القانون في اليونان القديمة

عودة للموسوعة

القانون في اليونان القديمة

يبدوحتى القوانين كانت في نظر اليونان الأقدمين عادات مقدسة ارتضتها الآلهة وأوحت بها ، إذن فالقانون في اليونان القديمة هوجزءا متداخلا مع الدين والعقيدة ؛ وكانت لفظة ثميس Themis في لغتهم تطلق على هذه العادات وعلى الآلهة التي يتمثل فيها نظام العالم الأخلاقي وائتلافه (كما يتمثل في الدوأوالتين الصيني ، وفي رينا الهندية).

علاقة القانون بالدين في اليونان القديمة

كان القانون عندهم جزءاً من الدين ، وشاهد ذلك حتى أقدم قوانين الملكية عند اليونان كانت ممتزجة بالطقوس الدينية وبقوانين المعابد القديمة. ولعل القواعد التي قررتها مراسيم شيوخ القبائل أوالملوك ، والتي بدأت بوصفها أوامر تفرضها القوة وانتهت بأن صارت على توالي الأيام تعاقداً وتراضياً بين الحاكمين والمحكومين ، نقول لعل هذه القواعد كانت هي الأخرى قديمة قدم هذه القوانين الدينية. وكانت الفترة الثانية من مراحل تاريخ التشريع اليوناني هي جمع العادات المقدسة وتنسيقها على يد مشترعين Thesmothetai أمثال زلولسوس Zaleucus وكرونداس Chronodas ، ودراكون Drako وصولون.


نشأة القانون

لما حتى دوّن هؤلاء الرجال وأمثالهم قوانينهم الجديدة أصبحت العادات المقدسة Thesmoi قوانين من وضع الإنسان Nomoi. وفي هذه الخط القانونية تحرر القانون من سيطرة الدين وازدادت على توالي الأيام صبغته الدنيوية ، وأصبحت نية الفاعل ذات شأن كبير في الحكم على عمله ، وحلت التبعة الفردية محل الالتزامات العائلية ، واستبدل بالانتقام الفردي العقاب القانوني على يد الدولة. وكانت المستوى الثالثة في تطور التشريع اليوناني هي نموالشرائع المطرد وتجمعها. ذلك حتى اليوناني إذا تحدث في أيام بركليز عن قوانين أثينية كان يقصد بهذه القوانين شرائع دراكون وصولون والقرارات التي أصدرتها الجمعية والمجلس ولم تُلغ بعد صدورها ؛ وإذا تعارض قانون حديث مع قانون قديم ، استلزم هذا إلغاء القانون القديم.

ولكن البحث عن هذا التناقض وتقصي القوانين المتعارضة قلما كانا بحثاً وتقصياً كاملين ، ومن أجل هذا نجد في بعض الأحيان قانونين متعارضين تعارضاً مضحكاً. وكان يحدث في أوقات الارتباكات التشريعية الشاذة حتى تتخذ بطريق القرعة من المحاكم الشعبية لجنة من مقرري القوانين Nomethetai لتقرر أي القوانين يجب الإبقاء عليها وأيها يجب إلغاؤها. ويعين في هذه الحال محامون ليدافعوا عن القوانين القديمة ضد من يقترحون إلغاءها. وقد نُقشت شرائع أثينية بإشراف أولئك المقررين على ألواح من الحجارة في "باب الملك" بعد حتى صيغت في عبارات بسيطة سهلة الفهم ، وبهذه الطريقة لم يكن يسمح لأي حاكم حتى يفصل في مسألة بالاستناد إلى قانون غير مكتوب.

التشريع اليوناني

لا التشريع اليوناني بين القانون المدني والقانون الجنائي إلا في أنه يحتفظ للأريوبجوس بحق الفصل في جرائم القتل ، وفي أنه يهجر المدعي في القضايا المدنية حتى يتولى بنفسه تطبيق قرار المحكمة ، فلا تتقدم الدولة لمعونته إلا إذا لقي في هذا التطبيق مقاومة. وكان القتل قليل الحدوث لأنه يعد خطيئة دينية وجريمة قانونية في وقت واحد ، ولأن الخوف من الانتقام يظل قائماً إذا عجز القانون عن الاقتصاص من القاتل. وقد بقي القصاص المباشر حتى القرن الخامس قبل الميلاد مباحاً في أحوال خاصة ، من ذلك حتى الرجل إذا عثر أمه أوزوجته ، أومحظيته ، أوأخته ، أوابنته ترتكب الفحشاء كان من حقه حتى يقتل من يرتكبها معها من الرجال على الفور.

وكان يجب التكفير عن جريمة القتل سواء ارتكبت بقصد أوبغير قصد لأنها عندهم تدنيس لأرض المدينة ؛ وكانت مراسيم التطهير معقدة صارمة صرامة مؤلمة. وإذا ما عفا القتيل قبل موته عن قاتله ، لم يكن يجوز تقديم القاتل للقضاء. وكانت هناك تحت الأريوبجوس ثلاث محاكم للنظر في جرائم القتل ، تختلف باختلاف طبقة القتيل وأصله ، وباختلاف نوع الجريمة ، هل كانت متعمدة أوغير متعمدة ، وهل هي مما يجوز التسامح فيه أولا يجوز. وكانت محكمة رابعة تنعقد في فريتس Phrcattys على الساحل لتحاكم الذين نفوا من قبل لارتكابهم جريمة القتل خطأ ، ثم اتهموا بعدئذ بجريمة القتل المتعمد. ذلك أنهم وقد دُنـِّسوا بارتكاب الجريمة الأولى لا يسمح لهم بأن تطأ أقدامهم أرض أتكا ، ولهذا يدافع المدافعون عنهم وهم في قارب بجوار شاطئ البحر.

لم تبلغ الشرائع الأثينية ما كنا نتسقطه لها من الاستنارة ، وهي لا تسموكثيراً عن شرائع حمورابي ؛ وعيبها الأساسي أنها تُقصر الحقوق القانونية على الأحرار الذين لا يكادون يتجاوزون سبع السكان ، وحتى النساء والأطفال كانوا خارجين عن نطاق المواطنين أصحاب الحقوق. ولم يكن في وسع النزلاء ، أوالأجانب ، أوالأرقاء حتى يحملوا النادىوى إلى المحاكم إلا عن طريق مواطن يأخذهم في كنفه. وكان ابتزاز المال بطريق الإرهاب ، وتعذيب العبيد المتكرر ، والحكم بالإعدام في كثير من الجرائم الصغرى ، والشتائم الشخصية في المناقشات القضائية ، وتشتت التبعة القضائية وإضعافها بسبب هذا التشتت ، وتأثر المحلفين بالبلاغة الخطابية ، وعجزهم عن الحد من انفعال الساعة بفهمهم بماضي القضية وتقديرهم الحكيم لنتائجها المستقبلية ، كان هذا كله وصمة لنظام أثينا القضائي ، الذي كانت تحسدها عليه سائر بلاد اليونان للينه وعدالته إذا قيس إلى غيره من النظم القضائية ، والذي كان نظاماً عملياً موثوقاً به إلى حد أمكنه حتى يبسط حمايته على الحياة وعلى الأملاك ، وهي الحماية التي لا غنى عنها للنشاط الاقتصادي والرقي الأخلاقي.

وفي وسعنا حتى نقدر ما كان للقانون الأثيني من شأن عظيم إذا عهدنا ما كان يشعر به جميع أثيني تقريباً من احترام عظيم له ؛ فقد كان القانون في اعتقاده هوروح المدينة ، ومصدر سعادتها وقوتها. وخير ما نحكم به على شرائع أثينة هوتهافت غيرها من دول اليونان على استعارة الجزء الأكبر منها ، وفي ذلك يقول إيسقراط Isocrates: "ليس ثم من ينكر حتى شرائعنا مصدر كثير من الخير العظيم في حياة البشرية". ففي أثينا نجد للمرة الأولى في التاريخ حكم القوانين لا حكم الناس.

والتشريع اليوناني في هذا كما هوفي غيره من المسائل ، أساس التشريع الروماني الذي أصبح فيما بعد الأساس القانوني للمجتمع الغربي.


السلطة القضائية

إن إصلاح القضاء آخر ما تعمله الديموقراطية ، ولقد كان أعظم إصلاح قام به إفيلتيز وبركليز هونقل الحقوق القضائية التي كان يمارسها الأركونيون والأريوبجوس إلى الهيلية أي المحاكم الشعبية. وكان إنشاء هذه المحاكم هوالذي وهب أثينا ذلك النظام القضائي الذي أخذت عنه أوربا نظام المحلفين والذي عاد عليها بالخير العميم. وكانت الهيلية تتألف من ستة آلاف محلف يُختارون بالقرعة من سجل المواطنين. وكان هؤلاء الآلاف الستة يوزعون على عشرة سجلات يحتوي جميع سجل على خمسمائة اسم تقريباً ، ويُهجر الباقون للمناصب التي تخلوأوللظروف العاجلة الطارئة. وكانت القضايا الصغرى أوالمحلية يفصل فيها ثلاثون محلفاً يزورون مقاطعات أتكا في مواسم معينة.

وإذا كان جميع محلف لا يبقى في منصبه أكثر من عام واحد في جميع مرة ، وكان الانتخاب لهذه المناصب بالدور ، فقد كان جميع مواطن تُتاح له الفرصة في الغالب لأنقد يكون محلفاً مرة في جميع ثلاث سنين. ولم يكن مفروضاً عليه حتى يؤدي هذا العمل ، ولكن الأجر المقرر له وهوأوبلتان - ثم ثلاث أوبلات فيما بعد - جميع يوم كان يجتذب نحومائتي محلف أوثلاثمائة في جميع دور. أما القضايا الهامة كقضية سقراط مثلاً ، فكانت تنظرها محاكم ضخمة مؤلفة من ألف ومائتي رجل. ولكي ينقص الأثينيون الرشوة والفساد في القضاء إلى الحد الأدنى كان أعضاء المحكمة الذين يوكل إليهم النظر في قضية ما يُختارون بطريق القرعة في آخر لحظة ، وإذا كانت معظم القضايا لا يطول النظر فيها أكثر من يوم واحد ، فإنا لا نسمع كثيراً عن الرشوة في المحاكم ؛ ذلك حتى الأثينيين أنفسهم كانوا يجدون صعوبة في إرشاء ثلاثمائة رجل في لحظة واحدة.

وكانت القضايا تتراكم في أثينا على الرغم من سرعة إجراءاتها ، شأنها في هذا شأن المحاكم في جميع أنحاء العالم ، وسبب ذلك حتى الأثينيين كانوا كثيري التقاضي ولكي يقللوا من هذه الحمى كانوا يختارون محكمين بطريق القرعة من بين سجلات أسماء المواطنين الذين بلغوا سن الستين ، وكان الطرفان المتنازعان يعرضان نزاعهما وأوجه دفاعهما على أحد هؤلاء المحكمين ، يُختار كالقضاة بطريق القرعة في اللحظة الأخيرة. وكان جميع طرف يؤدي إليه أجراً قليلاً ؛ فإذا عجز عن الصلح بينهما فصل في النزاع بعد حتى يحلف اليمين. وكان لكلا الطرفين بعدئذ حتى يستأنف الحكم إلى المحاكم ، ولكنها كانت ترفض عادة القضايا الصغرى التي عرضت للتحكيم. فإذا قبلت المحكمة حتى تنظر في القضية خط كلا الطرفين حجته وأقسم اليمين على صحتها ، وخط الشهود شهادتهم وأقسموا بأنهم صادقون ، ثم تُقدم جميع هذه الأقوال مكتوبة إلى المحكمة.

وكانت توضع في صندوق خاص وتُختم ، ويُفتح الصندوق بعد وقت ما وتُبحث القضية ، وتصدر الحكم فيها هيئة تُختار بالقرعة. ولم يكن عند الأثينيين مدع عمومي ، فقد كانت الحكومة تعتمد على المواطنين حتى يَتَّهموا أمام المحاكم جميع من يرتكب جريمة خطيرة ضد الأخلاق العامة أوالدولة. ومن هنا نشأت طائفة من "النمامين" دينهم وعملهم اتهام الناس ، وقد تطورت مهنتهم هذه على أيديهم حتى أصبحت فناً من فنون اغتصاب أموال الناس لكف الأذى عنهم. وكانوا في القرن الرابع يكسبون المال الكثير بحمل القضايا - أوعلى الأصح بالتهديد بحملها - على الأغنياء لاعتقادهم حتى المحاكم الشعبية لا تميل إلى تبرئة من يستطيعون أداء الغرامات الكبيرة.

وكانت نفقات المحاكم تغطيها في الغالب الغرامات التي تفرض على من يدانون من المتقاضين. كذلك كان يُحكم بالغرامة على من يعجزون من المدعين عن إثبات ما يوجهون من التهم إلى خصومهم ؛ فإذا لم ينالوا خمسة على الأقل من أصوات القضاة كانوا عرضة لأن يُحكم عليهم بالضرب بالسياط أوبغرامة كبيرة تبلغ ألف دراخمة (نحوألف ريال أمريكي).


نشأة المحاماة

كان جميع طرف من المتقاضـين يدافع بنفسه عن قضيته ، وكان عليه حتى يعرض بنفسه قضيته للمرة الأولى. فلما حتى تعقدت الإجراءات القضائية ، وتبين المتقاضون تأثر القضاة بعض الشيء ببلاغة الألفاظ ، نشأت عادة استخدام خطيب أورجل بليغ متضلع في القانون ، يؤيد المدعي أوالمدعى عليه ، أويُحضّر باسم من يستخدمه وبالنيابة عنه خطبة يستطيع المتقاضي نفسه حتى يقرأها أمام المحكمة ، ومن هؤلاء المدافعين البلغاء نشأ المحامون.

وفي وسعنا حتى نتبين قدم المحاماة في بلاد اليونان من تعبير في أقوال ديوجين ليرتيوس Diogenes Laertius وهي حتى باياس Bias ، حكيم بريني Priene كان محامياً بليغاً في القضايا ، وأنه كان على الدوام يحتفظ بمواهبه لمن كان الحق في جانبه. وكانت المحاكم تستخدم بعض هؤلاء المحامين ليشرحوا لها القانون Exegetai ، وذلك لأن الكثير من القضاة لمقد يكونوا أكثر فهماً بالقوانين من المتقاضين أنفسهم. وكانت الأدلة تُقدم عادةً مكتوبة ، ولكن كان على الشاهد حتى يَحضُر بنفسه ويقسم بأن ما يشهد به سليم دقيق حين يتلومحرر الجلسة أوالجراماتيوس Grammateus شهادته على القضاة.

ولم يكن الشهود يناقشون ، وكانت شهادات الزور كثيرة إلى حد يجعل المحكمة في بعض الأحيان تقضي بما يناقض الشهادة التي أقسم الشاهد على صدقها. ولم تكن شهادة النساء والقاصرين تقبل إلا في قضايا القتل ، أما الأرقاء فلم تكن تُقبل شهاداتهم إلا إذا انتزعت منهم بالتعذيب ، فقد كان من المسلم به عند الأثينيين أنهم سيكذبون إذا نجوا من التعذيب. وتلك وصمة في جبين الشرائع اليونانية ووحشية شاءت الأقدار حتى تزداد قسوة في السجون الرومانية ، وفي حجرات محاكم التفتيش ، ولعلها لا تقل عما يحدث في الحجرات السرية التابعة لمحاكم الشرطة في وقتنا الحاضر. وكان تعذيب المواطنين محرماً في عصر بركليز، وكان كثيرون من ملاك الرقيق لا يسمحون حتى يستخدم أرقاؤهم شهوداً في القضايا ولوكانت قضاياهم هم أنفسهم، وكان الحكم فيها لمصلحتهم موقوفاً على أداء شهادتهم.


قانون العقوبات

كان القانون في اليونان القديمة يلزم من يتسبب في إحداث عاهة مستديمة لأحد الأرقاء بتعويضه عنها. وكانت العقوبات المقررة هي الضرب ، والغرامة ، والحرمان من الحقوق السياسية ، والكي بالنار ، ومصادرة الأموال ، والنفي ، والإعدام ، وقلما كان المذنبون يعاقبون بالسجن ، وكان من المبادئ المقررة في القانون اليوناني حتى يعاقب العبد في جسمه ، وأن يعاقب الحر في ماله ، ونرى في رسم على إحدى المزهريات عبداً معلقاً من ذراعيه وساقيه يُضرب بالسياط ضرباً خالياً من الرحمة.

وكانت الغرامات هي العقوبة التي تفرض عادةً على المواطنين. وكانت تقدر بدرجات تعرض الديموقراطية الأثينية لأن تُتهم بأنها كانت تملأ خزائنها بالمال عن طريق الأحكام الظالمة. على أنه كان يسمح في كثير من الحالات للمحكوم عليه هووصاحب الحق حتى يقدرا بأنفسهما الغرامة أوالعقوبة اللتين يريان أنهما عادلتان ، ثم تتخذ المحكمة إحدى العقوبتين المقترحتين ؛ وكان القتل ، وانتهاك حرمة المعابد ، وخيانة الوطن ، وبعض الجرائم التي تبدوفي نظرنا جرائم صغيرة ، يعاقب عليها بمصادرة الأموال والإعدام معاً ؛ ولكن كان من المستطاع عادةً تجنب الحكم بالإعدام قبل صدوره ، بالنفي الاختياري وهجر الأملاك. وإذا رأى المتهم حتى الهرب يزري به ، وكان مواطناً ، نُفذ فيه الإعدام بأقل الوسائل إيلاماً له ، وذلك بأن يقدم له عصير الشوكران ، وهوالعقار الذي يخدر الجسم تدريجا ابتداءً من القدمين إلى أعلى أجزاء الجسم ، ثم يقضي على من يتعاطاه حين يصل إلى قلبه.


أما الأرقاء فقد كانت عقوبة الإعدام تنفذ فيهم أحياناً بالضرب الوحشي. وكان يحدث أحياناً حتى يُلقى المحكوم عليه قبل إعدامه أوبعده من فوق صخرة عالية إلى حفرة تعهد عندهم باسم البرثرون Barathron. وإذا ما صدر الحكم بإعدام قاتل نفذ بحضور أقارب المقتول استجابةً لعادة الانتقام القديمة في مظهرها وروحها.


قانون الملكية

قانون الملكية صارم لا هوادة فيه ، فالتعاقد واجب التطبيق ؛ وكان يُطلب إلى القضاة حتى يقسموا بأنهم "لن يطلبوا إلغاء الديون الخاصة ، أوتوزيع الأراضي أوالمساكن التي يملكها الأثينيون". وكان كبير الأركونيين حين يتولى منصبه في جميع عام يكلف منادياً بأن يؤذن في الناس حتى "كل مالك سيبقى له ما يملك وسيظل صاحبه المطلق التصرف فيه". وكان حق الوصية لا يزال مقيداً بقيود شديدة ، فإذا كان للمالك أبناء ذكور ، فإن الفكرة الدينية القديمة عن الملك ، والتي تربطها بتسلسل الأسرة وبالعناية بأرواح السلف ، تتطلب حتى ينتقل هذا الملك من تلقاء نفسه إلى الأبناء الذكور ؛ ذلك حتى الولد إنما كان يحتفظ بالملك وديعة لديه للأموات من الأسرة والأحياء منها ولمن يولد من أبنائها.

وكان الملك في أثينا يقسم بين الورثة الذكور ، كما هي الحال في فرنسا إلى حد كبير ، وكان أكبرهم سناً ينال نصيباً أكبر بعض الشيء من سائر الورثة ، ولم يكن الأثينيون كالإسبارطيين القدماء والإنجليز في هذه الأيام يبقون الملك من غير تقسيم ويعطونه أكبر الأبناء الذكور. وترى الزارع من عهد هزيود وبعده يحدد عدد أبنائه كما يعمل الفرنسيون في هذه الأيام حتى لا تنقسم أملاكه بين أبنائه انقساماً يقضي عليها آخر الأمر ؛ ولم تكن للأرملة حتى ترث ملك زوجها ، بل كان جميع ما تناله من هذا الملك حتى تسترد بائنتها. وكانت الوصايا معقدة في أيام بركليز تعقدها في أيامنا هذه ، وكانت تصاغ في لغة شبيهة إلى حد كبير بلغة هذه الأيام.

القانون الدولي

وقد ظل القانون الأثيني منتشراً في جميع أنحاء الإمبراطورية الأثينية التي يبلغ عمرها مليونين من الأنفس ما دامت هذه الإمبراطورية قائمة ، أما في خارج دائرة هذه الإمبراطورية فلم يكن لبلاد اليونان نظام قضائي واحد تخضع له بأجمعها ؛ وإن الصورة التي تنطبع في أذهاننا عن القانون الدولي في أثينا القرن الخامس لتبلغ من الضعف ما تبلغه صورة هذا القانون في عالم هذه الأيام.

لكن التجارة الخارجية تتطلب بعض الأنظمة القانونية. ويقول دمستين إذا المعاهدات التجارية قد بلغت في أيامه درجة من الكثرة أصبحت معها القوانين التي تخضع لها المنازعات التجارية "واحدة في جميع مكان".

وكانت هذه المعاهدات تنص على التمثيل القنصلي ، وتضمن تطبيق العقود ، وتجعل الأحكام الصادرة في إحدى الدول المسقطة على المعاهدة نافذة في سائر الدول المسقطة عليها. على حتى هذا لم يقضِ على القرصنة ، فقد كانت تنتشر إذا ما ضعُفَ الأسطول المسيطر على البحار ، أوتراخى في مراقبتها. ولقد كانت هذه اليقظة الخارجية الثمن الذي يشتري به الأهلون الأمن والنظام والحرية جميعاً ؛ وكانت الفوضى رابضة كالذئب حول جميع دولة مستقرة ، تتربص بها ، وتترقب ثغرة من الضعف تنفذ منها إليها.

وكانت بعض الدول اليونانية ترى حتى من حق المدينة حتى توجه الحملات لتنهب أملاك غيرها من المدن وأهليها ، إذا لم تكن ثمة معاهدة تنص صراحة على تحريم هذه الحملات. وقد أفلح الدين في تحريم الاعتداء على الهياكل ما لم تتخذ قواعد حربية ، وفي حماية الوفود والحجاج الذاهبين إلى مشاهدة الأعياد اليونانية الجامعة ، وفي فرض صدور إعلان رسمي بالحرب قبل بدء القتال ، وفي قبول الهدنة إذا طلبها أحد الطرفين المتقاتلين لإعادة من يُقتلون في المعارك إلى بلادهم ودفنهم.

وكانت الأسلحة المسمومة لا تستعمل بحكم العادة المألوفة ، وكان الأسرى عادةً يُتبادلون أويُفتدون ، وكان الفداء المعترف به ميناءين - ثم أصبح ميناء واحدة (نحومائة ريال أمريكي) - لكل أسير. وكانت المعاهدات كثيرة العدد ، وكان المتعاهدون يُقسمون الأيمان المغلظة على احترام نصوصها ، ولكنها كانت تخرق على الدوام تقريباً. وكانت المحالفات كثيرة ، وكانت تؤدي أحياناً إلى إيجاد أحلاف دائمة ، كحلف دلفي الاثني عشري (الأمفكتيوني) في القرن السادس ، والحلفين الآخي والإيتولي في القرن الثالث. وكانت مدينتان في بعض الأحيان تجامل كلتاهما الأخرى بأن تمنح أحرار أختها حقوق المواطنين فيها.

وكان التحكيم الدولي يحدث أحياناً ، ولكن كان في وسع الطرفين المحتكمين حتى يرفضا نتيجته أويتجاهلاها. ولم يكن اليوناني يشعر بأي التزام أدبي نحوالأجانب أوبأي التزام قانوني إلا إذا كان بلداهما مرتبطين بمعاهدة ، وكان هؤلاء في عهده برابرة (Barbaroi). ولم يكن اليونان يقصدون بذلك أنهم "همج". Barbarian بالمعنى الذي نفهمه نحن من هذا اللفظ بالضبط، بل كانوا يفهمون منه "الأجانب" أوالغرباء الذين يتحدثون لغة غريبة غير مألوفة. ولم ترقَ بلاد اليونان الرقي الذي تدرك به وجود قانون أخلاقي يضم الجنس البشري بأكمله إلا على يد الفلاسفة الرواقيين في العصر الذي اصطبغت فيه بلاد الشرق الأدنى بالصبغة اليونانية العالمية.


المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 18:26:46
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, حضارة يونانية, اليونان القديمة, القانون اليوناني القديم

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الأهلي يضم علي زين رسميا

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:19:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 48%

القضاء يؤجل النظر في الدعاوى المرفوعة ضد أغلالو

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:19:45
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 81%

دورة ماي 2023.. أهم ما صادق عليه مجلس جماعة الدار البيضاء

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:20:52
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

الأهلي يضم نجم سموحة لكرة اليد

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:19:30
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 43%

مصرع شخص في انهيار جدار غرفة بدوار صفيحي بسيدي بنور

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:20:54
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

بايدن: المغرب من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:19:48
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 70%

بايتاس: الحكومة عازمة على إصلاح أنظمة التقاعد

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:19:20
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 63%

الشناوي يتحدث عن تعامل كهربا مع الضغوطات

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:19:28
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 43%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية