غرس النعمة
أبوالحسن، محمد بن هلال بن المُحسِّن غرس النعمة الصابئ الحَرَّاني (416-480هـ/1025-1087)، مؤرخ أديب مترسل من أهل بغداد.
ينتمي غرس النعمة إلى جماعة الصابئة وينحدر من آل زهرون بن حيون الصابئ الحراني، فكان منهم أبوإسحاق، إبراهيم بن هلال الصابئ الذي غلبت عليه صناعة الكتابة والبلاغة والشعر، مع تبحره في علوم الرياضة والهندسة والفلك. وهوصاحب كتاب «التاجي» في تاريخ بني بويه، وقد ألفه بإيعاز من عضد الدولة. هجر والده هلال بن المُحسِّن (ت 448هـ/1056م) خطاً عدة أهمها «تُحفة الأمراء في تاريخ الوزراء» و«رسوم دار الخلافة»، وقد أعطى له اشتغاله في دواوين الإنشاء حتى يطلع على شؤون دار الخلافة ورسومها وأسرارها ووثائقها وأحوال ساكنيها، وأن يسجل خلاصة معهدته وتجاربه في هذين الكتابين المذكورين. وأبرز ما في حياة هلال بن المحسن أنه كان أول من أعرب إسلامه من الصابئة، وذلك في سنة 403هـ/1012م، وله من العمر يوم ذاك أربع وأربعون سنة، ثم تزوج امرأة مسلمة ولدت غرس النعمة محمد بن هلال، فكان أول مولود من الصابئة على الإسلام.
نشأ غرس النعمة في كنف أبيه ورعايته، وعليه وعلى غيره من شيوخ بغداد تخرج في الإنشاء والكتابة والأدب، فهويروي عن أبيه وينقل عنه بكثير من الإجلال والتقدير.
وفي سني شبابه انتدبه الخليفة العباسي القائم بأمر الله للعمل في ديوان الإنشاء معتمداً على نبوغه وسعة خبرته في هذا المجال.
ولما توفي والده، ورث عنه أموالاً كثيرة وأملاكاً نفيسة، فعاش عيشة هانئة، عكف فيها على تثمير ثروته وتنميتها بعيداً عن المؤامرات السياسية التي كان يضطرب بها عصره، فقد أتيح له حتى يشهد العقود الأخيرة من حكم ملوك بني بويه والعقود الأولى من حكم السلاطين السلاجقة في بغداد، ومع ذلك كان لا يصانع الحكام ولا يتزلف إليهم، فظل لذلك محترماً عند الخلفاء والملوك والوزراء.
وقد عهد عنه أنه كان معطاء كريماً، يبسط يده في أبواب الصدقة والمعروف، فمن جملة مآثره أنه وقف للناس دار خط بناها غربي بغداد وزودها بأربعة آلاف مجلد في مختلف العلوم والفنون، فأصبحت هذه الدار ملتقى للفهماء والباحثين، ومنتدى للدارسين والمتناظرين.
ذكرت خط التراجم ثلاثة من مصنفات غرس النعمة، أولها كتاب« التاريخ» وهوذيل على كتاب ألفه والده في التاريخ وأوصاه بمتابعته، إلا حتى كتاب غرس النعمة هذا لم يعثر عليه، وبقيت منه شذرات مبثوثة في تضاعيف الخط التي نقلت عنه فيما بعد. وثانيهما كتاب «الربيع» وهوتذييل على كتاب «نشوار المحاضرة» للتنوخي، إلا أنه أيضاً يعد من الخط المفقودة.
أما كتابه الثالث «الهفوات النادرة» فقد نجا من يد الضياع، وظل مخطوطاً إلى حتى أخرجه إلى النور وقام بتحقيقه صالح الأشتر، وصدر عن مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1967م. وقد أودع فيه المؤلف مجموعة من الأخبار الطريفة والحكايات المسلية والهفوات الجارية على ألسن المتحفظين المتحرزين، والسقطات الآتية من الغارِّين المغفلين، إضافة إلى ما يزود به الكتاب من فهم ببعض أعلام الدولة البويهية من ملوك ووزراء وعمال وكتاب.
توفي غرس النعمة محمد بن هلال الصابئ في بغداد عن عمر ناف على الستين، ودفن في داره بشارع ابن أبي عوف، ثم نقل إلى مشهد الإمام علي.
المصادر
- محمد كمال. "غرس النعمة (محمد بن هلال الصابئ ـ)". الموسوعة العربية.
للاستزادة
- ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (دار الخط المصرية، 1972).
- ابن العماد، شذرات المضى (القاهرة 1350هـ).
- غرس النعمة، محمد بن هلال، الهفوات النادرة، تحقيق صالح الأشتر (مجمع اللغة العربية، دمشق 1967).
- ابن القوطي، تلخيص مجمع الآداب في مجمع الألقاب، تحقيق مصطفى جواد (دمشق 1965م).