دراسة ( الفهم التاريخى ) والاشكالية - بقلم الباحث / طارق فايز العجاوى
ان البحث في التاريخ بكل ابعاد هذا الفهم يحتم بالضرورة وجود المادة التاريخية وايضا التزام نهج معين وواضح المعالم في البحث في صلب التاريخ وتحديد المواضيع بصنفها ونوعها وقيمتها الفهمية وهذا منادىة لسبر غور الاشكال المتولد عن الطرح لتحديد مستوى المفهوم لدى المطلع اوالباحث اوالقارىء جميع هذه الامور متوقفة بترا على مستوى ومؤهلات الباحث الذى تناول المادة التاريخية بالتحليل والبحث . الواضح ان فهم الماضى وتصوره بالصورة التى كان عليها قاسي ومتعذر نظرا لطبيعة الفهم التاريخية التى تضعها ضمن اطار محدد وهذا الفهم هوواقعا نسبى يتفاوت من إنسان لاخر وهذا بالضرورة يتولد عنه مستوى في الفهم سواء على الصعيد الموضوعى اوالشكلى بكافة ابعاده وعليه فان تحرى الموضوعية في التزامنا وجدلية الحركة التاريخية هى المحدد للبحث فيها اوالتعبير عنها _ الواقعة التاريخية _ وبالتالى ظهور المادة التاريخية على ضوء المعطيات التىتخص ذات الباحث . اذن ليس بالامر السهل تحرى الواقعة التاريخية وعلينا توخى اقصى درجات الحرص والحذر من اؤلئك الذين قد يقلبون الحقائق ويزوروها قصدا ام جهلا فالباحث في التاريخ يجب انقد يكون ثقة ومحايد وموضوعى وقوى لا يتنازل بالاغراء بكل صوره اوبالتهديد والوعيد الذى يمكن ان يمارس عليه وكثر اؤلئك الضحايا الذين اسهموا وللاسف في قلب الحقائق وتشويهها اواولئك الذين دسوا السم بالدسم قاصدين مع تجاوز الإرادة الاساءة للتاريخ وتشويهه بثمن بخس فخسروا انفسهم قبل خسارة احترام الناس لهم فمنهم من اغرى بالمال ومنهم من اغرى بالجاه والسلطة ولكن الحق بين وهواولى بالاتباع فقد تصدت لهم اقلام وسيوف هدفها الذود عن الحق والحقيقة واعادة الامور الى نصابها . حقيقة الواقعة التاريخية تتميز بكونها عملا منفردا لا يقبل المعاينة اوالنظر فيها من طرف الباحث فهى حتما ظاهرة تحدث مرة واحدة في ذات الزمان والمكان والظرف لا تعيد نفسها ولا تتكرر وغير خاضعة جكما للملاحظة اوالتجربة المباشرة فكل فهمنا عنها باعتبارها مصدر غير تام وغير مباشر نستطيع استخلاصه من سجلات مدونة اوبقايا اثار مادية ملموسة اوروايات تصلنا بطريق التناقل على الالسن بمعنى اخر شفاهة وعلى الاعم والارجح تصبح عرضه للضياع اوالتلف اوالتزوير وهذا بالضرورة يتعذر معه بالحكم والبتر تطبيق التعميم اوالقياس اوالتعداد اذن نملك نحن ازاء هذه الواقعة التاريخية فقط الملاحظة غير المباشرة ولم يتجاوز عندها مستوى التعميم اوالفرضية خاصة فيما هومتعلق بملء تلك الفجوات اوالنواقص في فهمنا ومعهدتنا للاحداث التاريخية ومعاينتها . واذا سلمنا بان مواصفات الواقعة التاريخية شيئا متعذرا لذات الطبيعة اى طبيعة الحادثة التاريخية فان ذلك يجعل لزاما علينا في تحديد النص التاريخى ان نضع نصب اعيننا ابعاد الحركة التاريخية لكى لا تتحول دراستنا للنص التاريخى الى عرض اشبه ماقد يكون للسيرة وبالتالى لا ياخذ بعين الاعتبار ذلك التفاعل الانسانى مع البيئة التى حصلت وحدثت بها وذلك من خلال استجابته لحاجاته وتجاوبه مع متطلبات عصره . بالمجمل يجب ان نبعد عن السرد التاريخى صفة الجمود والثبات التى قد تصور الاحداث التاريخية مجرد مشهد جامد لا حياة فيه . فالعمل الانسانى بصفته نبضا حيا لسلوك الافراد وحياة الشعوب في التفاعل بكل ما يحيط بهم من مظاهر وحتى الطارىء منها يتصور ويتحقق من خلال جدلية الواقعة التاريخى على اعتبار انها بالمجمل حصيلة تفاعل عناصر ثلاث لا رابع لها :
- الانسان وهوالصانع الحقيقى للحدث .
- البيئة وهى مسرح الحدث .
- الزمن وهوالوعاء الذى تتحقق فيه الواقعة التاريخية وهوبالعمل ذواثر فعال في صناعة الاحداث .
وانا اقول في الحقيقة التاريخية انها حكما نسبية وذلك نظرا لطبيعتها التى لا تكرر نفسها وتصلنا من خلال بقايا ملموسة مادية اوما مكتوب من الإنضمامات اوالشفوى المتناقل على السنة الناس وهى رغم اتصافها بالاصالة ورغم تناولنا لها بالبحث والتمحيص تظل بترا عاجزة عن اخبارنا عما كان يدور عملا بالصورة الحقيقية في تلك الحقبة بجميع ابعادها ودلالاتها وجوانبها . لذلك قولنا ان الحقيقة التاريخية الكاملة التامة حكما متعذرة ولا يمكن ان نفهم ما كان يدور في تلك الحقبة بحذافيره لذلك قلنا ان الاحاطة بجميع ابعاد الفهم التاريخية والتعهد على اسبابها وظروفها امرا نسبيا _ نقطة غاية في الاهمية والمتابعة _ . يتضح لنا وبشكل جلى ان هناك فرقا بين الاعمال التى تمت في الماضى وبين رواية تلك الاعمال اوالمنجزات رغم سعى المنهج التاريخى لفهم ادق تفاصيل الحادثة اوالواقعة التاريخية . اذن رسم صورة عن ما دار في الماضى يتدخل في تشكيلها المؤرخ وبما دار في ذهنه ورسم عن تلك الحقبة التى يبحث فيها . فذات الباحث اوالمؤرخ وظروفه وشروطه الزمانية والمكانية تؤثر بترا في تصوير الحادثة اوالواقعة التاريخية . وانا افترض جازما ان وضعه النفسى ومزاجه له ايضا دور فاعل وفعال في سرد الاحداث اونقل ما وصل لفهمه وكيفية معالجتها رغم انه قد يبذل قصارى جهده لتصوير الواقع بادق التفاصيل في جميع ما يحيط به له شديد الاثر اى على نفسية المؤرخ . وفى هذا دلالة بترية بان الحقيقة التاريخية امرا محالا لان مقاربتها للماضى نسبى لان المصادر المتناولة والمنهج المتبع للتقصى مهما بلغ فهوقاصر حتى ونحن نتوخى اقصى درجات الحذر فالوثائق مهما بلغت من الدقة لا يمكن لها نقلنا لما وقع عملا باى حقبة من الزمن . والى الجزء الثانى باذنه تعالىوانا اقول ان الفهم التامة في التاريخ غير موجودة وهذا بنظر الممعن والمنعم والدارس الذى غايته الحق والحقيقة وبنظرى اجمل وسائل المقاربة كقولنا الثابت في الفهم التجريبي الذي لا يدع مجالا للشك وقولنا بالفهم القائم الذي نعهده كما هوبمعنى لم يتم إثباته بالبرهان والتجربة. وعليه فإن الموضوعية المجردة في دراسة التاريخ هي التعذر بعينه لارتباطها بالشروط الإنسانية المحكومة بقدرة الإنسان وحالته وظروفه وشروطه المعيشية _حبذا لوأدركنا ذلك_ لذلك إمكانية تحقق الموضوعية المجردة والالتزام بالأمانة في البحث التاريخي أمرا محالا بل متعذر وهذا مثبت وثابت. لاننا كما اشرنا سابقا ان الموضوعية في التاريخ نسبية مع اخذنا بكافة الاحتياطات ومهما توخينا الحيطة والحذر والتزمنا الحياد فالمزاج الشخصى للباحث ودوافعه وشروط حياته بظرفيها الزمانى والمكانى تنعكس على ما يسرده من وقائع تخص الحقيقة التاريخية شانها شان كافة العلوم بقضها وقضيضها وبسببها ومسببها وبعلتها ومعلوها . وقولى انه يتوجب على محرر النص التاريخى ان يتجنب الاهداف والغايات بشقيها الاخلاقى والتربوى وعدم ميله لاعتقاده اوبالاحرى لهدفه الايديولوجى اوميله السياسى اوالاجتماعى اواغراضه وميوله وان يتجنب التعرض لاى نوع من الضغوط التى بدورها تجعله ينحرف بالنص التاريخى عن الحق والحقيقة التى يهدف لها فالحياد والتجرد تجعله اقرب الى الحقيقة في سرده للواقعة التاريخية فالدلالة والقيم في نفس الباحث والتوجهات الفكرية والمفاهيم الفلسفية لها جل الاثر في السرد التاريخى لذلك نجد ان الرابط قوى ومتين جدا بين المضمون التاريخى والمفهوم الفلسفى . حبذا لوادركنا واخذنا بعين الاعتبار المنظور الفلسفى بعمقه المتعلق بتطور الاحداث عند بحثنا في الوقائع التاريخية لان المهتم اوالمشتغل بالفلسفة يحلل الافكار والتعليل لها على ضوء الخلفية التاريخية فيجب ان يعى ذلك تماما . وعليه ايضا ان ياخذ بمبداء السببية والعلة ومعلولها في تفسيره للاحداث . والحذر من تبنى مبداء السببية اوالانسياق وراء المدارس المهتمة بتفسير الاحداث والوقائع التاريخية حتى لا يقع ضحية الفكرة المسبقة اويعالجها بالعموم والاجمال اويلزمها بالتعميم والتبسيط فيجنح الى التخمين والحدس وهذا بحد ذاته كارثة اى باحث فاعتماد السببية في دراسة الوقائع التاريخية تهتم بتفسير احداث الماضي وتحليلها وتحديد العوامل التى احدثتها بمعنى ربط السبب بالمسبب وهى احدى نواحى الفهم في كافة العلوم . ومن فهماء ودارسى التاريخ من اخذ ب ( الواحدية ) في تفسير التاريخ ومضمونها تعبير الباحث عن ميوله الذاتية اوفكره المسبق وهذا يجعله يرى الاحداث من منظوره الخاص ومدى قناعته بها.
- وهناك الصيرورة التاريخية وهي قائمة على التوجهات الفكرية المفسرة للتاريخ على اعتبار حتى التاريخ في حد ذاته نظر لمواصفات الحادثة التاريخية.
- ومنهم من التزم التوجه الديني وهذا يعتمد على فكرة الغيبية ويلتزم العيناية الإلاهية المتحكمة في مصير الأنسان.
- التوجه التحرري وهي داعية إلى التحرر من قيود التنطقيد وتؤمن بسيادة وأعمال العقل في دراسة التاريخ.
- التوجه العقلي ويعتمد على التحليل النظري ويحاول عقلنة حركية التاريخ بتجاوز البحث في مظاهر الأحداث إلى محولة فهم دوافعها الكامنة.
دراسة ورؤية فكرية بنظر مراقب لما يدور نسأل الله العفووالعافية والمعافاة في الدنيا والاخرة.
- المحرر والباحث طارق فايز العجاوي.