مودود بن ألتون‌تگين

عودة للموسوعة

مودود بن ألتون‌تگين

شرف الدولة مودود بن ألتون‌تگين أوألتون‌طاش (توفي 507هـ/1113م) أتابك الموصل من السلاجقة من 1109 إلى 1113. نظم وشن عدة حملات لاستعادة أراضي استولت عليها الحملة الصليبية الأولى.

يحتل مودود مكانة خاصة في تاريخ الجهاد ضد الصليبيين، وأسهمت في تكوين هذه المكانة عوامل عدة أهمها – ولا ريب – الفترة المبكرة التي ظهر فيها، والطابع الإسلامي العميق لشخصيته المتفانية في سبيل تحقيق أهـداف المسلمين الكبرى، وسـياسته الداخلية العادلة السمحة، وقدرته – بنـاء على ذلك كله – على تزعُّم حركة الجهاد وإيجاد نوع من التنسيق، من الممكن لأول مّرة، بين كافة القوى الإسلامية في ساحات الجهاد، الأمر الذي لن نجده متبلوراً وناضجاً إلاَّ في عهد الأراتقة وزنكي فيما بعد. وأخيراً نجاحه في وضع الصليبيين في موضع الدفاع، وتحقيقه عدداً من الفوزات، اتى أحدها عند مرتفعات طبرية في قلب فلسطين، بعيداً عن الساحة التي درج عليها الصراع بين ولاة الموصـل السابقين وأعدائهم. ثم اتى مقتله السريع، إثر ذلك، في جامع دمشق على أيدي الشيعة الباطنية الأعداء الشرسين لحركة الجهاد والمقاومة، والحزن العميق الذي ضم جماهير المسلمين بعيد اغتياله والحدثات المخلصة التي نطقها قبيل استشهاده. اتى ذلك كله لكي يؤكد مكانة مودود الإسلامية كبطل من أبطال الحروب الصليبية ورائد من رواد الجهاد الأولين.

حملة مودود الأولى ضد الرها

في عام 503ه/1109م بعد أشهر قليلة من استتباب الأمر له في الموصل وبعد حتى تلقَّى أمراً من السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه بالتحرك لقتال الصليبيين، بدأ مودود بتشكيل تحالف إسلامي ضم الأمير إيلغازي الأرتقي أمير ماردين بعساكره من الهجرمان، وسقمان القطبي أمير أرمينية المعروف باسم شاه الأرمن وعدد كبير من المتطوعين.

وكانت هذه أول مرة يجتمع فيها هذا العدد من الأمراء المسلمين لقتال الصليبيين، ولهذا تُعُّد هذه الحملة فاتحة عهد حديث من النضال ضد الصليبيين، ونقطة تحول هامة من التفرق والتخاذل إلى التجمع والهجوم، وما حتى فهم الصليبيون في الرها بحشود المسلمين حتى أنفذ بلدوين دي بورج رسولاً إلى بيت المقدس يلتمس النجدة العاجلة من الملك بلدوين، متجاهلاً الاستعانة بـ "تانكرد" صاحب أنطاكية، إذ كان يشك في نواياه، وباتفاقه مع المسلمين ضد الرها.

وكان الملك بلدوين آنذاك يحاصر مدينة بيروت، ولم يتحرك إلا بعد حتى استولى عليها، فأسرع بالمسير نحوالشمال، وصحبه برترام أمير طرابلس، وانضم إليه قرب سميساط، بعض زعماء الأرمن وعلى رأسهم كوغ باسيل، فوصل إلى الرها في آخر شهر ذي الحجة/أواخر شهر تموز، وظل الأتابك مودود يحاصر الرها مدة شهرين دون حتى يتمكّن من اختراق استحكاماتها، فلما تراءى له جيش بيت المقدس، حمل الحصار عنها وتراجع إلى حّران وفق خطة عسكرية محكمة، وانضم إليه طغتكين أتابك دمشق.

وقّرر الملك بلدوين مطاردة الجيوش الإسلامية، إلا أنه كان عليه حتى يوحَّد حدثة الصليبيين قبل حتى يقوم بهذا العمل، فاستدعى تانكْرد صاحب أنطاكية، ونجح في تحقيق المصالحة بينه وبين أمير الرها، وكان مودود قد أمعن في انسحابه لاستدراج الصليبيين إلى مكان بعيد عن قاعدتهم، ثم تطويقهم بعد حتى ينحرف فجأة إلى الشمال لكن عملية المطاردة توقفت فجأة، وانفرط عقد التحالف الصليبي، لأنه تظافرت عدة دوافع جعلت الصليبيين يتوقفون عن المطاردة ويتراجعون من المنطقة لعل من أهمها:

  • لقد تلقّى الملك بلدوين تحذيراً مبكراً بخطة مودود، ففكّ الحصار عن قلعة شناوالتي تقع إلى الشمال الغربي من حران، كما تلقّى إنذاراً من بيت المقدس بتحرك فاطمي ضد بيروت، فقَّرر التخليَّ عن الحملة.
  • راجت شائعات في الأوساط الصليبية، بأن رضوان صاحب حلب يستعد لمهاجمة أنطاكية في ظل غياب أميرها، فاضطر تانكرد إلى التخلي عن الحملة.
  • وبناء على نصيحة الملك، بأن لا جدوى من محاولة حماية الجهات الواقعة شرقي نهر الفرات، أوعز بلدوين إلى السكان بالجلاء إلى الجهات الواقعة على الضفة اليمنى، واحتفظ بحاميات عسكرية، في حصن الرها وسروج الكبيرين، وبعض القلاع الصغيرة، مع تدعيم الإمكانات الدفاعية لها. أما مودود فقد اكتفى بمهاجمة مؤخرة الصليبيين العابرين وعاد إلى الموصل.


حملة مودود الثانية ضد الرها

اتىت الجولة الثانية بعد أقل من سنتين، إثر الاستنفار الذي نادى إليه وفد من أهالي حلب قدم إلى بغداد للدعوة إلى الجهاد، بعدما رأوا من تمادي رضوان في إذعانه للصليبيين، والهزائم المتتالية التي مُنِيٍَ بها مسلمي الشام والتي سقط على إثرها عددا من المواقع بأيدي الأعداء وقد استفز نداء الوفد الحلبي جماهير بغداد وفقهاءها، فقاموا بتظاهرة واسعة طالبوا خلالها المسئولين، خلفاء وسلاطين، بضرورة إعلان الجهاد وتسيير الجيوش لوقف الزحف الصليبي.

وقد أسرع الخليفة بإعلام السلطان السلجوقي بما جرى، وطلب منه الاهتمام بالأمر والإسراع بالاستجابة لنداءات المسلمين، فأصدر هذا أوامره على الفور إلى واليه على الموصل الأمير مودود بتشكيل تحالف إسلامي حديث جاعلاً القيادة الاسمية لابنه الملك مسعود، واجتمع تحت قيادة مودود، حاكم الموصل، جميع حكام الأنطقيم في دولة السلاجقة، سقمان القبطي صاحب خلاط [9]، وتبريز [10] ، وبعض ديار بكر، وإيلغازي الأرتقي الذي أناب عنه ابنه أياز، والأميران الكرديان أحمديل صاحب مراغة [11] ، وأبوالهياتى صاحب إربل، فضلاً عن بعض أمراء فارس بزعامة الأميرين أيلنكي وزنكي التي بُرسُق أمير همذان [12] .

بدأت قوات التحالف عملياتها العسكرية في شهر محرم عام 505ه شهر تموز عام 1111م بفتح عدة مواقع صليبية شرقي الفرات ثم اتجه أفرادها لحصار الرها، أثارت الحملة الذعر بين السكان، لكن في الحقيقة لم تغيَّر الموقف فيها، فقد أعيت المسلمين بسبب مناعتها وصمود أهلها، عندئذ رأى مودود حتى يعبر الفرات لمهاجمة تل باشر [13] ، فتحولت قوات المسلمين إليها كي يجرّوا أعداءهم إلى اجتياز الفرات فيتمكنوا منهم إلا حتى هذا كان خطأ من قادة المسلمين، لأن الصليبيين تمكنوا لدى عبورهم الفرات من نقل مقادير كبيرة من الميرة والأعتدة والأقوات إلى الرها فقويت من بعد ضعف كاد يسقطها بأيدي المسلمين لواستمروا على حصارهم لها [14].

وما لبث جوسلين صاحب تل باشر، الذي تعرض لضغط القوات الإسلامية، حتى تمكن من رشوة القائد الكردي أحمديل الذي كان الجزء الأكبر من قوات المسلمين بمعيته فانسحب متراجعاً بالرغم من معارضة سائر الأمراء [15]. ولم يمض وقت طويل حتى استنجد رضوان بمودود واستدعى قواته للقدوم إلى حلب كي يعملوا سوية من هناك ضد المواقع الصليبية، فغادر مردود تل باشر متجهةً إلى حلب على رأس قواته، وما حتى ابتعدوا عن تل باشر حتى خرج إليهم جوسلين، على رأس قوة من فرسانه، وتمكن من مهاجمة مؤخرتهم، وقتل ما يقرب من ألف رجل منهم، وعاد إلى بلده مثقلاً بالغنائم.

ولم تكن دعوة رضوان لمودود صادقة، فلم تكد القوات الإسلامية تقترب من حلب حتى أقفل رضوان بوجهها الأبواب، واتخذ من إجراءات الحيطة لمنع المظاهرات حتى أمر باعتنطق عدد كبير من أعيان المدينة واتخذهم رهائن ولم يسع مودود إلا حتى يتحّرك بجيشه جنوباً إلى شيزر بعد حتى أغار على عدد من المواقع الصليبية في الشمال وفي شيزر حيث اجتمع به طغتكين الذي كان قد توجه إلى بغداد طالباً المساعدة لاستعادة طرابلس، إلا أنه خاف حتى تؤخذ منه دمشق فشرع في مهادنة الصليبيين سراً .

أما تانكرد الذي عسكر أمام شيزر فإنه تراجع إلى أفامية، وأوفد إلى الملك بلدوين يستنجد به، فاستجاب له هذا وبعث إلى سائر الفرسان في الشرق الصليبي ليلحقوا به فانضم إليه عدد كبير منهم، كما قام تانكرد باستنادىء أتباعه من سائر جهات إنطاكية. وأما مودود فقد تحصن خلف أسوار شيزر قبل حتى يكتمل حشد الصليبيين الذين بلغ عددهم نحوستة عشر ألف مقاتل كان على رأسهم ملك بيت المقدس، وأمراء الرها وإنطاكية وطرابلس، ورفض مودود حتى يجَّره أعداؤه إلى معركة حاسمة. إلا حتى الأمور لم تجر على نحوطيب في جيشه، إذ إذا طغتكين لم يشأ حتى يبذل له المساعدة إلاَّ بعد حتى تعهد مودود بالمضي في حملته إلى الجنوب لقتال الصليبيين في فلسطين رغم خطورة هذه المحاولة من الناحية العسكرية.

أما برسق الكردي فأصابه السقم وأراد حتى يعود إلى بلاده، ومات سقمان القطبي فجأة فانسحبت عساكره صوب الشمال حاملة جثمانه، وبادر أحمديل إلى الانسحاب بعساكره محاولاً انتزاع جانب من ممتلكات سقمان ولم يعد بوسع مودود القيام بالهجوم نظراً لتناقض قواته يوماً بعد يوم كما أنه لم يكن راغباً في حتى يقضي الشتاء بعيداً عن الموصل، فقفل عائداً إليها [16]. كان لتلك البوادر السيئة من قبل بعض الأمراء أثرها المباشر على إمكان تحقيق أي نصر حاسم ضد الصليبيين، كذلك الذي حققه جكرمش وسقمان في معركة البليخ. وقد أظهرت هذه الأحداث مدى تفكُّك القيادات الإسلامية وعدم وحدتها، في الوقت الذي تجمعت فيه القوى الصليبية في شمالي الشام وجنوبه، وحققت لبلدوين ملك بيت المقدس نوعاً من الزعامة على سائر أمراء الصليبيين [17].

كانت سياسة رضوان في إمارة حلب شراً كلها، فقد هادن الإسماعيلية والصليبيين، وحالفهم ضد خصومهم من المسلمين، إذ انضم إلى صاحب أنطاكية الصليبي ضد صاحب الموصل جاولي عام 501ه وعندما هاجم الأمير مودود صاحب الموصل أنطاكية وتل باشرن رفض رضوان مساعدته وأغلق مدينة حلب في وجهه بل تحالف مع "تنكرد" الصليبي صاحب أنطاكية ضد المجاهدين، وبقيت أبواب المدينة مغلقة سبع عشرة ليلة في وجه الجيش الإسلامي [18] ، ولم يحفظ له الصليبيون هذه المواقف فحاصروا حلب عام 504ه واشتد الحصار، حتى أكل الناس الميتة وورق الشجر، وفرضوا على رضوان مبلغاً من المال كان يحمله إليهم سنوياً [19].

وحصلت الإسماعيلية الباطنية الرافضية على مكانة مرموقة في حلب، بفضل تشيع رضوان لأرائهم، ومساعدته لهم، ومن ثم صار يستخدمهم في اغتيال خصومه السياسيين [20] ، وكان يميل إلى الفاطميين، فخطب للمستعلي في بلاده، ولوزيره الأفضل، ودامت الخطبة لها عامين في حلب وكان دميم السيرة، قّرب الباطنية، وعمل لهم دار دعوة في حلب فكثروا وهلك سنة 507ه [21] ، ووصفه المؤرخ أبوالمحاسن فنطق: كان شحيحاً بخيلاً قبيح السيرة، ليس في قلبه رحمة للرعية، وكانت الفرنج تغير وتسبي ... ولا يخرج إليهم [22] ، خلفه ابنه ألب أوفدان المعروف بالأخرس، فنكب الإسماعيلية وقتل زعيمهم أبا طاهر الصائغ، وبقية زعماء تلك الطائفة.

حملة مودود الثالثة ضد الرها

مع حتى مودوداً عثر نفسه وحيداً في حركة الجهاد إلا أنه قام في شهر ذي القعدة 505ه/شهر أيار 1112م، بمهاجمة الرها فجأة، وحاصرها لكن المدينة صمدت في وجه الحصار، فرأى عندئذ حتى يهجر حولها قوة عسكرية ويهاجم سروج في شهر محرم عام 506ه/شهر تموز عام 1112م بوصفها المعقل الثاني للصليبيين شرقي الفرات. وبهذه الخطة العسكريةقد يكون مودود قد قسَّم قواته وأضعفها متخلياً عن حذره في لقاءة الصليبيين، وكانت النتيجة حتى لحق به جوسلين صاحب تل باشر وهزمه وقتل عدداً كبيراً من رجاله، فلم يسعه عند ذلك إلا التراجع نحوالرها، لكن جوسلين سبقه إليها لمساعدة بلدوين دي بورج في الدفاع عنها، وفي الوقت الذي كانت تدور فيه هذه الأحداث، تآمر الأرمن في الرها ضد بلدوين، واتصلوا بمودود ليخلصَّهم من حكم الصليبيين، وجرى الاتفاق على حتى يساعدوه في الاستيلاء على قلعة تسيطر على القطاع الشرقي من المدينة، مما يمكنّه بعد ذلك من الاستيلاء على بقية المدينة بسهولة، لكن وصول جوسلين السريع حال دون تطبيق الاتفاق ورُدَّ المسلمون على أعقابهم، فلم يتمكنوا مـن انتزاع المدينة مـن أيـدي الصليبيين [23].

حملة مودود ضد إمارة بيت المقدس - معركة الصنابرة

ظل مودود متمسكاً بفكرة جهاد الصليبيين، وهي المهمة التي عهد إليه بها السلطان محمد السلجوقي، بوصفه ممثله في إقليم الجزيرة وبلاد الشام، فتحرك في مطلع عام 507هـ/شهر يونيوعام 1113م على رأس تحالف إسلامي لقتال الصليبيين في بيت المقدس بناءً على استنجاد طغتكين، أتابك دمشق، به، بعد حتى تعرضت إمارته لهجمات شديدة من صليبي بيت المقدس، الذين نفذوا من وادي التيم إلى البقاع، ووصلوا إلى بعلبك، وانضم كلٌ من تميرك صاحب سنجار، وأياز بن إيلغازي أمير ماردين إلى هذا التحالف.

كان هدف المسلمين منطقة فلسطين. فنجحوا في استدراج الملك بلدوين إلى أراضي دمشق حتى جسر الصنابرة، الواقع في المجرى الأعلى لنهر الأردن. وفي الثالث عشر من شهر محرم وقع اللقاء الذي انتهى بفوز المسلمين، ونزلت بالصليبيين هزيمة ساحقة، فارتد ملك بيت المقدس إلى طبرية. ولم يلبث حتى وصل لنجدته روجر أمير أنطاكية، وبونز أمير طرابلس، في حين لم يستطع أمير الرها الحضور لأن إمارته كانت بحاجة إلى حماية دائمة، وواصل المسلمون زحفهم، بعد المعركة، حتى بلغوا طبرية، غير أنهم لم يغامروا بلقاءة التحالف الصليبي، خاصة حتى فصل الشتاء قد حل. فقرروا الانسحاب إلى دمشق. وكانت تلك هي أول مرة تتعاون الموصل ودمشق في حرب الصليبيين في مملكة بيت المقدس وتكمن أهمية الأتابك مودود في أنه أعاد للمسلمين الثقة بأنفسهم، فتحولوا من الدفاع إلى الهجوم في علاقاتهم مع الصليبيين وبلوَر فكرة الاتحاد بين المسلمين، وأعطاها بُعداً سياسياً وعسكريا، فأضحى أمراؤهم على استعداد للتعاون المثمر بنوايا صادقة.


مقتل مودود

سيَّر مودود وحليفه رسولاً إلى السلطان السلجوقي في أصفهان يبشرانه بما تمّ على أيديهما من فتح وبعثوا مع الرسول بعض ما غنموه، وعدداً من أسرى الفرنج ورؤوسهم إلا حتى بعُد المسلمين عن بلادهم، وانقطاع الإمداد والتموين عنهم، واشتداد البرد عليهم، اضطرهم إلى وقف عملياتهم في المنطقة والعودة إلى دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول على أمل الرجوع ثانية لقتال الصليبيين عند حلول الربيع، وبعد حتى يتلقى مودود جواب السلطان على رسالته، والتعليمات التي سيصدرها لهذا الصدد [30] .

دخل مودود جامع دمشق يوم الجمعة في ربيع الأول، ليصلي فيه، وطغتكين، فلما فرغ من الصلاة وخرج إلى صحن الجامع ويده في يد طغتكين، وثب عليه باطني فضربه فجرحه أربع جراحات وقتل الباطني، وأخذ رأسه، فلم يعهده أحد فأحرق، وكان مودود صائماً، فحمل إلى دار طغتكين، واجتهد به ليفطر فلم يعمل ونطق: لا لقيت الله إلا صائماً، فمات من يومه رحمه الله [31] .

تأثر المسلمون لمصرع بطل من كبار أبطال الجهاد، اشتهر بإخلاصه وتفانيه وجرأته، وحزنوا حزناً عميقاً لاختفائه السريع، بعد الفوز العظيم الذي حققه مع حليفه في قلب البلاد الصليبية، وقد عبرت جماهير دمشق عن حزنها وغضبها، حيث شهدت المدينة اضطرابا لم تشهد له مثيلاً منذ فترات بعيدة، ولم يهدئ من روع الناس سوى أملهم بنجاة القائد من الجـراح التي أثخنته، لكنهم ما حتى سمعوا نبأ استشهاده بعد ساعات قلائل، حتى عادوا – ثانية – إلى ما كانوا عليه [32] ، وخط ملك الفرنج في بيت المقدس كتاباً إلى طغتكين اتى فيه : إذا أمة قتلت عميدها، يوم عيدها، في بيت معبودها، لحقيق على الله حتى يبيدها [33] !! غير حتى ملك الفرنج وغيره من أمراء الصليبيين تجاهلوا أوتعمدوا التجاهل آنذاك، إذا ما أكثر عونا لهم وأشد خطراً على جميع محاولة إسلامية لقتالهم، ليست هي الأمة التي ظنوا أنها قتلت عميـدها في بيت معبودها. فقد عهدنا موقف هذه الأمة من مقتل بطلها المجاهد، إنما هي تلك الفرقة الباطنية الرافضية الحاقدة – التي قامت على ممضى جديد، شديد الميل إلى التدمير كان قد أنشأة في بلاد فارس، إنسان يدعى الحسن بن الصباح وقد دعمته الدولة الفاطمية الرافضية الباطنية ولم تكن كراهية الحشاشين هؤلاء للمسيحيين تزيد على بغضهم للمسلمين السنيين [34] .

ما ترتب على حملات بطل الإسلام مودود من نتائج

على الرغم من الإخفاق الذي حل بحملات بطل الإسلام مودود إلا أنها تمخضت عن عدد من النتائج المهمة في مسار تاريخ حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين، ويمكن إجمالها في الآتي:

? إذا إمارة مودود – على قصر مدتها – تعد نقطة تحول في تاريخ الصراع الإسلامي – الصليبي خلال تلك الفترة المبكرة، فقد صارت فكرة الجهاد حقيقة واقعة [35]، ووجدت فارسها المخلص الذي حمل لواءها ما يقرب من نصف المدة التي تولى فيها أمر إمارة الموصل [36].

- يمكن اعتبار حملات مودود مقدمة لحملات عماد الدين زنكي مع عدم إغفال الفارق الزمني في صورة الثلاثة عقود الفاصلة بين إنجاز جميع منهما والتي أدت إلى سقوط إمارة الرها الصليبية عام 1144م/539ه حيث حتى مودود وجه حملاته الأولى إلى الرها وتل باشر، وعمل على إرهاق أهلها على نحونصفه بأنه المقدمة الأولى لجهود زنكي ضدها، على اعتبار حتى قافلة الجهاد متصلة قائداً من بعد قائد.

- كشفت حملات مودود عن الضعف الذي كانت عليه القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة وعدم إخلاص بعضها لقضية الجهاد ضد الغزاة الصليبيين [37].

وعلى الرغم من الدور الرائد الذي قام به مودود؛ إلا أننا نجد البعض يرى حتى عماد الدين زنكي هوالذي وضع أساس حركة الجهاد ضد الصليبيين [38] ، وفي هذا إجحاف بدور تلك القيادة السلجوقية وواقع الأمر: حتى المؤرخين الذين أرخوا لتلك الفترة من تاريخ الصراع الإسلامي الصليبي انبهروا بحجم الإنجاز الكبير الذي قام به عماد الدين زنكي من حيث إسقاط أول إمارة صليبية أقيمت في المنطقة، فتصوروا حتى المراحل السابقة عليه ليست ذات قيمة كبيرة على الرغم من أنها كانت الممهدة الحقيقية لإنجاز عام 1144م/539ه .

ولا نغفل أيضاً حتى النادىية السياسية الناجحة والفعالة التي قدمها المؤرخ العراقي الفذ ابن الأثير من خلال كتابه الباهر لمؤسس البيت الزنكي، قد جعلت المؤرخين يتأثرون بها بصورة أوبأخرى، ويكفي مودود فخراً أنه نجح في ضرب الوجود الصليبي في الجليل، وهي منطقة لم تصل إليها فعاليات المسلمين قرابة عقدين من الزمان، ويكفيه أنه الحق الهزيمة بمؤسس مملكة بيت المقدس الصليبي.

ونستطيع حتى نصل إلى رؤية محددة من خلال حتى قادة الجهاد الإسلامي جميع يكمل الآخر، ولا خصومه بينهم، وما قام به مودود أفاد – فيما بعد – القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، ولذا فبالإمكان القول، اليوم الصنبرة وغداً حطين؛ وهذا ما أثبته السياق العام لتاريخ تلك المنطقة في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي [39] وعلى أية حال عند مقارنة جهد مودود بسابقيه في صورة كربوغا، وجكرمش، وجاولي سقاوة سيتضح لنا أنها أدوار متدرجة ومتصارعة، فكربوغا انحصر أمره في نجدة إنطاكية، وجكرمش زاد الأمر من خلال تحالفه مع سقمان بن أرتق على نحوأدى إلى الفوز في معركة حران 498ه/1104م. أما مودود فإن دوره أكثر تعاظماً على نحوأدى إلى هزيمة الصليبيين في معركة الصنبرة عام 507ه/1113م، وهوأمر يثبت لنا أنه خلال نحوتسعة أعوام فقط تم إلحاق هزيمتين كبيرتين بالصليبيين، غير حتى العقبة القائمة تمثلت في عدم الإفادة من جميع من الفوزين في اجتياح مناطق الأعداء، وتحقيق فوز سريع خاطف يصعب على الصليبيين تعويض خسائرهم من جرائه غير حتى بقايا ظاهرة التشرذم السياسي، والتباغض بين القيادات الإسلامية كان عائقاً دون تحقيق ذلك [40].

المصادر

  1. ^ د. علي محمد الصلابي (2009-03-04). . إسلام اونلاين. Retrieved 2009-03-06.
  2. ^ د. علي محمد الصلابي. المقاومة الإسلامية للغزوالصليبي. p. 112.
  3. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير سليم؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Salabi
  4. ^ د. علي محمد الصلابي. تاريخ الزنكيين في الموصل. p. 69.
  5. ^ حسين مؤنس. نور الدين محمود. p. 123.
  6. ^ ابن القلانسي. ذيل تاريخ دمشق. p. 271.
  • Grousset, René (1934). Histoire des croisades et du royaume franc de Jérusalem - I. 1095-1130 L'anarchie musulmane.
  • Maalouf, Amin (1984). The Crusades Through Arab Eyes. New York: Schocken Books. ISBN .
  • Runciman, Steven (1951). A history of the Crusades - Volume 1.
ألقاب ملكية
سبقه
جاولي سقاوة
أتابگ الموصل
1109–1113
تبعه
آق سنقر البرسقي
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:53:51
التصنيفات: صفحات بأخطاء في المراجع, مواليد القرن 11, وفيات 1113, أتابكة الموصل, مسلمو الحملة الصليبية الأولى, تاريخ الموصل, Assassinated royalty, ترك القرن 11, حكام ترك

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

واشنطن: لم يتخذ قرار بعد بشأن الحد الأقصى لأسعار مبيعات النفط الروسى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:31
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

«ورشة ولقاء خاص بنادي الطفل» ثقافة بني سويف تحتفل بانتصارات أكتوبر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:47
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

السعودية: تأشيرة العمرة للقادمين من الخارج مدتها 3 أشهر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:31
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 61%

الرئيس السيسى يحضر ندوة ” أكتوبر .. إرادة وطن “

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:56
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 68%

مصر الجميلة: كاهن كنيسة الروم يوزع حلوى المولد النبوى بدمياط

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

أبناء مصر: ملحمة أكتوبر المجيدة ستظل محفورة على جبين كل مصري مخلص

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:35
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

أحمد بدير لـ«الدستور»: مشاركتى فى الفيلم التسجيلى واجب وطنى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:24
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

أشقاء من المنيا يتبرعون بشعرهم لمرضى السرطان (فيديو)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-04 15:21:42
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية