كلوفيس مقصود

عودة للموسوعة

كلوفيس مقصود

كلوفيس مقصود

كلوفيس مقصود ( - 17 مايو2016)، محامي وصحفي ودبلوماسي لبناني ، خط الكثير من الموضوعات والخط عدة حول الشرق الأوسط وبلدان جنوب الكرة الأرضية.

سيرته

أسعد أبوخليل
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

عاش كلوفيس مقصود القرن العشرين بكل جوارحه. عاش الحياة العربيّة بزخمها، بحلوها وبمرّها، وكان مشاركاً في صنعِها وفي رسم معالمِها الفكريّة والسياسيّة والحزبيّة. وشارك في الصحافة العربيّة، واللبنانيّة والمصريّة والإماراتيّة. وكان هدفه من جميع ذلك تكريس القوميّة العربيّة بالعمل لا بالانتماء فقط. هذا ما شرحه في كتابه «أزمة اليسار العربي» (الصادر في عام ١٩٦٠ وليس بعد الانفصال كما خط هوفي «من زوايا الذاكرة»، ص. ٩١).

وهوميّز في الكتاب بين مدلوليْن للقوميّة العربيّة، مدلول الهويّة ومدلول حركي. عاش مقصود القوميّة العربيّة في المدلوليْن المتلازميْن معاً، لا بل هووسّع من ساحة العروبة للتلاقح مع «العالم ثالثيّة»، أو«الجنوب»، كما في اسم المركز الذي أسّسه في الجامعة الأميركيّة في واشنطن.

كلوفيس مقصود كان يمكن له حتى يصبح قياديّاً في الحركة القوميّة العربيّة المعاصرة، وكان يمكن له حتى يصبح زعيماً سياسيّاً (بدأ حياته كتائبيّاً لكنه لم يذكر ذلك في مذكّراته، وقد ذكرها الخبير الهجري، كمال كربات، في كتابه عن الفكر السياسي والاجتماعي الحديث في الشرق الأوسط). لم تكن تنقصه الحماسة أوالعاطفة أوالثقافة أوالابتكار اللفظي، لكنه لم يتمتّع بالكاريزما كما أنه خطب بلغة لم تكن تقرّبه من الجيل العربي الجديد (ولا حتّى في فترة سابقة من اليوم). هومثّل الفكرة القوميّة في ذروتها، لكن في خطابها المبالغ والمفرط والغارق في الوعود العاطفيّة. لم تكن له صفات قياديّة وإن كانت كتاباته ذات صبغة قياديّة (زوجته هالة سلام مقصود، تمتّعت بصفات قياديّة مميّزة وكانت مِن أفضل مَن مرّ على قيادة المنظمّات العربيّة في واشنطن، وهي مثّلت نموذجاً فريداً في المبدئيّة في حقبة تولّيها لقيادة «الجمعية العربية الأميركية لمكافحة التمييز»). معضلة مقصود أنه كان يخط لقيادات الحركة القوميّة العربيّة، لا لجمهورها، وهذا ما أضعف من دور له كان يمكن حتىقد يكون بارزاً. كانت لكتاباته تأثيرٌ على الفترة الناصريّة، وطلب عبد الناصر لقاءه بسبب كتاباته آنذاك.

تستطيع حتى تختلف مع خيارات سياسيّة وصياغات بيانيّة لكلوفيس، وتستطيع ان تختلف مع وصفه لمراحل في السياسيّة العربيّة المعاصرة لكنك لا تستطيع إلّا وأن تسجّل له ثباته القومي العربي المبدئي في زمن تنعدم فيه المبدئيّة، وفي زمن -في القرن الواحد والعشرين - يغيّر فيه بعض الكتاب والمثقّفين قناعاتهم السياسيّة والأيديولوجيّة بين ليلة وضحاها، مما يتوافق مع سياسات هذا النظام أوذاك. وبعض الكتّاب يغيّر مبادئه حسب أهواء الجريدة التي يخط فيها. بقي هوعلى قوميّته وعلى تبنّيه للقضيّة الفلسطينيّة من دون حتى يؤثّر ذلك في ابتعاده عن الانقسامات في الساحة الفلسطينيّة. كان قريباً جدّاً من ياسر عهدات، لكنه حافظ على علاقة وديّة مع جورج حبش وأثنى على حركة «حماس» عند انطلاقتها. لكن مقصود تغيّر في العقد الماضي أوقبله بقليل. كنّا نقرأ له بعض منطقاته ولا نتبيّن فيها الرجل الذي نعهده ونحادثه في جلسات خاصّة.

ما لفتني في كلوفيس مقصود منذ حتى عهدته في مدينة واشنطن في الثمانينيّات، في سنوات الدراسة الجامعيّة، تواضعه الجم. لفتني فيه انه كان يتعامل مع الجميع بالتساوي. يلقى منه الطالب العربي الاهتمام نفسه الذي يلقاه منه الديبلوماسي العربي والغربي. لا بل على العكس، كنتُ أرى فيه شغفه بالتواصل مع الطلاب العرب بصورة خاصّة وكانت رسالته في القوميّة العربيّة لا تتغيّر بتغيّر الأزمان. كان رحب الصدر يتقبّل النقد، لا بل تقبّل السخرية وشارك فيها. كان مستمعاً جيّداً بالرغم ما عُرف عنه من استفاضة وإطالة في الحديث والخطابة (نسي نفسه ذات مرّة في الصف فبقي يحاضر بعد انتهاء وقت الحصّة بـ٤٥ دقيقة، كما روى). كلوفيس كان يهتم بصدق بآراء الآخرين ويستفسر عنها، بقدر ما كان يحب حتى يشاطرهم آراءه، وإن خفّ هذا الحبّ عنده على مرّ السنين. عهدته عن كثب في عام ١٩٩٣ عندما دعيتُ معه ومع محسن العيني (السفير اليمني السابق في واشنطن) من قِبل طه جابر العلواني الذي أراد فتح محادثة بين فهمانيّين وإسلاميّين (وكان للأمانة أكثر صبراً منّي بكثير في هذا الحوار). لم يجد حرجاً في الحوار، وكان يُبشّر بالإسلام أفضل من تبشير الإسلاميّين وبعض المسلمين.

برز كلوفيس مقصود على الساحة القوميّة العربيّة مبكّراً. كان في الثلاثينيّات من عمره عندما سمع به عبد الناصر. لعل فترة الخمسينيات والستينيات قبل النكبة كانت عصره المضىي. كم كانت الأحلام كبيرة والطموحات عظيمة في تلك السنوات. لكنها لم تخل من المرارة: الانفصال والمؤامرات الغربيّة والإسرائيليّة لم تتوقّف للحظة. والحماسة القومية العربية التي ولّدت كوارث وويلات حزب البعث العربي الاشتراكي ومؤامراته وانقلاباته ومجازره، لم تكن مقرونة بالتنبّه لمخاطر تجليّات في القوميّة العربيّة برزت في مصر وفي العراق وحتى في مصر. كيف من الممكن أن حتى الفترة الناصريّة تلتها مباشرة الفترة الساداتيّة، والذي اختار أنور السادات لخلافة عبد الناصر لم يكن إلا عبد الناصر نفسه. عاش كلوفيس تلك الفترة وكان ثابتاً في مواقفه منها، مرافقاً لقياداتها، عاملاً على التوفيق بين الأعداء: الناصريّين والبعثيّين.

روى قصّته مع الحزب التقدّمي الاشتراكي وكيف هجره مبكّراً عندما وقف كمال جنبلاط على الحياد (هووريمون إدّة وبيار الجميّل) في فترة العدوان الثلاثي على مصر، واعتبر حتى تأميم قناة السويس كانت مغامرة. كان وليد جنبلاط يلحّ على كلوفيس في السنوات الأخيرة - كما روى لنا - كي يروي على الملأ أمام حضور من الحزب قصّة استنطقته وكان هويتجنّب عمل ذلك. إلى حتى سأله مرّة في حفل عام حتى يعمل ذلك، فتجنّب مرّة أخرى. وما ان عاد كلوفيس إلى مقعده، همس له جنبلاط سائلاً. فأبلغه كلوفيس السبب، فأجابه جنبلاط: آه، كان الوالد يمرّ حينها في فترة انعزاليّة. (لكن كلوفيس أغفل في روايته لنا وفي «من زوايا الذاكرة» سبباً آخر لهجره الحزب، وهورواه في محاضرة في جامعة شيكاغوفي مؤتمر عن لبنان في عام ١٩٦٣ (راجع منطقة كلوفيس عن «لبنان والقوميّة العربيّة» في كتاب ليونارد بايندر «السياسة في لبنان» الصادر في عام ١٩٦٦). وفي تلك الرواية يبرز جانب آخر عن إحباط مقصود ونفوره من تجربته في الحزب التقدمي الاشتراكي إذ ينسب الأمر إلى طائفيّة الحزب وجمهوره وطائفيّة زعامة كمال جنبلاط.

كان كلوفيس راوياً مسليّاً للتاريخ العربي المعاصر، وكان يضحكنا في روايات شيّقة عن حرب السنتيْن إذ انه كان يحضر اجتماعات قياديّة للحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة. وكانت تلك الروايات تختلف عن الشائع أوالمتعارف عليه. كانت الاجتماعات مثلاً تشهد عتاباً مستمرّاً من كمال جنبلاط على ياسر عهدات بسبب شحّ المساعدات العسكريّة، وكان عهدات يتملّص من الإجابة دائماً، ويتقن اختلاق الأعذار التي كان جنبلاط يسخر منها فيما بعد. (يروي مقصود في كتابه قصّة عهدات مع أبودبّاح (ص. ٢٥٢)، لكن سماع القصّة من كلوفيس لها سقط مختلف، وكم كنا نقهقه عند سماعها منه خصوصاً وهويقلّد عهدات بلهجته المصريّة). وعهد مقصود شخصيّات العالم العربي السياسيّة والحزبيّة والثقافيّة على مرّ العقود، وكان يحرص على التواصل مع الجدد والقدماء في السياسة. ما أشهده على شخصيّة مقصود أنه خلافاً للكثير من المثقّفين العرب في الغرب، لم يشعر يوماً بحرج في التعبير عن رفضه للتواصل مع إسرائيليّين. لم يكن يخجل من مجاهرته في موقفه الحازم ضد الاحتلال الصهيوني. كان من المبكّرين الذين تواصلوا مع اليهود الأميركيّين المعارضين للصهيونيّة (مثل ألفرد ليلينثال وإلمر برغر)، وكان يميّز بين موقفه الصارم ضد الصهيونيّة وبين موقفه القومي الفهماني الرافض للتمييز على أساس الدين أوالعرق أوالإثنيّة. ويُسجَّل له أيضاً أنه لم يتحوّل - مثل قومي عربي سابق آخر، أي الأخضر الابراهيمي - إلى أداة طيّعة بيد السياسة والحروب الأميركيّة.

وكان له طريقة في الخطاب باللغة الإنكليزيّة تثير السخرية من الشباب العربي في أميركا، إذ انه كان ينقل عبارات عن العربيّة بالإنكليزيّة من دون ملاحظة فارق المعنى في الترجمة: كانت يستعين بثراء مفرادته الإنكليزيّة لنقل الصياغة العربيّة إلى الإنكليزيّة. أذكر كيف من الممكن أن عثر طريقه لاستعمال مُتكرّر لـ«لا بَل» بالإنكليزيّة. وأذكر ذات مرّة عندما تحدّث عن «النزيف العربي»، مما أثار تساؤلات في صفوف الحضور في جامعة جورجتاون عن طبيعة هذا السقم العضال الذي يعاني العالم العربي منه، إلى حتى تطوّع بعض العرب في الحضور لشرح التعبيرات المجازيّة العربيّة. لم يكن يهادن في التعبير عن دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وأذكر أنه خصوصاً في التسعينيات، عندما كان الشباب اليساري العربي في أميركا ينظر بعين الريبة إلى تجربة حزب الله كحزب ديني غير تقدّمي، كان هووإدوار سعيد يتحدّثان إلينا عن الأهميّة التاريخيّة لتجربة حزب الله في مقارعة العدوّ. لم يجدا تناقضاً بين فهمانيّتهما المحضة وبين دعم نسق مقاومة فعّال ضد العدوّ الإسرائيلي.

تختلف مع مقصود في بعض مواقفه، أوفي تمنّعه عن المجاهرة بحقيقة مواقفه. كان مثلاً متكتّماً في العلن عن الجهر بمواقفه المعارضة لأنظمة الخليج. كان ناصريّاً بالمعنى الحقيقي المنبثق عن صراع عبد الناصر مع أنظمة الخليج في الخمسينيات والستينيات وليس بالمعنى الذي يفهمه عبد الرحيم مراد حيث ينبع تعريف القوميّة العربيّة من مصالح الـ«بزنس». لكن كلوفيس لم يكن يعبّر في العلن عن تلك المواقف. وكنتُ كلّما أسأله عن ذلك يحيلني إلى استنطقته الشهيرة من الجامعة العربيّة في عام ١٩٩٠ لأنه رفض الضغط الخليجي كي يتبنّى في الأمم المتحدة قراراً بدعم الحرب الأميركيّة على العراق. كان الأمر بالنسبة له بديهيّاً لكنه لم يُعلن ذلك بصريح العبارة مرّة واحدة. وفي كتابه الأخير، «من زوايا الذاكرة»، تستّر على الأمر ورواه بعجالة في نصف صفحة (ص. ٣٣٧). إذا استنطقة مقصود من الجامعة العربيّة، بعد ان مرّر بندر بن سلطان على السفارات العربيّة أمر الحرب الأميركيّة، كان من الأمور التي كان مقصود يزهوبها، وعن حق. لم يكن في وارده حتى يقبل بتشريع حرب غربيّة - عربيّة على بلد عربي. كانت هذه عنده من بديهيّات انتمائه القومي. لكن مقصود يقول في كتابه المذكور: «قيل لي قبل ذلك: نرجوك لا تتكلّم بالحل العربي» (ص. ٣٣٧). لكنه لا يذكر لنا مَن الذي نطق له ذلك، ولماذا تستّر على الذين نطقوا له ذلك (يُستشف من الكلام حتى بندر هوالذي نطق له ذلك) خصوصاً حتى التستّر يساهم في التعمية على مؤامرة من أفظع المؤامرات المعاصرة التي تعرّض لها عالمنا العربي.

لكن كلوفيس كان رجل تناقضات. كان صارماً في انتمائه القومي العربي (في الهويّة والحركيّة)، لكنه عمل لسنوات في جريدة «النهار» التي تخصّصت في الهجوم والتجنّي على الفكر والممارسة القوميّة العربيّة، وروّجت بابتذال لفكر الانعزاليّة اللبنانيّة. كان يفسّر لنا دوره في «النهار» بالتذكير بصداقته مع غسّان تويني. كان مُنظّراً مُبكّراً لدور الجامعة العربيّة، لكنه أحجم عن نقدها بعد حتى قتلتها أنظمة الخليج والنظام المصري «الكامب ديفيدي». لم نقرأ له (ولا حتّى في مذكّراته) نقداً لقرار اغتال الجامعة العربيّة، لا بل إذا عمروموسى (الذي ساهم في تسخير الجامعة للنظام السعودي ولحسني مبارك) خط له مقدّمة باهتة لـ«من زوايا الذاكرة». كان موالياً ومُخلصاً لجمال عبد الناصر، لكنه تمنّع عن نقد أعدائه الذين ما توقّفوا للحظة عن هجائه وعن تشويه مواقفه. كان يُفرط في المديح أمام الحكّام الخليجيّين (وله صولات وجولات في مهرجان الجنادريّة) فيما كان يُحجم عن النقد ضد الأنظمة التي خانت وحاربت تلك المبادئ التي ناضل من أجلها طيلة حياته (حتى السبعينيات). أذكر انني فوجئت عندما قرأت مذكّراته حتى اجد إشارة إلى «تبرع (الملك عبدالله بن عبد العزيز) بمبلغ سخي» (ص. ٤١٥) لكرسي باسم هالة سلام مقصود في جامعة جورجتاون. سبب المفاجأة ان مقصود قصّ عليّ بالتفصيل (في بيت الصديق زياد الحافظ، وبحثّ من الصديق كمال خلف الطويل) خبر سفره إلى الخليج يومذاك وكيف مرّ في السعوديّة لكنه لم يلتقِ الملك، ثم كان في البحرين وتلقّى دعوة من الملك السعودي الذي أوفد له طائرة خاصّة لتأتي به إلى المملكة، ثم قصّ علينا خبر الحديث بينهما وكيف ان الملك بالكاد تفوّه بحدثة. وسألته انا: وهل تبرّع لكَ بمبلغ،يا ترى؟ فنطق: لا، لم يتبرّع.

لكن لمقصود مآثر لا تنسى في ثلاثة صعد على الأقل: الأوّل في مجال انفتاح القوميّة العربيّة على العالم الثالث، والثاني في تحديد الموقف النظري والعملي لليسار القومي العربي من الشيوعيّة، والثالث في مجال العمل الإعلامي الدؤوب ضد الصهيونيّة وللتعريف بالقضيّة الفلسطينيّة في الولايات المتحدة الأميركيّة. ساهم في إخراج الفكر القومي العربي من قسقطته البعثيّة وغير البعثيّة عبر ربط حركة التحرّر القومي العربي بحركات التحرّر في الدول الآسيويّة والأفريقيّة (عمل بطرس غالي، الناصري في العهد الناصري والساداتي في العهد الساداتي والمباركي في العهد المباركي، على توطيد علاقة الديبلوماسيّة العربيّة في العهد الناصري مع الدول الأفريقيّة، راجع كتابه بعد النكسة «أزمة الديبلوماسيّة العربيّة»). وعمل مقصود لسنوات في الهند على توطيد أواصر الصداقة والتضامن بين القوميّة العربيّة وبين حزب المؤتمر (وغيره من الأحزاب) في الهند، وهذا ساهم في تشكيل وعي قومي عربي جديد، وقد يحدث أثّر على ديبلوماسيّة عبد الناصر (وأصدر مقصود في سنواته في الهند كتيّباً بالإنكليزيّة عن «عدم الانحياز»). وفي كتابه عرّف بمفهومه «الحياد الإيجابي» —الذي استعاره من نهرو- والذي أصبح ركناً في السياسة الناصريّة التي كانت في بداياتها تخشى الربط بالمعسكر الشيوعي. وفي كتاب «أزمة اليسار العربي» حرر كلوفيس اليسار القومي العربي من «عقدة» الشيوعيّة وميّز بين تيارات مختلفة من الشيوعيّة، وقد يحدث أثّر هنا أيضاً على الموقف الناصري من الشيوعيّة. وكان الكتاب رائداً في رؤية إنسانيّة للماركسيّة وتحريرها، في الموقف القومي النقدي، من دوغما التعميمات اللينينيّة والستالينيّة. وكانت رؤية مقصود ديمقراطيّة مُبكرّة.

أما الصعيد الثالث، فقد عمل بلا كلل على مرّ عقود طويلة، منذ سنوات دراسته في أميركا، إلى مقارعة الخطاب الصهيوني الأميركي لكن بالحجّة وليس بالبكاء والنحيب على عادة بعض المتحدّثين العرب في أميركا حتى الستينيات. كان سبّاقاً في هذا المضمار، وسبق ظهور فايز صايغ وهشام شرابي، وإدوار سعيد فيما بعد. لكن الأهم في عمل مقصود في أميركا أنه لم يكن يؤمن ان الطريق إلى تغيير الرأي العام الأميركي يكمن (كما رأى ديبلوماسيّوأنظمة الخليج) في التقرّب والتحالف مع اللوبي الإسرائيلي، ولم يؤمن (على طريقة ياسر عهدات) بالتعويل على الإدارة الأميركيّة الحاكمة. بل نادى ونادى إلى عمل على مستوى العلاقة المباشرة مع الشعب الأميركي وقواه اليساريّة وحركات الأقليّات على أنواعها. هذا النوع من العمل كان كلوفيس سبّاقاً إليه وأثّر فيما بعد على عمل «المنظمّة العربيّة الأميركيّة لمكافحة التمييز» (قبل شرائها مثل جميع التنظيمات العربيّة والإسلاميّة في واشنطن من قبل طغاة الخليج في عام ١٩٩٠). لم يكن يميّز في قبول الدعوات، وكان يسارع إلى تبلية الدعوات التي تأتيه من حركات السود اللاتينيّين، والتي أهملها العمل العربي الديبلوماسي في واشنطن. لكنه لم يكن يعتبر ان العمل التعبوي يكفي لوحده من دون رفده بأعمال مقاومة عربيّة. وقلّة تعهد حتى كلوفيس لعب دوراً مهماً في تأسيس «مركز الدراسات العربيّة المعاصرة» في جامعة جورجتاون، كأوّل مركز اكاديمي أميركي مُتحرّر من النظرة الاستشرافية في دراسة الشرق الأوسط.

في العقد الأخير من عمره، عانى مقصود مِن ما أسماه صديق واشنطوني له من «عوارض خَلجَنة متأخّرة»، إذ انه اعتنق نموذجاً مُنفِّراً من قوميّة متماشية مع السياسة السعوديّة. حتى أنه في كتابه الأخير أقحم في مسقط منه، وبصورة خارجة عن سياق الكتاب، ملاحظة عن حزب الله بعد عدوان تمّوز، وسخر من إعلان الحزب لـ«النصر الإلهي» لأن الحزب لم يهزم إسرائيل، حسب قوله (ص. ٤٤٥). لكن المبتر لفتني لثلاثة أسباب:

١) متى كان كلوفيس صاحب الخطب المُفرطة في المبالغة والتعظيم وفي تحويل هزائم حقيقيّة للعرب إلى فوزات يُدقّق في الكلام خصوصاً بعد حرب كانت أبرع لقاءة في قتال العدوّ منذ احتلال فلسطين في عام ١٩٤٨.

٢) السبب الثاني أنّ كلوفيس كان يُقنعنا بعظمة وأهميّة وضرورة دعم حزب الله في حقبة صبحي الطفيلي عندما كنتُ مثل الكثيرين من اليساريّين العرب في أميركا نأخذ على الحزب ليس فقط عقيدته الدينيّة، بل أيضاً حملة الاغتيالات ضد خيرة من الشيوعيّين في الثمانينيات (والتي ينسبها الحزب إلى «امل» وتنسبها «أمل» إلى الحزب، ما يستدعي تحقيقاً جديّاً فيها لأن دماء الشيوعيّين ليست أرخص من دماء الإسلاميّين). كان كلوفيس آنذاك، وقبل تبلور حركة مقاومة متطوّرة في حقبة حسن نصرالله، يستفيض في أهميّة مقاومة الحزب التاريخيّة.

٣) السبب الثالث أنه اعتبر خطبة «النصر الإلهي» عودة «إلى اللغة الطائفيّة الضيّقة» للحزب فقط لأن نصرالله انتقد الحكّام العرب الذين ناصروا العدوّ علناً (مثل آل سعود ومبارك). وكيف حتى لغة صبحي الطفيلي الطائفيّة الصارخة في حقبة الدعوة للجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان لم تزعجه آنذاك،يا ترى؟ لكن هذه التناقضات هي التي اصطُلح على تسميتها بـ«الكلفسة» (والمصطلح لبس كلوفيس عندما زار عهدات مصر في عام ١٩٨٣ وسُئِل كلوفيس إذا كانت الزيارة تلك تخالف قرار الجامعة العربيّة في مقاطعة مصر وردّ بالقول الشهير: «هولم يخالف قرارات المقاطعة لكنه لم يلتزم بها»).

سعى مقصود كي يعيش ويموت في عصر التحرير لا في يوم النكبة. لكن الرجل الذي عاش النكبة بسنواتها الطوال توفي في ذكراها. كان يفضّل لوأنه توفي في يوم تحرير فلسطين.

(ملاحظة: لم يرد في المراثي عن كلوفيس أنّ له ابنة اسمها ليزيت مونديلووحفيد، وهي من زواج تجاوز زقابل من هالة سلام. وقد لازمته في فترات سقمه، ولها التعازي ولابنها أيضاً).


مناصب تقلدها

  • ممثل لجامعة الدول العربية في الهند بين عامي 1961 و1966.
  • كبير محرري الأهرام وبعدها كرئيس تحرير بجريدة النهار الأسبوعية ومن عام 1967 إلى 1977.
  • أعلى لجامعة الدول العربية في الولايات المتحدة وفي الأمم المتحدةمن سبتمبر 1979. وما لبث في عام 1990 إلى حتى قدم استنطقته من جامعة الدول العربية بعد الغزوالعراقي للكويت.

بعض مؤلفاته

  • معنى عدم الانحياز.
  • أزمة اليسار العربي.
  • أفكار حول الشؤون الأفروآسيوية.
  • صورة العرب.

المصادر

  1. ^ أسعدد أبوخليل (2016-05-21). "كلوفيس مقصود وتناقضات القوميّة العربيّة". صحيفة الأخبار اللبنانية.
  2. ^ arabianbusiness
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:56:30
التصنيفات: وفيات 2016, دبلوماسيون لبنانيون, سياسيون لبنانيون, محامون لبنانيون, كتاب صحيفة الشروق المصرية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بسبب تزوير العمر.. “الكاف” يستبعد الغابون من “كان المغرب”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:20:03
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 78%

بالصوت والصورة.. تفاصيل قضية رشوة ضخمة لموظفين بمحكمة جدة العامة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:18:54
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 99%

اقتحامات واسعة للحرم القدسي قبل “مسيرة الأعلام”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:20:06
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 74%

الأبواب المفتوحة للأمن الوطني تسجل رقما قياسيا في عدد الزوار(صور)

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:19:31
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

أعلاها بإفران..مقاييس التساقطات المطرية خلال الـ24 ساعة الماضية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:19:32
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

هل يُحل ملف ” مغاربة سوريا والعراق ” على هامش القمة العربية؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:19:57
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 71%

الهلال يستهدف نقاط ضمك لمطاردة أندية القمة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:18:56
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 85%

هل يتوج المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة بلقبه الأول في تاريخه؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:20:17
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 74%

كولر يُعلق على مستوى بيرسي تاو.. وغياب الشناوي عن لقاء الترجي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:19:40
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 40%

تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي والترجي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:19:37
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 37%

كولر: سعيد بما رأيته من لاعبي الأهلي بعد العودة من تونس

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:19:42
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 35%

هاني: لا نفكر في أي شئ حاليا سوى لقاء الترجي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:19:38
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 40%

كأس أفريقيا لأقل من 17 سنة.. مدرب مالي يتحسر على الهزيمة أمام المغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:20:09
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 78%

أنجلينا جولي من عالم السينما إلى تصميم الأزياء

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:18:49
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

“الباطرونا” تطرق باب الحكومة وتنتظر التسريع بتعديل مدونة الشغل

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 15:20:00
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 82%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية