فن العصور الوسطى في العالم الغربي يغطي فترة زمنية ومكانية شاسعة، تمتد لأكثر من 1000 عام من الفن في أوروپا، وفي أوقات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويضم حركات فنية وفترات رئيسية، فنون قومية واقليمية، أنواع، إحياءات، أعمال فنية، والفنانين أنفسهم.

نظرة عامة

تضم الفنون بمعناها الواسع جميع ما تمخضت عنه العبقرية البشرية من انتاج فكرى ويدوي، فالجراحة فن، والشعر فن والموسيقى فن، ولكن من الممكن حتى يتحدد أفق هذا الاصطلاح ليقتصر على ما يتفتق عنه العقل البشرى من انتاج راق يجمع بين قوة الابتكار وجمال الذوق من ناحية، والمهارة اليدوية من ناحية أخرى. وفي هذه الحالة تضيق دائرة الفنون لتقتصر على العمارة والتصوير والنحت – وهي المجموعة التي يطلق عليها اسم الفنون الكبرى؛ ثم المصنوعات اليدوية الصغيرة التي تتطلب دقة فائقة وعبقرية راقية وخيالاً واسعاً- وهي التي يطلق عليها اسم الفنون الصغرى.

وأول ما نلاحظه على فنون أوربا العصور الوسطى هوأنها كانت تعبيرا روحيا، بحيث اتىت هذه الفنون مرآة صادقة انعكست فيها الحماسة للدين وتعاليم الكنيسة. لذلك لا نكون مبالغين إذا قلنا حتى جميع ما اشتمل عليه الفن الأوربي في العصور الوسطى من رمزية وجمال ومثالية، إنما استهدف غاية واحدة هي إرضاء الشعور الديني. إلى غير ذلك اتى هذا الفن آية صادقة عبرت تعبيرا أمينا عن أثر العقيدة المسيحية وعصور الايمان، وهي العصور التي إمتازت بسموالوازع الدينى والباعث الروحى على غيرها من قيم الحياة.

على حتى المتتبع لتاريخ الفنون يلمس ثلاثة عوامل قوية توثر دائما في الطابع الفني، وتكيف هذا الطابع تكييفا خاصا. أما هذه العوامل فهى : تنطقيد الشعب وتراثه العنصري، وظروف البيئة التى نبت فيها الفن والتي تتحكم في صياغته وتشكيله، ثم عامل الزمن والتطور. وبتاثير هذه العوامل في الفن الأوربي في العصور الوسطى انقسم ذلك الفن إلى طرز والوان مما أوجد فنا بيزنطيا وفنا رومانسكيا وفنا أيرلنديا وفنا قوطيا، هذا وإن اتفقت هذه الطرز جميعها في صدق تعبيرها عن البواعث الدينية الكنسية.

فن العمارة

كان عدد الكنائس – قبل حتى يعترف الامبراطور قسطنطين بالمسيحية – قليلا مستترا، مما لم يهجر مجالا واسعا للتعبير عن الفن المسيحي. لذلك لم يظهر الفن المسيحي في تلك الفترة من فجر العصور الوسطى إلا في المقابر ذات القباب؛ وهي المقابر التى شيدت من الآجر، وكسيت جدرانها من الداخل بطبقة من الطلاء، سجلت عليها تصاوير استمدت موضوعاتها من القصص الدينية وصور القديسين، فضلا عن بعض الاشارات والرموز الدينية مثل الصليب والسمكة والمصباح والنخلة، أما اجتماعات المسحيين في تلك الفترة فمن المرجح أنها كانت تتم في بعض الدور الخاصة أوفي بعض المعابد الوثنية، لأنهم لم يجرؤا على اقامة كنائس خاصة بهم. على حتى صدور مرسوم ميلان سنة 313، وما أعقبه من انتشار المسيحية انتشارا آمنا، أدى الى مولد فن حديث مثلما أدى إلى ظهور أدب جديد. وكان مولد هذا الفن في القرون الرابع والخامس والسادس.

والواقع حتى المسيحية ألفت نفسها – عند اعتراف قسطنطين بها – في حاجة الى مبان عامة تتخذ مراكز علنية للديانة الجديدة واحياء طقوسها الروحية. وهنا لم يكن أمام المسحيين سوى أحد طريقين: إما الحصول على مبان قديمة من معابد الوثنية المتداعية – عن طريق الهبة أوالشراء – لتحويلها إلى كنائس، وإما تشييد مبان جديدة لهذا الغرض. ولم يكن منتظرا حتى تمتاز هذه المبان الكنسية الأولى بروح الابتكار والتجديد، لذلك اتىت تقليدا وتطبيقا للطرز المعمارية السائدة حينئذ. والواقع أنه يمكن تقسيم الكنائس في عصور المسيحية الأولى إلى قسمين، وذلك من حيث تصميمها: الأول يضم الكنائس ذات التصميم المركزى الدائرى، والثانى يضم الكنائس المستطيلة الشكل أوالبازيليكا. ويبدوحتى هذا التقسيم يرجع الى ظروف التنطقيد والتراثمن ناحية، والبيئة من ناحية أخرى، لأن النوع الأول من الكنائس كان شرقيا يونانيا، في حين كان النوع الثانى غربيا رومانيا. على حتى هذا التقسيم الفنى بين الشرق والغرب لم يكن فاصلا ودقيقا ، اذ وجدت في بعض بلاد الشرق البيزنطى كنائس على الطراز البازيليكى، في حين لا تزال ايطاليا بوجه خاص تحتفظ ببعض كنائس دائرية التصميم: هذا وان كتن المهندسون الرومان قد لجئوا الى تمييز هذه المبانى الشرقية الأخيرة بعمل قباب لها. ومهما يكن الأمر، فان الكنائس المستديرة – ذات القباب أوبدونها – صارت نواة فن العمارة البيزنطى، في حين صارت المبانى المستطيلة البازيليكية عماد فن بناء الكنائس والكتدائيات في الغرب.

الفن المسيحي المبكر والفن العتيق المتأخر

نقوش عاجية

• Ascension of Christ and Noli me tangere, c. 400, with many elements of classical style remaining. See Drogo Sacramentary for a similar Ascension 450 years later.

• Consular diptych, Constantinople 506, in fully Late Antique style

• Ottonian relief from an altar in a bold monumental style, with little attempt at classicism; Milan 962–973.

• Late 14th century French Gothic triptych, probably for a lay owner, with scenes from the Life of the Virgin

الفن البيزنطي

أما الطراز البيزنطي في بناء الكنائس فقد أخذ في اول الأمر عن النمطين اليونانى والرومانى، ثم تأثر بعد ذلك بالفنون الشرقية التى وجدت في أسيا الصغرى وفارس. وتمتاز الكنائس البيزنطية بأنها مربعة الشكل، بخلاف الكنائس البازيليكية المستطيلة. كما تمتاز بالقباب نصف الدائرية التى تعتبر من أبرز مميزات الطراز البيزنطي. على أنه اذا كان ايوان الكنيسة البيزنطية مربع الشكل، الا أنه روعى حتىقد يكون لذلك المربع ذراعان جانبيان قصيران ليتخذ الشكل العام للكنيسة هيئة صليب. أما عقود الكنيسة البيزنطية فكانت مقوسة وعلى هيئة نعل الفرس. ويبدوأنه كان من الصعب الحصول على الأحجار اللازمة لبناء الكنائس في القسطنطينية، بدليل حتى معظم الكنائس البيزنطية شيدت من الآجر، ثم كسيت جدرانها من الداخل بأعمال الفسيفساء والرخام المنقوش على هيئة صور رمزية للقديسين والعذراء والمسيح. أما أعمدة الكنائس البيزنطية فقد أخذت أشكالها عن الطراز الرومانى، مع تجديد هيئة تيجانها بحيث صارت في معظمها مستمدة من أشكال الوحدات الهندسية والنباتية والحيوانية، مثل الصلبان وأوراق الأشجار والطيور وغيرها. والواقع حتى زخرفة الكنائس في الشرق البيزنطى بلغت درجة أرقى كثيرا مما كانت عليه في الغرب، وظل الأمر على ذلك حتى ظهور الفن الرومانسكى في غرب أوربا في القرن الحادى عشر.

وتعتبر كنيسة أياصوفيا – التى تم بناؤها على عهد جستنيان سنة 537 – أعظم نموذج للكنائس البيزنطية. وهذه الكنيسة مشيدة من الآجر، وخط مسقطها الأفقى على هيئة صليب يونانى متساوى الأذرع تقريبا، أذ يبلغ طول أحدهما ثمانين مترا والأخر خمسة وسبعين مترا. وعند تقاطع الذراعين توجد قبة يبلغ أرتفاع قمتها عن سطح الأرض ستين مترا تقريبا. ويتخلل محيط هذه القبة أربعون نافذة مرتبة مرصوصة وفق نظام هندسى بديع، يكفل دخول قدر كاف من الضوء الى داخل الكنيسة. على أنه اذا كانت جدران الكنيسة مشيدة من الآجر، الا انها مغطاة من الداخل بالرخام والفسيفساء المتعدد الألوان، كما أمتاز داخل الكنيسة بالأعمدة الكثيرة والنقوش الجميلة. وقد أعيدبناء قبة هذه الكنيسة بعد حتى دمرها زلزال سنة 558، وظلت قائمة حتى فتح العثمانيون القسطنطينية سنة 1453 فحولوها الى مسجد، واضافوا الى بنائها أربعة مأذن كما أدخاوا عليها بعض التعديلات لتناسب الوضع الجديد. وظلت كذلك حتى حولها كمال أتاتورك الى متحف، وجردها من صفاتها الدينية. والواقع حتى كنيسة أياصوفيا تعتبر بفنها الرائع وجمال هندستها وزخارفها احدى العجائب؛ مما جعل الروس – عقب انتشار المسيحية في بلادهم – يحاولون محاكاتها، قشيدوكنيسة في كييف على نمطها.

فترة الهجرة وانتشار المسيحية

• Anglo-Saxon silver sceat, Kent, c. 720. Diademed head, holding cross; reverse, wolf-headed snake.

• Viking carved wood and metal prow from the Oseberg ship, ca. 800, Norway

• Parts of a Norwegian wooden doorway, 12th century, in the Urnes style

• Image-stone from Sweden

الفن الانعزالي

البادئات العملاقة

• Carolingian version of Insular style—compare the "Liber generationis ..." above.

• Franco-Saxon "In principio", 871-3.

• Romanesque interlace, "inhabited" with figures, England, 1190–1200.

• Typical Gothic pen flourishes in an unillustrated working copy of John's gospel in English, late 14th century.

تأثير الفن الإسلامي

الكنائس البازيليكية

سواء كانت البازيليكا المسيحية ترجع في اصلها وتصميمها الى القاعات الرومانية القديمة التى استخدمها الرومان دورا للقضاء، أوترجع الى بيوت الرومان الخاصة التى تقاربها في التصميم، فان المهم هوحتى اتخاذ البازيليكا دارا للعبادة المسيحية ترتب غليه ادخال بعض تعديلات معمارية هامة عليها. إلى غير ذلك غدت الكنيسة البازيليكية تتكون من ايوان (ا) مستطيل (nave ) على جانبيه جناحان (ب) موازيان له (aisles)، يفصل جميع منهما عن الايوان الأوسط صف أوصفان من العمد، مع مراعاة حتىقد يكون سقف هذين الجناحين أقل ارتفاعا من سقف الايوان الأوسط. وقد أعطى ازدياد الايوان عن الجناحين الجانبيين فرصة عمل صفين من النوافذ في اعلى جانبيه ينفذ منهما الضوء الى الايوان ، في حين تظل الأجنحة الجانبية ضعيفة الاضاءة. واذا كانت الكنيسة البازيليكية على هيئة مستطيل، فأنه روعى حتىقد يكون الضلعان القصيران لهذا المستطيل جهتى الشرق والغرب؛ على حتى يبرز الضلع الشرقى الى الجانبين قليلا ليكون بمثابة جناح عرضى (transept) خاص بالقساوسة، وبذلك يتخذ الشكل العام للكنيسة هيئة حرف (T) وبوسط هذا الجناح العرضى توجد حنية الكنيسة أومحرابها (ج) (apse) على شكل نصف دائرة. أما الضلع الأخر الغربى اللقاء للضلع الشرقى فكان به باب الكنيسة (د). وكان كرسى الأسقف يوضع في حنية الكنيسة وعلى جانبيه مقاعد أباء الكنيسة ورجالها. وفى الجزء الواقع بين مكان الأسقف وجمهور المصلين في الايوان يوجد المذبح الذى كان يشيد في العادة فوق قبر القديس أوالشهيد الذى شيدت باسمه.

هذا ويلاحظ حتى سقف الكنيسة البازيليكية كان يصنع من الخشب المموه بالمضى ، في حين كسيت أرضيتها بالرخام المقسم الى أشكال هندسية.

لا توجد لدينا معلومات كافية عن أحوال الكنائس في غرب أوربا قبل عصر شارلمان، اللهم سوى ما ذكره بعض المؤرخين – مثل جريجورى التورى – من اشارات عابرة. ثم كان حتى ظهرت النهضة الكارولنجية التى تبناها شارلمان والتى امتدت حتى ضمت الفنون. والحق ان شارلمان كان بناء كبيرا، فبنى كثيرا من الكنائس ، وتعهد القديم منها بالاصلاح؛ كما اهتم بزخرفة قصوره المفضلة، لاسيما تلك القائمة في آخن (اكس لا شابل) وانجلهايم. وقد استعان شارلمان في هذه النهضة الفنية ببعض الفنانين الانجليز والايرلنديين، مما أدى الى انتنطق كثير من المؤثرات الفنية من انجلترا وأيرلند الى الدولة الكارولنجية، لاسيما فيما يتعلق بالزخرفة بوجه عام وزخرفة الخط والمجلدات بوجه خاص. هذا الى ان غزوشارلمان لشمال ايطاليا ترتب عليه انتنطق المؤثرات الفنية البيزنطية هى الأخرى الى غرب أوربا عن طريق ايطاليا. إلى غير ذلك اتى قصر آخن الذى شيده شارلمان تحفة فنية، بأعمدته الرخامية التى جلبها من رافنا، في حين أمتازت الكتدرائية التى بناها شارلمان بجوار قصره السابق بأبوابها البرونزية التى أبدع الفنانون الايطاليون في زخرفتها. وهنا نلاحظ حتى هذه النهضة الفنية التى تبناها شارلمان كانت رومانية في طابعها العام مع ظهور بعض المؤثرات الشرقية والبيزنطية. أما الأثر الجرمانى فكان ضعيفا وغير واضح.

وعلى الرغم من حتى الفن الغربى مستمد أساسا من أيطاليا، الا حتى الحياة الفنية في غرب أوربا نشطت في القرنين التاسع والعاشر في المناطق الواقعة شمالى البلاد ، اكثر منها في ايطاليا نفسها. وقد عثر من البابوات في هذين القرنين – مثل ليوالثالث – من أظهروا اهتماما كبيرا ببناء الكنائس ؛ ولكن تاخر هندسة العمارة حال دون القيام بمشروعات معمارية ضخمة . وكانت المواد الخام اللازمة لبناء هذه الكنائس – مثل الأحجار والأعمدة الرخامية – تنتزع غالبا من الآثار الرومانية الوثنية القديمة التى كان بعضها في روما نفسها مما عاد بخسارة فادحة على فهمى التاريخ والأثار. ولكن يلاحظ حتى الدمار الذى تعرض له غرب أوربا في القرن التاسع نتيجة للحروب الأهلية والاغارات التى قام بها الفيكنج والمجريون، أدت الى تدمير كثير من مظاهر النهضة الكارولنجية وآثارها الفنية، بحيث لم يبق منها سوى القليل في المانيا في القرن العاشر.

ثم كان حتى أخذت الأوضاع تستقر في غرب أوربا في القرن الحادى عشر، وهوالقرن الذى امتاز بمولد حركة احياء الدراسات الانسانية وحركة الاصلاح الديرى وازدياد النشاط الدينى، مما تمثل في الاقبال على الحج وزيارة الأماكن المقدسة، فضلا عن الحروب الصليبية ضد المسلمين في الأندلس ثم في المشرق ولما كانت العلاقة قوية دائما بين الحياة الفنية من حهة والتيارات الاجتماعية والدينية من جهة أخرى، فان ذلك القرن لم يكن أقل بروزا في ميدان الفن في أوربا العصور الوسطى.

والواقع حتى الحاجة أضحت ماسة الى كنائس قوية متينة كبيرة بعد ان اتضح حتى الكنائس البازيليكية ذات الأسقف الخشبية سريعة الفناء ومعرضة للاحتراق بين حين وأخر. لذلك أدت الحماسة الدينية التى ظهرت في القرن الحادى عشر من ناحية، وتوافر الامكانات والاستقرار من ناحية أخرى، الى ابتكار طراز جديد، يعبر عنه باسم "الفن الرومانسكي"؛ ويمكن وصفه بأنه فن رومانى مسيحى.

فن ما قبل الرومانسية

• Carolingian Evangelist portrait from the Codex Aureus of Lorsch, using a Late Antique model, late 8th century

• Another Carolingian evangelist portrait in Greek/Byzantine realist style, probably by a Greek artist, also late 8th century.

• Mozarabic Beatus miniature, late 10th century.

• The Bamberg Apocalypse, from the Ottonian Reichenau School, achieves monumentality in a small scale. 1000–1020.

الفن الرومانسكي

ظهر الفن الرومانسكي نتيجة لتداخل عوامل مختلفة – شرقية بيزنطية، وبربرية جرمانية ودينية كنسية – فضلا عن الأساس الرومانى الغربى. واذا كان القرن الحادى عشر قد شهد مولد الطراز الرومانسكى في أوربا. الا حتى عمر هذا الطراز تفاوت باختلاف البلاد الأوربية فأخذ يختفى من ايطاليا في بداية القرن الثالث عشر، واستمر في المانيا حتى نهاية القرن، في حين بدأ ينكمش في فرنسا منذ منتصف القرن الثانى عشر. أما في انجلترا فقد أدخله النورمان عند غزوهم لها في القرن الحادى عشر، واستمر سائدا فيها حتى حل محله الفن القوطى في القرن الثالث عشر. وكذلك في اسبانيا أدخله الفرنسيون في القرن الثانى عشر وظل قائما حتى حل محله الفن القوطى في القرن التالي.

واهم ما في البناءالرومانسكى أنه أحل الأحجار محل الأخشاب في عمل الأسقف، مما استلزم تقوية جدران الكنيسة عن طريق مضاعفة سمكها، الأمر الذى تعذر معه ايجاد فتحات كثيرة في الجدران بسبب سمكها من ناحية وحتى لاتضعف عن حمل السقف من ناحية أخرى. وفيما عدا هذه الخصائص فان من الصعب أعطاء وصف جامع للعمارة الرومانسكية، نظرا لاختلاف هذا الطراز من بلد الى أخر في الخصائص، مما يجعل موضوع دراسة الفن الرومانسكى بصورة سليمة أمرا يحتاج دراسة خاصة بكل بلد من بلدان الغرب الأوربى.

ومع ذلك، فانه يمكن وصف الكنيسة الرومانسكية بوجه عام بأن داخلها كان أقل اتساعا وجدرانها أقل ارتفاعا من الكنيسة البازيليكية التى عهدت في أوائل العصر المسيحى. وقد احتفظت الكنيسة الرومانسكية بتقسيمها الداخلى الى أيوان وجناحين موازين له. ولكن هذه الأجنحة الجانبية كانت دائما أضيق عرضا من أيوان الكنيسة الأوسط. أما عن مواد البناء فقد أستخدمت في الكنيسة الرومانسكية الأخشاب والآجر والحجارة، وأن كانت الأخيرة اكثرها شيوعا. واذا كانت الكنيسة البازيليكية في العصر السابق قد أتخذ شكل حرف (T) كما تجاوز حتى أشرنا – فان الكنيسة الرومانسكية غيرت هذا الشكل الى هيئة صليب. ويبدوحتى الحاجة العملية هى التى دفعت الى اتخاذ هذا الشكل الحديد، وذلك لبناء غرفة اضافية تمثل رأس الصليب، ويتخذها القساوسة لاستعمالهم الخاص. ولم يلبث هذا التغيير حتى أدى الى تطور أخر، هوانشاء خورس أومكانخاص بجوقة المرنمين (Choir) أمام حنية الكنيسة، يفصله عن بقية الايوان حاجز قليل الارتفاع وبجواره منبر لتلاوة الكتاب المقدس ورسائل الرسل. أما الأبراج التى كانت في الكنيسة البازيليكية مبانى منفصلة عن صلب الكنيسة، فقد غدت في البناء الرومانسكى جزءا أساسيا من مبتى المنيسة الرئيسى، هذا في الوقت الذى تحولت هذه الأبراج من الشكل المستدير الى الشكل المربع.

كذلك روعى في تصميم الكنيسة الرومانسكية حتىقد يكون الجزء الأوسط من البنى الذى يمثل ايوان الكنيسة أكثر ارتفاعا، ليسمح بدخول قدر كاف من الضوء، زيادة على الضوء الذى يدخل عن طريق النوافذ المقامة على امتداد الأجنحة الجانبية. أما الأسقف في الطراز الرومانسكى فهى منحنية، نصف أسطوانية، ومكونة من كتل حجرية صغيرة. والمعروف حتى الأسقف المسطحة لا تلقى وزنا ثقيلا على الجدران الجانبية، بعكس الأسقف المنحدرة والأسطوانية التى تسبب ضغطا شديدا على الجدران، الأمر الذى استدعى اقامة أعمدة مربعة على الجوانب لتتحمل ضغط السقف، كما روعى عدم الاكثار من النوافذ الجانبية في الجدران حتى لا تضعف هذه الجدران عن حمل السقف.

ويبدوحتى أقامة القباب والأقواس كانت أعظم معضلة قابلت المهندسين المعمارين في العصور الوسطى. ذلك حتى الغرض الأول من أقامة هذه الأقواس لم يكن مجرد الزينة والزخرفة واكساب المبنى شيئا من الجمال والرونق – كما قد يتصور البعض – وانما أقيم القوس في المبنى ليحل أشكالا ويقوم بوظيفة هندسية خاصة، يتوقف عليها فهم طبيعة العمارة الرومانسكية ثم القوطية من بعدها. فالسقف المقوس أوالمدبب يمثل خيرة أنواع الأسقف نظرا لتعرض السقف المسطح للتلف نتيجة لتراكم الأمطار عليه. ولما كانت هندسة العمارة لم تتقدم في أوائل العصور الوسطى بالدرجة التى تمكن من عمل أسقف من الحجارة، فأن هذه الأسقف كانت تصنع وقتئذ من الخشب على شكل منحدر. على حتى هذا الاتجاه الذى قصد به تلافى مياه الامطار، عرض كثيرا من الكنائس - قبل ظهور الطرز الرومانسكى – للحريق والانهيار. وظل الأمر على ذلك حتى استعان المهندسون – في الطراز الرومانسكى – بالأقواس في حل الاشكال، وبناء أسقف غير مسطحة من الحجارة. إلى غير ذلك كانت اقامة سقف الكنيسة على شكل اقواس نصف أسطوانية تحملها أعمدة هى الغاية التى عمل المهندسون طويلا في سبيل الوصول اليها. فلما توصلوا اليها أدت الى تغيير الطابع العام لهندسة الكنائس، وأصبحت العمارة فنا وفهما يقوم على قواعد رياضية دقيقة. أما النظرية التى قامت عليها اقامة السقف على أقواس فتتلخص في تقسيم مساحة سقف المبنى الى مربعات، جميع مربع منها يتألف من منحنيين متقاطعين تقاطعا عموديا بحيث يقع ثقلهما على الأعمدة عند زويا المربع (ا ، ب، ج، د). إلى غير ذلك يخرج الشكل النهائى على هيئة أربعة أقواس (أب ،ب ج، ج د، دأ) ، تستطيع حتى تحمل فوقها سقفا تساوى مساحته المربع المحصور بين الأعمدة الأربعة.

• The classicism of Mosan art; Reliquary by Nicholas of Verdun in Tournai, 1205.

• Painted ceiling of a Spanish crypt

• Jonah swallowed by the whale, capital in the nave of Mozac Abbey

• Mary Magdalen announcing the Resurrection to the Apostles, St Albans Psalter, English, 1120–1145.

ولسنا في حاجة بعد ذلك الى القول بأن العمارة الرومانسكية أحدثت ثورة في فن بناء الكنائس، أذ ترتب عليها قيام نوع حديث من الطرز المعمارية حل محل الكنائس البازيليكية القديمة. وأشهر كنائس الطراز الرومانسكى في ايطاليا كنيسة بيزا التى افتتحت سنة 1118 والتى اشتهرت ببرجها المائل ، وقابلتهاالمقنطرة وفخامتها من الداخل. أما المانيا فكانت البلد الذى بلغت فيه الكنائس الرومانسكية أقصى درجات الكمال، كما يتضح ذلك من كتدرائية بأمرج التى أقامها الامبراطور هنرى الثانى (1002-1024)، وكتدرائية سبير التى شيدها الامبراطور هنرى الرابع (1093-1105). ولعل أبرز ماأمتاز به هذا الطراز من الكنائس الألمانية هوأنه صمم غالبا بحيثقد يكون للكنيسة محرابان أحدهما شرقى والأخر غربى، وبذلك أصبح باب الكنيسة في أحد الجانبيين الشمالى أوالجنوبى. هذا بالاضافة الى اقامة مجموعة من ثلاثة أبراج عند جميع طرف من أطراف مبنى الكنيسة. اما كنائس فرنسا الرومانسكية فقد احتفظت بمبدأ المحراب الواحد، مع توسيع ذلك المحراب باضافة بعض ملحقات اليه.

على حتى عظمة الفن الرومانسكى لم تبد في الجانب المعمارى فحسب، بل بدت واضحة أيضا في الزخارف الجميلة التى استخدمت فيها الفسيفساء والنقوش الجصية لتصوير بعض المناظر والرموز الدينية. كذلك حليت قواعد الأعمدة وتيجانها بأشكال تمثل الوحوش أوورقة الأكنث، في حين صنعت نوافذ الكنائس من الزجاج المعشق بالرصاص ليتيح قدرا كافيا من الضوء ينفذ الى داخل الكنيسة.

أما عن المبانى غير الدينية في ذلك العصر فلا نعهد عنها سوى النذر اليسير، لأن أعظم المبانى وأضخمها كانت دينية من جهة، ولأن الكتاب الذين وصفوا هذه المبانى كانوا من رجال الكنيسة من حهة أخرى. على أنه لا يوجد لدينا من الأدلة ما يمنعنا من الاعتقاد بأن ملوك وأمراء القرنين الحادى عشر والثانى عشر اعتنوا ببناء قصورهم وحصونهم الاقطاعية، وزخرفوها بأنواع الزخارف التى سادت حينذاك. وتدل بقايا الحصون التى ترجع الى ذلك العصر على أنها كانت تزخرف من الداخل بالرسوم والزخارف الجصية، ومن الخارج بالتماثيل والنقوش الجميلة.

الفن القوطي

واذا كان الطراز الرومانسكي قد نجح في حل معضلة الأسقف الجانبية عن طريق حملها على أعمدة وأقواس نصف دائرية، فان معضلة حمل سقف أيوان الكنيسة ظلت قائمة بدون حل، حتى توصل الطراز القوطي الى حل لها في نهاية القرن الثانى عشر عن طريق حملها على أكتاف معلقة. والواقع حتى الفن القوطى يمثل مظهرا عظيما من مظاهر النهضة الأوربية في القرن الثانى عشر، كما يعبر عن الحماسة الدينية التى سادت أوربا في ذلك العصر. ذلك حتى انتعاش المدن وازدياد نشاطها الاقتصادى في ذلك القرن، وظهور النقابات التى عملت على تحسين مستوى الحرف والصناعات؛ أدى الى جعل هذه المدن مسرحا لنشاط كبير تمخض عن بناء كتدرائيات تجمع بين الجدة والعظمة والروعة.

ومن الواضح حتى الفن القوطى نشأ عند نهاية القرن الثانى عشر لمداواة العيوب التى أتصف بها الفن الرومانسكى. ذلك حتى طراز العمارة الأخير كانت به عيوب أساسية، أهمها سمك الجدران وعدم مرونة الأقواس؛ وعدم استكمال تكوين القباب ، وثقل الضغط على الأعمدة والنادىئم الداخلية. هذا الى حتى سمك الجدران وعظم الثقل المطلوب منها حمله، حال دون شق نوافذ كافية فيها مما جعل داخل الكنيسة الرومانسكية معتما تنقصه الأصاءة اللازمة. إلى غير ذلك ظهرت الحاجة الى طراز حديث يتلافى العيوب السابقة بقدر الأمكان، حتى دفعت هذه الحاجة المهندسين الى ابتكار الطراز القوطى. وفى هذا الطراز الجديد عمل المهندسون على تلافى العيوب السابقة، فانشئوا النادىئم اوالمساند المعلقة Flying buttresses وهى أكتاف تستند الى الجدران بقصد القاء ثقل البناء على الجدران الخارجية بدلا من الأعمدة الداخلية. وفى سبيل تحقيق هذه الأغراض لم يهمل المهندسون أمر العناية بجمال الكنيسة القوطية من الداخل والخارج ، حتى اتىت الكتدرائية المشيدة وفق هذا الطراز آية فنية تعبر تعبيرا صادقا عن قوة العامل الروحى وأثره.

على حتى اعظم ما أمتاز به الطراز القوطى كان القوس المدبب، ويمتاز هذا القوس نصف الدائرى بان أى جزء من أجزائه لا يمثل خطا أفقيا يخشى الا يتحمل الثقل الذى يقع فوقه مما يؤدى بعد ذلك الى انهيار القوس وما يحمله من بناء. فاذا كان القوس نصف الدائرى لم يتوصل الى حل النظرية المعروفة في هندسة العمارة – وهى حتى الضغط الجانبى للبناء يتناسب تناسبا مطردا مع ازدياد البناء – فان الحل اتى سهلا في حالة الأقواس المدببة. وبعبارة أخرى فان الطراز القوطى عثر حلا لهذه المشكلة عن طريق عمل الأقواس والعقود والحنيات المدببة، وهى التىقد يكون ثقلها على الجدران رأسيا؛ لا أفقيا كما هوالوضع في حالة الأقواس نصف الدائرية التى عهدها الطراز الرومانسكى. واذا كان السقف يعتمد على عقود مرتفعة مدببة، فان هذا من شأنه حتى يوجد حلا لمشكلة النوافذ والاضاءة، لآن السقف العالى المرتفع يتيح الفرصة لعمل نوافذ عالية طويلة؛ هذا في الوقت الذى لا يخشى على الجدران الرقيقة من كثرة فتحات النوافذ فيها لأن هذه الجدران لا تتحمل سوى نسبة ضئيلة من ثقل البناء.

مريم العذراء

• The oldest Byzantine icon of Mary, c. 600, encaustic, at Saint Catherine's Monastery retains much of Greek realist style.

• Romanesque statue of the Virgin as Seat of Wisdom, 12th century

• The "Ravensburger Schutzmantelmadonna", painted limewood of ca 1480, Virgin of Mercy type. Attributed to Michel Erhart.

• "Hunt of the Unicorn Annunciation" (ca. 1500) from a Netherlandish Book of Hours collected by John Pierpont Morgan. For the complicated iconography, see Hortus Conclusus

إلى غير ذلك يظهر – اذا قارنا بين كنيسة رومانسكية وأخرى قوطية – حتى الأولى تبدوقليلة الارتفاع ثقيلة البناء، سميكة الجدران، في حين تمتاز الأخرى بعظم ارتفاعها وخفة بنائها ورقة جدرانها. واذا كانت المساحة الداخلية للكنيسة الرومانسكية قليلة بالنسبة لسمك جدرانها وضخامة أعمدتها، فان المساحة الداخلية للكنيسة القوطية تبدوفسيحة واسعة. وبينما الكنيسة الرومانسكية تنقصها الاضاءة الكافية في الداخل بسبب قلة النوافذ وصغر مساحتها، اذا بالكنيسة القوطية تمتاز بنوافذها الكثيرة المتراصة الطويلة ، التى تسمح للضوء بالدخول بقدر كاف الى ايوان الكنيسة ؛ حتى عبر عن ذلك بعض الكتاب بقوله "أن الكتدرائية القوطية بناء سقفه من الحجر وجدرانه من الزجاج". هذا الى حتى الكنيسة الرومانسكية تتصف بعقودها نصف الدائرية وسقوفها نصف الاسطوانية، في حين تمتاز القوطية بعقودها وأسقفها المدببة.

أما القابلات الخارجية للكنائس القوطية فامتازت بالأبراج العالية ذات الأطراف المدببة والشرفات والكرابيش وصفوف النوافذ المتراصة ، والتى لم يراع التناظر بينها في كثير من الاحيان. وامتازت النوافذ القوطية بجمال أشكالها وزجاجها المزخرف المعشق بالرصاص ، والذى كان يعبر في كثير من الاحيان عن مناظر أوقصص دينية. كذلك حرص المهندسون على عمل نافذة مستديرة في قابلة الكنيسة القوطية. وتنبعث من مركز هذه النافذة نحومحيطها خطوط مستقيمة تجعل النافذة تبدوكزهرة جميلة. اما داخل الكنيسة القوطية فكان مقسما الى أقسام طولية، يفصلها بعضها عن بعض، صفوف من الأعمدة التى تستخدم في حل السقف. واختلفت أشكال هذه الأعمدة، فكان منها ماهوعادى، ومنها ماهولولبى، ومنها ماهوعلى هيئة مجموعة من الأعمدة الملتفة حول بعضها البعض وكذلك امتازت تيجان الأعمدة القوطية بأن اغلبها كان على شكل ناقوس تكسوه بعض الزخارف المؤلفة من أوراق النبات وأغصان الشجر. أما القواعد السفلى التى ترتكز عليها الأعمدة، فقد امتازت هى الأخرى بجمال النقش والتصميم.

على أنه اذا كانت الخصائص السابقة تمثل المميزات العامة للطراز القوطى، الا أنه من الثابت حتى هذا الطراز اكتسب طابعا خاصا في جميع بلد من بلدان غرب أوربا، وفقا لعوامل البيئة والتنطقيد. وقد أجمع الباحثون على حتى نشاة الفن القوطى ترتبط بفرنسا مثلما ارتبطت نشأة الفن الرومانسكى بايطاليا . وكان تصميم معظم الكنائس القوطية في فرنسا على شكل حرف (H) مع العناية بتجميل تلك الكنائس من الداخل والخارج. كذلك روعى عمل كرانيش وأفاريز خارجية للكنائس في الأجزاء الجنوبية من فرنسا، حيث الشمس ساطعة، لتهيئة قدر كاف من الظل. وتعتبر كتدرائية أميان خير ما يمثل هذا الطراز في فرنسا. أما انجلترا فأمتازت كنائسها القوطية بالانسجام بين نسبها الهندسية، وعدم الاسراف في استخدام الزخارف. وربما يرجع السبب في هذه الظاهرة الأخيرة الى حتى كثرة الغيوم والسحب تطلبت الاكثار من اتساع النوافذ ، مما لم يهجر قدرا كافية من الجدران لهذه الزخارف. هذا الى أنه روعى في اسقف الكنائس بانجلترا شدة الانحدار لكثرة الأمطار. وأظهر الكنائس القوطية بانجلترا كتدرائية كانتربورى التى شيدت في النصف الأخير من القرن الثانى عشر، ثم تلتها كتدرائيات ويلز واكستر وغيرهما؛ وكلها تمتاز بجمال أعمدتها وروعة زخارفها وجمال تيجان أعمدتها التى اقتبست وحداتها من الطبيعة.

واذا كان الطراز القوطى قد ظهر في المانيا في وقت متأخر عنه في فرنسا وإنجلترا، اذ لم تظهر أولى الكنائس القوطية في المانيا الا في القرن الثالث عشر، الا حتى هذا الطراز سرعان ما عثر تربة خصبة في المانيا، فاستخدمت الأحجار في بناء الكنائس الجميلة في مختلف المدن الألمانية مثل كولونيا ومالبورج وستراسبورج وغيرها. وقد تفنن المهندسون الألمان في زخرفة قواعد الأعمدة، وفى استخدام الزجاج المؤلف بالرصاص في النوافذ ، محاكين في ذلك النمط الفرنسى. أما ايطاليا فكانت أقل البلدان الأوربية تحمسا للطراز القوطى وربما كان السبب في ذلك هوتعلق الايطاليين دائما بتراث الماضى وتنطقيد أجدادهم الرومان. ومع فقد تسرب الطراز القوطى الى شمال ايطاليا في القرن الثالث عشر، وظهرت نماذج جميلة له بعد ذلك في سينا وبولونيا وفلورنسا وبيزة والبندقية وميلان. وهنا نلاحظ حتى الايطاليين لم يهتموا بفن الزجاج المؤلف بالرصاص اهتمامهم بالتصوير والزخرفة على الجص (الفرسكو).

ومهما يكن الأمر، فان طراز العمارة القوطى ظل هوالطراز السائد في غرب أوربا حتى القرن السادس عشر، هذا على الرغم من ظهور حركة النهضة الايطالية؛ وهى الحركة التى نادت بالعودة الى الفنون والطرز الكلاسيكية، ونبذ فنون العصور الوسطى البربرية. ولعل هذا الشعور من جانب فنانى النهضة هوالذى دفع فاسارى (1512-1574) تلميذ ميخائيل أنجلوالى اطلاق اسم القوطى على هذا الطراز الذى يمثل أقصى ما بلغته الحياة الفنية في غرب أوربا العصور الوسطى من كمال وابداع . ومن الواضح حتى فاسارى لم يقصد بهذه التسمية التى استحدثها – والتى صارت فهما لهذا الفن – سوى التحقير والازدراء، والاشارة الى حتى هذا الفن يعبر عن روح البرابرة وهمجيتهم.

فن التصوير والزخرفة

اذا كان فن العمارة في أوربا العصور الوسطى قد ارتبط الى درجة كبيرة بالمؤسسات الدينية – من كنائس وكتدرائيات وأديرة – فان فن التصوير هوالآخر اتخذ طابعا دينيا، وذلك لنفور الكنيسة ورجالها من صور الوثنية التى تحبب الناس في الحياة الدنيا ولذائذها، وهواتجاه يتعارض مع دعوة الكنيسة نحوالتقشف والبساطة والزهد.

على أنه من الملاحظ أننا لا نجد أثرا للرقى والسموالفنى، حتى في الصور الدينية التى ظهرت في العصور الوسطى. فالمقابر ذات القباب – في فجر العصور الوسطى – كانت تغطى أسقفها وجدرانها ببعض رسوم هندسية أوصور لطيور وحيوانات تغلب عليها البساطة. ومعظم ألوانها مزيج بين الأحمر والأخضر. أما الصور البيزنطية فكانت في كثير من الحالات أقرب الى الجمود والبعد عن الحركة والحيوية والطبيعة. ولعل خير ما في هذه الصور ألوانها الزاهية والانسجام والتوافق بين هذه الألوان في الرسم. وتعتبر أعمال الفسيفساء أبرز ناحيةفى فن التصوير البيزنطى، وبخاصة ما تم من تلك الأعمال في كنيسة أياصوفيا، حيث تبدوصور المسيح على أرضية ممضىه وقد التف حوله الحواريون في ملابسهم البيضاء؛ في حين وقفت مريم العذراء على مقربة منهم في رداء أزرق سماوى. وفيما عدا صور الفسيفساء التى رسمت على جدران الكنائس وفوق مذابحها، فاننا نجد بقية الصور البيزنطية لا تختلف بعضها عن بعض كثيرا في طابعها العام من حيث الجمود والخلومن الحيوية.

أما الفن الرومانسكى فقد أمتاز بالزخارف الحصية (الفرسكو) فضلا عن أعمال الفسيفساء. على اننا نلاحظ في هذا الفن قلة صور الأحياء، واتجاه الزخرفة في أول الأمر نحوالأشكال الهندسية والوحدات النباتية. واذا كانت صور الأحياء قد أخذت تتكاثر نوعا ما بعد مدة من نشأة هذا الفن، فان الفضل يرجع في ذلك الى الفرنسيين بوجه خاص، الذين اكثروا من صور الحيوانات والطيور والأشكال الآدامية، الى جانب الصلبان والزخارف النباتية والرموز الدينية. كذلك شغف الايطاليون بصفة خاصة باستخدام الرموز المسيحية في الفن الرومانسكى، فاستبدلوا بصور المسيح والقديسين رموزا خاصة كالعصفور والشجرة والسمكة. أما الحلزون المتصل الذى لاتبدوله بداية أونهاية فقد عبروا به عن الخلود.

واذا كانت الكنائس الرومانسكية قليلة الضوء – بسبب قلة النوافذ – مما أضفى على الصور الموجودة داخل الكنيسة مسحة قاتمة جافة، فان اتساع النوافذ وكثرتها في الطراز القوطى لم يهجر متسعا للتصوير على الجدران. لذلك اتخذ الفن القوطى من زجاج النوافذ مسرحا للتصوير، فبلغت الرسوم على الزجاج المؤلف بالرصاص درجة رائعة من الجمال في الكنائس القوطية ، وذلك بفضل الوانها المركبة المنسجمة ومناظرها الخلابة. وكثيرا ما استغلت هذه الرسوم على زجاج النوافذ في التعبير عن مناظر دينية أوأفكار مستمدة من الانجيل، حتى ليبدوحتى الكنيسة استغلت قوة تأثير الفن على عقول رعاياها غير المتفهمين " فجعلت من الكتدرائية كتابا من الحجر يطالعه الناس فيقفون على كثير من القصص الدينى يزيدهم ولاء وخشوعا. وفيما عدا هذه المناظر الدينية اشتهر الطراز القوطى باستخدام الوحدات النباتية كأوراق النبات والأزهار في الزخرفة، مما جعل الفنان يزداد قربا من الطبيعة وحيويتها.

فاذا هجرنا الكنائس وزخارفها، فاننا نجد فن التصوير – من زخرفة ورسم – يظهر بوضوح في ميدان آخر هوالمخطوطات والخط. ولا توجد لدينا معلومات كافية عن نشأة هذا النوع من أنواع التصوير في أوائل العصر المسيحى، ولكننا نلمس بعد ذلك مركزين مهمين لهذا الفن، أحدهما في الشرق البيزنطى والآخر في أيرلند. ويبدوحتى نشأة هذا الفن في الشرق البيزنطى اتىت بدافع الرغبة في تصوير المناظر التى توجد داخل الكنائس مصغرة على رقائق الخط. أما في أيرلند فقد اختلف الوضع اذ اقتصر الأمر على تزيين الخط برموز ورسومات غير واضحة. ثم كان حتى انتقل فن تزيين الخط من أيرلندة والشرق البيزنطى الى انجلترا وغاليا الفرنجية، فظهر في الخط الأنجلوسكسونية هذان الطابعان من زخرفة الخط . ومن انجلترا انتقل هذا الفن الى القارة حيث اتىت مخطوطات غاليا والمانيا خير مثل لما بلغه فن تصوير الخط في عصر النهضة الكارولنجية.

فن النحت

أما فن النحت فقد سار هوالآخر في ركاب المسيحية، فحل المسيح والعذراء في العصر المسيحى محل زيوس وجوبيتر وأبولووغيرهم من ألهة الوثنية. وقد أجمع الباحثون على حتى انتشار المسيحية أدى الى تأخر فن النحت عما كان عليه في العصور القديمة، وذلك لكره هذه الديانة السماوية لأوثان العهد البائد؛ حتى حتى بعض الباحثين يميلون الى القول بأن فن النحت لم يولد من حديث في أوربا العصور الوسطى الا في القرن الحادى عشر.

وقد أدت الحركة اللاأيقونية في الدولة البيزنطية الى محاربة نحت الأيقونات والصور الانسانية، ومن ثم اتحه الفن البيزنطى في النحت نحوالاقتصار على عمل الأشكال الهندسية والوحدات النباتية. وهناك نوع من أنواع النحت كان شرقيا بحتا ولم يعهده الغرب الا عن طريق الدولة البيزنطية، وهوالنحت في العاج. ولم يلبث حتى انتشر هذا النوع من النحت في عصر النهضتين الكارولنجية والأوتية بحيث خلف لنا ذلك العصر أمثلة رائعة لتماثيل منحوتة في العاج في غرب أوربا.

أما النحت في الفن الرومانسكى فقد اتضح في عدة ميادين، أهمها تيجان الأعمدة التى نحتت بدقة وعناية لتصور أوراق النبات والأزهار وغيرها. وقد ظهرت التماثيل الخرافية الهزلية في الفن الرومانسكى في شمال ايطاليا، ووضعت هذه التماثيل عند قواعد الأعمدة ، كما حفرت بعض مناظر تمثل صورا من الحياة اليومية كالصيد. أما المانيا فقد شاع استعمال الآجر فيها في العصر الرومانسكى؛ ومن ثم قلت التماثيل المحفورة في الحجر. وفى فرنسا استخدمت التماثيل عند أبواب الكنائس، كما استخدم الحفر في زخرفة تيجان الأعمدة وقابلات الأبنية. ويلاحظ على تماثيل العصر الرومانسكى بوجه عام خلوها من عنصر الحيوية والحركة واتصافها بالجمود، هذا على الرغم مما فيها من قوة ومهارة.

والواقع حتى روح الحيوية والدقة في محاكاة الطبيعة لم تيدأ في الظهور في أوربا العصور الوسطى الا في الفن القوطى. حقيقة حتى فنانى العصر القوطى الأول ظلوا يرسفون في كثير من القيود التى لم يتحرروا منها الا في عصر النهضة الايطالية، ولكننا مع ذلك لا نستطيع حتى ننكر حتى الفن القوطى بذل جهدا كبيرا في العمل على محاكاة الطبيعة. إلى غير ذلك اتىت الكنيسة القوطية بمثابة معرض كبير، بفضل ما بذله النحاتون من جهود في نقش مختلف المشاهد الدينية وغير الدينية، مثل تماثيل القديسين وحشوات الحفر المأخوذة من الوحدات النباتية، والتماثيل الخرافية المبتكرة كالغول والعنقاء. وفى جميع هذه النواحى حاول الفنانون محاكاة الطبيعة والتخلص – بقدر الامكان – من التنطقيد البالية التى قيدت فن النحت في العصور السابقة.

أما خارج الكنيسة القوطية فقد امتاز بالزخارف المحفورة في الحجر، والتى تقسم قابلتها الى أقسام رأسية تبدوواضحة على الجدران والأبواب والأبراج والعقود العمياء. هذا في الوقت الذى روعى حتى تمثل الميازيب الحجرية أشكالا خيالية لبعض الحيوانات والطيور الممسوخة.

وبعد فاننا في كلامنا عن الحياة الفنية في العصور الوسطى اعتمدنا على المشاهدة وعلى الآثار المادية التى خلفتها لنا تلك العصور. ذلك حتى الكتاب المعاصرين وجهوا عنايتهم نحوالتطورات السياسية والدينية وأهملوا ماعداها من تطورات فنية. إلى غير ذلك نجد أنفسنا في كثير من الحالات لا نملك سلاحا سوى الاستنتاج، وذلك عندما نريد الوقوف على الكيفية التى كان يتم بها تشييد هذه المبانى الضخمة، وعلى حياة العمال والفنانين المهندسين، والأدوات والآلات التى استخدموها في انجاز أعمالهم، أوالكيفية التى تفهموا بها حرفهم حتى أجادوها.

من ذلك أنه لا يوجد هناك شك في حتى الصناع والفنانين في أوربا العصور الوسطى استخدموا الآلات والأدوات نفسها التى كانت تستعمل في العصر الرومانى القديم، وأنهم لم يتلقوا أصول فنهم في مدرسة خاصة أوخط معينة، وأنما تلقوها عن طريق المران في ميدان الحياة العملية. ولما كانت اقامة كنائس ضخمة أوحصون منيعة أمرا لا يمكن حتى يتم بطريقة ارتجالية، فانه من الثابت وجود مهندسين فنيين وضعوا التصميمات الخاصة بمثل هذه المبانى العظيمة وأشرفوا على تطبيقها. وفى هذه الحالة لم تهتم المصادر والوثائق المعاصرة بذكر أسماء أولئك المهندسين، اهتمامها بتخليد اسم السيد الذى استأجرهم وعهد اليهم بالقيام بذلك العمل الهندسى. ولم يحفظ لنا التاريخ سوى أسماء نادرة من مهندسى العصور الوسطى مثل فيلار ده هونيكور الذى هجر كتابا به بعض ملاحظات قيمة فريدة في بابها. ومن هذه الملاحظات نفهم أنه هوالذى وضع تصميم كتدرائية كامبراى، وأنه أشرف على بناء عدة كتدرائيات أخرى عظيمة، حتى كانت سنة 1250 عندما عهدت اليه ملكة هنغاريا بالاشراف على بناء بعض الكنائس في بلادها. وقد هجر فيلارد كتابا يحوى بعض التصميمات والرسوم الهندسية، ليهتدى به من يريد حتى يخلفه في مهنته. واذا كان هذا هوالكتاب الوحيد الذى وصل الينا من المراجع الهندسية التى وضعها مهندسوا القرنين الثانى عشر والثالث عشر، الا أنه يثبت لنا حتى العلاقة بين الهندسة والفن كانت قوية في أوربا العصور الوسطى؛ بل من الممكن كانت أقوى مما هى عليه الآن.

الشهرة اللاحقة

انظر أيضاً

مشاع الفهم فيه ميديا متعلقة بموضوع Medieval art.

• قائمة المخطوطات المزخرفة
• تاريخ الفن الأوروپي
• أدب العصور الوسطى
• موسيقى العصور الوسطى
• فهم الكتابات القديمة
• مسرح العصور الوسطى
• تاريخ الرسم
• الرسم الغربي

الهوامش

المصادر

• Atroshenko, V. I.; Collins, Judith (1985), The Origins of the Romanesque, London: Lund Humphries, ISBN 0-85331-487-X 
• Alexander, Jonathan (1992), Medieval Illuminators and their Methods of Work, New Haven: Yale University Press, ISBN 0-300-05689-3 
• Backhouse, Janet; Turner, D. H.; Webster, Leslie, eds. (1984), The Golden Age of Anglo-Saxon Art, 966-1066, British Museum Publications, ISBN 0-7141-0532-5 
• Caiger-Smith, Alan, Lustre Pottery: Technique, Tradition and Innovation in Islam and the Western World (Faber and Faber, 1985) ISBN 0-571-13507-2
• Beckwith, John (1964), Early Medieval Art: Carolingian, Ottonian, Romanesque, Thames & Hudson, ISBN 0-500-20019-X 
• Calkins, Robert G. (1983), Illuminated Books of the Middle Ages, Ithaca, New York: Cornell University Press 
• Calkins, Robert G. (1979), Monuments of Medieval Art, New York: Dutton, ISBN 0-525-47561-3 
• Campbell, Lorne (1998), The Fifteenth Century Netherlandish Paintings, National Gallery Catalogues (new series), New Haven: Yale University Press, ISBN 1-85709-171-X 
• Cormack, Robin (1985), Writing in Gold, Byzantine Society and its Icons, London: George Philip, ISBN 0-540-01085-5 
• Cormack, Robin (1997), Painting the Soul; Icons, Death Masks and Shrouds, London: Reaktion Books 
• Dodwell, C. R. (1982), Anglo-Saxon Art, A New Perspective, Manchester: Manchester University Press, ISBN 0-7190-0926-X  (US edn. Cornell, 1985)
• Dodwell, C. R. (1993), The Pictorial arts of the West, 800-1200, New Haven: Yale University Press, ISBN 0-300-06493-4 
• Henderson, George (1977) [1972], Early Medieval Art (rev. ed.), Harmondsworth: Penguin 
• Hinks, Roger (1974) [1935], Carolingian Art, University of Michigan Press, ISBN 0-472-06071-6 
• Hoffman, Eva R. (2007): Pathways of Portability: Islamic and Christian Interchange from the Tenth to the Twelfth Century, in: Hoffman, Eva R. (ed.): Late Antique and Medieval Art of the Mediterranean World, Blackwell Publishing, ISBN ISBN 978-1-4051-2071-5
• Honour, Hugh; Fleming, John (1982), "Honour", A World History of Art, London: Macmillan 
• Kitzinger, Ernst (1955) [1940], Early Medieval Art at the British Museum (2nd ed.), British Museum 
• Lasko, Peter (1972), Ars Sacra, 800-1200 (nb, 1st ed.), Penguin History of Art (now Yale), ISBN 978-0-300-05367-8 .
• Mack, Rosamond, Bazaar to piazza: Islamic trade and italian art, 1300–1600, University of California Press, 2002, ISBN 978-0-520-22131-4, google books
• Mâle, Emile (1913), The Gothic Image, Religious Art in France of the Thirteenth Century (English trans. of 3rd ed.), London: Collins 
• Pächt, Otto (1986), Book Illumination in the Middle Ages, London: Harvey Miller, ISBN 0-19-921060-8 
• Plummer, John (1964), The Book of Hours of Catherine of Cleves, New York: Pierpont Morgan Library 
• Rice, David Talbot (1968), Byzantine Art (3rd ed.), Penguin Books 
• Ross, Leslie (1996), Medieval Art, a topical dictionary, Greenwood Publishing Group, ISBN 0-313-29329-5 
• Runciman, Steven (1975), Byzantine Style and Civilization, Baltimore: Penguin, ISBN 0-14-021827-0 
• Schapiro, Meyer (1977), Selected Papers, volume 2, Romanesque Art, London: Chatto & Windus, ISBN 0-7011-2239-0 
• Schapiro, Meyer (1980), Selected Papers, volume 3, Late Antique, Early Christian and Mediaeval Art, London: Chatto & Windus, ISBN 0-7011-2514-4 
• Syndicus, Eduard (1962), Early Christian Art, London: Burns & Oates 
• Weitzmann, Kurt; Chatzidakis, Manolis (1982), The Icon, London: Evans Brothers, ISBN 0-237-45645-1  (trans of Le Icone, Montadori 1981)
• Wilson, David M. (1984), Anglo-Saxon Art: From The Seventh Century To The Norman Conquest, Woodstock, New York: Overlook Press, ISBN 0-87951-976-2 

قراءات إضافية

• Kessler, Herbert L., "On the State of Medieval Art History", The Art Bulletin, Vol. 70, No. 2 (Jun., 1988), pp. 166–187, JSTOR
• Husband, Timothy (1986). . New York: The Metropolitan Museum of Art. ISBN .
• . New York: The Metropolitan Museum of Art. 1993. ISBN .

وصلات خارجية

• Stones, Allison, Images of Medieval Art and Architecture, University of Pittsburgh, http://vrcoll.fa.pitt.edu/medart/index.html 
• Stones, Allison, Glossary of Medieval Art and Architecture, University of Pittsburgh, http://www.pitt.edu/~medart/menuglossary/INDEX.HTM 
• Weitzmann, Kurt, Age of spirituality : late antique and early Christian art, third to seventh century, New York, Metropolitan Museum of Art, 1979.