إدريس الثاني أوإدريس الأزهر، هوإدريس الأزهر بن إدريس (الأول) بن عبد الله الكامل ثاني حاكم مسلم للمغرب.

لا شك حتى هارون الرشيد بات مطمئنا من جهة العلويين بعد تدبير اغتيال إدريس الأول سنة 177 / م793، لاعتقاده بأن نسل اللفسة انبتر من المغرب . ولكن إدريس ما توفي حتى هجر جارية له اسمها كنزة حاملا. وتربص راشد مولاه ومن حوله من البربر حتى يروا المولود المنتظر فإن كان ذكرا ولوه مكان أبيه وإلا اختاروا لأنفسهم ما يليق بهم .

وحالف الحظ الأسرة العلوية ، إذ وضعت كنزة ولدا ذكرا يوم الاثنين ثلاثة رجب 177 (14 أكتوبر 793) ضمن للأسرة الإدريسية استمرارها ، وهي الأسرة الكبيرة التي سيلمس وجودها في كثير من منعطفات تاريخ المغرب ، قديمه وحديثه .

ويُفيض القرطاس في ذكر تربية إدريس وتكوينه ، فيصفه بأنه كان "عارفا بالفقه والسنة والحلال والحرام وفصول الأحكام ". ولا شك حتى راشدا مولاه سهر على ذلك التكوين ، لأن ترشيحه لمنصب الإمامة كان يقتضي فهم مدققة بالعلوم الدينية واللغة العربية حتىقد يكون منافسا عن جدارة واستحقاق للخلفاء العباسيين المعاصرين . وهوما يؤكده نفس المصدر متحدثا عن دور راشد : "وأقرأه القرآن فحفظه وله من السنين ثمانية أعوام ، وفهمه السنة والفقه والنحووالحديث والشعر وأمثال العرب وحكمها وسير الملوك وسياستها وعهده أيام الناس ودربه مع ذلك على ركوب الخيل والرمي بالسهام ومكايد الحرب " (ص 25) .

وهذا التكوين جدير بأن يثير اهتمام المؤرخ للسبب الذي ذكرنا ولسبب آخر هوحتى إدريس نشأ بين قوم كانوا ما زالوا حديثي عهد بالإسلام وكانت بضاعتهم من العربية قليلة . فكان الحفاظ على الدين يحتاج حتىقد يكون الإمام ذا فهم وثقافة متينة . كما حتى شعوره بهويته كفرد من آل البيت كان يقتضي مثل ذلك التكوين .

ولم يتول إدريس الثاني، من طبيعة الحال ، مهام الإمامة أثناء هاته الفترة من طفولته ، بل ظل تحت وصاية مولاه راشد الذي اغتيل سنة 188. فتولى حينئذ مهمة الوصاية أبوخالد يزيد بن إلياس العبدي. فسارع بأخذ البيعة من جميع قبائل البربر في 1 ربيع الأول سنة 188 (16 فبراير804 م ) لإدريس وهوابن إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر. وقد اعتمدنا أشهر الروايات في ذكر هاته التواريخ لأن هنالك اختلافات بين المصادر.

والظاهر حتى إدريس لم يبتدئ بمباشرة شؤون الدولة بنفسه إلا بعد سنة 190. فالمصادر لا تذكر له أي عمل بَيِّن قبل ذلك التاريخ الذي بدأ يعمل فيه من أجل نقل عاصمة دولته من وليلي إلى فاس . وكل ما يمكن الإشارة إليه هوحتى صمود الدولة الفتية للمكايد والصدمات أكسبها سمعة في جهات متعددة من بلاد الإسلام . فاتجهت إليها الأنظار وقصدتها الوفود والمهاجرة من أفريقية والأندلس بالخصوص فيذكر القرطاس هجرة خمسمائة فارس من القيسية والأزد ومدلج وبني يحصب والصدف وغيرهم . وترتب عن تلك الهجرة نتيجتان :

1. إدخال العنصر العربي للدائرة المحيطة بإدريس لأنه ´´كان فريدا بين البربر ليس معه عربي´´. حسب تعبير القرطاس .

2. تضخم عدد السكان بمدينة وليلي الشيء الذي دفع بإدريس ومستشاريه إلى التفكير في الانتنطق إلى فاس .

هل كان إدريس الثاني هوالمؤسس لمدينة فاس كما تؤكد ذلك رواية القرطاس أم الذي بدأ بتأسيسها هوإدريس الأول كما تؤكده حجج تاريخية أخرى لا سبيل لتجاهلها ؟ الظاهر من البحث التاريخي الحديث حتى إدريس الثاني إنما كان مؤسسا لمدينة ثانية تحاذي المدينة الأولى وهي عدوة القرويين التي استقر بها مهاجرة أفريقية من مدينة القيروان وهي المدينة المدعوة العالية في مجموعة من الدراهم وقع سكها بعد بيعة إدريس الثاني. وقد شرع في بناء عدوة القرويين في 1 ربيع الأول 193 (22 يناير 809 م ). وعن تفاصيل هذا الموضوع التاريخي الهام من الأفضل الرجوع إلى مادة فاس في مفهمة المغرب.

ولعل النطقب الجديد الذي دخلت فيه الدولة الإدريسية بتوافد عدد كبير من العرب إليها وخروجها شيئا فشيئا من الروابط القبلية الأولى التي شاهدت ميلادها أحدث نوعا من الاستياء لدى قبيلة أوربة القوية . فإذا أضفنا إلى ذلك الدسائس التي كان يدبرها ابن الأغلب لإضعاف الدولة الإدريسية إذا لم يكن للقضاء عليها ، والتي منها إثارة التنافر بين إدريس والبربر لأسباب عرقية ، فهمنا كيف من الممكن أن تعرضت الدولة آنذاك لبعض المشاكل التي لم يمكن حسمها إلا بالقوة . وقد ربط ابن الأغلب خيط الاتصال مع إسحاق الأوربي الذي كان من المؤسسين الأوائل للدولة ، وحرضه على إدريس الثاني، متذرعا بميل هذا الأخير إلى الوافدين العرب الجدد. فأثار حفيظة إسحاق وقومه ، الذين أخذوا يتآمرون عليه . فما كان من إدريس إلا حتى تصدى للمتآمرين بقمعهم وقتل زعيمهم إسحاق سنة 192هـ.

والظاهر حتى إدريس لم يكن يريد استبعاد أوربة أوالاستغناء عنهم ، كما يفهم من تأويل القرطاس لأنه رغب من بعد في استمالتهم من جديد. وإنما كان قصده حتى يحول دولته من الإطار القبلي إلى الإطار الإسلامي بالاعتماد على مساعدين لهم فهم وخبرة بالنظم الإسلامية وتنطقيدها. ولذلك ، فإنه اتخذ من عمير بن مصعب الأزدي وزيرا له ، ويذكر عنه القرطاس أنه ينتمي لأسرة عريقة في خدمة الدولة الإسلامية . كما عين عامر بن محمد القيسي، قاضيا "وكان رجلا صالحا ورعا فقيها سمع من مالك وسفيان الثوري وروى عنهما كثيرا" (ص 20) واتخذ من عبد الله بن مالك الخزرجي الأنصاري محررا له . ولا شك حتى هناك أسماء أخرى غفلت عن ذكرها المصادر.

ومن المعلوم حتى اللفسة قاموا بمناوأة الخلافة العباسية . فكان لا بد لهم من حتى ينظموا دولتهم على غرارها وأن يتخدوا لأنفسهم دواوين يضعون على رأسها رجالا ذوي خبرة وسمعة في المجتمع الإسلامي المعاصر. وطبيعي حتى لا تروق هذه السياسة أنصار الدولة الأولين من أوربة وغيرهم وأن تحدث من جراء ذلك مصاعب وأن يحاول ابن الأغلب استغلال التناقضات التي برزت في صفوفهم . وليس من المستعبد حتىقد يكون القيروانيون الذين غادروا أفريقية وقصدوا إدريس من العناصر المعارضة للخلافة العباسية ولولاتها الأغالبة ، وهذا ما زاد في حنق إبراهيم على إدريس ودفعه إلى الكيد به .

وتجلى ذلك في خطة لا تخلومن أسلوب الجاسوسية ، إذ أخذ يتصل سرا بأقرب رجل إلى إدريس بهلول بن عبد الواحد المدغري، الذي كان وزيره المخصوص بثقته و"االقائم بأمره" فأخذ يوغر صدره على إدريس ويزين له الثورة عليه ويغريه بالمال ويحثه على "هجر طاعة إدريس إلى طاعة هارون". وعلى إثر مراسلات عديدة بين الرجلين ، تخلى بهلول عن إدريس والتحق بالقيروان عند ابن الأغلب الذي عد الحدث فوزا وطير به الخبر إلى الرشيد في بغداد.

حاول إدريس عبثا حتى يستعيد ولاء بهلول إليه ، فتضايق من دسائس ابن الأغلب وخط إليه يستعطفه ويرجوه حتى يكف عنه . والظاهر حتى حاشية ابن الأغلب كانت تضم عناصر يعطفون على آل البيت وينصحون أميرهم بالاعتدال والكف عن إذاية إدريس .

وفي نفس السياق ، يمكننا حتى نتساءل عن مصير إنسان آخر مهم وهوأبوخالد يزيد العبدي الذي رأيناه يحل محل راشد في الوصاية على عرش إدريس . والظاهر حتى أيامه لم تطل في الوفاق مع هذا الأخير بعد حتى تسلم منطقيد الأمور.

كل هاته المشاكل لا يصح إلقاء المسؤولية فيها كاملة على الأشخاص ، بل هي ناشئة ، قبل جميع شيء، عن مشروع مهم وجديد، ألا وهوالمحاولة الجريئة التي تصدى لها جميع من إدريس الأول وإدريس الثاني ألا وهوبناء دولة كبيرة بالمغرب على النسق الإسلامي. وطبيعي حتى يصطدم مشروع كهذا بنظام اجتماعي متقادم مبني على القبلية وبعادات وأعراف وعقليات مختلفة عن التصور الجديد الذي أتى به الإسلام .

ومع ذلك ، فقد نجح المشروع إلى حد كبير إذا اعتبرنا حتى نموذج الدولة الإسلامية بالمغرب انطلق من تلك التجربة الأولى وأن المغاربة سيستوعبون درسها جيدا بعد حتى خرجوا من طور المفاجأة الأولى.

وتشير الروايات التاريخية ، من جهة أخرى، إلى حتى إدريس تحرك هو، أيضا ، بجيشه لتوطيد نفوذ دولته بالمغرب ، وتجاوز الحدود التي كان قد وصل إليها والده . فتقدم نحوالأطلس الكبير، واستولى على مدينتي نفيس وأغمات وأقام نفوذ الدولة في بلاد مصامدة الجنوب ، وكان ذلك في سنة 197 / 812. ثم اتجه بعد ذلك إلى الشرق نحونفزة وتلمسان التي ولج إليها وأنجز فيها بعض البناءات وأقام بها ثلاث سنين .

وتؤكد لنا دراسة البقايا من النقود الإدريسية الأماكن التي بلغ إليها نفوذ الدولة في عهد إدريس الثاني، وهي الأماكن التي وجدت بها دور السكة . إذ نجد عددها يبلغ ستة عشر وفيها مدن مثل أصيلا والبصرة وتدغة وتلمسان وتهليت وسبووطنجة والعالية (فاس) ومريرة (مريرت الحالية) . وورغة ووازقور (ناحية أم الربيع ) وطيط ووليلي وايكم . هذه الأسماء تدلنا ، ولونسينا ، على مدى اتساع المملكة التي كان يحكمها إدريس الثاني، وتبين لنا حتى هذا الأمير كان يسير بخطى وئيدة في تطبيق خطة أبيه الذي كان يهدف إلى تأسيس دولة كبيرة ينافس بها دولة العباسيين .

إلا حتى هؤلاء كانوا واعين بخطر اللفسة وحذرين منه أشد حذر، ولذلك ، فإنهم ظلوا يحرضون الأغالبة على الكيد لهم . إلى غير ذلك توفي إدريس فجأة فيعشرة جمادى الآخر سنة 213 (29 غشت 828) في العهد الذي كان فيه زيادة الله بن الأغلب واليا على أفريقية ، وكان سن إدريس عند وفاته ستا وثلاثين سنة .

ولئن ذكر القرطاس حتى سبب موته هوأنه شرق بحبة عنب ، فإن مصادر أخرى مثل البكري وابن عذاري تذكر أنه توفي مسموما . بل إذا ابن الأبار يؤكد حتى "زيادة الله احتال عليه حتى اغتاله " الحلة السيراء .

وبموت إدريس ينتهي طموح اللفسة إلى تأسيس دولة قوية موحدة ، ويدب إليهم الانقسام والتشتت شيئا فشيئا . فتبدأ صفحة غير وضيئة في تاريخهم .

الأسرة

للسلطان إدريس الثانيتسعة أطفال من زوجته الأمازيغية، ، حيث تزوج في سنه 16:

المراجع

أ. البكري، المغرب ، الجزائر 1985 ؛ ا. ابن عذاري، البيان ج 1، بيروت 1948 ؛ ع. ابن أبي غرس، القرطاس ، الرباط 1973 ؛ أ. ابن الأبار، الحلة السيراء، القاهرة ء 1963 ؛ أ. الجزنائي، زهرة الآس ، الرباط ؛ ل ، ابن الخطيب ، أعمال الأعلام ، الدار البيضاء 1964 ؛ ع. ابن خلدون ، العبر، بيروت 1959 ؛ النويري، تاريخ المغرب الإسلامي، الدار البيضاء 1984 ؛ م . إسماعيل ، الأغالبة ، فاس 1978 ؛ إ. العربي، دولة اللفسة ، بيروت 1983.

E.I., 2e éd. ; D. Eustache, Le corpus des dirhams Idrissides, Bulletin de la Société d’histoire du Maroc n° 2, 1969. محمد زنيبر

• عقد فريد في تاريخ الشرفاء التليد - تأليف الدكتور أمل بن إدريس بن الحسن الفهمي.

يطيب لي حتى أتابع الحديث عن سلالة اللفسة الشرفاء بالمغرب بنقل ترجمة بعض مشاهيرهم بتسلسل حسب ما ورد في عمود نسب الشرفاء الفهميين الذين أنتسب إليهم. ويفسر هذا مدى اهتمامي الخاص بسيرة الأجداد منهم والتنقيب عن أخبارهم. وبعد ترجمة إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ، يأتي الحديث على المولى إدريس الأزهر (الثاني) بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل نقلا عن "مفهمة المغرب" ص 259 – 261 من ج 1 مادة : إدريس الأزهر، بقلم محمد زنيبر.