الديانة البابلية

عودة للموسوعة

الديانة البابلية

الشرق الأدنى القديم
المناطق والدول
بلاد الرافدين • سومر • الامبراطورية الأكادية • بلاد بابل • آشور • الامبراطورية الآشورية الحديثة • الامبراطورية البابلية الحديثة

مصر  • مصر القديمة
بلاد فارس • عيلام • ميدس • الامبراطورية الأخمينية
الأناضول • الحيثيون • الحوريون • الدول الحيثية الحديثة • اورارتو
بلاد الشام • فينيقيا • كنعان • إسرائيل

الفترات الأثرية
تأريخ • العصر البرونزي • انهيار العصر البرونزي • العصر الحديدي
اللغات
فهم الآشوريات • الكتابة المسمارية

السومرية • العيلامية • الأكادية • الحيثية • الحورية • الاورارتية
الفينيقية • الآرامية

الأدب
الأدب السومري • الأدب البابلي • النصوص الحيثية
الأساطير
أساطير بلاد الرافدين • الأساطير البابلية (الدين) • الأساطير الحيثية
مواضيع أخرى
القانون المسماري • القانون البابلي • القانون الآشوري

الرياضيات البابلية • الفلك البابلي

لم تكن سلطة الملك يقيدها القانون وحده ولا الأعيان وحدهم ، بل كان يقيدها أيضاً الكهنة. ذلك حتى الملك لم يكن من الوجهة القانونية إلا وكيلاً لإله المدينة ، ومن أجل هذا كانت الضرائب تفرض بإسم الإله، وكانت تتخذ سبيلها إلى خزائن الهياكل إما مباشرة أوبشتى الأساليب والحيل. ولم يكن الملك يعد ملكاً بحق في أعين الشعب إلا إذا خلع عليه الكهنة سلطته الملكية، و"أخذ بيد بِل"، وإخترق شوارع المدينة في موكب مهيب ممسكاً صورة مردك. وكان الملك في هذه الإحتفالات يلبس زي الكاهن ، وكان هذا رمزاً إلى إتحاد الدين والدولة، ولعله كان أيضاً يرمز إلى أصل الملكية الكهنوتي. وكانت تحيط بعرشه جميع مظاهر خوارق الطبيعة، ومن شأن هذه كلها حتى تجعل الخروج عليه كفراً ليس كمثله كفر ، لا يجزى من يجرؤ عليه بضياع رقبته فحسب ، بل يجزى أيضاً بخسران روحه. وحتى حمورابي العظيم نفسه تلقى قوانينه من الإله. ولقد ظلت بلاد بابل في واقع الأمر دولة دينية "خاضعة لأمر الكهنة" على الدوام من أيام الباتسيين أوالقساوسة- الملوك السومريين إلى يوم تتويج نبوخد نصر. وزادت ثروة الهياكل جيلاً بعد جيل حدثا اقتسم الأثرياء المذنبون أرباحهم من الآلهة. وكان الملوك يشعرون بشدة حاجتهم إلى غفران الآلهة فشادوا لهم الهياكل ، وأمدوها بالأثاث والطعام والعبيد ، ووقفوا عليها مساحات واسعة من الأرض ، وخصوها بقسط من إيراد الدولة يؤدونه إليها في جميع عام.

مردوك وتنينه - نقش على ختم أسطواني بابلي.

فإذا ما غنم الجيش واقعة حربية كان أول سهم من الغنائم ومن الأسرى من نصيب الهياكل ، وإذا أصاب الملك مغنماً قدمت الهدايا العظيمة للآلهة. وكان يفرض على بعض الأراضي حتى تؤدي للهياكل ضريبة سنوية من التمر والحب والفاكهة ؛ فإذا لم تؤدها نزعت الهياكل ملكيتها ، وانتقلت هذه الملكية للكهنة أنفسهم في أغلب الأحوال. وكان الفقراء والأغنياء على السواء يخصصون للهياكل من مكاسبهم الدنيوية القدر الذي يظنون أنه يتفق ومصلحتهم الخاصة، وبذلك تكدس في خزائن الهياكل المضى، والفضة، والنحاس ، واللازورد، والجواهر ، والأخشاب النفيسة. وإذ لم يكن في مقدور الكهنة حتى يستخدموا هذه الثروة كلها أويستنفذوها فقد حولوها إلى رأس مال منتج أومستثمر ، وأصبحوا بذلك أعظم القوامين على الشئون الزراعية والصناعية والمالية في الأمة بأسرها. ولمقد يكونوا يملكون مساحات واسعة من الأرض فحسب ، بل كانوا يملكون فوق ذلك عدداً عظيمة من العبيد ، ويسيطرون على مئات من العمال ، يؤجرونهم بغيرهم من أصحاب الأعمال ، أويسخرونهم لخدمة الهياكل بالعمل في حرف لا حصر لها، تختلف ما بين عزف على الآلات الموسيقية إلى عصر الخمور. كذلك كان الكهنة أعظم تجار بابل ورجال المال فيها، وكانوا يبيعون ما في حوانيت المعابد من سلع مختلفة، ويساهمون بقسط موفور في تجارة البلاد. وقد عهد عنهم أنهم من أحكم الأهلين في إستثمار الأموال ، ولهذا عهد إليهم الكثيرون إستثمار أموالهم المدخرة لوثوقهم من أنهم سيحصلون منها على أرباح مضمونة وإن لم تكن موفورة. وكانوا يقرضون المال بشروط أرحم من الشروط التي يقرضها بها غيرهم من الأفراد؛ وكانوا في بعض الأحيان يقرضون السقمى والفقراء بغير فائدة، لا يطلبون إلا رؤوس أموالهم حين يبسم مردك للمقترض من جديد. وكانوا إلى هذا كله يؤدون بعض الأعمال العامة، فكانوا يعملون في توثيق العقود، ويشهدون عليها، ويسقطونها بأسمائهم، ويخطون الوصايا، ويستمعون إلى القضايا والمحاكمات ويفصلون فيها، ويحفظون السجلات الرسمية، ويسجلون الأعمال التجارية. وكان الملك أحياناً يصادر بعض أموال الهياكل إذا قابل أزمة تتطلب المال الكثير. ولكن هذا كان عملاً نادراً شديد الخطورة، لأن الكهنة كانوا يصبون أشد اللعنات على جميع من يمس أقل شيء من الأملاك الدينية بغير إذن منهم. هذا إلى حتى نفوذهم لدى الأهلين كان أعظم من نفوذ الملك نفسه، وكان في وسعهم في بعض الأحيان حتى يخلعوه عن عرشه إذا راجعوا أمرهم وسخروا ذكائهم وقواهم لهذه الغاية. يضاف إلى هذا أنهم يمتازون بالدوام والخلود؛ ذلك حتى الملك يموت أما الإله فمخلد ، ومن أجل هذا كان مجمع الكهنة الآمن من تقلبات الإنتخاب ، وأخطار السقم ، والإغتيال والحرب ، هيئة دائمة في مقدورها حتى تضع الخطط الطويلة الأجل ، وهي ميزة لا تزال تتمتع بها الهيئات الدينية الكبرى إلى هذا اليوم. جميع هذه ظروف جعلت للكهنة سلطاناً فوق جميع سلطان وكأن الأقدار قد شاءت حتى تقوم بابل على جهود التجار، وأن يستمتع بخيراتها الكهنة. ترى ما هي تلك الآلهة التي كانت الشرطة الخفية للدولة البابلية،يا ترى؟ لقد كانت هذه الآلهة كثيرة العدد، لأن الأهلين كان لهم في خلقها خيال واسع لا ينضب معينه، ولم يكن ثمة حد للخدمات التي يمكن حتى تؤديها لهم آلهتهم. وقد أحصي عدد الآلهة إحصاء رسمياً في القرن التاسع قبل الميلاد فكانوا حوالي 005ر65(68). ذلك حتى جميع مدينة كان لها رب يحميها، وكان يحدث في بابل ودينها ما يحدث عندنا اليوم في ديننا نحن. فقد كانت للمقاطعات والقرى آلهة صغرى تعبدها وتخلص لها، وإن كانت تخضع رسمياً للإله الأعظم. فقد أقيمت في لارسا الهياكل الكثيرة لشمش ، وعشتار في اوروك، ولننار في اور- ذلك حتى الآلهة السومرية لم ينقض عهدها بانقضاء عهد دولة السومريين. ولم يكن الآلهة بمنأى عن الأهلين ، فقد كان معظمهم يعيشون على الأرض في الهياكل ، يأكلون الطعام بشهية قوية، ويزورون الصالحات من النساء في أثناء الليل فيستولدونهن أطفالاً لم يكن أهل بابل العاملون المجدون يتسقطون حتى يولدوا لهم. وأقدم الآلهة كلهم آلهة السماء وما فيها:

  • أنوالسماء الثابتة ،
  • شمش الشمس ،
  • ننار القمر ،
  • بل أوبعل الأرض التي يعود جميع البابليين إلى صدرها بعد مماتهم.

وكان لكل أسرة آلهتها المنزلية تقام إليها الصلاة، وتصب إليها الخمور في جميع صباح ومساء، وكان لكل فرد رب يحميه (أوملك يحرسه كما نقول نحن بلغة هذه الأيام)، يرد عنه الأذى والسرور؛ وكان جن الخصب يحومون فوق الحقول ليباركوها. ولعل اليهود قد صاغوا ملائكتهم من هذا الحشد العظيم من الأرواح. ولسنا نجد عند البابليين شواهد على التوحيد كالتي ظهرت في عهد أخناتون وعهد إشعيا الثاني ؛ على حتى قوتين من القوى قد قربتاهم من هذا التوحيد ، أولهما إتساع رقعة دولتهم عقب الحروب ، وهذا الإتساع أخضع آلهتهم المحلية لسلطان إله واحد ؛ والقوة الثانية حتى كثيراً من المدن كانت تخلع على إلهها الخاص المحبب لها السلطان الأعلى والقدرة على جميع شيء. من ذلك قول نبومثلاً: "آمن بنبو، ولا تؤمن بغيره من الآلهة". ولا يختلف هذا القول كثيراً عن الوصية الأولى من وصايا اليهود. وقل عدد الآلهة شيئاً فشيئاً بعد حتى فسرت الآلهة الصغرى بأنها صور أوصفات للآلهة الكبرى. وعلى هذا النحوأصبح مردك إله بابل- وكان في بادئ الأمر من آلهة الشمس- كبير الآلهة البابلية. ومن ثم لقب ِبل- مردك أي مردك الإله وإليه وإلى إشتار كان البابليون يوجهون أحر صلواتهم وأبلغ دعواتهم.

نقش بارز، جزء من بوابة عشتار البابلية.

وليست أهمية عشتار (وهي إستارثي عند اليونان وعشتورت عند اليهود) لدينا مقصورة على أنها شبيهة إيزيس إلهة المصريين ، وعلى أنها النموذج الذي صاغ اليونان على مثاله آلهتهم أفرديتي والرومان فينوس ، بل إنها تهمنا فوق ذلك لأنها تبارك عادة من أغرب العادات البابلية، فقد كانت هي دمتر وأفرتيتي معاً- أي أنها لم تكن إلهة جمال الجسم والحب وحسب ، بل كانت فوق هذه الإلهة الرحيمة التي تعطف على الأمومة الولود، والموحية الخفية بخصب الأرض ، والعنصر الخلاب في جميع مكان ، ويستحيل علينا، إذا نظرنا إلى صفات إشتار ووظائفها بمنظار هذه الأيام ، حتى نجد بينها كثيراً من التناسق؛ فقد كانت مثلاً إلهة الحرب والحب، وإلهة العاهرات والأمهات؛ وكانت تسمي نفسها "المحظية الرحيمة". وكانت تصور أحيانا في صورة إلهة ملتحية تجمع بين صفات الذكران والإناث ؛ وأحياناً في صورة امرأة عارية تقدم ثدييها للرضاعة. ومع حتى عبادها كثيرون ما يخاطبونها بقولهم "العذراء" و"العذراء المقدسة" و"الأم العذراء" ، فان جميع ما تعنيه هذه الأقوال حتى حبها كان مبرأ من دنس الزواج. وقد رفض جلجميش حتى يتزوج بها حين عرضت عليه الزواج ، وحجته في ذلك أنه لا يوثق بها ، ألم تحب في يوم من الأيام أسداً وأغوته ، ثم قتلته،يا ترى؟ وجلي أننا يجب حتى نتغاضى عن قانوننا الأخلاقي إذا شئنا حتى نفهم مقام هذه الألهة على حقيقتها. فليتأمل القارئ تلك الحماسة القوية التي يحمل بها البابليون إلى مقامها العظيم تسابيح الحمد التي لا يكاد يفوقها في روعتها إلا تلك التسابيح التي كان الأتقياء من المسيحيين يحملونها فيما مضى لمريم أم المسيح:

الإلهة عشتار، بالمتحف البريطاني.

أتوسل إليكِ يا سيدة السيدات، يا ربة الربات، يا إشتار، يا ملكة المدائن كلها، ويا هادية جميع الرجال.

أنتِ نور الدنيا ، أنتِ نور السماء ، يا ابنة سن العظيم (إله القمر)...

ألا ما أعظم قدرتك ، وما أعظم مقامك فوق الآلهة أجمعين.

أنت تحكمين وحكمك عدل.

وإليك تخضع قوانين الأرض وقوانين السماء.

وقوانين الهياكل والأضرحة، وقوانين المساكن الخاصة والغرف الخفية.

أين المكان الذي لا يذكر فيه إسمك ، وأين البقعة التي لا تعهد فيها أوامرك،يا ترى؟

إذا ذكر إسمك إهتزت لذكراه الأرض والسماوات، وارتجفت له الآلهة

إنك تنظرين إلى المظلومين، وتنصفين في جميع يوم المهانين المحتقرين

إلى متى يا ملكة السماء والأرض، إلى متى،يا ترى؟

إلى متى يا راعية الرجال الشاحبي الوجوه تتمهلين،يا ترى؟

إلى متى ، أيتها الملكة التي لا تكل قدماها، والتي تسرع ركبتاها،يا ترى؟

إلى متى يا سيدة الجيوش، يا سيدة الوقائع الحربية،يا ترى؟

يا عظيمة، يا من تهابك جميع أرواح السماء

ويا من تخضعين جميع الآلهة الغضاب ،

ويا قوية فوق جميع الحكام ،

ويا من تمسكين بأعنة الملوك،يا ترى؟

يا فاتحة أرحام جميع الأمهات ، ما أجل سناك!

يا نور السماء البراق ، يا نور العالم ،

يا من تضيئين جميع الأماكن التي يسكنها بنوالإنسان ،

يا من تجمعين جيوش الأمم

يا إلهة الرجال ، ويا ربة النساء، إذا مشورتك فوق متناول العقول.

حيث تتطلعين تعود الحياة إلى الموتى ، ويقوم السقمى ويمشون ، ويشفى عقل المريض إذا نظر إلى وجهك

إلى متى، أيتها السيدة، ينتصر عليّ عدوي،يا ترى؟

فمُري، فمتى أمرت ارتد الإله الغضوب

إن إشتار عظيمة! إشتار ملكة! سيدتي، جليلة القدر، سيدتي ملكة، إنينى، ابنة سِنْ القوية. ليس لها مثيل.

كودورو ملي-زيپاك، جالسة على عرش سينا ورمزا شمش (الشمس) وسينا (القمر) وعشتار (نجم)
نبو

وإتخذ البابليون هذه الآلهة شخصيات نسجوا حولها أساطيرهم التي وصل إلينا معظمها عن طريق اليهود ، وأضحت جزءاً من قصصنا الديني. وأول ما نذكره من قصصهم سيرة الخلق. فقد كان في أول الأمر عماء "ففي الوقت الذي لم يكن فيه شيء عال يسمى السماء، ولم يكن شيء وطئ يسمى الأرض، اتى أبوالمحيط، وكان أبا الأمور أول الأمر ، وتيامات العماء ، التي ولدتها كلها، وخلطا ماءهما معا"، وبدأت الأمور تنموعلى مهل وتتخذ لها أشكالاً، ولكن تيامات الآلهة المهولة شرعت تبيد جميع الآلهة الآخرين، لتجعل نفسها- العماء- صاحبة المقام الأعلى. وأعقبت هذا ثورة عنيفة اضطرب منها جميع نظام. ثم اتى إله آخر هومردك وقتل تيامات بدوائها هي. وذلك بأن دفع في فمها ريحاً عاصفة حين فتحته لتبتلعه. ثم طعنها برمح في بطنها الذي انتفخ بما دخله من الريح، فانفجرت إلهة العماء. وتقول القصص بعدئذ حتى مردك "عاد إلى هدوئه" فقسم تيامات ميتة قسمين مستطيلين، كما يقسم الإنسان السمكة ليجففها، "وحمل أحد النصفين إلى الأعلى فكان هوالسماء، وبسط النصف الآخر تحت قدميه فكان الأرض". هذا جميع ما وصل إلى فهمنا حتى الآن عن سيرة الخلق عند البابليين. ولعل الشاعر القديم أراد حتى يوحي إلينا بهذه السيرة أننا لا نعهد عن بداية الخلق إلا حتى النظام قد استبدل بالفوضى والعماء، لأن هذا في آخر الأمر هوجوهر الفن والحضارة. على أننا يجب ألا يغرب عن بالنا حتى هزيمة العماء ليست إلا أسطورة من الأساطير . ولما حتى فتق مردك السماء والأرض ووضعهما في مكانيهما، شرع يعجن الأرض بدمائه ويصنع الناس لخدمة الآلهة. وتختلف القصص البابلية في وصف الطريقة الدقيقة التي تم بها خلق الإنسان ، ولكنها تتفق كلها بوجه عام في حتى القول بأن الإله خلق الإنسان من بترة من الطين ، وهي لا تصفه بأنه كان يعيش في بادئ الأمر في جنة بل تقول إنه كان يعيش عيشة حيوانية في جهل وبساطة حتى اتىه وحش مهول يدعى أونس نصف سمكة ونصف فيلسوف ، وفهمه الفنون والعلوم وتخطيط المدن ومبادئ القانون؛ ولما فهمه إياها هبط إلى البحر وخط كتاباً في تاريخ الحضارة. غير حتى الآلهة لم تلبث حتى غضبت على الناس الذين خلقتهم، فأوفدت عليهم طوفاناً عارماً لتهلكهم وتمحوبه سيئ أعمالهم. وأشفق إي إله الحكمة على البشر وإعتزم حتى ينجي منهم على الأقل رجلاً واحداً هوشمش - نيشتين وزوجته."وظل الطوفان مهتاجاً؛ وغص البحر بالخلق كأنهم سرء السمك". ثم بكت الآلهة على حين غفلة وعضت بنان الندم على غفلتها وسوء تدبيرها وتساءلت "عمن سيقرب لها القربان المعتاد؟"، ولكن شمش- نيشتين كان قد بنى فلكاً ونجا من الطوفان وحط على جبل نزير ، وأوفد يمامة تستطلع؛ ثم قرر حتى يقرب القربان للآلهة، وقبلت الآلهة قربانه وهي مندهشة شاكرة. "وشمت الآلهة الرائحة، شمت الآلهة الرائحة الزكية، وإجتمعت كالذباب فوق القربان". وأجمل من هذه الذكرى الغامضة، ذكرى الطوفان المخرب ، أسطورة إشتار وتموز. وكان تموز حسب نص السيرة السومري أخاً أصغر لإشتار، أما في النص البابلي فهوأحياناً حبيبها وأحيانا ابنها. ويلوح حتى كلا النصين قد سرى إلى أسطورة فينوس (الزهرة) وأدنيس، وأسطورة دمتر وبرستون، وإلى عشرات العشرات من القصص الأخرى التي تتحدث عن الموت والبعث. وتموز هذا، ابن الإله العظيم إي، راع يرعى غنمه تحت أريد الشجرة العظيمة (التي تغطي الأرض كلها بظلها)، وبينما هويرعاها إذا شغفت بحبه إشتار، وهي دوماً ظمأى إلى الحب، واختارته زوجاً لها في شبابها. ولكن خنزيراً برياً يطعن تموز طعنة قاتلة فيهوى كما يهوى جميع الموتى إلى الجحيم المظلم تحت الأرض ، وسمه أرالوعند البابليين ، وكانت تحكمه إرشكجال أخت إشتار التي كانت تغار منها وتحسدها. وتحزن إشتار ويبرح بها الحزن ، فتعتزم النزول إلى أرالولتعيد الحياة إلى تموز وذلك بأن تغسل جروحه في مياه إحدى العيون الشافية. وسرعان ما تظهر عند باب الجحيم في جمالها الرائع وتطلب حتى يؤذن لها بالدخول. وتقص الألواح قصتها في صورة واضحة قوية:

فلما سمعت إرشكجال هذا

كانت كمن يبتر الطرفاء (ارتجفت؟)

وكما يبتر الإنسان قصبة (اضطربت؟)

أي شيء حرك قلبها، أي شيء (خفقت له) كبدها،يا ترى؟

يا من هناك ، (هل) هذه (تريد حتى تقيم) معي،يا ترى؟

وأن تتخذ من الطين طعاماً، وأن تشرب (التراب) خمراً؛

إنني أبكي الرجال الذين فارقوا أزقابلم،

وأبكي النساء اللاتي انتزعن من أحضان أزقابلن؛


والصغار الذين (احتضروا فبل الأوان)،

امضى أيها الخازن وافتح لها الباب،

وعاملها بمقتضى القرار القديم".


وهذا القرار القديم يقضي بألا يُدخل أرالوإلا العراة. وعلى هذا فإن الخازن يخلع عن عشتار ثوباً من ثيابها أوحلية من حليها عن جميع باب يتحتم عليها حتى تجتازه: فيخلع عنها أولاً تاجها، ثم قرطيها، ثم عقدها، ثم حلية صدرها، ثم منطقتها ذات الجواهر الكثيرة، ثم الزركشة البراقة التي في يديها وقدميها، ثم يخلع عنها آخر الأمر منطقة حقويها؛ وتمانع إشتار في رقة، ثم تخضع:


فلما نزلت إشتار إلى الأرض التي لا يعود منها من يدخلها

أبصرتها إرشكجال وأغضبها مجيئها.

وألقت إشتار بنفسها عليها من غير تفكير،

وفتحت إرشكجال فاها وتحدثت إلى نمتار رسولها...

امضى ، يا نمتار ، (واسجنها؟) في قصري ،

وسلط عليها ستين سقماً،

سقم العيون على عينها،

وسقم الجنب على جنبيها،

وسقم الأقدام على قدميها،

وسقم القلوب على قلبها،

وسقم الرأس على رأسها،

على جميع جسدها.


وبينما كانت إشتار حبيسة في الجحيم بما أوفدته عليها أختها، شعرت الأرض بأنها فقدت ما كان يوحي به إليها وجودها على ظهرها، فنسيت جميع الفنون وطرائق الحب، فلم يعد النبت يلقح النبت ، وذبلت الخضر ، ولم تشعر الحيوانات بحرارة، وامتنع الرجال عن الحنين:


ولما نزلت السيدة إشتار إلى الأرض التي لا يعود منها من يدخلها


لم يعل الثور البقرة، ولم يقرب الحمار الأتان


والفتاة في الطريق لم يقترب منها رجل؛

ونام الرجل في حجرته،


ونامت الفتاة وحدها.

وأخذ السكان يتناقصون، وارتاعت الآلهة حين رأت نقص ما ترسله إليها الأرض من القرابين، واستولى عليها الذعر فأمرت إرشكجال حتى تطلق


سراح إشتار ، وتصدع إرشكجال بأمر الآلهة، ولكن إشتار تأبى حتى تعود إلى ظهر الأرض إلا إذا جاز لها حتى تأخذ معها تموز. وتجاب إلى طلبها، وتجتاز وهي ظافرة الأبواب السبعة، وتتسلم منطقة حقويها ثم الزركشة البراقة التي كانت على يديها وقدميها، ثم منطقتها ، ثم حلي صدرها، وعقدها، وقرطيها، وتاجها. فلما ظهرت على الأرض نما النبات وأينع من جديد، وامتلأت الأرض طعاماً، وعاد جميع حيوان يعمل للإكثار من نسل ، وعاد الحب- وهوأقوى من الموت- إلى مكانه الحق سيد الآلهة والأناسي. تلك سيرة جميع ما يراه فيها عالم اليوم أنها سيرة رائعة خليقة بالإعجاب ، ترمز في صورة جميلة ممتعة إلى موات التربة وعودتها إلى الحياة في جميع عام ، إلى ما للحب من قدرة دونها جميع قدرة، وصفها لكريتس في شعره القوي حين تحدث عن الزهرة (فينوس). أم البابليون فكانت لهم تاريخاً مقدساً يؤمنون به أقوى إيمان، ويحتفلون بذكرى وقائعه في يوم يحزنون فيه وينتحبون ويبكون تموز الميت، يتلوه يوم يبتهجون فيه ويمرحون وهويوم بعثه. بيد حتى عقيدة الخلود لم يكن فيها ما تبتهج له نفس البابلي. ذلك حتى دينه كان ديناً أرضياً عميقاً. فإذا صلى لم يكن يطلب في صلاته ثواباً في الجنة بل كان يطلب متسعاً في الأرض ، ولم يكن يثق بآلهته بعد حتى يوارى في قبره. نعم إذا نصاً من نصوصهم يصف مردك بأنه "الذي يحيي الموتى" ، وأن سيرة الطوفان تقول حتى من نجوا منه قد عاشا أبد الدهر. ولكن فكرة البابليين عن الحياة الآخرة كانت في جملتها شبيهة بفكرة اليونان: فكرة أموات- فيهم قديسون وأنذال، وفيهم عباقرة وبلهاء؛ يمضىون كلهم إلى مكان مظلم في جوف الأرض ولا يرى الضوء من بعد ذلك أحد منهم. وكانت هناك جنة ولكنها اختصت بالإلهة، أما أرالوالتي يهبط إليها جميع الناس فكانت داراً للعقاب في معظم الأحوال ولم تكن قط دار نعيم، تقيد فيها أيدي الموتى وأرجلهم أبد الدهر ، وترتجف فيها أجسامهم من البرد ، يجوعون فيها ويظمئون إلا إذا وضع أبناءهم لهم الطعام في قبورهم في أوقات معينة. ومن كان منهم كثير الذنوب على ظهر الأرض لقي فيها أشد العذاب ؛ فسلط عيه الجذام يأكل جسمه أوغيره من الأمراض التي أعدها له ترجال وآلات سيد أرالووسيدتها ليتطهر بها من ذنوبه. وكانت أكثر أجسام الموتى تدفن في قباب ؛ ومنها ما كان يحرق وهوقليل ثم تحفظ بقاياه في قوارير ، ولم تكن الجثث تحنط ، ولكن نادبين محترفين كانوا يغسلون الجثة، ويلبسونها ثياباً حسنة، ويصبغون خديها، ويسودون جفونها ، ويلبسونها خواتم في أصابعها، ويضعون معها بديلاً من الملابس الداخلية التي تلبسها. وإذا كانت الجثة لإمرأة وضعت معها قوارير العطور، والأمشاط، وأقلام الأدهان، وكحل العينين، وذلك لكي تحتفظ بطيب رائحتها وجمال وجهها في الدار الآخرة. وكانوا يعتقدون حتى الميت إذا لم يدفن على خير وجه عذّب الأحياء ؛ وإذا لم يدفن قط حامت روحه حول البالوعات والميازيب تطلب فيها الطعام، وقد تصيب مدينة برمتها بالأوبئة الفتاكة. وهذا كله خليط من الأفكار ليست كلها منطقية متماسكة تماسك الهندسة الإقليدية، ولكن فيها ما يكفي لحفز البابلي الساذج على حتى يقدم لآلهته وقساوسته كفايتهم من الطعام والشراب. وكان الطعام والشراب أكثر ما ُيقرّب من القرابين ؛ وذلك لأن ما يتبقى منها لا يُتلف حتماً إذا لم يطعمه الآلهة. وكثيراً ما كان الضأن يضحى به على المذابح البابلية، وقد وصلت إلينا رقبة بابلية هي سابقة عجيبة لكبش الفداء عند اليهود والمسيحيين: "الكبش فداء للإنسان، الكبش الذي يفتدي به حياته". وكان تقريب القربان من الطقوس المعقدة التي تتطلب كاهن خبير بشئونها. وكانت التنطقيد المتوارثة تقرر جميع عمل يعمل، وكل لفظ ينطق، فإذا أقدم على هذا العمل إنسان هاوغير أخصائي فيه، ثم حاد قيد شعره عن المراسم المقررة، قد يحدث معنى هذا حتى تأكل الآلهة الطعام ولا تصغي للنادىء. وكان الدين عند البابليين يُعنى بالمراسم السليمة أكثر مما ُيعنى بالحياة الصالحة. فإذا شاء الإنسان حتى يؤدي ما يجب عليه نحوالآلهة كان عليه حتى يقرب القربان اللائق للهياكل، ويتلوالصلوات والأدعية المناسبة. أما فيما عدا هذا فقد كان في وسعه حتى يفقأ عين عدوه المهزوم، ويبتر أيادي الأسرى وأرجلهم، ويشوي ما بقى من أجسامهم وهم أحياء، دون حتى يؤذي بذلك آلهة السماء. وكان أبرز ما يجب حتى يعمله البابلي التقي المستمسك بدينه أويشهجر في المواكب الطويلة المهيبة كالمواكب التي كان الكهنة ينقلون فيها صورة مردك من هيكل إلى هيكل، ويمثلون فيها مسرحية موته وبعثه المقدسة، أوحتى يحضر هذه الاحتفالات وهوخاشع ، وأن يطلي الأصنام بالزيوت المعطرة ، ويحرق البخور بين يديها، ويلبسها أحسن الثياب وأغلاها، أويزينها بالجواهر ؛ وأن يقدم عرض إبنته العذراء في إحتفال إشتار العظيم وأن يقدم الطعام والشراب للآلهة، وأنقد يكون كريماً مضيفاً للكهنة. أولعلنا نظلمه كما سيظلمنا المستقبل بلا ريب حين يحكم علينا بالقليل الذي يفترض أن تبقيه المصادفات المحضة من آثارنا، وتنجيه من عبث الزمان. إستمع مثلا إلى ما يقوله نبوخد نصر الفخور مخاطباً مردك في تذلل وخضوع:


إذ لم تكن أنت يا ربي فماذاقد يكون

للملك الذي تحبه وتنادي باسمه،يا ترى؟

وستبارك لقبه حسب مشيئتك،

وتهديه صراطاً مستقيماً.

أنا الأمير الطائع لك،

باق كما صنعتني يداك؛

إنك أنت خالقي ،

وأنت الذي حَكَّمتني في جيوش العباد

وبمقتضى رحمتك، يا مولاي،...

بدِّل قوتك الرهيبة حباً ورحمة،

وابعث في قلبي الاحترام لربوبيتك

وهبني ما ترى فيه الخير لي.


هذا وإن الآداب الباقية لنا من عهد البابليين لتكثر فيها الترانيم التي تفيض بالتذلل الحار التي يحاول السامي حتى يسيطر به على كبريائه ويخفيه عن الأنظار. وأكثر هذه الترانيم في صورة "أناشيد التوبة" وهي تهيئنا لتلك المشاعر العاطفية والصور الرائعة التي نراها في "مزامير" داود. ومن يدري لعل هذه كانت مثالاً احتذته تلك المزامير المتعددة النغمات. أنا خادمك أضرع إليك وقلبي مفعم بالحسرات، إنك لتقبل النادىء الحار الصادر ممن أثقلته الذنوب ، إنك لتنظر إلى الرجل ، فيعيش ذلك الرجل... فانظر إليَّ بعطف حق وتقبل نادىئي... ... ثم يقول بعد ذلك وكأنه لا يعهد أذكر ذلك أم أنثى:


متى يا إلهي؛


متى يا إلهتي ، يتجه وجهك إليَّ،يا ترى؟


متى يا إلهي ، يا من أعهده، ولا أعهده، يهدأ غضب قلبك،يا ترى؟

متى يا إلهتي ، يا من أعهدها ولا أعهدها، يهدأ قلبك الغضوب،يا ترى؟

لقد فسد الإنسان ، وساء حكمه؛

ومَن مِن الأحياء كلهم يعهد شيئا،يا ترى؟

إنهم لا يعهدون أخيراً يعملون أم شراً،

أي إلهي لا تنبذ خادمك ،

لقد ألقى في الوحل فخُذ بيده!

والذنب الذي أذنبته بدله رحمة!

والظلم الذي ارتكبته، مر الريح حتى تحمله!

واخلع عني ذنوبي الكثيرة كما يخلع المرء الثياب!

أي إلهي إذا ذنوبي سبعة في سبعة؛ فاصفح عن ذنوبي!

أي إلهتي إذا ذنوبي سبعة في سبعة؛ فاصفحي عن ذنوبي!

اصفحي عن ذنوبي تريني ذليلاً أمامك

لعل قلبك يبتهج كما تبتهج الأم التي ولدت الأبناء؛

لعله يبتهج كما تبتهج الأم التي ولدت الأبناء، والأب الذي أنجب!


وهذه الأناشيد والمزامير كان ينشدها الكهنة تارة، والمصلون تارة، وتارة ينشدها هؤلاء وأولئك معاً، وهم يتمايلون ذات الشمال وذات اليمين. ولعل أغرب ما في هذه الترانيم والأناشيد أنها- ككل آداب بابل الدينية- خطت باللغة السومرية القديمة. وكان شأن هذه اللغة في الكنيستين البابلية والآشورية كشأن اللغة اللاتينية في الكنيسة الكاثوليكية لا تفترق عنها في شيء. وكما حتى الترنيمة الكاثوليكية قد تحتوي بين سطورها اللاتينية ترجمتها بإحدى اللغات الحديثة، فكذلك نجد لبعض الترانيم التي وصلت إلينا من أرض الجزيرة ترجمة لها باللغة البابلية أوالآشورية بين سطور اللغة السومرية الأصلية "الفصحى" ، على النحوالذي نشاهده في خط بعض تلاميذ المدارس في هذه الأيام. وكما حتى صيغة الترانيم وطقوسها هي التي مهدت لمزامير اليهود وطقوس الكنيسة الكاثوليكية، فإن موضوعاتها تنذر بالترانيم اليهودية والمسيحية الأولى، وترانيم المتطهرة المحدثين ، تلك الترانيم المتشائمة التي يسري فيها شعور بالذنب والخطيئة. ذلك حتى الشعور بالذنب ، وإن لم يكن له شأن كبير في حياة البابليين ، تفيض به ترانيمهم، وتسري فيها كلها نغمة لا تزال باقية في الطقوس السامية وما إشتق منها من ترانيم غير الساميين. وإلى القارئ مثلاً من هذه الترانيم: " رب إذا ذنوبي عظيمة، وأفعالي السيئة كثيرة!... إني أرزح تحت أثنطق العذاب ، ولم يعد في وسعي حتى أحمل رأسي ، إني أتوجه إلى إلهي الرحيم أناديه، وأنا أتوجع وأتألم!... رب لا ترد عنك خادمك!". وكانت فكرة الخطيئة عند البابليين مما جعل هذه التضرعات تصدر عن إخلاص حق شديد. ذلك حتى الخطيئة لم تكن مجرد حالة معنوية من حالات النفس؛ بل كانت كالسقم تنشأ من سيطرة شيطان على الجسم في مقدوره حتى يهلكه. وكانت الصلاة عندهم بمثابة رقية تخرج العفريت الذي أقبل عليه من طوائف القوى السحرية التي كان الشرق القديم يعيش فيها ويخوض عبابها. وكان البابليون يعتقدون حتى هذه الشياطين المعادية للناس تترصده في جميع مكان. فقد كانت تعيش في شقوق عجيبة وتتسلل إلى البيوت من خلال أبوابها، أومن فتحات مزالجها أوأوقابها، وتنقض على فريستها في صورة سقم أوجنة إذا ما ارتكب خطيئة أبعدت عنه إلى حين حماية الآلهة الخيرين. وكان للمردة، والأقزام، والمقعدين، وللنساء بنوع خاص، كان لهؤلاء كلهم في بعض الأحيان القدرة على إدخال الشياطين في أجسام من لا يحبون وذلك بنظرة من "عين حاسدة" . وكان من المستطاع اتقاء شر هؤلاء الشياطين إلى حد ما باستعمال التمائم والطلاسم وما إليها من الرقى والأحاجي. وكانت صور الآلهة إذا حملها الشخص معه تكفي في الغالب لإخافة الشيطان وإبعاده. وكان من أقوى التمائم أثراً قلادة من حجارة صغيرة تسلك في خيط أوسلك وتعلق في العنق؛ على حتى يراعى في الحجارة حتى تكون من النوع الذي تربط الأقوال المأثورة بينه وبين الحظ الحسن، وفي الخيط حتىقد يكون أسود أوأبيض أوأحمر حسب الغرض الذي يريده منه صاحبه. وكان من أشد الخيوط أثراً الخيط الذي يغزل من عنزة لم يقربها تيس. وكان من الحكمة حتى يستعان فضلاً عن هذه الوسائل بالرقى الحارة والطقوس السحرية لإخراج الشيطان من الجسم، كرشه بالماء المحمول من أحد المجاري المقدسة كدجلة والفرات. وكان من المستطاع عمل صورة للشيطان، ووضعها في قارب ، وإلقاؤها في الماء بعد حتى تتلى عليها صيغة خاصة. وإذا أمكن خلق القارب بحيث ينكفئ كان ذلك أفضل. وكان من المستطاع إقناع الشيطان بالرقية السليمة بهجر ضحيته البشرية وتقمص جسم الحيوان- كجسم طير أوخنزير أوحمل، والأخير أكثر شيوعاً. وكانت أكثر الكتابات البابلية التي وجدت في مخطة أشور بانيبال هي الكتابات المحتوية على صيغ سحرية لطرد الشياطين واتقاء أذاها، والتنبؤ بالغيب. ومن الألواح التي وجدت خط في التنجيم، ومنها ما قوائم في الفأل السماوي منه والأرضي، وإلى جانبها إرشادات عديدة تهدي إلى طريقة قراءتها؛ ومنها بحوث في تفسير الأحلام لا تقل براعة وبعداً عن المعقول عن أرقى ما أخرجته بحوث فهم النفس الحديث. ومنها إرشادات في التنبؤ بالغيب ببحث أحشاء الحيوانات أوبملاحظة مكان نقطة من الزيت وشكلها إذا سقطت في إبريق ما. وكان من أساليب التنبؤ الشائعة عند البابليين ملاحظة كبد الحيوان، وقد أخذ ذلك عنهم ما اتى بعدهم من الأمم القديمة. ذلك حتى الاعتقاد السائد عند هذه الأمم هوحتى الكبد مركز العقل في الحيوان والإنسان على السواء. ولم يكن ملك يجرؤ على شن حرب أوالإشتباك في واقعة، ولم يكن بابلي يجرؤ على البت في أمر من الأمور ، أوالإقدام على مشروع خطير ، إلا إذا إستعان بكاهن أوعراف ليقرأ له طالعه بطريقة من الطرق الخفية السالفة الذكر. وليس في الحضارات كلها حضارة أغنى في الخرافات من الحضارة البابلية ، فكل حالة من الحالات وفاة كانت أومولوداً، كان لها عند الشعب شرح وتأويل. وكثيراً ما كان لها تفسير رسمي وديني يصاغ في عبارات سحرية أوخارجة عن السنن الطبيعية. وكان في جميع حركة من حركات النهرين، وكل منظر من مناظر الهجوم، وكل حلم، وكل عمل غير مألوف يأتيه إنسان أوحيوان ، شاهد يكشف عن المستقبل البابلي الخبير العارف ببواطن الأمور. فمصير الملك يمكن التنبؤ به بملاحظة حركات كلب ، كما نتنبأ نحن بطول الشتاء بالتجسس على المرموط. وقد تبدوخرافات البابليين سخيفة في نظرنا، لأنها تختلف في ظاهرها عن خرافاتنا نحن؛ والحق أنه لا توجد سخافة في الماضي إلا وهي منتشرة في مكان ما في الوقت الحاضر. وما من شك في حتى تحت جميع حضارة بحراً من السحر والتخريف والشعوذة، ولعل هذه كلها ستظل باقية بعد حتى يزول من العالم نتاج عقولنا وتفكيرنا.

انظر أيضاً

  • الديانة الآشورية
  • الديانة الفارسية
  • الدين في بلاد الرافدين
  • ديانات الشرق الأدنى القديم
  • الديانة السومرية
  • برج بابل


الهامش

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

للاستزادة

  • Renger, Johannes (1999), "Babylonian and Assyrian Religion", in Fahlbusch, Erwin, Encyclopedia of Christianity, 1, Grand Rapids: Wm. B. Eerdmans, pp. 177–178, ISBN 0802824137 
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:49:03
التصنيفات: WikiProject Ancient Near East articles, Pages with citations using unsupported parameters, الحضارة البابلية, أساطير بلاد الرافدين

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الأردن: إسقاط مُسيّرة محملة بالمخدرات قادمة من سوريا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:18
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

أسعار زيت الزيتون ترتفع لأعلى مستوى على الإطلاق

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:20
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 65%

إطلاق جائزة الازدهار الرقمي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:23:30
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

نيمار يقترب من الانتقال إلى الهلال السعودي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:47
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 57%

القبض على مواطن يروج الحشيش والإمفيتامين في القصيم السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:23:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

عسكريو النيجر يطلبون دعم غينيا لمواجهة "التحديات المقبلة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:58
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

"ماتقيش ولدي" تدعو إلى ملتقى وطني من أجل التصدي للبيدوفياليا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:16
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

صرف 132 مليون ريال مستحقات الدفعة الـ12 لمزارعي القمح المحلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:23:34
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

لسعات العقارب: علاج 62 حالة بأزيلال خلال يوليوز الماضي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:07
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

بسبب الإرث.. تفاصيل صادمة لشخص أحرق شقيقته وأولادها في مصر

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:14
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

رسميا.. كيبا يعوّض كورتوا بدل بونو في ريال مدريد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:54
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

رسميا.. كيبا يعوّض كورتوا بدل بونو في ريال مدريد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:57
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

"ماتقيش ولدي" تدعو إلى ملتقى وطني من أجل التصدي للبيدوفياليا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:12
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

عسكريو النيجر يطلبون دعم غينيا لمواجهة "التحديات المقبلة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:05
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

في دورته الرابعة.. انطلاق مهرجان عمّان السينمائي ب56 فيلماً

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:16
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

نيمار يقترب من الانتقال إلى الهلال السعودي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:53
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

اكتشاف دواء يعيد نمو الأسنان التالفة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:23:33
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

لسعات العقارب: علاج 62 حالة بأزيلال خلال يوليوز الماضي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية