منطق الطير، هوكتاب شعر بالفارسي خطه فريد الدين عطار في عام 1177م ويتكون من حوالي 4500 بيت. موضوعها هودرس الطيور عن الطائر الوهمي المعروف بسيمرغ والطيور هنا ترمز إلي السالكين من أهل الصوفية، وأما السيمرغ فترمز إلي الله. تبدأ المنظومة كما هوالعادة بجملة من المدائح في حمد الله ومدح الرسول والخلفاء الراشدين الأربعة. والجزء المتعلق بالحكاية نفسها يبدأ بالبيت 500 من المنظومة نفسها وهويشتمل علي خمسة وأربعين منطقاً تنتهي بخاتمة. وتبدأ السيرة بتوجيه الخطاب والترحيب بثلاثة عشر طائراً ينعقد بهم المجلس، فيقررون أنه لا بد لهم من حتى يخضعوا أنفسهم لواحد منهم يجعلونه مرشداً لهم أثناء بحثهم عن العنقاء حتي يوفقوا إلي العثور عليها. ثم يختارون الهدهد ويأخذ الهدهد في مخاطبتهم بحديث طويل.

الأعذار

ولم تكد أنواع الطيور تصمم علي الوصول إلي السيمرغ حتي عادت فوجدت الطريق إليها طويلة متبعة، فأخذ جميع طائر منها يلتمس لنفسه عذراً من الأعذار. فاعتذر البلبل بأنه مشغول بحب الوردة النضيرة واعتذرت الببغاء بأن جمالها جعلها للأقفاص أسيرة، وأعتذر الطاووس بإنادىء الخجل والتواضع لاقتران اسمه بسيرة إخراج آدم وحواء من الجنّة، واعتذرت البطة بعدم استطاعتها البعد عن الماء؛ واعتذرت الحجلة بأنها لا تستطيع البعد عن الجبال والأدوية؛ واعتذرت البجعة بعدم استطاعتها مغادرة البحيرات الصافية؛ واعتذرت البومة بعدم استطاعتها مغادرة الأماكن الخربة التي اعتادت حتى ترتادها، وأبدي طائر هما إعجابه بقدرته علي منح الملكوم ألقابهم، واعتذر الصقر بأنه لا يستطيع حتى يهجر مكانه الممتاز علي أكف الموك، واعتذرت الصعوة بأنها ضعيفة هزيلة يقعدها الوهن والسقم. وجميع هذه الأعذار ترمز إلي الأعذار التي يبديها الآدميون عندما يقعون عن التماس عالم الروح ويعجزون عن المضي فيه، وقد‌ أخذ الهدهد الحكيم يجيب عليها واحداً واحداً ويتمثل بطائفة من الحكايات والقصص للتدليل علي آرائه وأفكاره.

شيخ صنعان

حكاية طويلة في منطق الطير، تتعلق بالشيخ صنعان الذي كان يقطن مكة مع أربعمائة من مريديه ،وكان على قدر كبير من الصلاح والتقوى، ثم رأى في منامه انه رحل إلى بلاد الروم وسجد للصنم ،ورؤية الصالحين صادقة. فأسرع بالذهاب إلى بلاد الروم مع مريديه، وهناك أغرم بفتاة مسيحية غراماً شديداً،ولما ادركت الفتاة حبه لها ومقدار شغفه بها عرضت عليه شروطها وهى :السجود أمام الصنم، واحراق القران، وشرب الخمر، والبعد عن الايمان. فقبل في بداية الامر استهلك الخمر دون غيرها، وبعد حتى تمكنت منه الخمر وسيطر عليه العشق، قبل حتىقد يكون مسيحيا ثم عرض على الفتاة الاقتران به ،فاشترطت حتىقد يكون صداقها خدمة الخنازير عاما كاملا ،فقبل الشيخ. حاول مريدوه إصلاحه دون جدوى فأسرعوا بالعودة إلى الكعبة، وكان للشيخ صنعان صديق يقطن الكعبة حين فهم هذا الصديق بما وقع للشيخ صنعن اغتم وحزن حزنا شديدا. فأسرع بالسفر إلى بلاد الروم مع المريدين للحاق بالشيخ ،وواصلوا التضرع والتشفع أربعين ليلة فاستجاب الله لتضرعهم، وذات ليلة رأى أحد المريدين الرسول-عليه السلام-فطلب منه الشفاعة للشيخ عند الله ،فتشفع له الرسول الكريم ،فتخلى الشيخ عن ما عمله ،وعاد الجميع إلى مكة مرة ثانية.

وبعد رحيله رأت الفتاة في نومها حتى الشمس قد سقطت بجانبها وطلبت منها الاسراع صوب شيخها ،فأسرعت خلف الشيخ حتى وصلت اليه بالحجاز ،فاضطرب الشيخ حين فهم بقدومها ولكنها طلبت منه حتى يعرض عليها الإسلام ،وما حتى أسلمت حتى أسلمت روحها...

أودية السلوك السبعة

اختارت الطيور الهدهد مرشدا لها وتطرح عليه السؤال تلوالسؤال حول الرحلة العهدانية وأحوالها، وتبدوإجابات الطير العارف أشبه بالإرشادات الروحية في التجرد من جميع ما دنيوي ومادي. وتأخذ هذه الإرشادات طابعا حيا عبر قصص كثيرة تتحدث عمن ذاق حلاوة الوصال وبات شهيدا للعشق الإلهي. يبلغ هذا الإرشاد الذروة في نهاية الموضوعة الثامنة والثلاثين حيث يذكر الشاعر على لسان طيره الأودية السبعة التي تفصل بين الطيور والأعتاب العلية، وهي وادي الطلب، وادي العشق، وادي الفهم، وادي الاستغناء عن الصفة، وادي التوحيد الظاهر، وادي الحيرة الصعب، ووادي الفقر والفناء. "وبعد ذلك لنقد يكون لك سلوك بالطريق، فإن تدرك نهايته، يتلاش مسيرك، وإن تكن لك قطرة ماء، فإنها تصبح بحراً خضماً".

أصغت الطيور إلى الهدهد ومضت في المسير والطيران نحوملكها، وقضى عدد كبير منها في هذا الطريق الشاق، منها من غرق ومنها من أسلم الروح عطشاً، ومنها من اختنق حراً، ومنها من أحرقه وهج الشمس. وتوقف الكثير ممن دهمه التخلف والهجران في طريقه، فلزم جميع منهم مكانه وكفّ عن الطلب. ولم ينجح في الوصول إلى الجبل المنشود إلا ثلاثون طائراً فقدوا ريشهم وباتوا "محطمي القلوب، فاقدي الأرواح، سقيمي الأجساد". ولهذا الرقم في "منطق الطير" دلالة عميقة، فهوبلغة النص الفارسي "سي مورغ"، واسم الملك "سيمرغ"، وفي هذا الجناس تعبير عن مبدأ وحدة الشهود الذي تقوم عليه تحفة العطار.

لم تر الطيور الثلاثون المنهكة شيئا من جلال الحضرة الإلهية في بادئ الأمر، تماما كما لم يتعهد أبناء يعقوب الى أخيهم يوسف الحسن حين جاؤوا إلى مصر طلباً للخبز. وحين استولى اليأس والحسرة على نفوسهم، هتف بهم حاجب الحضرة، فاشتعلت نار الشوق في قلوبهم من جديد، فعادوا عبيداً للوح وتملكتهم حيرة لم يعهدوها من قبل. وحين أضاءت شمس القربة من جباههم، رأوا حتى السيمرغ هوالثلاثون طائراً، وحدثا نظروا في اتجاهه "كان نفسه الثلاثين طائراً في ذلك المكان، وحدثا نظروا إلى أنفسهم، كان ثلاثون طائراً هم الشيء الآخر، فإذا نظروا إلى كلا الطرفين، كان جميع منهما هوالسيمرغ بلا زيادة ولا نقصان. فهذا هوذاك، وذاك هوهذا، وما سمع أحد قط في العالم بمثل هذا". على عكس طيور ابن سينا التي عادت أدراجها بعدما حظيت بلقاءة الملك، لم تعد طيور العطار من رحلتها بعدما تجلّت بنور الحضرة، فقد فنيت في الذات الإلهية ولم يعد لها من وجود خارج هذا الفناء، وامّحت فيه على الدوام، "كما ينمحي الظل في الشمس والسلام".

"كنت أتحدث، ما داموا يسلكون"، يقول العطار في الخاتمة، "ولكن ما إذا وصلوا، حتى لم يعد للقول بداية ولا نهاية، فلا جرم حتى نضب معين الكلام هنا، حيث فنى السالك والمرشد والطريق".

المنمنمات

ألهمت منظومة "منطق الطير" الكثير من الفنانين على مختلف العصور، إلا حتى المنمنمات التي رافقت بعض من نسخها تظل أكثر هذه الأعمال الفنية قربا من هذا الأثر الخالد. في منمنمة من مخطوط أُنجز عام 1456 وهومن محفوظات مخطة برلين، يظهر الهدهد أمام جمع مؤلف من عشرة طيور في صورة تختزل الفصل الأول من منطق الطير. يتكرر المشهد في حلة جديدة في منمنمة من أصفهان حملت توقيع الرسام حبيب الله. في هذه اللوحة، يبلغ فن التصوير الإسلامي الفارسي القمة وتبدوالحديقة التي شهدت اجتماع الطيور كأنها جنة من جنات عدن. في الجزء الأعلى من التأليف، نرى صيادا يحدق من وراء الصخر في الطيور رافعا يده نحوفمه في حركة ترمز إلى الدهشة. يقف الهدهد بثبات على صخرة صغيرة بينما تتجه العيون كلها نحوه. هوالمرشد والحكيم، وقد نطق الرسول فيه: "لا تقتلوا الهدهد فإنه كان مرشد سليمان على قرب الماء وبعده، وأحب حتى يعبد الله ولا يشرك به شيئا في أقطار الأرض"، بحسب ما نقله القزويني في "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات".

في مخطوط من محفوظات المخطة البريطانية يعود إلى نهاية القرن الخامس عشر، مصدره على الأرجح هرات، يظهر الهدهد في وضعية مماثلة أمام طاووس يتقدم رافعا قائمته اليسرى في اتجاهه. نقرأ في مطلع الموضوعة الخامسة الخاصة بعذر الطاووس: "بعد ذلك، أقبل الطاووس في حلة مضىية، وازدان جميع جناح بألف لون. اتى كأنه عروس يوم الجلوة، وكل ريشة منه مجلوة". يتقدم أحسن الطيور جمالا من المرشد ويسأله حتى يعذره عن السفر، فهوليس من الآملين بالسلطان. ويجيبه الهدهد: "إن جميع ما تريده هومنزل ذلك السلطان، فلتقل تقدم قريبا منه".

في صفحة أخرى من مخطوط مخطة برلين، نشاهد طيراً عظيماَ يفتح جناحيه وسط نيران محرقة كبيرة أمام جمع من الحيوانات المتوحشة والأليفة التي اجتمعت من حوله، تحت سماء من المضى تعبرها طيور تحني رأسها لتراقب هذا المشهد الغريب. تجسد المنمنمة حكاية من الحكايات التي اتىت بعد حديث أحد الطيور عن الموت الذي يرهب قلبه ويمنعه من خوض السفر. يحكي الراوي سيرة "الققنس النادر الجذاب"، رديف طائر الفينيق الشهير. ويمتاز هذا الققنس بمنقاره الطويل الذي يشبه الناي، "ففيه ما يقرب مائة ثقب وفتحة، فإن ينح بكل الثقوب متأوهاً يُفقد السمك والطير راحتها واستقرارها، ويسيطر الصمت على جميع الطيور، وتصبح إزاء صوته فاقدة الشعور". ناهز هذا الطير، الذي شابه بعزفه أورفيوس، الألف سنة وشعر بدنوأجله فجمع حوله من الحطب مئة كومة، ثم وقف ينوح وسطها مرتعدا من خشية الموت. "اعجب الأيام يومه، فهوينزف دما من آلام قلبه، وعندما يصل عمره إلى آخر زفرة، يرفرف بجناحيه إلى الأمام والخلف، وتتطاير النار من جناحه. بعد ذلك تصبح النار جميع حاله، وسرعان ما تسقط النار في الحطب، فتحرق حطبه في قمة السرور، ويصبح الطائر والحطب كلاهما جمرة من نار، ثم تتحول الجمرة بعد ذلك إلى رماد. وما إذا يختفي جميع شيء، حتى يظهر الققنس بين الرماد. عن النار تحيل الحطب رماداً، فكيف يعاود القنفس الظهور بين الرماد؟".

يجيب فريد الدين العطار عن هذا السؤال في نهاية منظومته. وصلت الطيور الثلاثون الى البقاء بعدما أسلمت نفسها إلى الفناء الكلي، "وليس لأحد قط من المحدثين أوالقدماء حتى يتحدث عن ذلك الفناء وذلك البقاء. وهذا الأمر بعيد نسبة لك عن مجال النظر، لأن شرحه بعيد عن الوصف والخبر، ولكن في طريق مثل طريق أصحابنا هل يمكن شرح البقاء بعد الفناء،يا ترى؟ وأين يمكن إتمام ذلك،يا ترى؟ إذا هذا يلزمه كتاب جديد، ولكن من ذا الذي يدرك أسرار البقاء،يا ترى؟ ومن ذاقد يكون جديراً بها؟".

انظر أيضا

• الطريق إلى المعتصم
• لغة الطير
• برلمان الدواجن
• أدب فارسي
• الوديات السبع (بهائية)
• وديان الحب السبعة، a bilingual anthology of women poets from Middle Ages Persia to present day Iran, translated and edited by شيما كلباسي

المصادر

• Attar, Harvey & Masani, Conference of the Birds: A Seeker's Journey to God, Weiser Books, 2001, ISBN 1-57863-246-3
• Farid Ud-Din-Attar, The Conference of The Birds - Mantiq Ut-Tair, English Translation by Charles Stanley Nott, First published 1954 by The Janus Press, London, Reissued by Routledge and Kegan Paul Ltd, 1961, ISBN 0-7100-1032-X

وصلات خارجية

• Selection of Attar and related poets' poetry
• Simurgh: A modern musical rendering of Attar's allegorical tale
• , available from the Packard Humanities Institute
• Conference of the Birds an opera by Johan Othman and libretto by William Radice