جون كالڤن

عودة للموسوعة

جون كالڤن

جون كالڤن

جون كالڤـِن (بالفرنسية: Jean Calvin ) (و.10 يوليو1509 - 27 مايو1564) مصلِح ديني ولاهوتي فرنسي، مؤسس الممضى الكالفيني المنتشر في سويسرا وفرنسا. في الرابعة عشرة من عمره أوفده أبوه والذي كان يعمل محاميا إلى جامعة باريس لدراسة القانون والعلوم الإنسانية، وفي عام 1532 كان قد تخرج ليعمل دكتورا في القانون في مدينة أورلينز الواقعة في الشطر الشمالي لفرنسا. كان أول اعماله المنشورة كتاب دي كلامنتيا للفيلسوف الروماني لوسيوس أنايوس سنيكا والملقب بسنيكا الأصغر مصحوبا بتعليقاته الشخصية.

كان من أشد أتباع الممضى اللوثري (نسبة إلى مارتن لوثر) . أجبرته الظروف على مغادرة باريس والإقامة في شتراسبورغ ثم بازل (سويسرا) قبل حتى يستقر منذ سنة 1541 م في جنيف. أراد حتى يجعل من مدينة جنيف مدينة مثالية، فعمل على تطبيق النظام بطريقة صارمة. من أبرز أعماله "تأسيس الديانة المسيحية" (1536 م)، ويتعرض فيه للمعتقدات المسيحية.

شبابه

جون كالڤن شاباً

ولد في نويون بفرنسا يومعشرة يوليوعام 1509 ، وكانت مدينته لها طابع كنسي ، يسيطر عليها أسقفها وكاتدرائيتها ، وهناك في البداية عثر مثالاً من حكومة يسيطر عليها رجال الدين - حكم رجال الدين لمجتمع باسم الرب.

وكان أبوه جيرار شوفان سكرتيراً للاسقف ، ووكيل أعمال في إدارة الكاتدرائية ، ووكيلاً للمقاطعة يشرف على الأعمال المالية. وقد ماتت أم جان وهولا يزال حدثاً فتزوج أبوه للمرة الثانية، ولعل كالفن يدين بجانب من روحه القاتمة إلى ما عاناه من تربية صارمة على يد زوجة أبيه.

ونذر جيرار ثلاثة من أبنائه للكهنوت ، وهوعلى ثقة من حتى في وسعه حتى يجد لهم مناصب وحصل لاثنين منهما على صدقات بيد حتى واحداً منهم انقلب إلى هرطيق ، ومات وهويرفض تناول القربان المقدس. وحرم جيرار نفسه من الغفران بعد خلاف مالي مع إدارة الكاتدرائية ، ولقي بعض المتاعب قبل حتى يوسد جثمانه في الأرض المقدسة.

وأوفد جان إلى كلية دي مارش في جامعة باريس وقيد نفسه باسم جوهانس كالفينوس ، وحذق كتابة اللاتينية ببراعة فائقة ، ونقل فيما بعد إلى كلية دي مونيجو، ولابد أنه سمع هناك أصداء تتردد عن تلميذها المشهور أرازموس، وظل هناك حتى عام 1528، وهوالعام الذي التحق بها صنوه الكاثوليكي أجناتيوس لويولا. ويقول أحد الثقاة من الكاثوليك "أن القصص التي رويت في وقت ما عن شباب كالفن الطائش ، لا تستند إلى أساس" والأمر على نقيض ذلك تماماً ، فكل الدلائل تشير إلى أنه كان طالباً مثابراً خجولاً معتصماً بالصمت تقياً و"رقيباً صارماً في نقد أخلاقيات زملائه" ، ومع ذلك فإنه كان محبوباً من أصدقائه حباً خالصاً لا يتزعزع. وفي غمار السعي الحثيث للحصول على فهم ما وراء الظاهر أونظرية تفتن العقول قرأ كثيراً في الليل، ولقد طور حتى في تلك السنوات التي قضاها في طلب الفهم، بعض الأوصاب الكثيرة التي انتابت حياته الناضجة، وساعدت على تكوين مزاجه.

وفي أواخر عام 1528 اتىه على غير انتظار توجيه من أبيه بأن يمضى إلى أورليانز ويدرس القانون، ويظن كما نطق الابن "لأنه رأى حتى فهم القوانين قد أدر على الذين حصلوه الثراء العريض"(3). وعكف كالفن في غبطة على الدراسة الجديدة، إذ خيل إليه حتى القانون، وليس الفلسفة أوالأدب، هوأبرز نتاج فكري حققته البشرية، وأنه يصوغ نوازع الإنسان الفوضوية ويحولها إلى نظام وسلام.

ونقل إلى اللاهوت وفهم الأخلاق ، منطق قوانين جستنيان ودقتها وصرامتها، وأطلق على خير مؤلفاته اسماً مماثلاً. واصبح فوق أي شيء آخر مشرعاً وصار نوما وليكورجوس مدينة جنيف.

وبعد حتى حصل على درجته في ليسانس أوبكالوريوس في القوانين عام 1531 ، عاد إلى باريس وعكف في نهم على دراسة الأدب الكلاسي ، وأحس بالرغبة العارمة الشائعة ليرى لنفسه مؤلفاً مطبوعاً، فنشر 1532 منطقاً باللاتينية عن De clementin لسينيكا، وبدأ اشد المشرعين الدينيين صرامة حياته العملية العامة بتحية للرحمة، وأوفد نسخة إلى أرازموس ، حياه فيها باعتباره "المفهم الثاني في عالم المجد" (بعد شيشرون) و"أول إشراقة للآداب".

وخيل للناس أنه وقف حياته على الإنسانيات عندما وصلته بعض عظات لوثر وأثارته بما انطوت عليه من جرأة. وكانت الدوائر الناشطة في باريس تناقش الحركة الجديدة ، وليس من شك في أنه دار حديث طويل حول الراهب المتهور ، الذي أحرق منشور البابا ، وتحدى قرار إمبراطور بتحريم التعامل معه، والحق أنه قد سقط في سبيل البروتستانتية شهداء في فرنسا. وكان بعض الرجال الذين يبحثون عن إصلاح الكنيسة من بين أصدقاء كالفن ، وكان أحدهم وهوجيرار روسل أثيراً لدا شقيقة الملك مرجريت دي نافار. واختير صديق آخر، وهونيكولاس كوب، ليشغل منصب مدير الجامعة ، ولعل كالفن كان له ضلع في إعداد الخطاب الافتتاحي المشئوم، الذي ألقاه كوب "أول نوفمبر سنة 1533.

وقد بدأ الخطاب براتى أرازمس لمسيحية مطهرة، واستطرد ليشرح نظرية لوثر في الخلاص عن طريق الإيمان والعفو، وانتهى بالتماس الإصغاء في تسامح للأفكار الدينية الجديدة. وأثار الخطاب حنقاً بالغاً، وانفجرت جامعة السوربون غضباً، وبدأ البرلمان في اتخاذ إجراءات ضد كوب بتهمة الهرطقة، ففر هارباً، وعرضت مكفأة قدرها ثلاثمائة كراون لمن يقبض عليه حياً أوميتاً، ولكنه استطاع حتى يصل إلى بازيل، وكانت وقتذاك تعتنق البروتستانتية.

وحذر الأصدقاء كالفن وأبلغوه حتى اسمه ادرج مع اسم روسل في قائمة المطلوبين للقبض عليهم، ويبدوحتى مرجريت قد تشفعت له، فغادر باريس في يناير سنة 1534 ووجد ملاذاً له في أنجوليم ، ولعله بدأ هناك، بمخطة لوي دي تييه الغنية بما تضم من خط قيمة، في كتابة مؤلفه Institutes ، وفي مايوجازف بالعودة إلى ثويون، وتنازل عن روايته، التي كانت تدر عليه دخلاً يعول به نفسه. وهناك قبض عليه وأطلق سراحه، ثم أعيد القبض عليه، ثم أطلق سراحه مرة أرى. وعاد سراً إلى باريس، وتحدث مع زعماء البروتستانت، والتقى بسير فيتوس، الذي قدر عليه حتى يحرقه. وعندما وضع بعض المتطرفين من البروتستانت إعلانات ملصوقة مهينة في أماكن متفرقة من باريس، انتقم فرانسس الأول منهم بأن أمعن في اضطهادهم، وفر كالفن في الوقت المناسب (ديسمبر 1534)، وانضم إلى كوب في بازيل وهناك أتم، وهوشاب في السادسة والعشرين من عمره، عملاً يعد من أبلغ الأعمال في أدب الثورة الدينية، وأشدها حماسة، وأوضحها معنى، وأكثرها تمشياً مع المنطق، وأعظمها تأثيراً، وأشدها جميعاً إرهاباً.


أفكاره

جزء من سلسلة عن
الكالڤينية
(طالع أيضاً البوابة)
جون كالڤن

خلفية
المسيحية
القديس أوگستين
الإصلاح
s
Synod of Dort

السمات المميزة
النقاط الخمس (TULIP)
Covenant Theology
Regulative principle

وثائق

Confessions of faith
Geneva Bible

تأثيرات
تيودور بزا
جون نوكس
هولدريخ زوينگلي
جوناثان إدواردز
Princeton theologians

الكنائس
Reformed
Presbyterian
Congregationalist
Particular Baptist
Anglican

أشخاص
Afrikaners
هوگنوتs
Pilgrims
المتطهرون
الاسكوت

     

عالم اللاهوت

نشر جون كالفن كتاب باللغة اللاتينية 1536 باسم "مبادئ الدين المسيحي" وفي خلال عام واحد نفد الكتاب واستدعى الأمر إصدار طبعة جديدة، فاستجاب كالفن ، وأعد نسخة مطولة 1539 باللاتينية أيضاً وترجمها إلى الفرنسية عام 1541. ويعد هذا الشكل من التأليف من أعظم ما أنتجته القرائح تأثيراً في النثر الفرنسي. وحرم برلمان باريس تداول الكتاب باللغتين كلتيهما ، وأحرقت نسخ منه علناً في العاصمة ، واستمر كالفن طوال حياته يعمل على إضافة فصول إلى هذا الكتاب وإعادة نشره، وبلغت عدد صفحاته 1118 في شكله النهائي.

واستهلت الطبعة الأولى من الكتاب بـ "مقدمة إلى أعظم ملك مسيحي لفرنسا" وهي مقدمة تفيض بالمشاعر، ولكن بأسلوب رصين. وسقط حادثان أتاحا فرصة الحوار مع فرانسس أولهما: الأمر الملكي الصادر في يناير عام 1535 ضد الفرنسيين البروتستانت، وثانيهما: الدعوة التي وجهها فرانسس في الوقت نفسه تقريباً لميلانكتون وبوسر لكي يحضرا إلى فرنسا، ويرتبا تحالفاً بين الملكية الفرنسية وبين الأمراء اللوفريين ضد شارل الخامس. وكان كالفن يأمل في حتى يوطد المأرب السياسي على نادىمة من الجدل اللاهوتي، وأن يعاون في استمالة الملك، ومثل أخته، إلى القضية البروتستانتية، وكان تواقاً إلى حتى يفرق بين هذه القضية وحركة اللامعمدانيين، التي اقتربت وقتذاك من الشيوعية في منستر. ووصف المصلحين الدينيين الفرنسيين بأنهم وطنيون مخلصون للملك كارهون لكل اضطراب اقتصادي أوسياسي. وتكشف بداية ونهاية هذه المقدمة روعة أفكار كالفن وجزالة أسلوبه:

"عندما بدأت هذا العمل يا مولاي لم يكن هناك شيء أبعد من التفكير في تدبيج كتاب، يقدم فيما بعد إلى جلالتكم، وكنت لا اقصد إلا حتى أطرح أمامكم بعض مبادئ أولية يستطيع بها المتسائلون عن أمور الدين حتى يفقهوا طبيعة التقوى السليمة... ولكنني عندما أدركت حتى غضب بعض الأشرار في مملكتكم قد اشتد، إلى حد يجعلهم لا يسمحون بوجود عقيدة سليمة في البلاد، رأيت من الواجب حتى يستفاد مني ولوفي العمل نفسه... لقد عرضت اعترافي عليك، لكي تفهم طبيعة تلك العقيدة، التي يستهدفها هذا الغضب، الذي لا يعهد حدوداً، والذي يعتمل في صدور هؤلاء المجانين، الذين يزعجون البلاد بالسيف والنار، ومن أجل ذلك فأنا لا أخشى التسليم بأن هذه الرسالة تحتوي على ملخص لتلك العقيدة ذاتها، والتي يستحق مَن يعتنقها، طبقاً لما أثاروه حولها من نادىوى، حتى يعاقب بالسجن والنفي وإهدار الدم والتحريق وبإبادته من على ظهر الأرض. وإني لأفهم جيداً الدسائس الأثيمة، التي ملئوا بها أذنيك، لكي تبدوقضيتنا بغيضة جداً في نظرك، ولكن حلمك كفيل بأن يهديك إلى التفكير في أنه إذا كان الاتهام يكفي دليلاً على الذنب، فهوالقضاء على جميع براءة في الأقوال والأفعال... وأنت نفسك يا مولاي تستطيع حتى تتبين الوشايات الزائفة، التي كانت تطرق أذنيك عنها (قضيتنا)، وهي تفتضح جميع يوم، إذا ما تصبوإليه فحسب إنما هوإنتزاع صولجانات الملوك من أيديهم، هدم جميع المحاكم... وتقويض نادىئم النظام بأسره، وقلب الحكومة، وتعكير صفوالسلام والأمن بين الناس، وإلغاء جميع القوانين، وتبديد جميع الأموال الممتلكات، وباختصار جعل جميع شيء في حالة اضطراب شامل.

ولهذا أتوسل إليك يا مولاي - وهوبالتأكيد طلب معقول - حتى تأخذ على عاتقك الفهم الكامل لهذه القضية، التي أثيرت حتى الآن بصورة مبلبلة، وبلا اكتراث، وبلا سند من القانون، وبدافع من العاطفة الهواتى أكثر من أي نادىمة قانونية. ولا يمضىن بك الظن إلى أني أفكر الآن في إعداد دفاعي عن نفسي، لكي أضمن لنفسي عودة آمنة إلى وطني الحبيب، فأنا، على الرغم مما أكنه له من حب ينبغي على جميع إنسان حتى يحس به نحوه، لن أندم أبداً، في الظروف الحالية، على انتنطقي منه. ولكي أدافع عن القضية أمام جميع المتدينين، وبالتالي أمام المسيح نفسه، هل يحتمل حتى نفكر في تقويض نادىئم الممالك، نحن الذين لم يسمعنا أحد نفوه بحدثة واحدة تثير الفتنة... نحن الذين عهدنا طوال حياتنا أننا نعيش حياة هادئة مستقيمة عندما كنا نعيش تحت حكمك، نحن الذين لم نكف، حتى في منفانا الآن، عن الصلاة لك بالنجاح ولمملكتك بالرخاء... ثم إننا لن ننتفع إلا قليلاً بالإنجيل بفضل الله، ولكن حياتنا يمكن حتى تكون مثالاً يحتذى لمن نددوا بعفتنا وكرمنا ورأفتنا وعزوفنا عن المنكر وصبرنا وتواضعنا وكل فضيلة أخرى هنا... وعلى الرغم من بغضك لنا ونفورك منا، بل وغضبك علينا، فإننا لا نيأس أبداً من استعادة عطفك، لوقرأت بهدوء واطمئنان إقرارنا هذا، الذي نعتزم تقديمه إلى جلالتكم، كدفاع لنا... ولكن إذا كانت أذناك مشغولتين عن النقيض بسماع همسات الحاقدين، التي لا تدع فرصة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم، وإذا استمرت تلك العقبات الهواتى في اضطهادنا بالسجن والتنكيل والتعذيب ومصادرة الأموال والحرق، وتغاضيك عن ذلك، فإننا يفترض أن نغلب على أمرنا حقاً إلى أقصى حد، ونكون مثل قطيع من الأغنام، يساق إلى الذبح. ومع ذلك هل لنا حتى نحتفظ في صبر بأرواحنا، وننتظر حتى تمتد إلينا يد الرب القوية... لإنقاذ الفقراء من غمهم، ولمعاقبة المستخفين بهم، الذين يبتهجون الآن في أمن واطمئنان تام. وإني لأدعوالرب ملك الملوك حتى يوطد عرشك بالعدل والتقوى، وأن ينتشر في مملكتك القسط والإنصاف".

وليس من اليسير علينا، في عصر أسلم فيه اللاهوت مكانه للسياسة، باعتبارها مركزاً لاهتمام بني الإنسان والصراع بينهم، حتى نتذكر المزاج الذي ألف به كالفن كتابه القوانين. لقد كان رجلاً هائماً في حب الله - أكثر من سبينوزا، وكان شعور بضآلة الإنسان وعظمة الله.

وكمقد يكون الأمر منافياً للعقل حتى نفترض حتى العقل الواهي لهذا السوس، الذي لا يكاد يرى بالعين المجردة، وهوالانسان، يستطيع حتى يدرك العقل المفكر الذي يحكم هذه النجوم الطيعة التي لا تحصى،يا ترى؟ وأن الله، رأفة بعقل الإنسان، قد اظهر لنا نفسه في الكتاب المقدس، وثبت حتى هذا الكتاب المقدس هوحدثة الله، (كما يقول كالفن) بما له من سلطان لا نظير له على روح الإنسان.

"إقرأ لديموستين أوشيشرون، وإقرأ لأفلاطون أوأرسطوأولغيرهم ممن هم في مستواهم، وأنا كفيل بأن ما تقرأه من مؤلفاتهم يفترض أن يجتذبك، ويشرح صدرك، ويحرك شغاف قلبك، ويخلب لبك بطريقة مدهشة، ولكن إذا تحولت بعد قراءتها إلى تلاوة الكتاب المقدس، سواء كنت راغباً أوغير راغب، فإنه يفترض أن يستولي عليك بقوة عظيمة، وينفذ إلى قلبك، ويطبع حدثاته بقوة في ذهنك، إلى الحد الذي لوقارناه بما لتلك المصنفات من أثر قوي، فإن الجمال الذي يتسم به كلام البلغاء والفلاسفة يتبدد كله أويكاد، ومن اليسير حتى ندرك حتى شيئاً إلهياً في الخط المقدسة، يفوق بكثير أعظم ما أحرزه الإنسان في عالم الصناعة والزخرف"

وعلى ذلك فإن هذه الحدثة التي نزلت علينا يجب حتى تكون مرجعنا الاخير، لا في الدين والأخلاقيات فحسب، ولكن في التاريخ والسياسة وكل شيء أيضاً. يجب حتى نتقبل سيرة آدم وحواء لأننا نفسر، بعصيانهما أمر الله، الشر الذي فطر الإنسان عليه، وفقدانه لإرادته الحرة. "إن عقل الإنسان لينفر جميع النفور من عدل الله، حتى إنه ليدرك، ويرغب في، ويباشر جميع شيء، يتسم بالزندقة الانحراف والخسة والدنس والفجور، وطمس على قلبه بسم الخطيئة فلم يعد يصدر عنه غلا ما فاسد خبيث، وإذا قام الناس في وقت من الأوقات بعمل يظهر طيباً في الظاهر، فإن العقل يظل دائماً متورطاً في النفاق والخداع، والقلب يظل عبداً لانحرافه الباطني"(6).

وأني لمخلوق فاسد إلى هذا الحد حتى يستحق النعيم الأبدي في الفردوس،يا ترى؟ ليس في استطاعة واحد منا حتى يحصل عليه مهما قدم من أعمال صالحات. حقاً أنه لا بأس بالأعمال الصالحات، ولكن موت ابن الرب الذي ضحى بنفسه في سبيل البشرية هوالذي يستطيع وحده حتى يحقق للبشر الخلاص، وليس للناس أجمعين، لأن عدالة الرب تقتضي عذاب معظم البشر في نار جهنم. ولكن رحمته تعالى قد اختارت بعضنا للظفر بالنجاة، وقد وهب تعالى لهؤلاء إيماناً راسخاً بتكفير المسيح عن ذنوبهم، لأن القدّيس بولس نطق: "لقد اختارنا الرب في نفسه قبل خلق العالم بأن علينا حتى نكون أمامه أطهاراً، لا تشوبنا شائبة في الحب، وقدر علينا حتى نتخذ لنا أبناء، كما اتخذ المسيح عيسى ابنا له بمشيئته"(7). وفسر كالفن هذا، كما فسره لوثر، فإن معناه حتى الرب قد قرر بمشيئة حرة، لا تتوقف أبداً على ما نتمتع به من فضائل أونتصف به من رذائل، وقبل خلقنا بوقت طويل، مَن منا يخط له النجاة، ومَن يعذب في نار جهنم. ويجيب كالفن على السؤال الذي يتردد، وهو: "لماذا شاء الله النجاة لبعض الناس، والعذاب لآخرين، دون اعتبار لما قدموه من أعمال، بحدثات بولس: لأنه نطق لموسى إني أتغمد برحمتي مَن أشاء وأعفوعمن أشاء". ويختم كالفن حديثه بقوله: "وطبقاً لهذا نؤكد بأن الرب قدر بمشيئة أزلية لا تتبدل، مَن يخط له الخلاص، ومَن يحكم عليه بالعذاب والهلاك، ونؤكد حتى هذه المشيئة، فيما يختص بالاختيار، تقوم على رحمته، التي يتغمد بها مَن يشاء، دون اعتبار لما يستحقه الإنسان، ولكن الذين حكم عليهم بالعذاب في النار أغلق دونهم باب الحياة، بمقتضى حكم عادل لا سبيل إلى نقضه، ويدق على الفهم".

بل إذا خروج آدم وحواء من الجنة، وما ترتب عليه من نتائج بالنسبة للجنس البشري في رأي بولس "فرضته مشيئة الرب العجيبة".

ويسلم كالفن بأن حتمية القدر تتنافى مع العقل، ولكنه يرد بقوله: "ليس من المعقول حتى يتقاضى الإنسان هذه الأمور، التي قرر الرب حتى يخفيها عنا في نفسه ويفلت من العقاب". ومع ذلك فإنه يعترف بأنه يعترف لما يقرر الرب بصورة تحكمية مصير ملايين الأرواح منذ الأزل: "ذلك لكي يزيد من إعجابنا بمجده" بعرض قوته. ويوافق على حتى هذا "حكم مروع" "ولكن لا يستطيع أحد حتى ينكر حتى الله عهد مصير الإنسان النهائي في المستقبل، قبل حتى يخلقه، وأنه عهده سلفاً، لأنه كان قد قضى به في حكمه". وقد يجادل آخرون من أمثال لوثر بأن المستقبل قد تحدد، لأن الرب تنبأ به سلفاً وأن فهمه بالغيب لا يمكن نفيه. أما كالفن فإنه يرى عكس ما تقدم، إذ أنه يعتقد حتى الرب يتنبأ بالمستقبل، لأنه شاء هذا وقرره. والحكم بالعذاب الأبدي حكم مطلق، وليس هناك مطهر في لاهوت كالفن، وليس هناك منزل في منتصف الطريق، يستطيع الإنسان بعد حتى يقضي فيه بضع ملايين من السنين، وهويتعذب بالنار، حتى يمحوبها سيئاته، وعلى هذا فلا محل للصلوات من أجل الموتى.

وقد يمضى بنا الظن إلى أنه لا معنى لأداء أي نوع من الصلاة، وذلك بناء على افتراضات كالفن فما دام جميع شيء قد تحدد بحكم الله، فليس في وسع فيض من الابتهالات حتى يمحوذرة واحدة من قدر الإنسان المحتوم. ومهما يكن من شيء، فإن كالفن أكثر إنسانية من لاهوته، فهويقول لنا: فلنصل بتواضع وإيمان، ولسوف يتقبل الله صلواتنا، فالصلاة وتقبلها قد سبقا في حكمه أيضاً. ولنعبد الله بأداء صلوات دينية متواضعة، ولكن يجب علينا ألا ننبذ القداس، ونعتبره انادىء من القساوسة، ينتهكون به الحرمات بتحويل مواد دنيوية إلى جسد المسيح ودمه، والحق حتى المسيح موجود في القربان المقدس بروحه لا بجسده، وعبادة رقاقة الخبز المقدسة، بدعوى حتى المسيح يحل فيها بجسده، هي وثنية محضة. واستخدام الصور المنقوشة للرب انتهاك صارخ للوصية الثانية، وتشجيع على عبادة الأوثان، ويجب إزالة جميع الصور والتماثيل الدينية، بل والصليب من الكنائس.

والكنيسة الحقة هي جمهور المصلين غير المنظور من الصفوة، الأموات أوالأحياء أوالذين سيولدون. وتتكون الكنيسة المنظورة، من جميع الذين "يعترفون معنا بنفس الرب والمسيح"(15)، باعتناق عقيدة، وبحياة مثالية، وبالاشتراك في مراسم التعميد والعشاء الرباني "يرفض كالفن التسليم بالمراسم الأخرى".

وليس هناك خلاص خارج نطاق هذه الكنيسة. والدولة والكنيسة مقدستان، وقد خلقهما الله، لكي يعملا في انسجام كالروح والجسد، لمجتمع مسيحي واحد: وعلى الكنيسة حتى تضع القواعد، التي تنتظم جميع التفاصيل الخاصة بالعقيدة والعبادة والأخلاق، وعلى الدولة حتى تدعم هذه القواعد(17)، باعتبارها ذراع الكنيسة الطبيعي، ويجب على السلطات الزمنية حتى تكون على بصر من حتى "عبادة الأوثان" (وهي ترادف إلى حد كبير الكاثوليكية في العزف البروتستانتي) و"فضائح أخرى تمس الدين يجب ألا تعرض وتنشر علناً بين الناس"، وأن حدثة الله الطاهرة هي الوحيدة التي يجب حتى يتفهمها ويتلقاها الناس(18). والحكومة المثالية هي حكومة رجال الدين، ويجب حتى نعترف بالكنيسة التي تؤمن بالإصلاح الديني، باعتبارها صوت الله.

من سلسلة منطقات عن
المسيحية

الأسس والعقائد
يسوع المسيح
الثالوث الأقدس (الأب ، الابن ، الروح القدس)
كرستولوجيا· الكتاب المقدس·
فهم اللاهوت المسيحي. قانون الإيمان
تلاميذ المسيح· الكنيسة· ملكوت الله· إنجيل
تاريخ المسيحية· الخط الزمني

الكتاب المقدس
العهد القديم· العهد الجديد
الوصايا· عظة الجبل
الولادة· قيامة يسوع· الإرسالية الكبرى
الوحي· الأسفار· القانون· أبوكريفا
التفسير· السبعينية· الترجمات

الثيولوجيا المسيحية
تاريخ الثيولوجيا· الدفاع
الخلق· سقوط الإنسان· الميثاق· الشريعة
النعم· الإيمان· الغفران· الخلاص
تقديس· تأله· العبادة
فهم الكنيسة· الأسرار المقدسة· الأخرويات

التاريخ
المبكرة· المجامع المسكونية· العقائد
الانشقاق· الحملات الصليبية· الإصلاح البروتستانتي

مسيحية شرقية
أرثوذكسية شرقية· أرثوذكسية مشرقية
مسيحية سريانية· كاثوليكية شرقية

مسيحية غربية
كاثوليكية غربية · بروتستانتية
كالفينية · معمدانية · لوثرية
أنگليكانية· تجديدية العماد
إنجيلية · ميثودية . مورمونية
أصولية · ليبرالية · خمسينية
كنيسة الوحدة · . شهود يهوه
فهم مسيحي . توحيدية . الأدفنتست
مواضيع مسيحية
الفرق· حركات· محاولات التوحيد المسيحية
موعظة· الصلاة· موسيقى
ليتورجيا· افخارستيا· الرهبنة· تقويم· الرموز· الفن

شخصيات مهمة
رسل المسيح الاثنا عشر. الرسول بولس
آباء الكنيسة. قسطنطين. أثناسيوس· أوغسطينوس
انسيلم· الأكويني· بالاماس· ويكليف
لوثر· كالفن· جون ويزلي

بوابة المسيحية

    

وجدد كالفن جميع انادىءات البابا بسيادة الكنيسة على الدولة، وطالب بها لكنيسته. ومما يلفت النظر مدى ما بقي من تنطقيد الرومان الكاثوليك وآرائهم في لاهوت كالفن، فهومدين بعض الشيء لفلسفة الرواقيين، وبخاصة سينيكا، وبشيء لدراساته في القانون، ولكنه اعتمد بصفة خاصة على القدّيس أوغسطين، الذي استخلص القول بالجبر من القدّيس بولس، الذي لم يعهد المسيح. وتجاهل كالفن بشدة، مفهوم المسيح عن الرب بأنه أب محب رحيم، ومر في هدوء على عدد كبير من آيات الكتاب المقدس، التي افترضت حرية الإنسان في صياغة مصيره (2 إصحاح بطرس 3 : 9، 1 إصحاح تيموثاوس 2 : 4، 1 إصحاح يوحنا 2:2، 4 : 14 الخ).

ولك تكن عبقرية كالفن تكمن في أنه يأتي بأفكار جديدة، ولكن في تطوير آراء مَن سبقوه إلى نتائج منطقية هدامة، والتعبير عن هذه النتائج ببلاغة، تضارع بلاغة أوغسطين، وبصياغة تضميناته العملية بمنهج، يقوم على التشريع الكهنوتي. وأخذ من لوثر عقيدة التبرير أوالاختيار بالإيمان، ومن زونجلى التفسير الروحي للقربان المقدس، ومن بوسر الآراء المتناقضة عن مشيئة الله، باعتبارها سبباً لكل ما يحدث، والحاجة إلى ورع عملي قوي، باعتباره امتحاناً وشاهداً على الاختيار. ووصلت معظم تلك العقائد في صيغة أخف إلى التراث الكاثوليكي، وأضفى عليها كالفن أهمية شديدة، ولم يعبأ بالعناصر المعوضة المخففة في عقيدة القرون الوسطى.

كان أقرب إلى القرون الوسطى من أي مفكر بين أوغسطين ودانتي. ورفض رفضاً باتاً قبول انشغال فهماء الإنسانيات بأفضلية الدنيا، وحول أفكار الناس من حديث إلى العالم الآخر، بصورة كئيبة أكثر من قبل، وأنكر الإصلاح الديني في ممضى كالفن من حديث "النهضة".

وليس من شك حتى لاهوتاً غير جذاب مثل هذا، يحرز رضا مئات الملايين من الناس، في سويسرة وفرنسا وسكوتلندة وإنجلترا وأمريكا الشمالية، يظهر لأول نظرة سراً غامضاً، ثم يظهر نوعاً من التجلي. ترى لما حارب الكالفينيون والهوجنوت والمتطهرون (البيوريتان) بمثل هذه الجرأة دفاعاً عن عجزهم،يا ترى؟ ولماذا أسهمت هذه النظرية الخاصة بعجز البشر في تكوين بعض الشخصيات، التي تعد من أقوى الشخصيات في التاريخ،يا ترى؟ فهل وقع هذا لأن هؤلاء المؤمنين اكتسبوا، من الاعتقاد بأنهم الصفوة القليلة، قوة تفوق ما فقدوه منها، بالتسليم بأن سلوكهم ليس له نصيب في تحديد مصيرهم،يا ترى؟ وكان كالفن نفسه خجولاً وقوي العزم في الوقت نفسه، وكان واثقاً من أنه ينتمي إلى الصفوة، ووجد في هذا عزاء وسلوى، إلى الحد الذي دفعه إلى حتى يجد "الحكم المروع" للجبر "أمراً يؤدي إلى أبهج فائدة"(19): وهل أسعد بعض مَن اصطفوا أنفسهم حتى يتدبروا في حتى فئة قليلة خط لها الخلاص، وأن الكثرة الغالبة قدر عليها العذاب،يا ترى؟ وليس من شك في حتى الاعتقاد بأن الله قد اصطفاهم منح كثيراً من الأرواح الشجاعة للقاءة تقلبات الحياة، والضرب فيها على غير هدى، إلى غير ما هدف ظاهر، مثل ما مكنت عقيدة مماثلة الشعب اليهودي من صيانة نفسه، وسط محن كانت كفيلة لأن تهدم إرادة الحياة. حقاً حتى فكرة كالفن هي اختيار الله لبعض الناس قد يحدث مديناً بها للصيغة اليهودية في لعقيدة، كما تدين البروتستانتية بالكثير للعهد القديم بصفة عامة. ولابد حتى الثقة في الاختيار الإلهي كانت درعاً يبث الشجاعة في قلوب الهوجنت، لتحمل آلام الحرب والمذابح، وفي قلوب الحجاج وهم يجازفون بأنفسهم، بحثاً عن أوطان جديدة على شواطئ معادية.

وإذا استطاع خاطئ مقوم حتى يتشبث بهذه الثقة، واستطاع حتى يؤمن بأن تقويمه قد هيأه له الله، فإن في وسعه حتى يقف راسخاً كالطود إلى النهاية. وقد حمل كالفن من قدر هذا الإحساس بالاعتزاز بالاختيار، بأن جعل الصفوة، سواء كانت معدمة أم لا، أرستقراطية وراثية: فأبناء الصفوة يصبحون بمشيئة الله من الصفوة، بطريقة آلية. إلى غير ذلك استطاع المرء بعمل سهل من أعمال الإيمان بالنفس، ولوكان هذا بالتصور، حتى ينال الفردوس وأن ينفذ إليها. ولمثل هذه النعم الخالدة كان أي اعتراف بالعجز صفقة رابحة. وكان أتباع كالفن في حاجة إلى مثل هذا العزاء، لأنه فهمهم وجهة النظر السائدة في القرون الوسطى، والتي تمضى إلى حتى الحياة الدنيا ليس إلا وادياً للبؤس والدموع، ورحب في اغتباط بـ "تسليم رأيهم الذي اعتبر حتى أعظم نعمة ألا يولد المرء، وأن أعظم نعمة بعدها حتى يموت فوراً، كما أنه لم يكن هناك شيء يتنافى مع العقل في سلوك هؤلاء الذين كانوا ينوحون ويبكون عند ولادة أقربائهم، ويبتهجون في وقار عند تشييع جنازاتهم"، ولم يأسف إلا لأن هؤلاء المتشائمين العقلاء، وهم في الغالب الأعم وثنيون جهلة بالمسيح، قد حكم عليهم بالخلود في نار جهنم. وكان ثمة شيء واحد يجعل الحياة محتملة - الأمل في سعادة مطردة بعد الموت، ونطق: "إذا كانت السماء بلدنا فما الأرض سوى منفى،يا ترى؟ وأليست الدنيا لحداً، إذا كان الرحيل عن هذا العالم معبراً إلى الحياة؟" وعلى النقيض من صورة كالفن الشعرية نجد أنه يقدم أبلغ ما سطر من صفحات، لا في وصف تخيلات الجحيم، ولكن في الحديث عن جمال السماء.

ولسوف تعاني الصفوة التقية، دون حتى تجأر بالشكوى، جميع ما في الحياة من آلام وأشجان، "لأنهم يفترض أن يضعون نصب أعينهم، ذلك اليوم الذي يستقبل فيه الرب عباده المخلصين في مملكته الوادعة، ويجفف جميع دمعة تتساقط من عيونهم، ويكسوهم بثياب الفرح، ويزينهم بتيجان المجد، ويؤانسهم بمباهج، لا يمكن التعبير عنها، ويحملهم إلى درجة الزمالة لجلالته، ويدعوهم إلى... المشاركة في سعادته". ولعل هذا كان اعتقاداً لا غنى عنه للفقراء أوالتعساء الذين ينتشرون في بقاع الأرض.


جنيف وستراسبورج 1536 - 41

بينما كان كتاب "القوانين" في المطبعة (مارس 1536)، قام كالفن برحلة سريعة عبر جبال الألب إلى فرارا، وذلك متابعة لتقليد مرعى بصفة عامة، وإن لم ينعقد الإجماع على الخضوع له(24). ولعله مضى إلى هناك ليطلب من الدوقة البروتستانتية رينيه، زوجة الدوق أركول الثاني، وابنة المرحوم لويس الثاني عشر، حتى تمد يد العون إلى البروتستانت المضطهدين في فرنسا. وعينته مرشداً روحياً لها، مدفوعة بقوة معتقداته الدينية، وذلك عن طريق رسائل تفيض بالاحترام المتبادل، ظلت موصولة حتى وفاته. وعاد كالفن إلى بازل في مايو، وجازف بالذهاب إلى نويون ليبيع شيئاً من أملاكه، ثم انطلق مع أخيه وأخته إلى ستراسبورج. وتوقفوا لبعض الوقت في جنيف، لأن الطريق كانت مغلقة بسبب الحرب (يوليو1536).

وكانت عاصمة سويسرة الفرنسية أقدم من التاريخ نفسه... كانت في عصور ما قبل التاريخ مجموعة من مآوى البحيرات، شيدت فوق أكوام، لا يزال بعضها يرى حتى اليوم. وكانت في عهد يوليوس قيصر ملتقى لطرق التجارة عند الجسر، الذي يخرج عنده نهر الرون مندفعاً من بحيرة ليمان، ليضرب في فرنسا بحثاً عن البحر الأبيض المتوسط. وخضعت جنيف في العصور الوسطى لحكم أسقفها الروحي والدنيوي على السواء. وكان الأسقف تختاره عادة إدارة الكاتدرائية، التي أصبحت لذلك السبب قوة لها وزنها في المدينة، وتلك كانت بالضرورة الحكومة التي أعدها كالفن فيما بعد، في الشكل الذي يساير الممضى البروتستانتي. وتحرر دوقات سافوي، التي كانت تقع خلف جبال الألب مباشرة، من سيطرة إدارة الكاتدرائية في القرن الخامس عشر، وقروا إلى منصب الأسقفية الرجال الذين أفادت منهم دوقية سافوي، وأسلموا أنفسهم إلى ملذات الحياة الدنيا خوفاً من ألاقد يكون هناك عالم آخر. وفسدت الحكومة الأسقفية، التي قدر لها حتى تكون يوماً من أحسن الحكومات، كما انحدرت أخلاق رجال الدين، الذين يعملون تحت أمرتها. ووافق أحد القساوسة على تطبيق أمر صدر له بطرد محظيته، بشرط حتى يتجرد زملاؤه من رجال الدين مثله من نخوتهم، ورجحت كفة النخوة(25).

وفي نطاق هذا الحكم الكهنوتي الدوقي، كونت العائلات الكبرى بجنيف مجلساً من ستين عضواً، لإصدار القوانين البلدية، واختار المجلس أربعة من المأمورين لتطبيق هذه القوانين، وكان المجلس يجتمع عادة في مقر الأسقف لكاتدرائية القدّيس بطرس، ولم يكن هناك خط فاصل بين الاختصاص الديني والاختصاص المدني، فبينما كان الأسقف يسك النقود ويقود الجيش، كان المجلس يضع الضوابط التي تحكم الأخلاق، ويصدر قرارات الحرمان، ويرخص للبغايا بالعمل. وكما جرى العهد في ترير وماينز وكولونيا، كان الأسقف أيضاً أميراً من أمراء الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة، ومن الطبيعي أنه أخذ على عاتقه القيام بوظائف، يجد الأسقف نفسه في حل منها الآن. وسعى بعض الزعماء المدنيين، برئاسة فرانسوا دي بونيفار، إلى تحرير المدينة من نير السلطة الأسقفية والسلطة الدوقية معاً. وعقد هؤلاء الوطنيون حلفاً بين فرايبورج الكاثوليكية وبرن البروتستانتية لدعم هذه الحركة. وأطلق على المنضمين لهذا الحلف الإصلاح الألماني Eidgenossen أي رفقاء القسم وهولفظ معناه المتحالفون، وحرفه الفرنسيون إلى "هوجنت". ولما حتى حل عام 1520 حتى أصبح زعماء مدينة جنيف من رجال الأعمال في الغالب الأعم، لأنها كانت على النقيض من فيتنبرج مدينة تجارية، تتوسط في التجارة بين سويسرة في الشمال وإيطاليا في الجنوب وفرنسا في الغرب. وألف الأوساط من أهالي مدينة جنيف مجلساً أكبر، يتكون من مائتي عضو، واختار هؤلاء مجلساً أصغر يتكون من خمسة وعشرين عضواً، وهوالمجلس الذي أصبح الحاكم الحقيقي للبلدية، وكان يزدري سلطة الأسقف وسلطة الدوق على السواء. وأعرب الأسقف حتى المدينة في حالة تمرد، واستدعى الفرق الدوقية لمساعدته، فما كان من هذه الفرق إلى حتى استولت على بونيفار، وسجنته في قصر شيلون، وخف جيش مدينة برن إلى نجدة مدينة جنيف المحاصرة، وهزمت قوات الدوق، وتشتت ضمها، وفر الأسقف إلى أنيسي، وتحرر بطل الشاعر بيرون من غياهب سجنه. وغضب المجلس الأكبر من مساعدة رجال الدين لدوقية سافوي، فأعرب عقيدة الإصلاح الديني، وتولى اختصاص رجال الدين وولاية السلطة المدنية في المدينة (1536)، قبل وصول كالفن بشهرين.

The Reformation Wall in Geneva. From left: وليام فارل, كالڤن, Theodore Beza, and جون نوكس

وكان البطل العقيدي لهذه الثورة هووليام فاريل. وكان مثل لوثر، ورعاً جداً في شبابه. وأقبل إلى باريس متأثراً بجاك ليفيفر ديتابل، الذي أزعجت ترجمته للكتاب المقدس وتفسيره له تزمت فاريل، لأنه لم يجد أي أثر في نصوص الكتاب المقدس للبابوات والأساقفة وصكوك الغفران والمطهر والشعائر السبع والقداس والعزوبة المفروضة على رجال الكهنوت وعبادة مريم أوالقديسين. وأنف من رسالة رجال الكهنوت، فانطلق يجول من مدينة إلى مدينة في فرنسا وسويسرة، بصفته واعظاً مستقلاً، وكان ضيئل القامة ضعيف البنية جهوري الصوت قوي الروح، له عينان متقدتان تبرقان في وجهه الشاحب، ولحية حمراء كاللهب، وندد بالبابا ووصفه بأنه خصم للمسيحية، كما ندد بالقداس، واعتبره انتهاكاً للحرمات المقدسة، وبأيقونات الكنيسة باعتبارها من الأوثان، التي يجب حتى تحطم، وبدأ عام 1532 الوعظ في جنيف، وقبض عليه عملاء الأسقف، الذي رأى حتى يلقى "الكلب اللوثري" في نهر الرون، فتوسط المأمورون وهرب فاريل، بعد حتى أصيب ببضع سحجات في رأسه، وتلوثت سترته بشيء من البصاق. وكسب إلى صفه مجلس الخمسة والعشرين، وأثار بمساعدة فينر فيريه وأنطوان فرومان الناس، ونال الكثير من التأييد الشعبي، مما دفع جميع رجال الدين الكثالكة تقريباً إلى الرحيل. وأصدر المجلس الصغير يوم 12 مايوعام 1536 مرسوماً بإلغاء القداس، وإزالة جميع التماثيل ومخلفات القديسين من الكنائس، وحولت ممتلكات الكنيسة للوفاء باحتياجات البروتستانت الدينية، وإلى وجوه البر والتعليم، وجعل التعليم إجبارياً وبالمجان، وسيطر نظام أخلاقي صارم سيطرة القانون.

ودعي المواطنون لأن يقسموا على الولاء للإنجيل، أما الذين رفضوا حضور الصلوات طبقاً لمبادئ الإصلاح الديني فقد نفوا من البلاد. تلك هي جنيف التي أقبل إليها كالفن. وكان فاريل وقتذاك في السابعة والأربعين من عمره، وعلى الرغم من أنه قدر عليه حتى يعيش عاماً بعد كالفن، فإنه رأى في الشاب الصارم الفصيح، الذي يصغره بعشرين عاماً، الرجل الذي تشتد الحاجة إليه لدعم الإصلاح الديني ودفع عجلته إلى الأمام. وكان كالفن متردداً، إذ كان قد رسم لنفسه حياة، يقضيها في البحث الفهمي والكتابة، وكان يحس بالطمأنينة مع الله أكثر مما يحس بها مع الناس، ولكن فاريل، بطلعته التي تشبه طلعة نبي راعد من أنبياء الإنجيل، هدد بأن يصب عليه لعنة الله، إذا آثر دراسته الخاصة على التبشير الصعب والخطير بالحدثة التي لم يتطرق إليها الوهن.

وأذعن كالفن، ووافق المجلس ومشيخية الكنيسة، وبدأ خدمته الدينية، دون التقيد بأي رسامة أخرى - بأن ألقى في كنيسة القدّيس بطرس أول خطبه الكثيرة عن رسائل القدّيس بولس. وكان تأثير بولس في جميع مكان، يدين بالروتيتانتية، اللهم إلا بين الطوائف المتطرفة من الناحية الاجتماعية، يحجب تأثير بطرس المؤسس الذائع الصيت لكرسي البابوية الروماني. وفي أكتوبر سافر كالفن برفقة فاريل وفيريه إلى لوزان، واضطلع بدور صغير في الجدل الشهير الذي كسب المدينة إلى صف المعسكر البروتستانتي، ولدى العودة إلى جنيف شرع كهان أبرشية القدّيس بطرس، الكبار والصغار، في هداية أهالي جنيف لله. وتقبلوا بأخلاص الإنجيل، باعتباره تنزيلاً من لدن الله، وشعروا بأن عليهم التزاماً لا فكاك منه لدعم شريعته. وراعهم حتى وجدوا حتى كثيراً من الناس قد أسلموا أنفسهم للغناء والرقص وما أشبه من مظاهر الطرب، وفضلاً عن هذا فإن بعضهم كان يقامر أويشرب إلى درجة السكر البين، أويقارف الزنا.

وكان قسم بأكمله من المدينة تحتله بغايا، تحكمهن ملكة الماخور، وكان قبول هذا الموقف بالبشر من فاريل السريع الغضب، وكالفن الحي الضمير، بمثابة خيانة للرب. وأصدر فاريل، "إقراراً بالعقيدة والنظام"، كما أصدر كالفن "عظة" سهلة الفهم، أقرها المجلس الكبير (نوفمبر سنة 1536)، لكي يستعيدا الأساس الديني لأخلاقيات مثمرة. وكان المواطنون الذين يصرون على مخالفة القانون الأخلاقي، يحرمون من الغفران، وينفون إلى خارج البلاد، وأصدر المجلس في يوليوعام 1537 أمراً لجميع المواطنين، بأن يمضىوا إلى كنيسة القدّيس بطرس، وأن يقسموا على الولاء لإقرار فاريل.

وكان أي مظهر ينم عن الكاثوليكية - مثل عمل مسبحة، أوالاعتزاز بإحدى المخلفات المقدسة، أواعتبار عيد قديس يوماً مقدساً، يعرض مَن يبدر منه للعقاب. وسجنت النساء لارتدائهن قبعات غير لائقة. وكان بونيفار جد سعيد، بما ينعم به من اباحية، ولكنه حذر بأن يمتنع عن ممارسة أساليبه الداعرة. وصفد المقامرون بالأغلال، وسيق مقترفوا الزنا في الشوارع إلى المنفى.

ولما كان أهالي جنيف قد تعودوا على الخضوع لحكم كنسي، كان يقوم على نظام أخلاقي، يتسم بالرفق، فرضته كاثوليكية خففت من شدتها الأنطقيم الجنوبية، فإنهم قاوموا التحلل الجديد من الواجبات، ونظم الوطنيون، الذين حرروا المدينة من الأسقف والدوق، أنفسهم من جديد، لتحريرها من قساوستها المتزمتين، وانضمت طائفة أخرى تطالب بحرية الضمير والعبادة، ومن ثم أطلقت على نفسها اسم المتحررين أوالأحرار إلى الوطنيين والكاثوليك الذين يمارسون شعيرتهم في الخفاء، وحصل هذا الائتلاف في انتخابات ثلاثة فبراير عام 1538 على أغلبية في المجلس الكبير. وأبلغ المجلس الجديد القساوسة حتى عليهم حتى يبتعدوا عن السياسة، فندد كالفن وفاريل بالمجلس، ورفضا حتى يناولا العشاء الرباني حتى تتواءم المدينة الثائرة مع النظام المرتكز على القسم، فما كان من المجلس إلا حتى خلع كاهني الأبرشية (23 أبريل)، وأمرهما بمغادرة المدينة في خلال ثلاثة أيام. واحتفل الناس بطردهما وسط مظاهر التهليل والابتهاج(27). ولبى فاريل دعوة إلى نويشاتل، وهناك ظل يقدم عظاته إلى آخر يوم في حياته (1565)، وأقيم هناك نصب تذكاري تخليداً لذكراه. ومضى كالفن إلى شتراسبورج، وكانت وقتذاك مدينة حرة لا تخضع إلى الإمبراطور، وتدير شئونها الدينية كنيسة الغرباء، وجماعة المصلين فيها بروتستانت، اتىوا من فرنسا بصفة خاصة. ولكي يدبر أموره بمبلغ الاثنين وخمسين جيلدر (1.300 دولار)؟، الذي كانت تدفعه له جميع عام، باع مخطته، وقبل عنده نزلاء من الطلبة. ووجد حتى العزوبة لا تلائمه في موقفه هذا، فطلب من فاريل وبوسر حتى يبحثا له عن زوجة، وقدم لهما بياناً بالصفات التي ينشدها، ونطق: "لست من هؤلاء العشاق المخبولين، الذين يفتتنهم وجه جميل لامرأة يتجاوزون أيضاً عن أخطائها، وها هوالجمال الذي يغريني - حتى تكون عفيفة كريمة غير متأنقة، اقتصادية صبوراً حريصة على صحتي"(28).

وبعد حتى قام بمحاولتين فاشلتين تزوج (1540) من إيديليت دي بور، وهي أرملة فقيرة لها سبعة أطفال، فأنجبت منه ابناً واحداً توفي في سن الطفولة. وعندما قضت نحبها (1549) خط يرثيها برقة خاصة كانت تغلفها قسوة الظاهرة. وعاش وحيداً في بيته الخمسة عشر عاماً المتبقية من حياته.

وبينما كان يشقى في شتراسبورج، تحركت الأحداث في جنيف. وتشجع الأسقف المنفي عندما فهم بطرد فاريل وكالفن، ووضع خطة لعودة مظفرة إلى كاتدرائيته، وقام بخطوة مبدئية، فأقنع أيا كوبوسادوليتوبأن يخط "رسالة إلى أهالي جنيف"، "يحثهم فيها على حتى يستأنفوا عباداتهم، طبقاً للعقيدة الكاثوليكية" (1539). وكان سادوليتورجلاً مهذباً يتمتع بخلق قويم، لم يعهده الناس في كاردينال أوعالم بالإنسانيات، وكان قد أشار من قبل على البابوية حتى تعالج انشقاق البروتستانت برفق، واستقبل في مدينة كاربنتراس فيما بعد هراطقة والدانيين فارين من المذبحة، وأسبغ عليهم حمايته (1545)، وخط رسالة باللاتينية رفيعة، تفهمها من بمبوالمعصوم، وجهها إلى اخوته الأعزاء المحبوبين، حكام جنيف وشيوخها والمواطنين فيها، وتتألف الرسالة من عشرين صفحة، تحفل بالمجاملات الدبلوماسية والترغيب اللاهوتي، ولاحظ انقسام البروتستانت إلى طوائف متحاربة يتزعمها، كما يدعي، رجال ماكرون، يتشوقون إلى السلطة، وقارن هذا بوحدة الكنيسة الرومانية، التي دامت قروناً طويلة، وتساءل هل من المحتمل حتىقد يكون الحق مع تلك الأحزاب المتعارضة أكثر منه مع عقيدة كاثوليكية أثمرتها خبرة عصور واحتشاد ذكاء المجالس الكنسية. وختم رسالته بأن عرض على مدينة جنيف، أنه على استعداد للقيام بأية خدمة في مقدوره.

وشكره المجلس على تحيته له، ووعده بالمزيد من الاستجابة لمطالبه، بيد أنه لم يكن في جنيف أحد، يأخذ على عاتقه، حتى يحمل السيف في وجه عالم الإنسانيات المهذب، أويجاريه في لاتينيته. وفي غضون ذلك طلب عدد منم المواطنين حتى يتحللوا من قسمهم، على حتى يؤيدوا إقرار العقيدة والنظام، وخيل للناس فترة ما حتى المدينة يفترض أن تعود إلى اعتناق الكاثوليكية، وكان كالفن مدركاً للموقف فخف للرد على الكاردينال، وحشد جميع ما يملك من طاقة ذهنية، وشرع قلمه للدفاع عن الإصلاح الديني. وقابل الدماثة باللطف، والبلاغة بالبلاغة، ولكنه لم يتنازل قيد أنملة عن أي مبدأ من مبادئ لاهوته، واحتج ضد إقحامه في النزاع، بدعوى أنه إنما ثار مدفوعاً بطموح شخصي، فقد كان في وسعه حتى ينعم بالمزيد من الطمأنينة، لوظل محافظاً على العقيدة. وسلم بأن الكنيسة الكاثوليكية تستند إلى أساس إلهي، ولكنه هاجمها، ونطق إذا مثالب بابوات عصر النهضة قد أثبتت استيلاء المناهض للمسيحية على عرش البابوية. واعترض على حكمة المجالس الكنسية بحكمة الكتاب المقدس، التي كان سادوليتوقد تجاهلها أوكاد، وأسف لأن فساد الكنيسة أدى إلى الانشقاق والانقسام، ولكن القضاء على الشرور لا يتم إلا على هذا النحو. وإذا ما تعاون الكثالكة والبروتيتانت الآن، لتطهير العقيدة والشعيرة والعاملين بكل الكنائس المسيحية، فإن جزاءهم وحدة أبدية في السماء مع المسيح. وكان خطاباً قوياً ولعله أغفل الفضائل العارضة لبابوات عصر النهضة، إلا حتى عباراته صيغت بأسلوب رصين، لا يخلومن المجاملة، وهوأمر نادر في مناظرات هذا العهد.

وعندما اطلع عليه لوثر في فيتنبرج، رحب به على أساس أنه سيقضي تماماً على الكاردينال، وهتف قائلاً: "لشد ما يطربني حتى يهيئ الله أناساً... ينهون الحرب، التي بدأتها ضد المناهض للمسيحية"(29). وتأثر مجلس جنيف إلى حد أنه أمر بطبع الخطابين على نفقة المدينة (1540)، وبدأ يتساءل ما إذا كان، بنفيه كالفن، قد فقد أقدر رجل في الإصلاح الديني السويسري.

وغذت الشك عوامل أخرى، فقد برهن كاهنا الأبرشية، اللذان حلا محل فارل وكالفن، على أنهما لا يصلحان للوعظ، ويفتقران إلى النظام. وفقد الجمهور احترامه لهما، وعاد إلى الأخلاق المنحلة، التي كانت سائدة في الأيام السابقة للإصلاح الديني، وتفشت المقامرة والسكر، واشتدت الحلبة في الشوارع، وانتشر الزنا، وكان الناس يحملون عقائرهم علناً بالأغاني الداعرة، وانطلق أشخاص في الشوارع، عراة كما ولدتهم أمهاتهم(30). ولقد حكم بالإعدام على واحد من المأمورين الأربعة، الذين تزعموا حركة طرد فاريل وكالفن، وذلك لارتكابه جريمة قتل، وعلى آخر لارتكابه جريمة تزوير، وعلى ثالث بتهمة الخيانة للوطن، أما الرابع فقد مات، وهويحاول الفرار من الاعتنطق. ولابد حتى رجال الأعمال، الذين كانوا يسيطرون على المجلس، قد ساءهم هذا الإخلال بالنظام، باعتباره معوقاً للتجارة. ولم يكن المجلس نفسه ميالاً إلى حتى يحل محله أسقف، يستعيد سلطانه، وربما يصدر قراراً بحرمانهم من غفران الكنيسة. إلى غير ذلك خطرت فكرة دعوة كالفن لغالبية الأعضاء شيئاً فشيئاً. وفي يوم أول مايوألغى المجلس قرار النفي، وأعرب حتى فاريل وكالفن رجلان جديران بالاحترام. وأوفد مندوب إثر مندوب إلى شتراسبورج، لاقناع كالفن باستئناف عمله في الأبرشية بجنيف. وغفر فاريل للمدينة لأنها لم ترسل له دعوة مماثلة، وفي كرم نبيل انضم إلى المندوبين لحث كالفن على الدعوة. ولكن كالفن كان قد عهد كثيراً من الأصدقاء في شتراسبورج، وشعر بأن عليه التزامات هناك، ورأى أنه لن يجد أمامه في جنيف إلا الخصام، ونطق: "ليس في العالم مكان أخشاه أكثر منها". ووافق على القيام بزيارة للمدينة فحسب. وعندما وصل إليها (13 سبتمبر سنة 1541) قوبل بكثير من مظاهر التكريم، وقدمت له عشرات الاعتذارات، وبذلت له الكثير من الوعود بالتعاون معه في توطيد النظام، والعمل بالإنجيل فلم يطاوعه قلبه على الرفض، وخط في 16 سبتمبر إلى فارل يقول: "لقد تحققت أمنيتك. أنا هنا راسخ كالطود. واسأل الله حتى يمنحنا بركته"(31).


مدينة الله

كان سلوك كالفن في السنوات الأولى من دعوته، يتسم بالاعتدال والتواضع فكسب إلى صفه الجميع، إلا أقلية ضئيلة، وعين ثمانية من مساعدي القسس للعمل تحت رئاسته لتقويم الخدمة الدينية في كنيسة القدّيس بطرس وغيرها من كنائس المدينة، وكان يعمل مدة تتراوح بين اثنتي عشرة ساعة وثماني عشرة ساعة جميع يوم، واعظاً ومديراً وأستاذاً للاهوت، ومشرفاً على الكنائس والمدارس، ومستشاراً للمجالس البلدية، وضابطاً للأخلاق العامة، ومنظماً للطقوس الدينية في الكنيسة. وعكف في غضون ذلك على إضافة فصول لكتابه "القوانين"، وخط تعليقات على الكتاب المقدس، وحافظ على كتابة رسائل تأتي من حيث القيمة بعد رسائل أرازموس، وإن كانت تفوقها تأثيراً... ولم يكن ينام إلا قليلاً، ويأكل قليلاً، ويصوم كثيراً. وعجب خلفه ومحرر سيرته، تيودور دي ميز، كيف من الممكن أن استطاع ذلك الرجل الضئيل الجسم، حتى يحمل مثل هذا العبء الثقيل المتنوع. وكان أول عمل قام به هوإعادة تنظيم الكنيسة، التي تناولها الإصلاح، وعين المجلس الصغير، بناء على طلبه، وعقب عودته لفترة قصيرة، لجنة من خمسة من رجال الدين، وستة من أعضاء المجلس، يرأسهم كالفن، لصياغة قانون كنسي جديد. وفي اليوم الثاني من يناير عام 1542 أجاز المجلس القوانين الكنسية، التي لا تزال الكنائس التي تناولها الإصلاح والمشيخية في أوربا وأمريكا تقبل معالمها الجوهرية. وقسمت الخدمة الدينية على كهان أبرشيات ومفهمين وشيوخ كنيسة من الفهمانيين وشمامسة.


وألف كهان الأبرشيات في جنيف "الجماعة المبجلة"، التي حكمت الكنيسة، ودربت المرشحين للخدمة الدينية. ولم يسمح كذلك لأحد بالوعظ في جنيف، دون حتى يخول ذلك من الجماعة، وكان الأمر يحتاج أيضاً موافقة مجلس المدينة وجماعة المصلين، إلا حتى الرسامات الأسقفية - وتنصيب الأساقفة - كانت محظورة.

وأصبح القساوسة الجدد، تحت رئاسة كالفن، أقوى منهم في أي نظام للقساوسة عهد منذ عهد إسرائيل القديمة، وذلك في الوقت الذي لم يدعوا فيه قط أنهم وهبوا القوى الخارقة للقساوسة الكاثوليك، وعلى الرغم من أنهم أصدروا على أنفسهم حكماً بأنهم لا يصلحون للوظيفة المدنية. ونطق كالفن إذا القانون الحقيقي لدولة مسيحية يجب حتىقد يكون هوالكتاب المقدس، وأن القساوسة هم المفسرون الحقيقيون لذلك القانون، وأن الحكومات المدنية يجب حتى تخضع لهذا القانون، وأن تدعمه كما يفسره رجال الدين. ولعل الرجال المتمرسين في المجالس قد راودتهم بعض الشكوك، في هذه النقاط، ولكن يظهر أنهم شعروا بأن النظام الاجتماعي أجدى للاقتصاد، ومن هنا فإن بعض النادىوى الكنسية يحسن حتى تهجر مؤقتاً دون اعتراض، والظاهر حتى حكومة رجال الدين ظلت تسيطر على حكومة أقلية من التجار ورجال الأعمال خلال ربع قرن عجيب.

ومارس رجل الدين سلطتهم على حياة أهالي جنيف من خلال مجمع للكرادلة أومشيخية مكونة من خمسة من كهنة الأبرشية وأثنى عشر شيخاً للكنيسة من الفهمانيين، والجميع يختارهم المجلس. وبينما كان كهنة الأبرشية يتمسكون بحقهم في المنصب، من خلال خدمتهم الدينية، وشيوخ الكنيسة يظلون في مناصبهم عاماً واحداً فقط، فإن مجمع الكرادلة كان يحكمه أعضاؤه من رجال الدين في أمور لا تمس الأعمال بصورة جوهرية. ومنح لنفسه الحق في تنظيم العبادة الدينية وفرض السلوك الأخلاقي على جميع ساكن، وأوفد قسيساً وشيخاً للكنيسة، لكي يزورا سنوياً جميع بيت وكل أسرة. وكان له الحق في استنادىء أي إنسان للمثول أمامه، لاختباره، وكان في وسعه زجر الآثمين، أوحرمانهم من الغفران علناً، وكان يستطيع حتى يعتمد على المجلس في حتى ينفى عن المدينة من أصدر عليهم مجمع الكرادلة قراراً بالحرمان من غفران الكنيسة. وكان كالفن يقبض على زمام السلطة، باعتباره رئيساً لهذا المجمع. وكان صوته أقوى الأصوات تأثيراً في جنيف، من عام 1541 حتى وفاته في عام 1564. ولم يكن حكمه المطلق يستند إلى القانون أوالقوة، ولكنه كان يعتمد على الإرادة والخلق. ولقد أضفت عليه قوة إيمانه برسالته، وكمال إخلاصه لواجباته، قوة لم يستطع أحد حتى ينجح في معاومتها ولوحتى هيلدبراند بعث من قبره لطرب أيما طرب لهذا الفوز الواضح للكنيسة على الدولة.

إلى غير ذلك خول رجال الدين سلطات، أتاحت لهم حتى ينظموا أولاً العبادات. "على جميع أفراد الأسرة حتى يحضروا العظات يوم الأحد، ما عدا مَن يهجرون في البيت، لرعاية الأطفال أوالماشية. وإذا كان ثمة وعظ في أيام الأسبوع، عملى جميع مَن يستطيع الحضور حتى يجيء" "كان كالفن يلقي عظاته ثلاث أوأربع مرات جميع أسبوع" "وإذا اتى أحد بعد ابتداء العظة فلينذر، وإذا لم يقوم نفسه، فليدفع غرامة قدرها ثلاثة فلسات"(32). وليس لأحد حتى يعفى من أداء الصلوات البروتستانتية، بحجة أنه يعتنق عقيدة دينية مخالفة، أوخاصة، وكان كالفن مدققاً، مثل أي بابا، في رفضه الفردية في العقيدة. ولقد رفض أعظم مشرع للبروتستانتية ذلك المبدأ الخاص بالحكم الفردي، الذي كان الدين الجديد قد بدأه. كان قد رأى انقسام الإصلاح الديني إلى مائة طائفة، وعهد مسبقاً أكثر من هذا، وقرر ألا يسمح بوجود طائفة منها في جنيف. إذا هناك هيئة من رجال الدين الفهماء، تصوغ عقيدة رسمية، وعلى الذين لا يقبلون اعتناقها من أهالي جنيف، حتى يبحثوا لهم من مواطن أخرى. وكان التغيب في إصرار عن حضور الصلوات البروتستانتية، أوالاستمرار في رفض تناول القربان المقدس، من الجرائم التي يعاقب عليها القانون. وأصبحت الهرطقة من حديث إهانة للرب، وخيانة للدولة، وكل مَن تثبت عليه يعاقب بالإعدام. كما أصبحت الكاثوليكية التي بشرت بهذا الحكم على الهرطقة بدورها هرطقة.

وبين عامي 1542 و1564 نفذ حكم الإعدام في ثمانية وخمسين شخصاً، ونفي ستة وسبعون، بسبب مخالفتهم للقانون الجديد. وكان السحر هنا كما في أي مكان آخر جريمة يعاقب من يزاوله بالإعدام، ولقد أوفد إلى سارية الإحراق في عام واحد، وبناء على ما أشار به مجمع الكرادلة، أربع عشرة سيدة، قيل أنهن من الساحرات، بتهمة إغرائهن للشيطان، بأن يصيب جنيف بوباء الطاعون(33). ولم يميز مجمع الكرادلة إلا قليلاً بين الدين والأخلاق... كان السلوك الأخلاقي، ومثله في ذلك مثل العقيدة الدينية، يجب حتى يلتزم بعناية، ذلك لأن حسن السلوك هوالهدف من العقيدة السليمة. وكان كالفن، وهورجل حازم قوي المراس، يحلم بمجتمع يدين بنظام صارم، إلى حد تبرهن فضائله على لاهوته، وتجلل بالعار الكاثوليكية، التي أثمرت حياة الترف والانحلال في روما، أوتسامحت فيهما. ولابد حتىقد يكون النظام العمود الفقري للشخصية، وأن يمكنها من حتى ترقى بنفسها، من وحدة الفطرة البشرية، إلى استقامة الإنسان الذي قهر شهوات نفسه. يجب حتىقد يكون رجال الدين قوة لغيرهم، بسلوكهم وبإدراكهم الحسي. ولهم حتى يتزوجوا وأن ينجبوا، وعليهم حتى يمتنعوا عن الصيد والمقامرة واللهووالتجارة وضروب التسلية الزمنية، وأن يقبلوا حتى يقوم رؤساؤهم من رجال الكنيسة بجولة تفتيشية سنوية، وأن يتقصوا عن أخلاقهم.

ولتنظيم سلوك الجماهير أقيم نظام يعتمد على الزيارات المنزلية، يتلخص في حتى أحد شيوخ الكنيسة أوغيره، كان يزور سنوياً جميع بيت عين له في الحي، ويسأل السكان عن مراحل حياتهم كلها. وانضم مجمع الكرادلة والمجلس إلى إقرار تحريم المقامرة ولعب الورق والتجديف والسكر والتردد على الحانات والرقص (الذي كان وقتذاك يعنف بالقبلات والأحضان)، والأغاني الماجنة أوالخارجة عن الدين، والإفراط في اللهو، والبذخ في العيش، والتبذل في اللبس. وحدد القانون اللون المسموح به في الملابس ومقدارها، وعدد الأطباق المسموح بها في الوجبة الواحدة. وكانت الحلي والمخرمات تقابل بالتجهم. وسجنت امرأة، لأنها صففت شعرها إلى ازدياد يتنافى مع الأدب(34). واقتصرت الحفلات المسرحية على التمثيليات الدينية ثم منعت هذه أيضاً. وكان الأطفال لا يسمون بأسماء القديسين - الواردة في التقويم الكاثوليكي، ولكن فضل حتى يطلق عليهم أسماء شخصيات، ذكرت في العهد القديم، واشتغل والد عنيد أربعة أيام في السجن، لأنه أصر على تسمية ابنه كلود بدلاً من أبراهام(35). وفرضت الرقابة على المطبوعات، طبقاً لسوابق كاثوليكية وفهمانية، وتوسع فيها (1560): فقد حظر تداول خط تتناول عقيدة دينية خاطئة، أولها نزعة تتنافى مع الخلق القويم، وقدر لمنطقات مونتاتي وكتاب "أميل" لروسوحتى تقع تحت طائلة هذا الحظر. وكان الحديث عن كالفن أورجال الدين بازدراء يعد جريمة(36)، وأول مخالفة لهذه القوانين كانت تعاقب بالزجر، أما المخالفة التالية فكانت تعاقب بالغرامات، والإصرار على المخالفة بالسجن أوالنفي. أما الفسق فكان مرتكبه يعاقب بالنفي أوبالموت غرقاً، ومَن يرتكب جريمة الزنا أوالكفر أوعبادة الأوثان يعاقب بالإعدام وفي مثل خارج على القياس بترت رأس طفل، لأنه ضرب والديه(37). وفي عامي 1558-59 حملت 414 دعوى بسبب جرائم أخلاقية، وبين عامي 1542 و1556 أقصي عن البلاد ستة وسبعين شخصاً، ونفذ حكم الإعدام في ثمانية وخمسين، وكان التعداد الكلي لسكان مدينة جنيف وقتذاك حوالي 20.000 نسمة(38). وكثيراً ما استخدم التعذيب وسيلة للحصول على اعترافات أودليل، كما كان يحدث في جميع مكان في القرن السادس عشر.

وامتد التنظيم إلى التعليم والمجتمع وإلى الحياة الاقتصادية، وأسس كالفن مدارس وأكاديمية، وبحث في أراتى أوربا عن مدرسين للغات اللاتينية واليونانية والعبرية واللاهوت، ودرب قساوسة من الشبان حملوا إنجيله إلى فرنسا وهولندة وسكوتلندة وإنجلترا، بكل ما اتصف به المبشرون اليسوعسون من حمية وإخلاص في آسيا، وأوفدت مدينة جنيف في خلال أحد عشر عاماً (1555-66) 161 مبعوثاً من أمثال هؤلاء إلى فرنسا، أنشد الكثير منهم المزامير الهوجنوتية، وهم يتعرضون للاستشهاد، ورأى كالفن حتى التقسيم الطبقي أمر طبيعي، وأسبغ تشريعه الحماية على الرتب والمنصب، بفرض نوع من اللباس، ووضع حدود لنشاط جميع طبقة(39). كان على جميع إنسان حتى يتقبل وضعه في المجتمع، وأن يؤدي واجباته، دون حسد لمن هم خير منه، أوشكوى من سوء حظه. وحظر التسول، واستبدل، بالإحسان دون أي تمييز، إدارة جماعية، تتسم بالعناية للمساعدات التي تقدم للتفريج عن الفقراء.

والتزم ممضى كالفن بالعمل الشاق والرصانة والاجتهاد والاعتدال في النفقة، وأصبح الاقتصاد قانوناً دينياً، يحلل بالغار رأس المعتصم به، ولعل ذلك هوالذي أسهم في تطوير ما فطر عليه رجل الأعمال البروتستانتي الحديث، من المثابرة على العمل، ولقد بولغ في تأكيد أهميته(40) هذه العلاقة، إذ كانت الرأسمالية قد نمت في فلورنسا والفلاندرز الكاثوليكيتين قبل الإصلاح الديني إلى درجة أكبر مما وقع في جنيف مدينة كالفن. ورفض كالفن الممضى الفردي في الاقتصاديات كما رفضه في الدين والأخلاق.

وكانت وحدة المجتمع، في رأيه ليست الفرد الحر (الذي بدأ به لوثر ثورته)، ولكن مجتمع دولة المدينة، التي ارتبط أعضاؤها بها بقانون حازم ونظام صارم. وخط يقول، ليس لأحد من أعضاء الجماعة المسيحية حتى يحتفظ بمواهبه لنفسه، وأن يقصرها على استعماله الخاص، بل يجب حتى يشرك فيها زملاءه من الأعضاء، وليس له حتى يجني فائدة إلا من تلك الأمور، التي تنشأ من النفع العام للهيئة، باعتبارها كلاً لا يتجزأ(41) "ولم يكن يظهر أي عطف نحوالمضاربة لجمع المال أوتكديسه بصورة جائرة(42)، وسمح بتقاضي فائدة على القروض مثل بعض أصحاب النظريات الكاثوليكية في أواخر القرون الوسطى، ولكنه حدد الفائدة نظرياً بخمسة في المائة، وحث على منح قروض، دون تقاضي أية فائدة، إلى الأفراد المعوزين أوالدولة(43). وعاقب مجلس الكرادلة، بموافقته، المحتكرين والمستغلين والمقرضين الذين يتقاضون فوائد باهظة، وحدد المجمع أسعار الطعام والملابس وأجور العمليات الجراحية، وذم التجار الذين غشوا عملاءهم أوفرض عليهم غرامات، والبائعين المطففين الذين إذا كالوا للناس أووزنوا لهم ينقصون، وبائعي الأقمشة الذين يختلسون من الأثواب(44). وكان النظام أحياناً يسير نحواشتراكية الدولة. فقد أسست الجماعة الموقرة مصرفاً ولفت بعض الصناعات(45).

وإذا وضعنا في أذهاننا هذه العوامل المقيدة، فإننا قد نسلم بوجود اتفاق ودي صامت ومتزايد بين ممضى كالفن والعمل والتجارة، وما كان في وسع كالفن حتى يحتفظ طويلاً بزعامته، لوأنه عاق النموالتجاري في مدينة تعتمد في حياتها على التجارة. وهيأ نفسه للموقف، وسمح بتقاضي فائدة قدرها عشرة في المائة، وأوصى بمنح قروض للدولة، لتمويل صناعة خاصة، تدخل لأول مرة، أوللتوسع فيها، كما وقع في صناعة النسيج أوفي إنتاج الحرير. ومالت المراكز التجارية، مثل أنتورب وأمستردام ولندن تواً للدين الجديد، الذي تقبل الاقتصاد الحديث. وطوى ممضى كلفن في أحضانه الطبقات الوسطى ونما بنموها.

وماذا أسفر عنه حكم كالفن،يا ترى؟ لابد حتى الصعوبات التي قابلت التطبيق كانت هائلة، لأنه لم يحدث قط في التاريخ حتى طولبت مدينة بمراعاة مثل هذه الفضيلة الصارمة، وعارض فريق كبير نظام الحكم إلى درجة إعلان الثورة الصريحة. ولكن لابد حتى عدداً لا يستهان به من المواطنين ذوي النفوذ قد أيدوه، ولوعلى أساس النظرية العامة للأخلاق، لأن آخرين كانوا في حاجة إليها. وليس من شك في حتى تدفق الهوجنت الفرنسيين وغيرهم من البروتستانت قد أطلق يد كالفن، ثم حتى قصر التجربة على مدينة جنيف وما وراءها قد حمل من فرص النجاح. ولا شد حتى الخوف المتواتر من غزوالدول المعادية لها (سافوي وإيطاليا وفرنسا والإمبراطوريّة) وامتصاصها قد فرص الاستقرار السياسي والخضوع المدني، وحمل الخطر الخارجي من شأن النظام الداخلي، وعلى أي حال فإن لدينا وصفاً حماسياً للنتائج التي أسفر عنها هذا الحكم، بقلم شاهد عيان وهوبرناردينوأوكينو، وهوإيطالي بروتستانتي، عثر ملجأ في مدينة جنيف. "إن السب والتجديف وعدم التمسك بالعفة وتدنيس المقدسات والزنا والحياة غير الطاهرة، كما يشيع ويغلب ذلك في كثير من الأماكن التي عشت فيها، غير معروفة هنا. ليس هناك قوادون ومومسات. إذا الناس لا يعهدون ما الأحمر، وكلهم يرتدون زياً واحداً، والألعاب التي تعتمد على الحظ ليست مألوفة. والخير جد وفير إلى حد حتى الفقراء ليسوا في حاجة إلى التسول. والناس يأمر بعضهم بعضاً بالمعروف بطريقة أخوية كما فرض المسيح.

والنادىوى اختفت من المدينة ولم يعد فيها أي اتجار بالمقدسات أواغتال أوروح حزينة، وعمها السلام وحب الخير، ومن جهة أخرى ليست هناك آلات أرغن ولا أجراس تدق ولا أغاني استعراضية ولا شموع تشعل أومصابيح تضاء (في الكنيسة) وليس هناك مخلفات مقدسة أوصور أوتماثيل أومظلات أوأثواب فاخرة أوهزليات أواحتفالات باردة. إذا الكنائس خالية تماماً من عبادة الأوثان" (46). ولا تتفق سجلات المجلس المستفيضة عن هذا العهد، مع هذا التقرير، فهي تكشف عن نسبة مئوية عالية من الأطفال غير الشرعيين والأطفال المهجورين والزيجات التي تمت بالإكراه والأحكام الصادرة بالإعدام(47). ومن بين مَن أدينوا بالزنى صهر(48) كالفن وابنة زوجته. ولكننا نجد مرة أخرى حوالي عام 1610 فالينتين اندريا وهوقسيس لوثري من فيتنبرج يثني على مدينة جنيف ثناء لا يخلومن الحسد ويقول: "عندما كنت في جنيف لاحظت شيئاً عظيماً يفترض أن أذكره وأتشوق إليه ما حييت. ففي تلك المدينة ليس هناك نظام تام لجمهورية كاملة فحسب. ولكن هناك نظام أخلاقي يقوم باستقصاءات أسبوعية عن سلوك المواطنين بل وعن أقل عمل يتجاوزون به الحدود، وذلك كحلية خاصة... وكل السباب والتجديف والقمار والترف والشقاق والكراهية والغش محظورة، وفي الوقت نفسه لا يسمع أحد عن الكبائر. فأية صفة مجيدة يتحلى بها الدين المسيحي أعظم من مثل هذه الطهارة في الأخلاق. إننا يجب حتى نبكي وننوح على أننا (الألمان) نفتقد هذه الصفات وأنها أهملت عندنا كلية.


معارك كالفن

اتسقت شخصية كالفن مع لاهوته. وتصوره اللوحة الزيتية المحفوظة في مخطه الجامعة بجنيف رجلاً صوفياً صارماً حزيناً ذا بشرة قاتمة هربت منها الدماء، ولحية سوداء قليلة الشعر، وجبهة عريضة وعينين قاسيتين نفاذتين. وكان قصير القامة نحيل الجسد ضعيف البنية لا يكاد يصلح لأن يحمل بين يديه. ولكن خلف الهيكل الضعيف يتوقد ذهن حاد فذ مخلص مدقق وإرادة حازمة لا تقهر ولعلها إرادة للقوة. وكان فكره قلعة للنظام جعل منه تقريباً أكويني اللاهوت البروتستانتي. وكانت ذاكرته تزخر بآلاف الموضوعات إلا أنها دقيقة وكان يسبق عصره في الشك في فهم التنجيم ويواكبه في رفض الاعتراف ب[[كوبرنيكوس] ويتخلف عنه قليلاً (مثل لوثر) في نسبة كثير من الحوادث الدنيوية إلى الشيطان. وكان وجله يخفي شجاعته وخجله يحجب كبرياء في باطنه وذلته أمام الله أصبحت في بعض الأحيان عجرفة آمرة أمام الناس. وكان شديد الحساسية للنقد ولم يكن في وسعه حتى يتحمل المعارضة بجلد امرئ يستطيع حتى يدرك احتمال أنه قد يحدث مخطئاً. وهده السقم وانحنى ظهره من كثرة العمل ولذا كان كثيراً ما كان يتميز غيظاً وينفجر في نوبات من الفصاحة الغاضبة، واعترف لبوسر بأنه عثر حتى من الصعب عليه حتى يروض "الوحش الكامن في غضبه"(50) ولم يكن من فضائله المرح الذي كان حرياً بأن يخفف من يقينياته ولا الإحساس بالجمال الذي كان كفيلاً بأن يستبقي الفن الكنسي. ومع ذلك فانه لم يكن مشاغباً لا تلين قناته، وأمر أتباعه بأنقد يكونوا منشرحين وأن يلعبوا ألعاباً لا ضرر منها مثل لعب الكرة ولعبة صيد الخنزير بحلقات الحبال وأن يستمتعوا بشرب النبيذ في اعتدال. وكان في وسعه حتىقد يكون صديقاً حنوناً رقيق القلب وعدواً لا يتسامح، وكان قادراً على إصدار أحكام قاسية وعلى الانتقام بشدة. وكان الذين يخدمونه يخشونه(51)، أما الذين كانوا يحبونه فهم الذين عهدوه حق الفهم. وكانت حياته الجنسية خالية من الزلات، وكان يعيش في بساطة ويأكل قليلاً، ويصوم دون حتى يقصد التباهي، ولا ينام إلا ست ساعات في اليوم، ولم يحصل قط على إجازة، واستنفد قواه دون تحديد فيما افترض أنه عبادة الله. ورفض حتى يمنح زيادة في مرتبه ولكنه سعى لكي يحمل الأموال المخصصة للبر للفقراء. ونطق البابا بيوس الرابع: "إن قوة ذلك الهرطيق تكمن في هذا: إذا المال لم يكن له أقل سحر عليه. وإذا كان لدي أتباع مثله فإن مملكتي يفترض أن تمتد من البحر إلى البحر"(52).

ورجل له مثل هذا الطبع لابد حتى يثير حقد كثير من الأعداء. وحاربهم بشدة وبلغة العصر الجدلية... ووصف خصومه بأنهم من الأوغاد وأنهم أغبياء وكلاب وحمير وخنازير وبهائم منتنة(53) - وهي نعوت أقل لياقة بالنسبة للاتينيته الرشيقة من أسلوب لوثر الذي يشبه أسلوب المجالدين، ولكنه قابل استفزازات. فقد وقع يوم حتى قاطع جيروم بولسيك، وهوراهب سابق من فرنسا، كالفن وهويقدم عظته في كنيسة القدّيس بطرس وندد بالعقيدة التي تقول بالجبر باعتبارها إهانة للرب، فرد عليه كالفن بأن تلا آيات من الكتاب المقدس، واعتقلت الشرطة بولسيك واتهمه مجمع الكرادلة بالهرطقة. وكان المجلس ميالاً إلى الحكم عليه بالإعدام ولكن عندما استأنس بآراء فهماء اللاهوت في زيورخ وبازيل وبرن دلت على أنها مبلبلة: فقد أوصت برن بالحرص في علاج المشكلات التي تدق على ادراك الإنسان - وهي نغمة جديدة في أدب العصر، وحذر بولينجر، كالفن، حتى "الكثيرين مستاءون مما تقول في كتابك القوانين حول الجبر، ويستخلصون نفس النتائج مثل بولسيك"(54) وتراضى المجلس على النفي (1551) وعاد بولسيك إلى فرنسا وإلى الكاثوليكية. وأهم من هذا في النتيجة مناظرة كالفن مع جواليم ويستفال، إذ ندد هذا القسيس اللوثري برأي زونجلى وكالفن القائل بأن المسيح لا يحضر في القربان المقدس إلا بروحه" وعد هذا "تشديداً من وحي الشيطان" ورأى حتى المصلحين الدينيين السويسريين يجب ألا يرد عليهم بأقلام فهماء اللاهوت، ولكن بعصا الحكام (1552) ورد عليه كالفن بألفاظ بلغت من القسوة حداً دفع زملاءه من المصلحين الدينيين في زيورخ وبازيل وبرن إلى رفض التوقيع على احتجاجه. ومع ذلك فإنه أصدره، وعاد ويسفال وآخرون من أنصار لوثر إلى الهجوم، فدمغهم كالفن بأنهم "قردة لوثر" وأبدى من الحجج القوية ما دفع عدة مناطق كانت وقتذاك تناصر لوثر مثل - براندنبرج والبلاتينات وأجزاء من هس وبرينين وآنهالت وبادن إلى الموافقة على وجهة نظر سويسرة والكنيسة التي خضعت للإصلاح الديني، ولم ينقذ باقي ألمانيا الشمالية من التحول عن العقيدة اللوثرية إلا صمت ميلانكتون "الذي كان يتفق في الرأي سراً مع كالفن". وصدى صواعق لوثر بعد الموت.

وتحول كالفن من هذه الهجمات على اليمين وقابل إلى اليسار جماعة من المتطرفين وصلوا حديثاً إلى سويسرة من إيطاليا المعارضة لها في الإصلاح الديني. وكان كايليوس يسكوندوس كوريويلقي تعاليمه في لوزان وبازيل وقد صدم كالفن عندما أعرب حتى الناجين - وفيهم كثير من الوثنيين - يفترض أن يفوقون عدد المعذبين في نار جهنم بكثير. أما لايليوس سوكينوس، وهوابن أحد كبار فقهاء القانون الإيطاليين، واستقر في زيورخ فقد تفهم اليونانية والعربية والعبرية لكي يفهم الكتاب المقدس على أحسن وجه، وتفهم كثيراً جداً، وفقد إيمانه بالثالوث الأقدس والجبر والخطيئة الأصلية والتكفير.

وأعرب عن شكه لكالفن الذي رد عليه بقدر الإمكان. ووافق سوكينوس على حتى يتجنب التعبير علناً عن شكوكه ولكنه تحدث فيما بعد معارضاً تطبيق حكم الإعدام في سرفيتوس، وكان من بين القليلين الذين وقفوا يدافعون عن التسامح الديني في ذلك العصر المحموم.

وفي دولة يمتزج فيها الدين والحكومة في مزيج مسكر، كان من الطبيعي حتى تكون أشد المعارك التي خاضها كالفن هي معاركه الوطنيين والمتحررين والذين أقصوه مرة عن البلاد والذين أسفوا الآن لعودته. فقد استاء الوطنيون من أصله الفرنسي ومن أنصاره وكرهوا لاهوته ولقبوه بقابيل، وأطلقوا على كلابهم اسم كالفن، وسبوه في الطرقات، ولعلهم هم الذين أطلقوا في إحدى الليالي خمسين طلقة نارية خارج بيته. وبشر المتحررون بعقيدة تقول بوحدة الوجود، وتخلوا عن ذكر الشياطين أوالملائكة أوجنة عدن أوالتكفير أوالكتاب المقدس أوالبابا. واستقبلتهم مارجريت ملكة نافار وأيدتهم في بلاطها بنيراك، ولامت كالفن على قسوته معهم. وفي يوم 27 يونيه عام 1547 عثر كالفن إعلاناً كبيراً ملصوقاً على منبره واتى فيه: منافق كبير إنك لن تجني أنت ورفقاؤك بآلامك إلا النذر اليسير وإذا لم تنجوا بحياتكم بالهرب فلم يحول أحد دون القضاء عليكم، ولسوف تلعن الساعة التي هجرت فيها ديرك... إذا الناس ينتقمون لأنفسهم بعد حتى عانوا طويلاً... إحذر فلن تعامل مثل السيد فيرل (الذي كان قد قتل)... لمقد يكون لنا سادة كثيرون إلى هذا الحد(55)...

وقبض على جاك جريه، وهوأحد كبار المتحررين، إذ اشتبه في أنه خط الإعلان ولم يقدم أي دليل. وادعى بعضهم أنه قبل ذلك ببضعة أيام تفوه بتهديدات ضد كالفن، ووجد في حجرته أوراق قيل أنها بخط يده، يصف فيها كالفن بأنه منافق متعجرف وطموح ويسخر فيها من حتى الخط المقدسة وهي من عند الله ومن خلود الروح. وعذب مرتين جميع يوم لمدة ثلاثين يوماً إلى حتى اعترف - ولا ندري مدى ما في اعترافه عن صدق - بأنه كان قد ثبت الإعلان الكبير وتآمر مع العملاء الفرنسيين ضد كالفن ومدينة جنيف. وفي يوم 26 يوليوربط إلى خازوق، وهونصف ميت، وسمرت قدماه فيه وبتر رأسه(56).

وازدادت حدة التوتر إلى حتى اتى الوطنيون والمتحررون يوم 16 ديسمبر عام 1547 وهم مسلحون وحضروا اجتماعاً للمجلس الكبير وطالبوا بوضع حد لسلطة مجمع الكرادلة على المواطنين، وفي ذروة هرج عنيف ولج كالفن إلى الحجرة وقابل الزعماء المعادين له ونطق وهويدق على صدره: "إذا كنتم تريدون سفك دمي فمازالت هنا بضع قطرات فهيا اضربوا" وسحبت السيوف ولكن أحداً لم يجسر على حتىقد يكون القاتل الأول. وخاطب كالفن الجمع بحلم نادر وأخيراً أقنع جميع الأطراف بعقد هدنة. ومع ذلك فقد اهتزت ثقته بنفسه. وخط يوم 17 ديسمبر إلى فيريه يقول: "إن أملي ضعيف في حتى تستطيع الكنيسة حتى تجد لها عضداً أكثر من هذا، على الأقل من رجالي الذين يقومون بالخدمة الدينية. صدقني إذا سلطاني يتحطم، اللهم إلا إذا أعطى الله إلي يده". وكان المعارضة انقسمت شيعاً وأحزاباً وهدأت إلى حتى أتاحت لها محكمة سرفيتوس فرصة أخرى.

ميگل سرڤتوس 1511 - 1553

ميگل سرڤتوس

ميگل سرڤتوس هوعالم لاهوت وفيزيائي وطبيب أسباني ، ويعتبر أول أوروبي يكتشف وظيفة الرئتين في الدورة الدموية. وقد ولد ميگل سرڤتوس في ڤيلانوڤا (وتقع على بعد حوالي ستين ميلاً من ساراقوسه) وهوابن موثق عقود من أسرة كريمة. ونشأ في عهد كانت فيه كتابات إرازموس تتمتع بتسامح عابر في أسبانيا. وكان متأثراً إلى حد ما بأدب اليهود والمسلمين، إذ قرأ القرآن وشق طريقه في التأويلات التلمودية وتأثر بنقد الساميين للمسيحية (في صلواتها للثالوث ولمريم وللقديسين) باعتبارها شركاً. وأطلق عليه لوثر لقب "المراكشي".

ونشر في عامي 1531 و1532 أول وثاني طبعة من مؤلفه De Trinitatis erroribus، وكان فيه خلط كثير وخط بلغة لاتينية غير مصقولة لابد أنها كانت تدفع كالفن إلى الابتسام لواطلع عليها ولكنها كانت عملاً مذهلاً بالنسبة لفتى في العشرين من عمره بسبب ثرائها في سعة الفهم بالكتاب المقدس. وكان يسوع في نظر سرفيتوس رجلاً نفخ فيه الرب، الأب حدثة الله، الحكمة الإلهية، وبهذا المعنى أصبح يسوع ابن الرب ولكنه لم يكن كفواً للأب أوسرمدياً مثله، يستطيع حتى يوصل روح الحكمة نفسها إلى الآخرين من الناس "إن الابن أوفد من الأب بطريقة لا تختلف عن تلك التي أوفد بها واحد من الأنبياء". وهذا قريب جداً من مفهوم محمد عن المسيح. واستطرد سرفيدوس ليستشهد برأي الساميين في القول بالثالوث الأقدس: "وكل مَن يؤمن بثالوث أقدس بروح الله يقول بوجود ثلاثة أرباب". وأضاف قائلاً إنهم ملحدون حقاً باعتبارهم منكرين لوجود إله واحد. وكان هذا تطرفاً شديداً من شاب ، ولكن سرفيتوس حاول حتى يخفف من هرطقته بتأليف مقطوعات مهلهلة النسيج عن المسيح باعتباره نور العالم، ومهما يكن من أمر فإن معظم قرائه شعروا بأنه قد أطفأ النور. وكأنما كان يريد ألا يهجر حجراً دون حتى يقذف به أحداً فتلاقى مع اللامعمدانيين في حتى التعميد يجب ألا تجرى مراسيمه إلا للبالغين. فأنكر عليه ذلك أويكولامباديوس وبوسر، فقلب سرفيتوس مرشد سفر كالفن وفر من سويسرا إلى فرنسا.

واعتقل سرفتوس في قصر سابق لأحد الأساقفة تحول الآن إلى سجن. ولم يعذب إلا بالقمل الذي أغار على زنزانته. وسمح له بورق وحبر وبأي خط يعن له شراؤها ، وأعاره كالفن بضعة مجلدات بقلم الآباء الأوائل. وأديرت المحاكمة بعناية واستمرت ما ينوف على شهرين.

في 24 أكتوبر 1553 حكم على سرڤتوس بالإعدام حرقاً لإنكار الثالوث ومعمودية الطفل. حينما طلب كالفين بأن يعدم سيرفيتوس بالسيف بدلا من الحريق، وبخه وليام فاريل، في رسالة بتاريخثمانية سبتمبر 1553 ، للتساهل الذي اعتبره لا داعٍ له. في 27 أكتوبر أحرق سيرفيتوس خارج جنيف.

دعوة للتسامح

اتحد الكاثوليك والبروتستانت في الموافقة على الحكم. ولما أفلتت من محكمة تفتيش فيين فريستها فإنها قامت بإحراق تمثال لسرفيتوس . وأعرب ميلانكتون في خطاب له إلى كالفن وبولينجر عن "حمده لابن الرب" لــ "معاقبة الرجل الكافر" ووصفه عملية الإحراق بأنها "مثال يشير على الورع لا ينسى لكل الأجيال القادمة". وأعرب بوسر من فوق منبره في شتراسبورج حتى سرفيتوس قد استحق حتى تنزع أمعاؤه ويمزق إرباً. ووافق بولينجر، وهوبوجه عام خير رقيق العاطفة، على حتى الحكام المدنيين يجب حتى يعاقبوا بالموت مَن يثبت عليه الكفر(75).

ومع ذلك فقد ارتفعت بعض الأصوات تدافع عن سرفيتوس حتى في أيام كالفن، فقد نظم صقلي قصيدة طويلة بعنوان: De iniusto Serveti incendio، ونشر دافيد جوريس البازيلي، وهولا معمداني، احتجاجاً ضد تطبيق حكم الإعدام، بيد أنه سقط عليه باسم مستعار ولما اكتشفت بعد وفاته أنه محرر هذا الاحتجاج أخرجت جثته بعد الدفن وأحرقت علناً (1566). وبالطبع أدان خصوم كالفن السياسيون معاملته لسرفيتوس واستهجن بعض أصدقائه قسوة الحكم باعتباره مشجعاً للكاثوليك في فرنسا على تطبيق عقوبة الإعدام على الهوجنوت. ولابد حتى هذا النقد قد انتشر انتشاراً واسعاً لأن كالفن أصدر في فبراير عام 1554 a Defensio orthodoxae fidei de sacra Trinitate contra Prodigiosos errores Michaelis Servetir دفاع محافظ على الشريعة عن القول بالثالوث المقدس ضد أخطاء ميكائيل سرفيتوس الفظيعة. ونطق: إذا آمنا بأن الكتاب المقدس وحي من الله فإننا نعهد الحقيقة وكل مَن يعارضونه أعداء الله كافرون به. ولما كان ذنبهم أعظم بكثير من أي جريمة أخرى فإن على السلطة المدنية حتى تعاقب الهراطقة باعتبارهم أسوأ من أي سفاحين، ذلك لأن القتل العمد يؤدي إلى هلاك الجسد فحسب بينما الهرطقة المقبولة تعرض الروح للعذاب الأبدي في نار جهنم (وكان هذا بالضبط موقف الكاثوليك) وفضلاً عن هذا فإن الرب نفسه قد فهمنا بصورة قاطعة حتى نقتل الهراطقة وأن نضرب بالسيف أي مدينة تتخلى عن عبادة الرب وفق العقيدة الخالصة التي كشفها لنا بنفسه. واستشهد كالفن بسنن سفر الثنية القاسية 13 : 5-15 و17 : 2-5 وسفر الخروج 22 : 20 وسفر اللاويين 24 : 16 وناقش بها ببلاغة ملتهبة حقاً: "كل مَن يتمسك بأن الهراطقة والكفار لحقهم ضرر بمعاقبتهم يورط نفسه بأنقد يكون شريكاً لهم في جريمتهم... ولا محل هنا للحديث عن سلطة الإنسان فالرب هوالذي يتحدث، ومن الواضح أي شريعة احتفظ بها في الكنيسة إلى يوم القيامة. فلماذا يطلب منها مثل هذه القسوة الشديدة إذا لم يكن هذا ليرينا إننا لا نوفيه حقه من التبجيل ما دمنا لا نضع عبادته تعالى فوق أي اعتبار إنساني بحيث لا نبقي على آصرة قربى أوصلة دم بيننا وبين أي إنسان وأن ننسى جميع إنسانية عندماقد يكون الأمر متعلقاً بالقتال في سبيل مجده تعالى؟(76).

وخفف كالفن من استنتاجاته بأن نصح بالرحمة بالذين لا تكون هرطقاتهم جوهرية أوالذين يتضح حتى هرطقاتهم بسبب الجهل أوضعف العقل. ولكن حيث أنه رضى بصفة عامة بالقديس بولس هادياً له ومرشداً فإنه رفض حتى يلجأ للوسيلة البولسية (نسبة إلى بولس) التي تعلن حتى القانون الجديد يحل محل القانون القديم. والحق حتى حكومة رجال الدين التي كان من الواضح أنه كان يمكن حتى تتحطم وتشيع فيها الفوضى إذا سمحت الخلافات في العقيدة بإبداء الرأي علناً. وفي غضون ذلك ماذا آلت إليه الروح الأرازمية التي تدعوإلى التسامح،يا ترى؟ لقد كان أرازموس متسامحاً لأنه لم يكن على يقين تام، أما لوثر وميلانكتون فقد تخليا عن التسامح عندما تدرجا في اليقين، وأما كالفن فكادقد يكون على يقين مذ بلغ عامه العشرين بتبكير قاتل في النضج. وليس من شك في حتى قليلاً من فهماء الإنسانيات الذين درسوا الفكر الكلاسي والذين لم يهابوا العودة إلى الحضيرة الرومانية بالاشمئزاز من الالتاتى إلى العنف في النزاع اللاهوتي ظلوا يرون على استحياء حتى اليقين في الدين والفلسفة أمر لا يمكن الوصول إليه، ومن ثم فإن على المشتغلين باللاهوت والفلاسفة ألا يقتلوا أحداً.

وكان عالم الإنسانيات الذي تحدث بموضوع بعض الوقت عن التسامح وسط صدام اليقينيات واحداً من أقرب أصدقاء كالفن حيناً من الزمن. فسباسيان كاستيليوالذي ولد في جورا الفرنسية عام 1515 أصبح حاذقاً للغات اللاتينية واليونانية والعبرية ودرس اليونانية في ليون وعاش مع كالفن في شتراسبورج فعينه مديراً لمدرسة اللاتينية في جنيف (عام 1541) وهناك شرع في ترجمة الكتاب المقدس بأسره إلى لغة شيشرون اللاتينية. وقد أحب بكالفن رجلاً ولكنه كره الممضى القائل بالجبر وأضنى قواه تحت وطأة النظام الجديد الذي خضع له الجسد والعقل. واتهم في عام 1544 القساوسة في جنيف بالتعصب والدنس والسكر. واشتكى كالفن إلى المجلس، ووجد حتى كاستليومذنب بسبب الغيبة ونفي من المدينة (1544)، وعاش تسع سنوات في فاقة ومسبغة وهويعول أسرة كبيرة، وكان يعمل أثناء الليل في إنهاء نسخته المترجمة من الكتاب المقدس. وانتهى منها عام 1551، ثم بدأ مرة أخرى في سفر التكوين 1:1 وهووحيد يسعى في هدوء إلى إتمام البحث، وترجم الكتاب المقدس إلى الفرنسية. وحصل أخيراً (1553) على منصب أستاذ لليونانية في جامعة بازيل. وأحس بالعطف على الموحدين وتمنى لواستطاع حتى يساعد سرفيتوس، وراعه دفاع كالفن عن تطبيق حكم الإعدام. ونشر هووكامليوس كوريوبأسماء مستعارة (مارس 1554) أول كتاب حديث من الكلاسيات عن التسامح: "هل يجب حتى يضطهد الهراطقة،يا ترى؟ De haereticis an Sint persequendi.

وكان الهيكل الرئيسي للمؤلف مختارات من الشعر جمعها كوريومن الابتهالات المسيحية من أجل التسامح، من لاكتانتيوس وجيروم إلى أرازموس ولوثر في بواكير حياته وكالفن نفسه. واشهجر كاستيليوفي الجدال بالمقدمة والخاتمة وأشار إلى حتى الناس قد ناقشوا في مدة مائة عام الإرادة الحرة والجبر والسماء والجحيم والمسيح والثالوث وأموراً أخرى صعبة ولم يصلوا إلى أي اتفاق، ومَن يدري لعلهم لن يصلوا أبداً إلى اتفاق. ونطق كاستيليو: لا داعي لأي اتفاق، فمثل هذه القضايا الجدلية لا تجعل الناس خيراً مما هم عليه، وكل ما نحن بحاجة إليه هوحتى نتحلى بروح المسيح في حياتنا اليومية وأن نطعم الفقراء وأن نساعد السقمى ونحب أعدائنا. وبدا له حتى من السخرية حتى تزعم الطوائف الجديدة، شأنها في هذا شأن الكنيسة القديمة، إنها على حق مطلق، وأن تكره مَن لها عليهم السيطرة البدنية على اعتناق عقائدها ونتيجة هذاقد يكون الإنسان محافظاً على العقيدة في مدينة ويصبح هرطقياً عندما يدخل مدينة أخرى، وعليه حتى يغير دينه كما يغير نقده عند جميع حد من حدود البلاد. وهل يمكن حتى تتصور حتى المسيح يأمر بإحراق رجل حياً لأنه يدافع عن تعميد البالغين،يا ترى؟ لقد حلت محل الشرائع الموسوية التي تدعوا إلى القضاء على الحياة جميع هرطيق شريعة المسيح التي تدعوإلى الرحمة لا إلى التعسف والإرهاب وإذا أنكر إنسان وجود حياة بعد الموت ورفض الاعتراف بكل شريعة فإنه (كما نطق كاستيليو) يمكن للحكام حتى يسكتوه فحسب ولكن ينبغي ألا يقتل. وفضلاً عن هذا فإن اضطهاد العقائد (كما رأى) لا طائل تحته والاستشهاد في سبيل فكرة ينشر هذه الفكرة بسرعة أكبر مما كان في وسع الشهيد حتى يعمل لوجاز له حتى يعيش. وختم كلامه بقوله أية مأساة في حتى نرى مَن حرروا أنفسهم أخيراً من محكمة التفتيش الرهيبة يقلدونها سريعاً في طغيانها، وأن يكرهوا الناس على حتى يعودوا إلى الظلام السيمري بعد فجر واعد مثل هذا(77).

وعهد كالفن نزعات كاستيليوفتعهد على خطه في رسالته "الهراطقة"، وفوض مهمة الرد عليها لأذكى تلاميذه تيودور دي بيز أوبيز أوبيزا. وقد ولد تيودور في فيزيلاي من أسرة أرستقراطية، ودرس القانون في أورليانز وبورجس ومارسه بنجاح في باريس، وخط شعراً باللاتينية وفتن بعض النساء بتوقد ذهنه وأكثر من هذا بنجاحه، وعاش حياة مرحة وتزوج وسقط صريع سقم خطير، وجرب وهوعلى فراش السقم تحولاً معكوساً نحوتعاليم لويولا، واعتنق البروتستانتية وفر إلى جنيف وقدم نفسه إلى كالفن وعين أستاذاً لليونانية في جامعة لوزان. ومما هوجدير بالملاحظة حتى لاجئاً بروتستانتياً من فرنسا التي تضطهد الهوجنوت أخذ على عاتقه الدفاع عن الاضطهاد، وقد أدى هذا بمهارة محامي وإخلاص صديق؛ فأصدر في سبتمبر عام 1554 مؤلفاً بعنوان (كتاب صغير عن واجب الحكام المدنيين في عقاب الهراطقة) De haereticis a civili magistratu punindis libelus وأشار مرة أخرى إلى حتى التسامح الديني محال للإنسان قبل حتى الخط المقدسة وحي من لدن الله. ولكننا إذا رفضنا التسليم بأن الكتاب المقدس حدثة الله، عملى أي أساس نبني العقيدة الدينية التي يتضح بجلاء أنه لا غنى عنها - إذا أخذنا في الاعتبار ما فطر عليه الناس من شر - لكبح جماح الناس وللنظام الاجتماعي - والحضارة،يا ترى؟ وإذن لن يتبقى إلا شكوك مهوشة تعمل على تفكيك عرى المسيحية. ولا يمكن حتىقد يكون لمؤمن مخلص بالكتاب المقدس غلا دين واحد، أما الديانات الأخرى فلابد حتى تكون زائفة أوناسيرة. حقاً إذا العهد الجديد يبشر بسنة المحبة ولكن هذا ليس عذراً لنا لكي لا نقتص من اللصوص والقتلة، فكيف يبيح لنا هذا حتى نبقى على الهراطقة؟.

وعاد كاستيليوإلى الجدل في كراسة دينية بعنوان: Contra Libelum Calivini، ولكنها ظلت نصف قرن دون حتى تنشر. وسبق ديكارت في مخطوط أخرى بعنوان De arte dubitnnd بأن جعل من "فن الشك" أول خطوة في البحث عن الحقيقة ودافع في رسالته "المحاورات الأربعة" عن الإرادة الحرة وعن احتمال خلاص عالمي. وفي عام 1562 نشر رسالته "نصيحة إلى فرنسا الحزينة"، توسل فيها عبثاً إلى الكاثوليك والبروتستانت بإنهاء الحروب الأهلية التي كانت تجتاح فرنسا وبأن يسمحوا لكل مؤمن بالمسيح "أن يصلي للرب وفق عقيدته هووليس وفق عقيدة غيره من الناس"(78)، وكان من الصعب حتى يسمع أحد صوتاً يشذ عن النغم السائد في العصر. ومات كاستيليوفقيراً بالغاً من العمر ثمانية وأربعين عاماً (1563)، ونطق كالفن إذا وفاته المبكرة حكم عادل من إله عادل.


كالفن إلى النهاية 1554 - 1564

ولعل كالفن قد عهد ميل كاستيليوالخفي إلى ممضى الموحدين - الإيمان بإله ليس ثلاثة في واحد، ومن ثم رفض التسليم بألوهية المسيح، ويمكن حتى يغتفر له أنه كان يرى في هذا الشك الأساسي بداية النهاية للمسيحية. وخشي من هذه الهرطقة أكثر من أي شيء آخر لأنه وجدها متفشية في مدينة جنيف ذاتها، وفوق جميع شيء بين اللاجئين البروتستانت الفارين من إيطاليا، ولم يرَ هؤلاء الناس أي معنى في حتى يستبدلوا بتجسد لا يصدق قدراً محتوماً لا يصدق. وهاجمت ثورتهم الدعوة الأساسية للمسيحية وهي حتى المسيح ابن الله. وكان لماتيوجريبالدي، وهوأستاذ في فقه القانون في بادو، بيت صيفي بالقرب من جنيف، وتحدث بصراحة أثناء محاكمة سرفيتوس ضد العقاب بسبب الآراء الدينية، ودافع عن حرية العبادة - بالنسبة للجميع، فدعي للمثول أمام المجلس، ونفي من المدينة إذ اشتبه في أنه يؤيد ممضى الموحدين (1559) وكفل لنفسه التعيين في وظيفة أستاذ للقانون في جامعة تيبنجن. وأوفد كالفن إلى الجامعة حدثة عن شكوك جريبالدي. فألزمته بأن يسقط اعترافاً يقر فيه بالتثليث، وبدلاً من حتى يخضع فر إلى بيرن حيث توفي متأثراً بداء الطاعون في عام 1564. واستدعى جورجيوبلاندراتا، وهوطبيب إيطالي يقيم في مدينة جنيف للمثول أمام المجلس بتهمة مناقشة ألوهية المسيح، ففر إلى بولندة حيث عثر شيئاً من التسامح بالنسبة إلى هرطقته.

وأعرب فالنتينوجنتيلي، من كالابريا، صراحة عن آرائه المؤيدة لممضى الموحدين في مدينة جنيف، فألقى في غياهب السجن حكم عليه بالإعدام (عام 1557) فتراجع عن أقواله وأطلق سراحه ومضى إلى ليون فقبضت عليه السلطات الكاثوليكية، بيد أنه أطلق سراحه عندما أكد لهم حتى مصلحته الرئيسية تكمن في دحض مزاعم كالفن. وانضم إلى بلاندوراتا في بولندة، وعاد إلى سويسرة حيث اعتقله حكام بيرن وأدين بتهمة الحنث بقسمه والهرطقة وبترت رأسه (1566).

ووسط هذه المعارك في سبيل الرب استمر كالفن يعيش في بساطة وقد حكم جنيف بقوة شخصية مسلحة بأوهام أتباعه. وتدعم مركزه بمرور السنين. وكان ضعفه الوحيد في جسده الواهن: كان يشكومن آلام في رأسه والربووسوء الهضم والحصوة والنقرس، وهصرت الحمى جسده وأبرزت عظمه وشكلت وجهه فبدت تقاطيعه مشدودة تنم على القسوة والكدر. وأصيب بسقم في 1558-59 استمر طويلاً وهجره ضعيفاً واهناً مصاباً بنزيف متكرر من الرئتين. واضطر بعد ذلك إلى ملازمة الفراش معظم الوقت على الرغم من أنه مستمر في الدراسة والتوجيه والوعظ حتى عندما كان يحمل حملاً في مقعد إلى الهيكل المقدس. وحرر وصيته في يوم 25 أبريل عام 1564 وهوواثق تمام الثقة من اختياره للمجد الأبدي. وفي اليوم السادس والعشرين أقبل المأمورون وأعضاء المجلس وجلسوا بجانب فراشه، فطلب منهم المغفرة بسبب سورات غضبه، ورجاهم حتى يتشبثوا بالعقيدة الطاهرة للكنيسة التي اتبعت الإصلاح واتى فاريل وكان آنذاك قد بلغ العام الثمانين من عمره من نيوشاتل ليودعه الوداع الأخير. وبعد مرور بضعة أيام قضاها كالفن في الصلاة والعذاب عثر السلام (27 مايوعام 1564). وكان تأثيره أعظم من تأثير لوثر، ولكنه سار في طريق كان لوثر قد مهده، فقد أسبغ لوثر حمايته على الكنيسة الجديدة بإحياء القومية الألمانيّة لتأييدها وكانت الحركة ضرورية، ولكنها ربطت اللوثرية رباطاً وثيقاً بالأصول التيوتوية، ولقد أحب كالفن فرنسا وجاهد لكي يحمل من شأن قضية الهوجنوت ولكنه لم يكن وطنياً فقد كان الدين بلده، وعلى هذا فإن عقيدته، مهما لحقها من تعديل، استلهمت البروتستانتية في سويسرة وفرنسا وسكوتلندة وأمريكا، واستولت على قطاعات كبيرة من البروتستانتية في هنغاريا وألمانيا وهولندة وإنجلترا. ولقد أضفى كالفن على البروتستانتية في كثير من البلاد تعظيماً وثقة واعتزازاً بالنفس مكنتها من حتى تعيش وتصمد لألف محنة محتة.

وقبل وفاته بعام انضم تلميذه أوليفيانوس إلى أورسينوس تلميذ ميلانكتون في إعداد وعظ هيدلبرج الذي أصبح تعبيراً مقبولاً لعقيدة الإصلاح الديني في ألمانيا وهولندة. ووفق بيز وبولينجر بين ممضىي كالفن وزونجلى في الإقرار السويسري البروتستانتي الثاني (1566) الذي أصبح وثيقة رسمية للكنائس التي اتبعت الإصلاح الديني في سويسرة وفرنسا وتابع بيز باقتدار عمل كالفن في جنيف نفسها. بيد أنه ما حتى مر عام حتى أخذ كبار رجال الأعمال الذين يسيطرون على المجالس في مقاومة محاولات مجمع الكرادلة والجمعية المبجلة بنجاح ازداد شيئاً فشيئاً ليستبدلوا بها الرادع الأخلاقي في العمليات الاقتصادية، وبعد وفاة بيز (1608) دعم أغنياء التجار نفوذهم (سيادتهم) وفقدت الكنيسة في جنيف مزاياه الإدارية - (التوجيهية) التي كان كالفن قد ظفر بها لها في الشئون غير الدينية. وفي القرن الثامن عشر خفف تأثير فولتير من التقليد الكالفيني، وقضى على سيطرة الأخلاق المتطهرة النزعة بين الناس. وكافحت الكاثوليكية في جلد وصبر لتسترد مكانها في المدينة، وعرضت مسيحية خافية من الكدر ونزعة أخلاقية خالية من الصرامة، وكان 42 في المائة من السكان في عام 1594 كاثوليك و47 في المائة منهم بروتستانت.

ولكن أعظم بناء قام به الإنسان له أثر كبير في جنيف هوالنصب التذكاري للإصلاح الديني "المبجل الذي يمتد في بهاء على طول سور بستان ويحتفل بفوزات البروتستانتية وترتفع في وسطه تماثيل فاريل وكالفن وبيز ونوكس القوية.

وفي غضون ذلك كانت حكومة رجال الدين الصارمة التي أقامها كالفن تنبت براعم ديمقراطية، ثم إذا جهود الزعماء الكالفينيين في سبيل توفير التعليم للجميع تفقيههم وغرسهم شخصية مهذبة قد ساعد أوساط الناس الأشداء في هولندة على إبعاد الحكم المطلق الإسباني الدخيل ودعم ثورة النبلاء ورجال الدين في سكوتلندة ضد ملكة فاتنة ولكنها مستبدة. وكان للنزعة الرواقية في عقيدة صارمة الفضل في خلق أرواح قوية للمعاهدين السكوتلنديين والمتطهرين الإنجليز والهولنديين والحجاج في نيوإنجلاند، وثبتت قلب كرومويل واهتدى بها قلم ميلتون الكفيف وحطمت سلطان آل ستيوارد المستبدين. وشجعت الناس الباسلين والقساة على الظفر بقارة وعلى نشر أساس التعليم والحكم الذاتي إلى حتى يستطيع جميع الناس حتى يصبحوا أحراراً. وسرعان ما طالب الناس الذين اختاروا كهان أبرشياتهم بأنقد يكون لهم حق اختيار حكامهم وأصبحت جماعة المصلين التي تحكم نفسها بنفسها بلدية تحكم نفسها بنفسها، إلى غير ذلك أبرزت أسطورة الانتخاب الإلهي نفسها في خلق أمريكا. وعندما تم أداء هذا العمل أهملت النظرية البروتستانتية التي تقول بالجبر، ولما عاد النظام الاجتماعي إلى أوربا بعد حرب الثلاثين عاماً وفي إنجلترا بعد ثورتي عام 1642 و1689 وفي أمريكا بعد عام 1793 تغير الفخار بالانتخاب الإلهي إلى اعتزاز بالعمل وإنجازه وشعر الناس بأنهم أقوى وأكثر أمناً.

وقل الخوف وأسلمت القسوة المذعورة التي ولدت رب كالفن إلى رؤية أكثر رحمة ألزمت بإعادة النظر في مفهوم الألوهية. وعقداً بعد عقد نبذت الكنائس التي تسلمت زمام القيادة من كالفن عناصر عقيدته القاسية، وواتت الجرأة المشتغلين باللاهوت على حتى يؤمنوا بأن جميع من ماتوا في الطفولة خط لهم الخلاص، وأعرب قس مبجل دون حتى يسبب أي اضطراب حتى "عدد الضالين نهائياً... سيكون طفيفاً جداً". ونحن نشعر بالشكر لهذا التأكيد العظيم. ونوافق حتى على حتى الخطأ يعيش لأنه يخدم حاجة حيوية ما. ولكننا يفترض أن نجد دائماً من الصعب حتى نحب الرجل الذي أظلم الروح البشرية بأكثر المفاهيم عن الله سخفاً وكفراً في تاريخ السخف الطويل المبجل بأسره.

المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

الخط

مجموعات عامة

  • أعمال من John Calvin في مشروع گوتنبرگ
  • Writings of Calvin at the Christian Classics Ethereal Library (CCEL)
  • Sermons by Calvin

أعمال لاهوتية

  • at CCEL
  • Calvin's Commentaries on the Bible at CCEL
  • Jean Calvin, Théodore de Bèze, , vol. 1, by J. Calvin, with his life by Theodore Beza, tr. by H. Beveridge, Edingurgh, The Calvin Translation Society, 1844. – Google Books
  • , Vol. 2, tr. by Henry Beveridge, Edingurgh, The Calvin Translation Society, 1849
  • tr. by James Lillie, New York, Robert Carter, 1840

رسائل

  • Jules Bonnet, Letters of John Calvin, Carlisle, Penn: Banner of Truth Trust, 1980. ISBN 0-85151-323-9
  • Jules Bonnet, Lettres de Jean Calvin, (Lettres Francaises - French Letters), 2 vols., vol. 2 (Tome Second) , Paris, Librairie De. Ch. Meyrueis et Compagnie, 1854
  • Jules Bonnet, Letters of John Calvin, 2 vols., 1855, 1857, Edinburgh, Thomas Constable and Co.: Little, Brown, and Co., Boston – The Internet Archive
  • Calvin's letter to the Protector Somerset, October 22, 1548. Two Kinds of Rebels that "Deserve to be Repressed by the Sword."

مصادر ثانوية

  • Bernard Cottret, Calvin, a Biography, Grand Rapids, Michigan, Eerdmans, 2001. ISBN 0-567-08757-3
  • Roland Bainton (1974). Women of the Reformation in England and France. Boston, MA: Beacon Press. ISBN 0-8070-5649-9.
  • John Farrell, "The Terrors of Reform," chapter five of Paranoia and Modernity: Cervantes to Rousseau. Cornell University Press, 2006.
  • John Foxe. An Account of the Life of John Calvin
  • Nancy and Lawrence Goldstone, Out of the Flames: The Remarkable Story of a Fearless Scholar, a Fatal Heresy, and One of the Rarest Books in the World. Broadway Books: New York, 2002. ISBN 0-7679-0837-6
  • David W. Hall. A Heart Promptly Offered: The Revolutionary Leadership of John Calvin. Nashville, TN: Cumberland House, 2006. ISBN 1-58182-505-6
  • R. Ward Holder. "John Calvin". Internet Encyclopedia of Philosophy. Retrieved 2007-09-18.
  • Robert M. Kingdon, Registers of the Consistory of Geneva in the Time of Calvin: Volume 1, 1542-1544, Grand Rapids, Mich., Eerdmans Publishing Company, 2000. ISBN 0-8028-4618-1 Reviewed by the PROTESTANT REFORMED THEOLOGICAL JOURNAL
  • Robert M. Kingdon, Calvinism in Europe 1540-1620, Andrew Pettegree et al., eds. Cambridge: Cambridge University Press, 1994. ISBN 0-521-43269-3 (Chap.2, "The Geneva Consistory in the Time of Calvin,")
  • John Piper, "John Calvin: The Man and His Preaching", lecture from the 1997 Bethlehem Conference for Pastors.
  • Hugh Young Reyburn, , London, New York, Hodder and Stoughton, 1914.
  • Philip Schaff (1892). . VIII.
  • Emanuel Stickelberger, trans. by David Georg Gelzer, Calvin: A Life, John Knox Press, Atlanta: 1954.
  • Virgil Vaduva (2005-04-05). ". Retrieved 2006-10-30.
  • Stefan Zweig The Right to Heresy: Castellio against Calvin translated by Eden and Cedar Pal. The Viking Press, 1936
  • Prohibition of Swearing - Corpus Reformatorum, (Opera Calvini, 59 vols.), (Braunschweig: 1863-90) vol. 48, cols. 59-62.

انظر أيضاً

  • وجهة نظر جون كالڤن في مريم

تاريخ النشر: 2020-06-04 20:40:09
التصنيفات: صفحات تستخدم وسوم HTML غير صالحة, Articles which use infobox templates with no data rows, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, Pages with citations using unsupported parameters, مصلحون دينيون مسيحيون, فرنسيون, كالڤينية, مصلحون بروتستانت, كالڤينيون فرنسيون, أشخاص مشاهير في التقويم الديني اللوثري, علماء لاهوت فرنسيون, محامون فرنسيون, Calvinist ministers and theologians, مناهضو الكاثوليكية, مجددو الكنيسة, رجال دين منهجيون, كتاب روحانيون فرنسيون, اشخاص من پيكاردي, مواليد 1509, وفيات 1564

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عمر العوضي يتأهل لأولمبياد باريس

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:22:07
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

كولر يجتمع بالجهاز الفني قبل مباراة السوبر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:22:09
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

إغاثة درنة: ارتفاع عدد ضحايا السيول لـ7700 حالة وفاة و8000 مفقود

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:21:20
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

ماكرون: نتضامن مع إيطاليا في مواجهة تدفق المهاجرين إلى جزيرة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:23:06
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 53%

السكة الحديد: تشغيل قطارى "القاهرة/القناطر " وإيقاف "القاهرة / مطروح"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:22:55
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 45%

رفع ٩٠ طن مخلفات و تراكمات بثلاث مجالس قروية بمركز المنيا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:22:03
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 64%

مسؤول في "المركزي الأوروبي": معدلات الفائدة أصبحت كافية لخفض التضخم

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:23:05
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 49%

آخر صورة للفنانة كريمان.. وحفيدتها تنعيها بكلمات مؤثرة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:22:51
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 40%

"وول ستريت" تستهل على تراجع بضغط من أسهم معدات الرقائق

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-09-15 18:23:10
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 48%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية