ڤسپاسيان بالإنگليزية: Vespasian، هوإمبراطور روماني تولي الحكم في الفترة من (69 - 79).

لشد ما يغتبط الإنسان بعد ما قرأه عن الأباطرة السابقين حتى يرى رجلاً متصفاً بالحكمة والكفاية والشرف! لقد كان فسبازيان، وهذه الأحداث قائمة، يخوض غمار الحرب في بلاد اليهود، ولذلك لم يتعجل في القدوم إلى رومة ليشغل المنصب العالي المحفوف بأشد الأخطار الذي حمله إليهِ جنوده وبادر مجلس الشيوخ إلى الاعتراف به. فلما وصل إليها في أكتوبر عام 70 أخذ يعمل بجد على إعادة النظام إلى المجتمع الذي اضطرب في جميع ناحية من نواحيهِ، وسرى جده هذا إلى نفوس أعوانه. ولما استوعب حتى لا بد له حتى يعاني نفس المشاق التي عاناها أغسطس، سار على سيرة ذلك الزعيم وسلك مسلكه في أخلاقه وسياسته، فسالم مجلس الشيوخ، وأعاد الحكم الدستوري إلى البلاد، وأطلق سراح من حكم عليهم من قبل بمقتضى قانون الخيانة في عهد نيرون وجلبا وأتووفيتليوس، واستدعى من كان منهم منفياً خارج البلاد. ثم أعاد تنظيم الجيش وزاد عدد الحرس البريتوري ووسع سلطة رجاله، وعين قواداً كفاة لقمع الثورات التي شبت نارها في الولايات، واستطاع بعد قليل حتى يغلق هيكل يانوس Janus رمزاً لعودة السلام وعهداً منه بالمحافظة عليهِ.

وكان قد بلغ الستين من العمر، ولكنه كان محتفظاً ببنيته القوية التي لم يوهنها الإفراط. وكان مفتول العضلات، قوى الأخلاق، ذا رأس عريض أصلع ضخم، وملامح غليظة ولكنها مهيبة، وعينين صغيرتين حادتين تخترقان المظاهر الخداعة إلى الحقائق المستورة. ولم يكن يتصف بشيء من شذوذ العباقرة، ولا يزيد على كونه رجلاً قوي الإرادة شديد الذكاء العملي.

وأراد حتى يطعم مجلس الشيوخ بدم قوي جديد، بعد حتى أوهنته الحرب الأهلية والقيود على اختلاط الأسر، فعمل على حتى يعين رقيباً، ثم اتى إلى رومة بألف من الأسر الممتازة في إيطاليا والولايات القريبة، وسجل أسماءها في سجلات طبقتي الأشراف والفرسان، وملأ ما كان في مجلس الشيوخ من فراغ من بين هذه الأسر الجديدة. وحذا هؤلاء الأشراف الجدد حذوه بعد حتى ضرب لهم أحسن الأمثلة، فأصلحوا بسلوكهم الأخلاق الرومانية والمجتمع الروماني. ذلك حتى أفراد هاتين الطبقتين لمقد يكونوا ممن أفسدتهم الثروات الطائلة، ولمقد يكونوا ممن طال عليهم العهد ببعدهم عن العمل الشاق وزراعة الأرض، فلم يستنكفوا حتى يقوموا بالواجبات والأعمال الرتيبة في الحياة وتصريف شؤون الحكم. وكانت تتصف بما يتصف به الإمبراطور من نظام حسن وآداب رقيقة. وق خرج من هذه الطبقة الجديدة أولئك الحكام الذين صلحت بهم حكومة رومة بعددومتيان Domitian مدى جيل كامل، وأدرك فسبازيان ما جره من المساوئ استخدام العبيد المحررين منفذين لأوامر الإمبراطور، فاستبدل بمعظمهم رجالاً ممن اتى بهم ومن طبقة رجال الأعمال التي اخذ عددها يزداد في رومة. واستطاع بمعونة هؤلاء وأولئك حتى يرد إلى رومة كرامتها وهوعمل يكادقد يكون معجزة من المعجزات.

وقد فهم أنه في حاجة إلى 40.000.000.000 سسترس لكي ينتشل البلاد من وهدة الإفلاس ويعيد الثقة إلى خزانة الدولة فعمل على جمع هذا المال بأن فرض الضريبة على جميع شيء تقريباً، وزاد خراج الولايات، وأعاد فرض الخراج على بلاد اليونان، ورد إلى الدولة الأراضي العامة وأجرها للأفراد، وباع القصور والضياع الإمبراطورية، وفرض الاقتصاد الدقيق في نفقات الدولة إلى حد جعل الناس ينددون به ويقولون عنه إنه فلاح بخيل، وقرر ضريبة على المباول العامة التي كانت تزدان بها رومة القديمة كما تزدان بها رومة الحديثة. واحتج ابنه على هذه الضريبة الأخيرة المنافية للكرامة، ولكن الإمبراطور الشيخ أمسك بيده بعض النقود المحصلة منها وقربها من فم الشاب ونطق له: "انظر يا بني، هل تشم لها رائحة كريهة؟"(97). ويتهمه سوتونيوس بأنه ضاعف أموال الخزانة العامة ببيع المناصب، وترقية أشد الموظفين شراهة في جباية الضرائب من الولايات، حتى يتخموا جيوبهم بالمال حين يعزلهم فاتىة، ثم يفحص عن أعمالهم ويصادر ما جمعوه لأنفسهم. على حتى هذا المالي الماهر الواسع الحيلة لم يستخدم لنفسه شيئاً مما جمعه، بل استنفذ هذا المال كله في إنعاش الحالة الاقتصادية، وفي تجميل رومة بالمنشآت العامة وفي تقدمها الثقافي.

وبقي بعدئذ على هذا الجندي الخشن حتى ينشئ أول نظام للتعليم تقوم به الدولة في التاريخ القديم، فكان أول ما عمله في هذا الميدان حتى أمر بأن تؤدي لطائفة من ذوي الكفاية من مدرسي الآداب وعلوم البلاغة اللاتينية واليونانية أجورهم من خزانة الدولة، وأن يوضف لهم معاش بعد عشرين عاماً منن الخدمة. ولعل هذا الشيخ المتشكك قد أحس بأن للمدرسين نصيباً في تكييف الرأي العام، وبأنهم سيمتدحون الحكومة التي تؤدي إليهم أجر أعمالهم.

ولعل سبباً كهذا هوالذي حدا بهِ إلى إعادة كثير من الهياكل القديمة في الحواضر وفي بلاد الريف نفسها. فقد أعاد بناء هيكل جوبتير، ويونو، ومنيرفا، وكان جنود فيتلوس قد أحرقوا هذه الهياكل وهدموها فوق روؤوس جنوده. وشاد معبداً لباكس Pax إلهة السلام، وبدأ أشهر المباني الرومانية كلها وهومبنى الكولسيوم. وغضبت الطبقات العليا حين رأت الضرائب تفرض على ثروتها لإقامة المنشآت للدولة وأداء الأجور للعمال الفقراء، كما حتى العمال أنفسهم لم يحمدوا له كثيراً عمله هذا. ومن أعماله الأخرى أنه حشد الشعب لإزالة ما خلفته الحرب الأخيرة من أنقاض، وحمل هونفسه أول ما حمل منها، ولما حتى عرض عليه أحدالمخترعين تصميم آلة رافعة تقلل الحاجة إلى العمل الجثماني إلى حد كبير أبى حتى يستخدمها ونطق: "إني أريد حتى أطعم شعبي"(98) وكان هذا الخطر المؤقت الذي فرضه فسبازيان على الاختراع اعترافاً منه بمشكلة التعطل الفنية، وقراراً بالحيلولة دون حدوث ثورة صناعية.

وعم الرخاء الأقليم إلى حد لم يكن له نظير من قبل، فكانت ثروتها في ذلك الوقت-إذا قدرت بالنقد على الأقل-ضعفي ما كانت عليه في عهد أغسطس، ولذلك تحملت أعباء ما زاد من الخراج من غير حتى يصيبها ضرر ما. وعين فسبازيان أجريكولا Agricola الرجل القدير حاكماً على بريطانيا. وعهد إلى تيتس حتى يخمد ثورة اليهود، فاستولى على أورشليم ثم عاد إلى رومة بكل مظاهر الشرف التي تتوج الإسراف في التقتيل، وسار القائد المظفر في موكب نصره ومن ورائه صف طويل من الأسرى وقدر كبير من الغنائم مخترقاً شوارع رومة، وأقيم له قوس نصر شهير لتخليد ذكرى هذا النصر الباهر. وازدهى فسبازيان بفوز ولده ولكنه ساءه وأقلق باله حتى رأى تيتس يأتي معه بأميرة يهودية جميلة تدعى برنيقه Berenice لتكون خليلة له، ويرغب حتى يتزوجها، وفي هذه المرة أيضاً حمل الآسر معه آسره.

ولم يكن الإمبراطور يرى سبباً يدعولأن يتزوج اٌلإنسان خليلته، وقد ظل هونفسه بعد وفاة زوجته يعيش مع جارية معتوقة ولم يعن قط بأن يعقد عليها، ولما ماتت كئينس هذه وزع قلبه بين عدة محظيات(99). وكان قوي الاعتقاد بأنه يجب حتى يستقر على رأي في وراثة العرش قبل وفاته، لأن هذه هي السبيل الوحيدة لمنع الفوضى. ووافقه مجلس الشيوخ على هذا الرأي، ولكنه طلب إليه حتى يختار "خير الأخيار" ويتبناه-ولعل المجلس كان يريد منه حتى يختار أحد أعضائه. ورد فسبازيان بأنه يرى تيتس خير الأخيار. وأراد ولده حتى ييسر الأمر لأبيه فأبعد عنه برنيس، واستعاض عنها بالشيوعية الجنسية(100) ثم أجلس الإمبراطور ولده معه على العرش وعهد إليهِ قسطاً متزايداً من الحكم.

النشأة

كان فسبازيان ابناً لعائلة فقيرة ، والتحق بالجيش بسبب مهارات الكبيرة. خدم في ألمانيا وبريطانيا، حيث فتح جزيرة وايت، وعين لاحقاً كقنصل في عام 51. بعد ذلك أصبح حاكماً في أفريقيا تحت إمرة نيرون. في عام 66، جعله نيرون مسؤولاً عن حربه ضد اليهود، وقد كان في يهودا حينما توفي الإمبراطور. تعهد على أوثووفيتليوس.

وكان مولده في قرية سبنية قريبة من ريتي Reate وأسرته من عامة الشعب. وكان جلوسه على العرش ثورة رباعية: فها هوذا قائد يتربع على عرش الإمبراطورية، وهاهوذا جيش من جيوش الولايات قد غلب الحرس البريتوري وتوج من يريده إمبراطوراً، وهاهي ذي أسرة الفلافيين Flavians قد خلفت أسرة اليوليو-كلوديين، وعادات الطبقات الوسطى وفضائلها قد حلت في بلاط الإمبراطور محل الإتلاف الأبيقوري الذي كان يتصف به أبناء أغسطس وليفيا الذين نشأوا في الحواضر. ولم ينس فسبازيان قط أصله المتواضع، ولم يحاول حتى يخفيه عن الناس، ولما حاول الأنساب حتى يصلوا بنسب أسرته إلى أحد أصحاب هرقل طمعاً منهم في عطائهِ أرغمهم بسخريته على الصمت. وكان يعود بين الفينة والفينة إلى البيت الذي ولد فيه ليستمتع بما فيه من أساليب وأطعمة ريفية، ولم يسمح بأن يُغيَر فيهِ شيء قط. وكان يزدري الترف والبطالة، ويأكل طعام الفلاحين، ويصوم يوماً في جميع شهر؛ وأعرب حرباً عواناً على التبذير والإتلاف. واتىه في يوم ما رجل روماني رشحه لمنصب من المناصب تفوح من رائحة العطر، فنطق له: "لقد كنت أوثر حتى تفوح منك رائحة الثوم"، ورجع عن ترشيحه لذلك المنصب. ولم يحجب بابه عن الناس، وكان يعيش كما يعيش عامتهم ويتحدث إليهم حديث الرجل الذي لا يتحمل عنهم، ويضحك من الفكاهة التي كانت توجه إلى شخصه، ويسمح لكل إنسان حتى يوجه إلى خلقه وسلوكه ما شاء من النقد بكامل حريته. وكشف مرة عن مؤامرة تُدبر له فعفا عن المتآمرين، ونطق إنهم بلهاء لا يدركون عبء المتاعب التي ينوء بها كاهل الحاكم. ولم يُعهد عنه أنه فقد حلمه إلا مرة واحدة. ذلك حتى هلفديوس برسكس Helvidius Priscus، بعد حتى عاد إلى مجلس الشيوخ من منفاه الذي أخرجه إليه نيرون، أخذ يطالب بعودة الجمهورية ويطعن على فسبازيان طعناً مراً في السر والعلن، فطلب إليه فسبازيان حتى يمتنع حضور جلسات المجلس إذا كان يريد حتى يواص هذا السباب، فلما رفض هلفديوس حتى يجيبه إلى ما طلب نفاه إلى خارج البلاد ولوث حكمه الصالح بأن أمر بإعدامه. وقد ندم على عملهِ هذا فيما بعد واستمسك في سائر عهدهِ، على حد قول سوتونيوس "بأعظم الصبر وهويستمع إلى عبارات أصدقائه الصريحة...وإلى قحة الفلاسفة"(95). وكان هؤلاء فلاسفة كلبيين ساخرين أكثر منهم رواقيين؛ كانوا فوضويين متفلسفين يشعرون حتى جميع حكم أياً كانت صفته عبء على الناس فرضاً، وكانوا يهاجمون جميع إمبراطور يجلس على العرش.

فسبازيان إمبراطور

وحينما أعرب إمبراطوراً بواسطة الجنود في يهودا، قرر الذهاب لتقديم طلبه. وصل إلى إيطاليا في نهاية عام 69. بدأ بإرجاع الدولة وتمويلاتها، وكان مثالاً للمعيشة المقتصدة مقارنة مع حياة نيرون. ابنه تيتوس، الذي هجرت له مهمة تطبيق الحرب اليهودية، دمر القدس وعاد إلى روما ليحتفل بالنصر مع أبيه. لإحياء عصر سلام، والذي دام لمدة قرن واحد، بدأ فسباسيان بإغلاق بوابة معبد جانوس، وقام ببناء معبد السلام ، كما قام بنصب كولوسيوم أيضاً. من أبرز الأحداث الخارجية في عهد فسبازيان كانت ثورة باتافي ، وحملات وإدارة أگريكولا في بريطانيا. توفي في عام 79 وحكم من بعده ابنه تيتوس، كما خلف تيتوس ابنه الآخر دوميتيان.

وفاته

وزار فسبازيان ريتى مرة أخرى، وشرب وهوفي الإقليم السبيني كثيراً من ماء بحيرة كوتليا Cutelia المسهل فأصيب بإسهال شديد. وظل وهوطريح الفراش يستقبل الرسل ويؤدي واجبات منصبه. وقد احتفظ إلى آخر لحظة بفكاهته السمجة رغم فهمه بأنه قاب قوسين أوأدنى من الموت فنطق: "وا أسفاه أظن أني صائر إلى حتى أكون إلهاً Vae ( Puto deus fio. ووقف على قدميه وهويكاد حتى يُغمى عليهِ، وأعانه على ذلك بعض أتباعه ونطق: "إن الإمبراطور يجب حتى يموت واقفاً". وبهذا ختم حياة كاملة بلغت التاسعة والستين عاماً، واختتم حكماً صالحاً عشر سنين.

انظر أيضا

• الحضارة الرومانية

المصادر