آل سعود في بر الشام (1932-2005)

عودة للموسوعة

آل سعود في بر الشام (1932-2005)

آل سعود في بر الشام (1932 - 2005)، منطق بقلم كمال خلف الطويل، 15 يناير 2006.

الموضوع

إنقضت ثلاثة أرباع القرن على اكتمال تأسيس الدولة السعودية الثالثة بوسائط الفتح والغزووالتوسع ... ودائما تحت عين الرضا البريطانية.

عهد الكثير عن دائب جهدهم للقضم هنا أوهناك في العراق والأردن وعن ضمهم لعسير اليمن وعن مناوشاتهم مع مشايخ الكويت والمتصالحات ومع سلطان عمان. لكن ما ندر توثيقه في سردية تأريخية هوحميم رغبتهم ومحموم سعيهم لأنقد يكونوا في الشام – الاقليم أصحاب نفوذ في أقله وسادة قرار في أكثره. من هنا سعى هذا المبحث لأن يخوض في هذه اللجة أملا في حتى تتبعه مساهمات أخرى تسلط الضوء على زوايا معتمة من هذه العلاقة الطويلة والحافلة. والحق حتى السردية لا تزعم لنفسها صبغة أكاديمية ولا هي تخضع للتوثيق التقليدي إذ أنها مزيج متداخل ومتراكب من مراجع خط وحوليات تاريخية ومشافهات شخصية.

  • ما إذا تمكن عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة من توطيد سلطته على معظم شبه جزيرة العرب برعاية وتمكين پرسي كوكس – المعتمد البريطاني للجزيرة والخليج والتابع لمخط الهند الإمبراطوري – عام 1932 حتى أعطى بصره شمالا على خط الأفق واصلا به إلى ديار الشام وطلبا لجملة أمور منها ما على المستوى الاستراتيجي وبعضها ما يقع في المجال العملياني.

في الاستراتيجيا: كان ما يطلبه يقع بين حدين ... الأقصى هوحتى تكون الشام منطقة نفوذ له .. والأدنى ألا تكون لأخصامه الهاشميين بفرعيهم الأردني والعراقي أوحتى لمنافسيه المحتملين كالأسرة العلوية في مصر.

فيما دونها: كان ما يطلبه خبرات إدارية ودبلوماسية وطبية لا يجدها عنده وتحتاج سنينا ضوئيا لتحصيلها .. ثم شيء من تحسين النسل عبر التزاوج مع مليحات من الشام أوالتسري بمن تؤمنهن أمواله.

لماذا الاهتمام بالشام لهذا الحد،يا ترى؟ لأن عبد العزيز قارئ حاذق للخريطة وفاهم همام لمعنى انكشاف العمق والخلفية فيما لوالشام خارج طوقه وتأثيره.

ولعل نظرة على عديد ونوعية الشخصيات "الشامية" التي صادقت أووالت عبد العزيز من أول شكري القوتلي وأمين الحسيني وأمين الريحاني وعبورا إلى يوسف ياسين وجمال الحسيني ووصولا إلى فؤاد حمزة ومدحت شيخ الأرض تنبئ عن شديد اهتمامه بتقريب صفوة القوم وتجنيد خبراتهم لصالحه.

تابع خلفاؤه نهجه فوجدنا شخصيات مثل معروف الدواليبي وأحمد الشقيري تتولى أدوارا حيوية في بلاط آل سعود عبر مراحل شتى.

والشاهد حتى مثال النفوذ المقصود هودوره في إيقاف الثورة الفلسطينية الكبرى عام 39 – ضمن باقة من الملوك العرب – عبر الضغط على الحاج أمين الحسيني زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية حينها تلبية لرغبة حكومة تشرشل البريطانية – السيد الأكبر – والتي كانت ترغب التفرغ لحربها على ألمانيا وسد بؤر التوتر الشاغلة خارج المسرح الأوروبي.

غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية تأقلم عبد العزيز مع الصعود السريع والوازن للولايات المتحدة بأن نقل البارودة الكبيرة من كتف لندن لكتف واشنطن لكنه أبقى على بندقية صيد معلقة بكتف الأولى فاستبدل جون فيلبي المستشار الأوثق بالسفير الأمريكي ونال وعد الحماية العسكرية الأمريكية لحكمه ونسله من بعده لقاء الانصياع العملي للسياسة الأمريكية في المنطقة وفي الطليعة منها سياسات البترول تسعيرا وإنتاجا وتكريرا ونقلا وتصديرا.

طيلة سنوات ما قبل يوليوالمصري ظل هم آل سعود جبه الخطر الهاشمي في الشمال فعقدوا حلفا تكتيكيا قويا مع فاروق خاتم السلالة العلوية، ورغم كرههم الدفين لهذه الأسرة التي دمرت دولتهم الأولى مطالع القرن التاسع عشر ودكت عاصمتهم "الدرعية" في نجد على رؤوسهم.

كان علويومصر على نفس مستوى الاسترابة من هاشميي العراق والأردن ومن ثم تلاقت المصالح مع آل سعود.

ولضعف إمكانيات عبد العزيز من جهة ولجزيل ولائه لواشنطن من جهة أخرى كان دوره في حرب فلسطين–48 شديد الرمزية والتواضع.

والثابت حتى شكري القوتلي الرئيس السوري الأول بعد الاستقلال كان وثيق الصلة بآل سعود لكنه كان في المقام الأول وطنيا سوريا بامتياز. من هنا وقوفه عام 48 في وجه اتفاق التابلاين مع شركة أرامكوالأمريكية وفي وجه توقيع اتفاق مجحف للهدنة مع إسرائيل بعد حتى وضعت حرب فلسطين أوزارها.

والحاصل حتى عقاب المخابرات المركزية الأمريكية نال القوتلي يوم 30 مارس 1949 عندما أزاحه عن الحكم عميل الوكالة اللواء حسني الزعيم قائد الجيش.

لكن المخابرات البريطانية لم تهدأ إلا عندما انقض عملاؤها على الزعيم وحكمه بعد شهور خمسة فقط – آب 1949 – واصلين بسوريا إلى عتبة هاشميي العراق .. أوهكذا بدا.

كانت تلك شهورا عصيبة لآل سعود وهم يرون عزيزهم في دمشق ينحى – رغم تفهمهم اللاحق لدواعي ذلك – ثم ليشهدوا اقتراب ألدائهم من قطف الثمرة الدمشقية.

دبّ فيهم محموم النشاط وبالتنسيق مع أربابهم في واشنطن فردوا الصاع صاعين وأعادوا انتزاع دمشق من قبضة البريطانيين وهاشمييهم في ديسمبر 49 أي بعد شهور أربعة فقط من خسرانها.

كان أديب الشيشكلي حليف وكالة المخابرات المركزية الأجدر – قياسا لنموذج الزعيم الأخرق –. إليه كان ارتياح آل سعود طيلة أعوام 50-53 عارما لأن في سوريا درعا واقيا من طموحات الهاشميين وصديقا دافئا لهم زارهم وتعاهد معهم وتعاقد.

عاد الإنجليز إلى الميدان في شباط 54 موجهين ضربة قاضية للحليف الأمريكي الحاكم مجبرينه على الفرار إلى عاصمة حليفه الإقليمي سعود عبر بيروت. والحق حتى الفترة ما بين شباط 54 ونيسان 55 كانت رجراجة لدرجة انعدام الوزن. سليم حتى الشيشكلي الأمريكي الهوى قد أزيح لكن من حلّ مكانه كان كوكتيلا ضم بريطانيي الولاء وأمريكيي النزوع إضافة لقوميين وإسلاميين.

خلال تلك الفترة تحركت لندن بزخم من يقاتل بأسنانه حفاظا على بقايا إمبراطورية متداعية إذ دفعت بعميلها العقائدي الأهم نوري السعيد لتدشين حلف بغداد بالاشتراك مع أقرانه الإقليميين: إسكندر ميرزا في كراتشي .. عدنان مندريس في أنقرا .. ومحمد بهلوي في طهران.

كان البطن الرخولهذا الحلف هوإقليم الشام ومن هنا مسارعة المتحالفين ورعاتهم لوضع اليد على مكونات الإقليم: سوريا ولبنان والأردن وشتاتها الفلسطيني.

رئس الحكومة السورية في عز اشتداد معركة حلف بغداد فارس الخوري والذي قيل الكثير في مدحه "لسابقاته" في النضال. لكنه في يناير 55 كان بامتياز داعية الانضمام لحلف بغداد ولم ينهه عن مساره إلا اصطدامه بعبد الناصر في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية بالقاهرة ذاك الشهر .. وإلا سحب الثقة من وزارته في البرلمان السوري غداة عودته من القاهرة.

تأخرت محاولة ضم الأردن إلى ديسمبر 55 عندما حلّ فيه المارشال تمبلر رئيس الأركان البريطاني فطرد بخفي حنين أثر الهبة الشعبية الرافضة للحلف. أما لبنان كميل شمعون فهوانضم للحلف بالسلوك رغم عدم الإشهار.

كانت إطلالة عبد الناصر على المشهد السوري – وبعد غياب الشيشكلي – في سبتمبر 54 عندما زار دمشق زميله صلاح سالم. حينها خاض محاولته الحازمة لثني نوري السعيد عن حكاية الحلف ومن ثم لإبعاد سوريا عن قبضته .. وبالتنسيق مع آل سعود.

لم تتبدل موازين القوى في الداخل السوري بشكل حاسم إلا مع اغتيال عدنان المالكي رمز العسكرية القومية–البعثية على يد الحزب القومي السوري والذي كانت وشائجه مع الإنجليز وحلفائهم الإقليميين من شمعون لنوري السعيد قائمة وفاعلة. حينها مال الميزان بكفتيه في اتجاه كتلة الضباط القوميين والبعثيين والتي كانت شديدة العداء لحلف بغداد وصناعه مواكبة لعبور عبد الناصر محطات باندونج وكسر احتكار السلاح والاعتراف بالصين الشعبية (من نيسان 55 إلى مايو56).

ورغم حتى آل سعود كانوا يرقبون بدهشة والتياع الصعود الصاروخي لزعامة جمال عبد الناصر إلا أنهم كانوا أكثر خشية وعداء للهاشميين خصوصا وأنهم ما فتئوا يخففون من قلقهم الناصري بتطمين أنفسهم حتى مصر بعيدة ولا شهية لها للتوسع وكل ما تعمله أنها تتقي شر التوسع الهاشمي.

مع تأميم قناة السويس بات جليا حتى سوريا قد حسمت أمرها شعبا ونخبا بالاصطفاف في خندق عبد الناصر بل وبدأت ترسل الإشارة تلوالإشارة طلبا للوحدة مع مصره.

الآن غدا حتى ما كان صالحا من توافق مصري–سعودي حول الشأن السوري تجلى في إعادة شكري القوتلي رئيسا في أغسطس 55 لم يعد على نفس الدرجة من القيمة لعبد الناصر فهوالذي لا منافس له هناك بعد الآن.

ما الذي جرى حينها: اتفق اللدودان الإنجليز والأمريكان على التنسيق بغرض الانقلاب على الوضع الناشئ المؤيد بضراوة لعبد الناصر.

كان الترتيب بريطانيا في المقام الأول وضم أطيافا عدة من النخبة السورية ضمت: وجهاء دروز مثل حسن الأطرش وفضل الله جربوع .. وجهاء علويين مثل بدوي الجبل ومحيي الدين مرهج .. الحزب القومي السوري ممثلا بغسان حديث وميليشياه التي هي عصب التحرك العسكري .. ساسة من أضراب: عدنان هاشم الأتاسي – عدنان العائدي – فرزت المملوك – سامي كبارة – منير العجلاني – صبحي العمري - هايل السرور – فيضي الأتاسي – ميخائيل اليان .. وعسكريون أمثال عمر القباني ومحمد معروف ومحمد صفا وحسين الحكيم. ولم يكن ساسة أقدم وأوزن بعيدين عن الترتيبات .. أمثال حسن الحكيم ولطفي الحفار.

وضع التوقيت بريطانيا ليتواقت مع موعد بدء العدوان الثلاثي على مصر – توقيت كان الشريك الأمريكي يشتبه به دون تأكد قاطع – وبغرض استفراد عبد الناصر في عز محنته دون سند ولا مؤيد.

يدخل على المشهد عند هذا المفصل رجل كان له جميع الفضل في إجهاض ما دعي بالمؤامرة الكبرى: إنه عبد الحميد السراج.

ورغم حتى المقام هنا ليس مخصصا لتناول الرجل (فلذلك ورقة أخرى تخط بوحي لقائين ضماني معه في (28/6/2002 و29/6/2005) إلا حتى السراج هوبامتياز من كان حامي سوريا من المؤامرات من أول اغتيال المالكي في نيسان 55 وصولا إلى رفضه رشوة سعود في شباط 58. اخترق السراج شبكة المؤامرة الكبرى باقتدار وطوح برموزها بضربة قاضية قبل أيام قلائل من موعد التطبيق ثم توج ضربته بتدمير خط أنابيب بترول الـ IPC البريطانية من كركوك لبانياس في عز العدوان الثلاثي على مصر.

تسبب جميع ذلك للسراج بغضب مكتوم من نخبة اليمين المشاركة في الحكم ما لبث حتى تجلى في محاولتهم إبعاده للهند ملحقا عسكريا في آذار 57.

والحاصل حتى كتلة الضباط القوميين والبعثيين واليساريين التفت حوله لدرجة العصيان في معسكرات قطنا تلويحا بالزحف إلى دمشق فيما لوأصرّ مدنيوا الحكم من اليمين على نيتهم في الإبعاد.

تراجع اليمين واستمر السراج مديرا للمخابرات العسكرية ليخترق بعد شهور قلائل شبكة عملاء الكولونيل هوارد ستون الملحق العسكري الأمريكي والتي ضمت أديب الشيشكلي – مهرَّبا من لبنان – وإبراهيم الحسيني وآخرين. كان ذلك في آب 57.

تلاحقت ردود عمل القوميين على المؤامرة الأمريكية المجهضة فطرد الكولونيل ستون (وردت واشنطن بطرد السفير السوري فريد زين الدين) وطرد توفيق نظام الدين من رئاسة الأركان ومعه نفر من الضباط المحسوبين مثله على اليمين ضمت أسماء مثل طالب الداغستاني ومحمود شوكت وسهيل العشي وحسن العابد وزهير الصلح وهشام السمان وشكل مجلس قيادة إئتلافي للقوات المسلحة برئاسة عفيف البزرة رئيس الأركان الجديد والمحسوب على الشيوعيين وعضوية 23 آخرين منهم خمسة بعثيين وشيوعي ثاني و17 وحدوي مستقل (كان كثر منهم محسوبين على الشيشكلي أيامه).

عند ذاك المفصل جن جنون واشنطن فمؤامراتها الانقلابية (الخالصة الولاء) فشلت والضباط المحسوبين على هواها سرحوا ويحكم البلاد – من وراء ستار مدني – مجلس عسكري يدين بالولاء لعبد الناصر في المجمل الغلاب.

ردت واشنطن بتصعيد حرب النادىية ضد سوريا متهمة إياها بالاحمرار وجيشت الحشود الهجرية مهددة بالزحف إلى العمق وصلبت من سلطان حليفها كميل شمعون (والذي كما عمل عبد العزيز آل سعود في الأربعينات وكما رافقه – أي شمعون - في العمل حسين الأردن بدأ بريطاني الارتباط ليتحول إلى أمريكي الولاء - مع بقية هوى بريطاني) ليجعل من لبنان قاعدة انطلاق للتآمر على سوريا مضافة إلى عراق نوري السعيد وأردن حسين (بعد إشهاره البيعة لواشنطن في أبريل 57 ونيله النعم منها مذ ذاك).

دخل على الخط في خريف 57 سعود الرياض بحجة الوساطة بين دمشق وجيرانها وإنقاذا لها من المخاطر المحيقة بها وهوفي الواقع يبتغي قطف ثمرتها عبر إبعاد جميع من عبد الناصر والهاشميين عنها وبتأييد أمريكي.

لم يستمع لسعود أحد - أولم يجرؤ - فخرج بخفي حنين وازداد غيظه عندما عثر قوات مظلات مصرية ترسوفي ميناء اللاذقية نصرة لسوريا ... رغم رمزية هذه المستوى قياسا لموازين القدرة.

ورغم كم النفور الشديد من الهاشميين إلا حتى عام 57 شهد تقاربا اضطراريا بين سعود الرياض وبين عبد الإله في بغداد وحسين في عمان دشنه إسناد الأول للثالث عندما قاد الإنقلاب على شريكه الوطني المنتخب – بقيادة سليمان النابلسي – في أبريل 57. جمع الخصوم مشهجر عداوتهم المذعورة لعبد الناصر وقناعتهم حتى ساحة الفصل هي دمشق.

كان عام 57 – بقدر أوبآخر – من أعوام الإرهاصات الكبرى. لكن حدثا كان بمقاييس تلك الأيام غير ذي قيمة وما لبث بعد أعوام قلائل حتى تحول إلى شأن مفصلي النتائج جرى في ذلك العام المهم ألا وهوتشكيل نواة حركة فتح.

والحاصل حتى جماعة الإخوان المسلمين كانت في أضعف حالاتها ذلك العام أي غداة فوز عبد الناصر السياسي في السويس وصعود أعطى حركة القومية العربية لذروة قياسية بقيادته.

كان فرعهم في قطاع غزة محصور الأنفاس ضمن جوالإطباق المحكم عليهم في مصر تلك الفترة. لكن زمرة من جيلهم الثاني شعرت حتى الاستمرار على حال الجمود الساكن لا بد ذاهب ببقايا الجماعة إلى الذوي خصوصا وأنهم ظنوا حتى تجربة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 56 برهنت لهم حتى الاشتباك مع إسرائيل هومنجاة الإخوان إذا شاؤوا التجدد قوة حية فاعلة تستطيع إحراج عبد الناصر في مقتل وهوالخارج من تجربة 56 بقناعة الحاجة إلى تجميد للصراع العسكري مع إسرائيل لعقد من الزمان ... لا أقل.

مضىت هذه الزمرة إلى هاني بسيسومراقب الإخوان في غزة بطلب الموافقة على تأسيس خلايا مسلحة تنطلق – بعد التأهيل – لشن عمليات إغارة على العمق الإسرائيلي المجاور ومستفيدة من تجربة الفدائيين التي رعاها عبد الناصر ما بين ربيع 55 إلى خريف 56.

حمل بسيسوالطلب إلى رموز إخوان المنافي ومنهم سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين ومصطفى العالم وكامل الشريف ويوسف ندا بتوصية عدم القبول لقناعته بعدم قدرة الجماعة في غزة على تحمل تبعات خطوة جذرية كتلك.

وافقت توصية بسيسوهوى الرموز المذكورة فشق الشباب عصا الطاعة خارجين منها بالجملة ومهاجرين عنها إلى المنفى الكويتي بغرض الابتعاد عن سطوة عبد الناصر وتحصيل مورد مالي مهم يمكنهم من التحرك لاحقا.

سرعان ما اكتشفت المخابرات البريطانية المتسيدة في الكويت تجمع هؤلاء الشباب ونياتهم ومقاصدهم وعزمت على توفير الحرية لهم في مسعاهم ليس حبا بهدفهم الاستراتيجي في الإسهام بتحرير فلسطين بل لأنهم خصوم عدوهم الاستراتيجي اللدود ... جمال عبد الناصر.

كان عام الإرهاصات 1957 في لبنان عام الاصطفاف الحاسم لقوى الداخل على إيقاع الصراع الناصري – الغربي.

دخلت "الوكالة" – عبر مدير محطتها غصن زعبي - بثقلها كله إسنادا لكميل شمعون في الانتخابات البرلمانية ذلك العام فرشت وزورت وأسقطت جميع رموز معارضة القريبين في قليل أوكثير من أجواء عبد الناصر – وسواء بالقناعة أم بالضرورة –.

فيه أيضا حسم حسين أمره وأعرب حربا لا هوادة فيها على التيار القومي في الأردن بضفتيه ومدشنا عهد التوظف المباشر في "الوكالة".

إذن ما إذا انتصف عام 57 إلا وكان سعود وحسين وشمعون وعبد الإله/نوري قد انتظموا في سلك "مبدأ أيزنهاور" المعلن فيخمسة يناير من ذاك العام مؤيدين – ولوبالتقية – من سنوسي ليبيا وعبد الله خليل/حزب الأمة في السودان وكذلك من بورقيبة تونس.

بقيت خارج الطوق مصر وسوريا فقط ... والأخيرة كانت ميدان الصراع بكل تجلياته.

تضافرت عوامل عدة وسط هذه الأجواء المستعرة لتوصيل مجلس القيادة العسكري إلى حتمية الالتحاف بعبد الناصر قولا واحدا.

وصلت الرغبة إليه في ديسمبر 57 فأوفد حافظ إسماعيل أحد أكفأ ضباطه لاستبيان الأمر واستكشاف صوابه من عدمه. لم ينتظر المجلس رد عبد الناصر فقرر منتصف يناير 58 حتى يمضى بقضه وقضيضه إليه ليحسم الأمر.

عهد آل سعود بالخبر فغاب النوم عن جفونهم وهم يتخيلون الكابوس وقد آل إلى واقع مجسد. دبت بهم الحيرة إلى حتى تفتق ذهن ملكهم سعود عن فكرة رشوة رجل سوريا القوي عبد الحميد السراج بهدف اغتيال عبد الناصر وإجهاض قيام الوحدة.

كلف الملك مستشاره للشؤون الخارجية يوسف ياسين "اللاذقي" ترتيب الأمر فقام الأخير عبر أسعد إبراهيم شقيق إحدى زوجات سعود بالاتصال بالنائب عزيز عباد للوصول عبره إلى السراج. باقي السيرة معروفة وهي التي تأتى منها حتى سعود افتضح راشيا لمنع الوحدة وشراء ذمة السراج ليكون مجهضا لها.

قامت الوحدة رغم التآمر السعودي الذي لم يكن له حتى يتم دون فهم واشنطن وضوئها الأصفر .. ورغم الجفاء السوفييتي المعبر عنه بغياب رجلهم خالد بكداش عن اجتماع البرلمان السوري لإعلان اتفاق الوحدة فيخمسة فبراير 58 وبرفض الحزب الشيوعي المصري الموحد حل نفسه والانضمام للاتحاد القومي.

قامت الوحدة لتحسم الصراع على سوريا لصالح حركة القومية العربية بقيادة جمال عبد الناصر ومدشنة هذه الحركة كإحدى أبرز القوى الصانعة للقرار العالمي ضمن كتلة عدم الانحياز الأوسع.

وما إذا مضت شهور خمس على قيام الوحدة إلا وارتاع آل سعود لنبأ سقوط ألدائهم هاشميي العراق لتقوم على أنقاضهم جمهورية يحكمها تحالف قومي–شيوعي-عراقوي.

عشية ذلك الزلزال كان حليفهم اللبناني شمعون يهزم في حرب أهلية مستعرة أمام تحالف يدين بالولاء لعبد الناصر من رموزه رشيد كرامي وصبري حمادة وكمال جنبلاط وغيرهم.

لم يبدد قلق آل سعود إلا مسارعة واشنطن إلى إنزال خمسة عشر ألفا من قوات المارينز على شواطئ بيروت إنقاذا لشمعون من الطرد المؤكد من قصر القنطاري قبل انقضاء مدته بشهور من جهة وتمهيدا لتسوية مع عبد الناصر تحرم شمعون من التجديد مدة ثانية - كما كان سعيه المحموم - وتمهد السبيل أمام فؤاد شهاب قائد الجيش رئيسا لحل وسط ينهي الحرب.

كان إنزال المظليين البريطانيين في الأردن قادمين من قبرص عبر الأجواء الإسرائيلية ذات الفترة سببا مضافا لبث الارتياح في نفوسهم وتطمينهم بأن حليفا – ولولدودا – لا زال على خاصرتهم الشمالية كيانا عازلا أمام التمدد الناصري جنوبا.

ضاعف من ارتياح آل سعود حتى أواصر التحالف القومي – الشيوعي – العراقوي في العراق سرعان ما تفككت قبل انقضاء أسابيع ستة على قيام ثورة 14 تموز (حديث ذلك في ورقة أخرى عنوانها: عبد الناصر والعراق ... بين نصف عاقل ونصف مجنون ... ثم البعث).

وحتى قبل وصول الأخبار السارة من بغداد بدءا من خريف 58 سارع آل سعود إلى انتداب ثاني كبرائهم فيصل رسولا لعبد الناصر معتذرا عن زلة كبيرهم سعود ومتبرئا من مسؤوليتها بل وواعدا بتحجيم دور سعود في خلق القرار. تم ذلك بالعمل عبر تشكيل فيصل ولي العهد للوزارة حينها.

كان ما حول اتجاه التدهور في علاقة عبد الناصر بآل سعود إلى اتجاه تصالح هوالانفراج الذي طرأ على علاقة عبد الناصر بواشنطن منذ مطلع 59.

والثابت حتى الخشية المشهجرة من النفوذ الشيوعي المتعاظم في العراق كانت القابلة القانونية لهذا الصلح الذي سرعان ما تجسد في قانون المعونة الغذائية الأمريكية لمصر وفي استقبال البعثات الجامعية المصرية التي غيرت من موسكولواشنطن حينها.

ومن تجليات هذا الصلح التكتيكي العابر كانت زيارة سعود – ذاته – للقاهرة في سبتمبر 59 – والتي استقل فيها إلى جانب عبد الناصر سيارة مكشوفة مخرت عباب شوارع القاهرة – كلفتة دالة على حتى عفوعبد الناصر عن المستغفِر سعود قد صدر. ما جرى كان في الواقع هدنة المتحاربين لا أكثر ولا أقل.

لنلحظ حتى الصلح السعودي – الناصري لم يرافقه صلح هاشمي إلا متأخرا بعام ونصف أي في مارس 61 ولم يرافقه صلح بورقيبي إلا في تموز 61 مع واقعة بنزرت.

ثم إذا عام 60 كان عام اضطراب داخل البيت المالك السعودي إذ حتى سعود مؤيدا بشباب الأمراء "الإصلاحيين" وعلى رأسهم طلال استعاد بزخم صلاحياته التي قيدت بتولي فيصل رئاسة الوزراء عبر إنطقة وزارة الأخير وتشكيله الوزارة بنفسه معينا طلال وزيرا للمالية.

عمل سعود ذلك بعد حتى استقوى بصلحه مع عبد الناصر ومبيتا النية في ذات الوقت على عمل المحال بعد استتباب الأمر له في الرياض على الانتقام لشرفه المهدور من شرفة قصر الضيافة بدمشق.

هنا ومع دخول عام 61 كانت رغبة سعود بضرب عبد الناصر في مقتل دمشقي متوافقة مع تحرق هاشمي على الخلاص من الكابوس الناصري في دمشق. لكن الأهم كان حتى وكالة المخابرات المركزية كانت قد وصلت لقناعة قاطعة مؤداها حتى وقت تحجيم عبد الناصر قد أزف فلا مساحة تأثيره العربي ولا نفوذه الأفروآسيوي ولا تمدده الأمريكي اللاتيني غدا من النوع الذي يمكن التأقلم معه، ولا استمرار الوحدة بين شمال وجنوب إسرائيل يمكن تحمله وهوالمعبأ بخطر تهديدها ذات يوم. ساعد الوكالة على عقد العزم على التحرك معهدتها حتى موسكوستكون _ لأسبابها – مرحبة بتفكيك الوحدة وعلى الأقل غير مبالية.

رتب المايستروالأمريكي أدوار عازفيه بأن أوكل لسعود الرياض تمويل مؤامرة انقلاب سوري يهدف لفصم عرى الوحدة بميزانية تصل لـ 12 مليون دولار وأوكل لحسين عمان مهمة تجنيد ضباط سوريين وإعدادهم للانقلاب.

بدأت مراحل الخطة بتنييم عبد الناصر عن الاشتباه بتآمر هاشمي عبر توجيه حسين رسالة له في رمضان/آذار 61 يطلب فيها منه الصفح والغفران عما تجاوز وبدر منه من عداوة وخصام ومعلنا حميم إعجابه به لدرجة الموالاة.

إنطلت الخديعة على عبد الناصر في قليل أوكثير خصوصا وأن تهديد عبد الكريم قاسم – خصم الجميع – باحتلال الكويت في يونيو61 وفّر سببا لبعض من تنسيق جمع سعود وحسين من جهة وعبد الناصر من جهة أخرى تجسد في إرسال قوات مشهجرة للكويت حماية لها من تهديد قاسم وبديلا عن القوات البريطانية المحتلة – في إطار الجامعة العربية وبقيادة مصرية –.

نجح الجهد المخابراتي المشهجر في تجنيد العميد فيصل سري الحسيني والمقدم حيدر الكزبري ومعهما خلوصي الكزبري وأكرم سري الحسيني وفي الطليعة منهم مأمون الكزبري. كانوا جميعا النواة الصلبة التي تجمع حولها لفيف من الضباط الدمشقيين لم يتجاوزوا السبعة وثلاثين والذين استطاعوا تغيير المشهد الجيوستراتيجي للمنطقة منذ ذلك التاريخ.

والأكيد حتى يوم 28 أيلول 1961 كان يوما مشهودا لواشنطن ولندن والرياض وعمان وأنقرة وتيبة (الأخيرتان كانتا أول من اعترف بالانفصال السوري!).

لم يكن فاصلا، إذ بقي زخم حركة القومية العربية آخذا في التصاعد حتى عام 1965، لكنه كان فارقا لجهة تحديد بوصلة القادم من أحشاء الزمان.

ورغم حتى عهد الانفصال السوري القصير الأمد لم يكفل لآل سعود فوزا مستداما – دعك عن شاملا – في إقليم الشام إلا حتى مجرد كف يد عبد الناصر عن سوريا كان مكسبا مهولا لهم خصوصا وأن تجليات لها علاقة بالداخل المصري جرت بتأثير الحدث السوري منها رشوة الملحق العسكري المصري بلبنان المقدم زغلول عبد الرحمن للفرار إلى سوريا وشن حملة شعواء على عبد الناصر ونظامه وهومن هوفي تنظيم الضباط الأحرار الذي فجر ثورة يوليو.

والثابت حتى رعاية آل سعود وآل هاشم – مجتمعين – لفاري الأخوان المسلمين من مصر كانت قد وصلت مع فترة الانفصال إلى ذرى شاهقة تولت فيها كوادر الأخوان مهاما سياسية وإعلامية وتعليمية وثقافية في خدمة الأسرتين وبالأخص في مجال حرب النادىية ضد حركة القومية العربية وبالذات ضد رمزها جمال عبد الناصر.

ارتضى الأخوان المسلمون لأنفسهم حتى يصطفوا في خندق "الآلين" مع فهمهم – الذي لا يحتاج لوافر مرشد – إذا ذلك هو– قولا واحدا – اصطفاف تحت لواء المفهم الأكبر في واشنطن.

والحاصل حتى هذا المفهم وبعد اطمئنانه على رد الخطر الناصري عن دمشق التفت للفتك بالازعاج القاسمي في بغداد.

ما كان مشَّجعا بريطانيا ما بين يوليو58 – يونيو61 وما كان محتملا – وعلى مضض – أمريكيا طيلة تلك الفترة أضحى في مرمى الهدف لكليهما عند نقطة ما في عام 61 تلاقى عليها تهديد احتلال الكويت مع صدور قانون 80 المجرد لشركات النفط الغربية من أي أراض خارج نطاقها القائم.

كلف [[|فرانك كارلوتشي|فرانك كارلوتشي]] – منسق نشاطات المخابرات المركزية بالشرق الأوسط حينها - والذي تجاوز وأن أشرف منذ شهور خلت وأثناء انتدابه لمحطة ليوبولدفيل على تصفية باتريس لومومبا – بتصفية عبد الكريم قاسم.

كانت أولى خطواته وبالتنسيق مع بهلوي طهران هي أمر مصطفى البارزاني للتحرك العسكري ضد بغداد في سبتمبر 61.

ما يهمنا في الأمر لجهة آل سعود هوأنهم مع آل الصباح وآل هاشم كانوا في نطاق الترتيب لما هوقادم والذي كان محوره حزب البعث العراقي.

ولعل اختيار التحالف مع هذا الحزب بالذات كان يخدم غرضين متداخلين: الخلاص من قاسم ومن الحزب الشيوعي العراقي وحرمان عبد الناصر من التمدد إلى بغداد وهوالذي على جفاء مضطرد مع البعث كله منذ استنطقة وزرائه من حكم الوحدة في ديسمبر 62 وبالأخص منذ الانفصال السوري.

في انتظار الخلاص من قاسم العراق تلقى آل سعود وآل هاشم ضربة موجعة في لبنان عشية اليوم الأول من عام 62.

للمرة الثالثة من تاريخه يتحرك الحزب القومي السوري وفق أجندة غربية تقاطعت مع مطامحه – أوبدت -. كانت الأولى في اغتيال المالكي بهدف إزاحة أبرز خصوم حلف بغداد السوريين. أما الثانية فكانت في اصطفافه بخندق كميل شمعون والكتائب أثناء حرب 58 الأهلية وها هي الثالثة استكمالا للانفصال السوري ومحاولة لقلب نظام ودود نحوعبد الناصر هونظام فؤاد شهاب. يعترف عبد الله سعادة رئيس الحزب في مذكراته "أوراق قومية" أنه نسق في تخطيطه للانقلاب مع السفارة الأمريكية ببيروت ثم أنه ليس خافيا مدى الانخراط الهاشمي في ترتيبات الانقلاب عبر ضابط الاتصال علي غندور.

لكن اللطمة الكبرى التي تلقاها آل سعود عام 62 كانت ثورة اليمن الجمهورية في سبتمبر من ذلك العام. ورغم حتى تفصيل مسألة حرب اليمن تم في ورقة أخرى مستقلة إلا حتى المناخ الذي ولدته الثورة مهد السبيل أمام انحسار النفوذين السعودي والهاشمي في المشرق العربي حتى أنه ما إذا دلف عام 63 حتى كانت سورية ثمرة ناضجة للسقوط من شجرة اليمين الحليف.

ثم زاد الطين بلة حتى كلا من نظامي دمشق وبغداد الجديدين عثر نفسه مضطرا أمام ضغط شارعيه – وبالأخص السوري – لخطب ود عبد الناصر بدعوى طلب وحدة ثلاثية معه.

ورغم حتى آل سعود لمقد يكونوا في حاجة لتبين ضعف مصداقية البعث "السوراقي" في السعي الجاد لوحدة مع عبد الناصر إلا حتى مجرد الكلام عن هكذا وحدة تضم الدول الرئيسية الثلاث خصوصا إذا تمكن الناصريون في أي من العراق أوسوريا أو– وهي الطامة الكبرى – في كليهما سيحول المناورة إلى حقيقة مفزعة كفيلة مع الوقت بتقصير عمر البيت المالك وفي عقره.

لم يتنفس آل سعود الصعداء إلا في 22 يوليو63 عندما أعرب عبد الناصر خروجه من اتفاق الوحدة الثلاثية هاربا من مطرقة البعث السوري وسندان البعث العراقي.

ولشهور قلائل - ورغم أنه أهون الشرين - إلا حتى شبح البعث "السوراقي" ارتسم على أفق الشمال العربي مؤرقا آل سعود ولوبدون كوابيس عبد الناصر!

ولوقفزنا لوهلة من عام 63 إلى عام 78-79 لوجدنا حتى ذات الرهاب أصاب آل سعود بارتعاد مفاصل واصطكاك أسنان حينها. هذه المرة لم يكتفوا بالتعاويذ والأدعية. بل شمروا عن ساعدهم – وبالتنسيق مع حليفهم حسين الأردن – ليذروا قرن الخلاف بين البعثيين السوري والعراقي وهما في ذروة محاولتهما – التي بدت جادة – للوحدة بين القطرين وبين جناحي الحزب المتخاصمين.

لم يكن بذارهم منثورا في أرض جرداء على جميع حال إذ حتى النفور الشديد بين أسد وصدام وخشية الأخير من استفراد الأول بأحمد حسن البكر – رئيس الوحدة المفترض – كنائب وشريك له كفل استعداد صدام لإجهاض المحاولة.

المهم في الأمر حتى "الآلين" وفرا المادة اللازمة للوقيعة عبر توصيل معلومات مبالغ بها لصدام عن تنسيق أسد مع بعض شركائه الحزبيين للخلاص منه. حينها قام باستباق ما ظنه قادم فارطا عقد التفاوض ومنحيا البكر إلى المنزل ...

عودة إلى السـياق ... اختلطت الأوراق في نوفمبر 63 عندما جنح العراق إلى معسكر عبد الناصر مع إسقاط حكم البعث فيه على يد عبد السلام عارف وضباط ناصريين.

انقبض آل سعود أكثر من ذي قبل لكن العين بصيرة واليد قصيرة فهم غاطون من الرأس وحتى أخمص القدم في حرب اليمن خصوصا بعد حتى سرعان ما اتخذت بعدا أمريكيا – بريطانيا – إسرائيليا.

ومنذ انفصال 61 وحرب النادىية السعودية – الهاشمية ضد عبد الناصر – سواء مباشرة أوعبر صحافتهما العميلة في بيروت أضراب "النهار" و"الحياة" و"النهضة" (نديم أبوإسماعيل) و"الزمان" (روبير أبيلا) – تتصاعد وفق سياق محموم اشهجر فيه بحماس مفهوم إعلاميوا الانفصال السوري أشكال نهاد الغادري بل وبعض سياسييه وعلى رأسهم أكرم الحوراني.

ولعل عودة فيصل لرئاسة الوزراء خريف 62 ليقابل تبعات حرب اليمن والتهديد الناصري لحكم الأسرة شكل المهماز الأساسي لتبني موقف التشدد من عبد الناصر بكل السبل: الإعلامي والمخابراتي والسياسي منها.

بعد حتى تكرس فيصل ملكا في نوفمبر 64 حاسما الصراع مع سعود بدأ يخطط بالتنسيق مع واشنطن لإنشاء الحلف الإسلامي معيدا كرة ما جرى عام 57 مع سلفه سعود والذي باء حينها بالفشل.

انتظر فيصل إلى ما بعد مؤتمر القمة الثالث في سبتمبر 65 بالدار البيضاء ليعلن بتدرج وحذر عن مشروعه. وسرعان ما تلقى التأييد من محمد بهلوي في طهران والحبيب بورقيبة في تونس - وهما من أشد النافرين من الإسلام - ثم من حسين الأردن - وهوالبارع في إخفاء ذات الميول – وأخيرا وليس آخرا من حزب الأمة السوداني. الرضا الصامت والخائف في آن كان من نصيب سنوسي ليبيا وصباح الكويت وحسن المغرب.

طيلة فترة الحلف الإسلامي 65-67 كان آل سعود يرقبون ما يجري في دمشق مرتاحين لصراعات البعث الداخلية الكفيلة بإبعاد صداعهم عنهم وعن حلفائهم.

ما كانوا يهتمون به بالبتر كان لي ذراع عبد الناصر الفلسطينية عبر تعويق رعايته لإنشاء منظمة التحرير كيانا سياسيا جامعا للشعب الفلسطيني ومؤطرا لحركته السياسية.

والثابت أنهم تلمسوا سبيل ذلك عبر الانفتاح التدريجي على حركة فتح وصولا إلى تبنيها حليفا تكتيكيا بعد هزيمة 67.

ما كان هذا التواصل سلسا في البداية إذ نظر فيصل لمجموعات الشباب المنضوية تحت لواء فتح كمغامرين هواة خصوصا مع اشتداد وثيق علاقتهم بالبعث السوري لدرجة حتى أضحت سورية منذ 64 قاعدتهم الرئيسية.

في فترة المخاض هذه قام ياسر عهدات المسؤول العسكري لفتح بتفجير عبوات ناسفة في خط التابلاين السعودي في الجولان السوري. ابتغى الابتزاز ولفت النظر فنال مناه.

ساهم في تليين ارتياب فيصل الأولي وساطة شيوخ الأخوان المصريين والسوريين اللاجئين لديه إذ حثوه على أعطى أسلاك التوصيل مع فتح لأنها تزخر بشباب من أصول إخوانية - وبغض النظر عن خروجهم عن عباءة الأخوان - ثم أنهم من صنف غير ودود نحوعبد الناصر إذا لم يكن نافرا بالمطلق.

واللافت حتى التمويل السعودي الذي بدأ في تلك الآونة تراكب مع دعم البعث السوري اللوجستي والسياسي رغم اتساع الأخدود الفاصل بين آل سعود وقبيلة البعث. كان القاسم المشهجر الأدنى هوالعداء لجمال عبد الناصر.

نظر فيصل إلى عمليات فتح التي بدأت مطلع 65 على أنها واحدة من أبرز سبل إحراج عبد الناصر وإظهاره نمرا من ورق مختبئا وراء البوليس الدولي المرابط على حدود سيناء وغزة مع إسرائيل.

لم يكن التشهير جديدا على آلة النادىية السعودية–الأردنية فهي مارسته بزخم طيلة عام ونصف من عمر الانفصال السوري لاعبة على أوتار خليج العقبة والبوليس الدولي بتمني حتى يجرّ عبد الناصر إلى لقاءة غير محسوبة مع إسرائيل تمضى بجيشه ومن ثم به إلى الهاوية.

والأكيد حتى واحدة من أبرز محطات التحالف الملكي ضد عبد الناصر كانت صلح الطائف بين آل سعود وآل هاشم في أغسطس 62 والذي سرعان ما خضع لاختبار النار بعدها بشهرين عندما خاضت الأسرتان حرب المرتزقة في اليمن ضد القوات المصرية هناك.

والواضح حتى نجاحات آل سعود في إقليم الشام ما قبل هزيمة 67 كانت محصورة في تحالفهم مع آل هاشم في الأردن وفي حبورهم بفخ فتح المنصوب لعبد الناصر.

ولئن كان لهزيمة 67 من أثر محقق فهوفي حمل شأن آل سعود بشكل غير مباشر لأن جيش خصمهم اللدود خذله وخذل معه شعبه وأمته في هزيمة قاصمة وغير مبررة الحجم والفداحة.

لم يكن أحد يعهد حينها حتى فيصل ضغط طيلة العامين السابقين للهزيمة ما وسعه الجهد والطاقة لتأذن واشنطن لإسرائيل بشن الحرب على مصر بهدف واحد يتيم: إسقاط نظام جمال عبد الناصر.

لقد كان من تداعيات الهزيمة فوز حلف اليمين المسيحي في لبنان بالانتخابات النيابية التي جرت ربيع 68 – شمعون والجميل وإدة – مما عنى انحسار النفوذ الناصري فيه ولوبعض الشيء.

والحري بالذكر حتى آل سعود في تنويعهم لمصادر الدعم في لبنان لم يقتصروا على الحلفاء "الموضوعيين" لجهة التبعية لنفس صاحب الوحي أي اليمين المسيحي بل سعوا باستمرار إلى محاولة خلق جيب سني حليف رغم عسرة ذلك بواقع الانجذاب السني الكامل لعبد الناصر.

كان أثمن صيد سقط في بشاكهم في فترة الستينات وما تلاها هوصائب سلام. إتخذ الرجل له مسقطا في خندق الناصرية في أعقاب حرب السويس ولم يبرحه إلا متهيبا في حدود عام 63 بسبب تفضيل عبد الناصر لخصمه الطرابلسي الشاب رشيد كرامي سند فؤاد شهاب الأوثق وهو– أي شهاب – من هومنزلة لدى عبد الناصر.

كان شهاب فاقد الود لسلام فضرب عليه حرم الاقتراب من رئاسة الحكومة بعد حتى دفعه للاستنطقة نهاية 1961.

صاحب ذلك اصطدام سلام بالسفير المصري عبد الحميد غالب والذي اشتم فيه شيئا من تلون الجلد وتبدل الولاء بعد الانفصال السوري.

مع استقواء جناح فيصل من آل سعود بدأ سلام يرمي بمجاديفه في اتجاه أشرعتهم وكان عربون الوفاق الإمداد السعودي الباذل لجمعية المقاصد الخيرية عرين سلام البيروتي.

وعملا ما إذا سقطت هزيمة 67 حتى وجدنا سلام يشكل مع تام الأسعد السياسي الشيعي المناوئ لعبد الناصر والمحسوب على آل سعود ومع سليمان فرنجية تكتل الوسط الذي يتفق مع الحلف الثلاثي في معاداة الشهابية ومن ثم الناصرية.

حققت شراكة الطرفين وزنا نيابيا مؤثرا قارب نصف مقاعد البرلمان ربيع 68 مما وفر المناخ والأداة لضربة لاحقة تحول التوازن إلى تفوق منتصر.

وضع آل سعود أموالهم في خدمة شراء طواقم متسعة من السياسيين والصحفيين كفلت لهم رقعة مضطردة التعاظم على المشهد اللبناني ساعدت في إسقاط مرشح الشهابية الياس سركيس في انتخابات الرئاسة 1970 بفارق صوت واحد وتواصلت في التمدد والتأثير لما تلا تلك اللحظة الفارقة وعبر ثلث قرن.

أيضا في الملف الفلسطيني هوفضلوا مسايرة فتح المتنامية الحجم والنفوذ والمتنوعة المشارب والولاءات كأمر واقع لا محيد عن التعامل معه بإيجابية وبانتظار غودو.

أتى غودوفي أيلول 70 عندما ضرب حليفهم الهاشمي ضربته الكبرى ملحقا هزيمة كبيرة بالمقاومة الفلسطينية تبدت مفاعيلها بجلاء مع غياب عبد الناصر عن المسرح.

إختبأ آل سعود وراء حسين الأردن في نفورهم المتعاظم من المقاومة الفلسطينية والتي فقدت قيمتها لديهم بعد حتى سقط عبد الناصر في فخ 67 ... وهي من اضطروا لمسايرته بعد 67 لصعودها الأخاذ المالئ لحيّز لا يستهان به من فراغ ولدته الهزيمة.

هذه المقاومة تحولت بعد "كرامة" آذار 68 إلى جسم عرطلي اجتذب جميع من يرفض الأمر الواقع وبالأخص فصائل اليسار على تنوعها وتكاثرها المضطرد.

مع هذا التضخم في الكم والنوع غدت المقاومة تهديدا من نوع ما لهاشميي الأردن يكفل نجاحه – إذا وقع في سياق صراع بينهما – تحول الجار الشمالي من حليف لدود إلى عدوكامن.

من هنا فلقد دعم آل سعود آل هاشم قولا وعملا في لقاءتهم الحاسمة مع المقاومة ذلك الأيلول وإن تستروا بكثير من الصمت الناطق عمل تقية.

وبعد أيلول واصل آل سعود سياسة الدعم المكتوم لعمان حتى حسمت الأخيرة الأمر في تموز 71 في عجلون.

لم يتفرق الدرب لبرهة بين "الآلين" إلا في صيف 90 غداة الدخول العراقي للكويت.

والراجح حتى استشفاف الأمر يشي باختلاف في السبل وليس في الأهداف طبع خلاف 90 وعكسما كان الحال قبلها بعقد عندما دبرا معا مسار إقناع صدام بغزوإيران والذي طال من نوفمبر 79 إلى أيلول 80 عندما وأخيرا سقط في الفخ.

كلا "الآلين" كانا يعزفان على وتر عدم السماح بنشوء - أوبقاء – قوة عراقية غلابة أوتقارب عراقي – سوري وثيق ومستدام.

فضل آل سعود مزيدا من الانتظار في سوريا بتسقط حتى الهزيمة لا بد كفيلة بإحداث شروخ داخل نظام النيو– بعث تكفل صعود جناح واقعي يمكن التعامل معه على طريق استعادة سوريا بالمطلق.

وعملا تمخض عن هزيمة أيلول الأسود تشقق النيو– بعث في سوريا إلى واقعية عسكرية الكادر وراديكالية مدنية الإطارات.

كان من نتائج فوز العسكر الواقعي تحسن العلاقات السورية مع آل سعود بشكل متدرج ولكن أكيد وصل للحظة فارقة في أكتوبر 73 مع شن مصر وسوريا للحرب على الاحتلال الإسرائيلي حينها.

مذ ذاك وحافظ أسد قد نسج علاقة أقل ما ينطق في وصفها أنها علاقة توافق شبه استراتيجي تختلط فيه المنفعة بالرؤى والمقاصد بالمصالح إلى حد - بعض مرئي - من التداخل والوثوق بل والاندخال.

قابل أسد قبيل حرب أكتوبر اضطرابات واسعة النطاق بسبب الدستور الذي أعد للاستفتاء والذي غابت عنه فقرة حتى الإسلام دين الدولة. اعتقل حينها جمع من قيادات الأخوان السوريين لبثوا في السجون إلى حتى خرجوا مع وصول فيصل إلى دمشق في يناير 75 مدشنا شراكة تجسدت في ضخ أموال البترودولار للسوق السورية لبناء شبكات من الحلفاء والأنصار من داخل بنية النظام وحتى خارجها ومفتتحة عهدا من الفساد والإفساد لم تخرج منه سوريا لعقود ثلاثة تلت.

ورغم حتى فيصل اغتيل بعد شهرين فقط من زيارته أسد في دمشق إلا حتى "السديريين" واظبوا على نفس منحى التعامل مع أسد لسنوات أربع ثم بدلوا من هذا المنحى – دون كثير صخب - خلال عام 79-80 عندما أيدوا سرا تحرك جماعة الأخوان المسلمين السورية المسلح ضد نظام أسد.

ربما تلك الفترة كانت اليتيمة التي شهدت مصطفى طلاس المعبر الأمين والفاقع الصراحة عن أفكار أسد – ينعت بالاسم فهداً بصفات الخائن والعميل وما إلى هنالك.

وإذا قُورن ذلك الافتراق بتبني آل سعود عام 76 للدخول العسكري السوري للبنان ليقوم بضبط المقاومة الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين من أهل اليسار لوجدنا عمق الأخدود الذي انتصب مع مشروح السبعينات والثمانينات.

حينها – أي عام 76 - صادق آل سعود على وساطة حسين الأردن بين واشنطن ودمشق في الربيع لتمكين الأخيرة من إرسال قواتها إلى لبنان تحت عنوان وقف الحرب الأهلية التي بلغت العام من عمرها.

كان أسد يهدف إلى تأمين لبنان حديقة خلفية لنظامه يدرأ منها وبها إمكانية تحولها إلى منصة عداء له مبتغيا إضعاف جميع القوى الفاعلة فيه فلسطينية كانت أم لبنانية لتقبل به مرجعية ناظمة لأمهات المسائل بل وصغيراتها. هذا عنى ألا تكون هناك قوة ذات استقلالية خارجة عن الفلك في الحرب كانت أم في السلام.

والبادي حتى أسد كان يريد تجميع الأوراق وليس تبديدها ومن هنا فهوتسقط حتى تنصاع المقاومة الفلسطينية حفاظا على الذات ولتوقي خسرانه وهوالحليف ... وإن كان فاتر المودة.

بل وتسقط حتىقد يكون اليسار اللبناني عاقلا ونائيا بنفسه عن مغبة الارتطام به وهوالقوة الأقوى في الإقليم.

باللقاء ناور أسد بحركة متسعة المروحة مزينا لواشنطن وحلفائها منافع دخوله اللبناني وفوائد شراكة أمريكية – سورية تشابه في فحواها – وإن تجاوزت في سبلها – الشراكة الناصرية – الأمريكية بين 1958-1970.

بلغ الوصال السعودي – السوري ذروته في أكتوبر 76 عندما استضاف فهد ولي العهد قمة محدودة هدفها تكريس سوريا وصيا على لبنان بمشاركة خليجية وبرضا مصري.

ذاك العام 76 كانت المقادير تتجاذب ساحة الشام يمنة ويسرى. هنا أنور السادات والبكر – صدام - وهما على طرفي نقيض - داعمين للمقاومة الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين في صراعهم مع أسد بينما كان "الآلين" سندا للأخير في تلك اللقاءة.

قمة الرياض تلك أوقفت الصراع العنفي ووفقت بين أسد وفهد والسادات لعام ونيف انتهى بزيارة الأخير للقدس وتفرق السبل بحليفي أكتوبر.

ولورجعنا بالبصر إلى منتصف السبعينات لرأينا كيف من الممكن أن حتى آل سعود تبنوا حزب الكتائب المسيحي اليميني في حربه المشنة على المقاومة الفلسطينية منذ أبريل 75 وهادفين إلى تقليم أظافر المقاومة في حصنها اللبناني تمهيدا للإتيان بها مضعفة منهكة إلى طاولة التفاوض على حصة متواضعة من الأرض الفلسطينية خصوصا بعدما اختطت مصر طريق التسوية المنفردة خطوة خطوة غداة حرب أكتوبر وفقدت بذلك المقاومة حليفها الرئيسي في الحرب والسلام.

في خضم الخصومة السعودية – السورية ذلك الحين جرت محاولة اغتيال السفير السعودي في لبنان علي الشاعر.

خلالها أيضا باع ياسر عهدات عبر أحد مرؤوسيه عطا الله عطا الله – أبوالزعيم – قائد معارضة المنفى الجزيرية ناصر السعيد بـخمسة مليون دولار لكمال أدهم مدير المخابرات السعودية خدمة لآل سعود في عام محنتهم الكبيرة 1979 الذي شهد عملية جهيمان العتيبي في الحرم المكي ومظاهرات القطيف الشيعية.

هذا الرجل عاش الستينات كلها إلى بداية السبعينات في كنف مصر عبد الناصـر ومنها قاد المعارضة الخارجية وساهم بتنظيمه – اتحاد شعب الجزيرة العربية - في عمليات التفجير التي حدثت في النصف الأول من 67 بالتنسيق مع المخابرات المصرية.

ثم بعد ما استخلف السادات رئيسا فر ناصر السعيد بجلده إلى بيروت لعدم ثقته به وشكه في أنه حليف سري لآل سعود وعاش في بيروت تحت حماية المقاومة الفلسطينية إلى حتى باعه عهدات ليعدم في الرياض كالعدورقم واحد لآل سعود.

لماذا قرر السديريون وعلى رأسهم فهد إسناد تحرك الأخوان المسلمين السوريين ضد نظام أسد وبالتنسيق مع حسين الأردن،يا ترى؟

أسباب ذلك عدة منها: الدعم القوي الذي ناله الخميني قبيل ثورته وبعد استلامه الحكم من أسد دمشق والعلاقة الوثيقة التي ربطت النظامين منذ نجاح الثورة .. ومنها رفض أسد القاطع لصلح كامب ديفيد المصري .. ومنها هيمنته الغلابة على لبنان والذي يريدونه وطنا قوميا ثانيا لآل سعود ومن لف لفهم .. للمسرات طالما هم في الحكم وللجوء حتى اقتلعوا منه.

مرّ عامان على التأييد السعودي – الأردني للإخوان المسلمين قبل حتى يطحنهم أسد في حرب دموية طويلة وصلت ذروتها في مسقطة حماة المأساوية.

هدأت الخصومة بعض الشيء أثناء وبعيد اجتياح لبنان الإسرائيلي لتعود ضارية – وإن مكتومة – مع الصدام السوري – الأمريكي في لبنان طيلة عام 83 بدءا بتدمير السفارة الأمريكية ببيروت في أبريل – ومقتل 11 من خيرة كوادر المخابرات المركزية وعلى رأسهم روبرت إيمز مدير قسم الشرق الأوسط فيها – مرورا بحرب الجبل في سبتمبر ووصولا إلى تدمير معسكر المارينز بمطار بيروت ومقتل 241 من عناصرهم فيه في أكتوبر.

ذات يوم من أيلول 83 اتى دمشق بندر بن سلطان السفير المعين حديثا في واشنطن والمقرب منها بلا حدود وسيطا بين العاصمتين.

والشاهد حتى تلك الوساطة كانت بحاجة إلى أفعال السحر لتنجح سيما وأن دمشق أعربت حال توقيع اتفاق 17 أيار المرعي أمريكيا (وعرابه وزير الخارجية حينها جورج شولتز) بين لبنان وإسرائيل أنها ستقاومه وتسقطه.

هي عملا قررت ونفذت إذ حشدت جميع القوى المعارضة في لبنان ضد نظام أمين الجميل الأمريكي الولاء وأطلقت ضد جيشه وحليفته الميليشيا المسيحية ميليشيات الشيعة والدروز والمعارضة الفلسطينية فألحقت بهما هزائم منكرة وصلت ذروتها في شباط 84.

صلّب من عود دمشق في لقاءتها مع واشنطن وأتباعها المحليين الدعم اللامحدود الذي أمنه يوري أندروبوف حاكم موسكوالجديد – نوفمبر 82/مارس 84 – لأسد بعد هزيمة قوات الأخير في لبنان على يد الجيش الإسرائيلي في يونيو82. المهم حتى بندر الوسيط اصطحب معه رجلا يرتدي العنطق والدشداشة دعي بالشيخ رفيق الحريري ووصف بمساعد له.

ما كان هذا "الشيخ" إلا لبنانيا من صيدا عاش شبابه في صفوف حركة القوميين العرب حيث عهدت إليه سواقة سيارة أمينها جورج حبش إذا تواجد في لبنان. هاجر للجزيرة طلبا للرزق – وهوالمتحدر من أسرة محدودة الدخل - عام 65 – وهولم يتم بعد دراسته في جامعة بيروت العربية - حيث اشتغل كمفهم ثم كمحاسب في شركة للثري الفلسطيني زين مياسي.

والبادي حتى شيئا جوهريا بامتياز وقع لرفيق الحريري في أواخر السبعينات – وبعد انفصاله بشركة له عام 77 - كفلت له صعودا صاروخيا من رجل أعمال يحبوعلى الأرض إلى ملياردير يجوب الآفاق وفي فترة قياسية.

والشائع حتى فهدا شاهد رفيق الحريري في إحدى المجالس فلفت نظره شدة الشبه بينهما مما وفر كيمياء جاهزة للتقريب والاستلطاف والاختبار والعطف والرعاية ثم التبني والاعتماد.

عام 80 اختص فهد الحريري بعطاء بناء قصر الطائف للمؤتمرات ليكون مقر مؤتمر القمة الإسلامية المنعقد في يناير 81. لم يخيب رفيق افترض فهد إذ أنجزه في فترة قياسية.

من تلك النقطة أوكل فهد للحريري مهمة الاستعداد للعب دور الممثل الشرعي لآل سعود في لبنان وبدأ تدريبه بالممارسة حالما خرج الاحتلال الإسرائيلي من بيروت العاصمة في سبتمبر 82 عندما كلف بتنظيف العاصمة مجانا وما تجاوز ذلك من تأسيس مؤسسة الحريري للتعليم ومجمع كفر فالوس الخدمي القريب من صيدا.

ما هي السيرة،يا ترى؟ يجدر هنا حتى نتتبع – خط سير تعامل آل سعود مع الحرب الأهلية اللبنانية والتي استطالت 15 عاما متواصلة عبر أطوار متنوعة ومتعاقبة.

هم في البداية ساندوا الكتائب ونسقوا مع إسناد حسين لنمور شمعون ثم غضوا الطرف عن تعامل الاثنين مع إسرائيل تسليحا وتدريبا.

لم تتوقف هذه المساندة - وإن تفاوتت في الدرجة – طيلة مدة الحرب الأهلية لكنها اقترنت في أوقات معينة مع تمويل ميليشيا وليد جنبلاط الدرزية وتنظيم كمال شاتيلا السني وبطبيعة الحال امتداد الكتائب المنشق أي "القوات اللبنانية".


على المقلب السوري ...

منذ نهاية عام 83 اصطف آل سعود - وبالأخص ولي العهد عبد الله – وراء حملت أسد في سعيه لخلافة أخيه المريض حافظ.

استعرت معركة الخلافة لشهور خمس بين حملت – عديل عبد الله – وبين حافظ الذي برئ من سقمه بعد فترة نقاهة دامت أسابيع عدة.

كان حملت قد بدأ يجمع أوراق القوة لحسابه فقط منذ مسقطة حماة، وربما كان تيقن حافظ من ذلك هوما قاده لطرد ياسر عهدات من دمشق في يونيو83 بعدما اكتشف تنسيق الأخير مع الأول مراهنا عليه بديلا عن خصمه اللدود.

حسم حافظ المعركة في مارس 84 ثم أكمل الدائرة المطبقة على حملت بطرده إلى موسكوفي مايو.

سمح له بعدها بالعودة مصحوبا من فرنسوا ميتران الرئيس الفرنسي عند زيارته دمشق في نوفمبر 84 ثم أمر بمغادرتها في ربيع 85 ليعيش في باريس سنوات سبع قبل حتى يعود ثانية في تموز 92 عند وفاة والدته وليخرج للمرة الأخيرة عام 97 قبل حتى ينطق من نيابة الرئاسة في فبراير 98 (وهوالذي عين فيها في مارس 84 كترفيع رمزي) ثم تصفى جميع آثاره في أكتوبر 99.

مع هزيمة الأخوان عام 82 ثم حملت عام 84 استوعب آل سعود حتى التعايش مع حافظ أسد هوالسبيل الوحيد المتاح خصوصا وأوراقه الإقليمية لا تسمح بتجاهلها وهوالمتحالف مع إيران والقوي في لبنان والنافذ في المقاومة الفلسطينية والراعي للأكراد في العراق وفي هجريا.

لكن التعايش لا يعني وقف الصراع وبوتائر مختلفة وإنما خفض سقفه لكي لا يتحول إلى صدام مفتوح.

لم ينس فهد ما عمل به حافظ أسد في ديسمبر 81 عندما أراد الأول التقدم بمبادرة مرعية أمريكيا لحل الصراع العربي الإسرائيلي تضمن الاعتراف بقرار 242 وشرعية وجود إسرائيل وحل ما لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء حالة الحرب. حينها قاطع أسد المؤتمر فانهار عشية موعد انعقاده وتفرقت الدروب بالعشاق.

كانت هذه المبادرة بموافقة ياسر عهدات الهادف إلى تعزيز وقف إطلاق النار الذي عقده بالواسطة مع مناحيم بيغن في يوليو81 واستباق ما يشتم من غزوإسرائيلي للجنوب اللبناني غداة الانسحاب من سيناء في أبريل 82.

لم يعق ما نع قرار واشنطن – تل أبيب بتصفية وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان. والراجح حتى آل سعود كانوا في الجوتحت بند حتى الغزوسيقتصر على تام الجنوب اللبناني وسيضمن خروجا مشرفا للمقاومة تحت إشراف دولي.

ولعل تذكر القاعدة التقليدية الناظمة ومفادها حتى آل سعود يعملون ما تطلبه منهم واشنطن بلا اعتراض جاد، وإذا كان لتململ حتى يحدث فهوضمن هامش التمني والمونة .. لعل هذا التذكر يفيد في استكناه سلوك الأسرة خلال الشهور الثلاث لحصار بيروت.

لقد هجروا الأمر يأخذ مداه لأسابيع ثلاث ثم لما وجدوا حتى مسألة حصار بيروت ستطول استبد بهم القلق وأحسوا حتى ألكسندر هيج وزير الخارجية الأمريكية خدعهم عندما أقنعهم بأن خط نهر الأولى هومدى الاجتياح الأقصى.

عندها اشتكوا بمرارة لريغان الذي استجاب بإزالة هيغ وهوالذي كان يحمل له غلا مكنونا بسبب هفوته الشهيرة يوم محاولة اغتيال ريغان في آذار السابق معلنا نفسه أنه الثاني في القيادة.

أوفدوا رجلهم المجرب صائب سلام مطلع تموز ليقنع عهدات بالخروج وعندما لم يقتنع بالشروط المذلة المطروحة حينها عادوا لهجر الحبل على الغارب.

ثم ووفق إيماءة أمريكية استقبلوا بشير الجميل في جدة ليباركوه رئيسا مقبلا في نهاية تموز.

فقط عندما دكت بيروت دكا بالطيران يوم 12 آب تحرك فهد لأن شدة وكثافة القصف وفداحة الخسائر في المدنيين أقلقته لجهة تسببها في تحريك الرأي العام العربي ضد أنظمته الخائفة. عندها أكرمهم ريغان بالموافقة على وقف إطلاق النار خصوصا وأن الخروج الفلسطيني كان في مراحل الإعداد الأخيرة.

أمل آل سعود حتى خروج المقاومة إلى المنافي البعيدة في اليمن والعراق والسودان وليبيا وتونس والجزائر سيكفل ارتخاء قبضتها على المشهد السياسي العربي العام وبالتالي تحللهم من قيود مشايعتها أومسايرتها.

هم سعدوا بتولي بشير الجميل - سميهم في الارتباط بواشنطن - رئاسة لبنان مؤملين حتى ذلك يوفر لهم جزئيا مربط خيل للسراء والضراء.

صدموا حينما عاجل حبيب الشرتوني بشير بالقتل التفجيري بغض النظر عمن هوالآمر: أصلاح خلف كان أم حافظ أسد.

هم استعادوا بعضا من أمل في خلافة أخيه أمين له. لكن قرار حافظ أسد في ربيع 83 بإسقاط 17 أيار كان لهم بالمرصاد.

وكما المعتاد نفذ آل سعود لواشنطن مهاما خاصة ما كانت تفضل الانخراط المباشر بإنجازها لئلا تحسب عليها بالمطلق لجهة التبعات: واحدة منها كانت محاولة اغتيال الشيخ محمد حسين فضل الله في مارس 85 بالتنسيق مع سيمون قسيس مدير المخابرات العسكرية اللبنانية .. وأخرى كانت لعب دور التوسط لبيع صواريخ أمريكية مضادة للدبابات/تاوإيران لقاء إفراجها عن رهائن أمريكيين اختطفهم رجالها في لبنان.

مرت أعوام 85 و86 و87 دون كثير اشتباك بين أسد وآل سعود إلى حتى حلّ موعد انعقاد قمة عمان في نوفمبر 87.

في هذا المؤتمر كان هناك رجلان منبوذان من غالبية القمة هما حافظ أسد وياسر عهدات وكل لأسبابه:

  • الأول لتأييده إيران في حربها مع العراق فكان حتى استقوت الغالبية بصدور قرار مجلس الأمن في تموز 87 الخاص بوقف الحرب العراقية – الإيرانية وما عناه من اقتراب نهايتها دون نصر إيراني معزِّز لدور الحليف سوريا الإقليمي.
  • والثاني لأن الغالبية كانت تفضل نسيان فلسطين أوتناسيها كرمى لعيون واشنطن خصوصا وأن عهدات كان لا زال يعاند رافضا قبول قرار 242 قبولا غير مشروط.

لم يمر شهر على قمة عمان – والتي كانت قمة حلفاء واشنطن بامتياز – إلا ومادت أرض الضفة والقطاع بانتفاضة عارمة تصاحب معها انبثاق حركة حماس إلى الوجود.

لم تكن حماس إلا الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين والذي أمضى عشرين عاما ونيف من عمر الاحتلال الإسرائيلي وهوناء بنفسه عن الانخراط في معمعة المقاومة تاركا ساحتها للفهمانيين من فتح وغيرها ومفضلا الهجريز على بناء الخلايا واجتذاب الجمهور بطرائق مجتمعية وخدمية وتعليمية وخيرية.

احتمل الإخوان تعيير الفهمانيين لهم طيلة العقدين المنصرمين غير آبهين بتهم التمكين الإسرائيلي المطلقة في وجوههم ومنكبين على عملهم التنظيمي بكفاءة والتزام. مع نهاية 87 كانوا قد وصلوا إلى قناعة حتى الأوان قد آن للقفز إلى ساحة المقاومة وإلا ضاع جميع ما بنوه سدى فالمزاج العام للجمهور محبذ للاشتباك مع المحتل ولوبالحجر ثم إذا حركة الجهاد الإسلامي – وكوادرها القيادية من منشقي الأخوان الذين سئموا جمودها "الوطني" وانبهروا بالمثال الخميني – أضحت تشكل تحديا من جنسهم. لذا كله ولدت حماس.

ماذا كان رد عمل آل سـعود وربعهم من مشايخ الخليج،يا ترى؟ كان مـن الطبيعي - وتواصلا مع حلفهم المديد مع التنظيم الدولي للأخوان المسلمين - حتى يحتضنوا حماس ففي ذلك منافع شتى منها تقليم أظافر منظمة التحرير – وعمودها الفقري فتح – وهي التي حققت عبر السنوات الطوال استقلالية ما عن الرسمية العربية أمنت لها هامشا من المناورة - رغم ضيقه - لم يلغه الخروج الكبير من بيروت .. ومنها تحييد الجيب اليساري الكبير في المنظمة سواء منه من في داخل فتح أم خارجها .. ومنها تعويد حماس على الدعم لدرجة الاتكال كما حصل مع سالفتها فتح .. ومنها مواءمة تيار كبير – وإن غير مهيمن – في الساحة الفلسطينية يؤمن قاعدة ارتكاز فيها مهمة.

وصل دعم حماس إلى ذرى شاهقة مع خروج ياسر عهدات القاطع على آل سعود في آب 90 وتقدمه بمشروع حل عربي شبيه بحل عبد الناصر في آب 61 يكفل انسحاب العراق وحلول قوات سلام عربية محل قواته فيها مع حل المشاكل العالقة بين البلدين والتي وفرت فتيل الصدام.

ما كان عهدات في هذا الموقف إلا متسقا مع نفسه ومع شعور جل شعبه في الداخل والمنافي.

نُبذ الرجل أيما نبذ وضرب عليه الحرم وطالب أهل الحل والعقد من ميامين الخليج بعزله وعقابه.

كانوا يعهدون حتى أملهم هوثامن المحالات لكنهم مضوا في سياسة العزل وزاوجوها بتعظيم الدعم لحماس.

وحتى عندما شنّ عهدات هجومه الأوسلوي في خريف 93 والذي فتح له أبواب واشنطن على مصاريعها، واصل آل سعود سياسة النأي عنه- وإن بوتيرة أخف- رغم دعمهم الكامل لكل اتفاق مع إسرائيل طالما كان بطلب واشنطن ورعايتها. وطيلة السنوات السبع العجاف من التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي اتخذ آل سعود موقف انتظر وراقب تاركين المسألة بعهدة السيد الكبير ومقاوله من الباطن نظام حسني مبارك.

في 11 تموز 2000 افترض كلينتون حتى سنوات سبع من عصر الليمونة العهداتية كفيلة بإيصال صاحبها للتسليم بالمطلوب لجهة الحل "الدائم" للقضية الفلسطينية.

فاجأ عهدات داعيه برفض الانصياع لتصوراته للحل وتشبثه بالقدس الشرقية (مع تنازله عن حائط المبكى والحي اليهودي) وبحق العودة وبحدود 67 (مع تبادلات حدودية طفيفة) وبإزالة الاستيطان (إلا ما يقع ضمن هذه التبادلات).

استعان كلينتون بآل سعود لإقناع عهدات فعملوا وأصرّ ثم فاجأ الجميع برعايته لانتفاضة ثانية برز فيها دور السلاح وسببت ارتجاجات شارعية في عديد من العواصم العربية لم تهدئ من مفاعليها إلا صدمة 11 سبتمبر 2001.

بقراره إشعال انتفاضة مسلحة أحرج عهدات الرسمية العربية وعرى عجزها.

قابلته هي – وباغتنام صدمة 11 أيلول – بالنكران والإهمال والنأي تاركة إياه لمقاديره حتى ضرب عليه الحصار في ثلاثة ديسمبر 2001 ومذ ذاك وحتى تسميمه القاتل في نوفمبر 2004.

إن تسببت صدمة 11 أيلول في شيء لآل سعود فهوفي انتنطقهم الرضّي من حالة شبه تبعية إلى طور شبه عبودية.

وفق وجه من وجوه هذه الحالة طلب منهم التقدم بمبادرة سلامية لها قصد واحد وهوتذويب حق العودة ... وهذا ما كان في أواخر مارس 2002 عندما أعربها الأمير عبد الله في قمة بيروت.

لم يستطع آل سعود ولا غيرهم إقناع فتح ولا حماس بوقف الانتفاضة المسلحة منذ أكتوبر 2000 وحتى يونيو2003. بعدها تكاثفت الضغوط حتى كفلت تهدئة متدرجة وصلت لحالة الهدنة الأحادية الجانب بعد مقتل عهدات.


عودة إلى المقلب اللبناني ...

في آب 88 توقفت الحرب العراقية – الإيرانية وليتحول هم بغداد إلى تسوية الحساب مع دمشق عقابا على اصطفافها مع طهران خلال سنوات الحرب الثمانية. ولج العراقيون من بوابة المارونية السياسية في لبنان وهي التي حملت السلاح لأعوام عشرة – حتى حينها – ضد الوجود السوري في لبنان.

في دخولهم الخط لم يدعوا الانقسام العمودي ولج المارونية السياسية بين جيش ميشيل عون وقوات سمير جعجع يثينهم عن إسناد كليهما بالسلاح والذخيرة لدرجة التفكير في صواريخ غراد/أرض أرض سبيلا لاستنزاف الجيش السوري على مداه.

ترافق الجهد العراقي الميداني في لبنان مع جهد خليجي - محوره سعودي - برز إلى السطح في ربيع 89 وفحواه ترتيب إخراج الجيش السوري من لبنان سياسيا وتدريجيا.

كانت البداية بتشكيل لجنة ثلاثية منبثقة عن الجامعة العربية برئاسة الكويت ما لبثت حتى تحولت إلى ثانية تضم السعودية والجزائر والمغرب كان منسقها الأخضر الإبراهيمي صديق آل سعود البار.

قدمت اللجنة تقريرها إلى قمة الدار البيضاء في مايو89 وفيها توصية الانسحاب التدريجي للقوات السورية من لبنان خلال عامين مما أثار غضب صدام-المتعجل- والذي انسحب خارجا من القمة بعد مشاجرة عنيفة مع حافظ أسد تميزت بحدة التعابير وبذاءة الشتائم.

واللافت حتى صدام كان يسلح عون وجعجع بينما آل سعود يمولانهما لا بل يمولان أيضا أخصام المقلب الآخر كوليد جنبلاط ونبيه بري.

خاض السوريون - عبر حليفهم المحلي وليد جنبلاط - معركة ضارية ضد جيش عون في سوق الغرب في سبتمبر 89 انتهت بهزيمة الأخير التكتيكية في ذلك المسقط ومقلصة آمال صدام في الارتكان عليه كبيدق هجوم.

عجّ النصف الثاني من عام 89 بنشاط سعودي محموم لتأمين اتفاق أمريكي – سوري حول شراكة جديدة وصية على لبنان.

ما حفز آل سعود – منذ أواخر الربيع – في الذهاب بهذا الاتجاه هوالارتياب المتزايد من خروج صدام من حربه مع إيران أقوى مما تسقطوا بكثير لجهة الملكات القتالية والعسكرية وأضعف بكثير - وكما تسقطوا - لجهة الامكانيات المالية والنقدية وبالتالي فهويمكن حتى يفكر في ابتزازهم للتخفيف عنه ماليا واقتصاديا.

نادىهم هذا الارتياب إلى التحمس لمناورات أمريكية افتراضية تعتبر العراق العدوالرئيسي في الخليج. ونادىهم أيضا إلى تصليب حافظ أسد بعض الشيء ليكون واحدا من أبرز أدوات الردع لصدام في الإقليم ومن هنا ضرورة إراحته في لبنان وإيقاف مناوشته فيه.

عند هذا المفصل يضحي الهجريز على رفيق الحريري موقوتا.

يمكن تحقيب حياة الرجل السياسية على النحوالتالي:

1 – فترة الإعداد: (أغسطس 82 – نوفمبر 85)

فيها كلف الحريري من الجناح السديري المهيمن على منطقيد حكم آل سعود بأن يتأهب لدور الممثل الشرعي والوحيد لآل سعود في إقليم الشام وعلى الأقل في لبنان. في جزئية من هذا الدور هوقابلة عمليانية لاستثمارات السديريين، لكن اللب والأساس هوفي التهيؤ ليصبح رياض صلح حديث ولكن – هذه المرة – على أساس توافق سعودي – سوري. من هذا المنطلق كان عليه تحشيد الأوراق وتجهيز المسارب.

ما الذي عمله الحريري في تلك الفترة البدئية؟:

هوأولا حمل ستارة المسرح عن مشهد العمل الخيّر المنسوب له بقيام شركته السعودية – الفرنسية أوجيه بتنظيف بيروت وصيدا من ركام الأنقاض والنفايات حال انسحاب القوات الفلسطينية والسورية وبعدها الإسرائيلية نهايات صيف 82.

هوثانيا أطلق للعنان مؤسسة الحريري تزود طلاب لبنان – من جميع الطوائف والمذاهب – بمنح دراسية في الخارج شريطة العمل في مؤسسات الحريري لاحقا.

مؤسسة الحريري هذه كانت قائمة قبل غزو82 لكن نشاطها كان محصورا في نطاق مدينة مسقط الرأس صيدا حيث بدايات الطموح.

الآن توسع المشروع ليمتد على نطاق لبنان كله وبهدف إنشاء "ميليشيا ثقافية" تمحض ولاءها للحريري – ومن خلفه آل سعود – وتكون جيش الاحتياط الكوادري الجاهز للعمل حين يتم الاستيلاء على جهاز الدولة.

والشاهد حتى هذه الميليشيا الفريدة كانت – ولا زالت – أذكى عملية شراء للولاء المجتمعي اخترقت نسج المجتمع اللبناني وبالأخص منه الشريحة السنية وتصاحبت مع نشاطات الإحسان والدعم الخيري والغذائي والمدرسي وخلافه.

هوثالثا وسع نطاق رشوة جميع المليشيات اللبنانية على تناقضها وعداواتها وضم ذلك الجيش اللبناني بكل تشكيلاته وتناسخاته.

هورابعا حرص على ألاقد يكون الإنفاق المهول على جميع هذه الأنشطة مقتطعا من رأس المال بل من عائد محلي فاشتغل على إسقاط الليرة اللبنانية بالمضاربة عليها لصالح الدولار عبر بنكيه البحر المتوسط والشرق مما أمن له وفورات كبيرة عادت وصبت في قنوات المبتاعين.

هوخامسا تلمس طريقة لشراء حصص مهمة من مؤسسات إعلامية وازنة وبالأخص دار النهار .. وللجلوس على مجالس إدارة مؤسسات تعليمية ضخمة وبالأخص الجامعة الأمريكية.

ظن الحريري مع خريف 85 حتى تحضيراته قد أينعت وحان قطاف ثمارها عبر جمع زعماء الميليشيات المارونية والدرزية والشيعية – بينما هوالممثل المستتر للسنة – تحت لواء دمشق في صيغة الاتفاق الثلاثي في ديسمبر 85.

حينها لم تكن واشنطن جاهزة لدعم الاتفاق على الآخر بينما دمشق خارج السرب في حرب الخليج الأولى وداعمة لجبهة الرفض الفلسطينية ومخاصمة لمصر كامب ديفيد.

من هنا شقت المارونية السياسية ممثلة بسمير جعجع – الذي أطاح بإيلي حبيقة من قيادة القوات اللبنانية – وأمين الجميل رئيس الجمهورية الكتائبي وميشيل عون قائد الجيش – الذي تجاوز وقاتل السوريين وحلفائهم في سوق الغرب في سبتمبر 83 - .. شقت عصا الطاعة على الاتفاق وراعيته دمشق ورفضت المضي به ومعه حلا لأزمة الحرب الأهلية.

2 – فترة النكسة وإعادة التجهيز (يناير 86 – أكتوبر 89)

إفتتاحيتها كانت ما سلف من انهيار للاتفاق الثلاثي ونوتتها أضحت مواصلة أعطى أنابيب الوصال والاتصال مع الفرقاء اللبنانيين وبذل المزيد من جهود الوساطة بين واشنطن ودمشق للتوصل لاتفاق شراكة لبناني أصلب وأمضى.

عرض الحريري خلال تلك الفترة رشوة بـ 50 مليون دولار لأمين الجميل حتى يستقيل من منصبه قبل انقضاء مدته وإرضاء لحافظ أسد الذي شخصه مسؤولا عن انهيار الاتفاق الثلاثي ومحرضا لجعجع وعون على التمرد عليه في الميدان.

لم يضع الحريري وقتا خلال مدة إعادة التنظيم فقام بعملية شراء واسعة للعقارات والأراضي في جميع لبنان باسمه واسم رعاته من سديرييي السعود.

فيها أيضا نسج أفضل العلائق مع جاك شيراك رئيس بلدية باريس والمتأهب للعودة رئيسا للوزراء على طريق تحقيق حلمه برئاسة الجمهورية. أيضا هنا هولم يكن يمثل نفسه ولا ربعه في لبنان بل سديرييي آل سعود برمتهم وإن بطريقة مواربة.

في تلك الفترة وبالتدقيق عام 87 اقترب كثيرا من طواقم العمل الخفي في الولايات المتحدة زائرا واشنطن مرات عديدة ومختليا ببعض مسؤولي هذا العمل المختصين بالشرق الأوسط خلوات طويلة ودالة.

حينها كانت إبريل غلاسبي مسؤولة مخط الشام في الخارجية الأمريكية مكوكية الحركة بين بيروت ودمشق لرعاية اتفاق ماروني – سوري يفض الحرب الأهلية. والراجح حتى الحريري كان ينصح بعدم جدوى هكذا محاولة طالما بقي أمين الجميل رئيسا ذلك حتى أسد حسم أمره معه وهوالذي طعنه من الخلف والأمام بإسقاط الاتفاق الثلاثي.

وعملا وصل الجميل إلى آخر يوم من عهده وحالة اللاإتفاق بين سوريا والمسيحيين قائمة بل وأدت إلى فراغ في السلطة تولد منه ازدواج لها عبر قيام حكومتين واحدة مسيحية برئاسة ميشيل عون قائد الجيش وواحدة مسلمة برئاسة سليم الحص رئيس الوزراء بالنيابة (بعد اغتيال رشيد كرامي رئيس الوزراء في يونيو87).

حينها سادت مقولة اتفاق واشنطن ودمشق عبر تفاهم ريتشارد مورفي المبعوث الأمريكي مع حافظ أسد في سبتمبر 88 للإتيان بميخائيل الضاهر رئيس تسوية ليخلف الجميل.

من يدقق في المسائل يخرج باستنتاج حتى واشنطن حينها لم تكن جادة في الوصول لتسوية سقمية لسوريا وإلا لكانت ألزمت المسيحيين بقبولها مهما اعترضوا وحاججوا.

كان ذلك غداة انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية ودور دمشق فيها ما كان، ولم يكن بالتالي من مانع أمام مزيد من التمرد عليها في لبنان لإضعافها أكثر وشغلها عما كان يرتب على المقلب الفلسطيني من قبول لقرار 242 واعتراف أمريكي بمنظمة التحرير.

تلك الفترة 86 – 89 شهدت استعار الحرب الفلسطينية – السورية بالواسطة. بدأ ذلك نهاية ربيع 85 عندما كلف حافظ أسد موثوقه نبيه بري زعيم ميليشيا أمل الشيعية حصار المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب ومحاولة اقتحامها بهدف طرد ميليشيا فتح الموالية لياسر عهدات منها.

ارتكبت في الحصار ومحاولات الاقتحام جرائم حرب من الطراز الأول لا زالت وستبقى في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني شاهدا ونذيرا.

استمرت هذه الحرب المشينة سنوات ثلاث بلا توقف أعقبتها حرب أخرى كلف فيها أسد بري شنها على حزب الله الحليف المحلي لإيران الخميني.

طالت هذه الحرب الدامية عامين كاملين وانتهت بهزيمة أمل وتوصل إيران وسوريا إلى تسوية مُرضية في لبنان تجعل حزب الله حليف الاثنين وفق تقسيم عمل يفي بالغرض.

ولعل الذاكرة الشيعية تحتفظ بذكرى دامية حين قرر غازي كنعان مدير المخابرات العسكرية السورية بلبنان تدفيع حزب الله ثمنا باهظا بالدم حال عودة القوات السورية لبيروت في شباط 87 حين أعدم عشرات من كوادر الحزب في ثكنة فتح الله بدم بارد.

إذن فترة النكسة وإعادة التجهيز كانت لرفيق الحريري حافلة بالأعاصير والأنواء خصوصا وأن عام 89 شهد شن ميشيل عون "لحرب تحرير" ضد سوريا مشجعا من فرنسا وغير مؤيد من الولايات المتحدة ومسلحا من صدام.

ومع خريف 89 وصل صدام في تسليحه لعون لحدود بدت مهددة لتوازن القوى مما أدى إلى اعتراض بحري لسفينة تحمل صواريخ جراد له.

كان هذا الحدث الخميرة الأخيرة الميسرة لتفاعل أمريكي – سوري بمساعي قابلة آل سعود القانونية.

كانت القابلة رفيق الحريري الذي جلب مجلس النواب اللبناني للطائف دافعا لكل عضوما اعتبره منصفا لقيمته وحافزا لتجاوبه مع صيغة التسوية التي تتناسب مع اسم المدينة المضيفة ومع طبيعة النظام اللبناني السرمدية. في نوفمبر أشهر الاتفاق ونال تأييد جميع الفرقاء باستثناء ميشيل عون وحزب الله.

تجاوز آل سعود هوامش الاتفاق باستنسابهم رينيه معوض رئيسا للجمهورية – وهوالخالص الولاء لهم والمحبَّذ الأول لدى ممثلهم الحريري – رغم تفضيل حافظ أسد لجان عبيد رئيسا وهوذوالجذور البعثية.

والشاهد ان فسحة الافتراق السعودي – السوري عند ذاك المفصل اتسعت لتضيق في التوولكن بثمن تصفية معوض وإخراجه من المعادلة خصوصا وأنه – وبتشجيع من آل سعود – كان عازما على وضع مسافة مرئية فاصلة بينه وبين دمشق.

فهّم السعوديون الدرس وهم الذين كانوا قد تلقنوا تفهم تصفية مفتي السنة حسن خالد قبلها بشهور ستة عندما هم بلقاء ميشيل عون مشجعا منهم وبأمل بناء تحالف سني – ماروني تحت رعايتهم يجعل من لبنان واحة سعودية متحررة من الإسار السوري.

والغريب حتى حسن خالد بالذات كان رأس الحربة في معركة عبد الناصر ضد الحلف الإسلامي المقود من آل سعود عندما خاض تحت إعلامه معركة الافتاء في مارس 67 ضد مرشح الآل شفيق يموت وفاز عليه بالضربة القاضية.

بعد ما ينوف عن عقدين تحول حسن خالد من ناصري إلى سعودي وليدفع حياته ثمنا لاعتباره عدوا استراتيجيا يُخرج سنة لبنان من الفلك السوري إلى العباءة السعودية.


3 – فترة التمكين والتأهب (نوفمبر 89 – أكتوبر 92)

فيها جمّع الحريري أوراقه استعدادا ليوم مشهود يثب فيه إلى السلطة شريكا رئيسا ومهيمنا.

ما الذي عمله مضافا إلى ما كان قد عمله ومازال يعمله،يا ترى؟

الشيء الأخطر والأهم الذي انكب على الشغل عليه بحذاقة وإتقان كان اختراق جسد النظام السوري لتكوين جيب كبير فيه يتنامى مع الوقت، لحمته وسداه المصالح والمنافع المتبادلة، وليضحي ذات يوم رافعة تطويع النظام وطيه تحت العباءة السعودية ومن ثم الأمريكية – بالكامل.

كان نصب أعين آل سعود حتى حافظ أسد عليل القلب وبالتالي فالجهوزية يجب حتى تكون تامة للحظة آتية يغيب فيها عن المسرح وتكون لحظة التمكين لهذا الجيب.

كان الهجريز على الفريق الممسك بالملف اللبناني والمؤلف من نائب الرئيس عبد الحليم خدام ورئيس الأركان حكمت الشهابي ومدير المخابرات في لبنان غازي كنعان.

مع نهاية الثمانينات كان محمد الخولي قد تفرغ للقوات الجوية قائدا لها وكان مجايلاه في الملف ناجي جميل وعلي المدني قد خرجا من فريق الملف قبلها بعقد من الزمن.

أما علي دوبا فهوكان على صلة بالملف ولكن غير مباشرة أي عن طريق غازي كنعان مرؤوسه في لبنان.

والجلي حتى الاستثمار في ثلاثي خدام – الشهابي – كنعان أتى بمردود فاق كلفته بمرات رغم عظمها.

يثور هنا السؤال: هل كان حافظ أسد لاه عما يجري من اختراق وهوالذي كان شديد التنبه لسالفه من اختراق عام 83-84 عندما سحق بدهاء وتؤدة تمرد أخيه حملت المسنود سعوديا ومغربيا،يا ترى؟

أغلب الظن حتى ثقته بفريقه الأمني – العسكري في الداخل وفرت له هامشا واسعا من الأمان يسمح بقبول صلات أوثق من المعتاد بين حفنة من معاونيه ونظام إقليمي آخر خصوصا وأن التوافق السعودي – السوري بعد طائف 89 يحتاج إلى عهدة زمرة موثوقة من الطرفين وأن انتسبت إلى إحداهما.

والثابت حتى هذا التوافق تلقى جرعة منعشة كبيرة عندما انضم حافظ أسد لتحالف حفر الباطن الأمريكي بعد اجتياح صدام للكويت في أغسطس 90.

كانت سنوات 1990 – 1998 هي سنوات الوفاق السعودي – السوري المثلى والتي شهدت تسليم واشنطن لدمشق بحصة أوفى من معادلة التفاهم السوري – الأمريكي في لبنان تجلت في السماح بتصفية آخر معاقل ميشيل عون الممانعة وإخراجه لاجئا إلى السفارة الفرنسية ومن ثم مبعدا إلى باريس.

4 – فترة الحكم ومحاولة الهيمنة (أكتوبر 92 – أكتوبر 98 ثم أكتوبر 2000 – أكتوبر 2004)

وصل حافظ أسد مع صيف 92 للقناعة بأن حمل لبنان الاقتصادي أمر يفوق طاقة سوريا وهي التي ينوء كاهلها بأثنطق وضعها ذاته خصوصا وأن إعادة إعمار لبنان مهمة شديدة العسرة وعالية الكلفة سيما وأن نذر اضطراب اجتماعي شديد بدت للعيان في مايو92 عندما خرجت المظاهرات الغاضبة على سوء الأحوال المعيشية لتسقط وزارة عمر كرامي.

لم يكن رفيق الحريري بعيدا عن مسؤولية هذه الاضطرابات ولم يكن حافظ أسد غير سعيد بأن يتحمل الحريري بالذات مسؤولية إخراج الاقتصاد اللبناني من وهدته الطويلة لئلا تتحمل سوريا وزر أي فشل في هذا المضمار بل بذلك تستطيع عند الحاجة حتى تلقي بالمسؤولية على كاهليه وهوالمتحرق للصعود إلى القمة.

كان هناك أيضا عامل إراحة سديرييي سعود وحفزهم على تأييد توجهاته الإقليمية وبالذات في مسألة التفاوض مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد.

ومن البدهي حتى ثلاثي الملف كان قلبا ونطقبا وراء تزكية الحريري رئيسا للحكومة ليس فقط من منطلق رؤاهم الإقليمية - وهم المتساوقون مع الحقبة السعودية - وإنما وبنفس الأهمية مع مصالحهم الخاصة المرتبطة بالحريري عضويا.

زاوج حافظ أسد بين تسليمه بانتقاء الحريري وبين تكليفه لابنه الأكبر وخليفته الموعود باسل بتولي الملف اللبناني بالتدريج وحتىقد يكون رقيبا حسيبا على الحريري وعلى ثلاثي الملف في آن.

سرعان ما كون باسل فريقه اللبناني الخاص به وعماديه سليمان فرنجية الحفيد وطلال أوفدان إضافة للحزب القومي السوري بشرائحه المتنوعة وحزب الله وحركة أمل وحزب البعث وأنفق عام 93 على تدعيمهم ورفدهم بأسباب القوة.

لكن غيابه في يناير 94 أعاد للثلاثي زخمه ومدهم بعوامل الغلبة من جديد.

كانت أجندة الحريري تتلخص في رهانه على حتى السلام في الشرق الأوسط آت وقريبا ولابد بالتالي من إعداد لبنان ليكون في طليعة المستفيدين إذا كان لجهة الودائع أوالاستثمارات أوالسياحة وخلافه. عنى ذلك له ليس فقط إعادة بناء البنية التحتية للبلد بل تحويله – وعاصمته بالتحديد – إلى مركز جذب فائق المستوى لا يقل عن سنغافورة أوكوالالامبور.

في سعيه لتسييد مفهومه البرامجي وصل الأمر بالحريري إلى إصدار الأمر لقوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين يوم 13 سبتمبر 93 – يوم توقيع اتفاق أوسلو– مع الفهم حتى جل المتظاهرين من أنصار حزب الله.

حدث ذلك على خلفية محاولة الحريري في يوليو93 نشر الجيش اللبناني في الجنوب وصولا للحدود أثر العملية الإسرائيلية الكبيرة – الحساب – ضد معاقل حزب الله في الجنوب.

طبّق الحريري الشهابي لإنفاذ الأمر لكن توجس أميل لحود قائد الجيش اللبناني من القرار قاده إلى تبليغ حافظ أسد بنفسه فقام أسد بنهي الجماعة عن المضي فيه مبلغا جميع من يهمه الأمر حتى الجنوب هوساحة المقاومة حدها لا غير وحتى إشعار آخر لن يأتي قبل جلاء الإسرائيليين.

إنهمك الحريري طيلة التسعينات في عملية إعمار ضخمة لوسط بيروت ضمت ابتياع العقارات بأثمان تخمينية شبه زهيدة وتسببت في تراكم دين عام – خارجي وداخلي – تعاظم حتى وصل عشية اغتيال الرجل لحوالي 40 بليون دولار.

سبب آخر لتضخم الدين المتسارع كان إصرار الحريري على تثبيت ثمن الليرة اللبنانية على حد 1500 ل.ل/للدولار خشية من انفجار اجتماعي يطيح بكل ما يحاول بناءه بشق الأنفس - وبأموال الغير -.

تولى بشار أسد مسؤوليات أخيه المتوفي في شباط 94 وبضمنها تلمس ملف لبنان من حيث انتهى سلفه وكان في مجمله سلبيا نحوالحريري وثلاثي الملف.

ضغط بشار على والده في صيف 95 ليأتي بأميل لحود قائد الجيش رئيسا للجمهورية خلفا لصنيعة الحريري الياس الهراوي والذي اقتربت مدته من الانتهاء.

أوشك حافظ أسد حتى يمضي بنصيحة ابنه لولا تدخل الحريري والثلاثي اللذين وظفوا مساعي حسني مبارك لصالحهم ضغطا على أسد لقبول التمديد للهراوي لسنوات ثلاث.

خضع أسد للضغط وهوالذي كان في عز مفاوضاته مع إسرائيل وفي أمس الحاجة للعون السعودي – المصري الذي أخذ بعدا ناشطا في القمة الثلاثية نهاية 94 بالأسكندرية.

اعتبر بشار أنه خسر جولة وليس الحرب فواصل تدعيم حلفائه وتعويق خصومه بانتظار إنقضاء هدنة السنوات الثلاث.

خلالها تكاثفت إطلالته على المشهد اللبناني رغم حتى الحريري أحرز نقاطا أخرى في مسابقة القوة عندما بدا في نيسان 96 وكأنه مهندس تفاهم نيسان بين سوريا وحزب الله من جهة وأمريكا وفرنسا من جهة أخرى بينما واقع الحال أنه كان سفير المهندس والذي هوحافظ أسد شخصيا.

وطبقا لمصادر فتحاوية فإن هذا "التفاهم" كلف الحريري زيارتين إلى نهاريا بطائرته الصغيرة الخاصة وبغرض لقاء نظيره شيمون بيريز.

مع نهاية 97 بدا واضحا لكل رجالات النظام السوري حتى قرار حافظ أسد قد استقر على اختيار نجله بشار خليفة له.

كانت أول بروفة من تفاعل هؤلاء الأقوياء مع هذا الخيار قد جرت في صيف 94 عندما أشهر علي حيدر قائد القوات الخاصة معارضته للتوريث فكان حتى نال جزاءه بالاعتنطق في قبوالأركان العامة وبإشراف حكمت الشهابي وعلي دوبا إلى حتى طلب منه الإنزواء في منزله باللاذقية حيث قبع منذ ذلك الوقت بعيدا عن الأنظار.

مع بداية 98 كان ارتسام خطوط الاصطفاف داخل نسيج النظام السوري قد بدأ يأخذ أشكاله النهائية:

حكمت الشهابي رئيس الأركان معارضا لخيار بشار ومعه عبد الحليم خدام نائب الرئيس وخلفهم رفيق الحريري ووليد جنبلاط. علي دوبا غير محبذ وإن كان غير معارض بالمطلق. غازي كنعان فاتر الموقف ولكن بولاء مطلق للأب مع احتفاظ بخيوط وثيقة مع المعترضين.

في فبراير 98 أنطق حافظ أسد نائبه الرمزي وأخيه حملت من منصبه مفتتحا جولة الإعداد لاستخلاف بشار.

بدت المرة الوحيدة التي حاول فيها حملت التقاط الأنفاس سياسيا وبمساعدة من الأمير عبد الله عندما زار الأخير دمشق في يونيو97 وأراد زيارة حملت في منزله بالمزة فقام حافظ بالأمر ببتر الكهرباء عن محيط المنزل في بادرة واضحة للتذمر من هذا الوصال.

في تموز 98 فضل حكمت الشهابي الخروج من الحكم على البقاء ليستمر في خدمة الابن - وهوالعارف بتدهور أحوال صحة أبيه - وناجيا بمكاسبه وامتيازاته تحت بصر الأخير ومنتظرا على هامش المشهد يوما قد تتغير فيه الأمور ولصالحه.

مع خروج الشهابي كان ملف لبنان قد خرج كلية من يد عبد الحليم خدام مع تعويض رمزي بإسناد الملف العراقي – الحديث الفتح – إليه.

استكمل بشار زحفه بالإتيان بأميل لحود رئيسا للجمهورية وإخراج رفيق الحريري من القصر الحكومي بعد سنوات ست من شغله.

كانت سنتي 98 و99 أشد سنوات الاشتباك في الجنوب بين مقاتلي حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي فيما عناه من قرار سوري مدعوم إيرانيا بالتصعيد المصاحب لمفاوضات الجولان والتي كانت على وشك الانطلاق نهاية 99 تحت رعاية كلينتون.

والثابت حتى سقوط الحريري في بيروت والشهابي – خدام في دمشق في النصف الثاني من 98 كانا ضربتين شديدتي الوطأة لآل سعود ومطامحهم ومصالحهم في إقليم الشام دون حتى يعني ذلك تكسيحهم إذ حتى أسد كان لا زال محتاجا لعونهم في تفاوضه مع الولايات المتحدة حول ملف الجولان ثم إذا الحريري ممثلهم الشرعي والوحيد في لبنان بل وفي الإقليم – كان قد بلغ درجة من الشأن لن يتسبب الخروج من الحكم إلا في إضعافها وليس وأدها ثم حتى الخروج من الممكن مؤقت فالمال وفير وربما كفيل بشراء طريق العودة والظافرة.

لم يضع الحريري وقتا بل انهمك للتوفي عملية اجتذاب لسنة بيروت شديدة الدهاء والتأثير: هوصور خروجه – والمهين – من الحكم وكأنه إضعاف للسنة لصالح الموارنة والشيعة وبيد علوييي الحكم في سوريا ثم أرفق ذلك بمجهود إنفاق "خيري" مهول الحجم والاتسـاع صوره وكأنه خير بني الأرض حـدبا على مدينته - بالتبني- وعلى بنيها الميامين.

لم يكن الحريري ليجرؤ على الشق العلني لعصا الطاعة وحافظ أسد على قيد الحياة ولذلك فقد خفض جناح الذل من المسكنة قرابة العامين محشدا الأنصار ومفتتحا جريدته "المستقبل" لتنضم إلى سميتها القناة التلفزيونية.

كانت رياح الهجمة الإعلامية السعودية قد وصلت إلى دمشق خلال الهزيع الثاني من التسعينات عبر غواية استكتاب عديد من مثقفيها اليساريين والنيوليبراليين في صحفها اللبنانية منها أم الخليجية أم الأوروبية الصدور، موفرين لها منابر للهجوم-المتدرج الشدة- على نظام أسد لقاء حتى يتساوقوا-بالصمت الناطق أم بالتعبير الصارخ- مع سياسات آل سعود في الإقليم.

وما من شك في حتى عملية التدجين هذه لاقت نجاحا مشهودا لدرجة حتى أضحت شريحة واسعة من النخبة السورية المعارضة عازفا من الدرجة الثانية في أوركسترا سعودية-أطلسية بامتياز.

مع تسارع الشهور الأول من عام 2000 وهي في سباق مع الاعتلال المتزايد لصحة حافظ أسد واصل بشار تشديد الخناق على خصومه في الحرس القديم خصوصا بعدما تنامى إلى مسامعه أحاديثهم الموسومة باستنكارهم لاستخلافه وتوجسهم منه.

في اليوم الأول من ذلك العام أخرج علي دوبا على التقاعد ليحل محله مساعده حسن خليل، وليصبح مساعد الأخير هوصهر الرئيس آصف شوكت والذي أمضى قبلها أعواما عدة رئيسا لوحدة أمن القوات داخل المخابرات العسكرية.

بدأ بشار بالزعبي وهوالأضعف ليرهب به من أقوى. ثم وصل مع نهايات مايوإلى حد الترتيب لتصفية مواقع خدام والشهابي – وأنجالهما - السياسية والاقتصادية.

سرّب بشار مطلع حزيران إلى جريدة "الحياة" نبأ اقتراب محاسبة الشهابي على الكسب غير المشروع ووصلت إلى "القدس العربي" سيرة إيذان القبض على خدام وبنيه.

والحاصل حتى الأمرين كانا في الاعتبار لولا تواصل تدهور الحالة الصحية للوالد مما خلط الأوراق من حديث وأبان للكل حتى الحاجة المتبادلة لا زالت أقوى مما يفرق الصف. من هنا مسارعة الوالد إلى السماح للشهابي بمغادرة بيروت إلى لوس أنجلس قبل أيام قلائل من وفاته واستنادىئه خدام مفهما ابنه وإياه حتى التفاهم هوسيد الأحكام.

وعملا اتىت وفاة حافظ أسد فيعشرة حزيران 2000 لتؤمن صفقة بين بشار وخدام بموجبها وفر الثاني جميع الشرعية المطلوبة لإخراج الاستخلاف أنسب إخراج لقاء حتى يقوم الأول بهجر أولاد خدام دون مس.

وفرت الوفاة المناخ الملائم لتحرك الجناح السعودي في لبنان: الحريري – جنبلاط للعودة إلى معادلة الحكم في لبنان ابتداء ثم في سوريا انتهاء.

كانت رغبة بشار هي في إضعاف وليد جنبلاط في انتخابات الجبل البرلمانية لدرجة كبيرة وفي إضعاف الحريري في بيروت بذات الدرجة.

لكن تجييش جنبلاط لدروز الجبل وانفتاحه المفاجئ على الموارنة عبر لقائه مع أمين الجميل في المختارة سد الخرق بل ورد الكيد إلى النحر.

أما الحريري فقد أعرب النفير السني تحت حجة إذا كرامة السنة تنتهك وأنه لا أحد سواه هوالمخلّص والمنقذ.

ما ساعد الاثنين على الفوز المبين هوقانون الانتخابات الذي استصدره غازي كنعان وقسم الدوائر وفق مصالحهما.

وما إذا انعقد البرلمان الجديد حتى وقف جنبلاط ليتجرأ على المطالبة بانسحاب القوات السورية إلى البقاع.

والحق حتى طلبه كان مخاتلا وبقصد إضعاف قبضة بشار على لبنان لكن السليم أيضا حتى مبادرة كتلك كان منطقيا حتى تأتي من بشار نفسه في خطاب القسم خصوصا وأن تحرير الجنوب قد تم.

ما ضرّ لوأنه حينها أعرب حتى القوات السورية ستجتمع في البقاع وبحجم فرقة وأن سفارتين للدولتين ستفتتحان – واحدة في الأخرى – إيذانا بعهد حديث من العلاقات الصحية يعود بها إلى أجواء العلاقات الناصرية – الشهابية ومع هجريز مكثف على مشاريع التكامل الاقتصادي والثقافي بين البلدين.

ما علينا ... عاد الحريري مظفرا إلى رئاسة الحكومة في أكتوبر 2000 لتبدأ وتستمر لسنوات أربع حقبة من الحكم المزدوج مع تحيز سوري لأحد الرأسين أي لحود.

بقي توجس بشار من الحريري وجنبلاط على أشده لكنه فضل الحصار والإعاقة على الإزالة خصوصا وأن حاجته للوفاق السعودي لا زالت كبيرة وباعتبار الشعبية الكبيرة لكليهما في أوساطهما.

كان وقع 11 أيلول 2001 سببا إضافيا وراء تجميد بشار للمشهد السياسي اللبناني لأن الأولوية الأولى أضحت توقي العنف الأمريكي القادم بل ومداعبته لدرجة الترويض وهوما أدى إلى تسليم 26 ألف وثيقة لواشنطن تتعلق بالتنظيمات الإسلامية في الغرب والخليج.

استمرت حالة الجمود لعامين بعد 11 أيلول. جل ما قام به بشار حينها كان خلع غازي كنعان فايسروي لبنان من إقطاعيته- مبدّلا إياه بموثوق خالص الولاء- وإعادته إلى دمشق بعد غياب عقدين رئيسا لشعبة الأمن السياسي ثم وزيرا للداخلية ليكون دوما تحت النظر ومحسوبة عليه الأنفاس.

أتى خريف 2003 ومعه قانون محاسبة سوريا بما عناه من تغيير جذري في التعامل الأمريكي معها ليس فقط عقابا على المعارضة السورية للحرب الأمريكية على العراق بل وطلبا لرأس سوريا ذاتها بعد التمكن فيه.

كان موقف آل سعود باللقاء هوالموافقة على الحرب بل والاشتراك في شنها - وإن بكتمان - ثم محاولة تيسير الأمور للاحتلال بعدها في الداخل.

هذه كانت أولى علائم الافتراق السوري-السعودي. تلتها محاولة سعودية جادة لتطويف إياد علاوي بديلا شيعيا مقبولا وبطلب من وكالة المخابرات المركزية راعيه الأساسي. توج هذا التوجه بتولي علاوي رئاسة الحكومة المؤقتة أواخر حزيران 2004.

هنا ولج الحريري بزخم على الخط منسقا مع علاوي سرا وعلنا ومجاهرا في دوائره الخاصة – مع تسريبات متعمدة – بأن المشروع الأمريكي قد انتصر في المنطقة وما علينا إلا الإنصياع له والسير في ركابه.

كانت شعبية الحريري صيف 2004 حتى في وسطه السني قد تدهورت بدرجة إشارة بسبب فشل سياساته الاقتصادية التي تسببت في إملاق شرائح واسعة من الجمهور.

كان الوقت أيضا يقترب من حلول موعد انتخاب رئيس حديث للجمهورية.

والثابت حتى رفيق الحريري كان قد أضحى بعيد وصول جاك شيراك رئيسا للجمهورية في مايو95 ووصولا إلى صيف 2004 محور التوافق الأمريكي – الفرنسي في لبنان.

هومن جهة الممول الرئيسي لحملات شيراك الانتخابية وصديقه الشخصي الصدوق ومن جهة أخرى ربيب آل سعود والسالك المسارب إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

اهتز هذا الدور بعض الشيء مع التوتر الفرنسي – الأمريكي حول حرب العراق لكنه عاد لما كان عليه بعد مضي عام على هذه الحرب ومع القمة التي جمعت شيراك ببوش في مايو2004 في C-island بجورجيا.

بدأت حينها ترتسم ملامح صفقة مؤداها أننا لن نقف في وجهكم في العراق بل سنسـايركم - دون كثير اندخال - لقاء حتى تساعدونا في الشام لنخرج لبنان من قبضة النظام السوري ومن ثم لاستعماله منصة للقفز إلى دمشق.

وافق ذلك العرض هوى بوش خصوصا وأن له أغراضا مماثلة في هذا الإقليم ولا بأس بالتالي في حتىقد يكون لفرنسا حصة – غير مهيمنة – في تدبير شؤونه، ثم لم يلبث حتى ترسخ هذا الاتفاق في القمة التالية في النورماندي في حزيران 2004.

كان سديرييي آل سعود في الصورة عبر سفيرهم بندر بن سلطان فصدر التكليف إلى الحريري – جنبلاط ليقوم بالدور اللوجستي المطلوب.

تداعى الفريق إلى اجتماع في سردينيا حضره مروان حمادة وجوني عبده وآخرون ووضعت فيه مسودة لقرار يصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع ينص على انسحاب القوات السورية من لبنان ووقف التدخل السوري في شؤون لبنان الداخلية وعلى تجريد الميلشيات اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية من السلاح.

خلال تلك الفترة ذاتها كان الحريري يرسل إشارات لدمشق مفادها أنه جاهز لمرشح بديل عن أميل لحود مقبول منها مثل جان عبيد.

ما كان يدبر بالعمل هي عملية "تطبيق" نواب بالجملة تكفل حتى يأتي بالاقتراع السري يوم الانتخاب مرشح حدثة السر وهوجوني عبده أخطر حواريي الحريري الخلّص.

فهمت دمشق باتفاق النورماندي بعد شهرين من عقده وخلال مداولات الإعداد لقرار 1559 في دهاليز مجلس الأمن.

ما إذا أخذوا فهما بما يدبر حتى قررت الحلقة القيادية العليا لنظام دمشق والمؤلفة من بشار وأخيه ماهر وأخته بشرى وزوجها آصف شوكت تسكير الدفاتير والتمديد لأميل لحود سنوات ثلاث إضافية وليكن ماقد يكون آخذين في الاعتبار حتى التصويت وفق هذا السيناريوهوبحمل الأيدي وبالتالي فهومضمون.

لماذا لحود،يا ترى؟ لأن بشار كان موقنا أنه مهما اشتدت الأعاصير من حوله وهي ستشتد فإن لحود لن يهجره في العراء وحيدا بل سيكون إلى جانبه في الضراء كما السراء.

أفهم الحريري بحزم حتى عليه الاختيار بين خيار سوريا وبين معارضتها. هو– تقية وخشية – ماشى بشار خصوصا لحدسه حتى الأخير فهم بترتيبات سردينيا ففضل حتى يتصرف بما يظهر استغفارا.

في ذات الحين بيت أمر إحراج سوريا لإخراجها في موعد لا يزيد عن موعد الانتخابات النيابية المقرر في أيار 2005.

هوارتكن إلى القرار الأمريكي – الفرنسي – السعودي بنقل لبنان من الضفة السورية إلى ضفة سعودية – أطلسية من جهة وباشر عملية الترتيبات المحلية لإنفاذ تلك النقلة سواء لجهة ترتيب التحالفات الانتخابية ومفاتيحها الميدانيين أم لجهة توفير اصطفاف معارض واسع تمتد مروحته من تيار عون إلى تيار الحريري عبورا بكتلة جنبلاط وقرنة شهوان.

راهن الحريري على حتى ظفره وحلفاءه بالانتخابات البرلمانية سيكفل كنس - أوعلى الأقل - تقليص نفوذ حلفاء بشار اللبنانيين وحصار رئيس الجمهورية الممددة مدته لدرجة الخنق ومن ثم الإزاحة.

راهن على أنه حينها سيكون قادرا على إخراج سوريا من لبنان تحت ستار تطبيق الطائف وبتدرج يكفل إزاحة قواتها ومخابراتها أولا إلى البقاع ثم عبر الحدود.

لاحت خيوط هذا المخطط لقيادة نظام دمشق خلال شهر أيلول وبعد صدور قرار 1559.

مطلع ذلك الشهر وبعيد صدور القرار مباشرة اجتمع بشار بوفد عال المستوى من الإدارة الأمريكية ضم ممثلي جهات عدة فيها من الخارجية للدفاع للمخابرات للرئاسة. رئس الوفد وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية ورافقه بيتر رودمان مساعد وزير الدفاع.

قيل لبشار بصريح العبارة نحن نريد منك أمرا أساسيا وهي عوننا في العراق وشيئا إضافيا وهوتجريد حزب الله من السلاح. لقاء ذلك لك حق البقاء في لبنان عسكريا وخلافه بل وسنغض الطرف عن تمدد قواتك في الجنوب لتتمكن من الإطباق على حزب الله. ماذا وإلا عمليك الخروج من لبنان طوعا أم قسرا وسنواصل سياسة الضغط عليك بهدف زعزعة نظامك وصولا إلى إسقاطه.

والراجح حتى بشار أفاد باستحالة تمكنه من عون الاحتلال داخل العراق لكنه سيعمل المستطاع لعدم مضايقته من الخارج وأكمل باستحالة تعرضه لحزب الله لا من حيث المبدأ ولا من حيث المصلحة.

على خلفية هذا المناخ المحموم تمت محاولة اغتيال مروان حمادة ضابط الاتصال بين الأطراف المتعددة ذات الصلة ... المحلية منها والإقليمية والغربية. كان الحظ فقط حليف حمادة في النجاة فتحول النذير إلى فتيل.

إنطلق وليد جنبلاط – رأس الحربة في المحور اللبناني لاستهداف النظام السوري في لبنان وسوريا - بكل طاقته ليشحذ سلاحه ويعزف إيقاعه ... إيقاع الاشتباك الملحمي الإغريقي الملامح.

بلغ عام 2004 خواتيمه والاصطفاف قد أضحى جلي الخنادق.

في اليوم الثاني من عام 2005 وصل دمشق نائب وزير الخارجية – المستقيل بعد أيام – ريتشارد أرميتاج لينقل لدمشق رسالة النصيحة الأخيرة من جورج بوش الرئيس الفائز لدورة ثانية نصها: تعاونوا في العراق ونحوحزب الله ولكم طول البقاء في لبنان فإن نكصتم عن المضي بهذا العرض قبولا وإنفاذا فستحل عليكم اللعنات من حيث لا تدرون.

بعده بشهر حلّ في دمشق وبيروت الصهيوني النرويجي تيري لارسن ليخطر بشار حتى الاستحقاق اللبناني قد أزف وأن رفضه التعاون في مسألة سلاح حزب الله سيترجم إجلاء لقواته من لبنان في أقرب وقت وما عليه سوى التقدم بجدول انسحاب زمني.

عشية 14 شباط 2005 كان الجومعبأ بإشارات منذرة برعود وصواعق ستضرب في أي وقت وستحمل معها إلى الأرض عواصف عاتية هي باختصار معركة إسقاط النظام السوري وحلفائه في الإقليم وصولا إلى طهران حيث الجائزة الأكبر.

في 14 شباط 2005 بدأت الحرب الأهلية الثالثة في لبنان: حرب منخفضة الشدة – عالية القيمة – قصيرة الأمد وربما حاسمة النتيجة ..


يعسر على المرء حتى يلخص في صفحات مسيرة علاقة عمرها ثلاثة أرباع قرن، لكن السجل في مجمله مختلط القسمات تمازجت فيه الإخفاقات مع الفوزات ولا زال الحكم معلقا في انتظار محلفي التاريخ، فليس القضاء هنا قضاء فرد بل جموع شعوب أمة يعمرها 300 مليون منهم في إقليم الشام إثنان وثلاثون مليونا وفي إقليم الجزيرة أربعون آخرون.

كيف سيكون الحكم ومتى سيصدر؟


الدكتور كمال خلف الطويل

15/1/2006

المصادر

1- مصادر مكتوبة لـ: محمد حسنين هيكل، سامي الجندي، إعتمار رابينوفيتش، موشي ماعوز، مطيع السمان، خالد العظم، أكرم الحوراني، صلاح البيطار، فيصل حوراني، سعيد أبوالريش، حازم جواد، حازم صاغية، مالكولم كير، منيف الرزاز، عبد الكريم زهر الدين، حنا بطاطو، نيكولاس فان دام، مطاع صفدي، باتريك سيل، رياض المالكي، جون دلفين، عبد الله سعادة، سهيل العشي، ويلبور ليكلاند، جلال السيد، محمد عمران، ناصر السعيد، فهد القحطاني، محمد على الشهاري، ألكسي فاسيليف، ريتشارد بريس، آلان هارت، بنسون جريسون وعبد الله السندي.


2- لقاءات مع عدد كبير من الذين اشتغلوا بالشأن العام لست في حل من ذكر جميع أسمائهم... منهم عبد الحميد السراج، سامي شرف، جاسم علوان ومحمد النسر.

تاريخ النشر: 2020-06-04 12:03:13
التصنيفات: العلاقات السعودية السورية, العلاقات السعودية اللبنانية, كمال خلف الطويل

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة فلومينينسي اليوم

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:09:05
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 43%

إيران وأرمينيا في سياق التاريخ والحاضر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:07:55
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 90%

خالد مرتجي: مواجهة فلومينينسي تاريخية ولم نتمادى في الفرحة‏

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:09:03
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 35%

تشييع جثمان أمير الكويت الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:09:41
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 76%

المغرب ينضم إلى القيادة العسكرية الأمريكية "سينتكوم"

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:10:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

هل أخطأت الحكومة في مجالسة التنسيقيات التعليمية بدل النقابات؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:09:33
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 75%

طقس الأحد.. جريحة وأمطار ورياح قوية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:10:44
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 52%

هل ينجح البزرتي في إعادة الوداد إلى منصات التتويج؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:09:37
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 79%

الركراكي يحسم في قائدي دفاع الأسود بكأس إفريقيا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:09:29
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 78%

تدهور الأوضاع الإنسانية بغزة تقابلة إسرائيل بمواصلة الهجوم العسكري

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:10:39
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

حملة الكشف عن السيدا بالدار البيضاء

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:10:43
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 60%

حذار.. درجات الحرارة تنزل إلى ما تحت الصفر في هذه المناطق المغربية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:08:53
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

زيادة الحد الأدنى للمعاشات اعتبارا من يناير 2024 - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:20:26
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

هل تقبل إسرائيل بإنهاء الاستعمار الاستيطاني لفلسطين؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:07:56
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 87%

إشبيلية يقيل مدربه دييغو ألونسو بعد سقوطه بثلاثية أمام خيتافي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:07:53
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 88%

مرتجي يكشف عن رسالة الخطيب للاعبي الأهلي بعد الفوز على اتحاد جدة

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-12-17 12:09:00
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 44%

pendik escort
betticket istanbulbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info oslobet
Turbanli Porno lezbiyen porno
Anal Porno izle
ankara escort
deneme bonusu
levant casino
تحميل تطبيق المنصة العربية