تيبريوس

عودة للموسوعة

تيبريوس

تيبريوس
Tiberius
إمبراطور روماني للإمبراطورية الرومانية

A bust of the Emperor Tiberius
العهد AD 14–37
سبقه أغسطس قيصر
تبعه كاليگولا
Born نوفمبر 16, 42 ق.م.
روما
Died 16 مارس 37 (age 78)
ميسنم، إيطاليا
Burial
ضريح أغسطس، روما
Wives
  • 1) ڤسبانيا أجريبينا, 20 ق.م - 12 ق.م
  • 2) جوليا العظيمة, 11 ق.م. إلى 2 ق.م.
Issue من الأولى) يوليوس قيصر دروسوس
من الثانية) 1، توفي رضيعاً
Full name
تيبريوس قيصر أغسطس
(born Tiberius Claudius Nero)
الأسرة المالكة اليوليو-كلاودية
الأب تيبريوس نيرو
الأم ليڤيا
الديانة الوثنية الرومانية

تيبريوس قيصر أوتيبريوس قيصر أوغسطس، بالإنجليزية Tiberius ، هوالإمبراطور الروماني الثاني بعد قيام الإمبراطورية الرومانية وكان والده هوالإمبراطور أغسطس قيصر بالتبني. تيبريوس هوأحد رجال روما العظماء من الذين أسسوا وحموا الحدود الشمالية للإمبراطورية الرومانية. ولكنه إشتهر بالعنف والقسوة في حكمه.

إذا هبط الفهماء من عليائهم إلى ميدان العواطف زاد الفهم ولعا بهم؛ أما إذا كانت العواطف هي المسيطرة على السياسة تصدعت أركان الإمبراطوريات وزلزلت نادىئمها. وكان اختيار أغسطس لتيبيريوس اختياراً حكيماً، ولكنه اتى بعد فوات الفرصة. ولما كان تيبريوس يعمل على إنقاذ الإمبراطورية بصبره وحسن قيادته أوشك الإمبراطور حتى يحبه، فقد اتى في ختام إحدى الرسائل التي وجهت إليه: "وداعاً يا أحب الناس إليّ... ويا أشجع الرجال، ويا أعظم القواد إخلاصاً وأحياهم ضميراً"(1). ولكن عاطفة الجوار وقرب الدار أعمت أغسطس كما أعمت من بعده أورليوس، فنأى بجانبه عن تيبيريوس وقرب إليه أحفاده الصغار، واضطره إلى التخلي عن زواج سعيد موافق ليكون ديوث يوليا، وغضب منه حين لم يرض عن سلوكها، وهجره يبلغ سن الشيخوخة وهو يفهم الفلسفة في رودس. ولما تولي تيبيريوس رياسة الدولة في آخر الأمر كان قد بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وكره المجتمع، ولم يعد يرى في السلطان سعادة.

النشأة

ولد تيبريوس قيصر أغسطس في روما بتاريخ 16 نوفمبر سنة 42 ق.م. وكان والده تيبريوس نيروووالدته ليڤيا درسيلا. في سنة 39 ق.م طلقت والدته من والده الحقيقي وتزوجت من الإمبراطور أغسطس قيصر.

The younger Emperor Tiberius. Bust from the Louvre, Paris.

وإذا شئنا حتى نفهمه على حقيقته وجب علينا حتى نذكر أنه من آل كلوديوس وأنه كان أول الفرع الكلودي من الأسرة اليوليوسية الكلودية التي كان آخرها نيرون. وقد ورث عن أبويه أنبل دم في إيطاليا، وأضيق أهلها أفقاً، وأقواهم إرادة. وكان طويل القامة شديد البأس، حلوالملامح، ولكن حب الشباب ضاعف من حيائه، وسماجة طباعه، وإحجامه وحبه للعزلة(2). ويمثل رأسه الجميل المحفوظ في متحف بسطن في صورة قس شاب عريض الجبهة، واسع العينين غائرهما، ذي وجه يشير على الحزن وعميق التفكير، وقد بلغ من جده ووقاره في شبابه حتى أطلق عليه بعض المجان اسم "الرجل العجوز". وقد أخذ من التربية جميع ما يستطيع حتى يأخذه عن الرومان واليونان والبيئة والتبعة، وأتقن اللغتين اليونانية والرومانية وآدابهما، وخط الأغاني الشعرية، ودرس التنجيم و"غفل عن الآلهة"(3). وكان يحب أخاه الأصغر دروسس رغم أنه كان أحب منه إلى الشعب؛ وكان زوجاً مخلصاً وفياً لفسبانيا Vipsania مكرماً لأصدقائه إكراماً لمقد يكون يترددون معه في حتى يهدوا إليه الهدايا وينتظروا منه حتى يهدي إليهم أربعة أمثالها. وكان أقسى قواد زمانه وأقدرهم، فنال بذلك إعجاب جنوده وتعلقهم به، لأنه كان يعني بكل شؤونهم مهما صغرت، ولأن كان يكسب المعارك بفنه أكثر مما يكسبها من دماء جنده.

ولكن فضائله هي التي قضت عليه، فقد كان يصدق القصص التي تروى عن أعمال أسلافه، وكان يتوق إلى صرامة الرومان الأقدمين تعود إلى المدنية الجديدة، وارتاح إلى إصلاحات أغسطس الأخلاقية، ولم يخف قط عزمه على تطبيقها طوعاً أوكرهاً. ولك يكن يحب ذلك الخليط من الأجناس الذي كان يغلي في بوتقة رومة، فقدم إليهم الخبز ولكنه لم يقدم إليهم الألعاب، وأغضبهم بامتناعه عن حضور ما كان يقدمه إليهم منها أثرياء المدينة. وكان قوي الاعتقاد بأن رومة لا ينجيها مما تردت فيه من الانحطاط إلا طبقة من الأشراف الصلاب ذوي الخلق القويم والذوق الجميل. ولكن الأشراف والعامة على السواء لم يطيقوا صلابة عوده، وصرامة وجهه، وصمته الطويل، وحديثه البطيء، وما يظهر عليه من فهم بتفوقه، وفوق هذا كله اقتصاده الشديد في أموال الدولة. فهووالحالة هذه رواقي ولد خطأ في عصر أبيقوري. وقد حالت أمانته الصارمة بينه وبين تفهم فن سنكا، فن الدعوة إلى عقيدة بلغة مزينة جميلة، وإتباع عقيدة أخرى والمثابرة عليها بتجمل وكياسة.


الحياة السياسية

أطلال ڤيلا جوڤيس في كاپري، حيث أمضى تيبريوس معظم سنواته الأخيرة، تاركا السيطرة على الامبراطورية في يدي المحافظ لوكيوس أيليوس سجانوس.

وظهر تيبيريوس أمام مجلس الشيوخ بعد أربعة أسابيع من وفاة أغسطس، وطلب إليه حتى يقرر إعادة الجمهورية، ونطق للأعضاء إنه لا يصلح لحكم تلك الدولة المترامية الأطراف، "وإن خير طريقة لإدارة أعمال المصالح المتنوعة التي تشرف على الشؤون العامة في مدينة احتوت هذا العدد الجم من الرجال النابهين ذوي الأخلاق العالية... حتى يتولاها جماعة مؤتلفون من خير المواطنية وأعظمهم كفاية"(4). ولم يجرؤ أعضاء المجلس على حتى يصدقوا ما يقوله لهم، فحيوه كما حياهم بطأطأة رؤوسهم، وما زالوا به حتى قبل حتى يتولى السلطة التي نطق عنها "إنها استرقاق مبهظ مذل" على أمل حتى يسمح له المجلس في يوم من الأيام حتى يعتزلها ليحيا حياته الخاصة متمتعاً بالحرية(5). إلى غير ذلك مثلت الرواية من كلا الجانبين أحسن تمثيل. وما من شك في حتى تيبريوس كان يريد حتى يتولى الزعامة وإلا لوجد سبيلاً إلى الفرار منها، وأن مجلس الشيوخ كان يخشاه ويبغضه، ولكنه كانت ترهب عودة جمهورية تقوم، كما كانت تقوم الجمهورية القديمة، على جمعيات تعد من الوجهة النظرية مصدر السلطات جميعها، وكان يرغب في نظام أقل دمقراطية من هذا النظام السالف الذكر لا أكثر منه. ولشد ما ابتهج حين أقنعه تيبريوس (14 م) حتى يأخذ من الجمعية المئوية حق اختيار الموظفين العموميين. وشكا المواطنون من هذا الانقلاب بعض الوقت وكان سبب شكواهم أنهم خسروا الأموال التي كانت تبتاع بها أصواتهم، وأضحى جميع ما بقي بعدئذ من السلطة لعامة الناس هوسلطة الاختيار الإمبراطور بقتل سلفه. ذلك حتى الدمقراطية بعد تيبريوس قد انتقلت من الجمعيات إلى الجيش، وكانت أداة الانتخاب هي حد السيف.

وراثة عرش الإمبراطورية

Publius Cornelius Tacitus.
The tribute penny mentioned in the Bible is commonly believed to be a Roman denarius depicting Tiberius.

ويلوح أنه كان يبغض الملكية بغضاً حقاً خالياً من الرياء، وأنه كان يعد نفسه رأى مجلس الشيوخ الإداري وذراعه المنفذة، ولذلك رفض من الألقاب جميع ما تشتم منه رائحة الملكية وقنع بلقب "زعيم الشيوخ" Princeps Senatus، وقضى على جميع محاولة ترمي إلى تأليهه، أوعبادة روحه، وأظهر كرهه للملق. ولما أراد مجلس الشيوخ حتى يسمي أحد الأشهر باسمه، كما سمي من قبل شهرين باسم قيصر وأغسطس، رد هذه التحية رداً ينطوي على الفكاهة فنطق: "وماذا تعملون إذا عثر لديكم ثلاثة عشر قيصراً؟" . ورفض اقتراحاً يطلب إليه حتى يعيد النظر فيمن يختارون لعضوية مجلس الشيوخ، ونطق إنه لا شيء مطلقاً يفوق احترامه لهذه الجمعية القديمة "جمعية الملوك". وكان يحضر اجتماعات المجلس، ويحيل إليه "حتى أصغر الأمور ليحكم فيها"، ويجلس فيه ويتحدث كأنه عضوعادي لا أكثر، وكثيراً ما كان يقترع مع الأقلية، ولم يحتج يوماً من الأيام إذا وافق المجلس على قرارات تتعارض مع رغبته التي أبداها جهرة(7). و"كان منطوياً على نفسه، صبوراً". على حد قول ستونيوس "إذا ما وجهت إليه وإلى أسرته الشتائم والافتراءات والمطاعن". وكان يقول في ذلك "إن البلد الحر يجب حتى تطلق فيه حرية القول والفكر"(8). ويعترف تاستس وهومن المعادين له حتى ترشيحاته "كانت تصدر عن حكمة، وأن من كان يرشحهم من القناصل والبريتورين كانوا يتصفون بصفات الشرف والكمال القديمة الخليقة بمناصبهم. وكان من يلونهم من الموظفين يمارسون سلطات مناصبهم بعيدين عن تدخل الإمبراطور. وكانت القوانين إذا استثنينا ما يختص منها باغتصاب الملك تجري في مجراها الطبيعي... وكانت أعمال الإيرادات العامة يصرفها رجال امتازوا بالاستقامة والنزاهة... ولم تفرض على أهل الولايات أعباء جديدة، وكانت الضرائب القديمة تجبى في غير عنف أوقسوة... وساد النظام بين عبيده... وكانت دور العدالة مفتحة الأبواب لتفصل في جميع نزاع يقع بين الإمبراطور وأفراد الشعب، وكان القانون وحده هوالفيصل في هذا النزاع"(9).

ودام هذا الحكم الصالح، حكم تيبريوس، تسع سنين، استمتعت فيها رومة وإيطاليا والولايات بحكومة صالحة لم تر خيراً منها في تاريخها كله. وحسبنا حتى نذكر شاهداً على هذا حتى تيبريوس الذي عثر حين اعتلائه العرش في خزانة الدولة مائة مليون سسترس هجر فيها حين وفاته 2.700.000.000 دون حتى يفرض ضرائب جديدة، وعلى الرغم من هباته الكثيرة للأسر والمدن التي حلت بها الكوارث، وبالرغم من عنايته بإصلاح جميع المنشآت العامة وعدم اشتباكه في حروب تجر له المغانم، ورفضه جميع ما أراد حتى يوصي به إليه أشخاص لهم أبناء أوأقارب أدنون. ولم يدخر جهداً في العناية بجميع شؤون البلاد الداخلية والخارجية. وكان يخط للولاة الذين يريدون حتى يجبوا من الضرائب أكثر مما كان مفروضاً على ولايتهم يقول لهم: "لقد كان من واجب الراعي الصالح حتى يقص صوف غنمه لا حتى يجزها"(10). ولم يكن يعزوإلى نفسه مجد الظفر في ميدان القتال وإن كان من القادة المحنكين، وقد بسط لواء السلام على الإمبراطورية واحتفظ به بعد السنة الثالثة من حكمه.

وكانت سياسة السلام هذه هي التي حالت بينه وبين ما كان يبغيه من تقدم في عهده. ذلك حتى جرمنكوس ابن أخيه، وهوالشاب الوسيم الذي تبناه بعد موت دروسس، كسب بعض المعارك في ألمانيا ورغب حتى يواصل الزحف عليها ليفتحها. وكان من رأي تيبيريوس عدم التورط في هذا الفتح، فأغضب بذلك الشعب ذا النزعة الاستعمارية. وإذ كان جرمنكوس حفيد ماركس أنطونيوس فإن الذين كانوا لا يزالون يحلمون بإعادة الجمهورية قد اتخذوه رمزاً لقضيتهم، فلما حتى نقله تيبيريوس إلى بلاد الشرق عد نصف أهل رومة هذا القائد الشاب شهيداً لحسب الزعيم، ولما حتى فاجأ جرمنكوس السقم ومات ظنت رومة كلها حتى الإمبراطور قد أمر بأن يدس له السم في الطعام(19)، واتهم بهذه الجريمة أكنيوس بيزوأحد الموظفين المعينين من قِبَل تيبيريوس في آسية الصغرى. وحاكمه مجلس الشيوخ، وأيقن الرجل حتى مجلس الشيوخ سيدينه فانتحر لكي يحتفظ بأملاكه لأسرته. ولم تكشف المحاكمة عن شواهد تدل على ارتكاب تيبريوس لهذه الجناية أوتثبت براءته منها، وكل ما نعهده أنه طلب إلى مجلس الشيوخ حتى يمكن بيزومن حتى يحاكم محاكمة عادلة، وأن أنطونيا أم جرمنكوس ظلت إلى آخر أيام حياتها أخلص أصدقاء تيبيريوس(11).

واضطر تيبريوس أمام تدخل الجمهور الثائر المهتاج في هذه القضية المشهورة، والقصص البذيئة التي كانت تذاع عن الإمبراطور، ودسائس أجربينا أرملة جرمنكوس وإثارتها الناس عليه، اضطر تيبيريوس أما هذا كله حتى يلجأ إلى قانون الخيانة العظمى الذي أصدره قيصر والذي ينص على الجرائم التي ترتكب ضد الدولة. وإذا لم يكن لرومة مدع عمومي أونائب عمومي، ولم يكن لها (قبل أغسطس) شرطة، فقد كان من حق جميع مواطن ومن واجبه حتى يوجه التهمة أما المحاكم لكل إنسان يعهد أنه خرق القانون، فإذا أدين المتهم كوفئ المخبّر أوالمبّلغ بربع أملاك المحكوم عليه وصادرت الدولة بقية أملاكه. واستعان أغسطس بهذا الإجراء الخطير لإرغام الناس على إطاعة قوانينه الخاصة بالزواج. والآن وقد انتشرت المؤامرات ضد تيبيريوس فقد كثر المخبرون الذين رأوا حتى يستفيدوا بالتبليغ عنها، وكان أنصار الزعيم من الشيوخ على أتم استعداد للسير في محاكمة المتآمرين بمنتهى الصرامة، وحاول الإمبراطور حتى يمنعهم، ونفّذ القانون تطبيقاً صارماً في حالة الذين اتهموا بتسوئ ذكرى أغسطس أوتدنيس تماثيله؛ أما "الأشخاص الذين كانوا يوجهون التهم له فقد حرم حتى يسقط عليهم عقاب ما" كما يقول تاستس. وأكد لمجلس الشيوخ حتى والدته ليفيا ترغب منهم هذه المعاملة الرحيمة لمن يعتدون على سمعتها الطيبة(12).

وأضحت ليفيا نفسها في ذلك الوقت إحدى المشكلات الكبرى في الدولة. ذلك حتى عجز تيبيريوس عن الزواج قد هجره وليس له من يحميهِ من امرأة ذات عقلية جبارة اعتادت حتىقد يكون لها عليهِ. وكانت تشعر حتى تدبيرها هوالذي هيأ له السبيل لاعتلاء العرش، وأفهمته أنه إنما يتولاه بوصفه ممثلاً لها لا أكثر(13). وكانت رسائله الرسمية في سني حكمه الأولى تحمل توقيعه وتوقيعها معاً، وإن كان وقتئذ قد قارب الستين من عمره، "ولكنها لم تقنع بأن تكون مساوية له في شؤون الحكم" كما يقول ديو"بل أرادت إذا تفرض سيادتها عليه...وشرعت تصرف الأمور جميعها هي وحدها الحاكمة"(14). وصبر تيبيريوس على هذا الحال صبر الكرام ولكن ليفيا عاشت بعد أغسطس خمسة عشر عاماً، فشاد تيبيريوس لنفسهِ قصراً خاصاً، وهجر أمه لا ينازعها منازع في امتلاكها القصر الذي شيده أغسطس. وراحت ألسنة السوء تتهمه بقسوة عليها، وبأنه أمات زوجته المنفية من الجوع. وكانت أجريتينا في أثناء ذلك تدفع ابنها بيرون ليخلف تيبيريوس على العرش أوليغتصبه منه إذا أمكن(15). وتحمل أيضاً على مضض، وكل ما عمله حتى أنبها على عملتها بعبارة مقتبسة من اللغة اليونانية: "هل تظنين يا ابنتي العزيزة أنك تظلمين إذا لم تكوني إمبراطورة؟" وكان أصعب شيء على نفسهِ حتى يعهد حتى وحيده دروسس الذي رزقه من زجته الأولى كان فتى رقيعاً، دنيئاً، قاسياً، فاسد الأخلاق، شهوانياً، فاجراً.

كان هذا الكبت الذي فرضه تيبيريوس على نفسهِ، وصبره على هذه المحن، سبباً في إثارة أعصابه وضيق صدره، فأخذ يزداد انطواءً على نفسهِ، وبدت على وجهه الكآبة، وفي حديثه الصرامة، مما نفر منه الناس جميعاً، وأبعدهم عنه، اللهم إلا أصدقاءه الذين يرجون له الخير، وكان ثمة رجل واحد بدا أنه أكثر الناس وفاء له، ذلك هولوسيوس إيليوس سجانوس Lucius Aelius Sejanus.

وأثرت في تيبيريوس خيبته وحزنه، وأضحى رجلاً حزيناً فريداً في السابعة والستين من عمره، فغادر العاصمة الهائجة المحمومة وآواى إلى كابري حيث عاش عيشة العزلة بعيداً عن سائر الناس. ولكن ألسنة السوء لم تنبتر عن الاستطالة فيه، ولم يعقها عائق عن حتى تتبعه في عزلتهِ، فنطق بعضهم إنه يريد حتى يخفي عن أعين الناس جسمه الهزيل ووجهه الخنازيري ، ويطلق العنان لشهواته ورذائله غير الطبيعية(16). ولا شك في حتى تيبيريوس كان كثير الشرب، ولكنه لم يكن سكيراً، أما سيرة رذائله فأكبر الظن أنها افتراء عليه(17)، ويقول تاستس إذا معظم من كانوا حوله من الأصدقاء في كابري كانوا من اليونان الذين لا يمتازون بشيء إلا الأدب"(18). وظل هوفي عزلته يصرف شؤون الإمبراطورية تصريفاً حازماً حكيماً، إلا أنه كان يبلغ آراءه ورغباته إلى الموظفين وإلى مجلس الشيوخ على لسان سيجانوس Sejanus. وإذ كان المجلس يخشاه خشية متزايدة، أويخشى سجانوس أوالحرس العسكري فقد كان يقبل رغبات الإمبراطور، ويرى أنها أوامر واجبة الطاعة. وبذلك استحالت الزعامة إلى ملكية تحت سلطان الرجل الذي عرض حتى يعيد الجمهورية، ومن غير حتى يحدث أي تغيير في دستور البلاد، ومن غير حتى يظهر من تيبيريوس نفسه أي مرشد واضح على عدم الإخلاص.

Roman aureus depicting Tiberius, with Livia as Pax shown on the reverse. Struck in AD 36.

وانتهز سجانوس الفرصة التي أتيحت له فنفى عدداً كبيراً من أعدائه بعد اتهامه إياهم بتهم ينطبق عليها "قانون الخيانة" أو"قانون الجلالة" حسب اسمه اللاتيني، ولم يتدخل الإمبراطور المتعب في هذا الأمر. وإذ كان لنا حتى نصدقه يقوله سوتنيوس فإن تيبيريوس نفسه قد ارتكب كثيراً من أعمال القسوة(91)، ويقول تاستس-وهوممن لا يعتمد على أقوالهم-إنه طلب تطبيق عقوبة الإعدام في ببيوس سبيتوس Poppaeus Sabinus بحجة حتى عيونه قد سمعوه وهويأتمر بالحكومة(20). وماتت ليفيا بعد سنة من ذلك الوقت (27)، حزينة وحيدة في بيت زوجها السابق؛ ولم يحضر تيبيريوس جنازتها، ولم يكن قد رآها بعد حتى غادر رومة إلا مرة واحدة. وتحرر سجانوس بموتها مما عساه حتى تفرضه عليه "أم بلادها" من قيود، فأقنع تيبيريوس بأن أجربينا وابنها نيرون كانت لهما يد في مؤامرة سبينوس، فنفيت الأم إلى بندتيربا Pandateria ونُفي الابن إلى جزيرة بنتيا Pontia حيث اغتال نفسه بعد ذلك بزمن وجيز.

تمثال ڤسبانيا أجريبينا الزوجة الأولى لتيبريوس قيصر
أطلال ڤيلا تيبريوس في سپرلونگا، المنتجع الروماني في منتصف الطريق بين روما وناپولي.

وإذ كان سجانوس قد كسب جميع شيء إلا عرش البلاد فقد أخذ يعمل جاهداً للوصول إليه. وكان قد أغضبه خطاب خطه تيبريوس إلى مجلس الشيوخ يرشح فيه جيوس ابن أجربينا ليكون زعيماً من بعده، فدبر مؤامرة لاغتيال الإمبراطور عام (31). ونجا الإمبراطور بفضل أنطونيا أم جرمنكوس إذ خاطرت بحياتها لتبعث إليه تحذره من الخطر الذي يتهدده؛ ولم يكن الزعيم الشيخ قد فقد عزيمته بعد فعُينَ في السر رئيساً جديداً للحرس، وأمر بالقبض على سجانوس، واتهمه بالخيانة أمام مجلس الشيوخ. ولم يكن هذا المجلس في يوم من الأيام أكثر استجابة لرغبات الأباطرة منه في هذه المرة، فقد أدان سجانوس من فورهِ، ونفذ فيه حكم الإعدام خنقاً في الليلة نفسها. وأعقبت ذلك فترة من حكم الإرهاب تولى قيادتها أحياناً شيوخ أضر سجانوس بمصالحهم، أوآذى أقاربهم أوأصدقاءهم، وأحياناً أخرى تولاها تيبيريوس نفسه. ودفعه الخوف والغضب، اللذان استولى عليهِ بعد حتى زال عن عينيه ما كان يغشاها من خداع، إلى سورة جنونية من الانتقام. وفي هذه الفترة اغتال جميع إنسان ذي خطر عاون سجانوس أوكانت لديه يد في تطبيق أغراضه، ولم تنج من القتل ابنته الصغيرة نفسها؛ وإذ كان القانون يحرم اغتال العذارى فقد فضت بكارتها قبل خنقها؛ وانتحرت مطلقته أبكاتا Apicata، ولكنها أوفدت قبل انتحارها خطاباً إلى تيبيريوس تبلغه فيهِ حتى لفلا Livilla ابنة أنطونيا قد اشهجرت مع سجانوس في تسميم زوجها دروسس ابن الإمبراطور، فما كان من تيبيريوس إلا حتى أمر بمحاكمة ليفلا، ولكنها امتنعت عن الطعام حتى ماتت. وبعد سنتين من ذلك الوقت (33) انتحرت أجربينا في منفاها كما امتنع عن الطعام ابن آخر من أبنائها، كان قد حكم عليه بالسجن، وظل ممتنعاً حتى مات.

وفاة تيبريوس، بريشة جان-پول لورن، تصور الامبراطور الروماني على وشك حتى يموت مختنقاً بالدخان، بأمر من نيڤيوس سوتوريوس ماكرو.

وعاش تيبيريوس ستة أعوام بعد سقوط سجانوس، وأكبر الظن أنه أصيب وقتئذ بخبال في عقله، وبغير هذا الافتراض لا نستطيع حتى يفسر ما يعزى إليه من أعمال القسوة التي لا يصدقها عقل. فنحن نسمع أنه كان في ذلك الوقت تهم الخيانة العظمى التي توجه إلى الناس بدل حتى يعارض فيها، كما كان يعمل من قبل، حتى بلغ مجموع مَن أدينوبتلك التهمة في حكمه ثلاثة وستين شخصاً، وتوسل إلى مجلس الشيوخ حتى يعمل على حماية "شيخ وحيد طاعن في السن". وفي عام 37 غادر كابري بعد تسع سنين من السجن الاختياري، وطاف ببعض مدن كمبانيا. وبينما كان يستريح في بيت لوكلس الخلوي في ميسنوم انتابته نوبة إغماء وخيل إلى من حوله أنه قضى نحبه. والتفّت بطانته من فورها حول جايوس الذي سيصبح في ظنها إمبراطوراً بعد قليل، ولكنهم روعوا حين رأوا تيبيريوس يفيق من نوبته. ثم أنجاهم من هذه الورطة صديق لهم جميعاً بأن كتم أنفاسه بوسادة (37)(21).

ويصفه ممسن Mommsen بقوله إنه كان "أقدر حاكم شهدته الإمبراطورية"(22). وقد حلت به في حياته جميع الكوارث التي يمكن حتى تحل بإنسان إلا القليل النادر منها، وحتى بعد وفاته لم ينج من قلم تاكيتوس.


انظر أيضا

  • الإمبراطورية الرومانية
  • قائمة الأباطرة الرومان

المصادر

  1. ^ http://www.st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/16_TAH/TAH_39.html
  2. ^ Pliny the Elder, Natural Histories XXVIII.5.23.
  3. ^ Suetonius, The Lives of Twelve Caesars, Life of Tiberius5

وصلات خارجية

  • "Tiberius (42 BC – 37 AD)" at the BBC
تيبريوس
الأسرة اليوليو-كلاودية
وُلِد: 16 نوفمبر 42 ق.م. توفي: 16 مارس 37 م
ألقاب ملكية
سبقه
قيصر الامبراطورية الرومانية
6 ق.م. – 1 م
تبعه
گايوس قيصر
سبقه
گايوس قيصر
قيصر الامبراطورية الرومانية
4 م – 14 م
تبعه
جرمانيكوس
سبقه
أغسطس
الامبراطور الروماني
14 م – 37 م
تبعه
كاليگولا
مناصب سياسية
سبقه
Marcus Licinius Crassus Dives
Gnaeus Cornelius Lentulus Augur
قنصل الامبراطورية الرومانية
13 ق.م.
مع: پوبليوس كوينكتيليوس ڤاروس
تبعه
Marcus Valerius Messalla Appianus
Quirinius
سبقه
Gaius Marcius Censorinus
Gaius Asinius Gallus
قنصل الامبراطورية الرومانية
7 ق.م.
مع: Gnaeus Calpurnius Piso
تبعه
دكيوس ليليوس بالبوس
Gaius Antistius Vetus
سبقه
Lucius Pomponius Flaccus
Gaius Caelius Rufus
قنصل الامبراطورية الرومانية
18 م
مع: جرمانيكوس
تبعه
Marcus Junius Silanus Torquatus
Lucius Norbanus Balbus
سبقه
Marcus Valerius Messalla Barbatus
Marcus Aurelius Cotta Maximus Messalinus
قنصل الامبراطورية الرومانية
21 م
مع: Drusus Julius Caesar
تبعه
Decimus Haterius Agrippa
Gaius Sulpicius Galba
سبقه
Marcus Vinicius
Lucius Cassius Longinus
قنصل الامبراطورية الرومانية
31 م
مع: Sejanus
تبعه
Gnaeus Domitius Ahenobarbus
Lucius Arruntius Camillus Scribonianus
مناصب عسكرية
سبقه
الجنرال الآمر في أرمنيا
20 ق.م. – 17 ق.م.
تبعه
سبقه
الجنرال الآمر في ريتيا
15 ق.م. – 13 ق.م.
تبعه
سبقه
الجنرال الآمر في جرمانيا
12 ق.م. –سبعة ق.م.
تبعه
سبقه
الجنرال الآمر في جرمانيا
4 م –ستة م
تبعه
سبقه
الجنرال الآمر في پانونيا
6 م –تسعة م
تبعه
سبقه
الجنرال الآمر في جرمانيا
10 م – 12 م
تبعه
معلومات عائلة
سبقه
أغسطس
رأس الأسرة اليوليو-كلاودية
14 م – 37 م
تبعه
كاليگولا

نطقب:Capri topics

تاريخ النشر: 2020-06-04 20:42:55
التصنيفات: Pages using deprecated image syntax, رومان القرن الأول ق.م., أباطرة رومان في القرن الأول, مواليد 42 ق.م., وفيات 37, Adult adoptees, التاريخ اليهودي القديم أثناء الامبراطورية الرومانية, أغسطس, كاپري، كامپانيا, Claudii, قناصل رومان امبراطوريون, Julii, الأسرة اليوليو-كلاودية, أشخاص في الأناجيل, متسابقون أولمپيون في العصر الروماني, مدفونون في ضريح أغسطس, تيبريوس, رومان, تاريخ إيطاليا, الإمبراطورية الرومانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

لماذا تأخر المغرب في الإعلان عن نتائج تحقيقات “تفجيرات السمارة”؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:13:08
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 72%

مسألة القيم.. الملك يوجه رسالة إلى أعضاء أكاديمية المملكة المغربية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:15:30
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

جامعة فاس.. افتتاح أشغال المؤتمر الدولي حول اللغات والفنون والثقافات

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:15:26
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

شوبير: تغييرات منتظرة داخل فريق الأهلي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:11:57
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 37%

رئيس نادي الهلال يفجر مفاجأة كبيرة بشأن رونالدو قبل قدومه للنصر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:10:00
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 98%

كيف أثر تحرير الكركرات على علاقات المغرب وموريتانيا؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:12:50
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 74%

إطلاق القمر الكوري الشمالي يفيد كييف

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:10:05
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 93%

أشبال شيبا يتعرفون على خصمهم في ربع نهائي مونديال الفتيان

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:12:55
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 73%

سوف يحققونها في الربيع: كُشفت خطة الولايات المتحدة في أوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:10:09
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 92%

الرئيس الجزائري يلعب ورقة الصحراء في استقباله لأردوغان

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:13:13
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 78%

الرئيس السيسى يودع العاهل الأردنى بعد عقدهما جلسة مباحثات

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:21:15
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

بنموسى يلجأ إلى الدعم التربوي “عن بعد” وسط إضرابات الأساتذة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:13:01
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 71%

بعثة ميدياما الغاني تتجه إلى القاهرة لمواجهة الأهلي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:11:54
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 47%

ولي العهد يترأس نشاطا بالرباط

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:13:25
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 71%

الوزير بنموسى يكلف أضرضور بمهمة "المعفى" بنزرهوني

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:15:34
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

قبل "ديربي" الشمال.. لاعبو اتحاد طنجة يخوضون إضرابا عن التداريب

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:15:36
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

الاقتطاع من أجور الأساتذة يثير الجدل وزيادة احتقان تلوح في الأفق

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:13:36
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 74%

نابولي يتابع لاعبا بالمنتخب المغربي قبل "كان" الكوت ديفوار

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:15:25
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

الرئيس الأمريكي نشر مقالا عن برنامج إدارته حول أوكرانيا وفلسطين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-22 15:10:08
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 90%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية