غزوة تبوك

عودة للموسوعة

غزوة تبوك

غزوة تبوك

الصراع: بين المسلمين والروم
التاريخ: رجب السنة التاسعة هـ 630 م
المكان: تبوك
النتيجة: فوز المسلمين
المتحاربون
المسلمين الرومان
القادة
رسول الله عليه الصلاة والسلام هرقل
القوى
30,000 200,000
النتائج

معركة بدر - معركة أحد - معركة الخندق - معركة مؤتة - فتح مكة - معركة حنين - معركة تبوك

غزوة تبوك في رجب (سنة 9هـ) في أعقاب فتح مكة وفوز الرسول(ص) في الطائف، وصلت الرسول (ص) أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة قد هيأ جيشاً لمهاجمة الدولة الإسلامية قبل حتى تصبح خطراً على دولته. بدأت إرهاصات تلك الغزوة عندما قرر الرومان إنهاء القوة الإسلامية التي أخذت تهدد الكيان الروماني المسيطر على المنطقة؛ فخرجت جيوش الروم العرمرمية بقوى رومانية وعربية تقدر بأربعين ألف مقاتل قابلها ثلاثين ألف من الجيش الإسلامي. انتهت المعركة بلا صدام أوقتال لأن الجيش الروماني تشتت وتبدد في البلاد خوفًا من اللقاءة؛ مما رسم تغيرات عسكرية في المنطقة، جعلت حلفاء الروم يتخلون عنها ويحالفون العرب كقوة أولى في المنطقة. لذلك، حققت هذه الغزوة الغرض المرجومنها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالًا فحققوا فوزًا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تمت بصلة الولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليا على خليج العقبة الآسيوي )، وخط الرسول محمد بينه وبينهم كتابًا يحدد ما لهم وما عليهم، وقد عاتب القرآن الكريم من تخلف عن تلك الغزوة عتابًا شديدًا، وتميزت غزوة تبوك عن سائر الغزوات بأن الله حث على الخروج فيها -وعاتب وعاقب من تخلف عنها- والآيات الكريمة اتىت بذلك، في قوله تعالى: Ra bracket.png انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ Aya-41.png La bracket.png

التسمية

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

اشتهرت هذه الغزوة باسم غزوة تبوك، نسبة إلى عين تبوك، التي انتهى إليها الجيش الإسلامي، وأصل هذه التسمية اتى في سليم مسلم، فقد روى بسنده إلى معاذ حتى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نطق: «تأتون غدًا إذا شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن اتىها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي.» لقد سميت أيضاً غزوة العسرة لشدة ما لاقى المسلمون فيها من الضنك، فقد كان الجوشديد الحرارة، والمسافة بعيدة، والسفر شاقًّا لقلة المؤونة وقلة الدواب التي تحمل المجاهدين إلى أرض المعركة، وقلة الماء في هذا السفر الطويل والحر الشديد، وكذلك قلة المال الذي يجهز به الجيش وينفق عليه. ميز القرآن الكريم هذه الغزوة عن غيرها، فسميت ساعة العسرة، اتى في سورة التوبة: Ra bracket.png لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ Aya-117.png La bracket.png فقد كانت غزوة عسرة بمعنى الحدثة. وللغزوة أيضًا اسمًا ثالث هو: الفاضحة، ذكره الزرقاني في كتابه «شرح المواهب اللدنية»: «وسميت بهذا الاسم لأن هذه الغزوة كشفت عن حقيقة المنافقين، وهتكت أستارهم، وفضحت أساليبهم العدائية الماكرة، وأحقادهم الدفينة، وجرائمهم البشعة بحق رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين.» وأما مسقط تبوك فيقع شمال الحجاز، يبعد عن المدينة 778 ميلاً حسب الطريق المعبدة في الوقت الحاضر، وكانت من ديار قضاعة الخاضعة لسلطان الروم آنذاك.


سبب الغزوة

ذكر ابن كثير (700 هـ- 774 هـ) في تفسيره، وفي تاريخه: «أن الله سبحانه لما أنزل قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا"، نطقت قريش ، كما ورد عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم، وكان ذلك بعد فتح مكة: "لينبترن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج، وليمضىن ما كنا نصيب منها، فعوضهم الله عن ذلك، بالأمر بقتال أهل الكتاب، حتى يسلموا أويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.» ويرى ابن كثير حتى سبب الغزوة هواستجابة طبيعية لفريضة الجهاد؛ ولذلك عزم الرسول محمد قتال الروم؛ لأنهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لقربهم إليه وإلى أهله، اتى في سورة التوبة: Ra bracket.png يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ Aya-123.png La bracket.png

نطق ابن كثير، «فعزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قتال أهل الكتاب؛ لأن هذه الآية هي أول الأمر بقتالهم بعد ما أذل الله المشركين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، واستقامت جزيرة العرب. وقد أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع، ولهذا تجهز رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقتال الروم ونادى الناس إلى ذلك، وأظهره لهم وبعث إلى أحياء العرب فندبهم، فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحومن ثلاثين ألفًا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك عام جدب ، ووقت قيظ وحر ، وخرج رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك، فنزل بها ، وأقام بها قريبا من عشرين يومًا.»

ذكر المؤرخون مسببات هذه الغزوة فنطقوا: «وصلت الأنباء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأنباط الذين يأتون بالزيت من الشام إلى المدينة حتى الروم جمعت جموعا وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من مستنصرة العرب، واتىت في مقدمتهم إلى البلقاء، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يغزوهم قبل حتى يغزوه.»

من سورة التوبة


استعداد المسلمين للمعركة

وصلت أخبار الروم إلى الرسول في وقت صيف اجدبت في الأرض، واشتد فيه الحر، وقل فيه الماء، مما جعل الموقف مُحرج بالنسبة للمسلمين لكن محمد لم يكن يملك حلاً سوى لقاءة الرومان رغم جميع التحديات التي يعيشها المسلمون، وبطبيعة الحال أتى القرار الحاسم الذي لا رجعة فيه من النبي بالخروج والزحف للقاءة حشود الروم، فبدأ النبي محمد بإبلاغ قبائل العرب المجاورة وأهل مكة لاستنفارهم على الحرب وحثهم على الصدقات والدعم المادي للجيش الإسلامي، وفي هذا الوقت نزلت آية من سورة التوبة توصي المسلمين بالقتال والصمود، فكانت ردة عمل المسلمين تجاه قرار الرسول سريعة وواضحة فقد تدفقت القبائل والأفراد والمقاتلون للمدينة، وأتى القريب والبعيد استعداداً لقتال الروم. أما من ناحية الدعم المادي، فقد حث الرسول الصحابة على الإنفاق في هذه الغزوة لبعدها، وكثرة المشركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله، فأنفق جميع حسب مقدرته، وكان عثمان صاحب القِدْح المُعَلَّى في الإنفاق في هذه الغزوة، فهذا عبد الرحمن بن حباب يحدثنا عن نفقة عثمان حيث نطق: «شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهويحث على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان فنطق: يا رسول الله، عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان، فنطق: يا رسول الله عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فنطق: يا رسول الله، عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله ينزل عن المنبر وهويقول: ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه.» وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما نطق: «اتى عثمان بن عفان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي جيش العسرة، نطق: فجعل النبي يقلبها بيده ويقول: "ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم -يرددها مرارًا".»

عثمان بن عفان أكثر المجاهدين بالمال في الغزوة

وأما عمر فقد تصدق بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر بذلك، ويحدثنا عمر بنفسه عن ذلك حيث نطق: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا حتى نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إذا سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فنطق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله، نطق: وأتى أبوبكر بكل ما عنده، فنطق له رسول الله : «ما أبقيت لأهلك؟» نطق: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا.» وروى حتى عبد الرحمن بن عوف أنفق ألفي درهم وهي نصف أمواله لتجهيز جيش العسرة. وكانت لبعض الصحابة نفقات عظيمة، كالعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي.

فقر وجهاد

قدَّم فقراء المسلمين جهدهم من النفقة على استحياء؛ ولذلك تعرَّضوا لسخرية وغمز ولمز المنافقين، فقد اتى أبوعقيل بنصف صاع تمر، واتى آخر بأكثر منه، فلمزوها قائلين: إذا الله لغني عن صدقة هذا، وما عمل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت الآية:Ra bracket.png الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ Aya-79.png La bracket.png لقد حزن الفقراء من المؤمنين؛ لأنهم لا يملكون نفقة الخروج إلى الجهاد، فهذا عُلَبة بن زيد أحد البكائين صلى من الليل وبكى، ونطق: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد، ورغبت فيه، ولم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك، وإني أتصدق على جميع مسلم بكل مظلمة أصابني بها في جسد أوعرض، فأبلغه النبي أنه قد غفر له.

وهذه سيرة واثلة بن الأسقع عندما نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، خرجت إلى أهلي فأقبلت وقد خرج أول صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطفق في المدينة ينادي: «ألا من يحمل رجلاً له سهمه؟» فإذا شيخ من الأنصار، فنطق: لنا سهمه على حتى نحمله عقبة، وطعامه معنا،يا ترى؟ فنطق: نعم، نطق فسر على بركة الله، فخرج مع خير صاحب حتى أفاء الله عليه، فأصابه قلائص، فسقاهن حتى أتيه فخرج، فقعد على حقيبة من حقائب إبله، ثم نطق: سقهن مدبرات، ثم نطق: سقهن مقبلات، فنطق: ما أرى قلائصك إلا كرامًا، إنما هي غنيمتك التي شرطت لك، نطق: «خذ قلائصك يا ابن أخي فغير سهمك أردنا». إلى غير ذلك تنازل واثلة في بداية الأمر عن غنيمته ليكسب الغنيمة الأخروية، أجرًا وثوابًا يجده عند الله يوم لقائه، وتنازل الأنصاري عن قسم كبير من راحته ليتعاقب وواثلة على راحلته ويقدم له الطعام لقاء سهم آخر هوالأجر والثواب.

واتى الأشعريون يتقدمهم أبوموسى الأشعري يطلبون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يحملهم على إبل ليتمكنوا من الخروج للجهاد، فلم يجد ما يحملهم عليه حتى مضى بعض الوقت فحصل لهم على ثلاثة من الإبل. وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة ممن أقعدهم السقم أوالنفقة عن الخروج إلى حد البكاء شوقًا للجهاد وتحرجًا من القعود حتى هبط فيهم قرآن: Ra bracket.png لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ Aya-91.png وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ Aya-92.png La bracket.png


خروج المسلمين

خرج المسلمون من المدينة بعدد كبير قوامه ثلاثين ألف لم يتخلف منهم إلا المنافقون، والثلاثة المشهورين، وقد استخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة محمد بن مسلمة وقيل سباع بن عهدطة، وجعل عليا خليفة على أهله فاخذ المنافقون يلمزون في ذلك ويقولون ما هجره إلا استثنطقاً، وتخففاً منه. فأخذ علي بن أبي طالب سلاحه ولحق رسول الله وأبلغه ما يقوله المنافقون وهونازل بالجُرْف، فنطق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:‏ «‏"كذبوا وإنّما خلّفتُك لما ورائي فارجعْ فاخلفْني في أهلي وأهلك أما ترضى حتى تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي‏» "نطق ابن هشام‏:‏ واستخلف رسول الله على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري‏.‏ نطق‏:‏ وذكر الدراوردي‏:‏ أنه استخلف عليها عام تبوك سباع بن عهدطة‏.‏ نطق ابن إسحاق‏:‏ وخلَّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمعلي ابن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون، ونطقوا‏:‏ ما خلفه إلا استقلالاً له. ، فلمَّا نطقوا ذلك، أخذ عليّ سلاحه، ثمَّ خرج حتَّى لحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبلغه بما نطقوا‏.‏ فرجع علي، ومضى رسول الله في سفره‏.‏

لقد استطاع رسول الله حتى يحشد ثلاثين ألف مقاتل من المهاجرين والأنصار وأهل مكة والقبائل العربية الأخرى، ولقد أعرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -على غير عادته في غزواته- هدفه ووجهته في القتال، إذ أعرب صراحة أنه يريد قتال بني الأصفر (الروم)، فهما بأن هديه في معظم غزواته حتى يوري فيها، ولا يصرح بهدفه ووجهته وقصده، حفاظًا على سرية الحركة ومباغتة العدو. وكانت الأسباب وراء ذلك: بعد المسافة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدرك حتى السير إلى بلاد الروم يعد أمرًا صعبًا؛ لأن التحرك سيتم في منطقة صحراوية ممتدة قليلة الماء والنبات، ولا بد - حينئذ- من إكمال المؤنة ووسائل النقل للمجاهدين قبل بدء الحركة؛ حتى لا يؤدي نقص هذه الأمور إلى الإخفاق في تحقيق الهدف المنشود؛ كثرة عدد الروم، بالإضافة إلى حتى لقاءتهم تتطلب إعدادًا خاصًّا، فهم عدويختلف في طبيعته عن الأعداء الذين قابلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل، فأسلحتهم كثيرة، ودرايتهم بالحرب كبيرة، وقدرتهم القتالية فائقة؛ شدة الزمان، وذلك لكي يقف جميع امرئ على ظروفه، ويعد النفقة اللازمة له في هذا السفر الطويل لمن يعول وراءه؛ أنه لم يعد مجال للكتمان في هذا الوقت، حيث لم يبق في جزيرة العرب قوة معادية لها خطرها تستدعي هذا الحشد الضخم سوى الرومان ونصارى العرب الموالين لهم في منطقة تبوك ودومة الجندل والعقبة.

إثباط للعزيمة

الإمبراطرية البيزنطية عام 500

عندما أعرب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النفير ونادى إلى الإنفاق في تجهيز هذه الغزوة، أخذ المنافقون في تثبيط همم الناس قائلين لهم: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله تعالى فيهم: Ra bracket.png فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ Aya-81.png فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ Aya-82.png La bracket.png ونطق رسول الله وهوفي جهازه لتبوك، للجد بن قيس: «يا جد، هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟» فنطق: يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني،يا ترى؟ فوالله لقد عهد قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء مني وإني أخشى إذا رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونطق: «قد أذنت لك» ففيه نزلت الآية: Ra bracket.png وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ Aya-49.png La bracket.png ومضى بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبدين أعذارًا كاذبة ليأذن لهم بالتخلف، فأذن لهم، فعاتبه الله بقوله: Ra bracket.png عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ Aya-43.png La bracket.png وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمأن ناسًا منهم يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله، فأوفد إليهم من أحرق عليهم بيت سويلم. لقد تحدث القرآن الكريم عن موقف المنافقين قبل الغزوة وأثناءها وبعدها، ومما اتى من حديث القرآن الكريم عن موقف المنافقين قبل غزوة تبوك ما يتضمن استئذانهم، وتخلفهم عن الخروج، وكان ممن تخلف عبد الله بن أبيّ بن سلول، وقد تحدث القرآن عنهم فنطق تعالى: Ra bracket.png لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ Aya-42.png La bracket.png فقد بين -سبحانه وتعالى- موقف المنافقين وأنهم تخلفوا بسبب بعد المسافة وشدتها، وأنه لوكان الذي دعوتهم إليه يا محمد عرضًا من أعراض الدنيا ونعيمها وكان السفر سهلا لاتبعوك في الخروج، ولكنهم تخلفوا ولم يخرجوا، فالآية تشرح وتوضح ملابسات موقفهم قبل الخروج إلى الغزوة، وأسباب هذا الموقف. ثم حكى –سبحانه- ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من هذه الغزوة: Ra bracket.png لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ Aya-42.png La bracket.png. كان نزول هذه الآية قبل رجوعه من تبوك. والمعنى: وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله -كذبًا وزورًا- قائلين: لواستطعنا -أيها المؤمنون- حتى نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا، فإننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف. وقوله -سبحانه-: Ra bracket.png لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ Aya-42.png La bracket.png. نطق ابن عاشور: أي يحلفون مهلكين أنفسهم -أي مسقطينها في الهلك، والهلك: الفناء والموت- ويطلق على الأضرار الجسمية وهوالمناسب هنا أي يتسببون في ضر أنفسهم بالأيمان الكاذبة وهوضر الدنيا وعذاب الآخرة، وفي هذه الآية دلالة على حتى تعمد اليمين الفاجرة يفضي إلى الهلاك. لقد كانت غزوة تبوك منذ بداية الإعداد لها مناسبة للتمييز بين المؤمنين والمنافقين، وضحت فيها الحواجز بين الطرفين، ولم يعد هناك أي مجال للتستر على المنافقين أومجاملتهم، بل أصبحت مجابهتهم أمرًا ملحًّا بعد حتى عملوا جميع ما في وسعهم لمجابهة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والدعوة، وتثبيط المسلمين عن الاستجابة للنفير الذي أعربه الله تعالى ورسوله، والذي هبط به القرآن الكريم، بل وأصبح الكشف عن نفاق المنافقين، وإيقافهم عند حدهم واجبًا شرعيًّ.

وهن ووجهاد

قبر الصحابي أبي ذر الغفاري بقرية الربذة

تخلف أبوذر الغفاري، وأبطأ به بعيره. فنطق رسول الله لفلان: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه». وتلوَّم أبوذر على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فنطق: يا رسول الله، إذا هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فنطق رسول الله: «كن أبا ذر» فلما تأمله القوم نطقوا: يا رسول الله، هو–والله- أبوذر، فنطق رسول الله: «رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده". ومضى الزمان، واتى عصر عثمان، ثم حدثت بعض الأمور وسُيِّر أبوذر إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبوذر. فلما توفي عملوا به كذلك فطلع ركب فما فهموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة، فنطق: ما هذا،يا ترى؟ فقيل: جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي. تعرض له أبوذر الغفاري من الصعوبات والمخاطر أيام الغزوة التي نجاه الله منها وقواه بالصبر عليها، ولقد بذل أبوذر جهدًا كبيرًا في المشي على قدميه وهويحمل متاعه على ظهره حتى لحق بالنبي والمسلمين؛ لكي ينال شرف الجهاد في سبيل الله.

الوصول لحجر ثمود

نطق أبوكبشة الأنصاري لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنادى في الناس: «الصلاة جامعة» نطق: فأتيت رسول الله وهوممسك بعيره، وهويقول: «ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم؟» فناداه رجل منهم: نعجب منهم يا رسول الله، نطق: «أفلا أنذركم بأعجب من ذلك،يا ترى؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هوكائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا، فإن الله عز وجل لا يعبأ بعذابكم شيئًا، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئًا». ونطق ابن عمر رضي الله عنهما: إذا الناس نزلوا مع رسول الله أرض ثمود، الحجر، واستقوا من بئرها، واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله حتى يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم حتى يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة ونطق رسول الله: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا حتى تكونوا باكين حذرًا حتى يصيبكم مثل ما أصابهم» ثم زجر فأسرع حتى خلفها، وهذا منهج نبوي كريم في توجيه رسول الله صحابته إلى الاعتبار بديار ثمود، وأن يتذكروا بها غضب الله على الذين كذبوا رسوله، وألا يغفلوا عن مواطن العظة برسومها الدارسة، وأطلالها القديمة، ونهاهم عن الانتفاع بشيء مما في ربوعها، حتى الماء لكيلا تفوت بذلك العبرة، وتخف الموعظة، بل أمرهم بالبكاء، وبالتباكي، تحقيقا للتأثر بعذاب الله. فالغابرين شهدوا المعجزات ودلائل النبوة، وعاينوا العجائب، لكن قست قلوبهم فاستهانوا بها، وحق عليهم العذاب، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون من نقمة الله وغضبه.

إن الله عز وجل ما قص علينا من أنباء الأمم الخالية، إلا لكي نأخذ منها العظة والاعتبار، فإذا شهدنا بأعيننا ديارهم التي هبط فيها سخط المولى عز وجل وعذابه الأليم، وجب حتى تكون الموعظة أشد، والاعتبار أعمق، والخوف من سخط المولى –سبحانه- أبلغ، ولهذا تسجى النبي صلوات الله وسلامه عليه بثوبه لما مر بالديار الملعونة المسخوطة واستحث خطا راحلته ونطق لأصحابه: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا حتى تكونوا باكين، حذرًا حتى يصيبكم ما أصابهم».

الأخذ بالمشورة

مشورة أبي بكر الصديق في النادىء

أبوبكر الصديق

نطق عمر بن الخطاب: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا حتى رقابنا ستنبتر، حتى إذا الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقى على كبده، فنطق أبوبكر الصديق: يا رسول الله، إذا الله قد عودك في النادىء خيرًا، فادع الله، نطق: «أتحب ذلك؟» نطق: نعم، فحمل يديه فلم يردهما حتى حالت السماء فأظلت ثم سكبت فملأوا ما معهم، ثم مضىنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.

مشورة عمر بن الخطاب

أصابت جيش العسرة مجاعة أثناء سيرهم إلى تبوك، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نحر إبلهم حتى يسدوا جوعتهم، فلما أذن لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك اتىه عمر فأبدى مشورته في هذه المسألة، وهي حتى الجند إذا عملوا ذلك نفدت رواحلهم وهم أحوج ماقد يكونون إليها في هذا الطريق الطويل، ثم ذكر حلا لهذه المعضلة وهو: جمع أزواد القوم ثم النادىء لهم بالبركة فيها، فعمل بهذه المشورة حتى صدر القوم عن بقية من هذا الطعام بعد حتى ملأوا أوعيتهم منه وأكلوا حتى شبعوا.

عمر بن الخطاب

عندما وصل النبي إلى منطقة تبوك عثر حتى الروم فروا خوفًا من جيش المسلمين، فاستشار أصحابه في اجتياز حدود الشام، فأشار عليه عمر بن الخطاب بأن يرجع بالجيش إلى المدينة وعلل رأيه بقوله: إذا للروم جموعًا كثيرة وليس بها أحد من أهل الإسلام، ولقد كانت مشورة مباركة؛ فإن القتال داخل بلاد الرومان يعد أمرًا صعبًا، إذ إنه يحتاج تكتيكًا خاصًا لأن الحرب في الصحراء تختلف في طبيعتها عن الحرب في المدن، بالإضافة إلى حتى عدد الرومان في الشام يقرب من مائتين وخمسين ألفـًا، ولا شك في حتى تجمع هذا العدد الكبير في تحصنه داخل المدن يعرض جيش المسلمين للخطر.

موقف المنافقين

الاستهزاء بدين الله ورسوله

نطق عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما نطق رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء، فنطق رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأبلغنَّ رسول الله، فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن. نطق عبد الله: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله والحجارة تنكبه، وهويقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، والرسول يقول: «أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟». وفي رواية قتادة نطق: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين فنطقوا: يرجوهذا الرجل حتى تفتح له قصور الشام وحصونها،يا ترى؟ هيهات هيهات.. فأطلع الله نبيه على ذلك فنطق نبي الله محمد: «احبسوا هؤلاء الركب»، فأتاهم فنطق: قلتم كذا وقلتم كذا، نطقوا: فأنزل الله فيهم ما تسمعون، فأنزل الله تعالى:Ra bracket.png وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ Aya-46.png وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ Aya-65.png La bracket.png ثم بين -سبحانه- حتى استهزاءهم هذا أدى بهم إلى الكفر فنطق: Ra bracket.png لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ Aya-66.png La bracket.png وقوله: ﴿إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ أي: إذا نعف عن بعضكم لتوبتهم وإنابتهم إلى ربهم -كمخشن بن حمير- نعذب بعضًا آخر لإجرامهم وإصرارهم عليه.

إيذاء الرسول والمؤمنين ومحاولة اغتيال رسول الله

وقد هبط في هؤلاء المنافقين قول الله تعالى: Ra bracket.png يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَ Aya-74.png La bracket.png وقد ذكر ابن كثير حتى الضحاك نطق: إذا نفراً من المنافقين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهوفي غزوة تبوك في بعض الليالي طالما السير، وكانوا بضعة عشر رجلا نزلت فيهم هذه الآية، وفي رواية الواحدي عن الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله إلى تبوك، فكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعض سبوا رسول الله وأصحابه، وطعنوا في الدين، فنقل ما نطقوا حذيفة إلى رسول الله فنطق لهم رسول الله: «يا أهل النفاق، ما هذا الذي بلغني عنكم؟» فحلفوا ما نطقوا شيئا من ذلك، فأنزل الله هذه الآية إكذابًا لهم.

أزمة مسجد الضرار

حاول المنافقون حتى يضفوا الشرعية على هذا البناء وأنه مسجد بنوه لأسباب مقنعة في الظاهر، ولكن لا حقيقة لها في نفوس أصحابها، فقد اتىوا يطلبون من الرسول الصلاة في هذا البناء ليكون مسجدًا قد باركه رسول الله بالصلاة فيه، فإذا وقع هذا فقد استقر قرارهم في تحقيق أهدافهم الماكرة. وقد أطلعه الله -عز وجل- على أسرار هؤلاء المنافقين وما أرادوه من تأسيس هذا المسجد، فلولا إعلام الله لرسوله لما استوعب رسول الله حقيقة نواياهم، ولصلى في البناء فأضفى عليه الشرعية وأقبل الناس يصلون فيه لأن رسول الله صلى فيه، وبذلك يحدث الاختلاط بين المنافقين وضعاف المسلمين فينفردون بهم وقد يؤثرون عليهم بالشائعات. لذلك، أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهدم المسجد وكذا أي عمل يراد منه الإضرار بالمسلمين وتفريق حدثتهم. فكل مسجد بني على ضرار أورياء وسمعة فهوفي حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه.

وصول الجيش إلى تبوك

لما هبط المسلمون بتبوك، وبدأت ملامح القتال، قام فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطب قائلاً :

أَيّهَا النّاسُ، أَمّا بَعْدُ، فَإِنّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ، وَأَوْثَقَ الْعُرَى كَلِمَةُ التّقْوَى، وَخَيْرَ الْمِلَلِ مِلّةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَخَيْرَ السّنَنِ سُنَنُ مُحَمّدٍ، وَأَشْرَفَ الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللّهِ، وَأَحْسَنَ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ، وَخَيْرَ الْأُمُورِ عَوَاقِبُهَا، وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَأَحْسَنَ الْهُدَى هُدَى الْأَنْبِيَاءِ، وَأَشْرَفَ الْقَتْلِ قَتْلُ الشّهَدَاءِ، وَأَعْمَى الضّلَالَةِ الضّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى، وَخَيْرَ الْأَعْمَالِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرَ الْهُدَى مَا اُتّبِعَ، وَشَرّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ، وَالْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ السّفْلَى، وَمَا قَلّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَشَرّ الْأُمُورِ الْمَعْذِرَةُ حِينَ يَحْضُرَ الْمَوْتُ، وَشَرّ النّدَامَةِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَمِنْ النّاسِ مَنْ لَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ إلّا نَذرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَذْكُرُ اللّهَ إلّا هُجْرًا، وَمِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا اللّسَانُ الْكَذُوبُ، وَخَيْرَ الْغِنَى غِنَى النّفْسِ، وَخَيْرَ الزّادِ التّقْوَى، وَرَأْسَ الْحُكْمِ مَخَافَةُ اللّهِ، وَخَيْرَ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ وَالِارْتِيَابَ مِنْ الْكُفْرِ. وَالنّيَاحَةَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيّةِ، وَالْغُلُولَ مِنْ جَمْرِ جَهَنّمَ، وَالسّكْرَ كِنّ مِنْ النّارِ، وَالشّعْرَ مِنْ إبْلِيسَ، وَالْخَمْرَ جِمَاعُ الْإِثْمِ، وَالنّسَاءَ حِبَالَةُ الشّيْطَانِ، وَالشّبَابَ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ، وَشَرّ الْمَكَاسِبِ كَسْبُ الرّبَا، وَشَرّ الْمَأْكَلِ مَالُ الْيَتِيمِ. وَالسّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشّقِيّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمّهِ، وَإِنّمَا يَصِيرُ أَحَدُكُمْ إلَى مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَالْأَمْرَ إلَى آخِرِهِ، وَمِلَاكَ الْعَمَلِ خَوَاتِمُهُ، وَالرّبَا رِبَا الْكَذِبِ. وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَسِبَابَ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ، وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ، وَأَكْلَ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، وَحُرْمَةَ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ. وَمَنْ يَتَأَلّ عَلَى اللّهِ يُكَذّبْهُ، وَمَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللّهُ عَنْهُ، وَمَنْ يكظم الغيظ أْجُرْهُ اللّهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرّذيّةِ يُعَوّضْهُ اللّهُ، وَمَنْ يَتّبِعْ السّمْعَةَ يُسَمّعْ اللّهُ بِهِ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُضَاعِفْ اللّهُ لَهُ، وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ يُعَذّبْهُ اللّهُ. اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَلِأُمّتِي، اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَلِأُمّتِي، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ لِي وَلَكُمْ.

وقد نقلها الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية عن البيهقي، ونطق: "وهذا حديث غريب، وفيه نكارة، وفي إسناده ضعف".

تفرق جيش الروم وهروبهم

حققت هذه الغزوة الغرض المرجومنها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالًا فحققوا فوزًا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تمت بصلة الولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليا على خليج العقبة)، وخط رسول الله بينه وبينهم كتابا يحدد ما لهم وما عليهم،

معجزات

ظهرت في غزوة تبوك معجزات منها:

سحابة الماء

لما جاز النبي حجر ثمود، أصبح الناس ولا ماء لهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فدعى رسول الله ربه، واستسقى لمن معه من المسلمين، فأوفد الله -سبحانه وتعالى- سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجتهم من الماء، فتحدث ابن إسحاق عمن نطق لمحمود بن لبيد: هل كان الناس يعهدون النفاق فيهم،يا ترى؟ نطق: نعم والله، إذا كان الرجل ليعهده من أخيه، ومن أبيه، ومن عمه، وفي عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك، ثم نطق محمود: لقد أبلغني رجال من قومي، عن رجل من المنافقين معروف نفاقه، كان يسير مع رسول الله حيث سار، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان، ونادى رسول الله حين نادى، فأوفد الله السحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس، نطقوا: أقبلنا عليه ونقول: ويحك! هل بعد هذا الشيء،يا ترى؟ نطق: «سحابة مارة».

خبر ناقة رسول الله

لما كان رسول الله سائرًا في طريقه إلى تبوك، ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله رجل من أصحابه، ينطق له: عمارة بن حزم، وكان عقبيًّا بدريًّا، وهوعم بني عمروبن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي، وكان منافقًا. نطق زيد بن اللصيت وهوفي رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله: أليس محمد يزعم أنه نبي،يا ترى؟ ويخبركم عن خبر السماء، وهولا يدري أين ناقته،يا ترى؟ فنطق رسول الله وعمارة عنده: «إن رجلا نطق: هذا محمد يزعم أنه يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهولا يدري أين ناقته،يا ترى؟ وإني والله ما أفهم إلا ما فهمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي، في شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها» فانطلقوا حتى تأتوني بها، فمضىوا فاتىوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله، فنطق: والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله آنفا عن منطقة قائل أبلغه الله عنه بكذا وكذا، للذي نطق زيد بن اللصيت، فنطق رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله: زيد والله نطق هذه الموضوعة قبل حتى تأتي، فأقبل عمارة على زيد، يجأ في عنقه (يطعنه فيه) يقول: إليَّ عباد الله، إذا في رحلي لداهية، وما أشعر، اخرج أي عدوالله من رحلي فلا تصحبني، نطق ابن إسحاق: فزعم بعض الناس حتى زيدًا تاب بعد ذلك، ونطق بعض الناس: لم يزل متهما بشر حتى هلك.

الإخبار بهبوب ريح شديدة والتحذير منها

أبلغ رسول الله أصحابه في تبوك بأن ريحًا شديدة ستهب، وأمرهم بأن يحتاطوا لأنفسهم ودوابهم فلا يخرجوا حتى لا تؤذيهم، وليربطوا دوابهم حتى لا تؤذى، وتحقق ما أبلغ به رسول الله، فهبت الريح الشديدة وحملت من قام فيها إلى مكان بعيد. فقد روى مسلم في سليمه بإسناده إلى أبي حميد نطق: وانطلقنا حتى قدمنا تبوك فنطق رسول الله: «ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيئ.» نطق النووي في شرحه على سليم مسلم معقبا على هذا الحديث: هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة من إخباره بالمغيب وخوف الضرر من القيام وقت الريح.

منطقة تبوك

تكثير ماء عين تبوك

نطق معاذ بن جبل: نطق رسول الله : «إنكم ستأتون غدا إذا شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن اتىها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي» فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك، تبض، بشيء من ماء، فسألهما رسول الله : «هل مسستما من مائها شيئا؟» نطقا: نعم، فسبهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونطق لهما ما شاء الله حتى يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلاً حتى اجتمع في شيء، وغسل رسول الله فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء منهمر حتى استقى الناس. وقد نطق رسول الله لمعاذ بن جبل: «يوشك يا معاذ إذا طالت بك حياة حتى ترى ما هاهنا قد ملئ جنانًا»، لقد كانت منطقة تبوك والوادي الذي كانت فيه العين منطقة جرداء لقلة الماء، ولكن الله -عز وجل- أجرى على يد رسوله بركة تكثير هذا الماء حتى أصبح يسيل بغزارة، ولم يكن هذا آتيا لسد حاجة الجيش، بل أبلغ رسول الله بأنه سيستمر وستكون هناك جنان وبساتين مملوءة بالأشجار المثمرة، ولقد تحقق ما أبلغ به الرسول بعد فترة قليلة من الزمن، وما زالت تبوك حتى اليوم تمتاز بجنانها وبساتينها ونخيلها وتمورها، تنطق بصدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتشهد بأن الرسول لا يتحدث إلا صدقًا، ولا يخبر إلا حقًا، ولا ينبئ بشيء إلا ويتحقق.

تكثير الطعام

نطق أبوسعيد الخدري: لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فنطقوا: يا رسول الله، لوأذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وأدمنا، فنطق لهم رسول الله: «اعملوا»، فاتى عمر فنطق: يا رسول الله، إنهم إذا عملوا قل الظَّهْر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع لهم بالبركة، لعل الله يجعل في ذلك، فنادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنطع فبسطه، ثم نادىهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع في ذلك شيء يسير، ثم نادى عليه بالبركة، ثم نطق لهم: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا من أوعيتهم حتى ما هجروا من المعسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فنطق رسول الله: «أشهد حتى لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غير شاكٍّ فتحجب عنه الجنة».

آيات قرآنية

إن الآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم إبان غزوة العسرة هي أطول ما هبط في قتال المسلمين وخصومهم.

التخلف عن الحرب

بدأت تلك الآيات باستنهاض الهمم لرد هجوم المسيحية، وإشعارهم بأن الله لا يقبل ذرة تفريط في حماية دينه ونصرة نبيه، وإن التراجع أمام الصعوبات الحائلة دون قتال الروم، يعد مزلقة إلى الردة والنفاق نطق تعالى: Ra bracket.png يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ Aya-38.png إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ Aya-39.png La bracket.png. فعاتب القرآن الكريم من تخلف عتابًا شديدًا، وتميزت غزوة تبوك عن سائر الغزوات بأن الله حث على الخروج فيها -وعاتب من تخلف عنها- والآيات الكريمة اتىت بذلك، كقوله تعالى:Ra bracket.png انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ Aya-41.png La bracket.png.

الشُحّ بالمال

من معالم منهج القرآن في عرضه لهذه الغزوة العظيمة حتى الله رد على المنافقين لمزهم فقراء الصحابة عندما اتى أحدهم بنصف صاع وتصدق به، فنطقوا: إذا الله لغني عن صدقة هذا، وما عمل هذا إلا رياء، فنزلت الآية: Ra bracket.png الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ Aya-79.png La bracket.png.

جزاء وفاقًا

بين القرآن الكريم حتى المؤمنين الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -وعددهم يزيد عن الثلاثين ألفا- قد خط الله لهم الأجر العظيم؛ نطق تعالى: ﴿ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾.

ما بعد المعركة

دولة الخلفاء الراشدين في أقصى اتساعها سنة 654. تظهر المناطق التابعة اسميًا للخلافة باللون الأخضر الباهت.

كانت للغزوة نتائج عدة أهمها:

  • إسقاط هيبة الروم من نفوس العرب جميعًا -مسلمهم وكافرهم على السواء- لأن قوة الروم كانت في حس العرب لا تقاوم، ولا تغلب، ومن ثم فقد فزعوا من ذكر الروم وغزوهم، ولعل الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في غزوة مؤتة كانت مؤكدة على ما ترسخ في ذهن العربي في جاهليته من حتى الروم قوة لا تقهر، فكان لا بد من هذا النفير العام لإزاحة هذه الهزيمة النفسية من نفوس العرب.
  • إظهار قوة الدولة الإسلامية كقوة وحيدة في المنطقة قادرة على تحدي القوى العظمى عالميًا –حينذاك- ليس بدافع عصبي أوعرقي، أوتحقيق أطماع زعامات معاصرة، وإنما بدافع تحريري؛ حيث تدعوالإنسانية إلى تحرير نفسها من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ولقد حققت هذه الغزوة الغرض المرجومنها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالا فحققوا فوزا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تمت بصلة الولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليا على خليج العقبة)، وخط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبينهم كتابا يحدد ما لهم وما عليهم، وأصبحت القبائل العربية الشامية الأخرى التي لم تخضع للسيطرة الإسلامية في تبوك تتعرض بشدة للتأثير الإسلامي، وبدأ الكثير من هذه القبائل يراجع موقفه ويقارن بين جدوى الاستمرار في الولاء للدولة البيزنطية أوتحويل هذا الولاء إلى الدولة الإسلامية الناشئة، ويعد ما وقع في تبوك نقطة البداية العملية للفتح الإسلامي لبلاد الشام، وإن كانت هناك محاولات قبلها ولكنها لم تكن في قوة التأثير كغزوة تبوك، فقد كانت هذه الغزوة بمثابة المؤشر لبداية عمليات متواصلة لفتح البلدان، والتي واصلها خلفاء رسول الله من بعده، ومما يؤكد هذا حتى الرسول قبل موته جهز جيشا بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة ليكون رأس حربة موجهة صوب الروم، وطليعة لجيش الفتح، ضم هذا الجيش جُلَّ صحابة رسول الله، ولكنه لم يقم بمهمته إلا بعد وفاته.
  • توحيد الجزيرة العربية تحت حكم الرسول، حيث تأثر موقف القبائل العربية من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والدعوة الإسلامية بمؤثرات متداخلة كفتح مكة، وخيبر، وغزوة تبوك، فبادر جميع قوم بإسلامهم بعد حتى امتد سلطان المسلمين إلى خطوط التماس مع الروم ثم مصالحة نجران في الأطراف الجنوبية على حتى يدفعوا الجزية، فلم يعد أمام القبائل العربية إلا المبادرة الكاملة إلى اعتناق الإسلام والالتحاق بركب النبوة بالسمع والطاعة؛ ونظرا لكثرة وفود القبائل العربية التي قدمت إلى المدينة من أنحاء الجزيرة العربية بعد عودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك لتعلن إسلامها هي ومن وراءها، فقد سمي العام التاسع للهجرة في المصادر الإسلامية بعام الوفود.

مراجع

  1. ^ دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة، د. عبد الرحمن الشجاع، دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى، 1419هـ - 1999م، ص 209
  2. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 41
  3. ^ سليم مسلم، أبوالحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم، دار الخلافة العلية، 1330، (4/1784) رقم 706
  4. ^ غزوة تبوك دروس وعبر، أمير بن محمد المدري، ص 9
  5. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 117
  6. ^ شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، أبوعبد الله المالكي، دار الخط الفهمية، 1996، ج3 ص 62
  7. ^ قيم المجتمع الإسلامي من منظور تاريخي، أكرم بن ضياء العمري، ص 229
  8. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 123
  9. ^ البداية والنهاية، ابن كثير، دار الفكر، 1986، (5/3).
  10. ^ مجلة البحوث الإسلامية، غزوة تبوك وما فيها من المعجزات، العدد السادس والخمسون
  11. ^ كتاب الطبقات الكبرى، ابن سعد البصري، دار الخط الفهمية - بيروت، 1990، (2/165).
  12. ^ السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله، 1992، ص 615
  13. ^ سنن الترمذي، مناقب (5/625، 626) رقم 3700.
  14. ^ مسند أحمد (5/63).
  15. ^ سنن أبي داود، الزكاة (2/312، 313) رقم 1678.
  16. ^ السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله، 1992، ص 616
  17. ^ المغازي الواقدي، محمد عمر بن واقد، تحقيق د . مارسدن جونس، عالم الخط، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404 ه- 1984 م، ج3 ص391
  18. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 79
  19. ^ السيرة النبوية السليمة، أكرم العمري، الطبعة الأولى 1412 ه/ 1992 م، مخطة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، ص235
  20. ^ معين السيرة، صالح أحمد الشامي، المخط الإسلامي، الطبعة الثانية، 1413 ه- 1992 م.، ص453
  21. ^ المجتمع المدني في عصر النبوة، أكرم العمري، ص236
  22. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 91-92
  23. ^ كتاب الكامل في التاريخ - ‏ عز الدين أبوالحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري الشهير بابن الأثير
  24. ^ كتاب البداية والنهاية - الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير
  25. ^ الصراع مع الصليبين، محمد عبد القادر أبوفارس، د ار البشير، طنطا، طبعة عام 1419 ه- 1999 م، ص97
  26. ^ الرسول القائد، محمود شيت خطاب، دار مخطة الحياة ومخطة النهضة بغداد الطبعة الثانية، 1960 م، ص398
  27. ^ غزوة تبوك، محمد أحمد باشميل، دار الفكر، بيروت، ص57
  28. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآيتين 81-82
  29. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 49
  30. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 43
  31. ^ السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، محمد أبوشهبة، دار القلم، دمشق، الطبعة الثالثة، 1417 ه - 1996 م، ص 618
  32. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 42
  33. ^ حديث القرآن الكريم (2/647).
  34. ^ تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، المجلد العاشر، ص 209
  35. ^ نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ، فريق كبير من المتخصصين بإشراف: الشيخ صالح بن حميد، عبد الرحمن بن ملوح، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة، 1998، المجلد الأول، ص 389
  36. ^ السيرة النبوية، أبي محمد بن عبد الملك بن هشام، دار الفكر، (4/178).
  37. ^ التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، عبد العزيز الحميدي، دار الدعوة، الإسكندرية، (8/114).
  38. ^ الصراع مع الصليبين، محمد عبد القادر أبوفارس، د ار البشير، طنطا، طبعة عام 1419 ه- 1999 م، ص129
  39. ^ الفتح الرباني والفيض الرحماني، الجيلاني، مخطة الثقافة الدينية، 2007، (21/195)
  40. ^ كتاب الأنبياء، البخاري، رقم 3381.
  41. ^ صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، فيض الله، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، 1996 م، ص 480
  42. ^ أخرجه ابن حبان، كتاب الجهاد، باب غزوة تبوك، رقم 1707.
  43. ^ غزوة تبوك، محمد أحمد باشميل، دار الفكر الاسلامى الحديث، 2000، ص 176-177
  44. ^ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الإمام السيوطي، دار الفكر، بيروت، (4/230).
  45. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 64-65
  46. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 66
  47. ^ تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي، شركة مخطة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، 1946، (4/153).
  48. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 74
  49. ^ تفسير ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي أبوالفداء عماد الدين، دار طيبة، 1999، (2/372).
  50. ^ أسباب نزول القرآن، أبوالحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، دار الإصلاح - الدمام، 1992، ص251
  51. ^ الصراع مع الصليبين، محمد عبد القادر أبوفارس، د ار البشير، طنطا، طبعة عام 1419 ه- 1999 م، ص181
  52. ^ في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، الطبعة التاسعة، 1400 ه- 1980 م، (3/1710، 1711).
  53. ^ المغازي، الواقدي، ج3، ص1016.
  54. ^ 2- البيهقي: دلائل النبوة وفهم أحوال صاحب الشريعة، باب ما روي في خطبته –صلى الله عليه وسلم- بتبوك، الناشر: دار الخط الفهمية – بيروت، الطبعة: الأولى - 1405 هـ، جـ5/ 241- 242.
  55. ^ 3- ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن الهجري، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997م، سنة النشر: 1424هـ / 2003م، جـ7/ 170- 171.
  56. ^ السيرة النبوية، لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام، دار الفكر، (4/176)
  57. ^ صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، محمد فوزي فيض الله، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 ه- 1996 م، ص473.
  58. ^ إعلام النبوة للماوردي، ص100، السيرة النبوية لابن هشام (4/177).
  59. ^ السيرة النبوية، لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام، دار الفكر، (4/177)
  60. ^ الصراع مع الصليبين، محمد عبد القادر أبوفارس، دار البشير، طنطا، طبعة عام 1419 ه- 1999 م، ص 141
  61. ^ مختصر مسلم، مسلم / المنذري، المخط الإسلاميي، 1987، رقم 1543.
  62. ^ المنهاج في شرح سليم مسلم بن الحجاج، يحيى بن شرف النووي،طبعة قرطبة، 1994، المجلد 15، ص 42
  63. ^ المنهاج في شرح سليم مسلم بن الحجاج، يحيى بن شرف النووي،طبعة قرطبة، 1994، المجلد (15/41)
  64. ^ المنهاج في شرح سليم مسلم بن الحجاج، يحيى بن شرف النووي،طبعة قرطبة، 1994، الفتح الرباني (21/196).
  65. ^ الصراع مع الصليبين، محمد عبد القادر أبوفارس، د ار البشير، طنطا، طبعة عام 1419 ه- 1999 م، ص142
  66. ^ المنهاج في شرح سليم مسلم بن الحجاج، يحيى بن شرف النووي،طبعة قرطبة، 1994، الفتح الرباني (21/196- 198).
  67. ^ فقة السيرة، محمد الغزالي، دار الخط الحديثة، 1965، ص 404
  68. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآيات 38، 39.
  69. ^ حديث القرآن الكريم (2/703).
  70. ^ القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 92
  71. ^ المسلمون والروم في عصر النبوة، عبد الرحمن أحمد، ص102.
  72. ^ ^ نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ، فريق كبير من المتخصصين بإشراف: الشيخ صالح بن حميد، عبد الرحمن بن ملوح، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة، 1998، المجلد الأول، ص 209

انظر أيضا

  • معركة مؤتة
  • فتح مكة
  • الإمبراطورية البيزنطية
  • هرقل
قبلها:
غزوة الطائف
غزوات الرسول
غزوة تبوك
بعدها:
--
      
غزوات الرسول
غزوة الأبواء | غزوة بواط | غزوة العشيرة | غزوة سفوان | غزوة بدر الكبرى | غزوة بني سليم | غزوة بني قينقاع | غزوة السويق | غزوة ذي أمر | غزوة بحران | غزوة أحد | غزوة حمراء الأسد | غزوة بني النضير | غزوة ذات الرقاع | غزوة بدر الآخرة | غزوة دومة الجندل | غزوة بني المصطلق | غزوة الخندق | غزوة بني قريظة | غزوة بني لحيان | غزوة ذي قرد | صلح الحديبية | غزوة خيبر | غزوة عمرة القضاء | فتح مكة | غزوة حنين | غزوة الطائف | غزوة تبوك
تاريخ النشر: 2020-06-04 18:52:04
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, معارك العصر النبوي, غزوات الرسول محمد, نزاعات 630, القرن 7 في الإمبراطورية البيزنطية, عقد 630 في الإمبراطورية البيزنطية, معارك أبو عبيدة بن الجراح, معارك الحروب العربية البيزنطية, معارك خالد بن الوليد, منطقة تبوك, 630 في آسيا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ظهور “ظاهرة خطيرة” بملعب مراكش الكبير

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 12:15:10
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 37%

عام / إصابة 30 شخصاً في حادث اصطدام قطارين ببنغلاديش

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 09:27:19
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 57%

عام / المركز الوطني للأرصاد: أمطار متوسطة إلى غزيرة على منطقة جازان

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 09:27:16
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

سياحة وترفيه / الشعاب والأودية وجهة المتنزهين في منطقة القصيم بعد هطول الأمطار

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 09:27:17
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

عام / "الأرصاد" : أمطار خفيفة إلى متوسطة على منطقة نجران

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 09:27:20
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 58%

مشروع “نفق أوريكا” يدخل منعطفا جديدا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 12:15:13
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 46%

مصرف الراجحي الأكبر وزناً في مؤشر إم إس سي آي تداول 30

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-04-17 09:25:03
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 35%

الخيانة الزوجية توقف مسير وكالة لتحويل الأموال وأستاذة بسطات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 12:15:09
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 40%

الأمير محمد بن سلمان قاد «المهمات الصعبة» وأطلق القوى الكامنة للبلاد

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 09:24:35
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 94%

سباقات متهورة بدراجات “الكواد” ومطالب بتدخل السلطات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-17 12:15:11
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 36%

pendik escort
betticket istanbulbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info oslobet
Turbanli Porno lezbiyen porno
Anal Porno izle
ankara escort
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
تحميل تطبيق المنصة العربية