إعصار قُمعي (تورنادو)

عودة للموسوعة

إعصار قُمعي (تورنادو)

أصبحت العواصفُ التي تتخذ شكلا لولبيا مفهومة إلى حد كبير،

إلا حتى كيفية تشكُّل هذه الدوامات العنيفة مازالت أمرا يكتنفه الغموض.

<R. ديڤيس-جونز>

هجر هبوط إعصار قمعي (الصورة الكبيرة) في شمال أوكلاهوما في 12/4/1991 رقعة من الدمار طولها 800 متر. وفي 31/5/1990 ظهر للعيان واحد من سلسلة أعاصير من عاصفة رعدية منظمة تنظيما عاليا في لسان من الأرض يشبه المقلاة في ولاية تكساس (الصورة الصغيرة). وقد دمر هذا الإعصار القمعي عدة أبنية ضمن خط مروره الذي بلغ عرضه 1600 متر.

كان ربيع عام 1995 موسما لأعاصير قمعية شديدة الهيجان في الولايات المتحدة. ففي الشهرخمسة وحده هبَّ ما يقدر عدده بنحو484 إعصارا قمعيا راح ضحيتها 16 شخصا وأتلفت ممتلكات قيمتها ملايين الدولارات. وكان المختبر الوطني للعواصف العنيفة National Severe Storms Laboratory NSSL في نورمان بولاية أوكلاهوما يرسل لي ولزملائي في تكساس أوكنساس، يوما بعد يوم، تنبؤات بعواصف عنيفة، تصلنا أحيانا الساعة الثالثة فجرا. وكنا نضطر أحيانا، ونحن مرهقون بعد جلسة الاستماع في الساعة التاسعة صباحا إلى الموجز اليومي عن الوضع، إلى بدء العمل مجددا على أمل جمع معلومات قيِّمة أخرى حول تشكل الأعاصير القمعية.

وقد كشفت خرائط الطقس يوم الثلاثاء الموافق 16/5/1995 عن وجود خطر بحدوث أعاصير قمعية بعد ظهر ذلك اليوم في كنساس. وبالعمل ثارت عواصف رعدية شديدة بحلول الساعة الخامسة بعد الظهر، غذتها رياح جنوبية دافئة ورطبة، ارتفعت ودارت في تيار هوائي صاعد. وكانت العاصفة تعبير عن «خلية فائقة»(1) supercell منظمة إلى حد كبير، بحيث تشكل أرضية مثالية لاستيلاد إعصار قمعي. وقد لمحتُ مع <W .گارگان>: (طالب دراسات عليا في جامعة أوكلاهوما) ونحن نقترب من العاصفة من الجنوب الشرقي بسيارتنا المزودة بالأجهزة الفهمية المسماة probe 1، قمة العاصفة الهائلة التي ترتفع عشرة أميال من على بعد 60 ميلا. وكانت العاصفة الرعدية تندفع بسرعة 30 ميلا في الساعة باتجاه شرق ـ شمال شرق، وهي حركة مثالية تماما في السهول العظيمة Great Plains.

وعندما صرنا على بعد عشرة أميال من العاصفة، ونحن نقترب منها على الطريق رقم 50، رأينا لأول مرة قاعدة السحابة الطويلة الداكنة. وعلى بعد بضعة أميال لفت نظرنا إعصار على شكل خرطوم الفيل متدليا من مؤخرة برج السحابة الرئيسية قرب مدينة گاردن سيتي. ثم فقدنا رؤية الإعصار ونحن نحاول القيام بمناورة للاقتراب منه من السبل فرعية مرصوفة، إلا أننا ما لبثنا حتى لمحناه تارة أخرى على بعد أربعة أميال إلى الشمال الغربي منا. ولقد كان رفيعا يمتد أفقيا في خط غير مستقيم وراء السحابة الأم، قبل حتى يلتوي فجأة تجاه الأرض بزاوية قائمة. وبدا لنا واضحا أنه كان يُدفع بعيدا عن السحابة، بعمل هواء بارد ينساب إلى أسفل من العاصفة نحوالأرض، ومقتربا من نهايته.

يمكن اكتشاف بصمة إعصار قمعي بوساطة رادار دوپلر قبل هبوطه إلى الأرض بزمن يصل إلى 20 دقيقة. كما يمكن حتى يشير تغير الرياح في السحب بصورة مفاجئة عبر مسافة قصيرة إلى وجود دوامة عملية أوإلى احتمال حدوثها، كما هي الحال بالنسبة لإعصار قمعي (في الأعلى) شاهده المؤلف في هانستون، كانزس في 16/5/1995. ويبدوإعصار متوسط، وهوالذي يطوق بإحكام، عادة، الأعاصير القمعية، على شاشة رادار تقليدي، وكأنه ذيل له شكل كلاّب أومنجل، في الجانب الجنوبي الغربي من العاصفة الرعدية. أما اللفّة في كلاّب الرادار (في الأسفل) فهي لعاصفة في هانستون، وهي تكشف بدورها عن وجود إعصار قمعي.

خلايا فائقة

أدت معظم الأعاصير القمعية إلى تدمير ممراتها التي يبلغ عرضها 150 قدما وهي تتحرك بسرعة 30 ميلا في الساعة ـ تقريبا ـ وتمكث بضع دقائق فقط. وقد يربوعرض الإعصار العظيم التدمير على الميل وهوينساب بسرعة تزيد على 60 ميلا في الساعة، وقد يبقى على الأرض أكثر من ساعة. والأعاصير القمعية في نصف الكرة الشمالي، كتلك المدمِّرة التي تحدث في الولايات المتحدة وشمال شرقي الهند وبنغلاديش، تدور دائما بعكس اتجاه عقارب الساعة عندما تُرى من أعلى. أما الأعاصير القمعية في نصف الكرة الجنوبي ـ كتلك التي تتشكل في أستراليا ـ فإنها تميل للدوران مع اتجاه عقارب الساعة. وهذه الاتجاهات تدعى الاتجاهات الحلزونية أوالإعصارية.

وقد اكتشف <E.M. بروكس> (من جامعة سانت لويس) عام 1949 ـ وهو يفهم الكيفية التي يتغير فيها ضغط الهواء في محطات الرصد الجوي القريبة من الأعاصير القمعية ـ حتى هذه الأعاصير القمعية تتولد عادة داخل كتل أكبر من الهواء الدوار تدعى الأعاصير المتوسطة mesocyclones. وقد ظهر على شاشة الرادار في أوربانا بولاية إلينوي عام 1953 إعصار متوسط على شكل ذيل معقوف على الجانب الجنوبي الغربي من الصدى الراداري للعاصفة. ولأن المطر يعكس الموجات المكروية (الصغرية) الصادرة عن الرادار، فإن الشكل المعقوف يشير إلى حتى المطر كان يُسحب إلى داخل ستارة تدور بشكل حلزوني (إعصاري). وخلال عام 1957 درس<T. .T فوجيتا> (من جامعة شيكاغو) واختبر صورا وأفلاما التقطها سكان محليون لقاعدة وجوانب عاصفة إعصارية في ولاية داكوتا الشمالية، فوجد حتى معظم برج السحابة كان يدور إعصاريا.

وفي الستينات، تمكن <K.A. براونينگ>، خبير أرصاد بريطاني كان في زيارة للمشروع الوطني للعواصف الشديدة National Severe Storms Project، وهومؤسسة الأبحاث التي كانت قائمة قبل تأسيس المختبر الوطني للعواصف الشديدة (NSSL)، من تشكيل صورة دقيقة للغاية للعواصف الإعصارية، وذلك من معلومات رادارية جمعت مع بعضها البعض. وقد تبين له حتى معظم الأعاصير القمعية تولد داخل عواصف تتصف بالضخامة والعنف سماها الخلايا الفائقة. كما تبين له حتى هذه الأنظمة القوية تتطور في بيئات غير مستقرة إلى حد كبير، حيث تتغير فيها الرياح بشكل جذري من حيث الارتفاع. وحيث يتوضع الهواء البارد والجاف فوق هواء دافئ ورطب في طبقة يبلغ عمقها ميلا فوق سطح الأرض. وتفصل بين الكتلتين الهوائيتين طبقة رقيقة ومستقرة، حاجزة عدم الاستقرار.


الهجريب البنيوي لإعصار قمعي

تتشكل خلية فائقة لعاصفة رعدية عندما يخترق هواء دافئ ورطب طبقة مستقرة فوقه ويتحرك إلى الأعلى عبر هواء بارد وجاف. ويميل التيار الصاعد في نصف الكرة الشمالي إلى الشمال الشرقي ويدور عكس اتجاه عقارب الساعة عندما يُنظر إليه من الأعلى. وتُنقص حزم الهواء الدافئة سرعتها داخل طبقة الستراتوسفير وتسقط إلى الأسفل وتنتشر على الجوانب في «السندان». وتهطل أمطار من تيار صاعد مائل متوضع في الجزء الشمالي الشرقي من العاصفة ضمن هواء جاف في المستويات المتوسطة، مبردة إياه، مما يسبب هبوطه نحوالأسفل. وتجذب الحركة الدورانية للخلية الفائقة بعضا من هذه الأمطار والهواء البارد المحيط بها إلى الجانب الغربي من العاصفة. ويلتقي هواء دافئ وهواء مُبرَّد بالمطر قرب سطح الأرض في حد مضطرب يسمى جبهة الهبات العاصفة. وتميل السحب الحائطية المنخفضة والأعاصير القمعية إلى التشكل على طول هذا الخط قرب طرف مستدق يشير إلى مركز دوران العاصفة.

ويمكن لهذا الحاجز حتى يُتلف ويفتح إذا سخنت الشمسُ كتلة الهواء في الطبقة السفلى، أوإذا غزاه نظام طقس آخر. وتعتبر الجبهات الهوائية والتيارات النفاثة واضطرابات الطبقات العليا من الزائري المعتادين للسهول العظيمة خلال موسم الأعاصير القمعية، وكلها قد تدفع الهواء من الطبقات السفلى إلى أعلى. ولأن ضغط الهواء ينخفض مع الارتفاع، فإن حزم الهواء المرتفعة تتمدد وتبرد، وعندما تصل إلى علومناسب، تبرد بما يكفي لبدء تكثف بخار الماء فيها على شكل قطيرات ضبابية، معضلة قاعدة سحابة منبسطة.

ويطلق بخار الماء خلال تكاثفه الحرارة الكامنة فيه رافعا درجة حرارة حزم الهواء. وتصل هذه الحزم إلى ازدياد تصبح فيه أكثر دفئا من محيطها، ومن ثم تعلوبحرية إلى ارتفاعات شاهقة بسرعة تصل إلى 150 ميلا في الساعة، معضلة رأسا برجيا رعديا. وتعمل الرياح القاصة على تغيير اتجاه الرياح الصاعدة نحوالشمال الشرقي.

تعيد محاكاة حاسوبية لخلية فائقة تشكيل إعصار قمعي ضعيف وعريض، وذلك عن طريق حل معادلات هايدرودينامية للماء والهواء على شبكة متسامتة من النقاط تمثل الفضاء. وعندما تبدأ العاصفة (الشكل a، 43 دقيقة بعد بدء المحاكاة) وتتطور (الشكل b، 101 دقيقة) فإن الشبكة المتسامتة (غير مرئية) تتعزز على التعاقب بمزيد من النقاط الدقيقة المتشابكة؛ والتي لا تبعد عن بعضها البعض سوى 0.1 كيلومتر في مناطق الدوران الشديد. ويبدوواضحا المركز الدوّام للعاصفة وهويُشاهد من الأسفل (الشكلc ، 103 دقائق). وقد تعمّدنا عدم إظهار الأمطار الهاطلة من السحب الداكنة بغية الحصول على صورة واضحة؛ وإضافة إلى ذلك تم جعل سحابة حائطية كثيفة تصل إلى الأرض شفافة. وتبدوأيضا دوّامة بيضاء بدأت من مكان عال في السحب (الشكل d ، 104 دقائق) وقد هبطت إلى سطح الأرض بسرعة (الشكل e ، 107 دقائق).

وتلتحم قطيرات الماء خلال ارتفاعها لتشكل قطرات مطر. وتتغير قدرة الطفوللحزم الهوائية جزئيا نتيجة ما فيها من ماء وثلج. وعندما تصل هذه الحزم إلى طبقة الستراتوسفير تفقد قوة اندفاعها وتهبط إلى علونحوثمانية أميال، حيث تتدفق على الجوانب معضلة «سندان» العاصفة. وتتبخر قطرات الماء الهاطلة خارج تيار الرياح الصاعدة في هواء جاف متوسط الارتفاع على الجانب الشمالي الشرقي للخلية الفائقة، مما يؤدي إلى تبريد هذا الهواء وهبوطه إلى سطح الأرض. وبمرور الوقت تسحب الأمطار والتيار الهابط إلى جوار التيار الصاعد بقوة دوران العاصفة. وبسبب كون نسبة الرطوبة في الهواء البارد أعلى منها في الهواء الدافئ فإنه يصبح غائما على ارتفاعات أقل إذا ما أُجبر على الارتفاع. إلى غير ذلك تتشكل سحابة منخفضة عندما يمتص التيار الصاعد جزءا من هذا الهواء.

وخلافا لمعظم العواصف الرعدية، التي تحوي عدة تيارات صاعدة وأخرى هابطة يتداخل بعضها مع بعض، فإن الخلايا الفائقة تحوي خلية أوخليتين، جميع منهما فيها تياران متعايشان أحدهما تيار هابط والآخر تيار صاعد عريض ودوار. ويسمح مستوى التنظيم العالي لخلية فائقة بالاستمرار مدة طويلة في حالة تكاد تكون مستقرة وشديدة الفعالية، مما يفضي إلى تشكيل الإعصار القمعي. وربما بدأت منطقة تيار صاعد، طول نصف قطرها يتراوح بين ميل واحد وثلاثة أميال، بالدوران مع رياح تصل سرعتها إلى 50 ميلا في الساعة أوأكثر، مشكِّلة إعصارا متوسطا. وقد تُطوِّر العاصفة عندئذ دورانا على علومنخفض، وربما أيضا إعصارا قمعيا ـ عادة إلى الجانب الجنوبي الغربي من التيار الصاعد بالقرب من التيار الهابط المجاور، في حين حتى الإعصار المتوسط قد يحدث إما تام النموأوأنه آخذ في التلاشي التدريجي.

وفي نهاية المطاف، يتلاشى الإعصار المتوسط في غطاء من المطر، عندما يبتر تيارَه الصاعدَ قرب سطح الأرض هواءٌ بارد جدا يهب من قلب التيار الهابط. أما في الخلايا الفائقة المستمرة، فقد يحدث إعصار متوسط حديث قد تشكل سلفا على بعد بضعة أميال إلى الجنوب الشرقي من ذلك المتلاشي، على طول جبهة للرياح العاصفة الناشطة ـ وهي الحدود بين كتلتي الهواء الحارة والباردة. وعندئذ قد يتشكل إعصار قمعي حديث بسرعة.

القوة التدميرية

يكشف الضرر الذي تسببه الأعاصير القمعية للأبنية ـ كهذا المنزل في تكساس ـ والمسافات التي تُحمل إليها الأجسام الثقيلة، عن السرعة المفرطة التي تصل إليها الرياح قرب سطح الأرض. ففي السبعينات توصلت مؤسسة أبحاث الكوارث في لوبوك بولاية تكساس، إلى نتيجة مفادها حتى حدوث أسوأ الأضرار يحتاج رياحا تصل سرعتها إلى 275 ميلا في الساعة. ولاحظ المهندسون أيضا حتى جدران الأبنية اللقاءة للرياح، وهي تقع غالبا في الجنوب الغربي، تسقط بشكل دائم تقريبا إلى داخل الأبنية ـ مما يشير ضمنا على حتى الأبنية إنما تتضرر في معظم الأحيان نتيجة القوة الهائلة للرياح، وليس نتيجة للانخفاض المفاجئ في الضغط الجوي. ونتيجة لذلك لم يعد يُنصح سكان «مجاز الأعاصير القمعية» Tornado Alley في الغرب الأوسط الأمريكي بفتح النوافذ لتقليل الضغط داخل منازلهم. وكانت هذه النصيحة تتسبب في إصابة الكثير من الناس بجروح من جراء الزجاج المتطاير عندما يُهرعون لفتح النوافذ، كما لم يعد ينطق للسكان إذا عليهم حتى يختبئوا في الزوايا الجنوبية الغربية من المنزل ـ حيثقد يكونون معرضين لخطر بالغ بسقوط الجدران فوقهم. ويتم حث السكان حاليا على الاختباء داخل خزانة بوسط المنزل لكي يحصلوا على حماية إضافية من الجدران الداخلية المعرّضة للسقوط.


تعقُّب الإعصار القمعي

لف المختبر الوطني للعواصف العنيفة NSSL مشروعا لاعتراض الإعصار القمعي في الفترة ما بين عامي 1972 و1986 وذلك من أجل تحديد متى وأين يمكن حتى يظهر إعصار قمعي. وقد حصلت فرق الاعتراض، مبدئيا، على شريط فيلمي لقياس سرعات الرياح القصوى، كما أُمدَّت بـ «حقائق أرضية» لأرصاد الرادار، إلا حتى فوائد أخرى تتالت.. فقد لاحظ المتعقبون حتى الأعاصير القمعية تتشكل غالبا في أجزاء من عاصفة خالية من الأمطار والبرق، مستبعدين بذلك نظريات اعتمدت على هذه المثيرات في تبرير حدوث الأعاصير القمعية. وفي عام 1975 تم تسجيل إعصار قمعي مضاد نادر. ولأن دورانه كان مغايرا لدوران الأرض، فإنه لم يكن مجرد تجسيم لدوران الكوكب.

واستضاف المختبر الوطني للعواصف العنيفة NSSL مشروعا آخر خلال فصلي الربيع عامي 1993 و1994 تحت عنوان: تجربة التحقق من مصادر الدوران في الأعاصير القمعية (VORTEX). وبموجب المشروع يقوم أسطول من العربات المقفلة بإجراء قياسات داخل الخلايا الفائقة وقربها. ويتولى قيادة إحدى هذه العربات المنسق الميداني <E.N. راسموسين> وهومن المختبر NSSL، الذي يعمل مع متخصصين في الأرصاد الجوية يتخذون من المراكز الرئيسية في نورمان مقرا لهم لاختيار عاصفة ما كهدف، والقيام بتنسيق كافة الأرصاد التي يجمعونها. وقد زُودت خمس عربات بأجهزة لقياس اتجاه وسرعة الرياح العليا بوساطة بالونات الرصد (السبر) balloon soundings داخل العواصف وبالقرب منها، فيما أقيمت محطات لرصد عناصر الطقس على سقوف 12 عربة أخرى. وثبتت أجهزة هذه المحطات بحيث تكون على ازدياد عشر أقدام عن سطح الأرض، أي أعلى من الهواء المزاح بوساطة العربات. أما المعلومات التي تجمعها فيتم تخزينها واسترجاعها بوساطة حواسيب موجودة داخل العربات.

وتهدف إحدى هذه العربات الاثنتي عشرة إلى الحصول على فيلم مصور للأعاصير القمعية من أجل تحليلها، وتنشر عربتان أخريان تسع سلاحف (قمريات) Turtles، وقد سُمّيت هكذا لأنها تشبه سلاحف البحر في الشكل. وهذه السلاحف هي حزم من الأجهزة وزنها 40 رطلا مصممة لتصمد أمام الإعصار القمعي، وقد زودت بمجسات (محسات) sensors، مخفية تماما بتروس واقية من الرياح لقياس درجات الحرارة والضغط، ووضعت في أمكنة تسبق الأعاصير القمعية، بحيث تبعد إحداها عن الأخرى مسافة 100 ياردة.

وأطلق على العربات التسع الباقية اسم: المسبارات probes؛ ومهمتها الوحيدة جمع معلومات عن الطقس في مناطق محددة من العاصفة. ومهمة المسبار رقم 1 قياس نسبة الزيادة أوالنقصان في درجة الحرارة في أمكنة قرب الإعصار القمعي أوالإعصار المتوسط وإلى الشمال منهما، وهي أمكنة يسقط فيها البَرَد بشكل متكرر وفي فترات متقاربة. وقد حطمت حبات البَرَد، التي يبلغ حجم الواحدة منها حجم الكرة اللينة، الزجاج الأمامي للمسبار رقم 1 مرتين في ربيع عام 1995.

بعد حتى تلاشى الإعصار في يوم الثلاثاء ذاك، 16/5/1995، هُرعنا نحوالشرق لنكون جنبا إلى جنب مع العاصفة بغية العثور على إعصار متوسط جديد. وقد صادَفَنا، ونحن ننطلق في خط متعرج تحت المطر على طرقات مغطاة بالحصى، صفين من أعمدة الطاقة، يصل عددها إلى ثمانية، مطروحة أرضا في الحقول، وقد قُصمت من علوقدمين عن سطح الأرض. مما يؤكد أنه كان هناك إعصار قمعي شديد محجوبا بالأمطار إلى الشمال الشرقي منا. (قرأت في صحف اليوم التالي حتى 150 عمودا قد سقطت).

ورأينا على بعد نحو30 ميلا باتجاه الشرق سحابة حائطية دوارة تشبه قاعدة العمود، متوضعة على بعد بضعة أميال من قاعدة السحابة الرئيسية. وبدا لنا إعصار قمعي ضيق، ليس منطلقا من السحابة الحائطية الداكنة، كما هومعتاد، ولكن من قاعدة سحابة مجاورة أعلى منها. وكانت هذه الدوامة تصل إلى الأرض فترات قصيرة رافعة الحطام، ولكن لم يدم بقاؤها سوى دقائق قليلة كسحابة قمعية عالية، ومن دون حتى تَظهر أي إشارات أودلائل مرئية على وجود اتصال بينها وبين الأرض.

وتشكلت سحابة حائطية جديدة إلى الشمال الشرقي ما لبثت حتى صارت من الضخامة والانخفاض بشكل ينذر بالسوء. ولكنها لم تؤد، مع ذلك، إلى تشكل إعصار قمعي. كما تطورت بالقرب من جيتمور عاصفة جديدة في مكان يقع إلى الجنوب من تلك التي كنا نلاحقها. وانطلقنا شمالا لكي نتأكد من حتى العاصفة الأولى كانت تَفْقد في حقيقة الأمر إمكانات تشكيل إعصار قمعي، ثم عُدْنا أدراجنا واتجهنا جنوبا نحوالعاصفة الجديدة.

الأعاصير القمعية ذات القمة التي تشبه لوح المنضدة

ساعدت التجارب المختبرية على شرح السبب في كون الأعاصير القمعية قادرة على اتخاذ أشكال مختلفة. ففي الستينات خلق <N.B. وارد> (من المختبر الوطني للعواصف العنيفة (NSSL) بولاية أوكلاهوما جهازا قام بتحسينه <J.T.سنو> وآخرون في جامعة پوردو. وفي هذا الجهاز يدوَّم الهواء نحوالأعلى بوساطة شاشة دوارة عندما يدخل حجيرة سفلية، ومن ثم يتدفق نحوالأعلى إلى حجرة رئيسية عبر فتحة مركزية واسعة بقوة مراوح عادم موجودة في الأعلى. وقد استطاع هذا الجهاز حتى يكرر الكثير من خصائص الأعاصير القمعية الحقيقية، مثل نماذج الضغط الجوي قرب السطح الأسفل. وقد وجدْتُ في عام 1973، وأنا أعيد تفسير النتائج التي توصل إليها وارد، حتى الباراميتر (المَعْلَم) الحاسم في تشكّل الإعصار القمعي هونسبة التدويم S التي كان أول من استخدمها <W.S.لويلين> (من جامعة ويست ڤيرجينيا). وS هي نسبة السرعة المماسية على طرف فتحة التيار الصاعد (التي يسيطر عليها دوران الحاجز) إلى متوسط السرعة المتجهة نحوالأعلى عبر الفتحة (المحددة بوساطة المروحة). وعندما تكونS أقل من 0.1 لاقد يكون هناك دوامة. ولكن عندما تزداد S، تظهر دوامة لها دفع نفاث قوي نحوالأعلى في المستويات الدنيا (في اليمين). أما عندما ترتفع قيمة S إلى أكثر من 0.45 فتصبح الدوامة مضطربة تماما يرافقها تيار هابط مركزي محاط بتيار صاعد قوي. وعند نسبة التدويم الحرجة، وهي نحو1.0، يتشكل زوج من الدوامات على الطرفين المتقابلين للدوامة الأم، أما إذا كانت النسبة أعلى من ذلك، فإنه يُشاهد ـ فقط ـ ما يصل إلى ست دوامات فرعية

بصمة (شارة) الدوامة

ويَستخدم مشروع تجربة التحقق من مصادر الدوران في الأعاصير القمعية (VORTEX)، إضافة إلى ما ذكر سابقا، طائرتين تحلقان حول العاصفة، فضلا عن ثلاث عربات أخرى. وتنشر هذه كلها رادار دوپلر وأجهزة تعطي معلومات حيوية عن جريان الهواء في الأعاصير القمعية. وقد منح رادار دوبلر الحديث الذي صنعه عام 1995 <J. وورمان> و<J.M. ستراكا> (من جامعة أوكلاهوما) تفصيلات لم يسبق لها مثيل عن الأعاصير القمعية.

وتقيس رادارات دوپلر، المخصصة لرصد الطقس، سرعة الرياح عن بعد، وذلك عن طريق إصدار نبضات ميكرويڤ . وتتلقى هذه الرادارات انعكاسات تلك النبضات على مجموعة من قطرات المطر أوذرات الثلج، فإذا كانت القطرات تتحرك نحوالرادار، فإن النبض المنعكسقد يكون على طول موجة أقصر تُظْهِر مركبة سرعة القطرات في ذلك الاتجاه. (تستخدم شرطة الولاية أجهزة مماثلة لقياس سرعة السيارات).

لقد أكدت القياسات الأولى لرادار دوپلر عام 1971 حتى الرياح داخل «منجل» hook تدور بالعمل بسرعات تصل إلى نحو50 ميلا في الساعة. ويتبع هذا الدوران ـ الذي يظهر أول ما يظهر على ازدياد نحوثلاثة أميال ـ دوران على ارتفاعات أخفض بكثير يسبق تطور أي إعصار قمعي شديد، وقد تصادف ظهور شذوذ صغير في عاصفة على خريطة دوپلر للسرعة ـ فوق يونيون سيتي بولاية أوكلاهوما عام 1973 ـ في الزمان والمكان مع إعصار قمعي عنيف.

إن الرادار لم يستطع حتى «يرى» أويحلل الإعصار القمعي مباشرة، بل أظهر رياحا عالية تغير اتجاهاتها بشكل مفاجئ عبر الإعصار والإعصار الذي سبقه داخل السُّحب. وتتشكل «بصمات الدوامة» هذه على نحونموذجي على ازدياد نحو9000 قدم قبل نحوما بين عشر دقائق وعشرين دقيقة من وصوله إلى سطح الأرض. وقد تمتد الدوامة إلى الأعلى وكذلك نحوالأسفل، لتصل أحيانا إلى ازدياد سبعة أميال في الأعاصير القمعية الكبيرة.

وعلى الرغم من حتى «بصمات الدوامة» يمكن استغلالها لتحذير الناس بغية الاحتماء داخل قبوأوخزانة، فإنه لا يمكن رؤيتها إلا من مسافة قريبة؛ وبشكل عام، من مسافة 60 ميلا أوأقل. أما إذا كان الإعصار القمعي على مسافة أبعد تصل إلى 150 ميلا، فإن التحذيرات يمكن حتى تصدر اعتمادا على كشف رادار دوپلر للإعصار المتوسط المسبب له. وتقوم الوكالات الاتحادية (الفيدرالية) حاليا بهجريب شبكة من رادار دوپلر المتطور عبر البلاد لتحسين القدرة على إصدار التحذيرات.

وفي عام 1991، تمكّن <H.B. بلوستاين> (من جامعة أوكلاهوما) من قياس سرعات للرياح وصلت إلى 280 ميلا في الساعة قرب إعصار قمعي عنيف في ريدروك بالولاية نفسها مستخدما رادار دوپلر ننطقا . وعلى الرغم من حتى هذه السرعات تعتبر كبيرة، فإنها أقل بكثير من سرعة الـ 500 ميل في الساعة التي اعتبرت من المسلّمات قبل 40 سنة لتفسير أحداث غريبة مثل انغراس عيدان من القش داخل جذوع الأشجار. (والتفسير الأكثر احتمالا لهذه الظاهرة هوحتى الرياح تؤدي إلى تشقق حبيبات الخشب، التي تنغلق بسرعة بعدئذ لتحشر عيدان القش داخل الجذوع).

ومع حتى جهاز دوپلر واحدا يكفي لإصدار تحذيرات للسكان المحليين، فإن وضع جهاز دوپلر ثان على بعد يتراوح بين 25 و35 ميلا لرصد العاصفة من زاوية مختلفة تماما، يستطيع حتى يزود الباحثين بصورة أكثر اكتمالا بكثير. ويقيس مثل هذا النظام الثنائي لرادار دوپلر، الذي يستخدمه مشروع المختبر (NSSL) وآخرون منذ عام 1974، سرعة الأمطار في اتجاهين مختلفين. وبإمكان خبراء الأرصاد حتى ينظموا من حديث ميدانا للرياح ثلاثي الأبعاد، وأن يحسبوا الكميات مثل الحركة الدوامية أوالدوران المحلي للهواء آخذين بعين الاعتبار حتى كتل الهواء لا يختلط بعضها ببعض، بعد تقديرهم للسرعة التي يهطل فيها المطر نسبة إلى الهواء المتحرك. وقد أوصلتهم مثل هذه المعلومات إلى اكتشاف حتى الإعصار القمعي إنما يحدث في جانب واحد من التيار الصاعد الأصلي بالقرب من التيار الهابط، كما جعلتهم يؤكدون حتى الهواء المنساب داخل الإعصار المتوسط يدور حول اتجاه حركته.


الدوران المغزلي الصاعد

حدث تغير رئيسي في فهم الدورانات المعقدة في العواصف القمعية عام 1978 عندما أعادت محاكاة حاسوبية، وضعها <R .ويلهلمسون> (من جامعة إلينوي) و<J.B. كليمب> (من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي the National Center for Atmospheric Research NCAR ) تمثيل الخلايا الفائقة الحقيقية كاملة مع تلك الخصائص التي تميزها، مثل نماذج الهطول التي تتخذ شكل المنجل. وحل الفهماء بخطوات زمنية صغيرة، وبطريقة الأعداد، المسائل التي تحكم الحرارة وسرعة الرياح وبقاء الكتل، فيما يتعلق بالهواء والماء في مختلف أشكالهما ـ بخار الماء، قطيرات السحاب، وقطرات المطر ـ وذلك في ترتيب من النقاط ثلاثي الأبعاد يحاكي الفضاء.

تمكن الفهماء من السيطرة على الأمور، على الأقل في عالم شبيه بالعالم الحقيقي في برامج الحاسوب، وقد استطاعوا حتى يشكلوا خلايا فائقة من دون أي تغييرات جانبية في البيئة الأساسية. وبتلك الوسيلة أظهروا الزيف الذي كان سائدا في التفسير الشائع بأن السبب في حدوث الأعاصير القمعية هوالاصطدام بين الكتل الهوائية. واستطاعوا حتى يبرهنوا، عن طريق «إغلاق» دوران الكرة الأرضية، بأنه ليس لهذا الدوران سوى تأثير قليل خلال الساعات القليلة الأولى من حياة العاصفة. وعلى العكس تماما، فإن اتجاه الرياح في المستويات المنخفضة، الذي يتغير مع الارتفاع، هوالعامل الحاسم في نشوء الدوران.

تهب الرياح داخل بيئة نموذجية لخلية فائقة من الجنوب الشرقي قرب سطح الأرض. أما على ازدياد نصف ميل فوق سطح الأرض فإنها تهب من الجنوب، في حين أنها تهب من الجنوب الغربي على ازدياد ميل واحد. والرياح التي تغير سرعتها أواتجاهها مع الارتفاع تشتمل أيضا على الدوران. ولنتصور كيف من الممكن أن يمكن للرياح حتى تدور في البداية دوران العصا العمودي: فإذا كانت رياح جنوبية تهب ببطء قرب سطح الأرض، ثم بسرعة أكبر على ارتفاعات أعلى، فإن العصا ستدور على محور شرقي ـ غربي.

ولكن ماذا لوكانت الرياح تغير اتجاهها من الجنوب الشرقي إلى الجنوب الغربي بدلا من تغيير سرعتها،يا ترى؟ دعونا نتصور حتى العصا تتحرك شمالا مع الرياح المتوسطة الارتفاع على ازدياد نصف ميل. عندئذ فإن قمتها تُدفع نحوالشرق وأسفلها نحوالغرب، لذا فإنها ستدور حول محور شمالي ـ جنوبي. ولهذا السبب فإن لهذا الهواء دورانية باتجاه التيار ـ أي إنه يدور حول اتجاه حركته، بما يشبه كثيرا كرة القدم اللولبية الأمريكية.

إن لكتل الهواء التي لها دورانية باتجاه التيار، محورا للدوران يميل نحوالأعلى عندما تدخل التيارَ الصاعد. إلى غير ذلك فإن التيار الصاعد ككل يدور إعصاريا. وهذه النظرية ـ التي وضعها <براونينگ> عام 1963 وأثبتُّها بالهندسة التحليلية بالاشتراك مع D.K.ليلي (من جامعة أوكلاهوما في الثمانينات) تفسر كيفية دوران التيار الصاعد في المستويات الوسطى، ولكنها لا تفسر كيف من الممكن أن يتطور الدوران قريبا جدا من سطح الأرض. وفي حين أظهرت محاكاة حاسوبية وضعها كليمب وR. روتونومن المركز NCAR عام 1985 حتى دورانا على مستوى منخفض يعتمدُ على التيار الهابط المبرد بالتبخر للخلية الفائقة، فإن هذا الدوران لا يحدث عندما يتوقف تبخر المطر.

وكشفت نماذج المحاكاة الحاسوبية، بشكل يدعوإلى الدهشة، حتى الدوران في ازدياد منخفض يبدأ إلى الشمال من الإعصار المتوسط في الهواء الهابط الذي اعتدلت برودته بعمل الأمطار. ولأن الدوران في الارتفاع المتوسط يسحب التيار الهابط بشكل دائري حول التيار الصاعد، فإن بعض الهواء البارد للتيار الهابط ينتقل نحوالجنوب مع هواء دافئ على يساره، وهواء أكثر برودة كثيرا إلى يمينه. ويسحب الهواء الدافئ، باعتباره قابلا للطفو، الجوانب اليسارية من حزم الهواء إلى الأعلى. ويسحب الهواء البارد الجوانب اليمينية إلى الأسفل. ومن ثم يبدأ الهواء البارد بالدوران حول اتجاه حركته الأفقي. ولكنه، عندما يهبط نحوالأرض، فإن محور دورانه يميل إلى الأسفل، مولدا دورانا بعكس دوران العاصفة.

لقد بينت عام 1993 باستخدام آلية معقدة نوعا ما، حتى الدوران في الهواء البارد الهابط، يعكس اتجاهه قبل حتى يكمل الهواء هبوطه. وفي نهاية المطاف، يصل هذا الهواء، الذي يدور مع العاصفة، إلى المستويات المنخفضة جدا. ومن ثم يهب هذا الهواء المعتدل البرودة، على سطح الأرض، ليمتصه الجانب الجنوبي الغربي من التيار الصاعد. وبسبب كون هبوبه نحوالتيار الصاعد متقاربا، فإن دورانه يصبح أسرع، مثل المتزلجة على الجليد، التي تدور بسرعة أكبر عندما تضم ذراعيها.

وعلى الرغم من فهمنا التام لكيفية تطور الدوران الواسع النطاق في المستويات المتوسطة والمنخفضة للإعصار المتوسط، فإنه لا بد لنا من حتى نثبت لما تتشكل الأعاصير القمعية. إذا التفسير الأكثر بساطة هوأنها تحدث نتيجة للاحتكاك السطحي. ويبدوحتى هذا التفسير ضرب من المفارقة؛ لأن الاحتكاك يؤدي بشكل عام إلى تخفيف سرعة الرياح. فالتأثير الصافي للاحتكاك يشبه إلى حد كبير ذلك الذي يحدث في فنجان شاي تم تحريكه بملعقة.

إن الاحتكاك يقلل من السرعة، لذا فإن القوى الطاردة المركزية تدفع بطبقة رقيقة إلى قرب القاع. وهذه القوى الطاردة تجعل السائل يتحرك نحوالداخل على طول قاعدة الفنجان، كما يظهر واضحا في تجمُّع أوراق الشاي في المركز. ولكن السائل، قرب قمة هذا الدفق، يدور بسرعة أكبر أثناء سقوطه نحوالمحور بسبب تأثير عامل التزلج على الجليد. والنتيجة هي حدوث دوامة على طول محور الفنجان. وقد استنتج <W.S. لويلين> (من جامعة ويست ڤيرجينيا) حتى السرعات الأكبر للرياح في إعصار قمعي تحدث في الثلاثمئة قدم الأكثر انخفاضا.

والاحتكاك يفسر أيضا لما تستمر الأعاصير. ففي قلب الإعصار القمعي فراغ جزئي، والقوى الطاردة المركزية تحول دون التدويم نحوالداخل عبر جوانب الإعصار. وقد شرح B.R.مورتون (من جامعة موناش بأستراليا) عام 1969 كيف من الممكن أن يَدوم الفراغ. ذلك حتى القوى الطفوية القوية تمنع الهواء من دخول القلب عبر القمة. أما قرب سطح الأرض فإن الاحتكاك يقلل من سرعة الرياح المماسية، وبالتالي من القوى الطاردة المركزية، مما يسمح بدخول دفق قوي، ولكنه قليل السماكة، إلى داخل القلب. ولكن الاحتكاك يعمل أيضا على تحديد كمية الرياح الداخلة وبذلك لا يسمح بدخول هواء كاف ليملأ القلب. وتزداد الأعاصير القمعية حدةً وتصبح أكثر استقرارًا بعد حتى تتصل اتصالا قويا بسطح الأرض لأن دفقاتها تصبح محصورة في نطاق طبقة حدية رقيقة.

وعلى جميع حال، فإن نظرية الاحتكاك لا تفسر لما تحدث بصمة دوامة الإعصار في السُّحب أحيانا قبل هبوط الإعصار إلى الأرض بمدة تتراوح ما بين عشر دقائق وعشرين دقيقة.

الأنقاض المقذوفة بقوة لمسافات بعيدة

هذه الصورة الفوتوغرافية حملها إعصار قمعي مسافة لا تقل عن 100 ميل في أردمور، أوكلاهوما عام 1995. ويمكن حتى تُحمل الأجسام الثقيلة، كشظايا السقوف، عشرات الأميال. ففي عام 1985 طار جناح طائرة مسافة عشرة أميال. وتسقط معظم الأنقاض المحمولة إلى اليسار من ممر الإعصار القمعي، وغالبا على شكل حزم محددة تماما حسب وزنها. ويعمل الباحثون في جامعة أوكلاهوما على جمع روايات عن السَّقط الإعصاري كطريقة لقياس جريان الهواء داخل العواصف. ويبدوحتى الأعاصير تحمل بعض الأجسام إلى علوعدة أميال داخل العاصفة الرئيسية وقد تعود الأنقاض الخفيفة إلى الأرض بعد حتى ُتحمل مسافة 200 ميل. وعلى سبيل المثال طارت شيكات مصرفية ملغاة من ويتشيتا فولز، تكساس إلى تلسا، أوكلاهوما في الشهر 4/1979. وحسب رواية تعود إلى عام 1953 جمعها الباحثون فإن: «<E .ماكنت> (من ساوث ويموث، مساتشوستس) عثرت على ثوب زفاف في حديقة منزلها الخلفية. وكان الثوب متسخا، كما كان متسقطا، ولكنه سليم وبحالة جيدة تثير الدهشة. وقد كُتب على ملصقة المصنع المخيطة على الثوب (ماكدونالد ووستر)، مما يشير إلى حتى الثوب قد طار نحو50 ميلا إلى حتى سقط على الأرض.» (اقتباس من كتاب Tornado لمؤلفه J.M.أوتول).

الهبوط

تكشَّفَتَ لنا الكثير من الخصائص التقليدية للأعاصير القمعية بصورة غير متسقطة في يوم من أيام الشهر 5/1995 في ولاية كنساس. فعندما تحركنا نحوالعاصفة الجنوبية في بلدة هانستون الصغيرة، كان الظلام قد حل والعمليات قد انتهت. ولكن المنسق الميداني لفت أنظار مجموعات الفهماء إلى سحابة حائطية تدور بالقرب منا. وعندما انطلقت صافرات الإنذار، رأينا إعصارا قمعيا رفيعا يلامس سطح الأرض على بعد ثلاثة أميال إلى الجنوب الشرقي منا.

وانطلقنا نحوالشمال لنسبق الإعصار القمعي، ناسين في غمرة حماسنا، وجود حفرة مجارٍ عميقة في الطريق، مما أدى إلى إصابة عجلة عربتنا بأضرار وإمالة محطة الرصد الجوي المركبة عليها. لكننا واصلنا طريقنا، وانعطفنا إلى طريق ترابية لتأخذنا شرقا إلى الجانب الشمالي من الإعصار القمعي، الذي صار حينها عمودا عريضا من التراب مع امتداد سفلي من السحابة الدنيا فوقه على شكل سلطانية (زبدية). وعندما سبَقْنا الإعصار القمعي كان قد تحول إلى عدة دوامات أصغر حجما، كلها تدور بقوة حول المحور المركزي للإعصار. (لاحظ فوجيتا عام 1967 حتى بعض الأعاصير القمعية خلفت وراءها قصبات مقطوعة لنبات الذرة في الكثير من الرقاع المتداخلة. وقد عزا <N.B.وارد> (من مشروع المركز NSSL) في وقت لاحق هذه النماذج الغريبة إلى مثل تلك الدوامات الثانوية، وكانت تلك الدوامات الفرعية تتبع ممرات دائرية مثلها في ذلك مثل نقطة على قمة عجلة (دولاب) دراجة تدور حول المركز مع دوران العجلة إلى الأمام. إلى غير ذلك كانت تلك الدوامات الفرعية ترسم مسارات إعصارية (سيكلونية) منحنية.)

وتابعنا طريقنا ببطء لنسبق الإعصار، ونحن نشعر بالقلق لأننا لم نكن نفهم ما إذا كانت الطريق ستنتهي وأين ستنتهي. وكان الإعصار القمعي يبعد عنا ميلا واحدا، ولا يتحرك بشكل مميز في نطاق مجال رؤيتنا، مما يشير إلى أنه كان يتجه نحونا مباشرة بسرعة 30 ميلا في الساعة. وهُرع المنسق الميداني لإنقاذنا بأن دلنا على طريق إلى الشمال توصلنا إلى بورديت، فسلكناها شاكرين. وتوقفنا بعد مسيرة ميل واحد لمراقبة الإعصار القمعي، الذي كان قد هبط على الأرض وانطلق مسافة لا تقل عن 14 ميلا وصار له حينها مظهر أنبوب موقد تقليدي. ثم ما لبث حتى مر إلى الجنوب منا، وارتد إلى الوراء نحوالظلام إلى الشرق منا.

وعُدنا إلى بيوتنا بسيارتنا المعطوبة وبنبضنا المتسارع، حاملين معنا معلومات غير مؤكدة، ولكننا مبتهجين بأنباء ذكرت أنه تم الحصول على معلومات قيِّمة عن الإعصار بوساطة الرادار الجوي والرادار الأرضي المتنقل الجديد. وشعرنا، ونحن نستعيد ذكريات ما حدث، أنه كان علينا حتى نجاري الإعصار القمعي بحيث لا نتخلف عنه، بدلا من تجاوزه وتحويل أنفسنا إلى طرائد بدلا من حتى نكون الصيادين.

المؤلف

Robert Davies-Jones

يبحث في ديناميكية الأعاصير القمعية ونشوئها في المختبر الوطني للعواصف العنيفة (NSSL) في نورمان بولاية أوكلاهوما. وهوأيضا أستاذ مساعد للأرصاد الجوية في جامعة أوكلاهوما. وبعد حتى حصل على بكالوريوس الفيزياء من جامعة برمنگهام بإنكلترا، تفهم الحمل الحراري للشمس في جامعة كولورادو، حيث حصل على الدكتوراه في الفيزياء الفلكية الجيولوجية عام 1969. وانضم بعد ذلك بعام واحد إلى مشروع المختبر NSSL، ليطبق عمليا معارفه حول الديناميكا على الطقس. كما عمل رئيس تحرير مشاركا في مجلة علوم الغلاف الجوي Journal of the Atmospheric Sciences.


المصادر

  • "الأعاصير القُمْعيّة (التورنادات)". مجلة العلوم. 1995-12-01.

مراجع للاستزادة

THE TORNADO. John T. Snow in Scientific American, Vol. 250, No. 4, pages 56-66; April 1984.

THUNDERSTORM MORPHOLOGY AND DYNAMICS. Second edition. Edited by Edwin Kessler. University of Oklahoma Press, 1986.

THE TORNADO: ITS STRUCTURE, DYNAMICS, PREDICTION, AND HAZARDS. Edited by C. Church, D. Burgess, C. Doswell, R. Davies-Jones. Geophysical Monograph No. 79. American Geophysical Union, 1993.

Scientific American, August 1995

(1) تيار عنيف مصاحب لعاصفة رعدية. (التحرير)

تاريخ النشر: 2020-06-04 16:35:43
التصنيفات: مقالات مجلة العلوم الأميريكية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«عبد الناصر والذين كانوا معه».. كتاب على مائدة ثقافة الدقهلية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:33
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

تحت الطبع.. «إضاءات حول التنزيل الحكيم» عن دار غراب للنشر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:33
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

المملكة تطرح تطبيقا ذكيا لمساعدة النساء فى أداء مناسك العمرة والحج

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:22:01
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 40%

أمين هيئة كبار العلماء: الإسلام اهتم بإعمار الأرض وعدم الإفساد فيها

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:37
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

دار الإفتاء توضح ثواب صيام يوم عرفة.. منها العتق من النار

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:58
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 38%

جونى ديب وآمبر هيرد التقوا سرا بعد حكم إدانة الأخيرة .. اعرف القصة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:59
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 45%

وزير الإسكان يُصدر قراراً بحركة تكليفات جديدة بأجهزة المدن

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:46
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 62%

محافظ بورسعيد يزور الهيئة الاقتصادية لقناة السويس

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:40
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

السيسي: دخل المواطن ضعيف.. وقدامي حلين

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

«إي فاينانس» تتوسع في 3 دول وتعزز تعاونها مع البنك المركزي خلال 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:28
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

الأورمان تعرض خطة توزيع لحوم الأضاحي على 40 قرية بأسوان

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:21:47
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

"قمر الحج" يصل تربيعه الأول اليوم.. والوقت مثالى لرصد تضاريس سطحه

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-06 15:22:00
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 46%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية