هدم نظرية التطور فى 20 سؤالا-4

عودة للموسوعة

هدم نظرية التطور فى 20 سؤالا-4

17- ما الخطأ في الاعتقاد بأن التطور يمكن حتى يتأكد في المستقبل؟

عندما يوضع بعض الناس ممن يؤيدون نظرية التطور في موقف حرج، فإنهم يلجئون إلى الانادىء بأنه "حتى إذا لم تؤكد الاكتشافات الفهمية نظرية التطور اليوم، فإن تلك التطورات يفترض أن تحدث في المستقبل".

وتتمثل نقطة البداية الأساسية هنا في اعتراف أنصار التطور بالهزيمة في ميدان العلوم. فبقراءة ما بين السطور يمكننا حتى نتبين التالي: "نعم، نقر نحن المدافعين عن نظرية التطور بأن اكتشافات العلوم الحديثة لا تؤيدنا. ولهذا السبب، لا نرى بديلا عن إحالة الموضوع إلى المستقبل".

لا يوجد فرق بين سخافة الانادىء بأن الطائرة النفاثة يمكن حتى تتكون من خلال المصادفة وبين الانادىء بأن الخلية الحية يمكن حتى تتكون بنفس الطريقة، على الرغم من حتى تصميم الخلية أفضل بكثير من تصميم الطائرة النفاثة التي ابتدعها أفضل المهندسين باستخدام أكثر أنواع الإنسان الآلي تقدما، وبواسطة أكثر التقنيات تطورا، في أحدث المصانع.

ولكن الفهم لا يعمل بهذا المنطق. فالعالِم لا يكرس نفسه تكريسا أعمى منذ البداية لنظرية ما، أملا في ظهور الأدلة المؤيدة لتلك النظرية في يوم من الأيام. ذلك حتى الفهم يفهم الأدلة المتاحة ويستخلص منها الاستنتاجات. لهذا، يجب حتى يقبل الفهماء "التصميم"، أوبعبارة أخرى حقيقة الخلق، التي أثبتتها الاكتشافات الفهمية.

ومع ذلك، وعلى الرغم مما سبق، فإن التحريض والنادىية التي يُروج لها أنصار التطور ما زالت قادرة على التأثير على الناس، لا سيما أولئك الذين لا يلمون إلماما كاملا بالنظرية. ولهذا السبب، سيكون من المفيد حتى نعرض الإجابة بالكامل:

يمكننا حتى نبحث صحة نظرية التطور من خلال ثلاثة أسئلة أساسية:

كيف نشأت أول خلية حية؟ كيف يمكن لنوع حي حتى يتحول إلى نوع آخر؟ هل يوجد أي مرشد في سجل الحفريات على حتى الكائنات الحية خضعت لمثل تلك العملية؟ لقد أُجرِي خلال القرن العشرين عدد كبير من البحوث الجادة حول هذه الأسئلة الثلاثة، التي ينبغي على النظرية حتى تجيب عليها بوضوح. ومع ذلك، فقد كشفت تلك البحوث حتى نظرية التطور لا تستطيع تفسير الحياة. وسيتضح ذلك عندما نتناول تلك الأسئلة الواحد تلوالآخر.

1. يمثل السؤال المتعلق "بأول خلية" مأزقا مهلكا للغاية بالنسبة إلى مؤيدي التطور. فقد كشفت البحوث التي أجريت حول هذا الموضوع حتى من المحال تفسير نشوء أول خلية بواسطة مفهوم "المصادفة". وقد صاغ فريد هويل ذلك على النحوالتالي:

"إن فرصة نشوء أشكال الحياة العليا بهذه الكيفية تضاهي فرصة اكتساح إعصار لساحة خردة وتجميعه لطائرة بوينج 747 من المواد الموجودة داخل الساحة " 63.

دعونا نستخدم مثالا نبين من خلاله التناقض الذي سقط فيه أنصار التطور. تذكّر المثال الشهير الذي ضربه ويليام بيلي Willian Paley وتخيل شخصا لم يشاهد في حياته ساعة قط، شخصا على جزيرة مجدبة مثلا، عثر في أحد الأيام على ساعة بالمصادفة. لنقد يكون بمقدور هذا الشخص الذي يرى ساعة حائط من بعد 100 متر حتى يتبين كنهها بالضبط، وقد لا يتمكن من التمييز بينها وبين أي ظاهرة طبيعية من خلق الرياح، والرمال، والأرض. ومع ذلك، فمع اقتراب هذا الشخص من الساعة، فإنه سيفهم بمجرد النظر إليها أنها مصممة. وحدثا اقترب منها أكثر، فلن يساوره أدنى شك في ذلك. وقد تكون المستوى التالية هي فحص سمات هذا الشيء، وما فيه من فن واضح. وعندما يفتح الساعة ويتأملها تفصيليا، سيرى بداخلها كمًّا هائلا من الفهم التراكمية يفوق ما كان ظاهرا من الخارج، وأنها نتاج عقل ذكي. وسيؤدي جميع فحص لاحق إلى تأكيد هذا التحليل أكثر فأكثر.

وتظهر حقيقة الحياة في وضع مشابه حدثا تقدم الفهم. فقد كشفت التطورات الفهمية عن كمال الحياة على مستوى الأجهزة، والأعضاء، والأنسجة، والخلايا، بل وحتى الجزيئات. ومن خلال جميع تفصيل حديث ندركه نتمكن من رؤية البعد المدهش في هذا التصميم بقدر أكبر من الوضوح. وكان أنصار التطور في القرن التاسع عشر، الذين رأوا حتى الخلية ليست سوى كتلة صغيرة من الكربون، في نفس موقف ذلك الشخص الذي ينظر إلى الساعة من بعد 100 متر. ومع ذلك، يستحيل حتى نجد اليوم ولوعالما واحدا لا يعترف بأن جميع جزء من أجزاء الخلية يمثل في حد ذاته عملا فنيا وتصميما رائعا. فحتى غشاء الخلية الصغيرة، الذي وُصف بأنه "مرشح اختياري"، يحتوى على قدر هائل من الذكاء والتصميم. ذلك أنه يميز الذرات، والبروتينات، والجزيئات المحيطة به وكأن لديه إدراكا واعيا خاصا به، ولا يسمح بدخول الخلية إلا للمواد الضرورية فقط (لمزيد من التفاصيل، انظر كتاب هارون يحيى "الفهم المخبوء في الخلية"). وعلى عكس التصميم محدود الذكاء في الساعة، فالكائنات الحية نتاج مذهل للذكاء والتصميم. وبعيدا عن إثبات حدوث التطور، فإن البحوث التفصيلية التي يتسع نطاقها باستمرار والتي يتم إجراؤها على البُنى الحية، التي لم يُكشف حتى الآن إلا عن بعض هجريباتها ووظائفها، تتيح لنا فهم حقيقة الخلق بشكل أفضل.

2. يؤكد أنصار التطور حتى النوع يمكن حتى يتغير إلى نوع آخر عن طريق الطفرة والانتقاء الطبيعي. وقد بينت جميع البحوث التي أجريت حول الموضوع أنه ليس لأي من هاتين الآليتين أي تأثير تطوري من أي نوع. وقام كولين باترسون Colin Patterson ، كبير فهماء الحفريات بمتحف التاريخ الطبيعي في لندن، بتأكيد هذه الحقيقة في الحدثات التالية:

"لم ينتج أحد قط نوعا من الأحياء بواسطة آليات الانتقاء الطبيعي. ولم يقترب أحد من ذلك قط، ويتمحور معظم الجدل الدائر حاليا في الداروينية الجديدة حول هذه القضية".64

وتبين البحوث التي أجريت حول الطفرة أنها لا تتسم بأي خصائص تطورية. ويقول عالم الوراثة الأمريكي بي. جي. رانجاناثان B. G. Ranganathan :

أولا، إذا حدوث الطفرات الحقيقية في الطبيعة أمر نادر للغاية. ثانيا، إذا معظم الطفرات ضارة لأنها تغييرات عشوائية أكثر منها منظمة في بنية الجينات؛ وأي تغيير عشوائي في نظام على درجة عالية من الترتيب سيكون إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل. فمثلا، إذا ضرب زلزال منشأة على درجة عالية من النظام مثل أحد المباني، فسيحدث تغيير عشوائي في هيكل المبنى لنقد يكون، على الأرجح، تحسنا".65

وكما رأينا، فإن الآليات التي تقترحها نظرية التطور لتكوُّن الأنواع غير مجدية على الإطلاق، بل إنها ضارة في الواقع. ومن المفهوم حتى تلك الآليات، التي تم اقتراحها في الفترة التي لم يكن الفهم والتكنولوجيا قد وصلا فيها إلى المستوى اللازم لإظهار حتى هذا الانادىء ليس أكثر من نتاج للوهم، ليس لها أي تأثيرات نشوئية أوتطورية.

3. وتُظهر الحفريات أيضا حتى الحياة لم تنشأ نتيجة أي عملية تطورية، بل نشأت فجأة، نتيجة "تصميم" مثالي. وتؤكد ذلك جميع الحفريات التي تم اكتشافها حتى الآن. ويبيِّن نايلز إلدردج Niles Eldredge ، عالم الحفريات الشهير من جامعة هارفارد والقيِّم على المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، أنه لا يوجد أي احتمال للعثور على أي حفريات في المستقبل قد تغير الموقف:

"هناك قفزات في سجل الحفريات، وتبين جميع الأدلة حتى السجل حقيقي؛ ذلك حتى الفجوات التي نراها تعكس أحداثا حقيقية في تاريخ الحياة – وليست نتاجا لسجل حفريات رديء الصنع".66

ويعلن عالم أمريكي آخر، روبرت ويسون Robert Wesson ، في كتابه الصادر في سنة 1991 بعنوان ما وراء الانتقاء الطبيعي Beyond Natural Selection ، حتى "الفجوات الموجودة في سجل الحفريات حقيقية وغير اعتيادية". ويسهب في هذا الانادىء على النحوالتالي:

"ومع ذلك، فالفجوات الموجودة في السجل حقيقية. ومن غير الاعتيادي على الإطلاق عدم وجود سجل يحتوي على أي تفرعات ذات أهمية. فالأنواع عادة ما تكون مستقرة، أوقريبة جدا من الاستقرار، لفترات طويلة، ونادرا ما يُظهر النوع تطورا نحونوع حديث في حين لا يُظهر الجنس قط تطورا نحوجنس حديث وما يحدث هونوع من الإحلال، ويكون التغيير مفاجئا تقريبا" .67

وختاما، لقد مرت نحو150 سنة منذ طرح نظرية التطور لأول مرة، وقد خالفتها جميع التطورات الفهمية اللاحقة لها. وحدثا تعمق الفهم في دراسة تفاصيل الحياة، اكتُشفت أدلة أكثر على كمال الخلق، وتبينت الاستحالة التامة في نشأة الحياة وتنوعها اللاحق بالمصادفة. ويكشف جميع درس من البحوث دليلا جديدا على التصميم في الكائنات الحية، ويزيد من وضوح حقيقة الخلق. وقد تكشّف بطلان نظرية التطور بشكل أكبر مع مرور جميع عَقد من الزمان منذ عصر داروين.

وباختصار، لا يساند التقدم الفهمي نظرية التطور. ولهذا السبب، لن تساند التطورات المستقبلية النظرية أيضا، بل ستثبت بطلانها أكثر فأكثر.

ويبقى حتى نقول إذا انادىءات التطور ليست شيئا لم يحله الفهم أويفسره بعد، وسيتمكن من تفسيره في المستقبل. بل على العكس، فقد دحضت العلوم الحديثة نظرية التطور من جميع النواحي وأثبتت من جميع وجهات النظر استحالة حتى تكون مثل هذه العملية الخيالية قد حدثت في أي وقت من الأوقات. ومن ثم، فإن الانادىء بأن مثل هذا المعتقد الذي لا يمكن التمسك به يفترض أن يتم إثباته في المستقبل لا يعدوحتىقد يكون نتاجا لخيالات وأوهام نابعة من عقليات الدوائر الماركسية والمادية التي ترى في التطور نادىمة لأيديولوجياتها. إنهم يحاولون مواساة أنفسهم فحسب نظرا ليأسهم الشديد.

ولهذا السبب، فإن الإيمان بفكرة حتى "الفهم يفترض أن يثبت التطور في المستقبل" لا يختلف عن الإيمان بأن "الفهم يفترض أن يبين في يوم ما حتى الأرض ترتكز على ظهر فيل".


18- لما لا يعد تحول الشكل دليلا على التطور؟

تخضع بعض الكائنات لتغيرات جسمانية تسمح لها بالبقاء والتكيف مع مختلف الظروف الطبيعية في مختلف الأزمنة. وتُعهد هذه العملية باسم تحول الشكل metamorphosis . ويحاول الأشخاص الذين ليست لديهم فهم كافية بفهم الأحياء، مثلما يحاول أيضا أنصار التطور عبر انادىءاتهم، حتى يصوروا هذه العملية وكأنها مرشد على نظرية التطور. وهذه المصادر التي تورد تحول الشكل بوصفه "مثالا على التطور" تمثل أعمالا نادىئية سطحية صادرة عن أناس ضيقي الأفق يحاولون من خلالها حتى يضللوا أولئك الذين لا يملكون معلومات كافية عن الموضوع، أوأنصار التطور اليافعين، أوبعضا من مدرسي الأحياء الداروينيين الجهلة. لذلك نجد حتى الفهماء الذين يُعتبرون خبراء في التطور، والذين يعهدون بالتالي معلومات أكثر عن المآزق والتناقضات المتأصلة في النظرية، يرفضون مجرد الإشارة إلى هذا الانادىء السخيف. لأنهم يعهدون مدى ما فيه من حماقة...

بعض الكائنات التي تخضع لتحول الشكل: الضفدع، والفراشة، والنحلة، والبعوضة.

وتمثل الفراشات، والذباب، والنحل بعضا من أشهر الكائنات التي تخضع لتحول الشكل. وتعد الضفادع، التي تبدأ حياتها في الماء ثم تعيش على اليابسة، مثالا آخر. ولا علاقة لذلك بالتطور، لأن نظرية التطور تحاول حتى تفسر الاختلافات الموجودة بين الكائنات الحية بواسطة الطفرات وليدة المصادفة. ومع ذلك، لا يوجد تشابه البتة بين تحول الشكل وهذا الانادىء، لأن تحول الشكل عملية مخطط لها من قبل ولا علاقة له بالتطور أوالمصادفة. وليست المصادفة هي المسؤولة عن تحول الشكل، وإنما المعلومات الوراثية الموجودة في الكائن منذ لحظة ولادته. فالضفدع، مثلا، يمتلك معلومات وراثية تسمح له بالعيش على اليابسة بينما لا يزال يعيش تحت الماء. وحتى عندما تكون البعوضة لا تزال في طور اليرقة، فإنها تملك معلومات وراثية تخص مرحلتي الخادرة والبلوغ. وينطبق ذات الشيء على جميع الكائنات التي تخضع لتحول الشكل.

تحول الشكل مرشد على الخلق

لقد أظهرت البحوث الفهمية الحديثة حول تحول الشكل أنه عملية معقدة تتحكم فيها جينات مختلفة. وفيما يتعلق بتحول شكل الضفدع، على سبيل المثال، فإن العمليات المتصلة بالذيل وحده يتحكم فيها أكثر من 12 جينا. ويعني ذلك حتى هذه العملية تحدث نتيجة لعمل عدة مكونات مع بعضها البعض. وهذه عملية حيوية تحمل سمة "التعقيد غير القابل للتبسيط" “irreducible complexity” ، مما يبين حتى تحول الشكل مرشد على الخلق.

و"التعقيد غير القابل للتبسيط" هومفهوم حظي بمسقطه في الأدبيات الفهمية بواسطة الأستاذ مايكل بيهي Michael Behe ، عالم الكيمياء الحيوية المعروف ببحوثه التي تثبت بطلان نظرية التطور. ويعني هذا المفهوم حتى الأعضاء والأجهزة المعقدة تؤدي وظائفها من خلال عمل جميع أجزاء المكونات التي تتألف منها مع بعضها البعض، وأنه إذا توقف حتى أصغر جزء عن أداء وظيفته، فسيتوقف أيضا العضوأوالجهاز بأكمله. ومن المحال حتى تكون مثل هذه التراكيب المعقدة قد نشأت بالمصادفة، مع تغيرات ضئيلة بمرور الوقت، كما تؤكد نظرية التطور. هذا هوما يحدث في عملية تحول الشكل. وتحدث هذه العملية من خلال توازنات وتوقيتات حساسة للغاية في الهرمونات التي تتأثر بدورها بمختلف الجينات. وسيدفع الكائن حياته ثمنا لأصغر غلطة. ويستحيل التصديق بأن مثل هذه العملية المعقدة يمكن حتى تحدث بالمصادفة وعلى مراحل. وبما حتى أصغر غلطة ستكلف الحيوان حياته، فمن المحال التحدث عن "آلية المحاولة والخطأ"، أوالانتقاء الطبيعي، كما يؤكد أنصار التطور. إذ لا يستطيع أي كائن حتى يهيم على وجهه لملايين السنين في انتظار ظهور مكوناته الناسيرة بالمصادفة.

ومع أخذ هذه الحقيقة في الحسبان، يتضح أيضا حتى الموضوع لا يقدم البتة أي مرشد على التطور كما يفترض بعض الناس غير الملمين بصورة كافية بعملية تحول الشكل. بل على العكس، إذا أُخذ في الاعتبار تعقيد العملية والأجهزة التي تتحكم فيها، يمكن حتى تُعتبر الحيوانات التي تخضع لتحول الشكل دليلا واضحا على الخلق.

19- لما يستحيل تفسير جزيء (د ن أ) بواسطة المصادفة؟

يبين مستوى الفهم الفهمية الذي وصلنا إليه اليوم حتى التصميم الواضح والأجهزة المعقدة في الكائنات الحية يجعلان من نشوئها بالمصادفة أمرا محالا. عملى سبيل المثال، بفضل "مشروع الجينوم البشري" الأخير، أصبح بإمكان الجميع الآن إدراك التصميم العجيب ومحتوى المعلومات الضخم الموجود في الجينات البشرية.

وفي إطار هذا المشروع، عمل فهماء من بلدان كثيرة، من الولايات المتحدة إلى الصين، لمدةعشرة سنوات من أجل فك شفرة الثلاثة بلايين شفرة كيميائية الموجودة في جزيء (د ن أ) الواحدة تلوالأخرى. ونتيجة لذلك، تم ترتيب جميع المعلومات الموجودة تقريبا في الجينات البشرية في وضعها السليم.

وبالرغم من حتى هذا تطور مثير ومهم للغاية، كما أعرب الدكتور فرانسيس كولينز Francis Collins ، الذي يرأس مشروع الجينوم البشري، فإن هذه ليست سوى المستوى الأولى في فك شفرة المعلومات الموجودة في جزيء (د ن أ).

ولفهم السبب وراء مضيعشرة سنوات والاستعانة بجهود مئات الفهماء للكشف عن الشفرات المكوِّنة لهذه المعلومات، يجب حتى نفهم ضخامة المعلومات المحتواة في جزيء (د ن أ).

جزيء (د ن أ) يكشف عن وجود مصدر لا نهائي للفهم


إن المعلومات المحتواة في جزيء (د ن أ) الخاص بخلية بشرية واحدة تكفي لملء موسوعة مكوَّنة من مليون صفحة، مما يجعل من المحال قراءتها كلها في عمر واحد. فإذا شرع إنسان ما في قراءة شفرة (د ن أ) واحدة جميع ثانية، دون توقف، طوال اليوم، وكل يوم، فسيستغرق ذلك منه 100 سنة. ذلك حتى الموسوعة موضع النقاش تضم ثلاثة بلايين شفرة مختلفة. وإذا دوَّنا جميع المعلومات الموجودة في جزيء (د ن أ) على ورق، فسيمتد هذا الورق من القطب الشمالي إلى خط الاستواء. وهوما يوازي نحو1000 مجلد كبير – وهوأكثر مما يلزم لملء مخطة كبيرة.

والأهم من ذلك هوحتى جميع تلك المعلومات محتواة في نواة جميع خلية، وبما حتى جميع فرد يتكون من نحو100 تريليون خلية، فإن هناك 100 تريليون نسخة من نفس المخطة. وإذا أردنا حتى نقارن خزانة المعلومات هذه بمستوى الفهم الذي وصل إليه الإنسان حتى الآن، سيستحيل علينا حتى نقدم أي مثال بنفس الحجم. ذلك حتى الصورة التي تقدم نفسها هنا لا يمكن تصديقها: 100 تريليون × 1000 كتاب! سيفوق الناتج عدد حبات الرمل الموجودة في العالم. وفضلا عن ذلك، إذا ضربنا هذا العدد في الستة بلايين إنسان الذين يعيشون على الأرض حاليا، وبلايين الأشخاص الذين عاشوا عليها في أي وقت سابق، عندئذ سيفوق العدد قدرتنا الإدراكية، وستمتد كمية المعلومات إلى ما لا نهاية.

وتعتبر هذه الأمثلة مؤشرا على ضخامة المعلومات الملازمة لنا. فنحن نملك أجهزة كمبيوتر متقدمة تستطيع حتى تخزن كميات وافرة من المعلومات. ومع ذلك، عندما نقارن جزيء (د ن أ) بأجهزة الكمبيوتر هذه، سنندهش عندما نرى حتى أحدث وسائل التكنولوجيا – التي هي نتاج لجهد وفهم بشرية تراكمية على مدار القرون – لا تمتلك حتى الطاقة التخزينية لخلية واحدة.

وتجدر الإشارة هنا إلى جين مايرز Gene Myers ، أحد أبرز خبراء سيليرا جينومكس Celera Genomics ، الشركة المنفِّذة لمشروع الجينوم البشري. وتعتبر الحدثات التي أدلى بها فيما يتعلق بنتيجة المشروع إعلانا عن الفهم والتصميم العظيمين في جزيء (د ن أ):

"ما أذهلني حقا هوأسلوب بناء الحياة... فنظامها معقد للغاية، وكأنه مُصمَّم... إذ يوجد به قدر هائل من الذكاء". 68

إذا تم تدوين المعلومات الموجودة في جزيء (د ن أ) على ورقة، فسوف تمتد من القطب الشمالي إلى خط الاستواء.

وهناك جانب آخر مثير، ألا وهوحتى جميع أشكال الحياة على الكوكب قد نتجت عن أوصاف مُشفرة مكتوبة بنفس هذه اللغة. إذ لا يتكون بكتير، أونبات، أوحيوان بدون جزيء (د ن أ) الخاص به. ومن الجلي للغاية حتى جميع أشكال الحياة نشأت نتيجة أوصاف تستخدم نفس اللغة وتنبع من نفس مصدر الفهم.

ويقودنا ذلك إلى استنتاج واضح. تعيش جميع الكائنات الحية في العالم وتتكاثر وفقا لمعلومات خلقها عقل منفرد.

وهذا الاستنتاج يُجرد نظرية التطور من جميع مغزى. ذلك حتى أساس النظرية هو"المصادفة"، ولكن المصادفة لا تستطيع حتى تخلق معلومات. فإذا عُثر في يوم ما على قصاصة ورق بها هجريبة دواء قادر على شفاء سقم السرطان، ستتوحد صفوف البشرية جمعاء لاكتشاف العالِم المعني بل ولتقديم جائزة له. ولن تدور في ذهن أحد الفكرة التالية: "تُرى هل ظهرت الهجريبة عندما انسكب بعض الحبر على الصفحة". ذلك حتى جميع من يملك عقلا وفكرا واعيا يفترض أن يعتقد حتى الهجريبة قد خطها إنسان ما أجرى دراسة عميقة في مجالات الكيمياء، ووظائف الأعضاء، والسرطان، والعقاقير.

إن انادىء أنصار التطور بأن المعلومات الموجودة في جزيء (د ن أ) قد تكونت بالمصادفة انادىء غير منطقي البتة، وهومساوللقول بأن الهجريبة الموجودة على الورقة قد تكونت أيضا بالمصادفة. ذلك حتى جزيء (د ن أ) يحتوي على صيغ جزيئية تفصيلية لمائة ألف نوع من البروتينات والإنزيمات، بالإضافة إلى الترتيب الدقيق الذي يحكم كيفية استخدامها أثناء الإنتاج. وإلى جانب تلك المواد، يحتوي الجزيء أيضا على خطط إنتاج الهرمونات حاملة الرسائل وبروتوكولات الاتصالات بين الخلايا المستخدمة في تلك الخطط، وجميع أنواع المعلومات الأخرى المعقدة والمفصلة.

إن الانادىء بأن جزيء (د ن أ) وكل المعلومات الموجودة فيه قد تكونا نتيجة أحداث وليدة المصادفة وأسباب طبيعية يعكس إما جهلا تاما بالموضوع أودوغماتية مادية. وإن الفكرة القائمة على حتى جزيئا مثل جزيء (د ن أ)، بكل المعلومات المدهشة والهجريب المعقد الذي يحويه، يمكن حتىقد يكون نتاجا للمصادفة فكرة لا تستحق حتى أخذها مأخذ الجد. ومن الغريب حتى أنصار التطور يحاولون التمويه على موضوع مصدر الحياة، كما هي الحال بالنسبة لموضوعات أخرى كثيرة، من خلال وصفه بأنه "سر لم يُحل".


20- لما لا تعتبر المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية مثالا على التطور؟

يتمثل أحد مفاهيم فهم الأحياء - الذي يحاول أنصار التطور تقديمه بوصفه دليلا على نظريتهم - في مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. إذ تذكر الكثير من مصادر أنصار التطور المقاومة التي تبديها البكتيريا تجاه المضادات الحيوية كمثال على تطور الكائنات الحية بواسطة الطفرات المفيدة. وقد ظهر نفس الانادىء بالنسبة للحشرات التي تكتسب مناعة ضد المبيدات الحشرية مثل الدي دي تي DDT .

بكتيريا الإيكولاي E. coli

ومع ذلك، فأنصار التطور مخطئون أيضا حول هذا الموضوع.

فالمضادات الحيوية تعبير عن "جزيئات قاتلة" تنتجها كائنات مجهرية لتكافح بها كائنات مجهرية أخرى. وكان أول مضاد حيوي هوالبنسيلين، الذي اكتشفه ألكسندر فلمينج Alexander Fleming في سنة 1928. فقد استوعب فلمينج حتى العفن ينتج جزيئا يقتل المكوَّر العنقودي البكتيري Staphylococcus ، وشكّل هذا الاكتشاف نقطة تحول في عالم الطب. إذ استخدمت المضادات الحيوية المأخوذة من الكائنات المجهرية في مقاومة البكتيريا وكانت النتائج ناجحة.

- إذا مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ليست دليلا على التطور كما يقترح الداروينيون

وسرعان ما اكتُشف شيء جديد. إذ تبين حتى البكتيريا تكتسب مناعة ضد المضادات الحيوية بمرور الوقت. وتعمل الآلية على النحوالتالي: تموت نسبة كبيرة من البكتيريا التي تتعرض للمضادات الحيوية، ولكن بعضا منها، لم يتأثر بالمضاد الحيوي، يتضاعف بسرعة وسرعان ما يكوِّن مجموعة البكتيريا الكاملة. إلى غير ذلك، تكتسب المجموعة بأكملها مناعة ضد المضادات الحيوية.

ويحاول أنصار التطور حتى يقدموا ذلك بوصفه "تطور البكتيريا عن طريق التكيف مع الظروف".

ومع ذلك، فالحقيقة مختلفة تماما عن هذا التفسير السطحي. ومن بين الفهماء الذين أجروا أكثر البحوث تفصيلا حول هذا الموضوع عالم الفيزياء الحيوية الإسرائيلي لي سبتنر Lee Spetner ، المعروف أيضا بكتابه المعنون "ليس بالمصادفة" Not by Chance ، الذي نُشر في سنة 1997. ويؤكد سبتنر حتى مناعة البكتيريا تحدث بواسطة آليتين مختلفتين، ولكن كلتيهما لا تشكلان دليلا على نظرية التطور. وهاتان الآليتان هما:

نقل جينات المقاومة الموجودة عمليا في البكتيريا. بناء مقاومة نتيجة لفقدان بيانات وراثية بسبب الطفرة. ويشرح الأستاذ سبتنر الآلية الأولى في منطقة نشرت في سنة 2001:

"لقد وُهبت بعض الكائنات المجهرية جينات تقاوم هذه المضادات الحيوية. ويمكن حتى تتجسد هذه المقاومة في حل جزيء المضاد الحيوي أوطرده من الخلية... وبإمكان الكائنات المالكة لهذه الجينات حتى تنقلها إلى بكتيريا أخرى وتجعلها مقاوِمة أيضا. وعلى الرغم من حتى آليات المقاومة تتخصص في مقاومة مضاد حيوي بعينه، فإن معظم البكتيريا المسببة للأمراض قد نجحت في تجميع مجموعات متعددة من الجينات مما أكسبها مقاومة ضد تشكيلة متنوعة من المضادات الحيوية".69

ويواصل سبتنر حديثه قائلا إذا هذا ليس "دليلا على التطور":

"إن اكتساب مقاومة ضد المضادات الحيوية على هذا النحو... ليس من النوع الذي يصلح لأنقد يكون نموذجا أوليا للطفرات المطلوبة لتفسير نظرية التطور... ذلك حتى التغييرات الوراثية التي يمكن حتى توضح النظرية ينبغي ألا تضيف معلومات إلى جينوم البكتير فحسب، بل ينبغي حتى تضيف معلومات جديدة للكون الحيوي biocosm . كما حتى النقل الأفقي للجينات ينتشر فقط حول الجينات الموجودة عمليا في بعض الأنواع".70

إذن، لا يمكننا حتى نتحدث عن أي تطور هنا نتيجة لعدم إنتاج معلومات وراثية جديدة؛ فالمعلومات الوراثية الموجودة عملا تتناقلها البكتيريا فيما بينها فحسب.

والنوع الثاني من المناعة، الذي وقع نتيجة طفرة، ليس مثالا على التطور أيضا. فقد خط سبتنر:

"يستطيع الكائن المجهري أحيانا حتى يكتسب مقاومة ضد المضاد الحيوي من خلال الاستبدال العشوائي لنكليوتيد nucleotide وحيد...

فالستربتومايسين Streptomycin ، الذي اكتشفه سِلمان واكسمان Selman Waksmanوألبرت شاتز Albert Schatz وتم الإعلان عنه لأول مرة في سنة 1944، هومضاد حيوي تستطيع البكتيريا حتى تقاومه بتلك الطريقة. ولكن على الرغم من حتى الطفرة التي تخضع لها البكتيريا أثناء العملية تفيد الكائن المجهري في وجود الستربتومايسين، فإنها لا تصلح لأن تكون نموذجا أوليا لنوع الطفرات التي تحتاجها النظرية الداروينية الجديدة. ذلك حتى نوع الطفرة التي تمنح مقاومة ضد الستربتومايسين يتضح في الريبوسوم ويقوم بحل تكافئه الجزيئي مع جزيء المضاد الحيوي".71 وفي كتابه "ليس بالمصادفة"، يشبه سبتنر هذا الوضع باختلال العلاقة بين المفتاح والقفل. فالستربتومايسين، مثله مثل مفتاح ملائم لقفله تماما، يتعلق بريبوسوم البكتيريا بإحكام ويوقف نشاطه. وتقوم الطفرة، من ناحية أخرى، بحل الريبوسوم، وبالتالي تمنع الستربتومايسين من التعلق بالريبوسوم. وعلى الرغم من حتى ذلك يُفسَّر على حتى "البكتيريا تكتسب مناعة ضد الستربتومايسين"، فإن هذه ليست فائدة للبكتيريا بل هي بالأحرى خسارة لها. وقد خط سبتنر حول هذه النقطة:

"إن هذا التغيير في سطح ريبوسوم الكائن المجهري يمنع جزيء الستربتومايسين من التعلق بالريبوسوم وتأدية وظيفته كمضاد حيوي. وقد اتضح حتى هذا التحلل هوفقدان للخصوصية وبالتالي خسارة للمعلومات. والنقطة الأساسية هنا هي حتى التطور... لا يمكن حتى يتحقق بواسطة طفرات من هذا النوع، مهما كان عددها. ذلك حتى التطور لا يمكن حتى يُبنى على تراكم طفرات لا تحقق شيئا سوى حل الخصوصية".73

وتلخيصا لما سبق، فإن الطفرة التي تؤثر على ريبوسوم البكتير تجعل هذا البكتير مقاوما للستربتومايسين. ويرجع السبب وراء ذلك إلى "تحلل" الريبوسوم بواسطة الطفرة. ويعني ذلك أنه لم تتم إضافة معلومات وراثية جديدة للبكتير. بل على العكس، تتحلل بنية الريبوسوم، أي، يصبح البكتير "عاجزا". (وقد اكتُشف أيضا حتى ريبوسوم البكتير الخاضع للطفرة أقل قدرة على تأدية وظيفته من ريبوسوم البكتير العادي). وبما حتى هذا "العجز" يمنع المضاد الحيوي من التعلق بالريبوسوم، فإن ذلك يؤدي إلى نشوء "مقاومة المضاد الحيوي".

وأخيرا، لا يوجد مثال على طفرة "تُنشئ معلومات وراثية". ويقوم أنصار التطور، الذين يريدون حتى يتخذوا من مقاومة المضاد الحيوي دليلا على التطور، بتناول الموضوع بطريقة سطحية للغاية وبالتالي فهم مخطئون.

وينطبق ذات الوضع على المناعة التي تكتسبها الحشرات ضد الدي دي تي والمبيدات الحشرية المشابهة. ففي معظم تلك الحالات، تُستخدم جينات المناعة الموجودة عمليا. ويعترف عالم الأحياء التطوري فرانسسكوأيالا Francisco Ayala بهذه الحقيقة قائلا: "يبدوحتى الاختلافات الوراثية اللازمة لمقاومة أكثر أنواع المبيدات تنوعا كانت موجودة في جميع مجموعة من مجموعات الكائنات التي تعرضت لهذه المركبات التي صنعها الإنسان".73 وجدير بالذكر حتى بعض الأمثلة الأخرى التي تم تفسيرها بواسطة الطفرة، كما هي الحال تماما مع طفرة الريبوسوم المذكورة أعلاه، هي تعبير عن ظواهر تسبب "عجزا (نقصا) في المعلومات الوراثية" الخاصة بالحشرات.

وفي هذه الحالة، لا يمكن الانادىء بأن آليات المناعة في البكتيريا والحشرات تشكل دليلا على نظرية التطور. ذلك حتى هذه النظرية تستند إلى التأكيد على حتى الكائنات الحية تتطور من خلال الطفرات. ومع ذلك، يشرح سبتنر أنه لا المناعة ضد المضادات الحيوية ولا أي ظواهر حيوية أخرى تشير إلى مثل هذا المثال على الطفرة:

"لم تُلاحظ قط الطفرات المطلوبة للتطور الكبير. ذلك حتى الطفرات العشوائية التي تمت دراستها على المستوى الجزيئي - والتي يمكن حتى تمثل الطفرات المطلوبة من قبل النظرية الداروينية الجديدة - لم تضف أي معلومات. والسؤال الذي أتناوله هو: هل الطفرات التي تمت ملاحظتها من النوع الذي تحتاجه النظرية لدعمها،يا ترى؟ ويتضح في النهاية حتى الإجابة هي كلا!"74

21- ما نوع العلاقة بين الخلق والفهم؟

كما أوضحنا في جميع القضايا التي تناولناها حتى الآن، فإن نظرية التطور مخالفة كليا للاكتشافات الفهمية. ذلك حتى هذه النظرية، التي نتجت عن المستوى الفهمي البدائي في القرن التاسع عشر، قد دحضتها تماما الاكتشافات الفهمية المتوالية.

ويبحث أنصار التطور الذين كرسوا أنفسهم تكريسا أعمى للنظرية عن حل في العموميات، إذ لم يتبقَّ لهم أي أساس فهمي. ومن أكثر ما يلجئون إليه في هذا الصدد هواستخدام الشعار المبتذل القائل بأن "الخلق نوع من الإيمان، وبالتالي لا يمكن اعتباره جزءا من الفهم". ويرى أصحاب هذا الانادىء حتى التطور نظرية فهمية، بينما الخلق مجرد معتقد. ومع ذلك، فإن تكرار مقولة إذا "التطور فهم، والخلق معتقد" ناشئ عن منظور خاطئ كليا. ذلك حتى أولئك الذين يكررون تلك المقولة يخلطون بين الفهم والفلسفة المادية, فهم يعتقدون حتى الفهم ينبغي حتى يظل في حدود المادية، وأن غير الماديين لا يحق لهم مطلقا التعبير عن آرائهم. ومع ذلك، فالفهم نفسه يرفض المادية رفضا باتا.

أنْ تدرس المادة شيءٌ وأنْ تكون ماديا شيءٌ آخر

شأنه شأن الماديين المعاصرين، انخدع ديمقريطُس Democritus واعتقد حتى المادة كانت موجودة منذ الأزل، وأنه لم يكن هناك شيء غير المادة.

دعونا في البداية نعرِّف المادية بإيجاز حتى ندرس المسألة بقدر أكبر من التفصيل. إذا المادية فلسفة موجودة منذ دولة اليونان القديمة وهي تستند إلى فكرة حتى المادة هي الشيء الوحيد الموجود. ووفقا للفلسفة المادية، فإن المادة كانت موجودة منذ الأزل وستظل موجودة طوال الوقت، ولا يوجد شيء بخلاف المادة. ومع ذلك، فهذا ليس انادىءً فهميا لأنه لا يمكن حتى يخضع للتجربة والملاحظة. إنه ببساطة معتقد، أوبالأحرى عقيدة دوغماتية.

ومع ذلك، فقد اختلطت هذه العقيدة الدوغماتية بالفهم في القرن التاسع عشر، بل إنها أصبحت النادىمة الأساسية له. إلا حتى الفهم ليس مجبرا على قبول المادية؛ فالفهم يفهم الطبيعة والكون، ويقدم النتائج دون حتى يحده أي تصنيف فلسفي. وفي لقاءة ذلك، يلجأ بعض الماديين في كثير من الأحيان إلى تلاعب ساذج بالحدثات. فهم يقولون: "المادة هي موضوع الدراسة الوحيد للفهم، ومن ثم، فإن دارسها لا بد حتىقد يكون ماديا". أجل، الفهم لا يفهم غير المادة، ولكن "دراسة المادة" مختلفة جدا عن "كون دارسها ماديا". ذلك أننا عندما ندرس المادة، ندرك حتى المادة تحتوي على قدر كبير جدا من الفهم والتصميم بحيث لا يمكن أبدا حتىقد يكونا قد نتجا عن المادة نفسها. ونستطيع حتى ندرك حتى الفهم والتصميم هذين هما نتاج لفكر بارع، حتى إذا لم نتمكن من رؤية صاحب الفكر بشكل مباشر.

عملى سبيل المثال، دعونا نتخيل كهفا لا نعهد ما إذا كان أحد قد سبقنا إليه من قبل. إذا لم نجد شيئا عند دخولنا هذا الكهف سوى الغبار والثرى والأحجار، يمكننا حتى نستنتج أنه لا يوجد شيء هناك غير مادة موزعة عشوائيا. ومع ذلك، إذا كانت على الجدران صور مرسومة بمهارة وملونة بألوان مذهلة، فقد نفترض حتى كيانا مفكرا قد سبقنا إلى هذا الكهف. وقد لا نتمكن من رؤية هذا الكيان بشكل مباشر، ولكن يمكننا حتى نستنتج وجوده مما أنتج.

الفهم دحض المادية يدرس الفهم الطبيعة بنفس الطريقة المشروحة في ذلك المثال. ولوكان جميع التصميم الموجود في الطبيعة لا يمكن حتى يُفسَّر إلا بالعوامل الطبيعية، لكان يمكن للفهم حتى يؤكد المادية. ومع ذلك، فقد كشفت العلوم الحديثة حتى هناك تصميما في الطبيعة لا يمكن تفسيره بالعوامل الطبيعية، وأن جميع المواد تحتوي على تصميم أوجده خالق.

فمثلا، تثبت جميع التجارب والملاحظات حتى المادة وحدها لا يمكن حتى تكون قد أنشأت الحياة، ولهذا السبب ينبغي حتى تنشأ الحياة من خلق ميتافيزيقي. وقد مُنيت جميع تجارب أنصار التطور في هذا الاتجاه بالفشل. إذ يستحيل حتى تكون الحياة قد خُلقت من مادة غير حية. ويدلي عالم الأحياء ونصير التطور أندروسكوت Andrew Scott بالاعتراف التالي حول هذا الموضوع بالمجلة الشهيرة نيوساينتست:

خُذ بعضا من مادة، سخنه مع التحريك وانتظر. هذه هي الرؤية الحديثة للتكوين. من المفترض حتى تكون القوى "الأساسية" للجاذبية، والمغنطيسية الكهربائية، والقوى النووية الشديدة والضعيفة هي التي قامت بالباقي... ولكن كم من هذه الحكاية الرائعة قد تم إثباته إثباتا قاطعا، وكم منها يظل تخمينا متفائلا،يا ترى؟ في الحقيقة، إذا آلية جميع المراحل المهمة تقريبا، بدءا من المواد الكيميائية التي تتشكل منها مواد أخرى وانتهاء بأول خلايا يمكن تمييزها، موضوع مثير إما للجدل أوللارتباك التام."75

ويرتكن أساس الحياة إلى التخمين والجدل لأن العقيدة المادية الدوغماتية تصر على حتى الحياة نتاج للمادة. ومع ذلك، تبين الحقائق الفهمية حتى المادة ليست لديها مثل هذه القوة. وقد أدلى الأستاذ فريد هويل، عالم الفلك والرياضيات الذي حصل على لقب الفارس عن إسهاماته الفهمية، بالتعليق التالي حول هذا الموضوع:

"لوكان هناك مبدأ أساسي للمادة قاد الأجهزة العضوية بطريقة ما إلى الحياة، لكان من السهل إثبات وجوده في المختبر

عملى سبيل المثال، بإمكان المرء حتى يأخذ حوض سباحة كمثال على الحساء البدائي ويملأه كما يشاء بأي مواد كيميائية ليست ذات طبيعة حيوية. ثم يضخ فوقه، أوخلاله، ما يشاء من غازات ويسلط عليه أي نوع من الإشعاع يتبادر إلى مخيلته. وليدع التجربة تستمر لمدة عام ليرى كم إنزيما من الألفي إنزيم (البروتينات التي تنتجها الخلايا الحية) قد ظهر في الحوض. أنا سأجيبك، لذا وفّر الوقت والعناء والتكلفة اللازمة لإجراء التجربة عمليا. لن تجد شيئا على الإطلاق، من الممكن باستثناء راسب قطراني مكون من أحماض أمينية وكيماويات عضوية أخرى بسيطة". 76

وفي الواقع، إذا المادية واقعة في مأزق أسوأ من ذلك. فالمادة لا تستطيع حتى حتى تكوِّن الحياة عند اتحادها مع الفهم البشرية والوقت، ناهيك عن حتى تكوِّنها من تلقاء نفسها.

إن الحقيقة التي ألقينا عليها نظرة موجزة هي حقيقة حتى المادة لا تستطيع حتى تشكل التصميم والفهم من تلقاء نفسها. ومع ذلك، فإن الكون والكائنات الحية الموجودة فيه تحوي تصميما وفهم بهما قدر غير عادي من التعقيد. ويبين لنا ذلك حتى التصميم والفهم الموجودين في الكون والكائنات الحية هما من عمل خالق يملك قوة وفهم لا نهائيتين، خالق وُجد قبل المادة ويتحكم فيها.

وإذا تأملنا بعناية، فسنجد حتى هذا استنتاج فهمي تماما. وهوليس "معتقدا"، بل حقيقة مكتسبة من خلال ملاحظة الكون والكائنات الحية الموجودة فيه. لذلك فإن انادىء أنصار التطور بأن "التطور فهم بينما الخلق معتقد لا يمكن حتى يدخل الحقل الفهمي" ما إلا خدعة سطحية. وسليم أنه إبان القرن التاسع عشر كان هناك خلط بين المادية والفهم، وأن العقيدة المادية الدوغماتية قد حادت بالفهم عن طريقه. ومع ذلك، حدثت تطورات لاحقة في القرنين العشرين والحادي والعشرين أطاحت تماما بهذا المعتقد العتيق البالي، وأظهرت في النهاية حقيقة الخلق التي أخفتها المادية. وكما أوضح العنوان الرئيسي "الفهم يجد الله" “Science Finds God” ، الذي استخدمته مجلة نيوزويك Newsweek الشهيرة في عددها التاريخي الصادر في27 تموز/ يوليو1998، فبالرغم من جميع الخداع المادي، يجد الفهم الله، خالق الكون وكل ما فيه.



أنظر أيضا

هدم نظرية التطور في 20 سؤالا


المراجع

63. "Hoyle on Evolution," Nature, vol. 294, November 12, 1981, p. 105.

64. Colin Patterson, "Cladistics," Interview by Brian Leek, interviewer Peter Franz, March 4, 1982, BBC, (emphasis added)

65. B. G. Ranganathan, Origins?, Pennsylvania: The Banner Of Truth Trust, 1988

66. N. Eldredge and I. Tattersall, The Myths of Human Evolution, Columbia University Press, 1982, p. 59

67. R. Wesson, Beyond Natural Selection, MIT Press, Cambridge, MA, 1991, p. 45

68. "Human Genome Map Has Scientists Talking About the Divine" by Tom Abate, San Francisco Chronicle, February 19, 2001, (emphasis added)

69. Dr. Lee Spetner, "Lee Spetner/Edward Max Dialogue: Continuing an exchange with Dr. Edward E. Max," 2001, http://www.trueorigin.org/spetner2.asp

70. Dr. Lee Spetner, "Lee Spetner/Edward Max Dialogue: Continuing an exchange with Dr. Edward E. Max," 2001, http://www.trueorigin.org/spetner2.asp

71. Dr. Lee Spetner, "Lee Spetner/Edward Max Dialogue: Continuing an exchange with Dr. Edward E. Max," 2001, http://www.trueorigin.org/spetner2.asp

72. Dr. Lee Spetner, "Lee Spetner/Edward Max Dialogue: Continuing an exchange with Dr. Edward E. Max," 2001, http://www.trueorigin.org/spetner2.asp


73. Francisco J. Ayala, "The Mechanisms of Evolution," Scientific American, Vol. 239, September 1978, p. 64, (emphasis added)

74. Dr. Lee Spetner, "Lee Spetner/Edward Max Dialogue: Continuing an exchange with Dr. Edward E. Max," 2001, http://www.trueorigin.org/spetner2.asp

75. Andrew Scott, "Update on Genesis," New Scientist, vol. 106, May 2nd, 1985, p. 30.

76. Fred Hoyle, The Intelligent Universe, Michael Joseph, London, 1983, p. 20-21.


  • /هارون يحي دعوة إلى الحقيقة
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:42:00
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«احمد سعد» يدعو جمهور الخليج لحفل موسم شتاء قطر - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:57
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

تباشر زوال الخميس دراسة المقترحات

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:29
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

كرة الطاولة: أربعة لاعبين يتأهلون إلى بطولة إفريقيا

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:20
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

مصر تعلن تفاصيل رد «حماس» على اتفاق الهدنة مع إسرائيل - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:59
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

آش داني للحريك... سيرة للتشكيلي داني زهير - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:59
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

حوامل اضطررن للولادة في خيام ومواقع غير صحيّة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

توطين الطائرات بدون طيار في الرياض - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:56
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

بريطانيا تشتبه في مهاجمة الحوثي لسفينتي شحن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:26:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

قطر أمام عقبة إيران - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:26:04
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

نصف نهائي كأس إفريقيا للأمم: إثــارة إلى آخــر نفــس

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

تنسيق صحي بلدي لنقل جثث الموتى السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:26:07
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

سطيف: كراء سوق السيارات بـ 27.05 مليار سنتيم

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:02
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

بلينكن أمام تحديات كبرى لوقف الحرب في غزة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:26:11
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

16 فبراير مخالفة امتثال المباني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:26:08
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

شبح الإيقاف يطارد 5 شبابيين - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:26:05
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

ترتيب خلافة العرش البريطاني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:26:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 58%

بينهم الوافد الجديد حيتالة: 5 لاعبـين خــارج حسابات مدرب وفــاق سطيف

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-07 00:25:24
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية