محمد بن سيرين

ابن سيرين هوأبوبكر محمد بن سيرين البصري. التابعي الكبير والإمام القدير في التفسير، والحديث، والفقه، وتعبير الرؤيا، والمقدم في الزهد والورع وبر الوالدين، توفي 110 هـ بعد الحسن البصري بمائة يوم، وكان عمره نيفاً وثمانين سنة.

سمع أبا هريرة وابن عباس وكثيرًا من الصحابة وكان محدثًا فقيهًا إمامًا غزير الفهم، علاَّمة في تفسير الأحلام، رأسًا في الورع ذا نادىبة، لا يرى الرواية بالمعنى. استخطه أنس بن مالك بفارس. وروى له أصحاب الخط الستة وغيرهم وكان عالماً بالحساب، والفرائض، والقضاء، ذا وفرة، يفرق شَعره ويخضب بالحناء، يصوم يوماً ويفطر يوماً. اشتهر ابن سيرين بالورع وكان عالما بارعا بتأويل الرؤى.

مــولده ونشــأته

ولد "محمد بن سيرين" رحمه الله في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. كان أبوه (سيرين) مملوكًا لانس بن مالك الصحابي الجليل، وكان من نصيبه بعد معركة (عين التمر) وهي بلدة غربي الكوفة افتتحها خالد بن الوليد في خلافة ابوبكر الصديق رضي الله عنه، فأعتقه أنس. وأمه اسمها (صفية) وكانت أمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فأعتقها أيضًا. عهد أبوه وأمه بالصلاح وحُسن السيرة.

طلبه للفهم

نشأ "محمد بن سيرين" في بيت تحوطه التقوى والورع واتصل بمجموعة كبيرة من الصحابة، مثل:

زيد بن ثابت
عمران بن الحصين
أنس بن مالك
أبي هريرة
عبد الله بن الزبير

وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر. أقبل "محمد بن سيرين" على هؤلاء الصحابة الكرام ينهل من فهمهم وفقههم وروايتهم لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. نطق هشام بن حسان: «"أدرك محمد ثلاثين صحابياَ"».

من تلاميذه :

قتادة بن نادىمة
يونس بن عبيد
ابن عون
خالد الحذّاء
هشام بن حسان
عوف الأعرابي
قرة بن خالد
مهدي بن ميمون
جرير بن حازم

وغيرهم خلق كثير.

شهرته

اشتهر محمد بن سيرين وذاع صيته وعلت شهرته في البلاد وعُرف بالفهم والورع وقد كانت له مواقف مشهورة مع ولاة بني أمية صدع فيها بحدثة الحق وأخلص النصح لله ولرسوله؛ منها: سأله مرة عمر بن هبيرة والي بني أمية على (العراق): «"كيف هجرت أهل مصرك يا أبا بكر (كنية ابن سيرين)؟!"» فنطق محمد بن سيرين: «"هجرتهم والظلم فيهم فاش وأنت عنهم لاهٍ. فغمزه ابن أخيه بمنكبه"»، فالتفت إليه قائلا: «"إنك لست الذي تُسأل عنهم وإنما أنا الذي أسأل وإنها لشهادة (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)"» فأجزل ابن هبيرة له العطاء فلم يقبل، فعاتبه ابن أخيه قائلا: «"ما يمنعك حتى تقبل هبة الأمير؟"» فنطق: «"إنما أعطاني لخير ظنه بي، فإن كنت من أهل الخير كما ظن، فما ينبغي لي حتى أقبل، وإن لم أكن كما ظن، فأحرى بي ألا استبيح قبول ذلك"».

ورعه

ومن ورع محمد بن سيرين أنه سمع أحد الناس يسب الحجاج بن يوسف بعد وفاته فنطق له:" «"صه يا ابن أخي، فإن الحجاج مضى إلى ربه، وإنك حين تقدم على الله عز وجل ستجد حتى أحقر ذنب ارتكبته في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنب اجترحه الحجاج، فلكل منكما يومئذ شأن يغنيه، وافهم يا ابن أخي حتى الله عز وجل يفترض أن يقتص من الحجاج لمن ظلمهم كما سيقتص للحجاج ممن يظلمونه، فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد"». منح الله ابن سيرين سمتًا صالحًا وقبولا في قلوب الناس، فكان الناس إذا رأوه في السوق وهم غارقون في غفلتهم انتبهوا وذكروا الله وهللوا وكبَّرو.

كانت له تجارة وله بيع وشراء في السوق فإذا عاد إلى بيته بالليل أخذ في القيام يتلوالقرآن ويبكي. وكان في تجارته ورعًا لدرجة أنه ذات مرة اقتنى زيتًا بأربعين ألفًا مؤجلة، فلما فتح أحد زقاق الزيت عثر فيه فأرًا ميتًا متفسخًا فنطق في نفسه: «"إن الزيت كله كان في المعصرة في مكان واحد وإن النجاسة ليست خاصة بهذا الزيت دون سواه، وإن رددته للبائع بالعيب فربما باعه للناس. فأراق الزيت كله"».

من عجائب تفسيره للأحلام

عن يوسف الصباغ عن ابن سيرين نطق : «"من رأى ربه تعالى في المنام ولج الجنة"».
عن خالد بن دينار نطق : «"كنت عند ابن سيرين فأتاه رجل فنطق يا أبا بكر رأيت في المنام كأني أشرب من بلبلة لها مثقبان فوجدت أحدهما عذبا والآخر ملحا نطق ابن سيرين اتق الله لك امرأة وأنت تخالف إلى أختها"».
عن أبي قلابة حتى رجلا نطق لابن سيرين : «"رأيت كأني أبول دما نطق تأتي امرأتك وهي حائض نطق نعم نطق اتق الله ولا تعد"».
عن أبي جعفر عن ابن سيرين : «"أن رجلا رأى في المنام كأن في حجره صبيا يصيح فقص رؤياه على ابن سيرين فنطق اتق الله ولا تضرب العود"».
عن حبيب : «"أن امرأة رأت في المنام أنها تحلب حية فقصت على ابن سيرين فنطق ابن سيرين اللبن فطرة والحية عدووليست من الفطرة في شيء هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء"».
رأى الحجاج بن يوسف في منامه رؤيا كأن حوراوين أتتاه فأخذ إحداهما وفاتته الأخرى فخط بذلك إلى عبد الملك فخط إليه عبد الملك هنيئا يا أبا محمد فبلغ ذلك ابن سيرين فنطق : «"أخطأت هذه فتنتان يدرك إحداهما وتفوته الأخرى نطق فأدرك الجماجم وفاتته الأخرى"».
رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته نطق يموت الحسن البصري وأموت بعده هوأشرف مني.
نطق رجل لابن سيرين فنطق : «"إني رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر فنطق اتق الله وعاود القرآن فإنك رجل قرأت القرآن ثم نسيته"».
نطق رجل لابن سيرين فنطق : «"رأيت كأني أحرث أرضا لا تنبت نطق أنت رجل تعزل عن امرأتك"».
نطق رجل لابن سيرين فنطق : «"رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي وهولا ينقى نطق أنت رجل مصارم لأخيك"».
نطق رجل لابن سيرين فنطق : «"رأيت كأني أطير بين السماء والأرض نطق أنت رجل تكثر المنى"».
اتى رجل لابن سيرين فنطق : «"إني رأيت كأني على رأسي تاجا من مضى فنطق له ابن سيرين اتق الله فإن أباك في أرض غربة وقد مضى بصره وهويريد حتى تأتيه نطق فما راده الرجل الكلام حتى أدخل يده في حجزته فأخرج كتابا من أبيه يذكر فيه ذهاب بصره وأنه في أرض غربة ويأمر بالإتيان إليه"».

ثناء الفهماء عليه

نطق مورق العجلي: «"ما رأيت رجلا أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين"».

نطق ابن عون: «"كان محمد يأتي بالحديث على حروفه"» ونطق أيضاً: «"ما رأيت مثل محمد بن سيرين ونطق حماد بن زيد، عن عثمان البتى"»، نطق: «"لم يكن أحد بالبصرة أفهم بالقضاء من ابن سيرين. وعن حماد أيضاً عن عاصم، سمعت مورقاً العجلي"» يقول: «"ما رأيت أحدا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين"». نطق ابن عون ثلاثة لم تر عيناي مثلهم: «"ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، وراتى بن حيوة بالشام، كأنهم التقوا فتواصوا"». نطق أبوعوانة: «"رأيت محمد بن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله"». نطق محمد بن جرير الطبري: «"كان ابن سيرين فقيهًا، عالمًا، ورعًا، أديبًا، كثير الحديث، صدوقًا، شهد له أهل الفهم والفضل بذلك، وهوحجة"».

احتياطه في الحديث والإفتاء وبعض أموره

نطق مهدي بن ميمون: «"رأيت محمد بن سيرين يحدث بأحاديث الناس، وينشد الشعر، ويضحك حتى يميل، فإذا اتى بالحديث من المسند كلح وتقبض. نطق أشعث: كان ابن سيرين إذا سئل عن الحلال والحرام، تغير لونه حتى نقول: كأنه ليس بالذي كان"».

نطق ابن شبرمة: «"دخلت على محمد ابن سيرين بواسط فلم أر أجبن من فتوى منه، ولا أجرأ على الرؤيا منه"». نطق هشام: «"ما رأيت أحدًا عند السلطان أصلب من ابن سيرين"». وكان ابن سيرين قد حبس في السجن على دين أصابه وقد حبسه مالك بن المنذر، وقدر روى عبد الحميد بن عبد الله حتى السجّان نطق لإبن سيرين: «"إذا كان الليل فأمضى إلى أهلك فإذا أصبحت فتعال"». فنطق ابن سيرين : «"لا والله، لا أكون لك عونًا على خيانة السلطان"».

عن ابن عون نطق: «"أن محمد كان إذا كان عند أمه لورآه رجل لا يعهده افترض حتى به سقمًا من خفض كلامه عندها"».

شبهات حول صحة نسبة كتاب تفسير الأحلام

من المشهور عند العامة والمتداول بينهم كتاب تفسير الأحلام المنسوب لإبن سيرين. والسليم ان هذا الكتاب المتداول ليس من تأليف ابن سيرين فمع كثرة ثناء الفهماء على ابن سيرين وفي تراجمهم له لم يذكر أحد منهم قط انه ألف كتابا لتفسير الأحلام. هذا بالإضافة إلى حتى ابن سيرين وبرغم معهدته بالكتابة فإنه لم يخط بنفسه بل خط عنه تلامذته. وقد تحدث مشهور بن حسن آل سلمان أحد مشايخ الدعوة السلفية في الأردن، في كتابه: " خط حذر منها الفهماء " (2/275 - 284) كلاما عن صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن سيرين، وكذلك عن كتاب آخر منسوب إليه، وهو" منتخب الكلام في تفسير الأحلام "، خلُص إلى عدم صحة نسبة الكتاب إلى ابن سيرين. والسليم ان كتاب تفسير الأحلام المشهور بين العامة حاليا هوللعالم الفقيه الشافعي عبد الملك بن محمد الخركوشي النيسابوري المعروف بـأبي سعد الواعظ، المتوفى سنة 407.

وفاته

نطق ابن عون: كانت وصية محمد بن سيرين لأهله وبنيه: «"أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم وأن يطيعوا الله ورسوله إذا كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به"» وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ «"وأوصاهم ألا يدعوا حتىقد يكونوا إخوان الأنصار ومواليهم في الدين، فإن العفاف والصدق خير وأبقى وأكرم من الزنى والكذب"». نطق غير واحد: «"مات محمد بعد الحسن البصري بمائة يوم، سنة عشر ومئة"». توفي محمد بن سيرين بعد حتى عٌمر حتى بلغ السابعة والسبعين عامًا.