16 سؤالاً حول اغتيال

عودة للموسوعة

16 سؤالاً حول اغتيال

بعد اغتيال جون ف. كندي بقليل، نشر برتراند رسل منطقة رافضة لمجرى التحقيق بعنوان “16 Questions on the Assassination” في عدد سبتمبر 1964 من دورية The Minority of One التي كان يصدرها M.S. Arnoni.

في هذه الأيام بالتحديد، تحلّ ذكرى مرور خمسين عاماً على اغتيال الرئيس الأمريكي جون كندي. ونعهد حتى ألغازاً كثيرة لا تزال تحيط بهذه الجريمة، ولم يتمكن أحد من سبر أغوارها حتى الآن. ولهذه المناسبة قد يحدث من المفيد استعادة النص الذي خطه الفيلسوف برتراند رسل طارحاً فيه مجموعة أسئلة شائكة تتعلق بجريمة العصر. ففي السادس من أيلول (سبتمبر) 1964، وبعد أقل من عام على اغتيال الرئيس كنيدي، وفيما العالم كله يظهر ذاهلاً ليس فقط أمام عملية الاغتيال نفسها، بل خصوصاً أمام غرابة التحقيقات والتقارير الجنائية، نشر الفيلسوف الكبير، الذي كان واحداً من كبار الفلاسفة الأحياء في ذلك الزمن دراسة لم تثر، في الحقيقة انتباهاً كبيراً. ذلك حتى فحوى ما اتى في تلك الدراسة كان مماثلاً لكلام كثير كان يطرح في ذلك الحين. وكان يطرح، بصورة خاصة، على شكل أسئلة واحتجاجات واعتراضات على استنتاجات رسمية أميركية طاولت الجريمة لتبدوغير مقنعة لأحد. الحس الشعبي، الأميركي والأوروبي بصورة عامة، كان يميل إلى رفض معظم الطروحات الرسمية، وكان جميع إنسان وكل مجموعة يدلي باقتراحات وتكهنات بحيث ضاع جميع شيء في جميع شيء وبدت الأمور متشابهة إلى درجة لا يمكن معها كلام فيلسوف حتى يظهر مميزاً وجديراً باهتمام خاص. من هنا، مرّ النص مرور الكرام على أهميته. ولعل الجانب الأكثر من هذه الأهمية هوالأسلوب الذي تعاطى به محرر النص مع الموضوع. فالحال حتى قراءة هذا النص الذي أربى عمره الآن على ما يقرب من خمسين سنة، ترينا كيف من الممكن أن حتى مثقفاً كبيراً ومسناً في ذلك الحين (92 سنة) خرج من برج الفكر الفلسفي العاجي، حين رأى أمامه عملية اغتيال بغيضة، وكثيراً من الافتراء والكذب الرسمي يحيط بها، ليدخل المعمعة بتواضع المحرر البسيط المكتفي بطرح الأسئلة، وذكاء المحقق العدلي الذي يتوخى الدفع في اتجاه الحقيقة، وإنسانية المواطن العادي الذي شعر بأن ليس في وسعه، أومن حقه، السكوت عن المطالبة بالوصول إلى الحقيقة، تحت أية ذريعة من الذرائع.

طبعاً، على رغم تسييس برتراند راسل أسئلته الاحتجاجية، لا نراه يسيّس القضية كلها لمجرد التسييس المستخدم سلاحاً أيديولوجياً في معركة ما، بل يسيّسه لأنه يعهد، ويعهد الناس كلهم معه، حتى الجريمة سياسية أولاً وأخيراً... من هنا، فإن جميع الأسئلة الجنائية التي يطرحها في نصه، تهدف إلى توجيه أصابع الاتهام السياسية، ليس فقط إلى الجريمة، بل كذلك - خصوصاً - إلى المناورات والألاعيب التي دارت حول الجريمة وحول التقارير والتحقيقات الرسمية التي حاولت حتى تفرض عليها تفسيرات وتبريرات متهافتة. من هنا - حتى وإن كان برتراند راسل قد تعمّد حتى تكون الأسئلة في نصه أكثر عدداً بكثير من الأجوبة، أوتعمّد ألا يصل إلى استنتاجات مباشرة - فإن النص كله يمكن اعتباره نصاً سياسياً بامتياز، ونموذجاً رائعاً لتدخل المثقف في الحياة العامة، تدخلاً يذكر بتنطقيد رائعة شهدت، منذ زمن بعيد مثقفين كباراً لا يتوانون عن استخدام فكرهم وقلمهم للدفاع عما يرونه حقاً وعدلاً... وهي تنطقيد وصلت إلى ذروتها مع أناس من وزن إميل زولا، ثم جان - بول سارتر وميشال فوكووغيرهم، ما يفترض حتى التنطقيد فرنسية - ليأتي راسل ويعمم هذه التنطقيد، وإن في شكل أقل تنظيراً وأكثر ميدانية.

في نصه هذا، يستعرض برتراند راسل منذ البداية، النص الرسمي الأميركي المتعلق بالاستنتاجات التي أوصلت إليها تقارير المحققين، لا سيما لجنة وارن، بعد شهور من العمل والجهد. وهويستهل كلامه بتأكيد حتى الرواية الرسمية الأميركية بدت حافلة بالتناقضات إلى درجة أنها صيغت وأعيدت صياغتها ما لا يقل عن ثلاث مرات... وراسل، إذ يستعرض هذا في فقرات مباشرة وحاسمة، يطرح، وقبل حتى يصل إلى أسئلته الست عشرة الشهيرة، عدداً كبيراً من التساؤلات المقلقة، ومنها مثلاً سؤال حول السبب في حتى جميع أعضاء لجنة وارن هم قوم مرتبط بالحكومة الأميركية. ومنها أيضاً سؤال محير يقول: إذا كانت الحكومة الأميركية واثقة جميع الثقة من القضية التي عبرت عنها، لما تراها أجرت جميع تحقيقاتها وسط مقدار هائل من السرية؟

مهما يكن من أمر، فإن هذا النوع من الأسئلة يبقى سياسياً. أما الأسئلة الست عشرة التي يجرى الحديث عنها منذ عنوان الدراسة، فإنها تبدوميدانية أكثر. ولعل «أطرفها» ذاك الذي يورده راسل بعد حتى يفسر لنا كيف من الممكن أن حتى لجنة وارن حددت ستة ملفات (أوعناوين) أرادت من خلالها حتى تجري تحقيقها، وهي:

  1. ما الذي عمله أوزوالد - مطلق النار على كنيدي وفق الرواية الرسمية - يوم 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963؟
  2. ما هي خلفية روبي - قاتل أوزوالد؟
  3. ما الذي كان أوزوالد يعمله في صفوف البحرية الأميركية ثم في الاتحاد السوفياتي؟
  4. كيف اغتال روبي أوزوالد؟
  5. ما هي خلفية أوزوالد؟
  6. وما هي الجهود التي بذلت لحماية الرئيس يوم 22 تشرين الثاني،يا ترى؟ إذا رسل بعدما يستعرض هذه العناوين الستة يتساءل: إذاً... لما لم تحدد لجنة وارن عنواناً لملف يتعلق بمن اغتال الرئيس كنيدي تحديداً،يا ترى؟ بعد هذا يستعرض راسل بقية أسئلته ومنها:
  7. لماذا تخلى كثر من الليبراليين عن مسؤوليتهم للجنة رفضوا هم أنفسهم دراسة ظروف تشكيلها،يا ترى؟ وفي شكل أكثر ميدانية يتساءل راسل:
  8. لماذا ترى لاحقت السلطات أشخاصاً كثراً بصفتهم مشكوكاً في حتى من شأنهم حتى يقتلوا الرئيس، لكنها لم ترصد دخول أوزوالد إلى مبنى مستودع الخط، مع ما ينطق من أنه كان يحمل بندقية لا يقل طولها عن ثلاثة أقدام؟
  9. وبعد هذا يتساءل راسل: لما بدلت طريق الرئيس في الدقيقة الأخيرة حتى يمر أمام مكان عمل أوزوالد؟
  10. وبعد ذلك: لما جرى تغيير في التقرير الطبي المتعلق بموت كنيدي؟
  11. وفي هذا الإطار نفسه يتساءل راسل: ما كنه اليقين الذي أدى إلى الافتراض حتى كنيدي قد طاولته الرصاصة من ورائه؟
  12. وبعد هذا يأتي سؤال حديث يتعلق بحصول رجال الـ «إف بي آي»، على فيلم صورته سيدة لما حصل بين مستودع الخط ومكان سيارة الرئيس لحظة إطلاق النار. هنا يتساءل راسل: لما رفض الـ «إف بي آي» نشر ما يمكن حتى يعتبر أصدق مرشد قاطع في هذه القضية،يا ترى؟ (ويعني به هذا الفيلم).
  13. وهنا، إذ يستعرض برتراند راسل ما سمّاه تواطؤ الصحافة الأميركية حول هذه القضية، مورداً نماذج قاطعة من دلائل ذلك التواطؤ، يتساءل كيف من الممكن أن وقع حتى ملايين من الأشخاص قد ضللوا بترهات صحافية من هذا النوع،يا ترى؟ وإذ يعود راسل إلى أسئلته القضائية، يتساءل عن السبب الذي جعل اختبار البارافين يُبَدَّل قبل حتى تعلنه السلطات...

هكذا، يمضي برتراند راسل قدماً في طرح هذا النوع من الأسئلة، التي - في الحقيقة - لم يجبه عنها أحد، ما سيجعل من هذا الفيلسوف الإنكليزي الكبير رائداً في مجال المطالبة الدائمة بإعادة النظر في جميع ما صدر رسمياً عن السلطات الأميركية حول هذا الموضوع. ولا شك في حتى بعض كبار المتسائلين المشككين لاحقاً، مثل السينمائي أوليفر ستون في فيلمه الشهير «جي. إف. كي»، ساروا على منواله في طرح أسئلتهم، بل من الواضح حتى ستون قد قرأ نص راسل هذا بعناية.

طبعاً، ليس همنا ها هنا الحديث عن البعد الجنائي أوالتحقيقي في نص برتراند راسل (الذي يختتمه صاحبه بدعوة جميع المثقفين الأحرار إلى الانضمام إليه وإلى لجنة شكلت في بريطانيا وفي عضويتها كبار المفكرين والفنانين الإنكليز في ذلك الحين)، بل ما يهمنا هوالهجريز على صوابية تصرّف مفكر كان يقترب من عامه المئة، أمام ما أحس بأنه كذب وظلم، وحتى من دون حتىقد يكون على الإطلاق من مؤيدي سياسة جون كنيدي قبل ذلك. ما حرك راسل هوحب الحقيقة. وهوبهذا منح درساً لمثقفي العالم كله من الذين، عن جبن أوعن تحمل، يعتبرون حتى مثل هذا التدخل ليس من شأنهم، أويسكتون عن جريمة لأن ضحيتها ليس من فريقهم!

المحرر

برتراند راسل (1872 - 1970) لم يكن مثل هذا التدخل جديداً عليه، هوالذي وسط مشاغله الفلسفية التي كانت تصل غالباً إلى حدود البحث التقني الذي يستنفد عادة وقت أي مفكر، كان يجد حتى من واجبه الأخلاقي مجابهة جميع ظلم وكل حرب وكل اعتداء، سواء طاول أفراداً أوشعوباً. ومن هنا نراه، حين قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بـ «العدوان الثلاثي» على مصر، يهاجم سياسة بلاده الخرقاء مدافعاً عن حق المصريين. وكذلك نراه يؤسس تلك الهيئة الحقوقية الإنسانية الرفيعة التي حملت اسم «محكمة برتراند راسل» لمحاكمة أعداء السلام ومجرمي الحرب. والحقيقة حتى هذا كله إنما ينسجم مع فكره الفلسفي الإنساني نفسه. ولا بد لمن يقرأ أياً من خطه الكثيرة التي وضعها طوال حياته (وتشغل الفلسفة معظم صفحاتها، مع وجود مكان للسياسة والأخلاق فيها)، من حتى يلاحظ ذلك.


الهامش

  1. ^ ابراهيم العريس (2013-11-06). "«16 سؤالاً حول اغتيال» لبرتراند راسل: في انتظار الإجابات المحالة". صحيفة الحياة اللبنانية.

وصلات خارجية

  • نص العمل
تاريخ النشر: 2020-06-04 12:53:25
التصنيفات: أعمال برتراند رسل, أعمال 1964

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

باشينيان يبحث فتح ممر لاتشين في قره باغ مع ماكرون

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:16:41
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 97%

وزيرة الانتقال الطاقي: ارتفاع أسعار المحروقات ليس من اختصاصي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:15:24
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 49%

زلزال تركيا: لماذا كان مدمراً إلى درجة كبيرة؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:16:22
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 92%

البرتغالي كيروش مدربا لمنتخب قطر

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:15:21
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 49%

تركيا.. تعطيل الدوام بالمدارس لمدة أسبوع

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:15:22
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 37%

الحكومة المصرية تتحرك لدرء تشقق وتصدع كورنيش الإسكندرية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:16:40
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 90%

الدولي المغربي بلال الخنوس يمدد لنادي جينك حتى 2027

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:15:18
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 42%

الداكي يؤكد على مواصلة دعم وتكريس استقلال السلطة القضائية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:15:17
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 44%

برشلونة يكشف طبيعة إصابة قائده بوسكيتس

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:16:11
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

رابطة الدوري الإسباني تبدأ تحقيقات بسبب تعرض فينيسيوس للعنصرية

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-02-06 21:16:09
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية