شعر (أدب)

عودة للموسوعة

شعر (أدب)

الأدب
الأشكال الأساسية

رواية • قصيدة • دراما
سيرة قصيرة • رواية قصيرة

أنواع الأدب

ملحمة • غنائي • دراما
رومانسية • هاتى
تراجيديا • كوميديا
الكوميديا التراجيدية
أدب مقارن

الوسائط

أداء (مسرجية) • كتاب

التقنيات

نثر • شعر

تاريخ وقوائم

المواضيع الأساسية • المصطلحات الأدبية
التاريخ • التاريخ الحديث
خط • كتـّاب
الجوائز الأدبية • جوائز الشعر

نقاش

النقد • النظرية • المجلات

Quatrain on Heavenly Mountain, by China's Emperor Gaozong (1107–1187) of Song Dynasty; fan mounted as album leaf on silk, four columns in cursive script.

يصعب تعريف الشعر بكيفية تضم أنواعه في مختلف اللغات، لكن هناك عدد من التعاريف التي قد تعطي معنى متكامل عن ماهية الشعر.

نص كتاب فن الشعر .. أرسطوانقر على الصورة للمطالعة
  • عُرّف الشعر بأنه كلام موزون مقفىّ (للشعر العربي)، دالُُ على معنى، ويكون أكثر من بيت.
  • ونطق بعضهم: هوالكلام الذي قصد إلى وزنه وتقفيته قصداً أولياً، فأما ما اتى عفوالخاطر من كلام لم يقصد به الشعر فلا ينطق له شعر، وإن كان موزونا.
  • ويقول ابن خلدون فيه: هوكلام مشروح بتراً بتراً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من جميع بترة، وتسمى جميع بترة من هذه البترات عندهم بيتاً، ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رَوِيّا وقافية، ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وحدثة، وينفرد جميع بيت منه بإفادته في تراكيبه، حتى كأنه كلام وحده، مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاماً في بابه في مدح أونسيب أورثاء.

ويُعدُّ الشعر وثيقة يمكن الاعتماد عليها في التعرُّف على أحوال العرب وبيئاتهم وثقافتهم وتاريخهم، ويلخص ذلك قولهم: الشعر ديوان العرب.

The Deluge tablet of the Epic of Gilgamesh in Akkadian, circa 2nd millennium BC

حاول النقاد العرب تقديم تصوُّر عن الشعر ومفهومه ولغته وأدائه. وقد ظهرت تلك المحاولة في تمييزه عن غيره من أجناس القول، فبرز الوزن والقافية بوصفهما مميزين أساسيين للشعر عن غيره من فنون القول، لذلك ترى أكثر تعريفاتهم حتى الشعر كلام موزون مُقَفَّى. وأهم مايميّز الشعر القديم حرصه على الوزن والقافية وعلى مجيء البيت من صدر وعجز. لكن الناظر في خطهم يلاحظ حتى مفهومهم للشعر يتجاوز الوزن والقافية إلى جوانب أخرى، وذلك من خلال تعهدهم على الشعر في لقاءة الفنون الأخرى، فيصبح مثلها؛ مهمته إيجاد الأشكال الجميلة وإن اختلف عنها في الأداة.

ومن ثم ظهر الاهتمام بقضايا الشعر ولغته، فظهرت الخط في ضبط أوزانه وقوافيه، كما ظهرت دراسات عن الأشكال البلاغية التي يعتمدها الشعراء في إبداع نصوصهم، مثل: الاستعارة والتشبيه والكناية وصنوف البديع.

وكما ظهرت خط تقدم وصايا للشعراء تعينهم على إنتاج نصوصهم، وتُبَصِّرُهم بأدوات الشعر وطرق الإحسان فيه، ظهرت خط أخرى في نقد الشعر وتمييز جيده من رديئه. كما اهتمت خط أخرى بجمعه وتدوينه وتصنيفه في مجموعات حسب أغراضه وموضوعاته. وقد جعلوا الشعر حافلاً بوظيفتي الإمتاع والنفع، فهويطرب ويشجي من جهة، ويربي ويهذب ويثبِّت القيم، ويدعوإلى الأخلاق الكريمة وينفر من أضدادها من جهة أخرى.

وتتراوح أغراض الشعر بين مديح وهاتى وفخر ورثاء وغزل ووصف واعتذار وتهنئة وتعزية، ثم أضيفت إلى ذلك موضوعات جديدة اتىت نتيجة تغير الحياة العربية مثل الزهد والمجون، بل تغيرت معالجة الموضوعات القديمة كما ظهر عند أبي نواس وغيره من شعراء العصر العباسي.

وعلى الرغم من هذا الحرص على شكل البيت الشعري، فإن تراث القصيدة العربية عهد من الأشكال ما سمي بالمسمَّطات والمخمَّسات والمربَّعات. كما عهدت الأندلس شكل الموشحة التي كانت خروجًا على نظام القصيدة في الأوزان والقوافي. انظر: الجزء الخاص بالموشحات في هذه الموضوعة.

وفي العصر الحديث، عهد الشعر ألوانًا جديدة من الأشكال الشعرية، منها الشعر المُطلق أوالمرسل الذي يتحرر من القافية الواحدة ويحتفظ بالإيقاع دون الوزن. وكذلك الشعر الحر، وهوالشعر الذي يلتزم وحدة التفعيلة دون البحر أي وحدة الإيقاع. وسُمّي بشعر التفعيلة. وأما اللون الذي لا يلتزم بوزن أوقافية فقد عهد بالشعر المنثور. انظر: الجزء الخاص بقصيدة النثر، والشعر الحر، والشعر المرسل في هذه الموضوعة.

وكما اختلف الشكل حديثًا اختلف المضمون كذلك، وتحولت التجارب الشعرية الحديثة إلى الدلالات الاجتماعية والنفسية والرمزية التي تكامل فيها الشكل والمضمون معًا.

رواية الشعر ورواته

Aristotle

كان العرب في الجاهلية أُمّـةً أُمِّـيَّـةً تغلب عليها المشافهة وتقل فيها الكتابة، ولهذا السبب لم يكن الشعراء الجاهليون يدونون أشعارهم، وإنما كان رواتهم، وهم عادة من ناشئة الشعراء، يتولون مهمة حفظ ذلك الشعر وإشاعته بين الناس. وهؤلاء الرواة الذين وصفناهم بأنهم من ناشئة الشعراء قد قويت قرائحهم بعد ذلك، فأصبحوا أوأصبح بعضهم من الشعراء المشاهير. فقد روت المصادر حتى زهيرًا ابن أبي سُلمى كان راوية لأوس بن حجر، وروى عن زهير ابنه كعب والحُطَيئة، كما روى شعر الحطيئة هدبةُ بن خشرم، ثم روى جميل بن معمر شعر هدبة بن خشرم، وروى كُثَيِّر عزة شِعْرَ جميل إلى غير ذلك دواليك.

وعندما اتى الإسلام شُغل العرب عن رواية الشعر فترة من الزمان، ولكنهم بعد اتساع الفتوحات الإسلامية، واستقرارهم في الأمصار عادوا إلى رواية الشعر ومُدارسته، وهنا نجد فئة من الرواة نذرت نفسها لرواية هذا الشعر وجمْعه ومحاولة تنقيته من جميع ما زائف.

ثُمَّ نشأت طائفة أخرى من الرواة لمقد يكونوا ممن يحسنون نظم الشعر، فهم لا يروونه من أجل حتى يتفهموا طريقته لكي يصبحوا شعراء، وإنما يروونه بقصد إذاعته بين الناس. فقد روت المصادر الأدبية أنه كان لجرير والفرزدق عدة رواة يلزمونهما ويأخذون عنهما شعرهما. ولم يكن هذا الأمر وقفًا على جرير والفرزدق فحسب بل إذا غيرهما من الشعراء كان لهم رواة وتلاميذ.

وبعد ازدهار الحياة الفهمية والثقافية في مدينتي البصرة والكوفة أصبحت هاتان المدينتان قبلة لطلاب الفهم، وصارتا تتنافسان في استقطاب الفهماء والأدباء والشعراء، فازدهرت فيهما رواية الشعر ودراسته بشكل لم يَسبق له نظير. وبرز في جميع مدينة من هاتين المدينتين أعلام مشاهير، جمعوا أشعار الجاهليين والإسلاميين، وكانوا يحرصون على أخذ هذا الشعر من الرواة مشافهة، ولمقد يكونوا يعولون على الأخذ من الخط أوالصحف، ولا يثقون بمن يعتمد على ذلك. وقد عُرف رواة البصرة بالتشدد في الرواية والتدقيق فيها، وكانت معاييرهم أكثر دقة من معايير رواة الكوفة الذين امتازوا بالتوسع في الرواية والتسامح في بعض جوانبها.

ومن أشهر رواة الشعر بالبصرة أبوعمروبن العلاء، وكان ثقة أمينًا، وهوأحد القراء السبعة الذين أخذت عنهم تلاوة القرآن الكريم، وقد وُصف بأنه ¸أفهم الناس بالغريب، والعربية وبالقرآن، والشعر وأيام العرب وأيام الناس·. انظر: أبوعمروبن العلاء.

ومن أشهر رواة الكوفة حماد الراوية، وكان واسع الرواية قوي الحفظ عالمًا بأشعار العرب وأخبارها، ولكنه لم يكن ثقة، بل كان كما يقول ابن سلام الجمحي: “ينحل شعرَ الرجل غيره، وينحله غير شعره، ويزيد في الأشعار”.

ومن مشاهير رواة البصرة خلف الأحمر، وكان في معهدته بالشعر وأخبار العرب لا يقل عن حماد الراوية. ومن رواة البصرة الثقات أيضًا عبدالملك بن قريب الأصمعي، وهومن أفهم الناس بأشعار الجاهلية وأخبارها، وقد اختار من أشعار العرب مجموعة شعرية عهدت بالأصمعيات. وهي مشهورة ومتداولة. انظر: الجزء الخاص بالأصمعيات في هذه الموضوعة. وقد رويت عنه دواوين كثيرة أشهرها دواوين: امرئ القيس والنابغة وزهير وطرفة وعنترة وعلقمة. انظر: الأصمعي. ومن رواة البصرة أيضًا أبوسعيد السكري، وله الفضل الأكبر في جمع كثير من دواوين الشعراء الجاهليين.

كما يعدُ المفضل بن محمد الضبِّي من أبرز رواة الكوفة، وكان عالمًا بأشعار الجاهلية، وأخبارها وأيامها، وأنساب العرب، وأصولها. وقد اختار مجموعة من أشعار العرب عُرفت بالمفضليات. وهي مطبوعة ومتداولة.

مجموعات الشعر

Dante and Beatrice see God as a point of light surrounded by angels. A Doré illustration to the Divine Comedy, Paradiso, Canto 28.

الشعر ديوان العرب. وكان اهتمامهم بالشّاعر، قديمًا، أكثر من اهتمامهم بالمحرر، لحاجتهم إلى الشاعر. وقد عبّروا عن هذا الحرص على الشعر والاهتمام بالشاعر في عنايتهم بما اصطلح على تسميته بمجموعات الشعر.

وهذه المجموعات أقرب إلى ديوان الشعر بما تحويه من أشعار لعدد من الشعراء. وترتبط نشأتها بحركة رواية الشعر في عصر التدوين الرقمي، في القرن الهجري الأوّل. ثم أخذ الرواة، بعد ذلك، يتناقلون هذا التراث جيلاً بعد جيل.

ومن أشهر هؤلاء الرواة أبوعمروبن العلاء والأصمعي والمفضّل الضبي وخلف الأحمر وحماد الراوية وأبوزيد الأنصاري وابن سلاّم الجمحي وأبوعمروالشيباني وغيرهم. فكرة المجموعات. تختلف هذه المجموعات تبعًا لفكرة جميع مجموعة منها، فبعضها يرمي إلى إثبات عدد من القصائد المطولة المشهورة وهي المعلقات. وبعضها قد يكتفي بالأبيات الجيدة المشهورة يختارها من جملة القصيدة وهي المختارات، ومنها ماوقف عمله على الشعر الجاهلي لا يتعداه، على حين زاوج بعضها بين الجيّد من شعر الجاهلية والإسلام.

وتقدم المجموعات فائدة أكبر من فائدة الدواوين؛ لأن الأخيرة أضيق مجالاً لوقوفها عند شاعر بعينه لاتتجاوزه، في حين نجد المجموعة أوسع مجالاً لتنوع الموضوعات وتعدّد الشعراء. فهي أقدر على تصوير ذوق العصر بإعطائها خلفية أوسع عن الحياة الاجتماعية، وإن كان ذوق مصنّفها لا يغيب عنها في جميع الأحوال.


وأشهر هذه المجموعات:

المعلقات

مصطلح أدبي يطلق على مجموعة من القصائد المختارة لأشهر شعراء الجاهلية، تمتاز بطول نفَسها الشعري وجزالة ألفاظها وثراء معانيها وتنوع فنونها وشخصية ناظميها.

قام باختيارها وجمعها راوية الكوفة المشهور حماد الراوية (ت نحو156هـ، 772م).

واسم المعلقات أكثر أسمائها دلالة عليها. وهناك أسماء أخرى أطلقها الرواة والباحثون على هذه المجموعة من قصائد الشعر الجاهلي، إلا أنها أقل ذيوعًا وجريانًا على الألسنة من لفظ المعلقات، ومن هذه التسميات:

السبع الطوال

وهي وصف لتلك القصائد بأظهر صفاتها وهوالطول.

السُّموط

تشبيهًا لها بالقلائد والعقود التي تعلقها المرأة على جيدها للزينة.

المذَهَّبات

لكتابتها بالمضى أوبمائه.

القصائد السبع المشهورات. علَّل النحاس أحمد بن محمد (ت 338هـ،950م) هذه التسمية بقوله: لما رأى حماد الراوية زهد الناس في حفظ الشعر، جمع هذه السبع وحضهم عليها، ونطق لهم: هذه المشهورات، فسُميت القصائد السبع المشهورات لهذا.

السبع الطوال الجاهليات. أطلق ابن الأنباري محمد بن القاسم (ت 328هـ ، 939م) هذا الاسم على شرحه لهذه القصائد.


القصائد السبع أوالقصائد العشر

الاسم الأوّل هوعنوان شرح الزوزني الحسين بن أحمد (ت 486هـ، 1093م)، أما التبريزي يحيى بن علي (ت 502هـ، 1109م)، فقد عنْون شرحه لهذه القصائد بـ شرح القصائد العشر. وقد أشار ابن رشيق في كتابه العمدة إلى بعض هذه المصطلحات، فنطق: “ونطق محمد بن أبي الخطاب في كتابه المسمًّى بجمهرة أشعار العرب: إذا أبا عبيدة نطق: أصحاب السبع التي تسمى السُّمُط: امرؤ القيس وزهير والنابغة، والأعشى ولبيد وعمروبن كلثوم وطرفة. نطق: ونطق المفضل: “من زعم حتى في السبع التي تسمى السمط لأحد غير هؤلاء، فقد أبطل”، فأسقط من أصحاب المعلقات عنترة، والحارث بن حلِّزة، وأثبت الأعشى والنابغة.

ويُنطق: إنها قد سميت بالمذهّبات، لأنها اختيرت من سائر الشعر فكُتبت في القباطي بماء المضى، وعُلقت على أستار الكعبة، فلذلك ينطق: مُمضىة فلان، إذا كانت أجود شعره. ذكر ذلك غير واحد من الفهماء. وقيل: بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة الشاعر يقول: علِّقوا لنا هذه، لتكون في خزانته.

وكما اختلفوا في تسميتها، اختلفوا في عددها وأسماء شعرائها. لكن الذي اتفق عليه الرواة والشُّرَّاح أنها سبع، فابن الأنباري، والزوزني اكتفيا بشرح سبع منها هي:

1ـ معلقة امرئِ القيس ومطلعها: قفانَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومنزلٍ بسِقط اللِّوى بين الدَّخول فحوْمَل

2ـ ومعلقة طرفة بن العبد ومطلعها: لخولة أطلالٌ بِبُرقة ثهمد تلـوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

3ـ معلقة زهير بن أبي سُلْمى ومطلعها: أَمِنْ أمِّ أًَوْفَى دمْنةٌ لم تَكَـلَّم بَحْــومَانـــة الدُّرّاج فالمتَـثَـلَّــــم

4ـ ومعلقة عنترة بن شداد ومطلعها: هل غادَرَ الشُّعراء من مُتَردَّم أم هَلْ عهدْـتَ الـدار بعـد توهــم ؟

5ـ ومعلقة عمروبن كُلثوم ومطلعها: ألا هبيِّ، بصحْنِك فاصْبحينا ولا تُبـــقي خُمـــور الأنْدَرِينــــا

6ـ ومعلقة الحارث بن حِلِّزة ومطلعها: آذنتْنـــا ببينـهــــا أسْمـــــاءُ رُبَّ ثــــاوٍ يُمَـــلُّ منـه الثَّـــواُء

7ـ ومعلقة لبيد بن ربيعة ومطلعها: عَفَتْ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُهَا بمنى تَأبَّـــد غولُهـــا فِرَجامُهَــــا

أما أحمد بن محمد النحاس، أحد شُرَّاح المعلقات، فقد أنهى شرحه لقصيدة عمروبن كلثوم وهي القصيدة السابعة عنده بقوله: “فهذه آخر السبع المشهورات على مارأيت عند أكثر أهل اللغة… وقد رأيت من يضيف إلى السبع قصيدة الأعشى التي مطلعها: وَدِّع هريرةَ إذا الركب مُرْتحِلُ وهل تُطِيقُ وداعًا أيُّها الرَّجُـــــلُ؟

وقصيدة النابغة التي مطلعها : يادار مَيَّة بالعلياء فالسندِ أقوتْ، وطال عليها سالِفُ الأبد

وعلل سبب إضافة هاتين القصيدتين إلى القصائد السبع بقوله: “رأينا أكثر أهل اللغة تمضى إلى حتى أشعر أهل الجاهلية امرؤ القيس وزهير والنابغة والأعشى، إلا أبا عبيدة فإنه نطق: أشعر الجاهلية ثلاثة: امرؤ القيس وزهير والنابغة فحدانا قول أكثر أهل اللغة إلى إملاء قصيدة الأعشى وقصيدة النابغة لتقديمهم إياهما وإن لم تكونا من القصائد السبع عند أكثرهم”.

أما التبريزي فقد أنهى شرحه لقصيدة الحارث بن حِلِّزة وهي القصيدة السابعة عنده بقوله: “هذه آخر القصائد السبع، وما بعدها المزيد عليها”. فذكر قصيدتي الأعشى والنابغة السابقتين وأضاف إليهما قصيدة عَبيد بن الأبرص التي مطلعها: أقفر من أهله ملحُوبُ فالقُطَّبيَّات، فالذَّنُــوب

وهي القصيدة التي من أشهر أبياتها قوله: فكل ذي نعمة مخلوس وكل ذي أمل مكذوب وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب من يسأل الناس يحرموه وسائـل الله لا يخيــب

وكما اختلف الرواة في عدد القصائد، اختلفوا أيضًا في عدد الأبيات وترتيبها. وفي رواية بعض الألفاظ. وهواختلاف مألوف في نصوص الكثير من الشعر الجاهلي بسبب وصوله إلى عصر التدوين الرقمي عن طريق الرواية الشفوية وبسبب تعدد الرواة واختلاف مصادرهم.

وإن كان مصطلح المعلقات أوالمسمَّطات أوالممضىات يعني لونًا من الاستحسان لتلك القصائد وتمييزها عن سائر شعر الشاعر، فكذلك الحال بالنسبة للقصائد الحوليات إذ إذا مصطلح الحوليات عُني به المدح والإشادة بجهد الشاعر حين يستغرق نظمه القصيدة وتنقيحها حولا كاملاً قبل حتى يخرجها للناس ويذيعها بينهم. وكان الشعراء الذين يفضِّلون هذه الطريقة هم ممن يحرصون على مكانتهم الشعرية أكثر من غيرهم.

وتسمى قصائدهم أحيانًا، بالمقلدات والمنقحات والمحْكَمَات. وقد عُرف زهير بن أبي سلمى بأنه من أصحاب الحوليات. روى ابن جني حتى زهيرًا عمل سبع قصائد في سبع سنين، وأنها كانت تسمى حوليات زهير. وروى ابن قتيبة حتى زهيرًا نفسه كان يسمي قصائده الكبرى الحوليات. وقد قيل: إنه كان يعمل القصيدة في أربعة أشهر، وينقحها في أربعة أشهر، ثم يعرضها في أربعة أشهر، ثم بعد ذلك يخرجها إلى الناس.

ويرى ابن رشيق حتى فترة نظم القصائد لم تكن تستغرق من زهير هذه المدة الطويلة، فهوفي رأيه ينظم القصيدة في ساعة، أوليلة، ولكنه يؤخرها عنده من أجل التنقيح والتهذيب خشية النقد. وهذا الشعر المنقَّح يفضله بعض الناس على غيره من الشعر لخلوِّه من المآخذ، بينما ينظر إليه آخرون على أنه شعر متكلَّف، لم يأت عن إسماح وطبع. فالحُطيئة، وهوتلميذ زهير وشريكه في الصنعة، يقول: “خير الشعر الحولي المنقَّح المحكَّك”. أما الأصمعي فإنه يقول: “زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك جميع من جَوَّد في جميع شعره، ووقف عند جميع بيت نطقه، وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة”. ويصف ابن قتيبة الشاعر الذي ينقح شعره بأنه شاعر متكلِّف، ويقول عن الشعر المتكلَّف: “إنه وإن كان جيدًا محكمًا فليس به خفاء على ذوي الفهم لتبيُّنهم فيه ما هبط بصاحبه من طول التفكر، وشدة العناء، ورشح الجبين”.

ولم يكن التنقيح والتهذيب وقفًا على زهير والحطيئة، بل إذا هناك شعراء آخرين في الجاهلية والإسلام كانوا يتَأَنَّون، ويعيدون النظر في أشعارهم. ومن بين من عُرف بذلك من شعراء الإسلام مروان بن أبي حفصة، وذوالرُّمَّة، ولكننا لا نعهد شاعرًا آخر غير زهير تمكث القصيدة عنده حولاً كاملا،ً بحيث يمكن حتى يعد من شعراء الحوليات.

المُفضَّـليَّــات

Archibald MacLeish

من أقدم ماوصل إلينا من اختيار الشعر. جمعها وألَّفها المفضّل بن محمد الضبيّ (ت 168هـ، 784م)، العلاّمة الكوفي راوية الأخبار والآداب وأيّام العرب وأحد القُرّاء البارزين.

عمد المفضّل إلى الجيِّد من الشعر القديم فاختار منه مجموعة اختلف الناس في سبب تأليفها، فقيل: “كان ذلك بطلب من الخليفة المنصور” وقيل: ” ألَّف ذلك الاختيار للمهدي”. والرّوايات في ذلك مختلفة؛ فقد روى أبوالفرج الأصفهاني عن المفضّل نفسه أنه نطق: “كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن متواريًا عندي، فكنت أخرج وأهجره. فنطق لي: إنك إذا خرجت ضاق صدري فأخرج إليّ شيئًا من خطك أتفرَّج به. فأخرجت إليه خطًا من الشعر فاختار منها السبعين قصيدة التي صدَّرت بها اختيار الشعراء، ثمّ أتممت عليها باقي الكتاب”.

وخلاصة كلّ هذه الروايات حتى المفضّل هوالذي اختار القدر الأوفى من الشعر القديم الذي حوته هذه المجموعة الرائدة.

أما تسميتها بالمفضّليات فالغالب على الظّن أنها لم تصدر عن صاحبها، المفضّل، وربّما نُسبت إليه، ثم اشتهرت بذلك.

وتتبوأ المفضّليات مكانة مرموقة بين مجموعات الشعر القديم. فبالإضافة إلى قيمتها التاريخية وإبقائها على جانب مهم من الشعر الجاهلي، وحفظه من الضّياع، وأنّها أقدم مجموعات الشعر، فهي تمتاز أيضًا بأن القصائد التي اختارها المفضّل قد أثبتها كاملة غير منقوصة، يضاف إلى جميع ذلك اشتمالها على طائفة صالحة من أشعار المقلِّين من الشعراء.

وشعراء المفضّليات أكثرهم من الجاهليين وفيهم قلّة من المخضرمين والإسلاميين، وعددهم 66 شاعرًا، منهم تأبّط شرًّا والشَّنْفَرَى الأزدي، والمرقّشان: الأكبر والأصغر، والمثقّب العبدي وأبوذؤيب الهذلي، ومتمّم بن نويرة، وبشر بن أبي خازم، وسلامة بن جندل وغيرهم.

أما القصائد المختارة في هذه المجموعة فقد تراوحت بين 128 و130 قصيدة حسب الروايات، إلاّ حتى الرواية

المعتمدة والتي عليها الناس هي رواية ابن الأعرابي عن المفضّل. ومجموع أبيات المفضّليات نحو2,700 بيت.

وقد حظيت المفضّليات بعناية القدماء، فشرحوها شروحًا وافيةً مفيدةًَ، وفي مقدمتها شرح الأنباري (ت305هـ، 918م). وابن النّحاس (ت 338هـ، 949م). والمرزوقي (ت 241هـ،855م). والتبريزي (ت502هـ، 1108م). أما في العصر الحديث فقد لقيت أيضًا اهتمام الفهماء عربًا ومستشرقين، فحقّقوها وضبطوها ونشروها في طبعات عديدة.


الأَصْمعيَّات

مجموعة مهمة من مجموعات الشعر العربي القديم، جمعها وألفها أبوسعيد، عبدالملك بن قُريب، الأصمعي (ت 217هـ، 832م). وهوعالم في الطليعة من الفهماء الأقدمين. كان قويّ الذاكرة غزير المحفوظ، متمكنًا، عالمًا بأنساب العرب وأيامها وأخبارها وأشعارها. وهوبحر في اللغة لايعهد مثله فيها وفي كثرة الرواية.

والأصمعيات هي المجموعة التي تلي المفضليات في أهميتها وقيمتها الأدبية. ويعدها الفهماء متممة للمفضليات. ولعلّ تلاميذ الأصمعي أوالمتأخرين هم الذين أطلقوا عليها الأصمعيات، تمييزًا لها وفرقًا بينها وبين اختيار المفضّل الضبّي. ورغم ذلك، فإن الاختلاط والتداخل قد سقط بين هذين المجموعين حتى ذكر بعض الناس قصائد من المفضليات على أنها أصمعيات. بل ذكر بروحدثان حتى للأصمعيات أربع مخطوطات إحداها مختار مختلف من المفضليات والأصمعيات. ويبدوحتى أمر الاختلاط قديم، أوحتى النسخ التي أطلع عليها الأقدمون تختلف عمّا بأيدينا؛ لأن كثيرين منهم كابن قتيبة وأبي عبيدة قد ذكروا قصائد وجعلوها من اختيار الأصمعي، إلاّ أنها غير موجودة في أصمعيّاته المطبوعة.

وعلى جميع حال، فإن المجموعة التي اشتملت عليها الأصمعيات هي من جيّد الشعر؛ لأن الأصمعي معروف بغزارة الحفظ وجودة الاختيار. وقد اقتصرت هذه المجموعة على الشعر القديم الجاهلي، وشيء من شعر المخضرمين والإسلاميين. واختار فيها لكثير من الشعراء قصائد غير التي اختارها لهم صاحب المفضليات. وممن اختار لهم الأصمعي: دريد بن الصمّة وعروة بن الورد وعمروبن معديكرب ومهلهل بن ربيعة والمتلمّس ومتمّم بن نويرة وغيرهم.

وبلغ عدد الشعراء الذين اختار من شعرهم 72 شاعرًا وكانت قصائدهم 92 ومجموع أبياتها 1,439 بيتًا.

نشرت الأصمعيات أول مرة بعناية المستشرق وليم بن الورد في ليبزج بألمانيا سنة 1902م، ثم نشرت في طبعة محققة بعناية أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون.

جمهرة أشعار العرب. مجموعة من المختارات الشعرية تُنسب إلى أبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي. وهوعالم من فهماء العربية يحيط بحياته الغموض، ويرجّح أنه من فهماء القرن الثالث الهجري.

وقد شاعت التسمية بالجمهرة خلال القرن الثالث الهجري وما بعده. فمن ذلك جمهرة ابن دريد في اللغة، وجمهرة أنساب العرب لأبي الفرج الأصفهاني وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، وجمهرة الأنساب لابن حزم.

ويمتاز كتاب جمهرة أشعار العرب عن الخط المؤلفة في موضوعه بمقدمته الطويلة التي كشفت عن غرض المحرر وأبانت منهجه، وهذا أمر لم يتوافر في المفضليات والأصمعيات. كما امتاز الكتاب بتبويبه المحكم الدقيق.

وقد جعل المؤلف مجموعه المختار من شعر الأقدمين ووضعه في سبعة أقسام، في جميع قسم سبع قصائد لسبعة من الشعراء. وهذه الأقسام هي: المعلقات والمجمهرات والمنتَقَيَات والمُذَهَّبات والمراثي والمشُوبات والملحمات. ويبدومن هذه الأسماء أنها صفات للقصائد المختارة؛ فالمعلقات هي التي كتُبت وعُلقت على أستار الكعبة، والمجمهرات مشبهة بجمهور الرَّمل في انتظامها ومتانة سبكها، والملحمات هي القصائد التي التحمت أجزاؤها، والممضىات والمنتقيات فيها مرشد جودة الشعر، والمشوبات يعنى بها حتى أصحابها من المخضرمين الذين شابهم الكفر قبل إسلامهم. أما المراثي فمعروفة.

وهذا التقسيم وإن لم يكن محكمًا جميع الإحكام إلا أنه كان دليلاً على نزعة نقدية مبكرة تمثلت في فكرة الطبقات التي شاعت في جيل أبي زيد وما بعده.

وتبقى جمهرة أشعار العرب مجموعة قيّمة من الشعر المختار تعدُّ مكملة للمفضليات والأصمعيات. وتزداد قيمتها بانفرادها بقصائد لم ترد في مصدر سوى الجمهرة هذه.

نشرت هذه المجموعة عدة نشرات، آخرها طبعة 1967م وهي محققة ومضبوطة.

ديوان الهذليّين. كانت القبيلة في العصر الجاهلي المظهر البارز لحياة العرب الاجتماعية، وكانت شخصية هذه القبيلة تعتمد على حملة النسب وعراقة الأصل، وتتجلّى أمجادها في صفات الكرم والوقائع، لذلك كانت القبيلة تحرص على حتىقد يكون لها شعراؤها الذين يصونون مكانتها بالدفاع عنها ضد المعتدين، وينشرون مناقبها بين القبائل.

من هنا كانت عناية الرواة والفهماء الأوائل بأشعار القبائل، فدوّنوها وصنَّفوا فيها المجموعات الشعرية المعروفة، ورووا دواوين شعرائها، وكان على رأس هؤلاء الرّواة أبوعمروالشيباني الذي اهتمّ بهذا النّوع من التأليف فجمع شعر ما يزيد على ثمانين قبيلة، وكذلك عمل الأصمعي وابن الأعرابي وغيرهم من الفهماء والرواة.

وديوان الهذليين صَنَعَه أبوسعيد، الحسن بن الحسين، السُّكّري (212-275هـ، 827-888م). وهوعالم في اللُّغة والنحوورواية الشعر، اشتغل برواية دواوين الشعراء وأشعار القبائل.

ويعدُّ هذا الديوان من الدواوين الفريدة التي وصلت إلينا، ولووصلت إلينا بقية الدواوين لكانت ثروة فهمية قيّمة، تكشف عن خصائص اجتماعية ولغوية مهمة. وترجع أهمية هذا الديوان إلى حتى قبيلة هذيل كانت من قبائل الحجاز المعروفة بفصاحتها وسلامة لغتها من شوائب العجمة؛ لأنها تعيش في وسط الجزيرة العربية، بعيدة عن مناطق الاختلاط بغير العرب، لذلك كان شعر هذه القبيلة موضع اهتمام الفهماء والرواة كالشَّيباني والأصمعي، بل اهتم به جلّة الأئمة كالإمام الشافعي.

ويمثل شعر هذه القبيلة ثروة ضخمة في الاستشهاد به في اللّغة والنحووالقرآن والحديث. وقد كان الفهماء في جمعهم اللغة والحفاظ على سلامتها، لا يأخذون عن عامة قبائل العرب، بل كان أخذهم عن قريش وقيس وأسد وتميم وهذيل وبعض كنانة وطيِّئ. وتأتي قبيلة هذيل في الطليعة لصلتها بقريش في النسب والمصاهرة والجوار.

يضم هذا الديوان قرابة تسعة وعشرين شاعرًا من شعراء هذه القبيلة، وهم سبعة وعشرون شاعرًا في بعض أصول الديوان المخطوطة. وهذا العدد من الشعراء يتفاوت في العصور والشَّاعريّة وغزارة الإنتاج، غير أنّ أشهرهم وأشعرهم ألبتَّة أبوذؤيب، خويلد بن خالد الهذلي، وهوأكثرهم إنتاجًا. وتبدأ هذه المجموعة بأشهر قصائد أبي ذؤيب وهي العينية التي نظمها في رثاء أولاده.

وكان هذا الديوان محلّ عناية الفهماء منذ القدم. وقد عكف السُّكّريُّ على شرحه بعد حتى أكمل جمع قصائده، غير حتى هذا الشرح ضاع فيما ضاع ولم تصل إلينا منه إلاّ قطوف يسيرة. كذلك كان هذا الديوان موضع عناية المتأخرين والمحدثين، فقد نشر عدة مرات، أفضلها حتى الآن طبعة دار العروبة.

الحماسات

Robinson Jeffers

اشتهرت في التراث العربي حماسات كثيرة. وهي اختيارات من الشعر العربي قام بها لفيف من الفهماء. اشتهر منها الحماستان: الكبرى والصغرى، لأبي تمام (ت231هـ، 845م) وحماسة البحتري (ت284هـ، 897م) وحماسة ابن الشجري (ت 542، 1147م) والحماسة البصرية للبصري (659هـ، 1260م)، وفي العصر الحديث مختارات البارودي (ت 1322هـ، 1904م).

الحماسة الكبرى. كان أبوتمام، حبيب بن أوس الطائي، رائد التأليف في موضوع الحماسات. فهوأول من نسبت إليه الحماسة. ويبدوأنه صاحب هذه التسمية، وإن كان في ذلك خلاف. وتأتي أهمية حماسة أبي تمام في اختلاف ذوق مصنِّفها عن مصنفي الاختيارات الأخرى، لأن الرجل شاعر لطيف الحسِّ حسن الثقافة حافظ لقديم الشعر، وخليق بمثله حتىقد يكون قادرًا على التمييز، بصيرًا بجيد الأشعار.

اتسمت الحماسة بأنها اختيار عمد فيه أبوتمام إلى جيد الأبيات فانتقاها، مخالفًا بذلك طريقة السابقين كالمفضل والأصمعي اللذين كانا يختاران القصيدة برُمّتها. وقد أباح أبوتمام لنفسه حرية إصلاح مايراه قلقًا من الألفاظ كما ذكر بعض شراحها كالمرزوقي؛ وهذا منهج لايرضاه النقّاد، ولعلّه سار في ذلك على ماذكره الأصمعي من حتى الرواة قديما كانوا يصلحون أشعار الشعراء.

وامتازت حماسة أبي تمام، بالإضافة إلى جمع أشعار القدماء، بتبويبها حيث سقطت في عشرة أبواب هي: باب الحماسة، والمراثي، والأدب، والنسيب، والهاتى، والأضياف، والمديح والصفات، والسِّير، والملح، وباب مذمة النساء.

والنقّاد القدماء مجمعون على إطراء الحماسة، نطق المرزوقي: “وقد سقط الإجماع من النّقاد على أنه لم يتفق في اختيار المبترات أنقى مما جمعه أبوتمّام. وروى التبريزي قول بعضهم”: إذا أبا تمام في اختياره الحماسة أشعر منه في شعره.

وقد كثر شراح حماسة أبي تمام حتى جاوزوا العشرين شارحًا أشهرهم المرزوقي والتبريزي والصولي وابن جني والآمدي والعسكري والشنتمري والمعرّي والعكْبري. ولعلّ أشهر هذه الشروح شرح المرزوقي وشرح التبريزي وقد طبعا عدة طبعات.

الحماسة الصغرى

وهي أيضًا لأبي تمام، وقد عهدت بالوحشيات أوهكذا سماها صاحبها. وقد اتىت تسميتها من صفة أشعارها التي أشبهت الوحوش في كونها شوارد لاتُعهد وأغلبها للمقلين أوالمغمورين من الشّعراء.

وهي على غرار الحماسة الكبرى، لم تختلف عنها في تبويبها إلاّ في إحلاله باب المشيب مكان باب السِّير. وهذه الحماسة دون الكبرى في شهرتها واهتمام الفهماء بها. وهي مطبوعة محققة منذ 1963م.

حماسة البحتري

يبدوحتى شهرة حماسة أبي تمام أغرت البحتري، أبا عبادة، الوليد بن عبيد، بأن ينسج على منوال أستاذه، حيث كان البحتري هوالمقلّد الأول لأبي تمام في هذا التأليف. وقد اتىت بعده جماعة أعجبتهم الفكرة فحذوا حذوالطّائيين مثل الخالديَّين وابن الشجري وابن فارس وغيرهم.

وكان البحتري قد اختار أشعار حماسته للفتح بن خاقان، وزير المتوكّل. ولم يختلف اختياره عن اختيار أبي تمام، وسائر من صنفوا في هذا الموضوع، إلا بزيادته بعض الشعراء المحدثين مثل بشار بن بُرد وصالح بن عبدالقدوس.

أمّا في التبويب فقد كان الفرق واضحًا حيث جعل البحتري حماسته في أبواب تفصيلية بلغت 147بابًا، تفرّعت عن الموضوعات العامة والأغراض الكبرى. وقد تكاثرت مقطوعات الحماسة حتى بلغت 1,454 مقطوعة قد تطول وقد تقصر حتى تكون بيتًا أوبيتين. وكثر، تبعًا لذلك، عدد شعرائها حتى بلغوا 600شاعر.

ولم يعمد أحد من الأقدمين إلى شرح حماسة البحتري. وقد طبعت أكثر من مرة.

حماسة ابن الشجري. ابن الشجري هوهبة الله بن علي، من فهماء القرن السادس الهجري، اشتهر بأماليه وبكتاب الحماسة الذي نحا فيه منحى أبي تمام والبحتري ولم يختلف منهجه عن منهجهما كثيرًا.

والأشعار المختارة في حماسة ابن الشجري مبترات لاتبلغ حدود القصائد وهي في غزارة مادتها لاتبلغ غزارة مادة الحماستين السابقتين. وقد بلغ عدد شعرائها 365 شاعرًا عدا المجهولين الذين لم يسمهم، وبلغت مبتراتها 944 مقطّعة. وهي تشارك سابقاتها في التبويب والأغراض واختيار الشعر القديم، وتهتم أكثر منها بشعر المولّدين مثل بشّار وأبي نواس وأبي العتاهية وأبي تمام والبحتري وأضرابهم. ولم يكتف بذلك بل أفرد للغزل في شعر المحدثين بابًا.

وقد طبعت حماسة ابن الشجري أكثر من مرة، وطبعتها الأخيرة جيدة مفهرسة.

ولابن الشجري أيضًا مختارات تختلف عن حماسته من ثلاث جهات؛ الأولى أنه قصرها على أشعار الجاهليين، والثانية حتى القصائد التي أوردها اتىت تامة غير مجتزأة، بلغت خمسين قصيدة لأربعة عشر شاعرًا. أما الجهة الثالثة فإن هذه المجموعة لم تقتصر على إيراد الشعر وحده بل كانت تتقدم الأشعار مقدمات نثرية تنطوي على أخبار قائليها، وتلقي ضوءًا على مناسباتها.

وقد طبعت هذه المختارات أكثر من مرة.

الحماسة البصرية

Homer

من مصنفات القرن السابع الهجري، جمعها أبوالحسن، صدر الدين بن الحسن البصري، وأطلق عليها لقبه لتعهد به وتتميز عن غيرها.

وليس في الحماسة البصرية حديث من حيث المادة والتبويب. وقد بلغت أبوابها 12 بابًا احتوت علىستة آلاف بيت لنحو500 شاعر تقدمتها خطبة شاملة أبانت فضيلة الاختيار. نشرت في الهند 1964م.

هذه أشهر الحماسات، وهناك حماسات واختيارات أخرى لم تخط لها الشهرة كالتي تحدثنا عنها، منها حماسة الخالديين وغيرها. أما في العصر الحديث فقد قام محمود سامي البارودي بجمع قصائد قصرها على ثلاثين شاعرًا من المولدين دون سواهم، مثل بشار وأبي نواس ومن اتى بعدهم، عهدت بمختارات البارودي. ولم تطبع إلا بعد وفاته.

أجناس الشعر

The Old English epic poem Beowulf is written in alliterative verse and paragraphs, not in lines or stanzas.

قد تسمى أنواع الشعر أيضًا. وهي تلك القوالب التي استقر الشعر منذ نشأته على طابعها، أوهي الشكل الأدبي الذي ارتضاه الشعراء للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم. انقسمت هذه الأجناس أوالأنواع إلى أشكال أربعة: الشعر الغنائي، الشعر القصصي أوالملحمي، الشعر التمثيلي، الشعر التعليمي.

الشعر الغنائي

وقد يسمَّى بالشعر الوجداني. وهويعني ذلك التعبير عن العواطف الخالصة في مجالاتها المتنوعة من فرح وحُزن وحب وبغض، وما إلى ذلك من المشاعر الإنسانية. ويعد هذا اللون أقدم أشكال الشعر في الأدب العربي، فقد كان الشعراء القدامى يعبرون تعبيراً خالصًا عن هذه المشاعر الإنسانية وقد يحدث هذا التعبير مصورًا لذات الشاعر ومشاعره، كما ارتبط منذ نشأته بالموسيقى والغناء، ومن هنا سمي بالشعر الغنائي.

هذا اللون من الشعر استأثر بطاقة الشعر العربي، وفجر ينابيعها الفنية حين تحوّل إلى موضوعات وأغراض، كالغزل والوصف والحماسة والمديح والرثاء والهاتى والفخر والزهد والحكمة. وقد هجر هذا التوجه للشعر الغنائي ميراثًا هائلاً يتدفق حيوية وجمالاً وهوماعهد بديوان العرب.

وقد استمرت موضوعات الشعر الغنائي في التعبير عن الذات الإنسانية وعن تقلباتها وعن أفراحها وأحزانها حتى وقتنا الحاضر. ولكن التطور الحضاري والفكري بدل فيها بعض التبديل؛ فلم يعد المدح يدور حول الشجاعة والعدل مثلاً أويتغنَّى بالعفة والفضائل الخلقية، ولكنه توجه للتغني والتعبير عن وجدان الأمة وبطولاتها ومآثرها القومية كما ينشد التقدم والرخاء ويدعوللحاق بركب الأمم، إلى غير ذلك ظلت موضوعات الشعر الغنائي باقية متجددة ولكن في تعبير أقرب إلى حياتنا المعاصرة.

تحول الشعر الغنائي من عاطفته المشبوبة وغزله الصريح ووصفه لمحاسن المرأة إلى فكرة ورؤية ورمزٍ وأُنموذج. وبذلك اتسع مداه ليضم ما يمور به الكون من تأمل واستبصار، وشوق وحنين، وألم وأمل، وفرح وحزن، وإن ظل الشعر الغنائي أوالوجداني هوسيد التعبير عن عواطف الشعراء غير منازع. الشعر القصصي أوالملحمي. يسمى الشعر القصصي أوالملحمي؛ لأنه يدور غالبًا حول معارك حربية، وهوذلك الشعر الذي لا يعبر عن ذات صاحبه، ولكنه يدور حول أحداث أوبطولات وأبطال في فترة محددة من تاريخ الأمة. كما يمزج الحقائق التاريخية بروح الأسطورة والخيال وتتوارى ذات الشاعر في هذا المقام حين يتناول مادته تناولاً موضوعيًا وليس وجدانيًا. وهويصور حياة الجماعة بانفعالاتها وعواطفها بعيدًا عن عواطفه وانفعالاته، ولا تظهر شخصيته إلا في أضيق الحدود. كما تعنيه عواطف الأبطال وانفعالاتهم أكثر من عواطفه وانفعالاته الخاصة.

تطول قصائد هذا اللون من الشعر حتى تصل آلاف الأبيات، ولكنها على طولها لا بد لها من وحدة هي حدثها الرئيسي وشخصيتها الرئيسية التي تمضي بالأحداث إلى نهايتها. ثم تتفرع أحداث ثانوية وشخصيات مساعدة.

أقدم ماعهده تاريخ الأدب العالمي من هذا الجنس الشعري ملحمتا الإلياذة والأوديسة لشاعر اليونان هومر، وموضوع الإلياذة تلك الحرب القاسية بين اليونان ومملكة طروادة، وأما الأوديسة فتصور عودة اليونانيين إلى بلادهم عقب المعركة.

والملحمتان تحكيان ألوانًا من المشاعر المتباينة، من الغدر والوفاء، والحب والبغض، كما تصور أحداثًا دامية عنيفة، وتحكي أسطورة فتح طروادة بهيكل الجواد الخشبي، كما تحدثنا عن شخصيات الأمراء والقواد مثل أخيل وأجاممنون وأجاكس وهيكتور وغيرهم. وبلغت الإلياذة ستة عشر ألف بيت من الشعر على وزن واحد.

وقد عهد الرومان الملاحم على يد شاعرهم فيرجيل حين خط الإنيادة مستلهماً ملحمتي هوميروس. وموضوعها مغامرات البطل إينياس.

وكذلك عهدت الأمم الأوروبية عددًا من مطولات الشعر القصصي جعلته سجلاً لأحداثها ومواقف أبطالها؛ فأنشودة رولان عند الفرنسيين تصوير لعودة الملك شارلمان منهزمًا في إحدى غزواته، ولكنه بالرغم من هزيمته كان مثالاً للبطولة والنبل. كما عهد الفرس ملحمة الشاهنامه التي تحكي أحداث مملكة الفرس. وكذلك خط الهنود ملحمة المهابهاراتا في مائة ألف بيت حول صراع أبناء أسرة واحدة على الملك مما أدّى إلى فنائهم جميعًا.

لم يعهد الأدب العربي هذا اللون من القصص أوالملاحم في شعره القديم ولكن في العصر الحديث حاول الشعراء العرب استيحاء التاريخ قديمه وحديثه لتصوير البطولات العربية الإسلامية. فخط الشاعر المصري أحمد محرم (ت 1945م) الإلياذة الإسلامية في أربعة أجزاء يحكي في الجزء الأول حياة الرسول ³ بمكة ثم هجرته إلى المدينة، كما يتناول غزواته وأحداثها وبطولاتها ويستمر الحديث عن الغزوات والبطولات في الجزءين الثاني والثالث. أما الجزء الرابع فيخصصه للحديث عن الوفود التي قدمت على الرسول والسرايا التي اتجهت إلى مختلف أنحاء الجزيرة العربية.

وقد خط خليل مطران قصيدة قصصية عنوانها فتاة الجبل الأسود تصور ثورة شعب الجبل الأسود ضد الأتراك. ومحورها بطولة فتاة تنكرت في زيِّ فتى واقتحمت مسقطًا للأتراك، وقتلت بعض رجالهم، وعندما أُسرت اكتشف الأتراك حقيقتها فأعجبوا ببطولتها وأَطلقوا سراحها.

وإذا كان الأدب العربي الفصيح لم يعهد هذا اللون من الشعر إلا بقدر يسير، فالأدب الشعبي اتخذ من فن الملحمة لونًا عثر الرواج والقبول؛ فما يزال المنشدون يرددون ملحمة عنترة أبي الفوارس وتغريبة بني هلال وهي ملاحم تؤدي فيها الأسطورة والخيال دورًا مهمًا في تصوير الوقائع والبطولات.

هذا اللون قد قل شأنه في العصر الحديث إذ لم يعد الإنسان تطربه خوارق الأساطير الممعنة بالخيال بقدر اهتمامه بأحداث الحاضر المعبِّر عن واقعه وهمومه وآماله وآلامه. الشعر التمثيلي. هوذلك اللون من الشعر الذي تحكي أحداثه موقفًا تاريخيًا أوخياليًا مستلهمًا من الحياة الإنسانية. ومن أبرز خصائصه حتى مجموعة من الأفراد تصور هذا الحدث بالحوار بينها وأداء الحركات. وبذلك تتوارى ذات الشاعر تمامًا؛ فهولا يصدر عن عواطفه وأحاسيسه الخاصة، ولكن عن عواطف تلك الشخصيّات التاريخية أوالخيالية التي يصورها.

عهد الشعر التمثيلي نوعين هما: المأساة التي تصور كارثة سقطت لشخص من ذوي المكانة العالية وتكون نهايتها محزنة إما بموت البطل وإما باختفائه. والملهاة التي تتناول أشخاصًا ليسوا من ذوي المكانة العالية وتحكي وتصور حوادث من حياة الناس اليومية مركزة على العيوب أوالنقائص التي تثير الضحك.

اقترن الشعر التمثيلي منذ نشأته بالغناء والموسيقى، ثم بدأ الأداء التمثيلي يبعد شيئًا فشيئًا عن دنيا الغناء حتى انتهى الأمر إلى لونين هما المسرحية التمثيلية والمسرحية الغنائية. وأهم تغيير وقع في هذه الفترة هوحتى المسرحية التمثيلية اتجهت للنثر الخالص وهجرت الشعر؛ لأن قيود الشعر جعلت إدارة الحوار بين الشخصيات يظهر متكلّفًا كما أنها تضعف الحركة اللازمة في المسرحية.

من أشهر من خطوا هذا اللون من الشعر قديمًا سوفوكليس وأريسطوفانيس في الأدب اليوناني، وسنيكا وبلوتس في الأدب الروماني وراسين وموليير في الأدب الفرنسي، وشكسبير وبرنارد شوفي الأدب الإنجليزي.

ظل الشعر التمثيلي مجهولاً في أدبنا الحديث حتى أخذ أحمد شوقي بيده فخط ست مسرحيات شعرية، ثلاث منها تحكي عن العواطف الوطنية الملتهبة وهي مصرع كليوباترا وقمبيز وعلي بك الكبير واثنتان تصوران طبيعة الحب والعاطفة في التراث العربي هما: مجنون ليلى وعنترة والسادسة ملهاة مصرية بعنوان السِّت هدى. ثم اتى عزيز أباظة وأكمل ما بدأه شوقي من الشعر التمثيلي فخط شجرة الدر؛ قيس ولُبنى؛ العباسة والناصر؛ غروب الأندلس؛ قافلة النور.

ثم أخذ الشعراء المعاصرون من المسرح الشعري شكلاً رمزيًا حين اتجهوا له؛ فاستفادوا من طاقة الشعر وشفافيته في تصوير المشاعر والأفكار برقة وحساسية. فخط صلاح عبد الصبور وعمر أبوريشة، وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم، مسرحيات شعرية. انظر: عبد الصبور، صلاح. حتى أصبح المسرح الشعري شكلاً فنيًا قائمًا بذاته.

الشعر التعليمي

لون من الشعر يمزج بين الفهم والفن والعقل والخيال، ويحاول حتى يقدم الخبرات والتأملات في قصائد ذات حسٍ غنائي، فقد نظم شعراء اليونان في مجالات العلوم والفلك وكذلك شعراء الرومان وبعض الشعراء الفرنسيين.

ولما تحددت حدود الفهم عن الفن بدأ الشعر التعليمي يُتخذ وسيلة في أيدي بعض الناظمين ليعين الناشئة خاصة في موضوعات العلوم. وقد عهد العرب منذ القرن الثاني الهجري هذا اللون من الشعر على يدي أبان بن عبد الحميد اللاّحقي، حين نظم أحكام الصوم والزكاة، ومحمد بن إبراهيم الفزاري حين نظم قصيدة في الفلك وإن كان أبَّان اللاحقي هوسيد الشعر التعليمي في الأدب العربي؛ إذ نظمه في مختلف الأغراض مثل سيرتي أردشير وأنوشروان كما نظم كليلة ودمنة.

ونجد في مجال العلوم بشر بن المعتمر. وكذلك في التاريخ ماخطه الأندلسيان يحيى بن الحكم الغزال في فتح الأندلس وابن عبد ربه في غزوات عبد الرحمن الناصر.

وتدخل في دنيا الشعر التعليمي قصائد المواعظ والحكم كقصيدة أبي العتاهية ذات الأمثال، هذا فضلاً عن دور هذا الشعر في اللغة مثل: مقصورة ابن دريد، وألفيَّـة ابن مالك.

ألوان الشعر

Alexander Blok's poem, "Noch, ulitsa, fonar, apteka" ("Night, street, lamp, drugstore"), on a wall in Leiden

عهد الشعر العربي، على مدى عصوره المتنوعة، ألوانًا من الخطاب الشعري. وقد تبلورت تلك الألوان في أشكال من التعبير صنفها النقاد تارة وقفًا على موضوعها ودلالته فنطقوا: شعر الصعاليك، وأخرى حسب رؤيتها السياسية فنطقوا: شعر النقائض، ومرة حسب عاطفتها فسمّوها الشعر الصوفي أوالمدح النبوي. وقد يختص اللون الشعري بما يخالف موروث القصيدة التقليدية، ومن هنا نجد الموشحات في الأندلس والأزجال في المشرق والمغرب، كما نجد الشعر الشعبي الذي يعد لونًا من ألوان الشعر في لغته العامية. وقد يتداخل مصطلح الألوان مع الأغراض ولكن الألوان أوسع مجالاً من الأغراض؛ إذ يضم اللون الواحد عددًا من الأغراض فنجد مثلاً في شعر الصعاليك أوالموشحات أوالشعر الشعبي وصفًا ومدحًا وغزلاً ورثاءً وهاتىً وما إلى ذلك من الأغراض.

شعر الصعاليك

مصطلحٌ يصف ظاهرة فكرية نفسية اجتماعية أدبية لطائفة من شعراء العصر الجاهلي عكس سلوكهم وشعرهم نمطًا فكريًا واجتماعيًا مغايرًا لما كان سائدًا في ذلك العصر. فالصعلكة لغة مأخوذة من قولهم: “تصعلكت الإبل” إذا خرجت أوبارها وانجردت. ومن هذا الأصل اللغوي، أصبح الصعلوك هوالفقير الذي تجرد من المال، وانسلخ من جلده الآدمي ودخل في جلد الوحوش الضارية. وإذا كان الأصل اللغوي لهذه الحدثة يقع في دائرة الفقر، فإن الصعلكة في الاستعمال الأدبي لا تعني الضعف بالضرورة، فهناك طائفة من الصعاليك الذين تمردوا على سلطة القبيلة وثاروا على الظلم والقمع والقهر والاستلاب الذي تمارسه القبيلة على طائفة من أفرادها. ونظرًا لسرعتهم الفائقة في العدووشراستهم في الهجوم والغارة، أُطلق عليهم ذؤبان العرب أوالذؤبان تشبيهًا لهم بالذئاب.

ومما لاشك فيه حتى هناك عوامل جغرافية وسياسية واجتماعية واقتصادية أدت إلى بروز ظاهرة الصعلكة في الصحراء العربية إبَّان العصر الجاهلي. فالعامل البيئي الذي أدى إلى بروز هذه الظاهرة يتمثل في قسوة الصحراء وشُحِّها بالغذاء إلى درجة الجوع الذي يهدد الإنسان بالموت. وإذا جاع الإنسان إلى هذه الدرجة، فليس من المستغرب حتى يتصعلك ويثور ويقتل.

والعامل السياسي يتمثل في وحدة القبيلة القائمة على العصبية ورابطة الدم. فللفرد على القبيلة حتى تحميه وتهرع لنجدته حين يتعرض لاعتداء. ولها عليه في اللقاء حتى يصون شرفها ويلتزم بقوانينها وقيمها وأن لا يجر عليها جرائم منكرة. وفشل الفرد في الوفاء بهذه الالتزامات قد يؤدي إلى خلعه والتبرؤ منه، ومن هنا نجد طائفة من الصعاليك تُسمى الخلعاء والشذاذ.

ومن الناحية الاجتماعية، نجد حتى الهجريبة القبلية تتشكل من ثلاث طبقات هي طبقة الأحرار الصرحاء من أبناء العمومة، وطبقة المستجيرين الذين دخلوا في القبيلة من قبائل أخرى، ثم طبقة العبيد من أبناء الإماء الحبشيات. والحقيقة حتى مجموعة كبيرة من الصعاليك هم من أبناء هذه الطبقة المستلبة التي ثار الأقوياء من أفرادها لكرامتهم الشخصية مثل الشنفرى وتأبط شرًا وعمروبن برَّاقة والسليك بن السلكة وعامر بن الأخنس وغيرهم. وكان يُطلق عليهم أغربة العرب أوالغِرْبان تشبيهًا لهم بالغراب لسواد بشرتهم.

أما العامل الاقتصادي، فيعزى إلى أنَّ حياة القبيلة في العصر الجاهلي كانت تقوم على النظام الإقطاعي الذي يستأثر فيه السادة بالثروة، في حين كان يعيش معظم أفراد الطبقات الأخرى مستخدَمين أوشبه مستخدمين. فظهر من بين الأحرار أنفسهم نفر رفضوا حتى يستغل الإنسان أخاه الإنسان، وخرجوا على قبائلهم باختيارهم لينتصروا للضعفاء والمقهورين من الأقوياء المستغلين. ومن أشهر هؤلاء عُروة بن الورد الملقب بأبي الصعاليك أوعروة الصعاليك.

ويمثل الصعاليك من الناحية الفنية خروجًا جذريًا عن نمطية البنية الثلاثية للقصيدة العربية. فشعرهم معظمه مقطوعات قصيرة وليس قصائد كاملة. كما أنهم، في قصائدهم القليلة، قد استغنوا في الغالب عن الغزل الحسي وعن وصف الناقة. ويحل الحوار مع الزوجة حول حياة المغامرة محل النسيب التقليدي في بعض قصائدهم. وتمثل نظرتهم المتسامية إلى المرأة موقفًا يتخطى حسية العصر الجاهلي الذي يقف عند جمال الجسد ولا يتعداه إلى رؤية جمال المرأة في حنانها ونفسيتها وخُلقها.

وعلى الرغم من حتى مقاصد شعر الصعاليك كلها في تصوير حياتهم وما يعتورها من الإغارة والثورة على الأغنياء وإباحة السرقة والنهب ومناصرة الفقراء، إلاّ أنه اهتم بقضايا فئة معينة من ذلك العصر، يرصد واقعها ويعبِّر عن همومها ويتبنى مشكلاتها وينقل ثورتها النفسية العارمة بسب ما انتابها من ظلم اجتماعي.

النقائض

مصطلح أدبي لنمط شعري، نشأ في العصر الأموي بين ثلاثة من فحوله هم:جرير والفرزدق والأخطل. انظر: جرير؛ الفرزدق؛ الأخطل. وهذا المعنى مأخوذ في الأصل من نقَض البناء إذا هَدَمَه، نطق تعالى: ﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا﴾ النحل: 92. وضدُّ النقض الإبرام،قد يكون للحبل والعهد. وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه. والمناقضة في القول حتى يتحدث بما يتناقض معناه، وفي الشعر حتى ينقض الشاعر ما نطق الأول، حيث يأتي بغير ما نطق خصمه. والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض، وقد اشتهرت في هذا المعنى نقائض الفرزدق وجرير والأخطل، وقد عُرف المعنى المادي الذي يتمثل في نقض البناء أونقض الحبل أولاً، ثم اتى المعنوي الذي يظهر في نقض العهود والمواثيق، وفي نقض القول، وهوالمراد هنا، إذ أصبح الشعر ميدانًا للنقض حتى سُمِّي هذا النوع منه بالنقائض.

معناها الاصطلاحي

هوحتى يتجه شاعر إلى آخر بقصيدة هاجيًا، فيعمد الآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذي اختاره الشاعر الأول. ومعنى هذا أنه لابد من وحدة الموضوع؛ فخرًا أوهاتىً أوغيرهما. ولابد من وحدة البحر، فهوالشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذب إليه الشاعر الثاني بعد حتى يختاره الأول. وكذلك لابد من وحدة الرَّوي؛ لأنه النهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأول في ميدانه وبأسلحته نفسها.

معانيها المقصودة

الأصل فيها اللقاءة والاختلاف؛ لأن الشاعر الثاني يجعل همّه حتى يفسد على الشاعر الأول معانيه فيردها عليه إذا كانت هاتى، ويزيد عليها مما يعهده أويخترعه، وإن كانت فخرًا كذَّبه فيها أوفسَّرها لصالحه هو، أووضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه إلى غير ذلك. والمعنى هومناط النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكون رَجَزًا أوتكون نثرًا كذلك. ولابد حتى تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني، وأن تتضمن الفخر والهاتى ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر في الوقت نفسه.

نشأتها

نشأت النقائض مع نشأة الشعر، وتطورت معه وإن لم تُسمَّ به مصطلحًا. فقد كانت تسمى حينًا بالمنافرة وأخرى بالملاحاة وما إلى ذلك من أشكال النفار. وكانت في البداية لا تلتزم إلا بنقض المعنى واللقاءة فيه، ثم صارت تلتزم بعض الفنون العامة دون بعضها الآخر، مما جعلها لا تبلغ درجة النقيضة التامة، وإن لم تبعد عنها كثيرًا، ولاسيَّما في جانب القافية. ولاشك حتى النقائض نشأت ـ مثل أي فن من الفنون ـ ضعيفة مختلطة، وبمرور الزمن والتراكم المعهدي والتتبُّع للموروث الشعري، تقدَّم الفن الجدلي وأخذ يستكمل صورته الأخيرة قبيل البعثة، حتى قوي واكتمل واتضحت أركانه وعناصره الفنية. فوصل على يد الفحول من شعراء بني أمية إلى فن مكتمل الملامح تام البناء الفني، اتخذ الصورة النهائية للنقيضة ذات العناصر المحددة التي عهدناها بشكلها التام فيما عُرف بنقائض فحول العصر الأموي وهم جرير والفرزدق والأخطل.

مقوِّماتها

Arabic poetry

اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء، منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بها الشعراء خصومهم حين يهجرون أصولهم إلى غيرها، أويدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانت المناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أوالتشكيك أونفي الشاعر عن قومه أوعدّه في رتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكر والبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أوإيجابًا. فاعتمد الشعراء المناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن مسببات ذلك حتى المجتمع العربي على عصر بني أمية عاد مرة أخرى إلى العصبية القبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبية الدينية.

ومنها أيضًا أيام العرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منها موضوعًا للهاتى ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسن تصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس، ومنها العادات المرعية والأعراف والتنطقيد التي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة. فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلم والوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومه الفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتها وتنطقيدها في الجاهلية وفي الإسلام.

المدائح النبوية

يُعَدُّ المديح في الشعر العربي من الأغراض الرئيسية التي تشغل مكانًا بارزًا في إنتاج الشعراء منذ العصر الجاهلي إلى يومنا هذا. وتدور معاني المدح في الشعر حول تمجيد الحي، مثلما تدور معاني الرثاء حول تمجيد الميت. ولكن هذا العُرف الأدبي يختلف نوعًا ما في مجال المديح النبوي.

وإذا تتبعنا تاريخ المديح النبوي ـ وإن لم يعهد بهذا المصطلح في هذه الفترة ـ نجده بدأ في حياة النبي ³ حينما مدحه الشعراء، ومجّدوا دعوته وأخلاقه، ويأتي في مقدمة هؤلاء الشعراء شاعره حسان بن ثابت، وبعض الشعراء الآخرين الذين ذكرهم التاريخ بقصيدة واحدة مثل الأعشى وكعب بن زهير. وعندما انتقل الرسول ³ إلى الرفيق الأعلى رثاه الشعراء وبكوه، ولكنهم لم يخرجوا عن الخط العام للمدح والرثاء في الشعر العربي؛ لأنه ³ مدح في حياته ورثي بعد وفاته مباشرة. وكذلك كان ابن جابر الأندلسي (ت 780 هـ) ممن وقفوا أنفسهم على مدح الرسول ³ وله ديوان سماه العقدين في مدح سيد الكونين.

وقد تحولت المدائح النبوية إلى مصطلح أدبي ونمط شعري ازدهر وانتشر في العصر المملوكي، وتحديدًا في القرن السابع الهجري، حيث لجأ الشعراء إلى استرجاع السيرة النبوية والتغني بالشمائل التي تميز بها الرسول ³. وقد عُرفت القصائد التي نظمت في هذا المجال بقصائد المديح النبوي.

وكان من أبرز الأسباب السياسية والاجتماعية والنفسية لظهورها في هذا القرن أنه شهد من الحوادث والمتغيرات مالم يشهده قرن قبله؛ فقد اجتاح التتار الشرق الإسلامي فدمروا البلاد وأهلكوا العباد وقضوا على الخلافة العباسية في بغداد. وأقام المماليك دولتهم في مصر بعد حتى قضوا على الدولة الأيوبية. ثم حررت بلاد الشام من سيطرة الصليبيين بعد حتى أمضوا فيها حوالي مائتي سنة. وقد خاضت الدولة الإسلامية في ذلك القرن حروباً عنيفة ضد الصليبيين والتتار وعانت شعوبها ويلات تلك الحروب، كما عانت تسلط الحكام المماليك وظلمهم.

وتفشى الفساد بين الطبقات الحاكمة من أمراء ووزراء وموظفين، وعانى الناس كثرة الضرائب ومصادرة الأموال، فانتشر الفقر، وعمَّ الخوف ولم يجد الناس ملجأ يلجأون إليه سوى الرجوع إلى الله والزهد في الدنيا هربًا من واقعهم المر. وكانت تمر سنوات من القحط والجفاف، فتعم المجاعة وتنتشر الأمراض فيزداد بلاء المسلمين، وانتشرت الخرافة والشعوذة والتمس الناس جميع وسيلة للحصول على رزقهم اليومي.

في هذا الجوالمشبع بالآلام وفي تلك الظروف القاسية ازدهرت المدائح النبوية التي تكشف عن رغبة دفينة لدى شعرائها بالعودة إلى المنبع الصافي للعقيدة الإسلامية، حينما كان العدل يظلل جميع المسلمين، فاستعادوا بقصائدهم سيرة الرسول ³ بكل ما تمثله من عدل ونقاء من ميلاده حتى وفاته. وكان البوصيري إمام هذا الفن بلا منازع.

عاش البوصيري، محمد بن سعيد، أعوامه الثمانية والثمانين في القرن السابع الهجري بين عامي (608- 696هـ) وعانى مما عاناه بقية المسلمين من ظلم الحكام وقلة الموارد إلى جانب كثرة الأولاد الذين أثقلوا كاهله. وقد نظم البوصيري عددًا من القصائد النبوية في مناسبات مختلفة، الشعر الصوفي. يشكل الشعر الصوفي جزءًا متميزًا من شعر الرمز الديني المكتوب في اللغات العربية والفارسية والهجرية والأوردية. ويمكن فهمه من خلال ثنائية الرؤية واللغة.

فهوشعر يعبر عن رؤية داخلية تنبثق عن فهم ناظميه للآية الكريمة ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ ق:16. وبناءً على هذا الفهم، اتىت قصائدهم محملة بالوجد والحنين إلى المزيد من القرب من الذات الإلهية وشخص الرسول الكريم ³. كما حتى نصوصهم الشعرية تُظهر الأطوار التي مرت بها رؤيتهم الصوفية. فمن مجرد حب للذات الإلهية تغلبُ عليه العفوية والبساطة، إلى رغبة في الحلول والاتحاد بالذات الإلهية وانتهاء بمفارقة الجمع بين الاتحاد والانفصام أو(الفناء والبقاء). وهي شطحات صوفية منحرفة عن منهج العقيدة السليمة.

أما على مستوى اللغة وبنية القصيدة، فإن الشعر الصوفي يعكس تجاوز الحدثة لمعناها المعجمي، ويُكْسِبها مدلولات جديدة تحتمل التأويل. ويظهر تسامي الشعراء المتصوفة بعنصر النسيب في القصيدة التقليدية إلى الغزل في الذات الإلهية. وفي العصر العثماني، أُصيب الشعر الصوفي بآفة التكرار والابتذال، إلا حتى نظْم عبدالغني النابلسي (1141هـ، 1728م) يظل متميزًا لدمجه بين رؤيته النقشبندية ورؤية الشعراء السابقين مثل ابن الفارض وابن عربي وجلال الدين الرومي (672هـ، 1273م).

وفي العصر الحديث، ظهر تأثر الشعر الغربي بالشعر الصوفي العربي والفارسي في أشعار جوته وريلكه. كما يشكل شعر محمد إقبال (1357هـ، 1938م) وأدونيس استمرارًا للشعر الصوفي في الشعر المعاصر. إلا حتى شعر إقبال ينزع في مجمله نزعة إسلامية وشعر أدونيس ينزع نزعة غربية.

المعارضات الشعرية. مصطلح أدبي يرتبط مدلوله الفني بمدلوله اللغوي ارتباطًا وثيقًا، ففي مادة (عَرَضَ) تورد المعاجم العربية عددًا من المعاني لهذه الحدثة ومتفرعاتها، غير حتى ألصقها بالمدلول الفني وأقربها إليه ما يفيد اللقاءة والمباراة والمشابهة والمحاكاة.

نطق ابن منظور في لسان العرب تحت مادة (عرض): “عارض الشيء بالشيء معارضة أي قابله، وعارضت كتابي بكتابه، أي قابلته، وفلان يعارضني أي يباريني”. ونطق الفيروزأبادي في القاموس: عارض الطريق: جانبه وعدل عنه وسار حياله، والكتاب قابله. وفلانًا بمثل صنيعه: آتى إليه مثل ما أتى، ومنه المعارضة.

وقد استخدمت حدثة معارضة قديمًا للدلالة على المجاراة والمحاكاة في الشعر والنثر على حد سواء. فقد ورد في كتاب الأغاني حتى أبا عبيدة والأصمعي كانا يقولان عن عدي بن زيد: “عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها”. وفي العمدة نطق ابن رشيق: “ولما أرادت قريش معارضة القرآن عكف فصحاؤهم الذين تعاطوا ذلك على لباب البر وسلاف الخمر ولحوم الضأن والخلوة” قصد بالمعارضة المحاكاة.

وقد ضاق مدلول هذا المصطلح في العصور المتأخرة حتى اقتصر على المحاكاة في الشعر فقط، واختلفت الآراء ـ بعد ذلك ـ في تحديد المفهوم الفني له، فسقط الاختلاف بين الباحثين المعاصرين فيما يدخل ومالا يدخل في باب المعارضات. ولعل أقرب مفهوم فني للمعارضة هو: حتى توافق القصيدة المتأخرة القصيدة المتقدمة في وزنها وقافيتها وحركة رويها، وأنقد يكون الغرض الشعري واحدًا أومتماثلاً، بحيث تكون القصيدة المتأخرة صدى واضحًا للقصيدة المتقدمة. وهذه معارضة صريحة. أما ما عدا ذلك من القصائد التي فقدت أحد هذه العناصر فهي معارضات غير صريحة.

وقصيدة المعارضة غير الصريحة ـ تبعًا لذلك ـ هي التي فقدت فيها القصيدة المتأخرة أحد عناصر الشكل الخارجي للقصيدة القديمة واتفقت معها في الغرض العام أوالعكس. ونقصد بذلك حتى تتفق القصيدتان المتأخرة والمتقدمة في عناصر الشكل الخارجي وتختلفا في الموضوع العام، الموشحات. لون شعري نشأ بالأندلس في أواخر القرن الثالث الهجري، اتخذ معناه من الدلالة اللغوية للوشاح والإشاح، بما في ذلك من معاني التنميق والتزيين.

اختلف النقاد في أصل الموشحة، أأندلسية أم مشرقية، والمرجَّح حتى الموشحة فن أندلسي أصيل، وأن شبهة الموشح المنسوب إلى الشاعر المشرقي ابن المعتز والذي مطلعه: أيها الساقي إليك المشتكى قد دعوناك وإن لم تسمع

زعمٌ لايثبت عند التمحيص، وأنّ هذه الموشحة للوشَّاح الأندلسي ابن زهر الحفيد.

تبدأ الموشحة بمطلع يتألّف في أقل صوره من شطرين يسمَّى جميع منهما: الغصن. ويطلق على مثل هذا الموشح اسم الموشح التام. ويعقب المطلع ما يسمى بالدور، ويتكون في أقله من ثلاثة أسماط (أي أشطار شعرية). ويتكون السمط في أقله من قسيم واحد أي مبتر شعري واحد. والموشح الذي يبدأ بالدور مباشرة دون مطلع يسمى الموشح الناقص أوالأقرع.

ويعقب الدور ما يسمى بالقُفل، وهويماثل المطلع في عدد الأغصان ونظام القافية. ويسمى آخر قفل في الموشحة بالخرجة وهي تأتي على ثلاثة أحوال:

1- عربية فصيحة. 2- عربية عامية. 3- أعجمية.

أما البيت في الموشحة فيختلف عن البيت في القصيدة؛ ذلك حتى بيت القصيدة التقليدية يتكون من صدر وعجز، أما بيت الموشحة الأول مثلاً فيتكون من المطلع والدور والقفل. وقد يصل عدد المقاطع الشعرية في البيت الواحد إلى سبعة مقاطع أوتزيد. وقد حاول الموشح حتى يوجد قدرًا من الحرية في الشعر؛ حين يخفّف من قيد القافية الملزِم في القصيدة التقليدية، ولكن هذه الحرية لم تتحقق كما ينبغي؛ لأن الوشّاح ألزم نفسه بقيود أخرى بين الأدوار والأقفال أشد صرامة من قيد القافية. ورغم ذلك، فالموشح والزجل معًا عبَّرا عن ذاتية الأندلس، وتفردها بقدر كبير عجزت عنه القصيدة التقليدية. الزَّجل. فن من فنون الشعر العامِّي، نشأ وازدهر في الأندلس، ثم انتقل إلى المشرق العربي على خلافٍ في ذلك بين مؤرخي الأدب.

معناه اللغوي

تفيدنا فهم المعنى اللغوي لحدثة زجل في إدراك السبب في اختيار الحدثة اسما لفن الزجل. فالأصل الحسي لحدثة زَجَل يفيد أنها كانت تعني: درجة معيّنة من درجات شدة الصوت، وهي الدرجة الجهيرة ذات الجلبة والأصداء. وبهذه الدلالة، كان يُنطق للسحاب: سحاب زَجِل، إذا كان فيه الرعد. كما قيل لصوت الأحجار والحديد والجماد أيضًا زجل.

ثم تغيرت دلالة حدثة زَجَل، فأصبحت تعني اللعب والجلبة والصّياح، ومنها انتقلت إلى معنى: حمل الصوت المرنَّم. ومن هنا اتى إطلاق اسم زجل على صوت الحَمَام، ثم إطلاقه على الصوت البَشَري المُطرب. وقد يؤكد هذا الارتباط الدلالي بين حدثة زجل ومعني الصوت العالي المُنَغَّم حتى حدثة زجَّالة ما زالت تُطلق ، في إحدى واحات مصر، على جماعة الشباب الذين يجتمعون في مكان بعيد ليؤدُّوا الرقص والغناء الصاخب بمصاحبة آلاتهم الموسيقية.

Dante Gabriel Rossetti illustration to Christina Rossetti's Goblin Market and Other Poems (1862). Goblin Market used complex poetic diction in nursery-rhyme form: "We must not look at goblin men, / We must not buy their fruits: / Who knows upon what soil they fed / Their hungry thirsty roots?"

معناه الاصطلاحي

غدت حدثة زجل في الدوائر الأدبية والغنائية مُصطلحًا يشير على شكل من أشكال النظم العربي، أداته اللغوية هي إحدى اللهجات العربية الدارجة، وأوزانه مشتقة أساسًا من أوزان العروض العربي، وإن تعرضت لتعديلات وتنويعات تتواءم بها مع الأداء الصوتي للهجات منظوماته. ويتيح هذا الشكل من النظم تباين الأوزان وتنويع القوافي وتعدد الأجزاء التي تتكون منها المنظومة الزَّجلية، غير أنه يُلزم باتباع نسق واحد ينتظم فيه جميع من الوزن والقافية وعدد الشطرات التي تتكون منها الأجزاء، في إطار المنظومة الزَّجلية الواحدة.

وقد صنَّف القدماء الزجل، مع المواليا والقوما والكان كان ضمن ماسمَّوه الفنون الشعرية الملحونة أوالفنون الشعرية غير المُعْرَبة. ويقصدون بهذا الاسم: أشكال النظم العربية التي ظهرت في العصر الأدبي الوسيط، والتي لم يلتزم ناظموها باللغة الفصحى المعيارية، وخاصة بالنسبة لقواعد الإعراب. واعتماد ذلك التصنيف على هذا الفارق اللغوي يدلّ على إدراك نافذ. فالواقع حتى هذه الأشكال غير المُعْرَبة ظلت على صلة وثيقة بالأشكال المُعْرَبة، وتتبنى تنطقيدها الفنية، رغم فارق مستوى الأداء اللغوي. بل إذا لغة الزجل، مثلاً، وإن كانت غير مُعْرَبة، كانت تقترب من الفصحى بقدر كبير. فلـُغة المنظومات الزَّجلية كانت لهجة دارجة خاصة بالزجالين، بوصفهم أفرادًا يلتحقون بالدوائر الأدبية السائدة، وتتحد أطرهم المرجعية في داخل نوع الثقافة العربية التي تُقرُّها هذه الدوائر. وقد ظل هذا الفارق في مستوى الأداء اللغوي أحد مقوّمات تمايز الزجل عن الشعر الفصيح، كما كان في الوقت نفسه أحد مقوّمات تمايز الزجل عن أشكال الشعر الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري) وعن حركة شعر العامية واختلافه معها.

مكان الزجل بين أشكال النظم الأخرى. اتخذ الزجالون من الزجل شكلاً للتعبير استجابة لحاجة لغوية، وتحقيقًا لوظيفة فنيّة، لم تكن الأشكال الأخرى تفي بهما. فقد انحصر جميع من القصيدة التقليدية والموشح، بلغتهما ومواضعاتهما، في دائرة مُحدَّدة رسميًا وفئويًا. بينما استبعدت أشكال الشعر الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري)، الموجودة بالعمل. في الوقت الذي كانت قد تكوّنت فيه شريحة اجتماعية جديدة من أبناء البيوتات العربية في الحواضر والمدن. وكانت هذه الشريحة قد تقلّبت بها صروف الحياة ومطالب العيش في أسواق هذه المدن، ولكنها في توجهاتها ومطامحها تسعى للالتحاق بالدائرة الحاكمة مستجيبة لمعاييرها الاجتماعية والثقافية. ومن هنا، سعى مثـقّـفُوهذه الشريحة الجديدة للتعبير عن أنفسهم في شكل حديث وسيط، يتناسب مع وضعهم الاجتماعي والثقافي الوسيط. وكان على هذا الشكل المُوَلَّد حتى يعتمد أداة له: لهجة مُوَلَّدة تَدْرُج بين هذه الفئة من المثقفين، وأن يتخذ من ذائقتها ومعاييرها الفنية ضابطًا. وكان هذا الشكل المُوَلّد هوالزجل.

ومنذ بداياته الأولى، ظل الزجل فنا مدينيا في المقام الأول، وبقي محتلاًّ موضعه الوَسَطِيّ بين أشكال النظم العربية. وإن كانت وسطيَّته هذه تميل إلى جانب تراث الشعر الفصيح، وتبتعد عن مأثور الشعر الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري). وعلى أساس موضوعه الوَسَطِيّ هذا، تحددت وظائفه وخصائصه، كما تحدد مسار الظواهر التي رافقت نموه عبر تاريخه الطويل. وإدراكنا لهذا الموضع الخاص بالزجل يُمكننا من حُسن فهم خصوصياته، ويزيل كثيرًًا من الالتباسات التي أحاطت به، سواء ما أثاره القدماء أوما أحدثه المحدثون.

هيكل المنظومة الزجلية

تشير المصادر القديمة إلى حتى الزجالين، في الفترة الأولى من ظهور الزجل، كانوا ينظمون الأزجال في هيئة القصيدة العربية المعهودة، ذات الأبيات المُفردة والقافية الواحدة والوزن الواحد. وهي بذلك كانت تشبه القريض، لا تختلف عنه بغير عدم التزام الإعراب وباستخدام لهجة ناظميها الدارجة. وكانت تلك المنظومات تُسمَّى القصائد الزجلية.

وقد يُمثل هذا النطقب قصيدة مدغليس، الذي كان واحدًا ممن ثبتوا فن الزجل من معاصري ابن قزمان (ت554هـ). ولا تختلف هذه التقسيمات كثيرًا عن التقسيمات الفنية لأجزاء الموشحة. أما في العصر الحديث، فقد مال الزجالون إلى النظم في القوالب البسيطة، وابتعدوا عن التعقيد وتشقيق الأجزاء، ولهذا تتخذ منظوماتهم إما هيئة القصيدة، وإما تلك المعتمدة على الوحدات الرباعية وأضرابها.

أغراض الزجل

Shakespeare

منذ حتى استقر الزجل شكلاً من النظم مُعْترفًا به، ومنظوماته تعالج مختلف الأغراض التي طرقتها القصيدة العربية التقليدية، كالمدح والهاتى والغزل والوصف. وقد استمرت تلك الأغراض قائمة يتناولها الزجالون على توالي العهود والعصور حتى اليوم، غير حتى للزجالين، في جميع عهد معين وبيئة محددة، مجالات يرتبطون بها. ومن ثم كان مركز اهتمامهم ينتقل من أغراض بعينها، تلقى قبولاً في هذا المجال أوذاك، إلى أغراض أخرى، تختلف باختلاف العهود والبيئات الثقافية التي ينتمون إليها.

ومن ذلك ما نقرؤه في أزجال زجّالي أندلس القرن السادس الهجري، وزجالي العصر المملوكي في القرن الثامن، مثلا، من انشغال بالعشق والشراب، ووصف الرياض ومجالس الصحاب؛ نتيجة لالتفاف زجالي هذين العهدين حول دوائر الخاصة والتحاقهم بمجالسهم التي كان مدارها الغناء والتنافس في إظهار المهارة والتأنُّق والتَّظرُّف.

وعندما أصبح للصوفية وجودها في الحياة الاجتماعية، وأصبح من أهل التصوف مَن ينظم الزجل، غدا الزجل مليئًا بالمواعظ والحكم ووصف أحوال الصوفي.

على هذا النحو، تنقلت محاور الهجريز في أغراض الزجل وموضوعات منظوماته، إلى حتى اتى العصر الحديث وأصبحت لقاءة الاستعمار والتغيير الاجتماعي هما شغل الأُمَّة الشاغل، أخذ الزجالون يشاركون في الحركة الوطنية. ولذا صارت القضايا الاجتماعية والسياسية من أهمّ المواضيع التي تعالجها المنظومات الزجلية.

وفي جميع الأحوال، فهذا الارتباط الوثيق بين المنظومات الزجلية ومشاغل ناظميها وجمهورهم الذي يتلقاها، قد وفّر للمنظومات الزجلية إمكانية واسعة لتجويد أساليبها وصقل طرق صياغتها؛ كما أعطى لأدواتها البلاغية وتصويرها البياني مزيدًا من الواقعية والقدرة على التشخيص والتجسيد، الأمر الذي يسَّر استخدام الزجل في أشكال التعبير الفني الحديثة.

الزَّجَل في الأندلس. يعد الزجل والموشح من الفنون الشعرية التي ازدهرت في الأندلس لظروف خاصة بالبيئة الأندلسية ثم انتقلت بعد ذلك إلى المشرق.

وقد مر الزجل بخمسة أطوار نوجزها في الآتي:

أ- فترة ما قبل ابن قُُزمان. كان الزجل في هذه الفترة هوشعر العامة وأقرب ماقد يكون للأغنية الشعبية التي تشيع على ألسنة الناس وتكون جهد جنود مجهولين. ونرجح حتى الفئة المثقفة في هذه الفترة كانت أكثر عناية بالقصائد والموشحات بينما كانت الطبقة العامة أكثر شغفًا بالأغنية الشعبية والزجل العامي. ولعل هذه الفترة كانت في أواخر القرن الثالث الهجري.

ب- زجل الشعراء المعربين هوالطور الثاني من أطوار الزجل ويمثله نفر من الشعراء الذين كانوا يخطون القصيدة أوالموشح قبل عصر ابن قزمان ثم اتجهوا لكتابة الزجل عندما رأوا رواج هذا اللون من الشعر عند العامة وهوأمر يشبه ما نراه اليوم حين يخط بعض شعراء الفصحى أزجالاً عامية للغناء. ولعل هؤلاء النفر من الشعراء المعربين هم الذين عناهم ابن قزمان حين عاب على أزجالهم وقوع الإعراب فيها فسخر منهم في قوله:

¸يأتون بمعان باردة وأغراض شاردة وهوأقبح ماقد يكون في الزجل وأثقل من إقبال الأجل·.

وتميز من بين هؤلاء النفر الزجال أخطل بن نمارة، فقد أشاد ابن قزمان بحسن طبعه وحلاوة أزجاله في قوله: ¸ولم أر أسلس طبعًا وأخصب ربعًا من الشيخ أخطل بن نمارة فإنه نهج الطريق، وطرّق فأحسن التطريق·.

وقد ظهر هؤلاء المتقدمون من الزجالين المعربين في القرن الخامس الهجري خلال عصر ملوك الطوائف. ولما كانت بلاطات ملوك الطوائف أفسح صدرًا للشعراء وأكثر رعاية للشعر المعرب وتشجيعًا لأهله، لم تزدهر أزجال هذا الطور ومنيت بالكساد.

جـ- ازدهار الزجل. يمثل هذا الطور زجالوالقرن السادس الهجري وهونهاية عصر ملوك الطوائف وبداية عصر المرابطين. وقد ازدهر الزجل في هذا الطور بتشجيع الحكام الذين كان حسهم باللغة العربية لا يبلغ حس سابقيهم من ملوك الطوائف. ومن ثم لم تلق القصائد والموشحات الرعاية السابقة التي كانت تحظى بها في بلاطات ملوك الطوائف. ويُعد ابن قزمان إمام الزجل في هذا العصر بل وفي الأندلس قاطبة. ومسماه أبوبكر محمد ابن عيسى بن عبد الملك بن قزمان (480-525هـ، 1087-1130م) عاش في عصر المرابطين، وتوفي في صدر الدولة الموحدية. نشأ في قرطبة نشأة فهمية أدبية، إذ كان محررًا وأديبًا وشاعرًا ووشَّاحًا. وقد ورد في بعض المصادر أنه لما أحسّ قصر باعه في الشعر والتوشيح عمد إلى طريقة لايجاريه فيها أحد، فصار إمامًا لأهل الزجل. تجاوزت شهرته في الزجل الأندلس إلى المغرب والمشرق وقد صدر ديوان أزجاله صوت في الشارع أول مرة عام 1896م ثم عام 1933م بحروف لاتينية ثم نشر مرة ثالثة من قبل المستشرق الأسباني غارسيه قومس بحروف لاتينية مع ترجمة أسبانية.

بلغ الزجل على يد ابن قزمان ذروة نضجه حين قعَّد له القواعد، وجعل من أزجاله تدريبًا عمليًا لكُتّاب الزجل اللاحقين. كما عالجت أزجاله مختلف الأغراض التي وردت في الموشحات وإن غلب عليها الكُدية والتسول والإغراق في اللهووالمجون، كما كان ينتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية .

ويظل ابن قزمان على الرغم من مجونه واستهتاره أبرع زجالي الأندلس وإمامهم. فقد طبع الزجل بصورته الفنية في نطقب عامية الأندلس التي تراوح بين العربية واللهجة الرومانسية (العامية اللاتينية) د- الطور الرابع. يبدأ بمنتصف القرن السادس إلى القرن السابع الهجري، وهوفترة شهدت وفاة ابن قزمان وسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين. ويعد أحمد ابن الحاج المعروف بمدغليس هوزجال هذا الطور وخليفة ابن قزمان في زمانه، كما ظهر زجالون آخرون كابن الزيات وابن جحدر الإشبيلي وأبي علي الحسن الدباغ.

هـ- الطور الخامس والأخير في حياة الزجل في الأندلس يقع في القرن الثامن الهجري، وكان من أشهر زجاليه الوزير لسان الدين بن الخطيب، وأبوعبد الله اللوشي، ومحمد بن عبد العظيم الوادي آشي.

موضوعات الزجل في الأندلس. عالج الزجل كثيرًا من الموضوعات التي عهدها الشعر والموشح، إلا حتى الزجل كان يمزج في القصيدة الواحدة بين غرضين أوأكثر. فالغزل يمتزج بوصف الخمر والمدح يأتي في معيَّته الغزل أووصف الطبيعة، ومجالس الشراب. ووصف الطبيعة تصحبه مجالس الطرب والغناء. أمّا الأزجال التي اختصت بغرض واحد لا تتجاوزه فقليلة. ويعدُّ الزجل الصوفي من الأزجال ذات الغرض الواحد وكان الشستري (توفي سنة 682هـ، 1283م) من زجالي القرن السابع الهجري أول من خط الزجل في التصوف كما كان ابن عربي أول من خط الموشح في التصوف.

أشكال الزجل في الأندلس، وأوزانه وسماته. تتفق القصيدة الزجلية مع القصيدة المُعْرَبة في التزام الوزن الواحد والقافية الواحدة والمطلع المصرع. وتختلف عنها في بساطة اللغة وعفويتها حتى تبلغ درجة السذاجة أحيانًا في بعدها عن الإعراب ووقوع اللحن فيها.

يتفق الزجل من حيث الشكل والتقسيمات الفنية مع الموشحة في المطالع والأغصان والأسماط والأقفال والأدوار والخرجات.

وتكمن قيمة الزجل الحقيقية في صدق تعبيره عن واقع حياة الناس في الأندلس، في أزقة قرطبة وحواري إشبيلية، وفي شفافية نقله لحياتهم بخيرها وشرها، جدها وهزلها، أفراحها وأحزانها… وهذا ما أكسبه صفة الشعبية وجعل الناس أكثر تعلقًا به. الزجل في المشرق العربي. تفيد المصادر التاريخية بأن الدوائر الثقافية في المشرق العربي تابعت إنجاز روّاد الزجل الأوّلين في الديار الأندلسية منذ ظهوره. ويبدوحتى ظهور الزجل، بوصفه شكلاً من النَّظْم باللهجة الدارجة، لم يكن مُسْتغربًا بالنسبة للمشارقة. فقد كان لدى المشارقة أشكال أخرى من النظم باللهجات الدارجة. حيث كانت توجد أشكال من الشعر الشعبي (الجمعي، الفولكلوري) باللهجة العامية، كما ولّدت دوائر الخاصة أشكالاً من النظم بلهجاتها الدارجة، كالمواليا، والقوما، وكان وكان، والحماق.

ومنذ ذلك الوقت، احتفى المشارقة بهذا الشكل الجديد وأخذوا يتوسعون في النظم به. ولا نكاد نصل إلى القرن السابع الهجري حتى نجد حتى الزجل قد شاع بين أدباء مصر والشام والعراق، وكأنما كان على جميع مشتغل بفن القول حتى يُدلي بدلوه، ويثبت مهارته في النظم بالزجل. وتتتالى أسماء من ينظمون الزجل من الأدباء والشعراء منذ ذلك الحين، فنقرأ عن: علي البغدادي (ت684هـ) في العراق، وابن النبيه (619هـ) وابن نباتة (ت 718هـ) في مصر، وأحمد الأمشاطي (ت 725هـ) وعلي بن مقاتل الحموي (761هـ) في الشام، وغيرهم.

ومن ثَمَّ صار نظم الزجل أمرًا مقبولاً في البيئة الثقافية، وأصبح فقرة مرغوبًا فيها في مجالس الأدب. إلى غير ذلك انضم الزجالون إلى البلاط الأدبي لأمراء وسلاطين العصر المملوكي في مصر والشام، حتّى صار من الزجالين مَن تولىّ الوزارة، مثل: محمد بن سليم المصري (ت 707هـ) وابن مكانس القبطي (794هـ).

الزجل في مصر

يُجمع دارسوالأدب العربي ومؤرخوه على حتى الديار المصرية هي التي هيّأت للزجل موئلا كفل له الاستقرار والاستمرار. ففي مصر، اتسعت حركة الزجل وتنوّعت مجالات النظم به. وفيها عكف ناظموالزجل على تجويده وتنمية قوالبه وأساليبه الفنية. وفيها ظهر من ناظمي الزجل مَن انبتر لتأليف الأزجال وأصبح مختصًّا به ومتفرغًا له. ومن أوائل الزجالين الذين اشتهروا بذلك: إبراهيم الحائك المعمار (ت 749هـ) ثم أبوعبد الله الغباري (ت 762هـ).

تاريخ الزجل ونقده. كان لظهور الزجل وانتشار النظم به أثرهما، ليس على المستوى الإبداعي فحسب، بل على مستوى الكتابة حول الزجل أيضًا، وذلك بتناول جوانب من تاريخه أوظواهره أوقواعد نظمه أوخصائصه الغنية أودوره الاجتماعي.

والفاحص للمؤلفات العربية التي وصلتنا منذ القرن السادس الهجري، وخاصة المؤلفات التي عنيت بالحركة الأدبية والفنية، يجد مادة تاريخية مفيدة حول الزجل والزجالين. ومع حتى تجميع هذه المادة وضمها يساعدنا في تكوين تصوّر عن ظهور الزجل ونموّه، إلا أنها تظل في حدود الإشارات غير الوافية.

ولكن، ولحسن الحظ، يصلنا من القرن الثامن الهجري مصدر أكثر استقصاء، وهوكتاب العاطل الحالي والمرخص الغالي لمؤلفه صفيّ الدين الحِلِّي (ت 750هـ). انظر: العاطل الحالي. وقد مارس المؤلف نظم الزجل واحتك بالزجالين خلال تجواله الطويل بين حواضر مصر والشام والعراق. وقد هيأ له جميع هذا إمكانية نقل كتابته من مستوى إيراد المعلومات والأخبار إلى مستوى التأريخ لحركة الزجل حتى أيامه، والاجتهاد في تأسيس قواعد لنظم الزجل. ومن بدايات القرن التاسع الهجري يصلنا كتاب آخر، يتابع العاطل الحالي، وهوكتاب بلوغ الأمل في فن الزجل لمؤلفه ابن حجة الحموي (ت 837هـ). وابن حجة، أيضًا، كان ينظم الزجل وخالط الزجالين متنقلا بين الشام ومصر. وما زال الكتابان مصدرين يرجع إليهما الدارسون لتاريخ الزجل وقواعد نظمه.

أما في العصر الحديث، فقد كان لانتشار الزجل وصلته بالحركة الوطنية أثرهما في تنامي الكتابة النقدية حول الزجل. فظهرت منطقات تعريفية في الصحف والمجلات وفي مقدمات دواوين الزجالين. ثم خُصّ بعض الزجالين المتميزين بمنطقات نقدية تبيّن دور أزجالهم ووسائلها البلاغية. ثم تصبح الكتابات النقدية حول الزجل أكثر تعمقا في الدوريات المتخصصة وبعض الأطروحات الجامعية، وخاصة أنه قد أسهم في الجدل حول الزجل ما أثاره الباحثون الأجانب من آراء ونظريات.

الزجل في العصر الحديث. مع قيام النهضة العربية الحديثة، انتقل الزجل إلى طور جديد. فقد تبنى الزجل فئة من المثقفين الذين كانوا فصيلاً في حركة النهضة الوطنية. وقد جهدوا في تنمية أدوات الزجل ووسائله الفنية للاستفادة من إمكاناته في تيسير توصيل أفكارهم إلى جمهورهم المُبْتَغى، وهوجمهور أوسع، ولاشك، من دائرة مثقفي الخاصة. كما عملوا على تخليص الزجل من الركاكة والتكلُّف اللذين رانا عليه من عهود الانحدار السابقة، وعلى فك إساره من أيدي فئة الأدباتية الذين تدنوا به إلى مستوى استخدامه في التسوّل والابتزاز.

وبنهاية القرن الثالث عشر الهجري، تتابعت سلسلة من أسماء الرواد الثقافيين الذين طوعوا الزجل في اتجاهات متنوّعة. ومن أعلام هذه السلسلة المتواصلة: عبدالله النديم، ويعقوب صنّوع، ومحمد عثمان جلال. أما خير ممثل لتمام النقلة النوعية التي انتقلها الزجل فهومحمود بيرم التونسي (ت1380هـ). انظر: التونسي، محمود بيرم. وهوالذي أعلى من مكانة الزجل في الحياة الثقافية، وأكسبه قدرات فنية مكّنته من الامتداد إلى آفاق جديدة. وعلى يديه تكاملت الجهود في جعل الزجل أداة درامية مقبولة في الوسائط المستحدثة: في المسرح الغنائي أوفي حلقات الإذاعة المسموعة والمرئية.

وفي سياق حركة الزجل الناشطة هذه، استفاد الزجل من الإمكانات المتجددة للطباعة والنشر واتساع قاعدة القارئين. فتوالى نشر دواوين الزجالين، وعنيت بعض الصحف بنشر الأزجال، وصدرت بعض الدوريات التي تعتمد على المادة الزجلية في المقام الأول.

غير حتى اسم الزجل لم يحظ بالذيوع والتكرار إلا على أيدي الكُتَّاب والإعلاميين في لبنان، وخاصة في ثمانينيات القرن الرابع عشر الهجري. وهم لا يستعملون الاسم ليدل على المصطلح المحدد بشكل من النظم بعينه، وإنما استخدموه لكي يشير إلى جميع نظم باللهجات اللبنانية المحلية. إلى غير ذلك انطوى تحت هذا الاسم: العتابا والميجنا واليادي يادي والروزانا والموال، بل والأشكال الفولكلورية كهدهدة الأطفال وأغاني العمل، وأيضًا الشعر الحديث الذي ينظمه المثقفون بالعامية، فاعتُبر إنتاج شعراء مثل ميشال طراد وأسعد سابا من الإنتاج الزجلي. وإمعانًا في تأصيل خصوصية الزجل اللبنانية قيل: “إن الزجل سرياني اللحن في أول عهده، وعربيُّه فيما بعد”.

ومثل هذا الحماس والتوسّع والأقوال المرسلة، وإن كانت مظهرًا من مظاهر الاهتمام بالزجل، إلا أنها كانت مثارًا للخلط واضطراب المفاهيم، الأمر الذي آذن بتراجع الزجل ووقوفه الآن موقف الدفاع في لقاءة مؤثرات الحياة الثقافية العربية الحالية، وإن بدا بعضها متناقضًا. ويبرز أهمها، بالنسبة للزجل، في المؤثرات التالية:

1- حملة دُعاة الفصحى ضد جميع أشكال التعبير باللهجات الدارجة أوالعامية.

2- الالتفات إلى المأثور الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري)، وخاصة الجانب القولي منه، وعلى الأخص بعض أشكال النظم منه.

3- هجريز مثقفي جميع قطر عربي على شكل بعينه من أشكال النظم في إحدى اللهجات الدارجة في جهة من جهاته، واعتباره حاملاً لخصائص القطر المتميزة ومعبرًا عن ذاتيته المتفردة. كما حدث، مثلاً، مع الشعر النبطي في المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج العربية.

4- ظهور الاتجاه الجديد في النظم باللهجات الدارجة، والذي عُرف باسم شعر العامية، الذي يبتعد عن أرض الزجل وأضرابه متحركًا نحوأرض الشعر الحُرّ المعاصر. الشعر النَّـبَطي. شعر عربي ملحون، خرج على سنن العرب في كلامهم، حافل بالأصوات والمفردات والتراكيب الشعبية الدارجة. وهوأشهر أنواع الشعر غير الفصيح وأكثره انتشارًا في شمال الجزيرة وعلى ألسنة سكانها. وقد سمي بالنبطي تشبيهًا له بكلام النبط لخروجه عن سنن العربية فكأنه كلام النبط الذي يلحنون به ولايقيمون إعرابه.

وقد انتشر هذا النوع من الشعر في الجزيرة العربية منذ قرون بعيدة وبدأ نظمه على ألسنة الشعراء البارعين في جميع الأحوال. وإذا كان صفي الدين الحلي (ت 750هـ) وابن خلدون (ت 808هـ) قد ذكرا أنواعًا من الشعر غير الفصيح وذكرا أسماء ماكان معروفًا في زمانهما، فإن النبطي تسمية حادثة بعدهما لم يذكراها فيما ذكرا من الأسماء. ويظهر حتى التسمية بدأت في الجهة الشمالية المجاورة للعراق لقربها من الأنباط وبدأت تعهد؛ لانتشار الشعر بسرعة. وأول من عهد من شعراء الشعر النبطي في القديم أبوحمزة العامري من الأحساء وراشد الخلاوي، وقطن بن قطن من أهل عمان، ورميزان وجبر بن سيَّار من أهل نجد وبركات الشريف وبديوي الوقداني من أهل الحجاز وحميدان الشويعر من أهل الوشم (القصب) والهزاني من أهل (العقيق) الحريق. وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريَّيْن، انتشر الشعر النبطي انتشارًا واسعًا في جزء كبير من الجزيرة العربية وكثر الشعراء الذين يحسّنونه وقوي في جميع مكان وعلى جميع لسان، وبلغ الغاية في سرعة الانتشار في العصر الحاضر. وبرع فيه شعراء كثر منهم: جهز بن شرار، وابن سبيل، وشليويح العطاوي، ورشدان بن موزة، ولافي العوفي ومحمد بن لعبون وغيرهم. انظر: ابن لعبون، محمد. وكل هؤلاء عاشوا في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري. ثم اتىت بعدهم طائفة من الشعراء الشباب المعاصرين منهم: الأمير محمد السديري وسموالأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز (ابن الملك فيصل) والحميدي الحربي، وبندر بن سرور، وخلف بن هذال، وسبيل بن سند، وبدر الحويفي، وابن عبَّار العنزي، وكثيرون غيرهم.

أقسام الشعر النبطي

Du Fu

ينقسم الشعر النبطي إلى فنِّ القصيد، وفنِّ الرد أوالحوار. وفي جميع فنِّ، برز عدد من الشعراء المجوِّدين.

مضامين الشعر النبطي. الشعر النبطي يحمل جميع المضامين التي عهدها الشعر الفصيح وعبر عنها العرب الفصحاء، وكل فنِّ وُجِد في الشعر القديم المعرب وُجد في الشعر النبطي واحتفظ بكل عناصر الشعر العربي إلا الإعراب وبحور الخليل، فقد تخلَّى شعراء النبط عنهما إلا أنهم أحدثوا أوزانًا جديدة يستقيم بها جرس الشعر النبطي ويعهدون بها الشعر الموزون المقفى من غيره. وأغلب شعراء النبط في القصيد يلتزمون في البيت قافيتين ويتناول الشعر المدح والرثاء والهاتى والغزل ووصف الكرم والشجاعة وكل موضوعات الفخر وغيرها ولكن بلغة عامية. وهذه المعاني تأتي في القصيد الذي يحسنه الشعراء في الحجاز ونجد وشمال الجزيرة كله وشرقها وغربها. أما فنُّ الرَّد أوالحوار فلا يعهد مثله في الشعر الفصيح، وصفته: حتى يقوم شاعر ويقوم معه صفان من الناس، فينشد بيتين فيردد الصفان البيتين حتى يعترض الشاعر الآخر ويطلب منهما السكوت ثم يأتي ببيتين آخرين يشاكل معناهما معنى البيتين السابقين، فيقوم الصفان بترديدهما، فإن كان البيتان الأولان مدحًا تبعهما الشاعر الثاني، وإن كانا هاتىً تبعهما أيضًا… إلخ. وهذا الفنُّ لا يحسنه إلا القليل، ومنشؤه في الحجاز وفرسانه هناك (الحجاز مابين الحرمين وما حولهما) لأنه يقوم على أسس معهدية، وأعراف اجتماعية مرعية، وبيئة تشجِّعه. كما يقوم على الذكاء اللمَّاح، وسرعة البديهة، واستحضار الحال، وتضمين أشياء بعيدة عن الفهم المباشر والدلالة السطحية للحدثات. وتكون قدرة الشاعر في استعمال الإيحاء والإيماء البعيد للمعنى مؤثرًا في جودة الشعر، وتزيد إعجاب الناس بالشعر وبالشاعر وترجح كفَّته على مناقضه ويقع الإقرار بشاعريته. ولهذا الفن قوانين يحترمها الجميع، ولا يجلب الهاتى في الملعب عـداوة بين الشـعراء في الغالـب. وإذا لم يحـسن الشاعـر ـ أي أحد المتناقضين ـ المعنى المراد البعيد للشاعر الأول ولم يأت على معنى الشعر الأول بما يطابقه أويوافقه، عد غير قادر ولونطق في جميع ثانية بيتًا، ومن أشهر شعراء هذا اللون الذين مضىوا لافي العوفي والجبرتي وابن مسعود، ومن الشعراء الأحياء صيَّاف الحربي، ومطلق الثبيتي، ومستور العصيمي، وغيرهم.

نبذة تاريخية

W. H. Auden

اللغة كائن متغير متبدل. واللغة العربية الفصحى تعرضت للتطوّر والتغير، ومضى عليها زمن طويل منذ وضعت قواعدها وقنّن نظام الإعراب والنحووالصرف فيها. وتتابعت عليها عصور من التقلبات أكثرها أثرًا على اللغة خروج العرب من جزيرتهم واختلاطهم بغيرهم من الأمم؛ حيث بدأت اللغة العربية تنتشر في الآفاق وتحل حيث حل العرب، وتسير حيث ساروا، وتصارع اللغات الأخرى فتؤثر وتتأثر.

ومع مرور الزمن، نشأت العجمة واضطربت الألسن وانحرفت عن العربية الفصحى وأصابها التغيّر، فظهرت العامية في الكلام وفي الشعر منذ زمن بعيد، وسجل الأدباء والمؤرخون بدء العامية في الشعر والغناء على ألسنة العرب الذين بعدوا عن فهم الفصيح وفشت العامية في كلامهم عندما اختلطوا بغيرهم من الأمم، فاضطربت سليقتهم الفصحى ولكن بقيت شاعريتهم، فنظموا الشعر باللغة العامية التي غلبت على ألسنتهم، وقد وصف ذلك ابن خلدون في مقدمته بقوله: ¸افهم حتى الشعر لا يختص باللسان العربي فقط، بل هوموجود في جميع لغة سواء كانت عربية أوعجمية… ولما فسد لسان مضر ولغتهم التي دونت مقاييسها وقوانين إعرابها وفسدت اللغات من بعد بحسب ماخالطها ومازجها من العجمة، فكان لجيل العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة، وفي كثير من الموضوعات اللغوية وبناء الحدثات. وكذلك الحضر في الأمصار، نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الإعراب وأكثر الأوضاع والتصاريف وخالفت أيضًا لغة الجيل من العرب لهذا العهد… ثم لما كان الشعر موجودًا من طبيعة الحال في أهل جميع لسان… فلم يهجر الشعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر الذين كانوا فحوله وفرسان ميدانه حسبما اشتهر بين أهل الخليقة بل جميع جيل. وأهل جميع لغة من العرب المستعجمين والحضر أهل الأمصار يتعاطون منه مايطاوعهم في انتحاله ورصف بنائه على مهيع (طريقة) كلامهم. فأما العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر، فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائر الأعاريض على ماكان عليه سلفهم المستعربون ويأتون منه بالمطولات مشتملة على مذاهب الشعر وأغراضه من النسيب والمدح والرثاء والهاتى، ويستطردون في الخروج من فنِّ إلى فنِّ في الكلام. وربما هجموا على المقصود لأول كلامهم، وأكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشاعر ثم بعد ذلك ينسبون. فأهل المغرب من العرب يسمّون هذه القصائد بالأصمعيّات… وأهل المشرق من العرب يسمّون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحوراني والقيسي·.

وقد اختلفت تسميات غير الفصيح من الشعر منذ زمن بعيد فعهد الدوبيت، والزجل، والمواليا، والكان كان، والحماق، والحجازي، والقوما، والمزنَّم، وكل هذه الأسماء كانت لغير المعرب من الشعر. هذه الأسماء تختلف من مكان إلى آخر. وقد بَيَّن الإمام صفي الدين الحلي الفرق بينها في كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي.

أما في العصر الحديث فللشعر غير الفصيح أسماء كثيرة منها النبطي، والشعبي، والملحون، والحميني، والبدوي، والعامي، وغير ذلك من الأسماء. وأعمّها في الوقت الحاضر الشعبي. وفي الجزيرة العربية خاصة، يعهد الشعر العامي بالشعر النبطي.

والشعر النبطي كان مشافهة غير مدوّن وغير منشور حتى العصر المتأخر. وأول من دوَّنه وأرَّخَ له ولشعرائه خالد الفرج في كتابه ديوان النبط، ثم عبد الله بن خالد الحاتم في كتابه خيار مايلتقط من شعر النبط ثم كثرت الخط عن هذا اللون من الشعر النبطي وكثرت دواوين الشعراء، وأغلب ماينشر اليوم ليّن ضعيف يختلف عما كان عليه الشعر النبطي القديم. انظر: الفرج، خالد.

أغراض الشعر العربي

Kakinomoto no Hitomaro

هي تلك الموضوعات التي يتناولها الشعر الغنائي أوالوجداني كالوصف والمدح والهاتى والفخر والغزل وما إليها.

وحول هذه الأغراض، تدور أشعار العرب منذ القديم، حتى أنه من اليسير حتى ننسب التيارات الشعرية التي استجدّت في عصور مختلفة إلى واحد من تلك الأغراض، أوإلى أكثر من غرض، وسوف نتتبّع في إيجاز جميع غرض عبر العصور المتنوعة. الوصف. ويراد به وصف الشاعر الطبيعة، أومشهدًا من المشاهد الحية أوالجامدة، أوكائنًا من الكائنات، كوصف امرئ القيس لفرسه، أومثل لوحات ذي الرُّمَّة الشهيرة في الشعر العربي، أووصف النابغة لليل وقد امتلأت نفسه بالرعب من النعمان ملك الحيرة. وفي العصر الجاهلي، زخرت المعلقات بالوصف، كما اشتهر شعراء بوصف الخيل خاصة، منهم طُفيل الغنوي والنابغة الجَعْدي، كما اشتهر الشَمّاخ بن ضِرار، وهومخضرم، بوصف الحُمُر، والقوس، واشتهر أوس بن حجر بوصف أسلحة الحرب. والوصف في الشعر الجاهلي يتَّسم بالبساطة، والحس الفني الذي يجمع بين الرقة والعفوية. والواقع حتى الشاعر الجاهلي وصَّاف مصور، فالصورة الفنية عنصر أساسي في شعره. ولقد وصف الشاعر الجاهلي جميع شيءٍ سقط عليه بصره، كالصحراء بكل تفاصيلها والسماء والنجوم والمطر والرياح والخيام والحيوانات والطيور والحشرات، كما وصف أطلال محبوبته والرحلة إلى ممدوحه، بل إنه في سياق غزله قد وصف المرأة وصفًا بارعًا عبَّر ـ في عمومه ـ عن قيم الجمال الأنثوي لديه. بل إذا الوصف كان أداته في جميع غرض شعري طرقه.

ولا يكاد الوصف ـ في العصرين الإسلامي والأموي ـ يصيبه شيء يُعتدُّ به من التطور، اللهمّ إلا وصف الشاعر الأموي للبيئات الجديدة، بالإضافة إلى وصفه لحياة البداوة على سنة أسلافه في الجاهلية. إذ صور الفرزدق، مثلاً، الثلوج وهوفي بعض رحلاته إلى دمشق، كما حتى وصف عمر بن أبي ربيعة للمرأة، في سياق غزله، كان وصفًا للمرأة في بيئة أصابها غير قليل من التحول عن البداوة إلى الحضارة، في الملابس والعطور والعادات. وإذا كان ذوالرُّمَّة قد اختص بالوصف واشتهر بلوحاته، بما أوتي من ملكة فذّة، فإن روح البداوة قد ظلت ـ غالبًا ـ تسيطر على عناصر الصورة الفنية لديه.

وفي العصر العباسي، تحول الشاعر، في وصفه، عن البداوة والصحراء إلى وصف مظاهر الحضارة، كالرياض وبرك الماء، وموائد وصنوف الطعام والشراب المستحدثة، والملابس والقصور. وانصرف الشاعر العباسي عن وصف الظباء والغزلان في بيئاتها الصحراوية، إلى وصفها في بيئات متحضرة، كالقصور والبساتين. ولا شك أنَّ ما أوتيه الشاعر العباسي من ثقافات، فضلاً عن اتساع آفاق الحياة، قد أمدّه بقدرة أكبر على التخيّل والتصوير.

ويمكن القول إجمالا: إذا الوصف ـ بعد العصر العباسي إلى العصر الحديث ـ قد ارتبط بتطوّر مظاهر الحياة التي يقع عليها حسُّ الشاعر الوصاف، وتطور الثقافات والمعارف، ومن ثم كان الشاعر العربي يلاحق تطور الحياة، كما حتى تيار المعارف والثقافات كان يمنح خياله مقدرة أكبر على الوصف، كما نرى في أوصاف أحمد شوقي للنيل وطبيعة مصر، وكذلك شعراء المدرسة الرومانسية كمحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه، الذين أوتوا من قوة الخيال والتصوير الشيء الكثير، واقتربوا، في أوصافهم، من عالم الرمز الذي أكسب أشعارهم غموضًا طفيفًا محبّبًا، كما رفدتهم ثقافاتهم المتنوعة بصورٍ جديدة.

المدح

عهد الشاعر الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب، وكان للغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز الشعراء على مديح أمرائهم. ومن أشهر المداحين من شعراء الجاهلية النابغة الذبياني الذي اشتهر بمدح النعمان بن المنذر. وكما يقول أبوعمروبن العلاء: ¸وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضة والمضى من عطايا النعمان وأبيه وجدّه·.

وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل وحملة النسب، وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه، كما كان يتخذ من المدح المبالغ فيه ـ باستثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ حافزًا للممدوح على المزيد من العطاء. وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق الطريق وما أصاب ناقته من الجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه.

وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار حديث في المديح، هومدح النبي ³. ومن أوضح نماذجه لامية كعب بن زهير بانت سعاد التي أنشدها عند عفوالنبي الكريم عنه، وصارت إلى عصور متأخرة نموذجًا يُحتذى. كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي ³ أيضًا. وبذلك تحوّل المدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجرد والصدق، بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيم الخلقية.

وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية، بعضها يمالئ الأمويين، وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة، وكان مداحوالأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينما تجرد شعراء الفرق المتنوعة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للفوز للممضى ومحاربة خصومه، كما نجد في مديح عبيداللهلله بن قيس الرقيات لمصعب بن الزُّبير الذي يجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم.

وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح، تتمثّل في مدائح المتنبي لسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق، وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلم أبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم. ومن هنا اتىت مدائحه تلك أشبه بملاحم رائعة. وكذلك كان أبوتمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من حتى نذكرها هنا.

وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي حتى المدح في الشعر العربي ـ وإن يكن للتكسب ـ لم يكن في جميع الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هوفي كثير من الأحيان تجسيد للود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح، وهذا مايتضح في مدائح المتنبي لسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. فقد كان المتنبي شديد الإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليه نفسه، بقدر ماكان سيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعت إليه نفسه الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّد بطولاته.

ولقد مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحوما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصر القوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك، وبخاصة، بطولات هؤلاء الرجال في مقاومتهم للصليبيين والتتار والمغول.

ولم يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة، إذ رأينا الشاعر الحديث يرسم لنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًا لذوي السلطان وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارت الأنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي.

الهاتى

عمر الخيام

كان الهاتى في الجاهلية يقوم على التنديد بالرذائل التي منها: الجبن والبخل والسّفه الذي هوضدّ الحلم، فضلاً عن وضاعة النسب، وما عهدت به قبيلة المهجومن مثالب اشتهرت بها بين سائر القبائل، وهذه لا تخرج عن الرذائل التي تنفر منها النفس العربية عادة. ولعل من أشهر الهجَّائين في الجاهلية الشاعر الحطيئة، وهومن المخضرمين، وكان غير مأمون العاقبة، يهجوجماعة من الناس، فيحتالون إليه بالأموال ليكف عنهم هاتىه، فيأخذ أموالهم ولا يكف عن هجائهم.

وفي صدر الإسلام، بدا واضحًا حتى الإسلام قد أرسى من الفضائل مايجعل الهاتى إثمًا، ومع هذا، فقد ظل الحطيئة سادرًا في غوايته وهوايته فعاقبه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بالحبس.

كما أحدث الإسلام تحولاً مهمًا في الهاتى، فاتجه شعراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هاتى المشركين وبخاصة أولئك الذين هجوا النبي وأصحابه، من شعراء المشركين، واضطر حسان بن ثابت إلى حتى يمطرهم بوابل من الهاتى المقذع معاملةً لهم بالمثل، إلى غير ذلك وظف الهاتى في خدمة الدعوة.

وفي العصر الأموي، تطور الهاتى إلى صيغة فنية جديدة لم تُعهد إلا في العصر الأموي، فظهر ماعُرف بالنقائض.

ويتطور الهاتى في العصر العباسي ليصبح صورًا كاريكاتيرية على يد ابن الرومي خاصة، وعلى يد أبي الطيب المتنبي في هاتى كافور الإخشيدي. كما يظهر من خلال تيار الشعوبية نوعٌ من الهاتى للجنس العربي، اختلف بين الوضوح والخفاء، وبخاصة لدى أمثال بشار وأبي نواس.

كما شاعت معارك الهاتى بين أفراد من شعراء العصر العباسي، كتلك التي كانت بين حماد عجرد وبشار بن برد، وتناول الطرفان أبشع المثالب الحسية والمعنوية. وكما وضح تيار الشعوبية في أهاجي هذا العصر، فلقد وضحت الزندقة أيضًا في الهاتى، فكانت من التهم التي يوصم المهجوّ بها في أشعار الهاتى، كما كان يعمل حماد عجرد في اتهام بشار بالزندقة.

ويظل تيار الهاتى ـ فيما بعد العصر العباسي ـ مستمرًا يشكّل بابًا من الفكاهة والطرافة، إلى حتى يدخل العصر الحديث فيتحول هذا الهاتى إلى أداة فعالة في النقد السياسي والاجتماعي، كما في أشعار حافظ وشوقي في حملاتهما على الاستعمار، ونقد بعض أساليب الحكم، بالإضافة إلى نقد بعض الأمراض الاجتماعية، وبخاصة الفقر والجهل.

الرثاء

عهد الرثاء منذ العصر الجاهلي، وكان يتميز بما تميزت به سائر الأغراض من حيث الصدق وعفوية الأداء. وقد رثى شعراء الجاهلية قتلاهم في الحروب، كما رثوا موتاهم في غير الحروب. وكانوا يرثون قتلاهم بذكر مناقبهم وبالبكاء الحار عليهم حثًا للقبيلة على الثأر. كما حتى المرأة أدّت دورًا كبيرًا في رثاء قتلى الحروب، إذ تذكر المصادر، مثلاً، حتى الخنساء في الجاهلية كانت تخرج إلى سوق عُكاظ فتندب أخويها صخرًا ومعاوية، وكانت تحاكيها هند بنت عتبة راثية أباها، ولم تكن الخنساء ولا مثيلاتها من البواكي يقنعن بيوم أوأيام في رثاء موتاهنَّ، بل كنّ يمكثن الأعوام باكيات راثيات، ولا شك حتى النساء كنَّ يدعون بدعوى الجاهلية سواء في أشعارهن أم في بكائهن وعويلهن. ومثلما رسم الشاعر الجاهلي صورة للمثل والفضائل في قصائد المدح، فكذلك كانوا في مراثيهم يعددون فضائل الميت، حتى عرَّف النقاد القدماء الرثاء بأنه ذكر فضائل الميت ومدحه.

وفي صدر الإسلام، ظل الرثاء غرضًا شعريًا، إلا حتى العقيدة الجديدة أدخلت عليه تطويرًا واضحًا. فلم يعد الراثي يذكر ما حظره الإسلام من المعاني التي تتعارض مع ما أمر الله به من الصبر والإيمان بقضاء الله تعالى. كما كانت مراثي شعراء الرسول ³ تتضمن معاني الجهاد والإشادة بالبطولة والشهادة في سبيل الله. وتتضمن أحيانًا هجوًا للمشركين وقتلاهم.

وفي العصر الأموي ـ وبخاصة إبان أحداث الفتنة الكبرى وغيرها ـ تلقانا مراثٍ كثرٌ فيمن اغتال من رجال الشيعة أومن رجال الخوارج. وبجانب البكاء في هذه المراثي أوتلك وبجانب الإشادة بالأموات، كان الرثاء ممتزجًا بالأفكار السياسية للفرق، وكان شعر الرثاء فرصة للتعبير عن هذه الأفكار. فها هوذا عبيدالله بن قيس الرقيات يرثي ولدي أخيه عبدالله اللذين قتلا في مسقطة الحرّة،

كما شاعت مراثي الشعراء للحسين بن علي رضي الله عنهما.

وفي العصر العباسي، تظهر مراثي الشيعة في الإمام الحسين، وأشهر شعرائهم في ذلك السيد الحميري ودِعْبِل الخُزاعي، ومن أصدق مراثي هذا العصر مراثي دعبل في زوجته التي قتلها في موجة شك عارمة انتابته على إثر وشاية كاذبة فلما ظهرت له براءتها مضى يرثيها أصدق رثاء.

وحين اشتدّت موجات الصّليبيين والمغول على المسلمين، كان من الطبيعي حتى تشيع مراثي الشعراء في القادة خاصة، سواء من استشهد منهم أومن توفي خارج المعركة. فمن ذلك مراثيهم في عماد الدين زنكي الذي استشهد على يد غلام له أثناء حصاره لإحدى القلاع، كما رثى الشعراء ابنه نور الدين حين مات، خارج المعارك، وفقد المسلمون بموته قائدًا عظيمًا.

كما بكى الشعراء صلاح الدين، وقد بلغت مرثية العماد الأصبهاني له مائتين وثلاثين بيتًا صور فيها حسن بلائه. كما شاعت مراثيهم في موتى الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، هذا إلى رثاء الأعلام من الوزراء والفهماء والقضاة.

وفي العصر الحديث، استمر الرثاء غرضًا شعريًا مستقلاً، وبخاصة رثاء الزعماء وقادة الحركات الوطنية والإصلاحية، وهنا تصبح المراثي فرصة لتجسيد المعاني الوطنية، والسياسية والدينية، كما اصطبغ الرثاء بأصباغ فكرية، واختلفت مناهجه على أنحاء شتى تبعًا لمذاهب الشعراء ومدارسهم الفنية.

الفخر

عَرَف العصر الجاهليُّ الفخر غرضًا من أغراض الشعر، وكان هذا الفخر نوعين: أحدهما فردي، حيث يشيد الشاعر بنفسه وفضائله، والآخر كان فخرًا جماعيًا أشاد الشاعر فيه بقبيلته. وكانت الفضائل التي مدح بها الشاعر هي نفسها التي افتخر بها من شجاعة وكرم ونسب رفيع، وقد جرت المفاخرة على الأحساب والأنساب بين عامر ولبيد والأعشى وبين علقمة والحطيئة وفتيان من بني الأحوص.

وبمجيء الإسلام، مضىت عصبية القبيلة، وحلت محلها عصبية العقيدة والإخاء في الله، ومضى حسان بن ثابت وغيره من شعراء النبي ³ يفخرون بإيمانهم، وبالقيم الإسلامية الجديدة، وكما كان حسان يهجوقريشًا، فكذلك كان يفخر بالمسلمين، وفي العصر الأموي، عاد الفخر القبلي إلى الظهور من جديد، وبخاصة في إطار النقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه الموضوعة.

وكما برز الفخر، في العصر الأمويّ، في إطار النقائض خاصة، فلقد برز أيضًا في إطار شعر الفرق السياسية، وتباينت خصائص هذا الفخر من فرقة إلى أخرى، فكثر فخر شعراء الخوارج بالقيم الدينية، كالتقوى والزهد والشجاعة. انظر: الجزء الخاص بالشعر السياسي في هذه الموضوعة.

وفي العصر العباسي، ضعف الفخر القبلي، وظهر الفخر الشعوبي لدى أبي نواس خاصة الذي شاع لديه أيضًا نوع من الفخر القبلي بسادته من بني سعد العشيرة القحطانيين. على حتى شعر الفخر في العصر الأيوبي قد تحول ـ مع حركة النضال ضدّ الصليبيين ـ إلى تيار عارم يفخر بالفوزات معبّرًا عن مدى الإحساس العميق بالثقة، والتحدي للأحداث، كما في شعر ابن سناء المُلْك: ولقد اختفى في العصر الحديث هذا الفخر القبلي، ليصبح فخرًا بالفضائل الكبرى، كما ظهر نوع حديث من ذلك الشعر السياسي لدى أحمد شوقي خاصة، يفخر فيه بمصر وبتاريخها كما في رائعته كبرى الحوادث في وادي النيل ولم تعد ذات الشاعر، في مفاخره، هي همه، بل كان القصد هوإلهاب المشاعر الوطنية والإسلامية. ويمكن حتى نضع مسرح شوقي التاريخي في هذا الإطار.

شعر الحماسة

وهوشعر الحرب الذي يصف المعارك ويشيد بالأبطال ويتوعد الأعداء. وهذا الغرض قد يظهر في رثاء أبطال الحروب، أوفي مدحهم، أوفي سياق فخر الشاعر ببطولاته في الحرب، وقد امتزج بوصف المعارك والإشادة بالبطولة. وقد أثمرت حروب القبائل في الجاهلية قصائد حماسية. وتعد معلقة عمروبن كلثوم واحدة من عيون الحماسيات في أشعار الجاهليين، ومثلها معلقة عنترة التي امتزج فيها الفخر بالحماسة، وقصائد أخرى له.

وقد كانت قصائد الحماسة مادة لإلهاب مشاعر المحاربين، كما عدّها مؤرخوالأدب مصدرًا مهمًا لتاريخ العرب في حروبهم وأسلحتهم وأنسابهم وفضائلهم. كما كانت نماذج رفيعة لشعراء العصور الإسلامية المتنوعة.

وكان من الطبيعي حتى يظل هذا الغرض قائمًا في العصر الإسلامي، ففي صدر الإسلام، فاضت قرائح شعراء الرسول بحماسيات تصور غزواته وتعبر عن فخر الشاعر المسلم بشجاعته، وتشيد في سياق الرثاء بشجاعة الرسول وشجاعة من لقي ربه من شهداء المسلمين.

وفي العصر العباسي وما يليه من عصور، يظل الصراع مشتدا بين المسلمين وخصوم عقيدتهم من الروم والصليبيين والمغول، وتثمر تلك الحروب فيضًا زاخرًا من شعر الحماسة. كما صنَّف أبوتمام مجموعته المسماة بالحماسة. انظر: الحماسات. وجعل أشعار الحماسة أول أبوابها وأغزرها مادة، مما يشير على اعتداد المسلمين بالجهاد واتخاذهم من شعر الحماسة مادة لإثراء القرائح الشعرية من جهة، وإلهاب مشاعر الجهاد من جهة أخرى. وقد مضى القول عن أبي الطيب المتنبي، وقصائده في مدح سيف الدولة، أحمل نماذج البطولة في ذاكرة أبي الطيب، تعد بحق أحمل ما فاضت به القرائح من الحماسيات الإسلامية، سواء في دقة وصف المعارك والجيوش والأسلحة، لدى المسلمين والروم، أم في تصوير شجاعة سيف الدولة وجنوده.

ويمضي شعر الحماسة فيما بعد المتنبي ليسجل لنا حروب المسلمين ضد الصليبيين والمغول والتتار. ومع ما أصاب الشعر العربي من ضعف خلال تلك الحقب، فإن الشاعر المسلم لم يقصر، في حدود موهبته، في الإدلاء بدلوه في تسجيل حركة الجهاد الإسلامي.

وفي العصر الحديث، تفيض قرائح الشعراء ابتداءً من البارودي الذي رددت حماسياته أصداء الشعر في أزهى عصوره، خاصة في قصائد الفخر التي رددها في سرنديب. كما أثمرت قريحة أحمد شوقي الفذّة حماسيات أُخر كان يصف بها معارك العثمانيين. كما حتى قصائد شوقي الوطنية تعد بحق شكلاً جديدًا متطورًا من شعر الحماسة. الغزل. عُرف الغـزل منـذ العصر الجاهليّ، ويدلنا تراث هذا العصر من شعر الغزل على رقة مشاعرهم، كما يسجل لنا معاييرهم في جمال المرأة. ومن أشهر المتغزّلين في هذا العصر: عُروة بن حزام العُذريّ الذي أحبَّ عَفْراء ابنة عمه، ومالك بن الصمصامة الذي أحبَّ جنوب بنت محصن الجعديّ، ومسافر بن أبي عمروالذي أحب هندًا بنت عُتبة. على حتى سيرة عنترة وابنة عمه عبلة أشهر من حتى تذكر. وكانوا في مقدمات قصائدهم يبكون ديار أحبتهم في حنين جارف، كما كانوا مشغوفين بذكر رواحل محبوباتهم حين يرحلن من مكان مجدب إلى آخر خصيب. وفي معلقة امرئ القيس مقدمة غزلية باكية فيها ذكر الحبيب ومنزله، وينطق: إنه كان أول من بكى واستبكى. كما حتى زهيرًا في معلقته قد بدأها بوصف طويل لارتحال محبوبته.

وقد مضى العصر الجاهلي، والقصيدة العربية، إلا النادر منها، لا تستقل بغرض الغزل، وإنما كان الغزل يرد في مقدمتها فحسب.

وفي العصر الإسلامي، وجدنا كعب بن زهير يستهل لاميته الشهيرة في مدح رسول الله ³ بذكر سعاد والتغزل بها، حتى اشتهرت لاميته تلك بقصيدة: بانت سعاد. إلا حتى الإسلام كان له تأثيره في الغزل بحكم تأثيره الأخلاقي في المجتمع، وبخاصة في العلاقة بين المرأة والرجل، ومن هنا اتسم الغزل في العصر الإسلامي بالطهر والعفة، وشاعت في ثناياه بعض الأفكار الإسلامية.

على حتى الغزل، في العصر الأموي خاصةً، قد أصابه تطور ملحوظ فلم يعد مجرد مطلع في قصيدة، بل استقلّت بالغزل قصائد تامة. وقد اشتهر بالغزل عمر بن أبي ربيعة ولم يتطرق إلى أغراضٍ سواه، حتى أوقف على الغزل ديوانه كاملاً. كما عَرف العصر الأموي تيارين للغزل هما الغزل اللاهي، أوما سماه الدارسون بالغزل الصريح حينًا والحسّي حينًا آخر، وتيار الغزل العفيف، أوالعذري.

الغزل العذري فن شعري تشيع فيه حرارة العاطفة التي تصور خلجات النفس وفرحة اللقاء وآلام الفراق، ويحفل بوصف جاذبية المحبوبة وسحرها ونظرتها وقوة أسرها، ولا يتجاوز ذلك. ويقتصر فيه الشاعر على محبوبة واحدة ردحًا من حياته أوطوال حياته. وسُمِّي عُذْريًا لأن أول من اشتهر به من قبائل العرب هم بنوعُذْرة، ثم أصبح الغزل العذري بعد ذلك فنًا ينطبق على جميع من نهج نهجهم ومضى ممضىهم، وعبَّر عن أحاسيسه وعاطفته تعبير الشعراء العذريين.

عُرف الغزل العذري منذ الجاهلية، إلا أنه تميَّز تميُّزًا ظاهرًا في صدر الإسلام، وفي عهد بني أمية،حيث أصبح مدرسة شعرية قائمة بذاتها، حين انقسم شعر الغزل إلى اتجاهين: عذري وصريح. وقد انتشر الغزل العذري في بادية الحجاز حيث يقيم بنوعذرة، وفي عالية نجد حيث تقيم القبائل الحجازية النجدية. وقد كانت ظروف المعيشة والواقع الإسلامي من مسببات انتشار الغزل العذري في بيئات البادية التي تحولت في هذا العصر إلى حياة جديدة في قيمها ومُثُلها ومعارفها فحافظت على الطُّهر والنقاء.

كان شعراء الغزل العذري في وضع اجتماعي أقرب ماقد يكون إلى الكفاف والقناعة؛ إذْ لم يحسنوا التكيف السريع مع مستجدات الأحداث، ولم يستطيعوا البقاء على حياة الجاهلية الأولى التي كانوا يعيشونها قبيل الإسلام. وعندما انتقلت قوة القبائل وشوكتها إلى الأمصار وانتقل جلّ شبابها مع الفاتحين، لم يبق في بادية الحجاز غير أولئك الذين لم يستطيعوا هجر بلادهم وأهلهم. وقد تأثروا بالإسلام وطُبعت حياتهم الجديدة بشيء غير قليل من التغيُّر؛ فعبروا عنه بالزهد في الحياة وملذاتها، ووجدوا في الشعر تعويضًا عن مطامح الدنيا التي لم يستطيعوا لقاءتها، كما وجدوا قبولاً لدى الناس لهذا الفن، عوَّضهم عمَّا فقدوه في واقعهم الاجتماعي.

وأصبح للشعر العذري عناصر مشهجرة حافظ عليها الشعراء ولم يتخلوا عنها، وهي وصف حدة الهجران والحرمان، ومعاناة الصبر، وتأجج نار الحب، واحترام العلاقة بين العاشقين، والأخذ بالعفة والرضى بالعلاقة الطاهرة. وإذا كان الغزل العذري استجابة لظروف بيئية، واتبَّاعًا لعادات وأعراف اجتماعية ساعدت على نموه في نفوس الناس؛ فإنه قد اتخذ العاطفة الصادقة سبيلاً لشرح العلاقة بالطرف الآخر، فقويت بواعثه في نفوس بعض الشعراء حتى أثمرت العلاقة الطاهرة التي تستجيب لفطرة الإنسان وتحترمها.

ولا يتخذ الغزل العذري مظهرًا واحدًا عند المحبين جميعًا، فهوهادئ عند بعضهم، ثائر عند آخرين، يلامس بعض النفوس فتقوى لديها عاطفة الحب حتى تستبد بالشاعر، فيصف لواعج الحب ولهيب الجوى الذي يكتوي به قلبه، وهوعنها راضٍ ليعيش في حب دائم لا ينبتر، وإن انبترت أسبابه من الطرف الآخر، حتى يصير شعره أنينًا وتضرُّعًا، ولكنه لا يجد راحة ولا ييأس من وصْل المعشوقة على جميع حال.

وقد قويت مظاهر الغزل العذري فارتبطت بالتغيُّرات الاجتماعية التي طرأت على حياة الناس وارتبطت بواقعهم خلال فترة زمنية طويلة. كان الإسلام مشجِّعًا على العفة، ومنظِّمًا لعلاقة الرجال بالنساء. وقد منع الاستجابة العشوائية للشهوة إلا عن طريق مشروع، وسما بالعقيدة والعلاقة والأخلاق، فكان عاملاً من عوامل الحب العذري ودافعًا إليه.

وقد تحدَّدت العناصر الأساسية التي يعتمد عليها الغزل العذري في أمور أهمُّها :

المعاني بسيطة مباشرة لا يتعمق فيها الشاعر ولا يُدقِّق في دلالاتها، وليست موطن اهتمامه وتعهده، ولا يحرص عليها أويُجوِّدها. كلُ هَمه حتى يعبِّر عن العاطفة التي تجيش بها نفسه. ولذا تتصف معاني العذريين بالفطرة والسذاجة والبعد عن التعقيد اللفظي.

الصدق

تغلب روح الصدق على الشاعر العذري، فهويقنع مستمعيه بحرارة عاطفته وأمانة وصْفه لما يعبِّر عنه من شعور نحومحبوبته، فتظهر حدثاته صافية لا يلوِّثها الخداع الاجتماعي والنفاق والمداراة التي قد تكون عند غيره من الشعراء.

خصوصية الحب.لا يتحدث الشاعر العذري إلا عن محبوبة واحدة فلا يتجاوزها إلى غيرها، ولا يتحول حبه عنها، فهي داؤه ودواؤه، وهي حبه الوحيد ومطلبه الأبدي. وبسبب ذلك، ارتبط اسم جميع شاعر بحبيبته، وصارا متلازمين، فنقول: عروة عفراء، وجميل بثينة، وقيس ليلى، وكثير عزة، وقيس (ابن ذريح) لبنى.

الأسلوب سهل مباشر يتَّجه فيه إلى الغرض الأصلي دون المرور بالمقدمات أوالأغراض الأخرى التي يهتم بها الشعراء غير الغزليين.

العفة. أظهر ما يميِّز الشعر العذري عفة الأساليب، وطُهْر القول، وبساطة العرض وسهولة المعنى.

اليأس

يعيش الحب العذري على اليأس أكثر مما يعيش على الأمل، ويصف المرأة بأنها مُعرِضةٌ متمنِّعة قلَّما تستجيب له أوتسمع منه.

ومن أشهر شعراء هذا الفن عروة بن حزام وجميل بثينة وكُثَيِّر عزة وقيس (مجنون ليلى) وقيس بن ذريح. \ وقد منح الغزل العذري القصيدة الأُموية ذاتية متميزة؛ حين جعل الغرض الشعري غرضًا مفردًا لا تتجاوزه القصيدة إلى سواه، فهي قصيدة غزلية من مفتتحها إلى نهايتها، على حين كان الغزل من قبل يأتي في مقدمات القصائد، ولا يستقل غرضًا قائمًا بذاته.

الغزل الحسي هوالغزل المادي الذي يصف الملامح الجسدية للمرأة. وأساسه حب ممتزج بميول شهوانية وعواطف خالية من التحرُّج، وأوصاف مكشوفة، يدفع إليها الشوق إلى الاستمتاع بالمرأة. وهوتصوير لحب عابث، طبيعته الإعجاب المؤقت بالجمال حتى يقضي الشاعر منه وطرًا، فينقلب إلى البحث عن حب جديد. وقد اكتسب المصطلح اسمه وصار غرضًا شعريًا قائمًا بذاته في العصر الأموي لأسباب سياسية واجتماعية وفكرية وحضارية واقتصادية خاصة بذلك العصر.

وأصحاب الممضى الحسي في الغزل لاطاقة لهم بالصبر على محبوبة واحدة؛ لأنهم يرون حتى الحب المفرد قَيْدٌ يحدُّ من انطلاقهم وحريتهم. وهم يلتمسون الحب المتعدِّد تخففًا من قيود الحب الواحد وما يُلقي عليهم من تبعة لا تقبلها طبيعتهم ولا يرضاها سلوكهم. فحبهم قائم على الاستطراد المؤقت، وأنفسهم قادرة على تغيير الحال والانتنطق بعواطفهم إلى حيث شاءوا من مواقع الجمال فيتحول الحب عندهم إلى ضرب من المغامرة.

ولا يتحرج الشاعر الحسي من إعلان اللذة وطلب المتعة المتجددة والاستمتاع بالمرأة، وقد يجاهر بشيء من الفحش. كما يجنح إلى لون من الحوار القصصي يُكْسِب شعره طرافة وجمالاً، ويخلق جوًا من المرح. ولا يحفل هذا الفن بالجاذبية الروحية التي يجدها العاشق في المرأة، بقدر احتفاله بأوصافها الجسدية وأنها مخلوقة للاستمتاع. وقد برع الغزل الحسي في الوصف براعة جعلته يتناول جميع عضومن جسد المرأة ويصور مكامن الجمال فيه ولذة النظر إليه.

وقد يجعل الشاعر الحسي في صحبة من يتغزل بها نسوة يشهدن اللقاء، ويُعجبن به، كما يرسل الوسطاء، ويتفنن في ضروب الحيل ليحقق في نهاية المطاف صلته بمن يُحب. والشاعر هنا لا يُجهد نفسه بوصف تباريح الحب، ولكنه يهتم بوصف نجاح مغامراته ولياليه الواصلة وتحقيق مطالب جسده وإشباع غريزته.

والقصيدة عند الغزليين الحسِّيين ذات موضوع واحد، فلا ينتقل الشاعر من غرض إلى آخر، كما كان منهج الشاعر في القصيدة العربية من قبل. وقد تطور الأمر في العصر الأموي إلى شيء من الاختصاص الدقيق، وأصبح لدى بعض الشعراء موقف فني يتمثل في قصر الشِّعر على وصف المرأة والحديث عنها وعدم تجاوز موضوع المرأة إلى سواه من موضوعات القصيد وفنون القول. وقد حقق عمر ابن أبي ربيعة هذا القول عندما نطق لسليمان بن عبد الملك إنه لا يمدح الرجال ولكنه يمدح النساء.

ولم تكن المرأة متمنعة لدى هؤلاء الشعراء الحسيين، لكنها سهلة موافقة تبادل الرجل الحب وتظهر ضروبًا من الدلال وتكشف عن رغبة في اللقاء والتطلع إليه.

وتكمن فلسفة شعراء الغزل الحسي في حتى الحياة غرام وعشق، ومن لا يحاول ذلك فهوحجر جامد وميت لا حياة فيه. – العاطفة متقلِّبة متنقِّلة سريعة التغيُّر غير قادرة على الثبات.

– ليس الحب عناءً يذيب النفس، ولكنه متعة للشاعر حيث لا يشكوالحرمان ولا يذوق مرارة الهجر.

– مطلبه المباشر المرأة والحديث المكشوف عنها وعما يصل إليه منها والتصريح بذلك ووصف العلاقة بينهما.

ومن أشهر شعراء هذا الفن في العصر الأموي عمر بن أبي ربيعة والأحوص والعرجي.. وغيرهم. ويجمع بينهم أنهم شعراء مُدن وأنهم من الحجاز انظر: عمر بن أبي ربيعة؛ الأحوص.

الغزل في العصر العباسي وما بعده. كان من الطبيعي حتى يظـهر في العصر العباسي تيار غزلي يتجاوز حدود الخلق والقيم الإسلامية بل والعربية، حين ظهر الغزل بالمذكر يتزعمه أبونواس، وظهر الغزل الماجن بالمرأة لدى أمثال مسلم بن الوليد ومطيع بن إياس.

وفيما بعد العصر العباسي، يظهر تيار غزلي قوي حقًّا جمع بين الرِّقة والظرف في ثوبٍ لغوي سهل ووزن شعري زاخر بالخفّة والتطريب. ورأس شعراء هذا الغزل في مصر: البهاء زهير (ت 656هـ)، ولعله أبرع الغَزلين قاطبة في هذا العصر، ومن الغَزلين بالشام: الشاب الظريف (ت688هـ).

ويقوى تيار الغزل في العصر الحديث منذ البارودي، وشوقي، مرورًا بشعراء الديوان وأبولووالمدرسة الواقعية الحديثة.

وقد تنوعت طرائق الغزل في الشعر الحديث تبعًا لمدارسه، فشوقي يتغزّل على طريقة القدماء، بل إنه ليعارض بعض قصائدهم، ولكن موهبته الخصبة ميّزت غزله بطابع خاص كما حتى مسرحه الشعري لم يخلُ من نبض الغزل كما في مجنون ليلى، ومصرع كليوباتر ا. وقد كانت التنطقيد المرعية وقيم المجتمع دائمًا تقف بغزليات شوقي، في مسرحه خاصة، عند حدود ثابتة.

أما المدرسة الرومانسية فقد مضت بالغزل أشواطًا بعيدة، وكذلك عمل شعراء المهجر الشمالي؛ إذ مزج جميع أولئك غزلهم بالطبيعة، كما امتزج غزلهم بفلسفاتهم وأحزانهم ومشاعرهم وخيالهم المجنّح.

الشعر السياسي. ارتبط الشعر العربي برؤية الشاعر السياسية منذ العصر الجاهلي، فالقبيلة العربية هي الصورة المصغرة للدولة، والشاعر لسان حال هذه القبيلة. ومن ثم كان شعره يتّصل بمواقف هذه القبيلة احتجاجًا عليها أوتأييدًا لها. ويفسّر ذلك احتفال العرب بالشاعر أكثر من احتفالها بالمحرر. فالشاعر هوالذي يحمل مكانتها بين القبائل الأخرى.

وفي عهد النبوة، كان حسان بن ثابت شاعر الرسول ³ ورهطه من الشعراء المسلمين يقفون موقفًا سياسيًا، حين ينافحون عن الدعوة، ويذودون عنها، ويردون كيد شعراء المشركين في نحورهم.

ولكن الشعر السياسي اُتخذ غرضًا شعريًا قائمًا بذاته مع بداية الدولة الأموية، حين انقسم المسلمون عقب معركة صفين إلى طوائف وأحزاب أهمها الخوارج والشيعة والزبيريون والأمويون.

ومن هذا التاريخ، أصبح لهذه الأحزاب السياسية شعراء يتحدثون عن مبادئها وتوجُّهاتها، فتحوَّل الشِّعر إلى إطار سياسي تحكمه أهداف ومناهج، ويقوم على نظرية محددة المبادئ في الحكم وتأييد الحزب الذي يحمل الشاعر رايته ويدعوله. هذا الشعر لم يكن دعوة سياسية قائمة على البرهان والحوار العقلي فقط، ولكنه يمور بمشاعر صادقة ولا يخلومن النسيب والهاتى والمدح. وأهم هذه الفرق:

الخوارج

Horace

وهي الفرقة التي خرجت على علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) حين قبل التحكيم بينه وبين معاوية. وتقسمت إلى طوائف، منها الشُّراة والحَرُوريَّة والمُحَكِّمة وكان أكثرهم من الأسد اليمانية وتيم المُضرية. وتقوم دعوتهم على حتى الخلافة لمن يصلح لها من المسلمين وليست لجنس أوطبقة. وقد شارك الخوارج بشعرهم في طرح نظريتهم السياسية. ويمتاز شعرهم بأنه أصدق صورة أدبية لممضى ديني سياسي. وقد احتفظوا بسَمْتِهِم البدوي فاتى شعرهم صريحًا جريئًا قويًا جمع صدق الشعور وقوة العقيدة وسلامة الخُلق والطبع. كما يمثل صورة للشعر الذي نشأ في ظل الإسلام، وتأدب بآدابه فأخذ من بلاغة القرآن ومن السُّـنَّة المطهَّرة. ويلفت النظر حتى شعراء الخوارج هم زعماء الممضى وحملة السيوف، ولذلك لم يظهر منهم فحول إذ كانوا في عجلة من أمرهم للفراغ من الشعر للدخول في المعركة، فمعظم شعرهم مقطوعات لا قصائد، في إيقاع قوي، وموضوعه الجهاد والشهادة والتحذير من القُعود والاستبشار بأولئك الذين نالوا الشهادة. وشعرهم أكثر أشعار الفرق بعدًا عن المدح أوالفخر أوالغزل وأكثر دورانًا حول الحماسة ومواقف الجهاد الثائرة. وقد أفنى شعراء الخوارج عصبيّاتهم القبلية والعرقية في عقيدتهم الممضىية. الزبيريون. أما أتباع عبدالله بن الزبير فقد عهدوا بالزبيريين. وتقوم نظريتهم على حق الأرستقراطيّة القرشية في الحكم وأن الخليفة يجب حتىقد يكون بالضرورة عربيًا قرشيًا. أسس هذا الحزب عبداللهلله بن الزبير، وآزره أخوه مصعب.وكان مصعب أكثر عطاءً للشعراء فالتفُّوا من حوله، وأذاعوا مبادئ حزبه السياسية. ويعد عبداللهلله بن قيس الرقيات شاعرهم المقدم وكان يمزج الغزل بالسياسة وبالمدح. ومن شعرائهم أيضًا أعشى همدان ودكين الفُقَيمي.

الأمويون

أما الأمويون فهم الحزب الذي استأثر بعداء جميع تلك الأحزاب؛ إذ كان يمثل السلطة الحاكمة، وكان الشعراء لذلك يقدمون إلى بلاط بني أميّة للفوز بجوائزهم ومن ثم كثروا وتعددوا ولكن من أشهرهم النابغة الشيباني وعدي بن الرقاع كما مدحهم الأخطل وجرير.

هذه الفرق الأربع هي أبرز الأحزاب السياسية التي اكتمل على يديها الشعر السياسي فخرجت به من مجال الرؤية المحصورة إلى مجال أرحب وأوسع، حين جعلت السياسة جزءًا أصيلاً من البنية الشعرية والأدبية.

الزهد ولواحقه. لا ريب حتى هذا اللون مدين للإسلام، منذ كان غناءً بقيم هذا الدين وفضائله لدى شعراء الرسول ³. وفي العصر الأموي، عبر شعر الفِرق الإسلامية عن معاني الزهد والتقوى، وبخاصة لدى الخوارج؛ إذ تشيع في أشعارهم معاني الإعْراض عن الدنيا وزخارفها والتطلع إلى الآخرة في إطار شعر الحماسة والتعبير عن المعاني الفدائية. وقد شهد العصر الأموي أئمة من أهل الفهم والتقوى، منهم: الحسن البصري، وكان لأولئك الأئمة تأثيرهم في الشعر الديني، بل إذا من الفقهاء من عهد بالشعر الديني مثل: عروة بن أذينة فقيه المدينة. ومن شعراء الزهد في هذا العصر عبدالله بن عبدالأعلى، ومِسكين الدارمي، ولهذا الأخير قصيدة ذكر فيها طائفة من الشعراء ناسبًا قبر جميع شاعر إلى بلده ومسقط رأسه، مع التهوين من أمر الدنيا والزهادة فيها والاعتبار بالموت. ومن الشعراء الزهاد في العصر الأموي، أيضًا، أبوالأسود الدؤلي، وسابق البربري قاضي الرقة بالموصل وإمام مسجدها، وممن كانوا يفدون على عمر بن عبد العزيز ليعظه. يقول الجاحظ عن شعر سابق هذا: ¸لوحتى شعر سابق البربري كان مفرّقًا في أشعار كثيرة لصارت تلك الأشعار أحمل مما هي عليه بطبقات·.

وفي العصر العباسي، قوي شعر الزهد، وظهر تيارًا قويًا واقفًا في لقاءة شعر الخمر والمجون الذي تزعمه أبونواس وحماد عجرد ومطيع بن إياس. ومع انتشار الفسق والمجون في المجتمع العباسي، فإن التدين قد انتشر في لقاءته، وكان شعر الزهد، بل أدب الزهد ولواحقه، يمثل جبهة اللقاءة الصلبة ضدّ هذا التيار.

وأقوى شعراء الزهد في العصر العباسي الأول محمود الوراق، فقد عبر، أكثر من غيره، عن معاني الزهادة والتقوى كالمبادرة إلى العمل الصالح والتسليم بقضاء الله تعالى والتوكل عليه والقناعة والصبر عند النوازل واتخاذ الحديث عن الشيب نذيرًا بالموت، والعفوعمن ظلم. ثم هناك من شعراء الزهد طائفة من الفقهاء والمذكِّرين النسّاك مثل: مالك بن دينار وعبدالله بن المبارك بل إذا الخليل بن أحمد العالم اللغوي النحوي كانت له أشعار في الزهد.

وفي العصر العباسي الثاني وما يليه، ظل لتيار أشعار الزهد قوته، ثم ظهرت موجة أخرى رافقت الزهد، تلك هي موجة التصوف التي يعاب عليها اقتباسها عناصر غير إسلامية تتعارض مع توحيد الله وتنزيهه، ومن هؤلاء الجنيد وتلميذه الحلاّج والشبليّ، وإن كان هذا الأخير أكثر اعتدالاً، وكان ينكر على الحلاج، خاصة، شعوذاته.

وينبغي ألا تفوتنا الإشارة إلى أبي العتاهية أشهر شعراء الزهد في العصر العباسي قاطبةً، ويذكر له في مجال الفن الشعري الخالص إحداثه تطورًا ملحوظًا فيه غير هيّاب سواء في العروض حيث استخدم مقلوب بحر البسيط كما ولَّد في الشعر معاني جديدة.

وفيما بعد العصر العباسي، تشتد موجة الشعر الديني عمومًا بل تصبح موجات قوية هادرة، فيظهر جيل حديث من شعراء التصوف القائلين بالحلول وغيره من شعوذات المتصوفة وتجاوزاتهم كعمر بن الفارض. كما يتزايد شعر المديح النَّبويّ، وأشعار الزهد. وكانت هذه التيارات الشعرية رجعًا قويًا للمحن الثنطق التي تعرضت لها الأمة علي أيدي الصليبيين والمغول. وأبرز شعراء التيار الديني: البوصيري شاعر المديح النبوي في مصر وعفيف الدين التلمساني وعبد الغني النابلسي في ديار الشام.

وفي العصر الحديث، ينشد محمود سامي البارودي قصائد دينية في مديح رسول الله ³، ويضمّن هذا المديح شكواه أثناء منفاه في سرنديب، كما يضمنه بعض آرائه في فلسفة الحرب الحكمة. شعر الحكمة هوذلك الشعر الذي تضمن خلاصة مالدى الشعراء من تجارب العقل والحياة. ويعد زهير أشهر شعراء الحكمة في العصر الجاهلي، ومعلقته الشهيرة مزيج من المديح لهرم بن سنان والحارث بن عوف، ووصف أهوال الحروب ومفاسدها، رغبة منه في إقناع المتحاربين بالمصالحة والسلام، في أسلوب من الحكمة التي تمنح معلقته بعدًا إنسانيًا رفيعًا. ولم تخل حكمة شعراء الجاهلية من تسجيل أفكار العرب في هذه الحقبة وتصوير مثلهم وتجارب حياتهم.

ولا شك أنَّ الكثير مما سجله شعراء الإسلام، في عصر النبوة خاصة، حافل بآراء إسلامية عن العقيدة تعد هي الأخرى من قبيل الحكمة.

ويأتي العصر العباسي فيلقانا ثلاثة من فحول شعرائه في الحكمة: أبوتمام والمتنبي وأبوالعلاء المعري.

وتبدوالحكمة عند أبي تمام ثمرة ثقافاته الواسعة التي تمخض عنها العصر، وهي تتناثر في مدائحه وحماسياته ومراثيه في ابنيه وزوجته وابن حميد الطوسي، بل في غزله ونسيبه.

وأبوتمام هوالذي هجر ميراثه من الحكمة خاصة يفيد منه أبوالطيب المتنبي، ويتمثله بقريحته العبقرية ويمضي بالحكمة أشواطًا بعيدة ، وكان المتنبي شديد الشغف بشعر أبي تمام لا يكاد يفارق ديوان شعره في أسفاره، ولا شك أنه بما أوتي من ثقافات عصره، وهي غزيرة متنوعة، قد أصاب حظًا أوفر من الحكمة في شعره: عمقًا وجمال صياغة. وهي تتناثر في أشعاره المتنوعة الأغراض. والمتنبي وإن أفاد من حكماء العرب واليونان، فإنه كان نسيجَ وحدِه بلا مدافع. أما أبوالعلاء المعري فقد تحولت الحكمة لديه إلى فلسفة أوسع مدى وأعمق.

رثاء المدن والممالك

عهد الأدب العربي رثاء المدن غرضًا أدبيا في شعره ونثره. وهولون من التعبير يعكس طبيعة التقلبات السياسية التي تجتاج عصور الحكم في مراحل مختلفة.

وهذا النوع من الرثاء لا يقف في حدود عند رثاء المدن وحدها حين يصيبها الدمار والتخريب ولكنه يتجاوز ذلك إلى رثاء الممالك تارة والعصور تارة أخرى. بل قد يرثي الدولة بأسرها؛ كما وقع ذلك في الأندلس. وقد تميز هذا الغرض من رثاء المدن في الشعر أكثر من تميزه في النثر.

ويُعد رثاء المدن من الأغراض الأدبية المحدثة، ذلك حتى الجاهلي لم تكن له مدنٌ يبكي على خرابها، فهوينتقل في الصحراء الواسعة من مكان إلى آخر، وإذا ألم بمدن المناذرة والغساسنة فهوإلمام عابر. ولعل بكاء الجاهلي على الربع الدارس والطلل الماحل هولون من هذه العاطفة المعبّرة عن تفهم المكان وخرابه.

رثاء المدن في المشرق. عهد المشرق قدرا من هذا الرثاء شعرًا، عندما تعرضت عاصمة الخلافة العباسية للتدمير والخراب خلال الفتنة التي سقطت بين الأمين والمأمون. فنهبت بغداد وهتكت أعراض أهلها واقتحمت دورهم، ووجد السّفلة والأوباش مناخًا صالحا ليعيثوا فسادا ودمارا. وقد عبر الشاعر أبويعقوب إسحاق الخريمي، وهوشاعر خامل الذكر، عن هذه النَّكبة في مرثيته لبغداد ولكن هذا اللون في المشرق لم يزدهر ازدهاره في الأندلس، ويعزى ذلك إلى حتى طبيعة التقلبات السياسية في الأندلس كانت أشد حدة وأسرع إيقاعا، وأنها اتخذت شكل اللقاءة بين النصارى والمسلمين حين تجمع الصليبيون عازمين على طرد المسلمين وإخراجهم من الأندلس.

رثاء المدن في الأندلس. كان هذا الغرض في الأندلس من أبرز الأغراض الشعرية، إذ كان مواكبًا لحركة الإيقاع السياسي راصدًا لأحداثه مستبطنًا دواخله ومقومًا لاتجاهاته.

وكان محوره الأول يدور حول سلبيات المجتمع الأندلسي بسبب ما انغمس فيه الناس من حياة اللهووالترف والمجون وانصراف عن الجهاد. وأن الأمر لن يستقيم إلا بحمل فهم الجهاد تحت راية لا إله إلاالله. ومن هنا فالصوت الشعري لرثاء المدن في الأندلس يخالف الأصوات الشعرية الأندلسية الأخرى التي ألفها أهل الأندلس في الموشحات ووصف الطبيعة والغزل وبقية الأغراض الأخرى.

ويلفت النظر حتى عددا من قصائد رثاء المدن في الأندلس لشعراء مجهولين؛ ويُفَسَّرُ ذلك إما بخشيتهم من السلطان القائم بسبب نقدهم للأوضاع السياسية وإما حتى عنايتهم بالحس الجماعي واستثارته كانت أكثر من عنايتهم بذواتهم الشاعرة.

يقوم هذا الرثاء على مقارنة بين الماضي والحاضر؛ ماضي الإسلام في مجده وعزه، وحاضره في ذله وهوانه. فالمساجد غدت كنائس وبيعًا للنصارى وصوت النواقيس أضحى يجلجل بدلا من الأذان، والفتيات المسلمات انتهكت أعراضهن، والدويلات المسلمة تستعين بالنصارى في تدعيم حكمها. وتمتلئ جميع هذه النصوص بشعور ديني عميق يطفح بالحسرة والندم.

كان سقوط مدينة طليطلة في أواخر القرن الخامس الهجري بداية المأساة؛ فهي أول بلد إسلامي يدخله الفرنجة وكان ذلك مصابا جللا هزّ النفوس هزًا عميقًا. يقول شاعر مجهول يرثي طليطلة.

أنماط الشعر

Geoffrey Chaucer

عهد الشعر العربي عبر عصوره المتنوعة أنماطًا من الخطاب الشعري، اختلفت في أُطرها ومحتواها. وكان الشعر العربي القديم، عقب محاولاته الأولى التي لم تصل إلينا، قد استقر في شكله الذي اصطُلح على تسميته بالشعر العمودي، أوالشعر التقليدي. الشعر التقليدي (العمودي). هذا المصطلح مأخوذ من مصطلح النقد القديم في وصف هذا النمط من الشعر بأنه يتبع عمود الشعر. انظر: عمود الشعر. وقد أرجع النقاد القدماء مقومات عمود الشعر إلى سمات متعددة منها مايتصل باللفظ من حيث جرسه ومعناه في موضعه من البيت، أومايخص تصوير المعاني الجزئية وصلة بعضها ببعض في بنية القصيدة، أومشاكلة اللفظ للمعنى، وما إلى ذلك من قيم استمدها النقد القديم من تلك السمات التي وقف عليها فيما بين يديه من قصائد. وقد ثار بين قدامى النقاد العرب كثيرٌ من مسائل الخصومة حول عمود الشعر وما تفرع عنه من دلالات نقدية. وأهم مايميز هذه القصيدة العمودية التزامها عمود الشعر وأنها تسير على سنن وتنطقيد القصيدة العربية منذ الجاهلية؛ فتقف على الأطلال والديار، ثم ترحل على الناقة بعد حتى تصفها ثم تتخلص بما يسمّى حسن التخلص وتعمد إلى غرضها الأساسي. وتُعد القصيدة الجاهلية هي الأنموذج الكامل للقصيدة العمودية، وذروة سنامها المعلقات.

هذه القصائد العمودية، والتي يسمّيها النقد الحديث بالقصائد التقليدية، كانت تسير على نمط شعري محدد في بحورها وأوزانها متَّبعة تلك الأوزان التي قننها الخليل بن أحمد، كما تلتزم قافية موحدة وحرف رويّ موحد، ويأتي البيت فيها مكونًا من صدر وعجز ومصرعًا في أول القصيدة.

وقد ظلت القصيدة العمودية سائدة في مملكة الشعر القديم من العصر الجاهلي حتى منتصف القرن الأول الهجري. ومن هنا يقسّم النقاد اتجاهات هذه القصيدة إلى أنماط ثلاثة، هي:

شعر الاتجاه المحافظ البياني. وهوالذي عُني بالموضوعات التقليدية من مدح وفخر وحماسة، وما إليها، كما ظل يسلك منهج الأقدمين في بناء القصيدة وفي رصد صورها الشعرية من عالم البادية، مما جعل أسلوبها، بعد العصر الجاهلي، يستوحي الذاكرة والتراث أكثر مما يستوحي العصر والواقع.

الشعر المحدَث (المولَّد). بدأ هذا الاتجاه في العصر العباسي الأول على يد مسلم بن الوليد وبشار بن بُرد وأبي نواس، حين ثاروا على الاتجاه التقليدي في القصيدة العمودية ورفضوا الوقوف على الأطلال أوالحديث عن الصحراء والبادية، فبدأ اتجاه شعري حديث تحرر قليلاً من سلطان القديم ومال أسلوبه إلى ألفاظ بسيطة، وموسيقاه إلى بحور قصيرة وقواف رقيقة وطبع الأسلوبَ طابعٌ حضري. وكان ذلك من أثر تلك الحياة الجديدة التي عثر الناس أنفسهم يعيشونها خلال النصف الأول من العصر العباسي الأول. وهي حياة لا تخلومن لهوومجون ومجالس طرب وغناء. فاتى الاتجاه المحدث أثرًا من آثار تلك الحياة الجديدة وكان ردة عمل للحياة البدوية القديمة.

اختلف النقد العربي القديم حول هذا الاتجاه الذي خرج عن عمود الشعر، فتعصب الرواة واللغويون للشعر القديم وكان أبوعمروبن العلاء لا يحتج ببيت من الشعر الإسلامي على الرغم من إدراكه تأثير هذا الشعر الجديد وكان يقول:

“لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت حتى آمر فتياننا بروايته”.

الشعر المحافظ الجديد

Valmiki

ويرمي هذا الاتجاه إلى إعادة الشعر العربي إلى طبيعته العربية وإلى تنطقيده الموروثة وأن يخفف من ثورة المحدثين المتمردة. ولكن جميع ذلك لابد له من استيعاب التطوّر الذي بلغته العقلية العربية من رقي وحضارة، إذ لا سبيل لإعادة القصيدة العربية إلى سابق عهدها من بداوة وغلظة وعبارات حوشية غريبة؛ فاتى هذا الاتجاه محافظًا في منهج القصيدة ولغتها وموسيقاها وقيمها، ومجددًا في معانيها وصورها وأسلوبها. فهويتبع شعراء الطريقة القديمة في بدء القصيدة بالأطلال أوالنسيب ولكن من حيث معاني الشعر وصوره يقدم جميع مبتكر وجديد؛ فعهد شعرهم ألوانًا من البديع وصنوفًا من المحسِّنات، وكان من فحوله أبوتمام والبحتري والمتنبي وأضرابهم من شعراء العصر العباسي.

وتمضي مسيرة القصيدة العربية على شكلها العمودي محافظة على وحدة البيت من صدر وعجز وعلى بحوره التي وضعها الخليل بن أحمد سوى بعض التجديدات من عصر لآخر، ولكن شكل القصيدة يظل دون تغيير حتى نهاية العصر العثماني وبدايات العصر الحديث، بعد ذلك ينتقل شكل القصيدة إلى نمط آخر.

عمود الشعر

Goethe

مصطلح نقدي يعني طريقة العرب القدماء في نظم الشعر. وقد نشأ هذا المصطلح نتيجة للحركة النقدية التي دارت حول ممضى الشاعر أبي تمام. ففي بداية عصر التدوين الرقمي، أخذ الرواة يجمعون الأشعار والأخبار العربية القديمة ويضمنونها مؤلفاتهم، ولا يلقون بالاً للشعر المحدث وإن كان جيدًا. وقد غذَّى هذا الاتجاه جماعة من النقاد الأوائل أمثال أبي عمروبن العلاء، والأصمعي، وابن الأعرابي. وفي العصر العباسي الأول ظهرت حركة شعرية جديدة تزعمها بشار بن برد وأبونواس ومسلم بن الوليد، تدعوإلى مواكبة الشعر لمتطلبات العصر، وعدم إغفال المستجدات التي طرأت على الحياة العربية نتيجة لدخول كثير من الأمم المتنوعة في الإسلام.

ومن بين ما حاوله هؤلاء الشعراء التجديد في أسلوب القصيدة وذلك بتضمينها كثيرًا من العناصر التي عُرفت بعد ذلك باسم البديع. وعندما اتى أبوتمام (ت231هـ) اهتم كثيرًا بالبديع وحرص على ألا يخلي شعره منه حتى آل به الأمر إلى حتى أصبح زعيمًا للحركة الشعرية الجديدة. وكان يعاصر أبا تمام شاعر مشهور هوأبوعبادة البحتري (ت284هـ)، ولكنه كان يسير على نهج القدماء ويترسم خطاهم.

سُمع مصطلح عمود الشعر لأول مرة، على لسان البحتري عندما سُئل عن نفسه وعن أبي تمام فنطق: “كان أغوص على المعاني مني، وأنا أَقْوَمُ بعمود الشعر منه”. وعندما وضع الآمدي (ت 370هـ) كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري استخدم هذا المصطلح في مقدمة كتابه عندما نطق: “البحتري أعرابي الشعر، مطبوع، وعلى ممضى الأوائل، وما فارق عمود الشعر المعروف”. وفي الفصل الذي عقده الآمدي للحديث عن فضل البحتري يورد صفات الشعر الذي يشتمل على عناصر عمود الشعر، يقول الآمدي: “وليس الشعر عند أهل الفهم به إلا حسن التأتي، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضْع الألفاظ في مواضعها، وأن يورد المعنى باللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله، وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له، وغير منافرة لمعناه، فإن الكلام لا يكتسي البهاء والرونق إلا إذ كان بهذا الوصف، وتلك طريقة البحتري”.

وقد تناول موضوع عمود الشعر القاضي الجرجاني (ت392هـ) في كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه أثناء حديثه عن العناصر التي تستخدمها العرب في المفاضلة بين الشعراء، وهذه العناصر هي الأسس التي يتكون منها عمود الشعر. يقول القاضي الجرجاني: ¸وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن، بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب، وشَبَّه فقارب، وَبَدَه فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله وشوارد أبياته، ولم تكن تعبأ بالتجنيس، والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر، ونظام القريض·.

ثم يأخذ المصطلح صورته النهائية على يد أبي علي المرزوقي (ت421هـ) في مقدمته التي استهل بها شرحه لحماسة أبي تمام. ويتضح مما أورده تأثره الكبير بآراء القاضي الجرجاني. يقول المرزوقي: “فالواجب حتى يُتَبين ما عمود الشعر المعروف عند العرب، ليتميز تليد الصنعة من الطريف، وقديمُ نظام القريض من الحديث”. ثم عدَّد المرزوقي سبعة عناصر أوأبواب هي التي تشكل، في رأيه، عمود الشعر، وهذه العناصر هي:

1- شرف المعنى وصحته، 2- جزالة اللفظ واستقامته، 3-الإصابة في الوصف، 4- المقاربة في التشبيه، 5- التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، 6- مناسبة المستعار منه للمستعار له، 7- مشاكلة اللفظ للمعنى، وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما.

وتكمن أهمية المصطلح في أنه استُخدم أول أمره ليميز بين طريقتين في كتابة الشعر: طريقة القدماء من الشعراء وهم الذين التزموا بعمود الشعر، وطريقة المحدثين من الشعراء وهم الذين خرجوا على عمود الشعر. ثم تحول بعد ذلك إلى مصطلح نقدي محدد يتضمن عناصر كتابة الشعر الجيد على إطلاقه.

الشعر الحديث

ظل شكل القصيدة قبل عصر النهضة في الأدب الحديث ـ وهي فترة النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ـ يجري على نمطه الذي كان سائدًا خلال العصر العثماني. فظل، بالرغم من تفاهة أفكاره وابتذال معانيه وأساليبه المثقلة بالصّنعة والبديع، محافظًا على شكل القصيدة التقليدية سواء في بحورها الخليلية أوقافيتها الموحدة أوبيتها المكون من صدر وعجز.

ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الشعر العربي الحديث يغيِّر نمطه وكانت أبرز تجديداته متصلة بالموضوعات وإن ظل شكل القصيدة يتبع النطقب التقليدي ولا يخرج عنه. وأصبح من أبرز الأغراض الشعرية شعر الحماسة والكفاح ضد الاستعمار، والغناء للوطن، والدعوة للإصلاح الاجتماعي، والثورة ضد الفقر والجهل والسقم، والدعوة للحاق بركب الأمم.

ومع النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي أخذت النهضة الفنية في الشعر العربي الحديث تتبلور في اتجاهات فنية محددة بلغت ذروتها خلال القرن العشرين. وعلى يد روّاد هذه الاتجاهات، بدأ التجديد في القصيدة الحديثة يتجاوز المعاني والصور والأفكار إلى تجارب فنية تتصل بالشكل، فبدأت محاولات الشعر الحر والشعر المرسل الذي لا يتقيد فيه الشاعر بالوزن وقد لا يتقيد بالقافية أيضًا.

ومن أبرز هذه الاتجاهات والمدارس: مدرسة الإحياء، وجماعة الديوان، وجماعة أبولوومدرسة المهجر. انظر: الفقرات الخاصة بمدرسة الإحياء وجماعة الديوان وجماعة أبولوفي هذه الموضوعة.

وعندما تصل مسيرة الشعر الحديث إلى الأربعينيات من هذا القرن يتحول نمط القصيدة العمودية أوما يسمَّى بالقصيدة التقليدية إلى نمط حديث هوالذي عُرف بالشعر الحُر. وقد تعددت أشكاله بين الشعر المنثور والشعر المطلق وقصيدة النثر. الشعر الحر. يعني ألا يتبع الشاعر القواعد التقليدية لكتابة الشعر، فلا يتقيد الشاعر ببحر واحد أوقافية واحدة أوإيقاع واحد. وبظهور الشعر الحُر، بدأ الشعراء يخطون على نهج حديث باستخدامهم أعدادًا غير منتظمة من المقاطع في البيت الواحد وقافية غير موحدة وأوزانًا متداخلة ونهايات غريبة الإيقاع في الأبيات. ولكن ليس الشعر الحُر حُرًا من جميع قيد، فهويستخدم فنونًا شعرية أساسيةً مثل تكرار الحرف الواحد وتكرار الحدثات.

ازدهر هذا الشعر في الآداب الأوروبية خلال القرن التاسع عشر الميلادي، عندما تبنَّى الرومانسيون هذا الأسلوب. وقد كانت تجربة الشاعر الإنجليزي جون ميلتون في القرن السابع عشر الميلادي إرهاصًا مبكرًا لهذا اللون من الشعر. ولكن الشاعر الأمريكي والت ويتمان يُعَدُّ الأب الحقيقي للشعر الحُر في القرن التاسع عشر، وتُعد قصيدته أغنية نفسي (1855م)، الشكل الأمثل لهذا الأسلوب. كما كان الشاعر الإنجليزي جيرارد مانلي من المجددين الذين سلكوا دروب الشعر الحُر في القرن التاسع عشر. وفي أوائل القرن العشرين، بدأت الحركة التصويرية تستخدم الشعر الحُر. فظهر شعراء كبار يخطون على نهجه. وكان تي. إس. إليوت وعزرا باوند هما العمود الحقيقي لبلورة حركة الشعر الحُر.

وفي الشعر الغربي أضحى الشعر الحُر، في منتصف القرن العشرين، هوالشكل المألوف للشعر وخاصة في أعمال كبار الشعراء مثل روبرت نويل ودي. إتش. لورنس ووليم كارلوس وليمز.

وفي الشِّعر العربي، كانت نازك الملائكة هي رائدة هذا الاتجاه، على خلاف في ذلك، في قصيدتها الكوليرا في أواخر الأربعينيات، فقد استخدمت في هذه القصيدة بحرا واحدًا هوالخبب وإن وزعت تفعيلته فَعْلُنْ بأعداد متفاوتة في الشطر الواحد الذي حل محل البيت ذي الصدر والعجز في القصيدة التقليدية. وإن كان الشعر الحُر في الآداب الأجنبية يعني تعدد الأوزان في القصيدة الواحدة، فهوفي العربية يعني شعر التفعيلة التي تحررت من التناسب، أي من التفعيلات المتساوية في جميع بيت من أبيات القصيدة إلى تفاوتها من بيت لآخر في القصيدة الحرة في الشعر العربي. وهذا الفرق في الدلالة لمصطلح الشعر الحُر بين العربية والإنجليزية، مثلاً، هوالذي جعل بدر شاكر السّـيَّاب يستخدم مصطلحًا آخر هوالشعر المنطلق وهوترجمة لمصطلح شكسبير، إذ هويقوم على انطلاق التفعيلة من التساوي في العدد إلى التفاوت فيه.

John Wilmot

ولم يكن السّـيَّاب، أوغيره، رائد هذا المصطلح، فقد استخدمه علي أحمد باكثير عام 1937م في ترجمته لمسرحية شكسبير: روميووجولييت، ومسرحية أخرى بعنوان: أخناتون ونفرتيتي. خطها على بحر الخبب نفسه مراعيًا مبدأ التفاوت في الأبيات الشعرية لعدد التفعيلات لا مبدأ التساوي كما هوالحال في الشعر التقليدي.

وعلى كلٍّ، فإن ما قامت به نازك الملائكة أوباكثير أوالسياب أوغيرهم لم يكن استعارة حرفية لنموذج الشعر الحُر في الآداب الأجنبية، ولكنه ممارسة لمبدأ التحرر ضمن السياق العضوي لبنية الشعر العربي وإيقاعاته العروضية.

ولمّا كانت الأوزان العربية كلها لا تقبل مبدأ تحرر التفعيلة، إذ إنها تتراوح بين مركَّبة ونصف مركبَّة وبسيطة، انتهت من ثم تجارب الشعراء إلى تحرير ثمانية بحور من صيغها القديمة المتساوية إلى صيغ جديدة متفاوتة. هذه الصيغ تُدعى أحيانًا الشعر الحُر وأخرى شعر التفعيلة ولكن مصطلح الشعر المنطلق لم يخط له الفوز بالبقاء مع أنه أكثر دلالة على طبيعة التطور الذي ولج بنية العروض العربي.

وكما حتى هناك بحرًا تامًا وبحرًا مجزوءًا وبحرًا منهوكًا، فيمكن القول إذا هناك بحرًا منطلقًا أيضًا على القياس نفسه. إلى غير ذلك تولدت في حركة الشعر الحديث قيم عروضية جديدة وبحور شعرية محدثة وهي التي تشكل عروض الشعر الحُر في شعرنا الحديث، إلا حتى القصيدة ليست أوزانًا وقوافي مجردة، بل هي تعبير عن معاناة إنسانية تتوفَّر فيها الفكرة والعبارة والصورة والانفعال والإيقاع، فَرَنين الكلام وحده لا ينتج شعرًا.

Christine de Pizan

من هنا، علينا حتى نميز بين النظم والشعر والإيقاع أوالموسيقى والوزن، وكل هذا ما إلا حاضن للإنسان ومعناه وجوهره وشفافيته. وهذا هومعيار الشعر الحقيقي.

الشعر المرسل

هوالشعر المتحرر من القافية الواحدة والمحتفظ بالإيقاع أي محتفظ بوحدة التفعيلة في البحر الشعري دون احتفاظه بالوزن. وقد يحافظ الشاعر في الشعر المرسل على القافية حين يتبع نظامًا أقرب ماقد يكون إلى نظام الشعر في اللغات الأوروبية بقوافيه المتعانقة أوالمتقاطعة. وقد يلتزم الشاعر كذلك بالقافية والإيقاع معًا ولكن الوزن قد يختلف. مثال ذلك قصيدة الشاعر كيلاني سند أنا وجارتي حيث التزم القافية ووحدة التفعيلة . وكتابة هذا اللون من الشعر أشد عسرًا من كتابة الشعر الملتزم بالأوزان التقليدية في بحورها المحددة. ذلك حتى هذا الشعر يقتضي فهم دقيقة بأسرار اللغة، الصوتية، وقيمها الجمالية مع دراية بالتناسب المطلوب بين الدلالات الصوتية والانفعالات المتراسلة معها، وما يتبع ذلك من سرعة في الإيقاع أوبطء فيه، وما يصاحبه من تكرار وتوكيد وتنويع في النغم، وهوأمر لا يقدر عليه إلا شاعر مرهف الحس قد ملك أدواته اللغوية والفنية.

ومن أطيب أمثلة هذا اللون من الشعر قصيدة نزار قباني إلى مسافرة وهي تدل على حتى الشاعر إذا ملك ناصية أدواته الشعرية، خط شعرًا مرسلاً مبدعًا: قَصيدةُ النَّثر. هناك تمايز عالمي وتاريخي بين الشعر والنثر في جميع الآداب، وما يتميزّ به النثر من منطق وروية ووضوح وعبارة غير موزونة، يقابله الشعر بكثافة المعنى، أوماتدعوه البلاغة العربية بالإيجاز والشفافية والصورة والموسيقى والنزوع إلى الوجدان.

ومنذ الثورة على المذاهب التقليدية وقيمها المستقرة، اتجهت جهود المبدعين إلى هدم الحواجز بين الأجناس الأدبية أوابتكار فنون جديدة أوتطعيم جنس بجنس أدبي آخر إلى غير ذلك.

فقصيدة النثر هي صنف فني يستكشف مافي لغة النثر من قيم شعرية ويستغلها لخلق مناخ يعبر عن تجربة ومعاناة من خلال صورة شعرية عريضة، تتوافر فيها الشفافية والكثافة في آن واحد. وتعوّض انعدام الوزن التقليدي فيها بإيقاعات التوازن والاختلاف والتماثل والتناظر معتمدة علي الجملة وتموجاتها الصوتية بموسيقى صياغية تُحسّ ولا تُقاس.

وقد تعددت المصطلحات التى تدلّ على هذا الجنس من ثقافة إلى أخرى. فقد استخدم أمين الريحاني مصطلح الشعر المنثور، الذي لا وزن له وأدخله في الشعر الحر، أي شعر التفعيلة عندنا الذي يقاس ويُوزن.

لكن شعراء العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، استخدموا مصطلح قصيدة النثر، وهومصطلح فرنسي استخدمه بودلير وبعض معاصريه، وشاع شيوعًا كبيرًا في الفترة الحديثة.وجريًا مع انفتاح الشعراء العرب على التجارب الإبداعية العالمية، فإن دخول الشعر المنثور أوقصيدة النثر إلى شعرنا العربي الحديث وإن سوغته تطورات ضمنية، في حياتنا الأدبية، قام على مبادرات شعراء عرب استوحوا نماذج شعرية وتجارب إبداعية من الآداب الأخرى.

ويُعد شعر المهجر مهد ميلاد قصيدة النثر في الشعر العربي؛ فقد خط شعراء المهجر: أمين الريحاني وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران محاولات شعرية متأثرين فيها بالشاعر الأمريكي والت ويتمان، ثم انتقلت من هناك إلى المشرق.

لم تجد قصيدة النثر رواجًا كبيرًا في الشعر العربي الحديث؛ إذ إذا الذائقة العربية ماتزال محكومة بوزن الشعر العربي وإيقاعه في نماذجه الموروثة.

موسيقى الشعر

Thomas Gray

تعني موسيقى الشعر مراعاة التَّناسب في أبيات القصيدة بين الإيقاع والوزن، بحيث تتساوى الأبيات في عدد المتحركات والسواكن المتوالية، مساواة تحقق في القصيدة ما عهد بوحدة النغم. وهذه الموسيقى اتخذت معايير متعدّدة. منها مايتَّصل بعروض الشعر وميزانه، ومنها مايتصل بقافيته ورويّه، وهذا يحقّق إيقاع الشعر وموسيقاه.

العَرُوض

أما العروض فهوفهم يعهد به سليم أوزان الشعر وغير سليمها. وأول من وضع هذا الفهم الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثاني من الهجرة. ولم يتأثر الخليل فيه بأية أمة من الأمم الأخرى. وكان الشعراء قبل الخليل ينظمون الشعر دون ميزان. انظر: الخليل بن أحمد. وقد جعل الخليل الشعر في خمسة عشر بحرًا هي: الطويل، والمديد، والبسيط، والكامل، والوافر، والخفيف، والرجز، والرمل، والهزج، والمضارع، والسريع، والمنسرح، والمقتضب، والمجتث، والمتقارب. وأضاف عليها الأخفش بحرًا آخر سماه المتدارك؛ إذ استدركه على أستاذه الخليل بن أحمد. انظر: الأخفش، سعيد.

وتنحصر أوزان الشعر العربي في عشرة تفاعيل، ومنها تهجرب جميع البحور الستة عشر، والتفاعيل هي: فعولن، مفاعيلن، مفاعلتن، فاع. لاتن، فاعلن، فاعلاتن، مستعملن، متفاعلن، مفعولات، مستفع. لن. ورغم حتى هذه التفاعيل عشرة في الحكم فإنها ثمانية في اللفظ. انظر: العروض.

القافية

Ignacy Krasicki

اتى في لسان العرب لابن منظور حتى القافية من الشعر هي التي تقفوالبيت، وسُميت قافية لأنها تقفوالبيت. وفي الصحاح لأن بعضها يتبع إثر بعض. نطق الخليل بن أحمد: القافية هي من آخر البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن، كما في قول امرئ القيس: حدثع اليدين في حَبِيٍّ مكـلَّل

فالقافية وفق قول الخليل هي (كَلْلَلي) لأن الياء هي آخر ساكن وأول ساكن هواللام ثم المتحرك الذي قبله هوالكاف.

ونطق تلميذه الأخفش: القافية هي آخر حدثة في البيت. إذن، في قول امرئ القيس، القافية هي مكلّل، وفق قول الأخفش.

ومن العروضيين من يقول: إذا البيت كله قافية. ومنهم من يقول كذلك: إذا القصيدة كُلها قافية. لكن بعض المصنفين الذين يصنفون الأشعار. فالنون دخيل سقط بين ألف التأسيس وبين الرّوي، حرف العين.

الحركات هي: المجرى والنفاذ والحذووالرّس والإشباع والتوجيه.

وأما عيوب القافية فهي: الإ قواء والإكفاء والإيطاء والسّناد الذي على خمسة أنواع هي: سناد التأسيس وسناد الحذووسناد التوجيه وسناد الإشباع وسناد الرّدف، ثم عيب التضمين والإجازة.

وقد رأى دارسوالشعر حتى عدد القوافي ثلاثون قافيةً: منها للمتكاوس واحدة، وأربع للمتراكب، وست للمتدارك، وسبع للمتواتر، واثنتا عشرة قافية للمترادف.

الإيقاع هوالوزن الطبيعي المحسوس في أثناء الرقص والموسيقى واللغة. ففي الرقص، تنبعث الأنماط والأنغام الموسيقية بحركات جَسدية فترات أقصر أوأطول، وبنبرات مُشدَّدة أ ومخفَّفة. وفي الموسيقى، فإن التعايير والأشكال المقفاة التي تنبع من ترتيب الألحان، يتم تنظيمها حسب الوقت والشدَّات. أما في اللغة، فإن القافية هي حمل الأصوات وخفضها حسب المقاطع، والألحان الصوتية، والشدَّات اللفظية والسَكَنات. وتتمثل موسيقى الشعر العربي في بحوره وقوافيه. ويُفَرَّق هنا بين أمرين أولهما الإيقاع العام: ويعني وحدة النغم التي تتكرر على نحوما في الكلام أوفي البيت حين تتوالى المتحركات والسَّواكن بشكل متسق في مبترين أوأكثر من مقاطع الكلام أوأبيات القصيدة.

هذا اللون من الإيقاع لا يخلومنه النثر ويسمَّى التصريع. أما الإيقاع في الشعر فمداره التفعيلة في البحر العربي، والمقصود من التفعيلة لقاءة الحركات والسكنات فيها بنظائرها في الحدثات في البيت دون حتى نفرق بين الحرف الساكن اللين والحرف الساكن الجامد وحرف المد.

خلاصة ذلك حتى حركة جميع تفعيلة هي وحدة الإيقاع في البيت. أما الوزن فهومجموع التفعيلات التي يتألَّف منها البيت الذي هوالوحدة الموسيقية للقصيدة العربية.

وفي موسيقى الشعر، على الشاعر حتى يراعي المساواة بين أبيات القصيدة في الإيقاع والوزن، بحيث تتساوى الأبيات في نصيبها من عدد المتحركات والسواكن المتوالية، وهذه المساواة تحقق مانسميه: وحدة النغم.

عُني الشعر العربي منذ القدم بوحدة الإيقاع والوزن وحرص عليها حرصًا شديدًا فالتزمها في أبيات القصيدة كلها، وزاد عليها التزامه قافية واحدة وحرف روي واحدًا، بل التزم بعضهم بأكثر من حرف، كأبي العلاء المعري في لزومياته. وهذا الالتزام مقياسه براعة الشاعر لأنه يزيد من وحدات الإيقاع الصوتية.

وهذه المساواة في وحدات الإيقاع والوزن ليست تامة جميع التمام، إذ لوكانت كذلك لأصبحت النغمات رتيبة يملها السمع. إذن فالوزن والإيقاع لا يتفقان جميع الاتفاق في أبيات القصيدة الواحدة، فالتفعيلات المكونة للبحور الشعرية تظل واحدة في جميع الأبيات ولكن الشاعر حر في نقصها أوتسكين محركها على نحوما قرره فهم العروض في الزحافات والعلل. انظر: الجزء الخاص بالعروض في هذه الموضوعة. وسبب آخر لعدم الاتفاق التام هواختلاف حروف الحدثات التي تقابل حروف التفعيلات بعضها ببعض، فهي تتراوح بين حروف ساكنة وحروف أعطى طويلة وحروف لين. وهذا الاختلاف الصوتي ينوِّع موسيقى الشعر كما ينوِّع معاني الإيحاء الموسيقي في الوزن الواحد. فموسيقى البيت تابعة للمعنى والمعنى يتغيّر من بيت لآخر حسب الفكر والشعور والصورة المعبر عنها.

ومن أبرز العوامل التي تؤدّي إلى شيء من التفرع الموسيقي داخل الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية، الإنشاد أوالإلقاء؛ حيث يطول الصوت في بعض الحدثات ويقصر في أخرى ويرتفع تارة وينخفض أخرى. وهذا يعني أننا نقيس في العروض مقاطع الصوت مقياسًا كميِّـًا على حين هنالك مقاييس كيفية لها تأثير فاعل على عدد حروف الحدثات وموسيقاها. فالحدثات وهي مفردة ينطق بمقاطعها على السواء، ولكنها في الجمل عامة وفي الشعر خاصة تقتضي نطقًا يكسبها تنوعاً في موسيقاها حتى ولوكان ذلك في القراءة الصامتة؛ فموسيقى الشعر تظل خاصة من خصائصه همسًا أوإلقاءً. وتظل موسيقى الشعر شديدة الصلة بمعناه، فباختلاف المعنى، تتنوع موسيقى الإنشاد ويتنوع الصوت حسب مسقط الحدثة، ويختلف إذا كان الأمر استفهامًا أوتعجُّبًا أوإثباتًا أونفيًا أوأمرًا أونهيًا أونادىءً وما إليها. فالوزن والإيقاع متحدان ولا وجود لمبتر صوتي أوتفعيلة مستقلة، بل وجودها متصل بالبيت في معناه ومسقطه من الأبيات الأخرى.

حاول بعض الدارسين حتى يربط بين موضوع القصيدة والبحر الذي تخط فيه لإيجاد صلة ما، بين موقف الشاعر في التعبير عن معانيه وعواطفه وبين الإيقاع والوزن اللذين اختارهما لهذه الغاية، وهوأمر لا يثبت عند التمحيص، فالعرب قد نظموا على البحر الواحد مختلف الأغراض.

أما القافية فلها قيمة موسيقية عالية في الشعر العربي، فتكرارها يزيد في وحدة النغم وهي جزء أصيل في تكملة المعنى ولا يمكن الاستغناء عنها، وتكون نهاية طبيعية للبيت الشعري. وقد حاول بعض النقاد الربط بين حروف القوافي وموضوع الشعر، ولكن الأمر يشبه علاقة البحور بموضوعات القصائد، وما يزال للقافية سلطانها في الشعر العربي الحديث.

وقد بدأت الثورة على الوزن والقافية منذ القرن الثالث الهجري حين رأى بعض الشعراء في ذلك قيدًا، وتطلعوا إلى شيء من التجديد. ويمثل الموشح في الأندلس أقوى هذه الثّورات على نظام القصيدة في الأوزان والقوافي.

مدارس الشعر العربي الحديث

Charles Baudelaire, by Gustave Courbet
Michael Madhusudan Dutt

بدأت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بشائر نهضة فنية في الشعر العربي الحديث، وبدأت أول أمرها خافتة ضئيلة، ثم أخذ عودها يقوى ويشتد حتى اكتملت خلال القرن العشرين متبلورة في اتجاهات شعرية حددت مذاهب الشعر العربي الحديث، ورصدت اتجاهاته. وكان لما أطلق عليه النقاد مدارس الشعر أثر كبير في بلورة تلك الاتجاهات التي أسهمت في بعث الشعر العربي من وهدته كما عملت على رفده بدماء جديدة، مستفيدة من التراث العالمي آخذةً ما يوافق القيم والتنطقيد. وتعد مدرسة الإحياء والديوان وأبولووالمهجر والرابطة القلمية والعصبة الأندلسية وجماعة مجلة الشعر أشهر هذه المدارس، إذ إنها قدمت الجانب النظري وأتبعته بالجانب العملي التطبيقي؛ فكان نقادها يُنَظِّرُون وشعراؤها يخطون محتذين تلك الرؤى النقدية. وسنورد هنا حدثة موجزة عن جميع مدرسة من هذه المدارس. مدرسة الإحياء. يمثِّل هذه المدرسة من جيل الرواد محمود سامي البارودي، ثم أحمد شوقي، ومن عاصره أوتلاه مثل: حافظ إبراهيم وأحمد محرم وعزيز أباظة ومحمود غنيم وعلي الجندي وغيرهم.

وهذه المدرسة يتمثّل تجديدها للشعر العربي في أنها احتذت الشِّعر العباسي، إذ تسري في قصائد شعرائه أصداء أبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضيّ. فتجديدها إذن نابع من محاكاة أحمل نماذج الشعر وأرقى رموزه في عصور الازدهار الفني، وبخاصة العصر العباسي.

لا ينبغي تجاهل عنصر الطاقة الذاتية الفذّة التي كانت لدى جميع من رائدي هذه المدرسة خاصة، وهما: البارودي وشوقي. لقد قرآ التراث الشعري قراءة تمثل، وتذوقا هذا التراث، وأعانتهما الموهبة الفذّة على إنتاج شعر حديث لم يكن لقارىء الشعر الحديث عهد به من قبل، إذ قبيل اشتهار البارودي عهد الوسط الأدبي شعراء أمثال: علي الليثي، وصفوت الساعاتي، وعبد الله فكري، غلبت على أشعارهم الصنعة اللفظية، واجترار النماذج الفنية في عصور الضعف، والاقتصار على المناسبات الخاصة مثل تهنئة بمولود، أومداعبة لصديق، هذا إلى مدائح هؤلاء الشعراء للخديوي وغيره، مع افتقار إبداعاتهم الشعرية للتجربة والصدق الفني. لقد ابتعد الشعر العربي إذن، قبل البارودي، عن النماذج الأصيلة في عصور الازدهار، كما افتقد الموهبة الفنية.وبشكل عام، فإن فن الشعر قبل البارودي قد أصيب بالكساد والعقم.

ولقد برزت عوامل شتى أعادت للشعر العربي، على يد البارودي وشوقي، قوته وازدهاره، فإلى جانب عامل الموهبة، فإن مدرسة البعث والإحياء كانت وليدة حركة بعث تام في الأدب والدين والفكر؛ إذ أخرجت المطابع أمهات خط الأدب ـ خاصة ـ مثل: الأغاني، ونهج البلاغة، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، كما أخرجت دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، وكان الشيخ محمد عبده قد حقق هذه الخط وسواها، وجلس لتدريسها لطلاب الأزهر ودار العلوم، فضلاً عن الصحوة الكاملة في شتَّى مرافق الحياة، والاتصال بالثقافة الحديثة وصدور الصحف والمجلات، وانتشار التعليم.

ولقد عبر البارودي عن مأساة نفيه، في أشعاره، بأصدق تجربة وأروع لغة، وهجر ديوانًا عده الدارسون بكل المقاييس، البداية الحقيقية لنهضة الشعر، والصورة الجلية لرائد مدرسة الإحياء والبعث.

وإذا كان البارودي قد أعاد للشعر العربي ديباجته، فإن أحمد شوقي، في حدود نزعته التقليدية، قد مضى بما خلفه البارودي أشواطًا بعيدة بمسرحه الشعري وقصصه التعليمي على لسان الحيوان، وقصائده الوطنية والعربية والإسلامية، وبتعبيره الشعري عن أحداث عصره وهمومه. كما كان لثقافته الفرنسية أثر واضح فيما أحدثه من نهضة شعرية تجاوزت الحدود التي وقف البارودي عندها، وكان شوقي قد قرأ كورني وراسين ولافونتين، بل قرأ شكسبير، وتأثر به كثيرا في مسرحه الشعري.

ومع هذا، فإن أحمد شوقي لم يتجاوز النزعة الغنائية، حتى في مسرحه الشعري، وبدا واضحًا حتى شوقي قد جعل من المسرح سوق عكاظ عصرية، يتبادل فيها شخوص مسرحياته إلقاء الأشعار في نبرة غنائية واضحة.

جماعة الديوان. أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الكتاب النقدي الذي أصدره عباس محمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازني (1921م) وشاركهما في تأسيس هذه الجماعة عبد الرحمن شكري. انظر: العقاد، عباس محمود؛ المازني، إبراهيم عبد القادر؛ شكري، عبد الرحمن.

تُعد هذه الجماعة طليعة الجيل الجديد الذي اتى بعد جيل شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران. وكانت الجماعة التي تزعمتها قد تزودت بالمعارف والثقافة الغربية، وقد حرصت هذه الجماعة على أشياء ودعت إليها ، منها:1- الدعوة إلى التعبير عن الذات بتخليص الشعر من صخب الحياة وضجيجها. 2- الدعوة إلى الوحدة العضوية في الشعر بحيث تكون القصيدة عملاً متكاملاً. 3- الدعوة إلى تنويع القوافي والتحرر من قيود القافية الواحدة. 4- العناية بالمعنى والاتجاه التأمُّلي والفلسفي. 5- تصوير جواهر الأمور والبعد عن مظاهرها. 6- تصوير الطبيعة وسبر أغوارها والتأمُّل فيما وراءها.

والديوان كتاب في النقد، شارك في إخراجه العقاد والمازني، وكان العزم على حتى يخرج هذا الكتاب في عشرة أجزاء، غيرأنه لم يخرج منه سوى جزءين. وهوكتاب موجّه نحونقد القديم، حاول فيه العقاد تحطيم زعامة شوقي الشعرية؛ فهاجم أساليب شوقي، وعاب شعره وشعر حافظ إبراهيم في السياسة والاجتماع، لكون عواطفهما سطحية تقف عند القشور دون اللُّباب، ولكون الشعر السليم هوالذي يتعمق وراء القشور ويعبّر عن سرائر الأمة وجوانبها النفسية، لأنها مكْمَنُ المشكلة. وقد هاجم العقاد، في الجزء الأول أيضًا، الصَّحافة ¸التي أقامت لشوقي وزنًا، وجعلت له في جميع يوم زَفّة·.

أما الجزء الثاني فقد تصدّى فيه المازني للمنفلوطي وحاول أيضًا تحطيمه واسمًا أدبه بالضَّعف، ووصمه بكل قبيح، واتهمه بأنه يتجه في أدبه اتجاه التّخنُّث.

وتجاوب مع تيار العقاد والمازني، ميخائيل نعيمة رائد التجديد في الأدب المهجري، وأخرج، بعد عامين، كتابه النَّقدي الغربال (1923م). ومضى فيه على طريقة المازني والعقاد في الهجوم على القديم والدعوة إلى الانعتاق منه.

لم يخط لهذه الجماعة الاستمرار، ولوخط لها ذلك لكان من الممكن حتىقد يكون تأثيرها عميقًا على الحركة الأدبية. ولكن دبّ الخلاف بين اثنين من مؤسسيها، المازني وشكري، حين اتّهم المازني شكريًّا بأنه سرق عددًا من قصائد الشعر الإنجليزي وضمنها بعض دواوينه، وقد كشف المازني هذه القصائد وحدد مصادرها، فما كان من شكري إلا التصدي للمازني في كتابه صنم الألاعيب. واحتدم الصّراع بينهما، فاعتزل شكري الأدب ثم تلاه المازني، وبقي العقاد في الديوان وحده. ثم إذا العقاد نفسه عاد عن كثير من أفكاره، خاصة تلك المتعلقة بعمود الشعر، وذكر أنه أمضى في التيار الجديد نحوًا من ثلاثين سنة، ومع ذلك، فإن أذنه لم تألف موسيقى الشعر الجديد وإيقاعه.

جماعة أبولو

اسم لحركة شعرية انبثقت من الصراع الدائر بين أنصار المدرسة التقليدية وحركة الديوان والنزعة الرومانسية، لتتبلور عام 1932م بريادة الشاعر أحمد زكي أبي شادي، في حركة قائمة بذاتها متخذة من أبولوإله الفنون والعلوم والإلهام في الأساطير اليونانية اسمًا لها.

لم يكن لجماعة أبولوممضى شعري بعينه، كما كان لحركة الديوان، التي انتمت للحركة الرومانسية ضد الاتجاه الكلاسيكي في الشعر. ولم يخطْ لها بيان شعري يحدد نظرتها إلى الإبداع وقضاياه المتفرقة، من أسلوب ومضمون وشكل وفكر… إلخ. بل اكتفى أبوشادي بتقديم دستور إداري للجماعة، يحدد الأهداف العامة لها من السموبالشعر العربي، وتوجيه جهود الشعراء في هذا الاتجاه، والرقي بمستوى الشعراء فنيًا واجتماعيًا وماديًا، ودعم النهضة الشعرية والسير بها قدما إلى الأمام.

انتخبت الجماعة أمير الشعراء أحمد شوقي أول رئيس لها. وبعد وفاته بعام واحد، تلاه خليل مطران، ثم أحمد زكي أبوشادي. واستمرت الحركة من (1932- 1936م). وكان لها مجلة دورية، مجلة أبولوالتي توقفت (1934م)، تعد وثيقة أدبية وتاريخية وفكرية لهذه الجماعة التي نازعت حركة الديوان سيطرتها، وحّلت محّلها، فأنتجت جيلاً شعريًا ينتمي إلى الاتجاه الرومانسي بحق، من أمثال: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمد عبدالمعطي الهمشري وغيرهم.

وكان أثر مطران على الجماعة بارزًا، باعتراف محمد مندور وقولة إبراهيم ناجي المشهورة: (كلنا أصابتنا الحمى المطرانية). ويقصد بها نزعته التجديدية في الشعر وطابعه الذاتي الرومانسي.

ورغم حتى هذه الحركة الشعرية لم تُعَمَّر طويلاً، إلا أنها هجرت أصداءها في العالم العربي، وراسلها الكثير من الشعراء والنقاد، أمثال: أبي القاسم الشابي، وآل المعلوف، ومن بينهم عيسى إسكندر وشفيق ابنه صاحب عبقر. كما نرى هذه الأصداء في بعض نتاج شعراء الحجاز أمثال: محمد حسن عواد وحسين سرحان. كما تجاوب معها ميخائيل نعيمة رائد حركة التجديد في المهجر، وقد نص على تجاوبه معها في مقدمة ديوانه الغربال.

اتسمت حركة جماعة أبولو، بأنها عمّقت الاتجاه الوجداني للشعر، وانفتحت على التراث الشعري الغربي بوساطة الترجمة من الشعر الأوروبي، ودعت إلى تعميق المضامين الشعرية واستلهام التراث بشكل مبدع، واستخدام الأسطورة والأساليب المتطورة للقصيدة، ولفتت الأنظار إلى تجريب أشكال جديدة للشعر المرسل والحر. كما التفتت إلى الإبداع في الأجناس الشعرية غير الغنائية لاسيما عند أبي شادي، ومهدت الطريق لظهور مجلة وحركة أخرى هي حركة مجلة الشعر في بيروت (1957م).

بالإضافة إلى ماهجره لنا شعراء هذه الجماعة من دواوين ومجموعات شعرية، تبدوفيها النزعة الرومانسية هي الأقوى مضموناً وشكلاً وانفعالاً، فإن مجلة أبولوالتي كانت تنشر على الملأ قصائدهم وأفكارهم، كانت المنبر الذي التفّ حوله الشعراء من العواصم العربية والمنارة التي نشرت إشعاعاتهم. انظر: الشعر (مدارس الشعر).

ومجلة أبولوتعد وثيقة فنية تاريخية فكرية لهذه الحركة، التي لم تعمّر طويلاً، لكنها شعريًا كانت أكثر تأثيرًا من حركة الديوان التي عاقتها عن النموالشعري هيمنة العقاد مُنظِّرًا وقائدًا، وارتبطت إنجازاتها بالنقد أكثر مما ارتبطت بالشعر، وغرَّبت عنها عبدالرحمن شكري الذي ينسجم شعره مع شعر الجيل الثاني لحركة أبولو.

وبرز دور الشاعر بوصفه فنانًا في حركة أبولو، كما برزت أهمية التجربة النفسية والوجدانية في عملية الإبداع الشعري لا محاكاة نماذج القدماء. وتحوّلت قضايا الشعر من قضايا المجتمع إلى قضايا الذات، واستكشف بعض شعراء الجماعة لغة شعرية جديدة متماسكة أكثر صفاءً ونقاءً من شعر التقليديين وأغراضهم الشعرية الموروثة.

مدرسة المهجر

بدأ آلاف المهاجرين العرب من الشام (سوريا ولبنان وفلسطين) مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي رحلتهم الطويلة إلى بلاد المهجر (أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية)؛ لأسباب اقتصادية وسياسية في المقام الأول. فقد كانت بلاد الشام ولاية عثمانية تتعرض لما تتعرض له الولايات العربية الأخرى تحت الحكم الهجري من تعسّف الحكّام وسوء الإدارة. وأما من كانوا يعارضون سياسة التتريك العثمانية، ويجاهدون للإبقاء على الهوية العربية، فنصيبهم الاضطهاد والمعتقلات.

وقد ازدادت الأوضاع السياسية سوءًا عندما قرَّرت الدول الأوروبية الكبرى لقاءة الدولة العثمانية، واقتسام أملاكها شيئًا فشيئًا، فانحازت جميع دولة إلى فرقة أوطائفة على حساب أمن الشام واستقراره. فاشتعلت الفتن الطائفية والدينية وحدثت مذابح كثيرة، وساءت الأحوال الاقتصادية في بلاد كثيرة السكان ضيِّقة المساحة، وهلكت المحاصيل الزراعية بالأوبئة والحشرات، إضافة إلى ازدياد الضرائب المفروضة على المزارعين وأصحاب المتاجر الصغيرة. إلى غير ذلك فكر عدد كبير من السكان بالهجرة، وتطلعت أبصارهم إلى الغرب وإلى الأمريكتين بخاصة، فقد سمعوا عنها وعما تتمتع به من ثراء وحضارة وحرية، وذلك من خلال جمعيات التنصير ومدارسه التي تفهم فيها بعض منهم. وقد شجعهم ذلك على الهجرة عن بلادهم وأهليهم، علهم يطمئنون على أرواحهم وأنفسهم ويصيبون شيئًا من الثراء في جويسوده الأمان والحرية والرخاء.

انقسمت قوافل المهاجرين إلى العالم الجديد إلى قسمين؛ قسم قصد الولايات المتحدة الأمريكية واستقر في الولايات الشرقية والشمالية الشرقية منها، وتوجه القسم الآخر إلى أمريكا الجنوبية وبخاصة البرازيل والأرجنتين والمكسيك.

وجد المهاجرون عناءً وتعبًا، فلم يكن الحصول على لقمة العيش سهلاً، كما ظنوه وكما زُيّن لهم، ولكنهم وجدوا في بيئتهم الجديدة من الحرية ما ساعدهم على ممارسة إبداعهم الأدبي، كما حتى شعورهم بالغربة وحنينهم إلى الوطن البعيد، وخوفهم على لغتهم وهويتهم العربية من الضياع، في مجتمعات يظهر جميع شيء فيها غريبًا عنهم، جعلهم يلتفون حول بعضهم بعضًا، ودفعهم إلى تأسيس الجمعيات والأندية والصحف والمجلات؛ يلتقون فيها ويمارسون من خلالها أنشطتهم، وظهر من بينهم الشعراء والأدباء الذين نشأت بهم مدرسة عربية أدبية مهمة هناك، سميت بمدرسة المهجر، أسهمت مساهمة مقدرة في نهضة الأدب العربي الحديث. وقد انقسمت مدرسة المهجر إلى مدرستين هما:

الرابطة القلمية

الرابطة القلمية إحدى الجمعيات الأدبية التي أسسها مهاجروالشام في أمريكا الشمالية في نيويورك (1920)، وكان الشاعر جبران خليل جبران، وراء فكرة تأسيسها، فترأسها وأصبح أبرز أعضائها. وقد ضمّت الرابطة إلى جانب جبران كلاً من الأدباء: ندرة حداد، وعبد المسيح حداد، ونسيب عريضة، ورشيد أيوب، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبوماضي، ووليام كاتسفليس، ووديع باحوط، وإيليا عطاء الله.

استمر نشاط الرابطة الأدبي عشرة أعوام، وكان أعضاؤها ينشرون نتاجهم الأدبي في مجلة الفنون التي أسَّسها نسيب عريضة، ثم في مجلة السائح لعبد المسيح حداد. وقد توقف هذا النشاط بوفاة جبران وتَفَرُّقِ أعضائها؛ إما بالوفاة وإمَّا بالعودة إلى الوطن.

كان هدف الرابطة القلمية هوبث روح التجديد في الأدب العربي شعرًا ونثرًا، ومحاربة التقليد، وتعميق صلة الأدب بالحياة وجعل التجربة الكتابية تنفتح على آفاق أوسع مما كانت تدور حول فلكه من النماذج القديمة في الأدب العربي.

ويبدوحتى أدباء الرابطة القلمية قد حققوا الكثير من أهدافهم، وقد ساعدهم على ذلك ما كان يجمع بين أعضائها من تآلف وتشابه في الميول والاهتمامات، إضافة إلى المناخ الحر الذي كانوا يتنفسون أريجه، وما كان يعج به من أحدث التيارات الفكرية والاتجاهات الأدبية آنذاك.

العصبة الأندلسية

العصبة الأندلسية تأسست عام 1932م في ساوباولوبالبرازيل، ولعل السبب في هذه التسمية هوالجوالأسباني الذي يطبع الحياة العامة في أمريكا الجنوبية، وكأنه قد أثار كَوَامنَ الشجن في نفوس هؤلاء المهاجرين وأعادهم إلى ذكريات العرب أيام مجدهم بالأندلس. تبنَّى الشاعر شكرالله الجرّ فكرة التأسيس، فاجتمع عدد من الشعراء والمهتمين في منزل ميشيل المعلوف لهذا الغرض، وحضر الاجتماع الأعضاء المؤسسون وهم: شكر الله الجر، ميشيل المعلوف، نظير زيتون، حبيب مسعود، إسكندر كرباح، نصر سمعان، داود شكور، يوسف البعيني، حسني غراب، يوسف أسعد غانم، أنطون سليم سعد، ثم انضم إليهم فيما بعد عدد من الشعراء والكتاب. وتولى رئاستها ميشيل المعلوف. وظل أعضاؤها ينشرون إنتاجهم الأدبي في مجلة الأندلس الجديدة لصاحبها شكر الله الجر لمدة عام، ثم صدر العدد الأول من مجلة العصبة الأندلسية، عام 1934م، وتولى حبيب مسعود رئاسة تحريرها. وقد استمرت هذه المجلة في الصدور حتى عام 1960م، وتخلل ذلك فترة انقطاع من عام 1941م إلى عام 1947م.

لا تختلف أهداف إنشاء العصبة الأندلسية عن أهداف الرابطة القلمية كثيرًا، فهناك رغبة مشهجرة في الحفاظ على اللغة العربية، وبث روح التآخي والتآزر بين الأدباء في المهجر، وجمع ضمهم، ورعايتهم، وتسهيل نشر إنتاجهم في المجلة أومن خلال المجموعات والدواوين الشعرية، وإقامة جسر حي بين هذا الأدب ونظيره في الوطن العربي الكبير، خصوصًا بعد توقف نشاط الرابطة القلمية. غير حتى تواضع البيئة الثقافية التي عاش فيها أدباء المهجر الجنوبي وعدم وجود شخصية مثل شخصية جبران بينهم، ووجود تباين في ثقافة أعضائها ونزعاتهم واهتماماتهم وانتماءاتهم الفكرية والوطنية، وتبني سياسة مرنة في النشر في المجلة؛ جعل أدب المهجر الجنوبي، فيما عدا استثناءات قليلة، أدبًا تقليديًا مقارنة بأدب المهجر الشمالي، وقد عاب أدباء الشمال هذه التقليدية على أدباء الجنوب.

وأيًا كان الحال، فإن الأدب العربي في المهجر الشمالي والجنوبي، بثرائه، واتساع آفاقه؛ نتيجة تفرد تجربته وظروف مُبْدِعِيهِ، يظل جزءًا مهمًّا وفاعلاً في دائرة الإبداع الأدبي المعاصر.

جماعة مجلة الشِّـعر

حركة شعرية نقدية تبلورت في مجلة الشعر التي تأسست في بيروت عام 1957، بريادة جميع من يوسف الخال وخليل حاوي ونذير العظمة وأدونيس، وصدر العدد الأول منها في صيف 1957م. وهجر خليل حاوي الجماعة بعد عام من تأسيسها. وبعد فترة التأسيس التي استمرت ثلاث سنوات، انضم إليها شوقي أبوشقرا وأنسي الحاج وفؤاد رفقة وخالد صالح، ودعمها من الخارج جبرا إبراهيم جبرا، وتوفيق صايغ وبدر شاكر السياب وشكر الله الجر، وسلمى خضراء الجيوسي ورياض الريس.

اعتبرت مجلة الشعر نفسها منبرًا للإبداع والحرية في المنطقة العربية كلها، فنشر فيها نزار قباني وبدوي الجبل وسعدي يوسف وعبدالوهاب البياتي وآخرون. وتبلور اتجاه المجلة مع الزمن تدريجيًا حول الحداثة، فنافح أعضاؤها عن حرية الإبداع والتخلص من رواسب التقليد، فتبنّوا أشكال القصيدة العربية الجديدة من الشعر الحر إلى قصيدة النثر، ودعوا جميع مبدعٍ إلى اكتشاف لغته الشعرية وإيقاعه وشكله، انطلاقًا من تجربته ومعاناته الشعرية، لا من محاكاة النماذج الموروثة الجاهزة.

عمق رواد هذه المجلة أيضًا مضامين القصيدة الحديثة، وتوصلوا إلى أشكال شعرية وأساليب أكثر اتصالاً بالحاضر وإيقاعه. فلكل قصيدة في مفهومهم رؤية ومعاناة خاصتان. وتبلور هذه الرؤى وتلك المعاناة شكل القصيدة ولغتها وموسيقاها. كما نظروا إلى التراث الشعري الإنساني نظرة إكبار، وتفاعلوا مع مصادره ونتاجه من خلال ترجماته والرجوع إلى نصوصه الأصلية.

ثار أصحاب هذه الجماعة أيضًا على بنية القصائد المحافظة وشكلها ومضمونها ووزنها، فاتىوا بابتكارات جديدة، فانشطر المهتمون بالشعر إلى مؤيدين للجماعة ومعارضين لها. كما أكدوا على مسؤولية الشاعر الحضارية أمام ضميره ووجدانه وانتمائه إلى الإبداع والحرية قبل جميع شيء. ووسعوا مفهوم الشاعر المعاصر للتراث فضم كلّ النتاج الحضاري من سومر إلى العرب. ودعوا إلى العودة إلى الجذور واكتشاف التراث والهوية الحضارية من خلال المعاناة الشعرية والتجربة الذاتية، واحتفلوا بالأساطير القديمة وبدائلها الفولكلورية والدينية في الخط المقدسة، وتفاعلوا مع مفهوم الحداثة العالمي والشعر الجديد، ونقلوا الشعر من الواقع اليومي، إلى السياق الحضاري والإنساني؛ فتبلورت على أيديهم اتجاهات جديدة، لاسيما المدرسة التموزية، التي نهلت من الأساطير القديمة، واتخذت من رموزها مايجسد معاناة العربي المعاصرة في الحياة والموت، وقدموا صياغات جديدة للقصيدة الحرة والمدورة وقصيدة النثر في إطار مفهومهم المتميز للمعاناة النفسية والإبداع الشعري.

وكان للجماعة بجانب مجلة الشعر الدورية التي تختص بالإبداع والنقد والترجمة، مجلس أسبوعي مفتوح للجمهور تُعرض فيه النماذج الشعرية الجديدة، لشعراء المجلة وضيوفها، وتناقش فيه القضايا الفكرية والنقدية، قضايا الشعر العالمي والعربي، حتى تتواصل الرؤى النقدية بحركة الشعر المعاصر.

صدرت المجلة لمدة أربعة عشر عاما، وتوقفت، ثم استأنفت الصدور مرة أخرى. ولكنها مع مرور الزمن فقدت حيويتها الأولى، بعد حتى أدّت وظيفتها الإبداعية في حركة الشعر الحديث. وأخيرًا توقفت نهائيًا أوائل سبعينيات القرن العشرين الميلادي.

هجرت جماعة مجلة الشعر صدى مازلنا نسمعه في عالم الإبداع حتى اليوم؛ لأنها أول حركة تسّلحت بوضوح المفهوم والرؤية والانتماء والاختصاص وتنّوع الشخصيات الشعرية التي دعمتها رغم خصوماتها الكثيرة بين التجديديين والتقليديين، مما كان سببًا في بقائها خمسة عشر عامًا حيث هجرت بصماتها واضحة على حركة الشعر الحديث.

وترى جماعة من النقاد والمهتمين بالأدب حتى جماعة مجلة الشعر ذات انتماء غربي، وأنها راعية الحداثة في الساحة العربية، وأن ثورتها على الموروث لم تقتصر على شكل القصيدة بل تعدتها إلى نبذ الموروث في المضمون، فنادى بعضهم إلى نبذ التراث وتحطيم جميع ماهومقدس، وجاهروا بذلك صراحة في نثرهم وشعرهم وسلطوا الأضواء على نماذج ورموز من التراث فيها نظر، كالحلاج والقرامطة وغيرهم.

الشعر الغربي

أنواعه. يُقسَّم الشعر الغربي إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: الشعر الغنائي والشعر القصصي، والشعر المسرحي. والأول هوأكثر هذه الأنواع شيوعًا، ويضم ألوانًا عديدة، منها القصيدة الغنائية (الأود)، ومنها المرثية والسوناتة، ومنها الهيكوذات الأصل الياباني، التي تعدُّ أقصر الأشكال الغنائية، إذ تتألف القصيدة من سبعة عشر مبترًا.

وفي الشعر القصصي، يتميز نوعان رئيسيان. أولهما الملحمة، وهي نوع يروي عادة حكاية الأبطال، أوقصص الصراع بين الإنسان وقوى الطبيعة. ومن أشهر الملاحم الإلياذة والأوديسة اللتان يعزى تأليفهما للشاعر الإغريقي هوميروس. والنوع الثاني من الشعر القصصي هوالقصيدة القصصية التي تروي قصصا قصيرة، ويركز جميع منهما على شخصية معينة.

وقــد استـُـخدم الشـعر في كتابة المسرحيات الإغريقية القديمــة وفــي مســرح عصــر النهضة في أوروبا، كما هوالحال في مسرحيات وليم شكسبير. ومن فنون الشعر المسرحي أيضًا المونولوج المسرحي، وهوقصيدة على لسان شخصية واحدة.

عناصره. من أبرز عناصر الشعر الغربي الوزن والإيقاع. والمقصود بالوزن النسق الذي يسير عليه الإيقاع في قصيدة معينة، أما الإيقاع فهوالانسياب مع التكرار. وكثيرًا ما يخرج الشاعر عن الوزن بتغيير الإيقاع في بيت من الأبيات، كما يستغني معظم الشعر الغربي الحديث أحيانًا عن الوزن استغناءً تامًا.

ويختلف الوزن باختلاف اللغة التي يستخدمها الشاعر، ففي الإغريقية القديمة، مثلاً، يعتمد الوزن على الصوائت الطويلة والقصيرة، بينما يعتمد في الشعر الإنجليزي على أحد عوامل ثلاثة: أولها عدد مقاطع الحدثات، إذ يكرر الشاعر العدد نفسه في جميع بيت، أوتقسم القصيدة إلى مجموعات من الأبيات، فتتبع جميع مجموعة المنوال نفسه، أي يتماثل عدد المقاطع في البيت الأول من جميع مجموعة، ثم في البيت الثاني إلى غير ذلك. والعامل الثاني في وزن الشعر الإنجليزي هوعدد المقاطع المنبورة في البيت الواحد، أوفي مجموعة الأبيات. أما العامل الثالث فهوعدد التفعيلات. وبما حتى التفعيلة الواحدة تتكون من عدد محدد من المقاطع المنبورة والمقاطع غير المنبورة، فمــن الواضح حتى هذا العامل الثالث يجمع العاملين الأولين معـًـا. وأكثر التفعيلات استعمالاً في الشعر الإنجليزي العمبقي خماسي التفاعيل.

العنصر الثاني في الشعر هوالأصوات. وتُعتبر القافية أبسط العوامل الصوتية التي تكوِّن الموسيقى الشعرية. وبسبب طبيعة معظم اللغات الغربية، قلما تستخدم قافية واحدة في القصيدة، وإنما تتعدد القوافي، وكثيرًا ما ترد وفق نسق معين يطلق عليه اسم خطة القافية، فخطة القافية (أ أب ب أ)، مثلاً، تدل على مجموعة من خمسة أبيات، يتبع الأول والثاني والخامس منها القافية نفسها (أ)، بينما يتبع الثالث والرابع قافية أخرى (ب).

ومن الوسائل الصوتية الأخرى التي يستخدمها الشعراء تكرار الأصوات في أوائل الحدثات، أوفي أواخرها أوتكرار الصوائت في وسطها.

والعنصر الشعري الثالث هوالصور، وهي إما صور حسية، وإما صور تتولد من المقارنة التي تكون عادة بين شيئين ليس بينهما تشابه كبير.

والشكل عنصر مهم من عناصر الشعر الغربي. ومن الوسائل التي تكتسب القصيدة بها شكلها استخدام خطة معينة في القافية. ومن أمثلة ذلك السوناتة الشكسبيرية التي تكون قافيتها دائمًا (أ ب أ ب # ج د ج د # هـ وهـ و# ز ز). كما قد يتحدد الشكل عن طريق الوزن، فحين يستخدم الشاعر أبياتـًـا غير مقفاة، يتبع جميع منها الوزن العمبقي خماسي التفاعيل خمس تفعيلات ينطق إذا الشكل الذي يستخدمه هوالشعر المرسل.

وفي القرن العشرين، يفتقر الكثير من الشعر إلى الوزن والقافية، ولذلك سمِّي بالشعر الحرّ.

المرثية أوالإليجا. المرثية قصيدة تتحدث عادةً عن الموت وخصوصًا موت صديق. ومن القصائد الرثائية المعروفة في اللغة الإنجليزية قصيدة توماس جراي مرثية مكتوبة في فناء كنيسة ريفية (1751م). وقصيدة عندما أزهر زهر اللّيلك آخر مرة في مدخل الفناء، (1865م) وهي لوالت ويتمان. وقصائد اللورد تنيسون في الذكرى (1850م) وهي سلسلة قصائد رثائية يواسي الشاعر فيها نفسه لفقد صديقه آرثر هنري هالام.

المراثي الرعوية تقدم الصديق الراحل والشاعر المفجوع كرعاة الغنم. والأمثلة على المراثي الرعوية تتضمّن: استروفل لإدموند سبنسر (1595م) وهي عن موت السير فيليب سيدني، وليسيداس لجون ميلتون (1637م) وهي عن موت الملك إدوارد، وأدونيس لبيرسي بيش شيللي (1821م) وهي عن موت جون كيتس، وثيرسيس لماثيوأرنولد (1867م) وهي عن موت آرثر هيوج كلدوج.

لقد استخدم اليونانيون القدماء مصطلح المرثية للإشارة إلى شكل الشعر أكثر من مضمونه. وتعالج أكثر المراثي اليونانية والرومانية القديمة الحرب والحب، أكثر مما تعالج الموت. فمثلاً تعد مراثي الشاعر الروماني أوفيد بشكل رئيسي أشعار حب.

القصيدة الغنائية (الأود)

قصيدة شعرية ذات طول معتدل تعبر عن الإطراء. وقد خط المسرحيون الإغريق قصائد غنائية جماعية من ثلاثة أجزاء: جزءان، استروفي وغير استروفي، ولهما وزنان متطابقان، ويسمى الجزء الثالث الإيبودة، وهي ذات أوزان متغايرة. وخط بندار الإغريقي قصائد غنائية في أبطال ألعاب القوى، استخدم النموذج الاستروفي، الذي سمي فيما بعد البنداري. انظر: بندار. وخط هوراس الروماني القديم قصائد غنائية مؤلفة من منظومات متَّسقة سميت بنموذج المقاطع.

وتضمَّن الشعر الإنجليزي منذ عهد بن جونسون أشكالا من القصائد الغنائية البندارية والمقاطع الغنائية والقصائد الغنائية غير المنتظمة، أوتلك التي ليست لها بنية شعرية معينة. وخط جون درايدن قصيدتين غير منتظمتين في تمجيد سانت سيسيليا. وقصيدة للمساء وهي قصيدة غنائية منوتة ألفها وليم كولينز. وأما أعظم القصائد الغنائية غير المنتظمة في القرن التاسع عشر الميلادي، فقصيدة وليم وردزورث جوهر الخلود، وقصيدة بيرسي بيش شيللي قصيدة للريح الغربي، وقصيدة جون كيتس جرة الإغريق، وقصيدة اللورد تنيسون في موت دوق ولنجتون.



انظر ايضا

  • Poetry terminology

ملاحظات

المصادر

  • الموسوعة المعهدية الكاملة
اقرأ اقتباسات ذات علاقة بشعر (أدب)، في فهم الاقتباس.
Wikisource has the text of the 1911 Encyclopædia Britannica article شعر (أدب).

المختارات

  • Margaret Ferguson, Mary Jo Salter & Jon Stallworthy (Eds). The Norton Anthology of Poetry. New York, New York: W. W. Norton & Co. (4th ed, 1996), ISBN 0-393-96820-0.
  • Helen Gardner (Ed). New Oxford Book of English Verse 1250-1950. New York, New York and London, England: Oxford University Press, (1972), ISBN 0-19-812136-9.
  • Donald Hall (Ed). New Poets of England and America. New York, New York: Meridian Press, (1957).
  • Philip Larkin (Ed). The Oxford Book of Twentieth Century English Verse. New York, New York and London, England: Oxford University Press, (1973)
  • James Laughlin (Ed). New Directions in Prose and Poetry Annuals. Norfolk, Connecticut and New York, New York: New Directions Publications (1936-1991).
  • Arthur Quiller-Couch (Ed). Oxford Book of English Verse. Oxford University Press, (1900).
  • W.B. Yeats (Ed). Oxford Book of Modern Verse 1892-1935. Oxford University Press, (1936)

Scansion and form

  • Alfred Corn. The Poem's Heartbeat: A Manual of Prosody. London, England: Storyline Press (1997), ISBN 1-885266-40-5.
  • Stephen Fry. The Ode Less Travelled: Unlocking the Poet Within. London: Arrow Books (2007)
  • Paul Fussell. Poetic Meter and Poetic Form. New York, New York: Random House (1965).
  • John Hollander. Rhyme's Reason (3rd ed). New Haven, Connecticut: Yale University Press (2001).
  • James McAuley. Versification, A Short Introduction. Michigan State University Press (1983), ISBN B0007DTS8K
  • Robert Pinsky. The Sounds of Poetry (1998).

النقد والتاريخ

  • Cleanth Brooks. The Well Wrought Urn: Studies in the Structure of Poetry. New York, New York: Harcourt Brace & Company, (1947).
  • William K. Wimsatt, Jr. & Cleanth Brooks. Literary Criticism: A Short History. New York, New York: Vintage Books, (1957).
  • T. S. Eliot. The Sacred Wood: Essays on Poetry and Criticism. London, England: Methuen Publishing, Ltd., (1920).
  • George Gascoigne. Certayne Notes of Instruction Concerning the Making of English Verse or Ryme Stormloader.com.
  • Ezra Pound. ABC of Reading. London, England: Faber, (1951).
  • Władysław Tatarkiewicz. "The Concept of Poetry," translated by Christopher Kasparek, Dialectics and Humanism: the Polish Philosophical Quarterly, vol. II, no. 2 (spring 1975), pp. 13–24.
  • John Thompson. The Founding of English Meter. New York, New York: Columbia University Press (1961).

اللغة

  • Zhiming Bao. The Structure of Tone. New York, New York: Oxford University Press (1999) ISBN 0-19-511880-4.
  • Morio Kono. "Perception and Psychology of Rhythm" in Accent, Intonation, Rhythm and Pause. (1997).
  • Moira Yip. Tone. Cambridge textbooks in linguistics, Cambridge: Cambridge University Press (2002) ISBN 0-521-77314-8 (hbk), ISBN 0-521-77445-4 (pbk).

أخرى

  • Alex Preminger, Terry V.F. Brogan and Frank J. Warnke (Eds). The New Princeton Encyclopedia of Poetry and Poetics (3rd Ed.). Princeton, New Jersey: Princeton University Press, ISBN 0-691-02123-6.
  • Hamid R. Tizhoosh, Farhang Sahba, Rozita Dara Poetic Features for Poem Recognition: A Comparative Study Journal of Pattern Recognition Research, (JPRR.org) Vol ثلاثة (1) 2008.

وصلات خارجية

ابحث عن poetry في
قاموس الفهم.

You can listen to modern scholars reading extracts from the Epic of Gilgamesh, arguably the earliest known epic poem, in the original Babylonian at http://www.speechisfire.com/. (It is possible to view a transcription and translation while listening).

وصلات أخرى

  • الشعر العربي
  • قائمة الشعراء

تاريخ النشر: 2020-06-04 16:04:52
التصنيفات: Portal templates with all redlinked portals, مقالات ناطقة, مقالات مميزة, ديوان الشعر العربي, جماليات, الجنس الأدبي, علم اللغة, الأدب, أساليب الكتابة, كلمة منطوقة, Greek loanwords, شعر, فن

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

نائب روسي: موسكو ستبقى في أوكرانيا إلى الأبد

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:24:04
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 69%

التعادل السلبي يحسم مواجهة أبها والفيصلي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

وزير الطاقة السابق شكيب خليل أمام القضاء يوم 10 ماي الجاري

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:24:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

مفتشو العمل يقررون الدخول في في إضراب وطني

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:47
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

«اليوم» ترصد إقبال الجماهير على حفل «المهندس» بالصالة الخضراء

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:57
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

إصابة 17 شخصا في انفجار بمدريد

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:24
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 74%

تخصيص أكثر من 52 ألف منصبا للترقية لموظفي قطاع التربية

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:55
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

الصدمات تتوالى  على محرز مع مانشستر سيتي والخضر

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:43
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

إنقاذ شاب من الغرق بشاطئ النصر في عنابة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:45
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

 أمطـار رعدية بولايات شرق البلاد

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:50
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

مصرع رجل وامرأة احتراقاً في حادثة سير بنفق بني مكادة (فيديو)

المصدر: طنجة 7 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:15
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

حائل.. ضبط مواطن سرق مركبة واعتدى على آخر بالضرب

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:53
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

كورونا: 5 إصابات جديدة خلال الـ24 ساعة الأخيرة في الجزائر

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:53
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

بنسبٍ مئوية مُلفتة.. تسجيل ارتفاع كبير للأسعار في تطوان

المصدر: طنجة 7 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:13
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

الأمن يحقق في واقعة احتراق سيارة ووفاة شخصين بداخلها بمدينة طنجة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:25
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 77%

الفتح يعطل الاتحاد

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:24:00
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

موسكو: «بريطانيا أطلقت مواجهة مفتوحة مع روسيا»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:55
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

بوتين سيوجه تحذير «يوم القيامة» للغرب ويستعرض القوة الروسية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:23:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

pendik escort
betticket istanbulbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info oslobet
Turbanli Porno lezbiyen porno
Anal Porno izle
ankara escort
تحميل تطبيق المنصة العربية