حزب الأمة (السودان)

عودة للموسوعة

حزب الأمة (السودان)

حزب الأمة السوداني (تأسس في فبراير 1945) أكبر حزب سوداني، تأسس في عهد الإحتلال البريطاني وكان يطالب بالإنفصال عن مصر وبقاء السودان تحت التاج البريطاني. الحزب هوالقابلة السياسية لجماعة الأنصار، وهي جماعة صوفية تضم أكثر من نصف مسلمي السودان وتتبع محمد أحمد المهدي.

نشأة الحزب

سقطت معركة كرري الشهيرة في 2 سبتمبر 1898 م معلنة نهاية دولة المهدية المستقلة وبداية العهد الاستعماري الثنائي الذي قابل انتفاضات مهدوية عديدة فقمعها بوحشية وعمل على تشتيت الأنصار وكسر شوكتهم. كما قابل لاحقا انتفاضة 1924 وقمعها بفظاظة. أدت تلك اللقاءات ونموالوعي القومي عالميا إُثر إصدار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ودورد ويلسون لمبادئه الأربعة عشر وإنشاء عصبة الأمم، والخلاف حول مركز السودان ومستقبله خلال المفاوضات بين الحكومتين المصرية والبريطانية، إلى إيقاد جذوة الحركة السياسية السودانية بين الخريجين السودانيين، وتطوير فكرة نادي الخريجين الذي كان يلعب أدوارا اجتماعية وثقافية وأدبية في عشرينيات القرن العشرين، نحوإنشاء مؤتمر الخريجين بأهدافه السياسية الواضحة في 1937م. قاد المؤتمر النشاط الوطني وسط الخريجين وأثمر أبرز محطات الاجماع السوداني حينها بتقديم مذكرة الخريجين في ثلاثة أبريل 1942م.

كان الأنصار قد تم لم ضمهم من حديث وبناء تنظيماتهم الاجتماعية وإشراكهم في المناشط الاقتصادية بمجهودات السيد عبد الرحمن المهدي الذي سعى للتنسيق مع قادة مؤتمر الخريجين ورعاية نضالهم الوطني نحوالاستقلال، ولكن المؤتمر وبعد انتخاباته التي جرت في نوفمبر 1944م سيطرت عليه جماعة الأشقاء التي كانت تتأهب لإصدار قرار من المؤتمر يفسر مذكرة الخريجين بأن مطلب السودانيين القومي هوالاتحاد مع مصر تحت التاج المصري. كما برز حينها اتجاه مصري رسمي قوي بتسوية مسألة السودان بعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمر السلام أوفي مفاوضات مصرية-بريطانية. جميع ذلك أدى للتعجيل بإنشاء كيان يعبر عن الرأي السوداني الاستقلالي.. وهوحزب الأمة.

نشأ حزب الأمة كتحالف بين ثلاثة عناصر هي: الأنصار، وزعماء العشائر، ونفر من الخريجين المنادين باستقلال السودان تحت شعار: السودان للسودانيين.

بدأت الاجتماعات التأسيسية للحزب في ديسمبر 1944 ، وتمت صياغة لوائح الحزب ودستوره وبرامجه، وانتخب عبدالله خليل سكرتيرا عاما للحزب، فقام بحمل دستور الحزب للسكرتير الإداري في 18 فبراير 1945م طالبا التصديق عليه والذي تم باعتباره ناد لعدم وجود قانون بشأن الأحزاب حينها.

يعتبر الحزب أول حزب سوداني لأن الجماعات الأربع (الاتحاديين، جماعة الأحرار، جماعة الأشقاء، وجماعة القوميين) التي نشأت في اكتوبر 1944 م لم تنشأ كأحزاب ولم تسم نفسها كذلك كما يرد في معظم خط التاريخ المعاصر وإنما نشأت كجماعات في إطار مؤتمر الخريجين، ولذلك لم تفتح عضويتها لكل السودانيين ولم تخاطب غير الخريجين، كما لم تطلب تصديقا لتكوينها من الجهات الرسمية.

رئيس الحزب في أي وقت هونفسه إمام الأنصار وهوكبير عائلة المهدي. ويرأسه حالياً الصادق المهدي. وحالياً يعارضون الحكومة ويطالبون بالديمقراطية.

انتخب عبد الله خليل أول سكرتير عام للحزب, ولم يكن للحزب رئيس حتى تم انتخاب الصديق المهدي رئيسا في 1950.

خطاب محمد أحمد عمر للإسرائيليين في 18 نوفمبر 1955-11-18.

وافق الحزب على الدخول في المجلس الاستشاري لشمال السودان, ثم في الجمعية التشريعية لأجل انتزاع استقلال السودان، واستطاع حتى يمرر قرار الحكم الذاتي من داخل الجمعية التشريعية في 1952.

قابل محاولات لشق صفه من بريطانيا (عبر الحزب الجمهوري الاشتراكي في 1952), ومن مصر (عبر حزب التحرير في 1957)، لكنه صمد في وجهها.

بعد الاستقلال, الذي تحقق في الأول من يناير/كانون الثاني 1956, اشهجر الحزب في الحكم مع حزب الشعب الديمقراطي بعد حدوث الانشقاق في الحزب الوطني الاتحادي، وذلك في الفترة ما بين 1956 و1957, ثم ولج في حكومة ائتلافية أخرى برئاسة السكرتير العام للحزب عبد الله خليل.

عارض حزب الأمة النظام العسكري بقيادة الفريقإبراهيم عبود ، مما أدى إلى مجزرة المولد في أغسطس/آب 1961 التي اغتال فيها عدد كبير من أنصاره.

انتخب الصادق المهدي رئيسا للحزب عقب نجاح ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بعبود، وكان في السابق "إمام الأنصار" هوزعيم الحزب الأول, وصاحب القرار القاطع فيه.

شهد الحزب أول انشقاق في 1968 قبل حتى يرمم صفوفه في 1969، كما تعرض لحرب ضروس من نظام الرئيس جعفر النميري الذي كان يقوده الحزب الشيوعي السوداني في بداية عهده, فأدت اللقاءة إلى ما سمي مجزرة الجزيرة أبا وودنوباوي في مارس/آذار 1970, وسقط فيها 907 قتلى من الأنصار.

شارك حزب الأمة القومي في "انتفاضة شعبان" في سبتمبر/أيلول 1973 التي فشلت, ثم اشهجر مع الحزب الاتحادي والإخوان المسلمين في الانتفاضة المسلحة في الثاني من يوليو/تموز 1976 التي فشلت هي الأخرى في إحداث التغيير.

سقط مع النميري اتفاقا للمصالحة, ونقل نشاطه إلى الداخل في 1977, لكن الاتفاق انهار في 1978.

نال حزب الأمة 101 من المقاعد في الانتخابات التي أعقبت الإطاحة بحكومة النميرى في 1986, بينما نال منافسه الأول الاتحادي الديمقراطي 64 مقعدا, ونالت الجبهة الإسلامية 51 مقعدا.

بعد انقلاب الإنقاذ في 1989, التحق رئيس الحزب الصادق المهدي بمعارضة الخارج في عملية أطلق عليها اسم "تهتدون"، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 1996. فقد هاجر المهدي وبضع وعشرون من أعوانه سرا مخترقين الحدود الشرقية معإريتريا.

التقى الصادق المهدي حسن الترابي -الذي كان يقود الحكومة فكريا وعمليا- في جنيف في مايو/أيار 1999، ثم الرئيس عمر البشير في جيبوتي في نوفمبر/تشرين الثاني 1999, ليخرج بعدها مباشرة من التجمع الوطني المعارض بعد رفض فصائل التجمع لتك اللقاءات، إلى حتى عاد الحزب إلى البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 2000 في عملية سميت "تُفلحون".

أعاد الحزب في مارس/آذار 2009 انتخاب الصادق المهدي رئيسا له, وصديق محمد إسماعيل أمينا عاما. وانتخبت سارة نقد الله رئيسة لمخطه السياسي لتكون أول امرأة ترأس مخطا سياسيا لحزب سوداني كبير.

بعد عودته للنشاط في الداخل, سقط حزب الأمة اتفاقات مع الحكومة أبرزها برنامج التراضي الوطني, لكنها انهارت كلها بسبب ما يعتبره الحزب التفافا من حزب المؤتمر الوطني..


الدعم الإسرائيلي لحزب الأمة

واصل علي
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

1 - محمد أحمد عمر .. رجل إسرائيل في السودان أم مهندس علاقاتها مع حزب الأمة ؟

الراتى إبلاغ عمر: مستعدون لإجراء مباحثات فنية مفصلة معك حول خطة التجارة والمال التي تم مناقشتها. محافظ بنك إسرائيل وبالمون سيكونان متواجدين في إسطنبول صباح 13 سبتمبر. نرجوالإتصال بالقنصل الإسرائيلي غالي عند الوصول لترتيب اللقاء. أخطرونا عند سفر عمر لإسطنبول

—نص برقية عاجلة أوفدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية بتاريخثمانية سبتمبر 1955 لمخطها في العاصمة القبرصية نيقوسيا لإبلاغها للسياسي السوداني محمد أحمد عمر الذي كان متواجداً هناك للقاءات مع مسؤولين إسرائيليين.

لكن من هومحمد أحمد عمر الذي يظهر في الأرشيف الإسرائيلي بصورة حصرية على أنه حلقة الوصل بينها وبين السودان؟

محمد أحمد عمر

لا تحفل المصادر التاريخية بالكثير عن هذه الشخصية الغامضة سوى أنه ولد حوالي العام 1918 وكان عضواً في حزب الأمة والجبهة الإستقلالية ومديراً لتحرير صحيفة (النيل) الناطقة باسم الحزب.

وأسس أيضا وكالة الصحافة السودانية التي كانت تصدر نشرة يومية باللغة الإنجليزية إلى إذا تم إغلاقها عام 1960 بأمر وزير الداخلية في نظام الفريق إبراهيم عبود لمخالفتها قوانين النشر.

غير حتى عمر إستنطق من الحزب عام 1949 وفي أواخر عام1951 أسس حزب السودان الذي كان من بين أهدافه الرئيسية إستقلال البلاد ودفعها للإنضمام لمجموعة دول الكومنولث وانتقد في الوقت نفسه حزب الأمة قائلاً أنه بسبب قاعدته الطائفية فشل في جذب أنصار سودان مستقل وفهماني. وأبدى عمر ثقته في قدرة حزبه الوليد على إستقطاب السودانيين من الأحزاب الأخرى بالإضافة إلى الدعم الذي نطق أنه حصل عليه من 2.5 مليون من رجال القبائل في الجنوب.

ويظهر عمر في برقية أوفدتها الإدارة البريطانية في السودان للخارجية في لندن بتاريخ 14 أكتوبر 1952 تنصح فيها بان لا يعطى الفرصة للقاءة وزير الخارجية انطوني إيدن كما كان يأمل بصفته زعيم حزب السودان خلال زيارته لبريطانيا باعتبار حزبه لا يحمل أي ثقل سياسي وان عمر نفسه "لا يحظى بكثير من الإحترام في السودان".

ورغم تأسيس حزبه فقد إستمر عمر في التنسيق مع قيادات حزب الأمة من الممكن بسبب صلة القرابة التي تربطه بعائلة المهدي وعلاقاته الدولية الواسعة. ويعهد عمر وسط السودانيين بأنه الشخص الذي رافق رئيس حزب الأمة الصديق المهدي في زيارته إلى لندن عام 1954 والتي جرى فيها لقاءين سريين مع الإسرائيليين – دون ترتيب سابق - لبحث أي دعم يمكن حتى تقدمه الدولة العبرية لدعم إستقلال السودان ومجابهة النفوذ المصري.

وكان دافع هذه اللقاءات مع الإسرائيليين الإحباط الذي أصاب حزب الأمة لإعتقادهم حتى قضية الإستقلال باتت في مهب الريح نتيجة الآلة المصرية الضخمة التي أدت لفوز التيار الذي يؤيد الوحدة مع مصر والممثل في الحزب الوطني الاتحادي بزعامة اسماعيل الأزهري في إنتخابات 1953 في لقاء ما اعتبروه خذلاناً وتقاعس بريطاني عن دعم التيار الإستقلالي.

ونطق السكرتير الأول في السفارة الإسرائيلية موردخاي جازيت وآخرين حسب الأرشيف الإسرائيلي أنَّ عمر في اللقاء الأول- الذي تم على العشاء في غرفة الصديق المهدي في فندق سافوي في لندن - كان هوالمبادر بالحديث وطرح النقاط وأن المهدي كان يؤمن على كلامه مما أعطاهم الانطباع أنَّ عمر هوالمتحدث باسم الحزب وأنه ظهر لهم كشخص "جاد وصادق ولطيف" ويتحدث الإنجليزية بطلاقة كما انه "مثقف ثقافة عالية".

