون العون من ملك كاثوليكي. أما رجال الدين الأنجليكان الذين كانوا بين اللاجئين إلى فرنسا من وجه البيوريتانيين المنتصرين، فقد تعالت صيحاتهم ضد الكتاب إلى حد حتى هوبز "أمر ألا يعود إلى بلاط تشارلز الثاني(54)". ولما ألفى هوبز أنه بات بلا صديق ولا صاحب، وبلا حماية في فرنسا، قرر حتى يتصالح مع كرومول ويعود إلى إنجلترا. وطبقاً لما رواه الأسقف بيرنت، أدخل هوبز بعض تعديلات على نصوص اللواياثان "إرضاء للجمهوريين(55)" وليس هذا مؤكداً، ولكن المؤكد، على أية حال، حتى نظرية الثورة غير ذات الأصل الشرعي، والتي بررها نجاحها، التأمت بشكل مبتور وكأنها ترقيع، مع نظرية الطاعة المطلقة لحاكم مطلق. إذا كتاب "العرض والنتيجة" النهائيتان الذي يظهر وكأنه تفسير متأخر اتى بعد أوانه، شرح الظروف التي يمكن فيها لمواطن كان يدين بالولاء لملك من قبل، حتى يخضع في الوقت المناسب، وفي لباقة، للنظام الجديد الذي كان قد أطاح بالملك. ونشر الكتاب في لندن في 1651 بينما كان هوبز في باريس. وفي آخر هذا العام، وسط شتاء قاس، عبر البحر إلى إنجلترا، حيث أوى إلى ملاذ طيب عند أرل ديفونشير الذي كان قد استسلم منذ أمد طويل لبرلمان الثورة. وأعرب هوبز ولاءه وخضوعه للحكم القائم، فلقي قبولاً، ومن ثم انتقل الفيلسوف إلى دار في لندن، مستعيناً بمعاش ضئيل أجراه عليه إرل دڤون‌شاير، "لأن الافتقار إلى حديث الفهم والفهماء كان أشد ما يضايق الفيلسوف في الريف(56)". وكان آنذاك في الثالثة والستين من العمر.

وشيئاً فشيئاً، حدثا عثر الكتاب قراء، تكاثر النقاد على المؤلف أسراباً. فإنبرى رجال الدين الواحد تلوالآخر للدفاع عن المسيحية، وتساءلوا: من هو"وحش مامزبري" الذي قام يتحدى أرسطووأكسفورد والبرلمان والله؟. وكان هوبز جباناً ولكنه مقاتل، وفي 1655 أثبت من حديث في "أصول الفلسفة" آراءه في المادية والحتمية. وفي كتاب "اصطياد اللواياثان (1658) نصب جون برامهول John Bramhall، أسقف دري العلامة، شراكه لهوبز وسدد الضربات إليه جديداً، ونطق أسقف آخر "أن هوبز لا يزال في الشرك(57)". واستمرت الهجمات في جميع عام تقريباً حتى قضى الفيلسوف نحبه. ولما اعتزل إرل كلارندون منصبه (وكان قاضي القضاة) تسلي في منفاه بنشر "رأى وعرض موجزان للأخطاء الخطيرة المؤذية في الكنيسة والدولة في كتاب مستر هوبز- لواياثان" (1676). وفي 322 صحيفة تابع تقنين المجلدات بشكل منتظم، وهويقرع الحجة بالحجة في نثر مشرق رفيع. وتحدث كلاوندون بوصفه رجلاً ذا خبرة طويلة في المناصب السياسية، وسخر من فلسفة هوبز على أنه رجل لم يسبق له حتى تقلد مناصب ذات مسئولية، حتى يلطف من نظرياته عن طريق الممارسة والتجربة، وتمنى لوحتى "مستر هوبز أتيح له حتى يتبوأ مقعداً في البرلمان أوفي المجلس، أوفي دور القضاء أوأية وحكمة أخرى، حيث كان يحتمل حتى يتبين حتى تأملاته في عزلته، مهما تكن عميقة، واتزانه المتعجرف الزائد عن الحد ببعض أفكار فلسفية، بل حتى ببعض قواعد الهندسة، نقول يتبين حتى هذا كله قد ضلله وحاد به عن جادة الصواب في بحثه في السياسة(58).

ولم تكن جميع الحملات على هذا النسق من الهدوء والاعتدال. وفي 1666 أمر مجلس العموم إحدى لجانه "بكتابة تقارير عن الخط التي تنزع إلى الإلحاد والتجديف وانتهاك حرمة المقدسات أوتتناول بالتعريض لسمة الله وصفاته. وبخاصة الكتاب الذي نشر باسم "هوايت" (قسيس كاثوليكي سابق إرتاب في خلود النفس)، وكتاب هوبز، "لواياثان(59)". يقول أوبري "كان هناك تقريراً (سليم يقيناً) بأن بعض الأساقفة في البرلمان قدموا اقتراحاً بإحراق الرجل الطيب العجوز بجريمة الهرطقة(60)". وأعدم هوبز جميع ما كان يمكن حتى يورطه أويدينه بعد ذلك من أبحاثه التي لم تنشر، ثم خط ثلاث محاورات حاول فيها حتى يبرهن بأسلوب العالم المتفقة على حتى أية محكمة في إنجلترا لا تستطيع حتى تحاكمه بتهمة الهرطقة.

وهاك الملك الذي استعاد عرشه لإنقاذ الفيلسوف. ذلك حتى تشارلز الثاني بعد وصوله إلى لندن بزمن قصير، رأى هوبز في الشارع، وعهد فيه مفهمه السابق، ورحب به في البلاط. وكان بلاط عودة الملكية ينزع بالعمل إلى شيء من التشكك الديني ويدافع عن الملكية المطلقة، ومن ثم عثر في فلسفة هوبز بعض العناصر التي تتسار مع الأفكار السائدة في هذا البلاط. ولكن رأسه الأصلع وشعره الأشيب وزيه الشبيه بزي البيوريتان، جميع أولئك منادىة للسخرية. وأطلق عليه الملك تشارلز نفسه اسم الدب، وحدثا اقترب منه نطق: "ها قد اتى الدب لنقدم له الطعم ونغويه(61)". ومع ذلك استساغ الملك إجاباته البارعة وسرعة بديهيته، وأمر برسم صورة للفيلسوف العجوز، وتعليقها في حجراته الخاصة، وخصص له معاشاً سنوياً قدره مائة جنيه، ولم يكن الراتب يدفع بانتظام، ولكنه مع ذلك، بالإضافة إلى خمسين جنيهاً أخرى في السنة من أسرى كافندش، كان كافياً لسد حاجيات الفيلسوف البسيطة.

آخر العمر

ويصفه أوبري بأنه كان عليلاً في شبابه، موفور الصحة نشيطاً في شيخوخته، ومارس لعب التنس حتى بلغ الخامسة والسبعين. فإذا لم يتيسر ملعب التنس، عمد إلى المشي لفترة طويلة في خفة وسرعة، حتى "يتصبب منه العرق، وعندئذ ينقد الخادم بعض النقود لتدليكه". وكان معتدلاً في أكله وشربه، وامتنع عن أكل اللحم وشرب الخمر بعد السبعين. وكان يفاخر بأنه "كان قد أفرط في حياته مائة مرة" ولكن أوبري حسب حتى هذا الإفراط لم يحدث لأكثر من مرة في جميع عام، ولذلك لم يكن شيئاً فظيعاً. ولم يتزوج الفيلسوف قط، ولكن يظهر أنه كان له ابنة غير شرعية وفر لها سبل العيش الكريم بسخاء(62). وكان يقرأ قليلاً في سنيه الأخيرة، "وتعود حتى يقول أنه إذا كان قد قرأ قدر الآخرون لما عهد أكثر مما عهدوا". وفي الليل عندما كان يأوي إلى الفراش، والأبواب موصدة، وهوواثق حتى أحداً لا يسمعه، كان يغني بصوت عال (لا لأن صوته رخيم ولكن من أجل صحته)، حيث أعتقد بأن الغناء يفيد رئتيه ويؤدي إلى إطالة العمر(63). ومهما يكن من أمر، فإنه أصيب منذ 1650 بشلل ارتجافي في يديه، واشتدت به هذه العلة حتى كادت كتابته في 1666 حتى تكون غير مقروءة.

وعلى الرغم من هذا استمر هوبز يخط. وتحول من الفلسفة إلى الرياضيات، وهنا انزلق في غير ما حرص ولا حذر، إلى خلاف من عالم خبير هوجون واليس الذي انتقص من قيمة انادىء الرجل العجوز بأنه كشف تربيع الدائرة. وفي 1670، وهوفي الثانية بعد الثمانين نشر كتابه "بهيموث" وهوتعبير عن تاريخ الحرب الأهلية في إنجلترا، كما خط عدة ردود على ناقديه، وترجم إلى اللاتينية كتابه "لواياثان" ترجمة رائعة. وفي 1675 خط سيرة حياته نظماً باللاتينية، كما نظم في نفس العام الإلياذة والأوديسة شعراً بالإنجليزية، حيث "لم أجد عملاً أؤديه أفضل من هذا".

وفي تلك السنة، حيث بلغ السابعة والثمانين، عاد من لندن إلى الريف حيث قضي أيام حياته في ضيعة آل كاڤندش في دربي‌شاير. وفي تلك الأثناء اشتد عليه الشلل، كما عانى من عسر البول. ولما انتقل أرل كافندش آنذاك من تساتسورت إلى هاردويك هول أصر هوبز على مرافقته. وثبت حتى الرحلة مرهقة، وبعدها بأسبوع انتشر الشلل في جسمه ولم يعد قادراً على الكلام. وفي أربعة ديسمبر 1679 فاضت روحه بعد حتى تناول الأسرار المقدسة، أنجليكانياً مخلصاً، وقد بلغ من العمر اثنين وتسعين عاماً إلا أربعة أشهر.

النتائج

كان فهم النفس الذي اتى به هوبز رائعة الاستنتاج من مقدمات غير وافية، وقد يظهر منطقياً لأول وهلة، ولكنه مفكك الأوصال مهلهل بما فيه من فروض غير دقيقة وبما صوب منها مزيد من التحقيق والتمحيص والحتمية منطقية، ولكن قد يحددها طراز منطقناً ويشكلها معالجتنا للأشياء لا الأفكار. ووجد هوبز مشقة في حتى يتصور حتى أي شيء غير مادي، ويبدوأنه من الصعب بنفس القدر الذي نتصور حتى الفكر والشعور ماديان، ومع ذلك فإن هذه هي الحقائق المعروفة لنا بطريق مباشر- وكل ما عداه فرضيات. وانتقل هوبز من الشيء المدرك بالحواس إلى الإحساس إلى الفكرة دون حتى يلقي ضوءاً كافياً أويوضح تماماً العملية الخفية التي يولد بها الشيء المادي ظاهرياً الفكر غير المادي ظاهرياً. إذا فهم النفس الميكانيكي يترنح أمام الوعي.

وعلى الرغم من ذلك فإنه في مجال فهم النفس أسهم هوبز أكثر ما أسهم في تراثنا. فقضي على "الأرواح" الميتافيزيقية مثل "الملكات" التي اتىت بها المذاهب السكولاسية (مذاهب العصور الوسطى) ولوحتى هذه يمكن على الفور تفسيرها، لا على أنها كيانات عقلية. بل مظاهر للنشاط العقلي. وأرسى قواعد المبادئ الأكثر وضوحاً في تداعي المعاني والخواطر، ولكنه انتقص من قيمة الفرض والانتباه في تحديد انتقاء الأفكار وتسلسلها وتشبثها. وأود وصفاً ناجحاً للتروي والاختيار. ولكن تحليله للانفعالات ودفاعه عنها خلاصة رائعة، ردت إلى سبينوزا الفضل الذي كانت مدينة به لديكارت. ويفضل أبحاث فهم النفس هذه، طور لوك كتابه الأكثر دقة وتفصيلاً "رسالة في العقل البشري". وفي الرد على هوبز، (لافلمر)، كان تطوير لوك لرسالته عن الحكومة.

وأعادت فلسفة هوبز السياسية صياغة ميكيافللي بلغة شارل الأول، ونبعث هذه الفلسفة من الاستبدادية المطلقة الموفقة التي انتهجها هنري الثامن وإليزابث في إنجلترا، وهنري الرابع وريشيليوفي فرنسا، كما أنه لا ريب في أنها استمدت بعض القوة من مخالطته لأصدقائه الأدواق والملكيين المهاجرين. ومن حيث الأثر المباشر بدا حتى لهذه الفلسفة ما يبررها، في العودة السعيدة لملك من آل ستيوارت ما زال يدعى ويطالب بسلطان مطلق غير محدود، وينهي فترة من الفوضى المدمرة. ولكن بعض الإنجليز النابهين أحسوا بأنه إذا كانت موافق الهمجيين "القذرين المتوحشين" كافية لإقامة حكومة، فإنه موافقة الناس، وهم في حالة يفترض أنها أكثر تقدماً ورقياً، قد يحدث من شانها حتى تكبح جماح هذه الحكومة أوتطيح بها. إلى غير ذلك نجد في الثورة الجليلة 1688 حتى فلسفة الحكم الاستبدادي المطلق سقطت أمام إعادة البرلمان توكيد سيادته، وسرعان ما حل مكانها تحررية "ليبرالية" لوك التي تدعوإلى تحديد السلطات والفصل بينها. وبعد ديمقراطية القرن التاسع عشر النسبية، التي نمت في إنجلترا التي يحرسها القنال، وفي أمريكا التي تحميها البحار، عادت استبدادية مطلقة معدلة في دول دكتاتورية تمارس رقابة حكومية على الحياة والممتلكات والصناعة والدين والتعليم والمطبوعات والفكر. وتخطت الاختراعات الجبال والخنادق، واختفت الحدود، وتلاشت العزلة القومية والأمن القومي. إذا نظام الحكم المطلق ابن الحرب، والديمقراطية ترف السلم.

ولسنا ندري هل كان "لحالة الطبيعة" التي نطق بها هوبز، وجود يوماً ما، فربما كان النظام الاجتماعي سابقاً للإنسان، فالقبيلة سبقت الدولة، والعهد أقدم وأوسع وأعمق من القانون. والأسرة هي أساس بيولوجي لا يثار ينمي الذات (الأنا) وولاداتها. وربما أصبح "فهم الأخلاق" الذي اتى به هوبز أكثر ملائمة لوأنه عمد إلى تنشئة أسرة، أما حتى يهجر للدولة تحديد الأخلاقيات (ولوحتى هذا انتقل إلى النظم الدكتاتورية) فمعناه تدخير إحدى القوى التي تعمل على تحسين الدولة والأخذ بيدها. إذا الحس الخلقي يوسع في بعض الحيان دائرة التعاون أوالإخلاص والحب الشديد، ثم يستحث القانون على توسيع مجال حمايته تبعاً لذلك. وفي المستقبل البعيد قد يتسنى لدولة حتى تكون مسيحية، كما كان الحال يوماً مع أشوكا الذي كان بوذياً. وبرز أقوى تأثير لفلسفة هوبز في "ماديته". وسرت "أفكار هوبز" من الجماعات المفكرة إلى طبقات المهنيين ورجال الأعمال. وفي هذا نطق بنتلي الغضوب 1693 "لقد زخرت بها الحانات والمقاهي بل وستمنسر هول (البرلمان) والكنائس ذاتها كذلك(64)". وتقبلها كثير من رجال الحكومة فيما بينهم وبين أنفسهم، ولكنهم في العلن حجبوها باحترام أبدوه للكنيسة الرسمية على أنها شكل مفيد للانضباط الاجتماعي لا يقوم على تدميره إلا الحمقى والأغبياء. وأثرت هذه الفلسفة المادية في فرنسا في تشكك بيل، وأتت عليها تطورات أشد جرأة عند لامتري ودي هولباخ وديدرو.

وكان بيل بعد هوبز من أعظم عباقرة القرن السابع عشر(65). ومهما أصاب من مدح أوقدح فقد اعترفوا بأنه أقوى فيلسوف أنجبنه إنجلترا منذ عهد بيكون، وأول إنجليزي يعرض بحثاً منهجياً أساسياً في النظرية السياسية. وإنا لندين له بفضل واضح، ذلك أنه صاغ فلسفته في ترتيب منطقي وف ينثر مشرق. وإننا إذ نقرأ هوبز وبيكون ولوك، أوفونتفل وبل وفلتير لندرك من حديث ما أنسانا الألمان إياه، من أنه ليس من الضروري حتىقد يكون الغموض هوالعلامة المميزة للفيلسوف، وأنه يجدر بكل فن حتى يتقبل الالتزام الأدبي والأخلاقي واضحاً أوخامداً.

ببليوگرافيا مختارة

  • 1629. Translation of Thucydides's History of the Peloponnesian War
  • 1650. The Elements of Law, Natural and Political, written in 1640 and comprising
    • Human Nature, or the Fundamental Elements of Policie
    • De Corpore Politico
  • 1651–8. Elementa philosophica
    • 1642. De Cive (Latin)
    • 1651. Philosophicall Rudiments concerning Government and Society (English translation of De Cive)
    • 1655. De Corpore (Latin)
    • 1656. De Corpore (English translation)
    • 1658. De Homine (Latin)
  • 1651. Leviathan, or the Matter, Forme, and Power of a Commonwealth, Ecclesiasticall and Civil. Online.
  • 1656. The Questions concerning Liberty, Necessity and Chance
  • 1668. Latin translation of the Leviathan
  • 1675. English translation of Homer's Iliad and Odyssey
  • 1681. Posthumously Behemoth, or The Long Parliament (written in 1668, unpublished at the request of the King)

في الثقافة الشعبية

  • Hobbes, the tiger in Bill Watterson's comic strip Calvin and Hobbes, was named after Thomas Hobbes, while his companion Calvin was named after the Reformation theologian John Calvin.

المصادر

العامة

  • Macpherson, C. B. (1962). The Political Theory of Possessive Individualism: Hobbes to Locke. Oxford: Oxford University Press.
  • Robinson, Dave & Groves, Judy (2003). Introducing Political Philosophy. Icon Books. ISBN 1-84046-450-X.
  • Strauss, Leo (1936). The Political Philosophy of Hobbes; Its Basis and Its Genesis. Oxford: Clarendon Press.
  • Strauss, Leo (1959). "On the Basis of Hobbes's Political Philosophy," in What Is Political Philosophy?, Glencoe, IL: The Free Press, chap. 7.
  • Tönnies, Ferdinand (1925). Hobbes. Leben und Lehre, Stuttgart: Frommann, 3rd ed.
  • Shapin, Steven and Shaffer, Simon (1995). Leviathan and the Air-Pump. Princeton: Princeton University Press.
  • Malcolm, Noel. 2002. Aspects of Hobbes. New York: Oxford University Press.
  • Skinner, Quentin. 1996. Reason and Rhetoric in the Philosophy of Hobbes's. Cambridge: Cambridge University Press.
  • World History: The Living Legend. (2004) Changes Throughout Modern Philosophy. Pearson & Hall.
  • Malcolm, Noel. 2007. Reason of State, Propaganda, and the Thirty Years' War: An Unknown Translation by Thomas Hobbes. Oxford University Press.

المتخصصة

  1. ^ "Calvin and Hobbes Trivia". Retrieved 2007-05-12.

Further Reading

  • A. P. Martinich, "Thomas Hobbes," The Dictionary of Literary Biography, Volume 281: British Rhetoricians and Logicians, 1500-1660, Second Series, Detroit: Gale, 2003, pp. 130-144.
  • A. P. Martinch, A Hobbes Dictionary, Oxford: Blackwell, 1995.
  • A. P. Martinch, Thomas Hobbes, New York: St. Martin's, 1997.
  • A. P. Martinch, The Two Gods of Leviathan: Thomas Hobbes on Religion and Politics. Cambridge: Cambridge University Press, 1992.
  • A. P. Martinch, Hobbes: A Biography, Cambridge: Cambridge University Press, 1999.
  • A. P. Martinich, trans., Computatio sive Logica: Part One of De Corpore, New York: Abaris, 1981.
  • A. P. Martinich, ed., Leviathan, Peterborough, Ontario: Broadview Press, 2002.

وصلات خارجية

  • أعمال من Thomas Hobbes في مشروع گوتنبرگ
  • Hobbes at the Internet Encyclopedia of Philosophy
  • Hobbes at The Philosophy pages
  • Hobbes at the History of Economic Thought website.
  • Hobbes Moral and Political Philosophy at the Stanford Encyclopedia of Philosophy
  • Brief biography at Oregon State University
    • A Brief Life of Thomas Hobbes, 1588–1679 by John Aubrey
  • Leviathan at The University of Adelaide
  • , available at Project Gutenberg.
  • The Iliad, as translated by Hobbes, at the Online Library of Liberty
  • A short biography of Thomas Hobbes
  • A more easily readable version of Leviathan
  • Hobbes's Translation of Thucydides


تاريخ النشر: 2020-06-04 20:46:17
التصنيفات: Articles with hCards, مواليد 1588, وفيات 1679, أشخاص من مالمزبري, فلاسفة القرن 17, كتاب إنگليز من القرن 17, أنگليكان إنگليز, فلاسفة حديثون مبكرون, فلاسفة إنگليز, فلاسفة سياسيون إنگليز, مغتربون إنگليز في فرنسا, وضعيون, ماديون, منظرون سياسيون, فلاسفة القانون, خريجو جامعة أكسفورد, توماس هبز, واقعيون سياسيون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عبدالرحيم كمال فى ضيافة «It’s Show time» على «cbc».. السبت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:35
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 68%

مصر ترحب بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:40
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

غدًا على dmc.. أنغام تحاور الفنان مدحت صالح في برنامجها

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:33
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 63%

إعدام 423 طن سلع غذائية فاسدة في السوق

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:27
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

«فاو»: تبنينا فكرة مؤتمر الشباب فى مصر دوليًا برعاية الأمم المتحدة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:02
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

طلب إحاطة لإعادة إحياء دور أكاديمية المعلمين: «تراجع كثيرًا»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:44
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

تأشيرة العمرة 2022 على تطبيق نسك الإلكتروني لحجز العمرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

خطأ تقنى.. لماذا فقد مستخدمو ورواد فيسبوك «الفولورز»؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:39
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

تشكيل مباراة برشلونة وإنتر ميلان المتوقع في دوري أبطال أوروبا اليوم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:16
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

سويسرا تفرض عقوبات جديدة ضد روسيا بسبب ضمها أراضي أوكرانية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:39
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 51%

الجونة يعلن قائمته للموسم الجديد قبل مواجهة الألومنيوم غدا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:15
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

آخر تطورات إصابة روديجر وموقفه من مباراة ريال مدريد وبرشلونة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:13
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

دراسة بحثية تكشف مخاطر تغير المناخ على الحياة البحرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:40
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 63%

ضبط 77 قطعة تنبيه صوتية وضوئية فى حملات مكبرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

إصابة شخصين فى انقلاب سيارة ميكروباص بطريق الإسكندرية مطروح

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:23
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 62%

أهالي مدينة بدر يشتكون من انتشار الثعابين السامة بالشوارع

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-12 15:21:30
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية