جان جولي إليونور ده لسپيناس

عودة للموسوعة

جان جولي إليونور ده لسپيناس

جولي ده لسپيناس

جان جولي إليونور ده لسپيناس Jeanne Julie Éléonore de Lespinasse (عاشتتسعة نوفمبر 1732 – 23 مايو1776) امتلكت صالوناً بارزاً في فرنسا.

اختارت جولي لمسكنها الجديد بيتاً ذا طوابق ثلاث عند ملتقى شارع بلشاش بشارع سان-دومينيك، ولم يكن يبعد غير مائة ياردة من بيت المركيزة الديري ولم تبلغ معاناتها مبلغ الإملاق، فقد تلقيت بالإضافة إلى عدة معاشات صغيرة، معاشين مقدارهما 2.600 جنيه من "دخل الملك (1758 و1763)، بناء على إلحاح شوازيل فيما يبدو، ثم إذا مدام جوفران وهبتها بناء على اقتراح دالامبير راتبين سنويين منفصلين مقدارهما ألفا جنيه وألف كروان. وأعطتها المرشالة دلكسمبورج طقماً كاملاً من الأثاث.

وما إذا استقرت جولي في مسكنها الجديد حتى أصيبت بالجدري إصابة شديدة. خط ديفد هيوم إلى مدام دبوفليه يقول "أن الآنسة دليسبيناس مريضة سقماً خطراً، ويسرني حتى دالامبير نس فلسفته في لحظة كهذه"(108) والواقع حتى الفيلسوف كان يمشي مسافة طويلة جميع صباح ليقوم على خدمتها إلى جوار فراشها حتى ساعة متأخرة من الليل، ثم يعود إلى حجرته في بيت مدام روسو. وتماثلت جولي للشفاء، ولكنها باتت ضعيفة عصبية باستمرار وغلظت بشرتها وشابتها الندوب. وفي وسعنا حتى نتصور ما يعنيه هذا لامرأة لم تجاوز الثانية والثلاثين ولم تتزوج بعد.

وقد شفيت في الوقت المناسب لتعنى بدالامبير الذي لزم فراشه في ربيع 1765 إثر ألم في معدته أشرف به على الهلاك. وراع مارمونتيل حتى يراه ساكناً "حجرة صغيرة سيئة الإضاءة، سيئة التهوية، تحوي سريراً ضيقاً جداً كأنه النعش.(109) وعرض صديق آخر هوالمالي قاتلية على دالامبير حتى يستعمل بيتاً فسيحاً قرب التامبل. وارتضى الفيلسوف الآن في أسف حتى يهجر المرأة التي آوته وأطعمته منذ طفولته. ونطق دكلوفي دهشة "يا لليوم المدهش! لقد فطم دالامبير!" وكانت جولي تبتر الرحلة جميع يوم إلى مسكنه الجديد وترد له رعايته الأخيرة لها بإخلاصها الفياض. فلما نقه إلى حد يتيح له التحرك رجته حتى يشغل بعض الحجرات في الطابق الأعلى من بيتها، فمضى في خريف 1765، ودفع لها إيجاراً معتدلاً. ولم ينسَ مدام روسو، فكان يزورها كثيراً، ويقتسم معها بعض إيراده، ولا يكف عن الاعتذار عن انفصالهما "أيتها الحاضنة المسكينة، يا من تحبينني أكثر مما تحبين أبناءك!"(110).


وزعمت باريس حيناً حتى جولي خليلته. وأيدت المظاهر الزعم. فقد كان دالامبير يتناول طعامه معها، ويخط لها الرسائل، ويدير لها أعمالها، ويستثمر لها مدخراتها، ويجمع لها إيرادها. وكانا أمام الناس يظهران معاً على الدوام؛ وما دار بخلد مضيف حتى يدعوالواحد دون صاحبه. ولكن شيئاً فشيئاً بدأ القوم-حتى المتقولون منهم-يتبينون حتى جولى لا هي بالخليلة ولا الزوجة ولا العاشقة لدالامبير، إنما هي مجرد أخت وصديقة. ويلوح أنها لم تدرك قط حتى حبه لها كان كاملاً وإن لم يستطع حتى يعرب عنه، وتقبلت السيدتان جوفران ونكير-وكلتاهما مضرب المثل في الفضيلة-هذه العلاقة بين دالامبير وجولي على أنها حب أفلاطوني. ودعت صاحبة الصالون العجوز كليهما لندوتيها.

وكان امتحاناً قاسياً لعطف الأم الذي أبدته مدام جوفران نحوالآنسة دليسبيناس ألا يصدر عنها أي احتجاج حين افتتحت هذه صالوناً خاصاً بها ذلك حتى جولي ودالامبير كانا قد صنعا من الأصدقاء عدداً بلغ من الكثرة رجالاً ونساءً، وكلهم تقريباً ذائع الصيت أورفيع المرتبة. وكان دالامبير يقود الحديث، وجولي تضفي على الندوة جميع مفاتن الأنوثة ودفء الضيافة. ولم يقدم فيها غداء أوعشاء، ولكنها اشتهرت بأنها أعظم صالونات باريس حفزاً للعقول، اختلف إليها طورجو، ولموميني دبريين، اللذين سيرقيان سريعاً إلى مكان مرموق في الحكومة؛ ونبلاء مثل شاستللوكس وكوندرورسيه، وأحبار مثل بوامون وبواجيلان، وشكاكون مثل هيوم وموريلليه، ومؤلفون مثل مابليه، وكوندياك، ومارمونيل، وسان-لامبير. حضروا أول الأمر ليروا دالامبير ويستمعوا إليه، ثم ليحظوا بتلك المهارة المتعاطفة التي كانت جولي تستدرج بها جميع ضيف في ميدان تفوقه الخاص, ولم يحظر أي موضوع هنا، فكانت تناقش أدق مشكلات الدين أوالفلسفة أوالسياسة، ولكن جولي-التي دربتها مدام جوفران على هذا الفن-عهدت كيف من الممكن أن تهدئ من ثائرة الثائرين وترد النزاع نقاشاً. وكانت الرغبة في عدم الإساءة إلى المضيفة الرقيقة هي القانون غير المكتوب الذي بعث النظام في هذه الحرية. وفي ختام حكم لويس الخامس عشر كان صالون الآنسة دليسبيناس

في رأي سانت-بيف "أكثر الصالونات رواجاً، وأحفلها بالزائري المتشوقين إليه، في جيل كثر فيه الألمعيون"(111).

ولم يقدم صالون آخر لزائريه مثل هذا الإغراء المزدوج، فقد بدأت جولي رغم ندوب وجهها وعدم شرعية نسبها تصبح الحب الثاني لعشرة أويزيد من الرجال المرموقين. وكان دالامبير في قمة قدراته. يقول جريم: "كان في حديثه جميع ما يفهم العقل ويمتعه. فكان يسلم نفسه بيسر ورغبة لأي موضوع يدخل السرور على نفوس أكثر السامعين، مدخلاً فيه معيناً لا يكاد ينضب من الأفكار، والنوادر، والذكريات العجيبة، وما من موضوع أياً كان جفافه أوتفاهته في ذاته لم يملك سر إضفاء المتعة والطرافة عليه. وكان في جميع فكاهاته أصالة رقيقة عميقة.(112)

ثم انصت إلى ديفد هيوم يخط إلى هوراس ولبول: "إن دالامبير رفيق لطيف المعشر تام الفضائل. وقد دل على تحمله عن المنفعة الشخصية والطمع الباطل بفرضه عروضاً من قيصرة روسيا وملك بروسيا....وله خمسة معاشات، أولها من ملك بروسيا، وثانيها من ملك فرنسا، والثالث يتلقاه بوصفه عضواً في أكاديمية العلوم، والرابع بوصفه عضواً في الأكاديمية الفرنسية، والخامس من أسرته. ولا تزيد جملتها كلها على ستة آلاف جنيه في العام. وهويعيش على نصف هذا المبلغ عيشة كريمة، ويهب النصف الآخر للفقراء الذين له بهم صلة. والخلاصة أنني لا أكاد أعهد رجلاً، إلا القليلين،يفضله نموذجاً للشخصية الفاضلة الفيلسوفة.(113) أما جولي فكانت نقض دالامبير في جميع شيء خلا يسر الحديث ورقته. ولكن بينما كان هذا الموسوعي واحداً من آخر أبطال حركة التنوير، ينشد العقل والقصد في الفكر والعقل، كانت جولي، بعد روسو، أول صوت واضح للحركة الرومانسية في فرنسا، مخلوقاً (في تعبير مارمونتيل) "أوتي أنشط تصور، وأحر روح، وأشد الخيالات تأججاً منذ سافو"(114). فلم يفقها أحد من الرومانسيين، في عالم الحقيقة أوالقصص لا هلويز روسو، ولا روسوذاته؛ ولا كلاريسيه رتشاردسن، أومانون بريفوست-في رهافة الحس أوحرارة حياتها الباطنة. كان دالامبير موضوعياً، أوحاول حتىقد يكون كذلك، أما جولي فكانت ذاتية إلى حد الاستغراق الأناني في النفس أحياناً. ومع ذلك "كانت تشارك المحزونين ألمهم، وقد جاهدت جهاداً محموماً لكي ينتخب شاستللوكس ولاهارب عضوين في الأكاديمية، ولكنها حين أحبت نسيت جميع شيء، وكل إنسان آخر. نسيت أولاً مدام دودفان، وثانياً دالامبير نفسه".

ذلك أنه في 1766 ولج الصالون نبيل شاب هوالمركيز خوزيه دمورا إي جونزاجو، ابن السفير الأسباني، وكان في الثانية والعشرين، وجولي في الرابعة والثلاثين وكان قد زوج في الثانية عشرة من فتاة في الحادية عشرة، ماتت عام 1764. وأحست جولي بعد قليل بسحر شبابه، وربما بسحر ثرائه. وسرعان ما نضج تعلق الواحد منهما بصاحبه فتعاقدا على الزواج. فلما سمع أبوه بالأمر أمر بأداء واجبه العسكري في أسبانيا. ومضى مورا، ولكنه لم يلبث حتى استنطق من وظيفة الضابط. وفي يناير 1771 بدأ يبصق الدم، فمضى إلى بلنسية التماساً للراحة، فلما لم يشفَ هرع إلى باريس وجولي. وانفقا معاً أياماً سعيدة كثيرة، مما روح عن بلاطها الصغير وأثار في نفس دالامبير ألماً دفيناً. وفي 1772 استدعي السفير إلى أسبانيا، فأصر على حتى يصحبه ابنه. ولم يرضَ الأب ولا الأم بزقابل من جولي، فانفصل فوراً عنهما وبدأ رحلته إلى الشمال ليعود أليها، ولكنه توفي بالسل في بوردوفي 27 مايو1774. في ذلك اليوم خط لها يقول "كنت في طريقي إليك، ولابد حتى أموت، ياله من قضاء بشع!...ولكنكِ أحببتني، وتفكيري فيكِ ما زال يسعدني، إنني أموت في سبيلكِ!" ونزعوا من أصابعه خاتمين، احتوى أحدهما على خصلة من شعر جولي، ونقش على الآخر هذه الحدثات "كل الأمور تزول، ولا يبقى غير الحب" وخط دالامبير الشهم عن مورا يقول "إنني آسف لشخصي على فقد ذلك الرجل الحساس الفاضل الخلق، الرفيع الفكر، أكمل من عهدت من الناس...وسأذكر ما حييت تلك اللحظات الغالية التي أحبت فيها نفس بهذا الطهر والنبل والقوة والتهذيب الاختلاط بنفسي".

ومزق نبأ موت مورا قلب جولي، وزاد الخطب فداحة أنها منحت حبها في الوقت نفسه لرجل آخر. ذلك أنها في سبتمبر 1772 التقت بالكونت جاك-أنطوان دجيبيير، البالغ من العمر تسعة وعشرين عاماً، والذي كان قد أبلى بلاءً حسناً في حرب السنين السبع. أضف إلى ذلك حتى كتابه "دراسة شاملة للتكتيك" أشاد به القواد ورجال الفكر رائعة في هذا الميدان، وقد قدر لهذا الكتاب حتى يحمل نابليون نسخة منها عليها تعليقات بخط يده خلال حملاته جميعاً. و"الموضوع التمهيدي" للكتاب الذي ندد بجميع الأنظمة الملكية صاغ المبادئ الأساسية لسنة 1789 قبل اندلاع الثورة بعشرين عاماً. وفي وسعنا حتى نحكم على الإعجاب الذي أغرقه الناس على جيبير من موضوع اختير للنقاش في أحد الصالونات الكبرى: "أيهن تحسد أكثر من غيرها: أم المسيودجيبير، أم أخته، أم خليلته؟"(117) وكان له من طبيعة الحال خليلة-هي جان دمونسوج، آخر وأطول غرام له. وقد حكمت عليه جولي حكماً قاسياً قس لحظة مرارة إذ نطقت:-

"إن الاستخفاف، بل القسوة، التي يعامل بها النساء مصدرها قلة اعتباره لهن...فهويراهن معابثات، مغرورات، ضعيفات، كاذبات، طائشات، واللاتي يحسم فيهن رأيه يراهن متعلقات بالخيل، ومع أنه يضطر إلى الإقرار بوجود خصال حميدة في بعضهن، فهولا يقدرهن لهذا السبب تقديراً أعلى، بل يرى حتى فيهن رذائل أقل، لا فضائل أكثر"(118).

على أنه كان وسيماً، وسلوكه كاملاً، وحديثه يجمع بين الغنى والشعور، وبين الفهم والوضوح، نطقت مدام دستال "كان حديثه أكثر ما عهدت تنوعاً، وحيوية، وغنى"(119).

ورأت جولي أنها محظوظة بإيتاء جيبير لندواتها، وأفتتن الواحد منهما بشهرة صاحبه، فنشأت بينهما علاقة أصبحت من جانبه غزوة عارضة، ومن جانبها غراماً قتالاً. وهذا الغرام الفتاك هوالذي أحل رسائلها إلى جيبير مكاناً مرموقاً في الأدب الفرنسي وبين أكثر وثائق العصر كشفاً. ففيها أكثر حتى مما في "جولي أوهلويز الجديدة" لروسو(1761)، تلقى إرهاصات لحركة الرومانسية في فرنسا تعبيرها الحي.


وفي أول رسالة باقية إلى جيبير (15 مايو1773) نراها واقعة في حبائل غرامه، ولكن كان يمزقها تأنيب الضمير لانتهاكها ميثاق الوفاء لمورا. فخطت لجيبير وهوراحل إلى ستراسبوج تقول: رباه! بأي سحر، وبأي قدر، استطعت حتى تفتني،يا ترى؟ لم لم أمت في سبتمبر،يا ترى؟ كان يمكن حتى أموت آنئذ فأعفى....من اللوم الذي ألوم به نفسي الآن..إنني أشعر بهذا وآ أسفاه، إنني ما زلت أستطيع الموت في سبيله، فمل من مصلحة لي أضن ببذلها له...أواه، أنه سيصفح عني! لقد عانيت كثيراً! ولقد أضنى جسدي وروحي طول ما ألم بي من حزن. وطاش عقلي حين تلقيت خطابه. في ذلك الحين رأيتك أول مرة، في ذلك الحين تسلمت نفسي، في ذلك الحين أدخلت عليها السرور، ولست أدري أيهما كان أحلى-أن أشعر بذلك السرور، أوحتى أدين به لك.(120)

وبعد ثمانية أيام سقطت جميع مسببات دفاعه: "لوكانت صغيرة جميلة، فاتنة جداً، لما أعياني حتى أتبين الكثير من الافتعال في مسلككِ معي، ولكن بما أنني لست من هذا كله في شيء، فإنني أجد في مسلككِ عطفاً وشرفاً أكسباكِ نصراً على روحي إلى الأبد.(121)

وكانت أحياناً تخط بكل التحرر الذي خطت بها إلواز لأبيلار: "أنت وحدك الذي يستطيع في هذا الكون حتى يمتلك كياني ويتربع فيه..وقلبي، وروحي، لا يمكن حتى يملأهما سواك....إن بابي لم يفتح اليوم مرة دون حتى يخفق قلبي، ومرت بي لحظات كنت أخشى فيها حتى اسمع اسمك، ثم كان يحطم قلبي ألا أسمعه. حتى كثيراً من المتناقضات، وكثيراً من الانفعالات المصطرعة، صادقة، وتفسرها حدثة واحدة: أحبك.(122) وزاد الصراع بين الغرامين من الاضطراب العصبي الذي من الممكن كان مصدره تعطش آمالها إلى تحقيق المرأة لذاتها، واستهدافها المتزايد للسل، وخطت إلى جيبيرستة يوليو1773 تقول:

"إن روحك رغم اضطرابها ليست كروحي التي لا تفتأ مترددة بين التشنج والاكتئاب. وأنا أتعاطى السم (الأفيون) لأهدئ نفسي. وأنت ترى أنني عاجزة عن حتى أهدئ نفسي؛ فأرشدني، وقوني، وسأصدقك، وستكون سندي.(123) وعاد جيبير إلى باريس في أكتوبر، وبتر علاقاته مع مدام دمونسوج، وباح بحبه لجولي. فقبلته شاكرة، وأسلمت له جسدها-في الحجرة المؤدية لمقصورتها في الأوبرا (10 فبراير 1774)(124) وقد زعمت فيما بعد حتى هذه العملة التي اقترفتها وهي في الثانية والأربعين، كانت أول زلة لها من "الشرف" و"الفضيلة"(125) ولكنها لم تنح على نفسها باللوم:

"أتذكر الحال التي وضعتني فيها، والتي اعتقدت أنكَ هجرتني عليها،يا ترى؟ حسناً أود حتى أقول لك أنني بعد حتى أفقت سريعاً، قمت ثانية (والحدثتان خطتهما بحروف مائلة) ورأيت ذاتي غير هابطة عن مقامي قيد أنملة....وربما تعجب لأن آخر الدوافع التي جذبتني إليك هوالوحيد الذي لا يبكتني عليه ضميري.....فبذلك الاستسلام، بتلك المرتبة النهائية من نكران نفسي وكل مصلحة شخصية لي، أثبت لك أنه ليس هناك غير خطب واحد في الأرض لا طاقة لي باحتماله-وهوحتى أغضبك وأفقدك. فذلك الخوف يجعلني أبذل لك حياتي"(126).

"ونعمت حيناً بنشوات السعادة. وخطت إليه (لأنهما أخفيا عن الناس علاقتهما وسكن الواحد بعيداً عن صاحبه). لقد ظللت أفكر فيك طوال الوقت. وأنا مستغرقة فيك استغراقاً يجعلني أفهم شعور العابد نحوإلهه."(127) أما جيبير فلم يكن بد من حتى يمل غراماً يسرف هذا الإسراف في سكب نفسه دون حتى يهجر لقوته أي تحد. وسرعان ما راح يهتم بالكونتيسة دبوفليه، ويستأنف غرامه بمدام دمونسوج (مايو1774). وعاتبته جولي، فرد في فتور. ثم نمى إليها في 2 يونيوحتى مورا توفي في طريقه إليها وهويبارك اسمها. فتردت في حمى من الندم والحسرة وحاولت حتى تسمم نفسها، ولكن جيبير منعها. وراحت خطاباتها إليه يدور أكثرها حول مورو، ومبلغ سموهذا النبيل الأسباني عن أي رجل عهدته في حياتها. وقلت رؤية جيبير لها وزادت لقاءاته بمونسوج. وعللت جولي نفسها بالبقاء على الأقل خليلة من خليلاته، فكانت ترتب له الزيجات، ولكنه رفض عرائسها، وفي أول يونيو1775 تزوج الآنسة دكورسيل، وكانت فتاة غنية في السابع عشرة. وخطت له جولي خطابات مفعمة بالحقد والاحتقار، مختتمة بتوكيدات الحب الذي لا يموت(128). وقد استطاعت طوال حمى غرامها كلها حتى تخفي طبيعتها عن دالامبير، الذي خيل إليه حتى سببها هوغياب مورا ثم موته. فرحب بجيبير في صالونها، وكون صداقة مخلصة معه، وكان يرسل بشخصه الرسائل المختومة التي تخطها لعشيقها. ولكن لحظ أنها فقدت اهتمامها به، وأنها كانت أحياناً تستاء من وجوده. والواقع أنها خطت لجيبير "لولا أنه يظهر عقوقاً بالغاً مني لقلت حتى رحيل دالامبير يعطيني نوعاً من السرور. إذا حضوره يثقل روحي. وهويجعلني قلقة مضطربة النفس، فأنا أشعر أنني غير مستحقة أبداً لصداقته وطيبة قلبه.."(129) فلما ماتت خط إلى "روحها" يقول:

"ليت شعري لأي سبب لا أستطيع حتى أفهمه ولا حتى أحزره، تغير فجأة ذلك الشعور الذي كان من قبل غاية في الرقة نحوي...إلى شعور الغربة والنفور،يا ترى؟ ما لذي صنعت مما يسيء إليكِ،يا ترى؟ لمَ لم تشكِ إليّ إذا كان لكِ مبرر للشكوى؟...أم أنكِ أيتها العزيزة جولي...قد أسأت إليّ إساءة أجهلها، وكان يحلولي كثيراً حتى اغتفرها لوفهمت بها...لقد كنت عشرين مرة على وشك حتى ألقي بنفسي بين ذراعيكِ، وأن أطلب إليكِ حتى تخبريني ما جريرتي، ولكني خشيت حتى تصدني هاتان الذراعان..."

"وظللت تسعة أشهر أترقب اللحظة التي أقول لكِ فيها بما عانيت وما أحسست، ولكني وجدتكِ خلال تلك الشهور أضعف من حتى تحتملي العتب الرقيق الذي كان عليّ حتى أكاشفك به، واللحظة الوحيدة التي كان يمكنني فيها حتى أكشف لك في غير خفاء عن قلبي المحزون الواهم هي تلك اللحظة الرهيبة، قبل موتك بساعات، حين سألتني الصفح عنكِ بطريقة مزقت نياط قلبي...ولكن عندها لم يعد فيكِ قوة لا للتحدث ولا لاستماع إليّ...إلى غير ذلك فقدتِ إلى الأبد لحظة العمر التي كانت ستكون لي أغلى اللحظات-اللحظة التي أقول لك فيها، مرة أخرى، كم أنتِ عزيزة عليّ، وكم شاطرتكِ بحبكِ، وما أعمق رغبتي في حتى أنهي آلامي بكِ، وددت لوبذلت جميع ما بقي لي من لحظات عمري لقاء تلك اللحظة الواحدة التي لن تتاح لي أبداً، تلك التي من الممكن كنت أستعيد بها حنانكِ إذ أكاشفكِ بكل ما في قلبي من حنان لك."

وساعد انهيار حلم جولي السل على الفتك بها، ودعي لعيادتها الطبيب بوردو(الذي التقينا به في سيرة ديدرو"حلم دالامبير")، فصرح بأنه لا أمل في شفائها. ولم تبرح فراشها منذ إبريل 1776. وكان جيبير يمضى لزيارتها جميع صباح ومساء. ولم يكن دالامبير يهجر العناية بها إلا لينام. وكان الصالون قد توقف، لولا حضور كوندورسيه، وسوار، ومدام جوفران الطيبة، التي كانت هي ذاتها مشرفة على الموت. وفي أيامها الأخيرة أبت جولي حتى تسمح لجيبير بزيارتها، لأنها لم تشأ حتى تدعه يرى كيف من الممكن أن شوهت التشنجات وجهها؛ ولكنها كانت ترسل الكثير من الخطابات، وأكد لها هوأيضاً حبه: "لقد أحببتكِ من اللحظة الأولى التي التقينا فيها، أنكِ أغلى عندي من جميع شيء في هذه الدنيا."(131) وكان هذا، ووفاء دالامبير الصامت، وقلق أصدقائها عليها، العزاء الوحيد لها في آلامها. وخطت وصيتها، التي عينت دالامبير منفذاً لها، وعهدت إليه بكل أوراقها وأمتعتها الشخصية.

واتى أخوها المركيز دفيشي من برجندية، وألح عليها في حتى تتصالح مع الكنيسة وخط إلى الكون دالبون "يسعدني حتى أقول لك إنني أقنعتها بأن تتناول القربان على الرغم من "الموسوعة" كلها، وفي لقاءتها"(132).

وأوفدت حدثة أخيرة إلى جيبير: "يا صديقي، أنني أحيك...وداعاً" وشكرت دالامبير على وفائه الطويل، وتوسلت إليه حتى يغفر لها جحودها، وماتت في تلك الليلة، في الساعات الباكرة من يوم 23 مايو1776. ودفنت في اليوم نفسه، في كنيسة سان-سولييس، "دفن الفقراء" كما رغبت في وصيتها.

الهامش


المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 20:42:23
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, Salon-holders, مواليد 1732, وفيات 1776, أشخاص من ليون, 18th-century French writers, French women writers, French letter writers

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

سيئول: استئناف تشغيل قطارات الشحن بين كوريا الشمالية والصين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:33
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 89%

تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وأصداؤها /26.09.2022/

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:20
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 90%

إيران تعلن تصنيع سفينة حربية تحمل اسم أبو مهدي المهندس

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:25
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 93%

الفلبين.. إعصار "نورو" يتسبب في مقتل 5 أشخاص

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:32
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 95%

لوغانسك: أوكرانيا قصفت مركز الاقتراع بمدينة روبيجنويه

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:24
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 92%

ظاهرة النقل السري تغزو ضواحي الجديدة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:15:19
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 43%

ليز تشيني: سأفعل ما بوسعي حتى لا يكون ترامب مرشحا لانتخابات 2024

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:35
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 100%

حقوقيون يدخلون على خط الهجوم على ملهى ليلي بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:15:18
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 40%

إيران تكشف عن حجم صادراتها إلى الإمارات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:22
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 88%

الكشف عن العلاقة بين الشاي ومستوى ضغط الدم

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:15:21
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 48%

أمطار و زخات مطرية في توقعات طقس الاثنين

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:15:20
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 46%

انخفاض أسعار الغاز في أوروبا بنحو 6%

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:23
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 93%

برميل "برنت" يسجل أدنى مستوى منذ 14 يناير 2022

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:29
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 88%

الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تباشران مناورات بحرية مشتركة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-26 09:16:15
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 87%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية