الشماغ
الشماغ في الأصل كان غطاءً للرأس، يقي قيظ الشمس وقر البرد، ويسمونه في بعض أجزاء من بلاد
الشام "حطَة" أي ما يحطه الرجل على رأسه، كما يسمى في بعض مناطق الخليج العربي "غترة"، وكان يربط على الرأس برباط لتثبيته مما تطور بعد ذلك إلى العنطق، أما الشماغ المصنع حديثاً فقد أدخله الإنكليز إلى المنطقة العربية من الهند عبر شركة الهند الشرقية التي كانت تسيطر على تجارة الهند، ومع حتى الشماغ أوالغترة لم يكن في السابق يستخدم من قبل الجميع، وخاصة فئة الشباب، إلا أنه أصبح اليوم جزءاً مهماً من اللباس الرسمي الخليجي، ونادراً ما ترى خليجياً بدونه في مكان عام، وهوجزء مهم لأن طريقة وضعه تعبر عن شخصية واضعه، أوعلى الأقل الشخصية التي يريد حتى يظهر بها أمام الناس، فللشماغ عدة طرق في ارتدائه، تبعاً لما يسمى بين الشباب السعودي بـ "التشخيصة" فمنهم من يرتدي الشماغ بطريقة "بنت البكار" أي يحمل الشماغ على رأسه بأكمله على العنطق، ومنهم من يرتديه بطريقة "الكوبرا" حمل طرفي الشماغ فوق الرأس، وهناك تقليعات أخرى كالرسمي ونصف الرسمي والكوبرا المبرومة وقنديل البحر والعنكبوتي والخنفسائي، وطرق أخرى كثيرة، غير أنها لا تستخدم إلا إذا لم يستخدم صاحبها البشت أوالمشلح، ففي هذه الحالة لا تستخدم إلا الطريقة الرسمية التي يتدلى فيها طرفا الشماغ على جانبي الصدر، ولكن حتى في هذه الحالة فإن طريقة لبس العنطق تعبر أيضاً عن شخصية مرتديه.
ومضى البعض في تقليعات لبس الشماغ إلى ربط "تشخيصاتهم" بأسماء فنانين معروفين، ولعل أشهرها تشخيصة الفنان خالد عبد الرحمن التي يفضلها صغار الشباب، حيث يرمى طرفا الشماغ فوق العنطق لتصبح مقدمته فوق الرأس على شكل مثلث بينما يسحب طرفه الأيسر فوق الكتف الأيمن ليتدلى منه إلى الأمام. أما بالنسبة للألوان فالسائد في الخليج هما اللونان الأبيض، وهوالغترة، والأحمر، وهوالشماغ، وتبقى للغتر البيضاء مكانة متميزة، فهي أنيقة وبحاجة إلى عناية لا يحتاجها الشماغ، الذي يتميز عنها بكونه عملياً لا يحتاج إلى كي متواصل، وفي السعودية شاع الأبيض في منطقة جدة والأحمر في بقية المناطق، وفي الإمارات شاع الأحمر في أبوظبي والأبيض في بقية المناطق، وفي عمان يستخدم العمانيون شماغ الكشمير الصوف والملون أكثر من غيره، أما في بلاد الشام فيستخدم مع اللون الأحمر اللون الأسود أيضاً، غير حتى هذه الألوان ليست تقليدية وقديمة كما يبدو، فاللون الأحمر بدأ مع ورود الأشمغة المصنعة من شركة الهند الشرقية، وقد استوحى مصنعوه لونه من شيوع استخدام الطربوش الهجري الأحمر في البلاد العربية في ذلك الوقت، أما أول من جعل من الشماغ الأحمر زياً رسمياً فهوالجنرال البريطاني جلوب باشا، مؤسس الجيش الأردني، إذ عممه على الجيش الأردني كجزء من الزي الرسمي، غير حتى تغير الأذواق والبحث عن الجديد ومهارات الترويج لدى الشركات المصنعة أدخلت تغييرات كثيرة على شكل الخطوط على أطراف الشماغ تغيرها بين فترة وأخرى وبين مصنع وآخر لإحداث ما يمكن تسميته بالموضة، وغالباً ما تطرح هذه الموديلات الجديدة في الأعياد التي يحرص فيها الخليجيون على شراء أشمغة جديدة، ولكن هذه الموديلات الجديدة لا تجذب إلا الشباب، إذ يحرص كبار السن على الالتزام بشماغهم القديم، بل يعتقدون حتى الرسومات والخطوط الجديدة تفقد الشماغ تميزه وجاذبيته.
يقدر العاملون في السوق حتى هناك أكثر من مئة نوع من الأشمغة في الأسواق الخليجية، ويتراوح ثمنها بين سبعين ريالاً أودرهماً ومئتين وخمسين، غير حتى هناك أنواعاً رخيصة تصنع من البوليستر في شرق آسيا وتباع بثمن أقل قد يصل إلى عشرة ريالات، غير حتى هذه الأسعار التي تبدوزهيدة تخلق سوقاً يقدر بنحو350 مليون دولار في الخليج، منها حوالي 250 مليوناً في السعودية وحدها، وهوما يخلق تنافساً شديداً بين تجار ومصنعي الأشمغة للحصول على حصة أكبر من هذه السوق، وهوما يظهر واضحاً في الحملات الإعلانية المكثفة، خاصة قبل الأعياد، والتي تكلف سنوياً حوالي عشرة ملايين دولار، تتوزع على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وحتى لوحات الإعلانات في الشوارع، وقد تنوعت هذه الحملات في الرسالة الإعلانية التي توجهها للجمهور، ولعل الإعلان الذي يقول "إننا لا نصنع لهم قبعاتهم فلِمَ نسلمهم أشمغتنا" كان لافتاً للنظر لأنه لا يركز على المنتج بل يركز على تشجيع الصناعة المحلية، ومن ناحية أخرى وبطرف خفي يلمز إلى الشركات التي تستورد الأشمغة الأجنبية، وتعلن متفاخرة بأن أشمغتها صنعت في سويسرا أوفي بريطانيا، فالشماغ رغم كونه جزءاً من اللباس الخليجي الوطني إلا أنه حتى وقت قريب لم يكن يصنع في أي من دول الخليج، وإنما يجري استيراد الفاخر منه من بريطانيا وسويسرا، وقد بدأت صناعة الأشمغة في بريطانيا تتراجع، ومن المتسقط حتى تنتهي قريباً لصالح المصانع الجديدة التي أقيمت في السعودية، إذ يوجد في السعودية حالياً مصنعون جيدون يضاهون الإنتاج الأوروبي، ويقدر عدد الأشمغة الفاخرة التي ترد إلى السعودية مثلاً بحوالي عشرة ملايين في لقاء أقل من مليونين تصنع محلياً، أما البقية فتأتي من دول شرق آسيا، مما يعني حتى هناك مجالاً كبيراً لتطوير هذه الصناعة ليس في مستوى الفاخر منها فقط بل في المستويات الأقل من ذلك، أما ما ينطق عن أنها صناعة بحاجة إلى تقنيات عالية فهوقول مشكوك فيه، ولكن حتى في حالة كونه سليماً فمن المؤكد حتى تقنية الصناعة يمكن تفهمها أوشراؤها أوحتى تطويرها، فقد نجحت دول الخليج في مجالات أصعب بكثير وأكثر تعقيدأ من مجرد خلق غترة أوشماغ.
المصدر