طرح عمر في اللقاء مطلب حزب الأمة من إسرائيل تمثل في دعم قضية إستقلال السودان على الساحة الدولية وخاصة في الولايات المتحدة والغرب وفي الأمم المتحدة أيضاً. وحذر عمر من أنَّ أية تقاعس عن دعمهم سيسمح لمصر بابتلاع السودان. في اللقاء سيقوم السودان المستقل بصياغة إتفاقيات دفاعية واقتصادية مع إسرائيل والتنسيق في مجال السياسة الدولية.

وعد الدبلوماسيان بأن ينقلا عرض حزب الأمة - الذي اتى في مذكرة من ثلاثة صفحات - إلى القيادة الإسرائيلية وكان يعتقد على نطاق واسع أنَّ لقاءات 1954 لم تتمخض عن شيء وأنَّ الأمر إنتهى عند هذا الحد.

لكن وثائق الأرشيف الإسرائيلي التي تحصلت عليها (سودان تربيون) مؤخراَ تشير إلى أنَّ الإتصالات بين حزب الأمة ممثلة تحديداً في إنسان محمد أحمد عمر واسرائيل إستمرت إلى ما بعد الإستقلال الذي من أجله تم طرق باب الدولة العبرية.

فقد أوفد موردخاي جازيت – تحت إسم كودي هوتشارلز ويليام - رسالة إلى السيد الصديق المهدي بتاريخ 29 ديسمبر 1954 يسأله ما إذا كان قد إستلم رسالته بتاريخ 29 يوليوالتي لم يتلقى رداً عليها.

( أنا الآن أخط لك لأستفسر إذا كنت ما تزال راغباً في عرضي [الذي قدمته لك] . عطفاً على نقاشاتنا في لندن فإنَّ شركتي بدأت عدة مشاريع في صالحك. أنا الآن أريد حتى أعهد لوكنت مهتماً بإتمام تلك المشاريع. سأكون ممتناً جداً لوتلقيت رداً سريعاً. لقد خاطبت سكرتيرك أيضا دون جدوى ).

وأوفد جازيت رسالة مماثلة إلى عمر مذكراً إياه باللقاء الذي تم بينهم في لندن وأبدى أسفه أنه لم يستطع حتى يلتقيه مرة أخرى قبل مغادرته وعبَّر له عن تمنياته له بالصحة والعافية بعد دخوله المستشفى في تلك الزيارة.

( لم تكن موجوداً في آخر لقاء لنا في [فندق] سافوي عندما توصلنا إلى تفاهم مع السيد الصديق ولكن رغم أنني أوفدت له تذكيراً في 29 يوليوفإنني لم أتلق رداً. كنت أتساءل ما إذا كان قد فقد عنواني. على أية حال فقد هجر الموضوع معلقاً. أنا الآن أوفد تذكيراً قصيراً للمهدي وسأكون ممتناً لوتحدثت معه لأحصل على رد. دعني أضيف أنه منذ مناقشاتنا فقد قمت بإنجاز تدبير أوإثنين في إطار ما إتفقنا. أنا الآن أريد حتى أعهد ما إذا كنت راغباً في تطوير تلك الأنشطةّ ).

واتى رد عمر بعدها بحوالي أسبوع بتاريخستة يناير 1955 شاكراً جازيت نيابة عن المهدي على لقاء لندن وأبدى أمله في لقاء آخر يجمعهم ونطق أنه ليس لديه ما يضيفه على الخطوط العامة التي ناقشوها في إجتماعات لندن.

( إذا كان رؤساؤك على إستعداد لإعطاء الدعم المطلوب فربما نكون قادرين على مواصلة المفاوضات. في هذه الحالة فإنني أستطيع حتى أتفرغ في أية وقت وأسافر إلى لندن للقاءتك. إنَّ رغبة السيد الصديق ورؤسائي الآخرين حتى جميع الإتصالات يجب ان تتم عبري أنا ).

ويبدوأنَّ عمر مارس قدراً كبيراً من الحذر في رسالته الأولى كما توضح رسالة أوفدها بنفس التاريخ لجازيت.

( بما أنني وجدت صديقاً موثوقاً في لندن لإرسال هذه الرسائل فإنني أرغب في إلقاء بعض الضوء على اللغة المبهمة التي إستخدمتها في رسالتي الأولى. الوضع بالنسبة للجبهة الإستقلالية تحسن جداً منذ آخر لقاءة لنا. عقبتنا الأساسية الآن هي المال. منذ يناير 1954 أنفقت مصر 2 مليون جنيه في السودان وفق تصريح رسمي من الصاغ [صلاح] سالم وسينفقون المزيد خلال هذا العام لأنه من المتسقط حتى يمارس حق تقرير المصير بنهاية 1955. أنا مفوَّض من حزب الأمة وحزب الأحرار الجنوبي لإقامة أية علاقات أراها مناسبة لصالح قضية الحركة. هناك مجموعات أصغر موجودة وأجنحة متمردة في الحزب الوطني الاتحادي [حزب موالي لمصر] يمكن إستمالتها. أرجوحتى أعهد رأيك وانا أكرر عرضي بالسفر إلى لندن إذا كان ذلك ضرورياً ).

وتحمل الوثائق الإسرائيلية مفاجأة وهي مذكرة مكتوبة بخط اليد بالإنجليزية على ورقة تحمل ترويسة "صديق عبد الرحمن المهدي ص.ب. 218" موجهة لجازيت يشكره فيها على رسالته ويقول أنه لم يتلق رسالة 29 يوليووانه إطلع على رد عمر له وأنه يوافق عليها.

رسالة بترويسة صديق عبد الرحمن المهدي تشكر جازيت، وقد تكون بخط محمد أحمد عمر.


ورغم أنَّ الرسالة تحمل توقيع منسوب للسيد الصديق المهدي فإنَّ جازيت خط في خطاب موجه لجدعون رافايل - وهوأحد مؤسسي وزارة الخارجية الإسرائيلية وكان يشغل في ذلك الوقت منصب مسؤول شؤون الشرق الأوسط والأمم المتحدة في الوزارة – قائلاً فيه أنه "لا شك أنَّ رسالة المهدي مكتوبة بواسطة عمر نفسه. قارن توقيع عمر على خطاباته بالخط المستخدم في هذه الرسالة".

وتعطي هذه الواقعة أول إشارة إلى أنَّ عمر من الممكن كان يتصرف في إتصالاته مع الإسرائيليين دون تفويض من قيادة حزب الأمة كما زعم في رسائله.

ورغم قناعتهم أنَّ عمر تصرف هنا دون فهم السيد الصديق المهدي فإنَّ جازيت أوفد رداً إلى عمر في أربعة فبراير 1955 طالباً تحديد موعد للقاء بينهم لدراسة المقترحات التي ناقشوها سابقاً.

نطق عمر في رسالة بتاريختسعة فبراير 1955 أنَّ الموعد الذي يناسبه هوأواخر مارس أوأوائل أبريل نظراً لمشاكله الصحية التي يظهر أنَّ برد لندن قد يفاقمها.

وافق جازيت على اللقاء في مطلع أبريل في لندن ولكن عمر لم يحضر كما أتفق وأوفد رسالة في 15 أبريل 1955 متعللاً بأنه "كان يأمل في إنهاء المهمة هنا بصورة ترضي الجميع" ومضى متحدثاً عن نجاحهم في إجبار الحزب الوطني الاتحادي على تبني سياسة إستقلالية وأنه رغم الحرب الشرسة التي تشنها القاهرة فإنَّ هدفهم هو"إقناع جميع السودانيين بالموافقة على الاستقلال الكامل وتجنيب البلاد محنة تقرير المصير الذي تصر عليه القاهرة لأسباب واضحة".

وختم عمر رسالته بالاعتذار عن تحديد موعد حديث في الوقت الحالي وأبدى خوفه من حتى تنجح القاهرة في التأثير على السيد عبد الرحمن المهدي الذي وصفه بانه قد تم "إعتصاره مالياً" في معركة الاستقلال والذي يشعر بخيبة الأمل من الخذلان البريطاني ووصف تلك المسالة "بالمزعجة جداً".

فيتسعة أغسطس 1955 أوفد عمر رسالة أخيرة لجازيت يشدد فيها على ضرورة تواجده في الخرطوم إلى ما بعد الاجتماع غير العادي للبرلمان في 16 أغسطس 1955 والذي سيخصص لبحث الاستعدادات لتقرير المصير ومغادرة القوات الأجنبية. ورغم الضغوط المصرية فإنَّ عمر أبدى ثقته من نجاح مشروع القرار بأغلبية ساحقة أوحتى بالأجماع.

وكشف عمر عن زيارة قام بها لأثيوبيا ولقاءه مع الإمبراطور هيلاسيلاسي الذي أعطاهم دعمه الكامل وعن وفود أخرى أوفدت في زيارات ناجحة للبنان والعراق. إتهم أيضاً القاهرة بمحاولة إثارة المشاكل في جنوب السودان ونطق أنهم نجحوا في شراء 20 من أصل 22 نائب جنوبي في البرلمان.

عاد عمر وكرر مسألة شح الموارد المالية المتاحة لهم مقارنة بموارد التيار الإتحادي وأشار إلى أنَّ موسم القطن كان سيئاً وهي مسألة أثرَّت على السيد عبد الرحمن المهدي وآخرين من أقطاب حزب الأمة الذين يعتمد عليهم الحزب مالياً. نطق أيضاً أنه مستعدٌ لزيارة لندن حوالي 20 أغسطس لوكان جازيت متواجداً هناك.

بعث عمر برسالة أخرى بتاريخ 23 أغسطس يخبرهم فيها أنهم لقاءون بتمرد في الجنوب – الذي وصفه بالجزء المتخلف من البلاد - ونطق أنَّ مصر إذا لم تكن وراءه فهي تؤجج فيه بعد هزائمهم السياسية في البرلمان السوداني حول مسألة الجلاء واللجنة الدولية لتقرير المصير.

( جميع هذه الأمور تتطلبُ تخطيطاً وضغوطاً وأية شيء بهذا الخصوص يقع على عاتقي باعتباري السكرتير السياسي لحزب الأمة والمهدي والجبهة الاستقلالية. علينا أيضاً حتى نعمل على إستمرار حكومة الأزهري وعدم سقوطها لأن شغل الصاغ سالم الشاغل منذ تغير موقف الأزهري هوهزيمته ).

وافق عمر على عرض جازيت بلقاء رئيسه الذي لم تحدد هويته ولكن ليس قبل انجلاء الوضع السياسي بحلول أوائل سبتمبر. وكشف عمر أنه حجز على الخطوط القبرصية التي ستغادر الخرطوم في 1 سبتمبر 1955.

"الراتى إبلاغ رئيسك وأناسكم حتى يتسقطوني في ذلك التاريخ. أنا لا أفهم محل إقامتي بعد حيث أنني لم ازرها من قبل”.

في 2 سبتمبر 1955 أوفدت السفارة الإسرائيلية في لندن برقية مستعجلة إلى وزارة الخارجية في القدس تخطرهم فيها بمغادرة عمر على متن الطائرة المتجهة إلى قبرص الليلة الماضية وأنهم أخطروا إنسان يدعى أفراهام".


2 - حزب الأمة وإسرائيل... بين اللهفة والتردد

كان موقفنا المتردد دافعاً لأن يقوم ]محمد أحمد[ عمر بإبداء إستعداده للسفر إلى القدس لوضع اللمسات الأخيرة على المحادثات وذكر أنه تشاور مع السيد الصديق [المهدي] مسبقاً وكان مؤيداً لهذا الإقتراح... لقد أبدى السودانيان نفاذ صبرهما حيال إمكانية سفرهما من هنا [لندن] دون فهم قرار بلادنا، وضغطوا علينا للموافقة على دعوة على الشاي يوم الأربعاء ووافقنا.

—موردخاي جازيت

بهذه الحدثات وصف السكرتير الأول في السفارة الإسرائيلية موردخاي جازيت إنطباعه عن لقائهم الأول مع السيد الصديق وعمر يوم الإثنين 28 يونيو1954 والذي إستمر لمدة أربعة ساعات كاملة وشارك فيه أيضاً جوش بالمون الذي عمل مستشاراً لرئيس وزراء إسرائيل للشئون العربية والملحق الصحفي في السفارة الإسرائيلية في لندن مايكل أرنون.

جدعون رافايل وموردخاي جازيت.

في موازاة ذلك أوفد السفير الإسرائيلي بلندن الياهوإيلات في 29 يونيو1954 رسالة سرية للخارجية الإسرائيلية أبدى فيها إعتراضه على الإتصالات التي يجريها جازيت وارنون مع السودانيين وحذر من أنها قد تلحق ضرراً كبيراً بالدولة العبرية باعتباره تدخلاً في شؤون الدول وسابقة قد تستخدم ضدهم من قبل مصر والدول العربية ولمح حتى بريطانيا أيضاً غير سعيدة بهذه النشاطات.

ولكن لا يظهر حتى إسرائيل أكترثت بإعتراض سفيرها وسمحت لدبلوماسييها في لندن بالإستمرار في مفاوضاتهم مع حزب الأمة.

وتكشف الوثائق الإسرائيلية حتى عمر أجري لقاءاً تمهيدياً في الأسبوع الذي سبقه منفرداً مع المسؤولين الإسرائيليين بعد تلقيهم الضوء الأخضر من حكومتهم– لأن السيد الصديق كان وقتها في مدينة ليفربول في مهمة عمل - نوقشت فيه مسألة التعاون بين الطرفين. وعهد عمر نفسه أنه كان عضواً في حزب السودان قبل إنضمامه لحزب الأمة الذي كان هدفه حسب تعبيره إبقاء السودان في الكومنولث البريطاني لوقف التمدد المصري.

لخص عمر مطالب حزب الأمة في أربعة نقاط :

1. إثارة قضية السودان في المحافل الدولية وخاصة الأمم المتحدة. 2. الضغط على الحكومة في لندن لإلغاء اتفاقية 1953 بين مصر وبريطانيا. 3. إستخدام نفوذ إسرائيل في الولايات المتحدة لنفس الغرض وأشار عمر إلى حتى عدة مسؤولين من الخارجية الأمريكية زاروا الخرطوم مؤخراً وحاولوا إقناعهم بقبول مبدأ وحدة وادي النيل مما يؤكد أنهم تماهوا مع موقف القاهرة. 4. أية مساعدات أخرى فهم حتى القصد منها مادية أومالية.

في اللقاء سيقوم حزب الأمة - حسب طبيعة جميع فترة سياسية في السودان – بالعمل على تعزيز العلاقات مع الدولة العبرية تصل لذروتها في علاقات تجارية وعسكرية كاملة. وشدد عمر على أنهم تلقوا تفويضاً كاملاً من قيادات حزب الأمة قبل مغادرتهم الخرطوم بالبحث عن حلفاء دوليين ولكنه أقر أنَّ مناقشاتهم حول هذه المسألة لم تتطرق لإسرائيل. غير أنه طمأنهم حتى التعاون مع إسرائيل سيحصل على موافقة قيادات الحزب "والمهدي", ويظهر أنها كانت إشارة للسيد عبد الرحمن المهدي نفسه.

وذكر عمر أيضاً حتى هناك جبهة إستقلالية تضم حزب الأمة سيتم تشكيلها قريباً في السودان وأنه من المرجح حتىقد يكون هوأمينها العام. وكانت الجبهة الإستقلالية قد شكلت عملاً في يناير 1955 بدعوة من زعيم المعارضة آنذاك محمد أحمد محجوب وضمَّت أيضاً الحزب الجمهوري والجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للإستعمار إضافة لشخصيات مستقلة وعمالية ولكن المحجوب هوالذي أصبح الأمين العام لهذه الجبهة ولم يرد في المراجع التاريخية أي ذكر لدور لعبه عمر في تكوينها.

إنتهى اللقاء بطلب من الإسرائيليين بأن تصاغ مطالب حزب الأمة في مذكرة مكتوبة تحوي جميع التفاصيل ووعدهم عمر بالعمل عليها وتسليمها لهم.

تم إرسال تقرير للخارجية الإسرائيلية بتفاصيل اللقاء الذي تم مع عمر واتى الرد في برقية تحمل رقم 941 أنهم يوافقون على إستمرار الإتصالات "بشرط حتى يلتزم الجانبان بالحفاظ على السرية التامة", واستعرض التقرير أيضاً رأي الحكومة الإسرائيلية حول جميع مطلب من المطالب الأربعة التي طرحها عمر في لقائه معهم.

1. الموافقة على المطلب الأول "مع التحفظ بأن دعم إسرائيل في الأمم المتحدة سيعتمد على الشكل والظروف التي ستظهر فيها قوتهما. في الظروف المناسبة نحن على استعداد لاستنفار أصدقائنا في الخارج نيابة عنهم". 2. الموافقة على المطلب الثاني "ولكن يجب تحديد ما يمكننا القيام به عملياً". 3. الموافقة على المطلب الثالث "ولكن لا ينبغي تضليلهم بقدرتنا على التأثير". 4. "نحن نقترح حتى يساعدونا [حزب الأمة] في تعزيز العلاقات التجارية في السودان. إذا نجحنا في تطوير أعمال التي من خلالها نحن على إستعداد لتخصيص مبالغ معينة لأفعالهم. أقترح أنه بعد الاستفسار عن الإحتمالات فسوف نرسل شخصية تجارية إلى الخرطوم لتطبيق الأعمال التجارية. من المهم جداً حتى نتلقى مقترحاتهم كتابة".

في اللقاء الذي جمع الطرفين في الأسبوع الذي تلاه أخذ عمر يقرأ المذكرة التي صاغها حول مطالب حزب الأمة من إسرائيل واللقاء الذي ستتلقاه الدولة العبرية حال إستجابت الأخيرة. إستفاض عمر في إعطاء خلفيات طويلة حول النقاط الواردة في المذكرة إلى حتى إستوقفه السيد الصديق وطلب منه الاكتفاء بقراءتها دون الإسهاب في التفاصيل.

أوفد أرنون صباح الثلاثاء 29 يونيو1954 برقية عاجلة لمسؤول شؤون الشرق الأوسط والأمم المتحدة في وزارة الخارجية الإسرائيلية جدعون رافايل طالباً تعليمات حول الرد الذي يمكن إعطائه لحزب الأمة وذكر الملحق الصحفي أيضاً حتى الإثنين أبديا استعدادهما لبناء تعاون وثيق وتوقيع إتفاق مشروح مع حكومة إسرائيل وأشار إلى أنهما لمَّحا لرغبتهم في إمدادات سلاح عن طريق الحبشة.

نبه الدبلوماسي الإسرائيلي إلى حتى السيد الصديق سيغادر يوم الخميس 1 يوليو1954 وعليه يستعجل ردهم وأنَّ عمر عرض السفر إلى القدس فوراً حال لم يأت الرد قبل سفره يوم السبت ثلاثة يوليو1954.

تمثل رد الخارجية الإسرائيلية في أنَّ لقائهم التالي مع عمر والسيد الصديق يجب ألا يتجاوز إطاربرقية 941 وأن زيارة عمر للقدس ممكنة ولكن الوقت مازال مبكراً لمناقشة ذلك وطلبت الخارجية منهم فقط إنشاء قناة اتصالمع السودانيين. غاب عمر عن اللقاء الثاني – لأسباب صحية فيما يظهر – مع الإسرائيليين الذي جرى يوم الأربعاء 30 يونيو1954 وتم مناقشة الخطوط العامة للإتفاق مع السيد الصديق حسب التفاهمات التي تمت والموافقة التي اتىت من الخارجية الإسرائيلية مع التأكيد على ضرورة السرية.

نطق جازيت في رسالة سرية بعثت لرافايل في القدس بتاريخ 2 يوليو1954 حتى عمر والسيد الصديق سيعودان إلى الخرطوم لمشاورات حول الموضوع مع إمام الأنصار السيد عبد الرحمن المهدي وسكرتير حزب الأمة السيد عبد الله خليل.

كان الإتفاق أنه بعد حوالي ثلاثة أسابيع من عودته سيرسل السيد الصديق رسالة لعنوان في لندن بإسم مزيف تؤكد رغبتهم في لقاء أخر في العاصمة الفرنسية باريس في فندق كلاريدج في منتصف أغسطس 1954 ويكون محتواها ( لقد ناقشت عرضك وأنا على استعداد لنقل المسؤولية عن بيع القطن لكم كما إقترحتم، وأقترح حتى نلتقي لمزيد من الإستفسارات خلال زيارتي القادمة بتاريخ ... ولن يذكر مكان الإجتماع).

ولكن السيد الصديق لم يرسل الرسالة كما كان متفقاً وأصبح عمر هونقطة الإتصال بين حزب الأمة وإسرائيل إلى حتى تم الإتفاق على اللقاء في قبرص وهوالأول منذ لقاءات لندن وبعد عدة محاولات فاشلة لترتيب لقاءات جديدة تأرجحت ما بين لندن وأسمرة وجنيف واختار عمر اللقاء في نيقوسيا تحديداً.

أعطت الخارجية على لسان رافايل تعليمات لمخطها في العاصمة القبرصية في برقية بتاريخ 28 أغسطس 1955 بالاستعداد لوصول عمر وشددت على إتخاذ إجراءات تضمن سرية اللقاء المطلقة بأسلوب يشبه عالم الجاسوسية.

(في 1 سبتمبر سيصل على الخطوط الجوية القبرصية من الخرطوم سكرتير حزب الأمة محمد أحمد عمر وسيتصل بالقنصلية ولكنه لا يعهد أسمائكم. من الممكن يسأل عن وليامز. ستردوا عليه أنه [وليامز] سيصل قبل ظهر الغد وأنه سيضع ترتيبات للتواصل مع عمر. يجب الحفاظ بعناية على سرية الإتصالات. نقترح ترتيب إجتماع [مع عمر] في الجبال. يرجى إرسال إنسان إلى المطار لا يمكن التعهد عليه كشخص من القنصلية للتحقق ما إذا كان عمر قد وصل بالعمل ثم إرسال تلغراف على الفور على رقم هاتف المنزل 61256 للإشارة إلى ما إذا كان قد تم ترتيب المسألة أم لا. فقط بعد إستلام برقية بالإيجاب يفترض أن نغادر أنا وبالمون صباح 2 سبتمبر على متن الرحلة CY23).

لم ترسل قنصلية إسرائيل تأكيداً بوصول عمر والإتفاق على لوجستيات اللقاء حتى يوم السبت ثلاثة سبتمبر 1955 وأجريت اجتماعات بين 5-6 سبتمبر 1955 بين عمر ورافايل وبالمون وليس من المعروف إذا كان هناك أخرين.

يقول التقرير الذي ورد في الأرشيف الإسرائيلي عن لقاء قبرص أنَّ الاتصالات مع الدولة العبرية التي بدأت في لندن كانت بفهم ورضا السيد عبد الرحمن المهدي وعبد الله خليل وأن الإتفاق كان على زيارة في وقت لاحق يقوم بها السيد لصديق وعمر للقدس بعد التشاور مع قيادات حزب الأمة في الخرطوم.

طرح عمر في لقاء قبرص أسباباً عديدة لهزيمة حزب الأمة في الإنتخابات ومنها الأموال التي أنفقتها مصر لشراء الأصوات بالإضافة لإرسال خبراء مصريين لتضليل الناخب السوداني وذكر أيضاً نظرة السودانيين للإنجليز باعتبارهم الخطر الأكبر وأنَّ مصر بدت وكأنها الطرف المناوئ لبريطانيا.

ولكن نظرة السودانيين لمصر تغيرت بعد مغادرة الإنجليز وتحولت إلى كراهية وخوف بعد إزدياد التدخل المصري بشكل فج وأصبح الجميع بما فيهم زعيم الحزب الوطني الاتحادي مؤيداً للاستقلال وعليه غيَّرت القاهرة إستراتيجيتها لمحاولة تنصيب حكومة عميلة لها في الخرطوم.

كشف عمر أيضاً عن حتى المسؤولين المصريين إتصلوا بقيادات حزب الأمة وعرضوا عليهم دعمهم الكامل لقاء تأييد المواقف المصرية حول مياه النيل والسياسة الخارجية والجامعة العربية ولكن أشار إلى حتى السيد عبد الرحمن ونجله السيد الصديق متنازعان حول الموافقة على ذلك العرض مع وعيهما باستحالة كفاية مواردهم للدخول في صراع مع المصريين.

في اللقاء كان عبد الله خليل رافضاً تماماً لفكرة أي مساومة مع المصريين وتحدث – حسب كلام عمر – عن دعم إسرائيلي قد يأتي يغنيهم عن الخضوع للضغوط المصرية.

ولكن الإسرائيليين أبلغوا عمر أنه من المحال حتى يعطوا دعماً مماثلاً لما يقوم به المصريين وبهذا الحجم ولكنهم أبلغوه حتى إسرائيل مستعدة لشراء القطن الذي تنتجه دائرة المهدي والذي يجدون صعوبة في تصريفه وأية منتجات أخرى مما يخلق دعماً غير مباشر يستفيد منه السيد عبد الرحمن المهدي وحزب الأمة.

تم الإتفاق على حتى يلتقي عمر بمحافظ بنك إسرائيل ديفيد هوروفيتز الذي سيتواجد في إسطنبول لحضور اجتماعات البنك الدولي هناك لبحث كيفية تفعيل التعاون التجاري بين الطرفين. وعقب لقاء قبرص تحدث رافايل في خطابه الذي أوفده في 11 سبتمبر 1955 بأعجاب شديد عن عمر.

(هناك في قبرص إلتقينا أنا وبالمون مع الرجل [عمر]. لقد تأثرت كثيراً بمواهبه وإدراكه الواضح وناقشنا خطة تفصيلية للمساعدة المتبادلة. وستستمر المحادثات العملية هذا الأسبوع في إسطنبول مع بالمون .لقد حققنا إنجازاً مهما من خلال إجراء إتصالات مع هؤلاء الناس وآمل حتى نتمكن من تطوير هذا الإتصال إلى شراكة حقيقية).

برقية محمد احمد عمر بشأن التحويل المالي.


وكان من بين نتائج لقاء إسطنبول وصول أول دعم مادي مباشر تلقاه عمر من إسرائيل على حسابه في بنك باركليز في الخرطوم بعدها بحوالي شهرين, ولكن التحويل المالي تم بطريقة خاطئة دعته لإرسال برقية عاجلة للإسرائيليين في لندن لتسليم الخطأ.

(أرجوإرسال التحويل إلى لكارنوأوجنيف. أرجوالطلب من البنك إرسال الإستمارات الضرورية لفتح الحساب – محمد عمر).


3 - إسرائيل قررت دعم حزب الأمة وعائلة المهدي مالياً

عاد محمد أحمد عمر من مدينة إسطنبول الهجرية سعيداً بعد لقاءه بمحافظ بنك إسرائيل ديفيد هوروفيتز وآخرين فقد نجح في إقناعهم بأنَّ دعم حزب الأمة هوضرورة إستراتيجية لمصالح الدولة العبرية التي كانت تسعى بشتى السبل لكسر طوق الحصار الذي فرضته الدول العربية عليها.

ويبدوأنَّ تحركات كانت تقوم بها حكومة رئيس الوزراء السوداني إسماعيل الأزهري في ذلك الوقت للتماهي مع الموقف العربي حول إسرائيل عززت هذه القناعة.

( إنَّ منع اجتياز الطائرات [المتجهة لإسرائيل] فوق السودان ليست مسألة تستوجب حتى نثيرها لصديقنا [عمر]،بل على العكس، يجب حتى تكون إنذاراً لأنفسنا بالتحرك بسرعة وزيادة التعاون مع حزب الأمة حتى يشعر الأزهري حتى قضية إسرائيل ليست مجرد مسألة علاقات خارجية ) حسب ما ورد في رسالة بتاريخ 29 سبتمبر 1955 من مستشار رئيس وزراء إسرائيل للشئون العربية جوش بالمون لمسؤول شؤون الشرق الأوسط والأمم المتحدة في وزارة الخارجية الإسرائيلية جدعون رافايل.

أخطر بالمون رافايل أيضاً أنَّ عمر طلب في لقاء إسطنبول تلقي مبلغ مالي يُودع في حساب يفتح بإسمه في أية بنك سويسري.

(أرجوالإسراع بتحويل المبلغ لأنهم [حزب الأمة] يحتاجونه بشكل ملح للبدء في [التحضير] للإنتخابات).

طلب رافايل بدوره من مسؤول في وزارة المالية الإسرائيلية فيعشرة أكتوبر 1955 تحويل مبلغ قدرهستة آلآف جنيه إسترليني بشكل سريع باسم شركة Khartoum Control Agency التي يملكها عمر وهوبحساب اليوم يعادل حوالي 200 ألف دولار أمريكي مما أثار إستغراب رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت موسى شاريت.

(لقد دهشت من حجم المبلغ.....هل هوحقا 6,000 أومن الممكن 600 وتمت إضافة الصفرعن طريق الخطأ ،يا ترى؟ أوفد لي تلغرافاً على الفور وأبلغني ما إذا كان لديك تغطية [لهذا المبلغ] حتى لولم نتلقى إضافة).

أكد رافايل صحة الرقم لشاريت الذي وافق في نهاية المطاف على إعتماده.

شدد رافايل على وزارة المالية تحويل المبلغ (عن طريق شيك من بنك لا يتم ربطه بإسرائيل).

أوفد عمر لدى عودته للخرطوم في 11 أكتوبر 1955 رسالة لبالمون عن طريق السفارة الإسرائيلية في لندن كالمعتاد يشكره "والأصدقاء الآخرين" على اللقاءات التي أجراها معهم في قبرص وإسطنبول وكشف عن توقفه في طريق العودة في القاهرة ولقاءاته مع المسؤولين المصريين هناك.

(حيث إنني لم أقم بزيارات مجاملة فإنني لم أتسقط اتصالات من مجلس قيادة الثورة ولكنني كنت مخطئاً. إتصل بي [حسين] ذوالفقار الذي تسلم في ذلك الوقت ملف السودان من الجنرال الراقص [صلاح سالم] وقمت بزيارته في مخطه بعدها. إتصل بي أيضاً مساعد ل [وزير الإعلام عبد القادر] حاتم وكذلك سكرتير جمال عبد الناصر. كان أمراً مسلياً جداً ومفيداً حقيقة وأقنعني بعدم كفاءة ممحررهم في الخارج).

نطق عمر في رسالته حتى البرلمان السوداني سيجتمع أواخر الشهر لبحث تمرد الجنوب والسياسة الاقتصادية وتسقط حتى تؤدي المداولات لسقوط حكومة الأزهري التي نطق إنها ضعيفة أصلاً وتعاني من إنشقاقات حتى في مجلس الوزراء. وكشف عن محاولات لجمع إمام الأنصار السيد عبد الرحمن المهدي وزعيم الختمية علي الميرغني للاتفاق على عدم توليهم أوأبنائهم أية مناصب سياسية لمدةعشرة أعوام.

( قد يحدث هذا أمراً جيداً حيث سيهجر السياسة للسياسيين ولكن بالنسبة للمهدي فسيظل القائد السياسي والديني لأتباعه حتى ولولم يصبح رئيساً للدولة).

أبلغ عمر بالمون أيضاً أنَّ معظم محصول القطن تم بيعه (ولكن هناك ما يكفي لتلبية إحتياجاتكم).

(في إنتظار أخبار منكم بخصوص ممثلكم ومتى يجب حتى أتسقطه).

رد بالمون في 26 أكتوبر 1955 على عمر قائلاً أنه بعث التحويل المالي الذي اتفق عليه وأبلغه أنه إذا أراد تسلم المبلغ في الخارج عمليه إخطار البنك. ويبدوحتى عمر طلب من الإسرائيليين في لقاءاته توفير سكرتير/ة له لمساعدته فقد أبلغه بالمون أنه مازال يبحث الموضوع وطلب منه التأكيد له ما إذا كان مازال بحاجة لسكرتير/ة.

وأفهمه المسؤول الإسرائيلي أنه مازال يتفاوض مع شركتين تجاريتين لإختيار إحداهما أوكلاهما لمشاركة عمر في أعماله التجارية الخاصة بالاستيراد والتصدير.

رد عمر في 18 نوفمبر 1955 مبدياً ضيقاً واضحاً من التحويل المالي ليس فقط لأنه إحتوى على أخطاء في إسمه وإسم شركته ولكن لأنه أراد حتى يستلمه في حساب في بنك سويسري لتجنب إثارة الشبهات.

(كان الاتفاق حتى توضع الأموال في حساب بنكي بإسمي في سويسرا وأن يُطلب من البنك إرسال إستمارة لفتح حساب مع دفتر شيكات لأن الإجراءات هنا تحتم إخطار رقابة الصرف الأجنبي حول طبيعة أية تحويل بالعملة الأجنبية. حتى البنك نفسه أراد فهم ذلك. لقد سألوني إذا كنت انتظر تحويلاً مالياً ومن أية جهة وما هوحجمه).

شدد عمر حتى فتح حساب بإسمه في سويسرا سيجعل من السهل عليه (سحب الأموال من خلال شركات محلية أوأفراد يرغبون بتلقي الأموال في الخارج أوجلبها بنفسي كعمولة تحصلت عليها أورأسمال أجنبي لشركتي مما يؤهلها لميزات رأس المال الخارجي. من المحزن حتى أضطر للتعامل بهذا الشكل في وقت أنا أحوج ما أكون فيه للأموال في هذا الوقت والفصل).

في نفس الوقت كانت الخارجية الإسرائيلية في أعلى المستويات تناقش وضع خطة شاملة لمساعدة حزب الأمة وتمكينه من حتى يقف على قدميه اقتصادياً بعد حتى تسبب انهيار أسعار القطن في إضعاف قدرة قادته ومؤيديه على دعمه مالياً.

فقد كشف خطاب أوفده مديرعام وزارة الخارجية الإسرائيلية والتر إيتان لمحافظ بنك إسرائيل بتاريخ 25 أكتوبر 1955 عن قرار إسرائيلي بوضع ثقلها المالي خلف حزب الأمة وعائلة المهدي.

(وفقاً لجوش بالمون فقد أعربت خلال اجتماعكم في إسطنبول مع عمر عن موافقتك على إنشاء بنك سويسرا-السودان في شراكة لمساعدة حزب الأمة وعائلة المهدي وهذا طالما رأينا حتى المسألة مفيدة ومهمة سياسياً. في اعتقادي حتى تأسيس هذا البنك ونجاحه في حتى يصبح لاعباً مالياً في السودان فإن المساعدة التي سيوفرها ذلك لحزب الأمة وعائلة المهدي ذات أهمية سياسية كبيرة).

(وعليه فإنني أقترح حتى يرسل رجالك في سويسرا شخصاً مناسباً للخرطوم – ويُفضل حتىقد يكون ممَّن يجيدون الإنجليزية أوالعربية وأن يحمل جواز سفر بريطاني أوسويسري - لكي يتمكن من دراسة الإمكانيات العملية لفتح المصرف المذكور أعلاه).

طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي في نفس الوقت تصوراً لخطة العمل في السودان وتم إقتراح حتى يتولى الجيش الإسرائيلي هذا الملف بالتنسيق مع الخارجية. بموازاة ذلك تشكل لجنة أخرى للتعامل مع الشق الاقتصادي من العلاقات مع حزب الأمة وبدأت النقاشات تتبلور حول الشخص المناسب الذي يمكن إيفاده إلى الخرطوم لبحث التفاصيل الفنية للشراكة الاقتصادية بين حزب الأمة وإسرائيل.

وصلات خارجية

المسقط الرسمي لحزب الأمة السوداني

المصادر

  • فيصل عبد الرحمن علي طه: الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني 1936-1953م- دار الأمين- القاهرة- 1998م.
  • الصادق المهدي: رسالة الاستقلال- 1982م
  • الصادق المهدي: السودان وحقوق الإنسان.- دار الأمين-القاهرة- 1998م.
  1. ^ حزب الأمة القومي السوداني, الجزيرة نت
  2. ^ واصل علي ، ساعد في ترجمة الوثائق: عنبال بن يهودة. "محمد أحمد عمر .. رجل إسرائيل في السودان أم مهندس علاقاتها مع حزب الأمة ،يا ترى؟ (1)". سودان تريبيون.
  3. ^ واصل علي ، ساعد في ترجمة الوثائق: عنبال بن يهودة. "حزب الأمة وإسرائيل... بين اللهفة والتردد (2)". سودان تريبيون.
  4. ^ واصل علي ، ساعد في ترجمة الوثائق: عنبال بن يهودة. "وثائق: إسرائيل قررت دعم حزب الأمة وعائلة المهدي مالياً (3)". سودان تريبيون.
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:17:27
التصنيفات: أحزاب السودان

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"الأوسكار" تعلن عن ترشيح 10 أفلام

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:53
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

الثامني: المدخل الأساسي لسيادة أي دولة هو إقرار الديمقراطية الحقيقية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:19:58
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

الأهلي يشحن 3 نقاط غالية فى رصيده بالدورى على حساب البنك

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:41
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

«الأورمان» لعلاج السرطان.. «شفاء وحنان» - تحقيقات وملفات

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:24
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

الأرصاد: ارتفاع فى درجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع الجارى

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:38
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

في مباراة مثيرة .. غزل المحلة يهزم الزمالك 2 / 1 فى الدورى.. فيديو

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:52
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

اعوان التعاضدية المركزية للبذور و المشاتل الممتازة يحتحون

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:49
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

البنك الدولي مستعد لتقديم المرافقة الفنية لشركة الSTEG

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:56
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 59%

وهبي: تم الطعن في قناعاتي الدينية ونقاش شهادة المرأة “خوا خاوي”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:19:07
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 78%

الأهلي يتقدم على البنك بهدف محمد شريف فى الشوط الأول

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:20:50
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

عضو بالبرلمان الأوروبي يرد على الخطابات المعادية للمغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:19:09
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 71%

تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 21:19:57
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
deneme bonusu veren siteler
تحميل تطبيق المنصة العربية