الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي

عودة للموسوعة

الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي

الأدب العربي

حسب الفترة

العصر الجاهلي
صدر الإسلام
العصر الأموي
العصر العباسي
عصر الدول المتتابعة
العصر الأندلسي
العصر الحديث

أنواع

شعر(هاتى، مديح، غزل، فخر)
غير روائي (التصنيف والكتابات، التاريخ والجغرافيا، اليوميات)
روائي: (ملحمي، مقامات، معلقات، نثر)
نقد

حسب الجنسية

عراقي - سوري
لبناني - أردني
فلسطيني - سعودي
بحريني - قطري
إماراتي - عماني
يمني - كويتي
مصري - ليبي
تونسي - جزائري
مغربي - موريتاني
صومالي - سودني
جيبوتي

مدارس أدبية

مدرسة أبولو
مدرسة البعث والإحياء
مدرسة الديوان
مدرسة المهجر

انظر أيضاً

أدباء عرب
شعراء عرب
روائيون عرب

نص كتاب تاريخ الأدب العربي، العصر الإسلامي، الدكتور شوقي ضيف - في عصر صدر الإسلام وبنى أمية - في العصر الإسلامي والعصر الأموي. انقر على الصورة للمطالعة.

الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي، يتناول هذا الموضوع، الأدب العربي منذ ظهور الإسلام حتى العصر الأموي.

عصر صدر الإسلام

أثر الإسلام في الحياة الأدبية

أحدث ظهور الإسلام تحولاً جذرياً في حياة الأمة العربية ونقلها من طور التجزئة القبلية إلى طور التوحد في إطار دولة عربية تدين بالإسلام وتتخذ القرآن الكريم مثلاً أعلى. وكان لابد لهذا الحدث العظيم من حتى يعكس صداه القوي في الحياة الأدبية لهذه الأمة. شعراً ونثراً ومن الطبيعي حتى النتاج الأدبي للأمة يتفاعل مع البيئة التي تظله ويخضع لمؤثراتها.

وحين تُرصد الظواهر الأدبية في صدر الإسلام يتبين بجلاء ما هجره الإسلام من بصمات واضحة في مسيرة الأدب عصرئذ وفي سماته وخصائصه. ومن أبرز آثاره ضمور فنون أدبية كانت مزدهرة في العصر الجاهلي وظهور فنون جديدة أوتطور فنون قديمة. فقد قضى الإسلام على سجع الكهان الذي كان مرتبطاً بالوثنية الجاهلية ونهي الخطباء عن محاكاة ذلك السجع في خطبهم، وظهر لون من الخطابة يستقي من ينابيع الإسلام. وأخذ الشعراء يعزفون عن النظم في الأغراض التي كانت حياة العرب في الجاهلية تدعوإليها. واتجهوا إلى أغراض دعت إليها البيئة الإسلامية كشعر الجهاد والفتوح والشعر الديني، وأصبح شعرهم يدور حول معان تتصل بالقيم والمثل الإسلامية. وقد أوجد الإسلام مبادئ خلقية تلائم تعاليمه وروحه فانعكست هذه المبادئ في النتاج الأدبي عصرئذ.

وقد راجت مقولة تمضى إلى حتى الإسلام وقف من الشعر والشعراء موقفاً مناهضاً مثبطاً، استناداً إلى قوله تعالى: )والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في جميع واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يعملون (الشعراء: 224-226). وتسليماً لهذه المقولة ينبغي التوضيح حتى الشعراء الذين تناولتهم الآيات القرآنية إنما هم الشعراء الذين كانوا يحرضون على الفتنة، ويخوضون في الإفك والباطل، والذين كانوا يتصدون لهاتى الرسول عليه السلام والمسلمين، وليس المقصود الشعراء كافة، ولهذا استثنى تعالى الشعراء الذين لا تصدق عليهم الآيات السابقة بقوله بعدها: )إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدما ظلموا وسيفهم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون( (الشعراء 227). وكان الرسول عليه السلام يميل إلى سماع الشعر الجيد، وكان يشجع حسان بن ثابت وشعراء الأنصار على مهاجاة شعراء المشركين، وكان يقول لحسان: «اهجهم وروح القدس معك»، فهوإذاً لم يدع إلى التخلي عن الشعر وإنما كان يقف موقفاً مناهضاً من الشعر الذي ينافي المبادئ والقيم الإسلامية، وقد أثر عنه حديث في إطراء الشعر وهوقوله عليه السلام: «إن من الشعر حكمة» (سليم مسلم).

وكان للإسلام يد لا تنكر في ازدهار النثر الأدبي، ولاسيما الخطابة والترسل، فقد أصبحت الخطابة وسيلة لنشر الدين والوعظ وبيان مبادئ الإسلام والحض على الجهاد والدعوة إلى مكارم الأخلاق وبيان خطة الحكم، وكان الرسول عليه السلام وخلفاؤه خطباء مفوهين، وكذلك كان جل عمالهم وقوادهم. وقد نادى قيام الدولة الإسلامية واتساع سلطانها إلى الاستعانة بالكتابة والكتاب، وكانت الكتابة محدودة الانتشار في العصر الجاهلي فاتسع لها المجال في صدر الإسلام وأقبلت الناشئة على تفهم الكتابة.

الفنون الأدبية في صدر الإسلام

ظل الشعر يتبوأ المنزلة الأولى في صدر الإسلام، شأنه في العصر الجاهلي، ولكن تطوراً جاداً ألمَّ به من حيث الأغراض والمعاني. فقد أوجد الإسلام أغراضاً جديدة كشعر الجهاد والفتوح والزهد والوعظ والشعر السياسي.

وتضاءل شأن طائفة من أغراض الشعر التي كانت سائدة في الجاهلية كالشعر القبلي القائم على العصبية القبلية والمتصل بالأيام والوقائع والمفاخرات والشعر المتصل بالغزووالغارات. فقد ألغى الإسلام دواعي الشعر القبلي حين وحد القبائل العربية في أمة واحدة، تسوس أمورها دولة واحدة، وانصرف شعراء الحواضر إلى أغراض تلائم بيئتهم المترفة فاتجهت طائفة منهم إلى الشعر الغزلي الذي بلغ الغاية من التألق والازدهار في عصر بني أمية، واتجهت طائفة أخرى إلى الشعر الديني والوعظي.

وإلى جانب الشعر أخذت الخطابة تثبت أقدامها لحاجة المسلمين إليها عصرئذ، وبدأت تسير في طريق النماء والنضج بشتى أنواعها وفي حين توارى سجع الكهان ظهرت مكانة الخطابة الدينية، فكان الرسول e يخطب في المسلمين مشروحاً لهم شؤون عقيدتهم. واتى الخلفاء الراشدون بعده فساروا على نهجه، وكانوا يعظون المسلمين في خطبهم ويحضونهم على مكارم الأخلاق. وقد احتلت الخطابة الدينية المنابر وحلقات المساجد منذ ذلك العصر، وكثر الوعاظ والقصاص.

وفي الوقت عينه ظهرت الخطابة السياسية التي تدور حول شؤون الحكم وسياسة الرعية، واستخدمت أول الأمر فيما نشب من خلاف بين المسلمين حول الخلافة إثر وفاة الرسول e، فكانت الخطب التي ألقيت في سقيفة بني ساعدة باكورة الخطب السياسية. وبعد مقتل عثمان وافتراق المسلمين إلى شيعتين إحداهما تناصر علياً والثانية تناصر معاوية بن أبي سفيان عظم شأن الخطابة السياسية، على حتى هذه الخطابة لم تتألق وتزدهر إلا في العصر الأموي.

وإلى جانب هذين اللونين من ألوان الخطابة ظلت للخطابة الحفلية مكانتها، ولاسيما خطب الوفود، فإذا وفد قوم على الرسول e أوعلى خلفائه من بعده أحضروا معهم خطباءهم ليتحدثوا بلسانهم ويفاخروا بهم.

وفن ثالث بدأ يحبوفي عصر صدر الإسلام ويخطوخطواته الأولى في طريق النضج هوفن الترسل، فإن قيام الدولة الإسلامية استدعى وجود كتاب يوجهون الرسائل إلى العمال والقبائل في مختلف أقطار الدولة، فكان للرسول كتابه كما كان لخلفائه وولاتهم من بعده كتابهم. ومن الكتاب الذين استعان بهم الرسول e لكتابة الوحي وكتابة الرسائل علي ابن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبان بن سعيد، وخالد بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت.

ومن الرسائل المهمة في تلك الحقبة رسالة عمر بن الخطاب التي أوفدها إلى أبي موسى الأشعري في بيان أحكام القضاء بين المسلمين.

خصائص الأدب في صدر الإسلام

لم يطرأ على الشعر كبير تغيير في صدر الإسلام من حيث أساليبه وطرائقه الفنية لأن الشعر فن يقوم على المحاكاة، فالشاعر يحتذي خطا أسلافه. وفي الغالب كان الشاعر يتتلمذ لشاعر مشهور فيكون راوية له ويأخذ عنه طريقته ويحاكيه في أسلوبه. فنجد مثلاً الحطيئة [ر] يقر بسيره على نهج زهير بن أبي سلمى [ر] والشعراء الذين كانوا يأخذون شعرهم بالتنقيح والتحكيك.

يضاف إلى ذلك حتى الكثرة من شعراء صدر الإسلام كانوا من مخضرمي الجاهلية والإسلام، ومن هؤلاء الحطيئة وكعب بن زهير [ر] والخنساء [ر] وحسان بن ثابت [ر] وكعب بن مالك [ر] والعباس بن مرداس [ر] وأبوذؤيب الهذلي [ر] وحميد بن ثور [ر] والشماخ بن ضرار [ر]. وهؤلاء الشعراء كان لهم أسلوبهم وطرائقهم المميزة منذ العصر الجاهلي، ولم يكن من اليسير حتى يغيروا في ظل الإسلام هذه الأساليب، ومن هنا لا يجد الباحث فارقاً ذا شأن في الناحية الفنية بين شعرهم في الجاهلية وشعرهم في الإسلام.

والتطور الذي طرأ على شعرهم منذ الإسلام إنما يتجلى في المعاني والأغراض. فقد استحدثت أغراض جديدة وضمرت أغراض قديمة وأمد الإسلام هؤلاء الشعراء بزاد ثر من المعاني والأفكار. على حتى أثر العقيدة الإسلامية لم يكن واحداً لدى هؤلاء، فمنهم من نفذت العقيدة الجديدة إلى أعماقهم فانعكست في معانيهم وأغراضهم، شأن حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة [ر] والعباس بن مرداس مثلاً ومنهم من كان أثرها ضئيلاً في نفوسهم ونتاجهم الشعري، شأن الحطيئة مثلاً. ومهما يكن من أمر فإن المعاني الإسلامية أثرت بدرجات متفاوتة في شعر صدر الإسلام.

أما النثر الأدبي في هذه الحقبة فكان أمره مختلفاً عن الشعر. فالنثر أكثر استجابة لدواعي التطور من الشعر، ومن هنا كان النثر الإسلامي أفضل تصويراً للحياة الإسلامية من الشعر، فضلاً عن حتى القرآن الكريم كان معجزة بلاغية ألقت ظلالها على نتاج الخطباء والمرسلين فطبع بطابع إسلامي واضح القسمات، فكان النثر في هذه الحقبة إسلامياً، سواء في سماته الفنية أوفي أغراضه ومعانيه. ومن أظهر الآثار الإسلامية في نثر تلك الحقبة حرص الخطباء على استهلال خطبهم بذكر اسم الله وحمده والصلاة على نبيه، وتضمين خطبهم بعضاً من آي القرآن، حتى لقد سموا الخطبة بتراء إذا لم تبدأ بذكر اسم الله وحمده، وسموها شوهاء إذا هي خلت من آي التنزيل. هذا إلى جانب الاستمداد من المعاني الإسلامية والقرآنية، ومحاكاة الأسلوب القرآني والاستعانة بالصور والأمثال القرآنية. وما عثر في الخطابة يصدق كذلك على الرسائل والنثر عامة إبان تلك الحقبة.

وقد حاول الخطباء وكتاب الرسائل تجنب بعض السمات التي عهدها النثر الجاهلي، والسجع خاصة، كراهة محاكاة سجع الكهان.

على حتى النثر الأدبي ظل بوجه عام وفياً للأعراف المستمدة من الطريقة العربية المتوارثة من حيث إيثار الإيجاز في العبارة وتجنب التكلف والزهد في الزخرف والحلية اللفظية ووضوح المعاني وتوخي الجزالة والرصانة في الأسلوب.


أعلام الشعراء والخطباء في صدر الإسلام

حفل عصر صدر الإسلام بعدد وفر من الشعراء، جلهم من المخضرمين ومن أشهرهم: الحطيئة العبسي الذي أجاد فني المديح والهاتى، وحسان بن ثابت شاعر الرسول عليه السلام والمنافح عنه، وهوأول من تناول الشعر السياسي بمعناه الدقيق، والخنساء السلمية التي ظلت تبكي أخويها صخراً ومعاوية في الإسلام، صنيعها في الجاهلية، وأبوذؤيب الهذلي الذي اشتهر بقصيدته العينية في رثاء بنيه، والشماخ ابن ضرار، وكان أوصف الشعراء للقوس وحمار الوحش، وكعب بن زهير صاحب قصيدة «بانت سعاد» في مديح الرسول e، وكعب بن مالك الأنصاري الذي وقف إلى جانب رسول الله وناضل عنه بشعره، وعبد الله بن رواحة وكان كذلك من شعراء الأنصار الذين هاجوا شعراء المشركين وقد استشهد في سقطة مؤتة، وحميد بن ثور العامري، وكان من الشعراء الذين أجادوا الغزل، ومعن بن أوس المزني، وله أبيات جياد في صلة الرحم، والنابغة الجعدي، وقد ذكروا أنه عمر طويلاً وكان ممن جانب الخمرة وهجر الأوثان في الجاهلية، وعبدة ابن الطبيب التميمي الذي شارك في قتال الفرس أيام عمر بن الخطاب وله مرثية غاية في الجودة نطقها في قيس بن عاصم المنقري، وعباس بن مرداس السلمي، وكان من فرسان بني سليم وشعرائهم المشهورين في الجاهلية والإسلام، والمخبل السعدي [ر] وقد عمر طويلاً وكان من شعراء الهاتى المبرزين، وأبومحجن الثقفي، وكان من المستهترين بشرب الخمرة المجيدين في وصفها، والحارث بن الطفيل الدوسي الأزدي وكان من فرسان قومه المشهورين، وأبوالطمحان القيني، وكان في الجاهلية فارساً صعلوكاً فلما أسلم لم تتشرب نفسه الإسلام.

وفي ميدان الخطابة كان الرسول e أول خطباء هذه الحقبة وكذلك كان خلفاؤه من الخطباء المفوهين، ولاسيما علي بن أبي طالب الذي جمعت خطبه في كتاب «نهج البلاغة» وكذلك كان جل الولاة والقواد يجيدون الخطابة.

العصر الأموي

الحياة الأدبية في العصر الأموي والعوامل المؤثرة فيها

أدى قيام الدولة الإسلامية إلى ظهور أدب إسلامي يغاير في كثير من خصائصه الأدب الجاهلي، بيد حتى قصر حقبة صدر الإسلام (1هـ، 40هـ) لم يتح لهذا الأدب حتى يمد جذوره وأن تنضج سماته الجديدة، فلما كان العصر الأموي أتيح لهذا الأدب الجديد حتى يزدهر وأن تتضح قسماته، وساعدت على هذا التطور عوامل كثيرة سياسية واجتماعية ودينية.

وأبرز المؤثرات في الحياة الأدبية عصرئذ كانت المؤثرات السياسية. فقد نقل الأمويون حاضرة ملكهم إلى بيئة جديدة تغاير بيئة الحجاز هي الشام. وأسسوا ملكاً وراثياً يتداول فيه بنوأمية الحكم من دون سواهم ويقمعون جميع معارضة تنزع إلى سلبهم ملكهم، وكان لجل خلفاء بني أمية مقدرة سياسية تجعلهم مهيئين لتولي منطقيد الحكم. وقد قوبل نزوع بني أمية إلى الاستئثار بالأمر بمعارضة عنيفة من طوائف من رعيتهم، منهم الخوارج [ر] الذين كانوا يريدون الخلافة شورية لا تكون وقفاً على قريش وحدها بل يتولاها جميع من تتوافر فيه المؤهلات المطلوبة ولوكان عبداً حبشياً. ومنهم الشيعة [ر] الذين كانوا يرون آل البيت أحق بتولي الأمر من جميع بطون قريش ومن جميع المسلمين ويجعلون الإمامة أمراً إلهياً، فالله اختار نبيه والنبي e اختار وصيه علياً، وكل إمام يوصي لمن يليه، وقد اتهموا بني أمية بأنهم افتأتوا عليهم وغصبوهم حقهم الشرعي. على حتى حزبي الخوارج والشيعة ما لبثا حتى انقسما إلى فرق تختلف فيما بينها في طائفة من المعتقدات، فانقسم الخوارج إلى أزارقة - وهم أشدهم تطرفاً - وإباضية، ونجدات، وصفرية، وفرق أخرى أقل شأناً، وانقسم الشيعة إلى إمامية اثني عشرية، وإمامية سبعية (إسماعيلية)، وكيسانية، وزيدية. وقد قام جميع من الخوارج والشيعة بثورات متصلة طوال العصر الأموي ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق نصر حاسم لتفرق حدثتهم وقلة عددهم، ولكن ثوراتهم أدت إلى زعزعة أركان الحكم الأموي. ومن هذه الطوائف كذلك جماعة عبد الله بن الزبير الذي كان يرى أنه أحق بالخلافة من يزيد بن معاوية، وقام بينه وبين بني أمية نزاع دموي استمر عشر سنوات وانتهى بمقتله والقضاء على أصحابه سنة 73هـ. ومن هذه الطوائف من ثار على بني أمية لعدم رضاهم عن سياسة أميرهم، فثار عبد الرحمن ابن الأشعث على الحجاج ثورة كادت تزلزل أركان الحكم الأموي ولكنه أخفق في تحقيق النصر وانتهى الأمر بموته منتحراً، وثار يزيد بن المهلب على يزيد بن عبد الملك وانتهى أمره بمقتله.

ومن أبرز ثورات الخوارج التي تمخض عنها عصر بني أمية ثورات الأزارقة الذين كانوا أشد الخوارج تطرفاً وتشدداً، وقد اغتال زعيمهم نافع ابن الأزرق في مسقطة دولاب مع أهل البصرة. وتوالت ثوراتهم بعد ذلك واستطاع القائد المحنك المهلب ابن أبي صفرة حتى يبعد خطرهم ويصد حملاتهم وأن يقضي عليهم آخر الأمر. وفي الوقت عينه كان الخوارج الصفرية يشنون حملات عنيفة على مدينة الكوفة يقودهم الخارجي شبيب بن يزيد. وقد استطاع هذا الخارجي حتى يهزم جيوشاً كثيرة أوفدها إليه الحجاج. بل لقد استطاع دخول الكوفة ومعه زوجه غزالة الحرورية، واضطر الحجاج حتى يستنجد بعبد الملك الذي وجه لنجدته جيشاً من أهل الشام، وأخيراً هلك شبيب وزوجه وأخوه في مسقطة على مشارف الكوفة. وفي أواخر العصر الأموي قام الخارجي الضحاك بن قيس الشيباني بحملة على الكوفة في جمع غفير من الخوارج واستطاع الاستيلاء عليها ولكنه هزم بعدئذ في مسقطة مع جيش وجهه إليه مروان بن محمد وانتهى الأمر بمصرعه. ولم تكد ثورته تنطفئ حتى انطلق الخوارج الإباضية من بلاد اليمن إلى الحجاز واستطاع قائدهم أبوحمزة الخارجي حتى يستولي على مكة والمدينة ولكنه لم يستطع حتى يصد الجيش الذي وجهه إليه مروان بن محمد من الشام فقتل في مسقطة بوادي القرى.

وعلى الرغم من إخفاق ثورات الخوارج فإن ثوراتهم المتصلة كانت من أقوى الأسباب في إضعاف الحكم الأموي وجعله عاجزاً عن الوقوف في وجه أنصار الدعوة العباسية.

وكانت ثورات الشيعة أقل خطراً من ثورات الخوارج، فقد أعرب الحسين بن علي خلافه على يزيد بن معاوية ولما قدم بآل بيته إلى الكوفة تخلت عنه شيعته فانتهى أمره بالقتل ومعه جل آل بيته. وكذلك أخفقت ثورة التوابين في إحراز نصر حاسم على بني أمية. واستطاع المختار الثقفي حتى يستولي على الكوفة وأن يهزم جيش أهل الشام ولكنه لم يستطع التغلب على جيش مصعب بن الزبير وقتل. وكذلك أخفقت ثورة زيد بن علي بالكوفة لخذلان أهل الكوفة إياه فقتل وصلب كما اغتال ابنه يحيى بعد ذلك.

ويتصل بالمؤثرات السياسية حركة الفتح الإسلامي التي بلغت أوجها في ذلك العصر، وقد استطاع الفاتحون المسلمون حتى يمدوا حدود الدولة الإسلامية في حقبة قصيرة إلى أقصى المغرب وإلى بلاد الأندلس ومشارف بلاد الروم، وامتدت فتوحهم شرقاً إلى بلاد فارس وسجستان وخراسان وما وراء النهر وبلاد السند، فكان الفتح الإسلامي أسرع فتح عهده التاريخ، وكان العرب الفاتحون حين يبسطون سلطانهم السياسي ينشرون معه عقيدتهم ولغتهم وأدبهم، كما كانوا يتأثرون بحضارة الأمم التي بسطوا سلطانهم عليها وبأدبها وعاداتها الاجتماعية. وقد أدت الفتوح إلى امتلاء أيدي الفاتحين بالفيء والأموال وأدى هذا إلى اختلاف نمط حياتهم اختلافاً بيناً عما كانت عليه يوم كانوا يعيشون حياة التقشف والضيق في جزيرتهم.

فكذلك عثر للأدب العربي في عصر بني أمية بيئات جديدة غير بيئة الجزيرة العربية، مهده الأول، فتلون الأدب بألوان هذه البيئات وتأثر بها، فكان لبيئات الشام والعراق وخراسان ومصر والمغرب والأندلس أثرها القوي في الحياة الاجتماعية والفكرية والأدبية.

ومن المؤثرات الاجتماعية في الحياة الأدبية كذلك ظهور طبقة الموالي التي كانت في تكاثر مستمر سواء من طريق الفتوح أوالشراء، وكان لا مفر من حتىقد يكون لوجودها أثر واضح في المجتمع العربي كما كان لها أثر في الحياة الأدبية. فقد حذقت طوائف من الموالي اللغة العربية لنشأتهم بين ظهراني مواليهم العرب، ووقفوا على التراث الأدبي وما لبثوا حتى شاركوا في الحياة الأدبية فظهر منهم الكتاب والشعراء. على حتى بني أمية كانوا يقمعون أية محاولة يقوم بها الموالي لإبراز هويتهم القومية أولحمل أصواتهم بنائرة العصبية المعادية للجنس العربي، فظلت الحدثة الأولى للعرب طوال ذلك العصر، على نقيض ما وقع في العصر العباسي.

ولئن أفلح بنوأمية في قمع العصبية القومية فإنهم لم يفلحوا في إخماد جذوة العصبية القبلية التي استعرت في ذلك العصر وبرزت على نحوأعنف وأبعد أثراً مما كانت عليه في العصر الجاهلي، وكان استعارها بعمل عوامل شتى اجتماعية وسياسية واقتصادية. وقد ظهرت في ذلك العصر التكتلات القبلية الواسعة فاحتدم الصراع بين العدنانية والقحطانية، كما نشب الصراع في إطار جميع من هاتين الكتلتين. وقد هجرت هذه الفتن القبلية صداها القوي في الحياة الأدبية، وفي الشعر خاصة، فنشط فن المناقضات وكثرت المفاخرات القبلية. ووقف الشعراء والخطباء وراء احتدام هذه العصبيات فكان الشعراء يلتقون في المربد والمحافل فيتفاخرون ويتهاجون والناس حلق حولهم وكل فئة تتعصب لشاعرها فتزداد نار العصبية بذلك اتقاداً.

وثمة عامل آخر كان له أقوى الأثر في الحياة الأدبية عصرئذ هوالبلاط الأموي، وموقفه من الشعراء والخطباء. وكذلك موقف ولاة بني أمية منهم. فقد دأب خلفاء بني أمية وولاتهم على إكرام الشعراء الذين ينتجعونهم فأغدقوا عليهم الأموال بسخاء، فلا غروحتى يتجه الشعراء إلى فن المديح ويجعلوه فنهم الأول، وأن يتزاحم فحول الشعراء على أبواب الخلفاء والولاة يمدحونهم ويبالغون في إطرائهم ليظفروا بالعطايا والصلات، فإذا بفن المديح - الذي كان الجاهليون ينظرون إليه على أنه فن يزري بقائله - يغدوالفن الأول في الشعر العربي، وإذا بالشعراء المداحين يتنافسون في التقرب إلى أولي الأمر ليحظوا بالمال والشهرة فيخرج الشعر بذلك عن مساره الحق ويسلك مساراً آخر يبعد عن الصدق والأصالة.

وفي الميدان الفكري تظهر مؤثرات تتجه بالفكر العربي وجهات لا عهد له بها وتثير قضايا لم تخطر له من قبل، فيثور الجدل بين المسلمين في شؤون عقدية كالقضاء والقدر وحرية الإرادة والثواب والعقاب والكبائر ونحوها وتظهر الفرق الكلامية كالقدرية والمعتزلة والجهمية والمرجئة وغيرها ويشغل المسلمون بالجدل في هذه الأمور ويتلون الأدب الأموي من جراء ذلك بألوان فكرية تخصبه وتوسع آفاقه.


الفنون الأدبية في العصر الأموي

بلغت الفنون الأدبية التي تجاوز الحديث عنها في صدر الإسلام مستوى رفيعاً من النضج والنماء في العصر الأموي وهي: الشعر والخطابة والكتابة، وذلك لتضافر الكثير من العوامل.

الشعر

اتجاهات الشعر في العصر الأموي: بظهور الأحزاب السياسية في العصر الأموي ظهر لون حديث من الشعر لا عهد للعرب به من قبل هوالشعر السياسي، فكانت الأحزاب المصطرعة على الحكم تستعين بشعرائها لتأييد دعوتهم ومبادئها ومنافحة خصومها، فكان لكل من الأمويين والخوارج والشيعة والزبيرية ومعارضي الحكم الأموي عامة شعراؤهم الناطقون بلسانهم، الذائدون عنهم. وقد بلغ الشعر السياسي من جراء هذا الصراع غايته من الارتقاء والانتشار حتى كاد الطابع السياسي يغلب على جل الشعر المقول عصرئذ، وكان الشعر أمضى الأسلحة في مناهضة الأعداء والذود عن مبادئ الجماعة السياسية في ذلك العصر، ومن هنا كان بنوأمية حراصاً على اصطناع الشعراء المجيدين وإغداق الأموال عليهم.

وكان شعراء الحزب الأموي أكثر شعراء العصر الأموي احتفالاً بتنقيح شعرهم وتهذيبه والعناية بالبناء الفني لقصائدهم ليأتي شعرهم في الصورة المكتملة فنياً إرضاء لممدوحيهم، ولكن شعرهم كان في جله يخلومن الصدق لأن الدافع إلى قوله كان الرغبة في العطاء، ولهذا لا يدهش الباحث حتى يرى بعض شعرائهم ينقلبون على ممدوحيهم إذا قلب لهم الدهر ظهر المجن أوأصابهم غضب السلطان، صنيع الفرزدق مثلاً بالحجاج بعد موته وهجا قتيبة بن مسلم بعد مصرعه إرضاء لسليمان بن عبد الملك، وكان قد مدحهما قبل ذلك.

وكان شعراء هذا الحزب يستعينون بطائفة من الحجج لدعم سلطان بني أمية، فهم الذين اختارهم الله لتولي أمور المسلمين ولا راد لمشيئته، وهم أفضل من يتولى الخلافة لما اتصفوا به من عدل وسماحة وحزم وتقوى، وهم ورثة عثمان وأولياؤه، إلى غير ذلك من الحجج.

أما شعراء الخوارج فكان شعرهم يمثل الالتزام العقدي خير تمثيل، فهم إنما وقفوا إلى جانب هذا الحزب بدافع إيمانهم بمبادئه وتشربهم عقائده، لا رغبة في عطاء أومغنم، ومن هنا اتسم شعرهم بالصدق وتوقد العاطفة. وكانوا يقولون شعرهم عفوالبديهة، ولا يجنحون إلى تكلف أوتهذيب، لأنهم ما كانوا يتوخون إرضاء ممدوح أواجتلاب مغنم، وقد جعلوا شعرهم مجتلى مشاعرهم ومعرضاً لمبادئهم، وعلى حتى النثر أقدر على بيان المعتقدات والاحتجاج لها من الشعر نجد أنهم استطاعوا عرض طائفة من معتقداتهم في شعرهم كقولهم بالتساوي بين المسلمين جميعاً في حق تولي الخلافة، لا فضل لقبيلة على أخرى، وكذهابهم إلى إنكار التحكيم بين علي ومعاوية وتكفير علي لقبوله إياه، وغير ذلك من معتقداتهم.

وقد نحا الشيعة نحوشعراء الخوارج في التزامهم بيان معتقداتهم والاحتجاج لها في أشعارهم وعزوفهم عن التكسب بشعرهم - إلا قلة منهم - وكان أقوى حججهم قولهم بأن قريشاً أولى بتولي الخلافة من جميع القبائل وأن آل البيت هم أولى أسر قريش بهذا الأمر لقرابتهم من رسول الله e، وكانوا يأخذون على بني أمية اغتصابهم حق بني هاشم وعدم أخذهم بالكتاب والسنة في سياستهم أمور المسلمين.

وقد شهد العصر الأموي ازدهار فن آخر من فنون الشعر هوالشعر الغزلي الذي تفتحت براعمه في صدر الإسلام، وقد توافرت جملة من الدواعي لازدهار هذا الفن بأنواعه الثلاثة: الحضري والبدوي والنسيب. ازدهر الغزل في حواضر الحجاز، مكة والمدينة والطائف، وكان شعراء الغزل الحجازيون منصرفين في كثرتهم إلى اللهووسماع الغناء والتعرض للنساء، وقد وجدوا بين أيدهم وفرة من المال أفاءته الفتوح على قومهم فلم يحتاجوا إلى الكد في سبيل كسبه، كما وجدوا أنفسهم بعيدين عن مواطن الصراع السياسي في الشام والعراق وخراسان، فانصرفوا إلى الشعر الغزلي وافتنوا فيه افتناناً ارتقى به إلى مرتبة رفيعة لم يبلغها الشعر العربي في أي عصر من عصوره. وكان رائد هذا اللون من الغزل الشاعر القرشي عمر بن أبي ربيعة [ر].

والضرب الثاني هوالشعر الغزلي البدوي الذي ازدهر في بوادي نجد والحجاز خاصة، وقد عهد هؤلاء بصدق عاطفتهم وعفتهم، ومنهم من قاده عشقه إلى الهلاك، وزعيم هذه الطائفة جميل بن معمر [ر] الذي اشتهر بحبه لبثينة.

وقد وقف هؤلاء وأولئك جل شعرهم على الغزل ونهضوا بهذا الفن وأخصبوه بمعان جديدة وصور مبتكرة لم يعهدها الشعراء قبلهم.

والضرب الثالث من الغزل هوالنسيب الذي كان الشعراء يأتون به في مطالع قصائدهم، وقصائد المديح خاصة. وقد ارتقى النسيب كذلك والتزمه الشعراء في مطالع جل قصائدهم، وأطاله بعضهم إطالة تلفت النظر كجرير بن عطية.

وقد أدى احتدام العصبيات القبلية عصرئذ إلى وفرة الشعر المقول بدافع العصبية وهوالشعر القبلي. وإلى ظهور ضرب من الشعراء متصل بهذه العصبية وهوالمناقضات. وكان الجاهليون قد عهدوا طرفاً من هذه المناقضات ولكن لم يتح لها حتى تذيع وتكثر في ذلك العصر. فلما كان العصر الأموي أقبل الشعراء على المناقضات وأكثروا منها إكثاراً يلفت النظر، وكان النصيب الأوفى منها لشعراء الثالوث الفحول: جرير والفرزدق والأخطل، حتى لقد اجتمع لهم منها دواوين ضخمة.

ولهذا الضرب من الشعر أصول التزمها الشعراء المتناقضون، ومنها اتفاق القصيدتين في الوزن والقافية، ونقض جميع شاعر معاني خصمه. وقد نهض هذا الفن على أيدي شعراء العصر الأموي وبلغ غاية لم يبلغها في العصور الأدبية الأخرى. على حتى مما يشين النقائض ما احتوته من بذاءة لفظية وفحش وهتك للعورات.

وكانت المناقضات تدور في إطارين: إطار العصبية الواسعة بين الجذمين: العدناني والقحطاني، أوبين فرعي عدنان: مضر وربيعة.

والإطار الثاني هوإطار العصبية الضيقة بين قبائل تمت كلها إلى أصل واحد، كالمناقضات بين بني يربوع وبين دارم، وكلاهما من تميم، وشعراء هذه المناقضات هم جرير والفرزدق والبعيث، وكالمناقضات بين ابن ميادة المري والحكم الخضري، وكلاهما من قيس عيلان.

وثمة لون آخر من الشعر عهده العصر الأموي هوالشعر الزهدي، وهوشعر أوجدته حركة الزهد التي شهدها العصر الأموي وإن لم تبلغ فيه غايتها.

وقد شهد العصر الأموي كذلك ازدهار فن الرجز وظهرت فيه طبقة من الرجاز نهضوا بهذا الفن ونحوا به نحوالقصيدة وأطالوه إطالة مسرفة.

خصائص الشعر في العصر الأموي

حين يحاول الباحث تقصي خصائص الشعر في عصر بني أمية لا بد له حتى يقف عند جميع ضرب من ضروب الشعر التي ظهرت عصرئذ لئلا يقع في تعميم يبعده عن الدقة وأول الفنون الشعرية فن المديح.

فقد ظهر في العصر الأموي شعراء اتخذوا الشعر حرفة يتكسبون بها وأكبوا على العناية بشعرهم وتجويده وهم الشعراء المداحون، وقد نفقت سوق الشعر عصرئذ لتقريب الخلفاء والولاة الشعراء وإغداق الهبات عليهم، فراح الشعراء يتنافسون في تجويد شعرهم وتنقيحه بغية إرضاء الممدوحين والنقاد، وكان لهؤلاء الشعراء الفضل في الاتجاه بالقصيدة العربية نحوالنموذج الفني المكتمل، سواء من حيث بناؤها الفني أومن حيث إتقان الصياغة ومتانة الأسلوب واستنباط المعاني الجديدة.

وقد التزم هؤلاء الشعراء بناء القصيدة في صورته النموذجية، فهم يحرصون على استهلال قصائدهم بالوقوف على الأطلال والتخلص من وصف الأطلال إلى النسيب، يطيلون فيه تارة ويوجزون تارة أخرى، ثم ينتقلون إلى وصف الرحلة إلى الممدوح فيصفون الطريق وما لقوه فيه من أنواع الحيوان، وما كابدوه من مشقات السفر، حتى ينتهوا إلى المديح فيفيضون في تعداد مناقب الممدوح ومآثره من كرم وشجاعة ونبل محتد وغير ذلك، مع جنوح إلى المبالغة والتزويد. فإذا فرغوا من المديح هزوا أريحية الممدوح إلى العطاء حتى يبسط كفه لهم، وربما جنح بعضهم إلى شيء من الضراعة والإلحاح في الاستعطاء.

إن جنوح شعراء العصر الأموي إلى التكسب بشعرهم لم يكن ظاهرة جديدة في الشعر العربي، فقد بدأ الاتجاه إلى التكسب بالمديح منذ أواخر العصر الجاهلي، ولكن هذا الاتجاه لم يلق قبولاً لدى الكثيرين، فلما اتى العصر الأموي استشرت هذه الظاهرة وغلب المديح على فنون الشعر الأخرى وتبوأ المنزلة الأولى بينها، وظلت للمديح هذه المنزلة طوال العصر العباسي بعد ذلك. وحين تصدى الباحثون لتقويم هذا الشعر من الناحية الفنية اختلفت آراؤهم، فمنهم من رأى حتى هذا الاتجاه أضر بالشعر العربي وانحرف به عن مساره القويم وحط من منزلة الشعراء، لأن الشعر عندهم ينبغي حتىقد يكون صدى الشعور الصادق وتصويراً للعواطف الذاتية، بعيداً عن النفاق والكذب والزيف، ورأى آخرون حتى المعول على إجادة الصياغة وابتكار المعاني وليس على صدق العاطفة أوكذبها.

وعلى نحوما لوحظ في شعر المديح من إتقان الصنعة يلاحظ هذا الإتقان كذلك في فن الغزل الذي أصاب في عصر بني أمية ارتقاء لا نظير له، فقد افتن الشعراء - حضريهم وبدويهم - في ابتكار المعاني الغزلية التي لم تخطر في بال أسلافهم. ولوعاد الباحث إلى شعر ابن أبي ربيعة وحده لوجد فيه فيضاً من المعاني المبتكرة التي لم يسبق إليها، مع اتباع أسلوب حديث يلائم هذا الغزل. وشتان ما شعر شعراء الغزل الجاهليين وشعر الإسلاميين، سواء من حيث ابتكار المعاني أوالافتنان الأسلوبي أوالتعبير عن العواطف وتصويرها.

ومن الفنون الأخرى التي طرأ عليها التجديد فن الخمريات. وقد نهض خاصة على يد الأخطل والوليد بن يزيد. وفن آخر أصاب حظاً وفيراً من التطور والارتقاء في العصر الأموي هوفن الهاتى والمناقضات، فقد نقل شعراء الهاتى في ذلك العصر الهاتى من صورته البسيطة الساذجة عند شعراء الجاهلية إلى صورته المتقنة المعقدة، واستعانوا بألوان الثقافة التي انتشرت عصرئذ العقلية والدينية والأدبية لإسباغ ثوب حديث على هذا الهاتى. فظهرت فيه أساليب جديدة، وافتن الشعراء في ابتكار المعاني والصور الهجائية، وجنحت طائفة من الشعراء الهجائين إلى البذاءة اللفظية والصور الفاحشة ونهش الأعراض وذكر العورات. وقد تطور فن المناقضة بنوع خاص وأصبح للنقائض شروطها وأساليبها وطالت طولاً مسرفاً، فكان العصر الأموي بحق عصر نهوض فن النقائض وارتقائه.

وتتجلى في بعض أغراض الشعر الأموي روح إسلامية قوية مؤثرة تهجر صداها العميق في النفس. ومن المحقق حتى القرآن الكريم كان له أثره البين في الشعر الأموي، سواء من حيث الأغراض أوالمعاني أوالأسلوب. أعلام الشعراء في العصر الأموي: كان لكل حزب من الأحزاب السياسية شعراؤه الناطقون بلسانه، وكان من أبرز شعراء الحزب الأموي جرير والفرزدق والأخطل، وهؤلاء الثلاثة كانوا في الوقت عينه أشهر شعراء المناقضات في ذلك العصر. وقد اتصل جرير أول الأمر بالحجاج والي العراق ثم وفد على عبد الملك بن مروان واتصلت بعد ذلك مدائحه له ولمن اتى بعده من الخلفاء. أما الفرزدق فلم يكن هواه في بني أمية ولكنه مدحهم طمعاً في العطاء. واتصل الأخطل ببني أمية منذ زمن يزيد بن معاوية واجترأ على هاتى الأنصار وكاد معاوية حتى يبتر لسانه إرضاء لهم لولا تدخل يزيد، ثم أصبح بعدئذ شاعر بني أمية الأول.

ومن شعراء الحزب الأموي عبد الله بن همام السلولي، وعبد الله بن الزبير الأسدي، وعدي ابن الرقاع العاملي، والنابغة الشيباني، والبعيث المجاشعي، وأبوصخر الهذلي، وأبوالعباس الأعمى الذي ظل على وفائه لبني أمية حتى بعد انقضاء دولتهم.

أما الحزب الخارجي فأشهر شعرائه الطرماح ابن حكيم الطائي [ر] وقد كانت بينه وبين الفرزدق مناقضات كثيرة، وعمران بن حطان الذهلي [ر] رئيس القعدة من الصفرية وشاعرهم، وقطري بن الفاتىة [ر]، وقد بايعه الأزارقة أميراً للمؤمنين ثم انتهى أمره بالقتل، ومن شعرائهم كذلك عمروبن الحصين، ومعاذ ابن جوين، ويزيد بن حبناء.

ومن الشعراء الذين ناصروا الحزب الشيعي الكميت الأسدي [ر]، وكان من الزيدية، وقد نطق في مديح بني هاشم قصائد مطولة سماها «الهاشميات»، ومنهم كثير بن عبد الرحمن [ر]، وكان من الكيسانية، ولكنه لم ينبتر إلى مديحهم بل نطق أيضاً مديحاً في بني أمية فضلاً عن شعره الغزلي. ومنهم كذلك أبوطفيل عامر بن واثلة، وسليمان بن قتة، وعوف بن عبد الله بن الأحمر.

ولم يقف في صف الحزب الزبيري إلا شاعر واحد هوعبيد الله بن قيس الرقيات [ر] وكان بينه وبين مصعب بن الزبير صداقة وطيدة ونطق جلّ شعره في مدحه.

وثمة شعراء أيدوا الثورات والفتن التي نشبت في العصر الأموي ومنهم أعشى همدان [ر] الذي ناصر عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته وحرضه على قتال الحجاج، وقد ظفر به الحجاج بعد إخماد الثورة وقتله، ومنهم أبوجلدة اليشكري الذي ظاهر كذلك ابن الأشعث، وانتهى الأمر بمقتله.

وكان ثمة شعراء يرافقون المسلمين في فتوحهم، ويحرضون المقاتلين أويقولون الشعر في مديح قادة الجند والفاتحين، وأشهر هؤلاء كعب الأشقري الأزدي الشاعر الفارس، وقد شارك في قتال الأزارقة مع المهلب بن أبي صفرة، وله شعر مقول في فتوح ما وراء النهر ومديح قتيبة بن مسلم.

وفي ميدان الشعر الغزلي ثمة شعراء أصابوا شهرة بعيدة، وجلهم ينتمون إلى الحجاز ونجد، وشاعر الغزل الحضري غير المدافع هوعمر بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، وكان يعيش في بحبوحة ورغد فلم يجد ما يشغله فالتفت إلى التغزل بالنساء وأجاد هذا الفن وكانت له فيه منزلة الريادة.

وممن أجاد هذا اللون من الغزل أيضاً عبد الله بن عمر العرجي [ر] الذي ينتهي نسبه إلى عثمان بن عفان، وقد سبب له تعرضه لنساء الأشراف الأذى والسجن ومات في سجنه. ومنهم الحارث بن خالد المخزومي، وقد ولاه عبد الملك على مكة حقبة من الزمن، ومنهم أبودهبل الجمحي، وجل شعره مقول في امرأة اسمها عمرة. وبرز من الأنصار شاعر غزلي مشهور هوالأحوص عبد الله بن محمد الأوسي [ر]. وكان يتعرض لنساء المدينة ذوات الشأن فنفاه عاملها إلى جزيرة دهلك.

أما الغزل البدوي فكان رائده الأول جميل ابن معمر الذي تعشق بثينة ونطق جل شعره في التغزل بها فنسب إليها. وقد تتلمذ له شاعر مشهور هوكثير بن عبد الرحمن الذي تغزل بعزة ونسب إليها. ويبدوأنه لم يكن صادق الصبابة، على نقيض أستاذه، وقد تجاوز القول آنفاً أنه كان من شعراء الشيعة، وكان إلى ذلك كله مداحاً لعبد الملك وبني أمية.

ومن شعراء الغزل أيضاً قيس بن الملوح الذي عهد بمجنون ليلى [ر]. وقد أصبحت قصته نموذجاً للحب العذري الصادق الذي يقود صاحبه إلى التلف والهلاك.

وممن لقي مصير المجنون كذلك عروة بن حزام الذي تعشق ابنة عمه عفراء فلما أخفق في الزواج منها استطير عقله وظل يهذي بحبها حتى مات.

ومن هؤلاء الشعراء كذلك قيس بن ذريح [ر] الذي أحب لبنى الخزاعية وناله الإخفاق في حبه.

إن قصص العشاق العذريين تتشابه في أنها تدور كلها حول إخفاق الشاعر في الزواج ممن أحب وانتهاء أمره بالموت أوالجنون أوالجلاء عن الديار.

وثمة شاعر غزلي عفيف كان في الوقت عينه فقيهاً محدثاً هوعروة بن أذينة الكناني [ر]، وشعره يمثل الشعر الغزلي الحضري العفيف.

ومن أعلام الشعراء الغزليين من أهل البادية ذوالرمة غيلان بن عقبة [ر]، وكان يتغزل بفتاة اسمها مية، وهوأبرع من وصف الأطلال والديار، وغزله عفيف بعيد عن الفحش، وقد شهد له بالتقدم في الغزل فحول الشعراء عصرئذ.

واتجهت طائفة من شعراء العصر الأموي إلى وصف الخمرة، وممن برزوا في هذا الفن الأخطل التغلبي والوليد بن يزيد.

ومن أعلام الشعراء الذين تناولوا الشعر الزهدي والوعظي عروة بن أذينة الذي جمع بين الغزل العفيف والزهد، وأبوالأسود الدؤلي [ر]، وسابق البربري، ورابعة العدوية [ر].

وفي مقدمة الرجاز الأغلب بن عمروالعجلي، وأبوالنجم المفضل بن قدامة العجلي [ر]، والعجاج بن عبد الله التميمي [ر]، وابنه رؤبة [ر] الذي استوعب العصر العباسي.

ومن الشعراء الذين نافحوا عن قبائلهم القطامي عمير بن شييم التغلبي [ر]، وقد وقف إلى جانب بني تغلب ونافح عنهم حتى ثارت الحرب بينهم وبين قيس عيلان، ومنهم أيضاً عبيد بن حصين النميري المشهور بلقب الراعي [ر]، وكان من فحول شعراء العصر الأموي، ويعد من الشعراء الذين نصروا الحزب الأموي وله قصائد في مديح بعض خلفاء بني أمية.

الخطابة والمناظرات

ضروب الخطابة في العصر الأموي: عهد العصر الأموي أنواع الخطابة التي كانت شائعة في صدر الإسلام، إضافة إلى أنواع جديدة أوجدها تطور الحياة الفكرية والأحداث السياسية والاجتماعية وظهور الفرق الدينية والكلامية.

وفي مقدمة الأنواع الخطابية التي ازدهرت عصرئذ الخطابة السياسية، وقد توافرت جملة من العوامل لازدهارها من ذلك الصراع على الحكم، فإن استئثار بني أمية بالحكم وجعله وراثياً بعد حتى كان شورياً أثارا معارضة عنيفة من قبل فئات سياسية مناوئة للحكم الأموي وأبرزها: الحزب الخارجي، الحزب الشيعي،والحزب الزبيري، فضلاً عن نشوب ثورات تتوخى القضاء على الحكم الأموي كثورة ابن الأشعث وثورة ابن المهلب.

أدت وفرة الأحداث والصراع بين الأحزاب السياسية إلى ازدهار الخطابة السياسية ازدهاراً لم تشهد نظيره في أي من العصور، إذ كان لها الشأن الأول في استمالة الأنصار ومقارعة الخصوم وإرهاب الثائرين وتشجيع المناضلين وعرض حجج جميع من الأحزاب المصطرعة ومناظرة أعدائهم.

ويتصل بالخطابة السياسية الخطب الحربية، فقد استدعت حركة الفتح الإسلامي التي بلغت مداها الأقصى في عصر بني أمية وجود خطباء يذكون وقد الحماسة في نفوس المقاتلة ويحضونهم على مجاهدة أعدائهم. وكان قادة الجيوش في الغالب ممن يجيدون الخطابة، ومن هذا القبيل خطبة طارق بن زياد يوم فتح الأندلس، وخطب ولاة خراسان في تحريضهم الجند على القتال إبان الفتوح فيما وراء النهر كخطب قتيبة بن مسلم ويزيد بن المهلب وأسد بن عبد الله القسري وغيرهم.

وثمة ضرب من هذه الخطب تختلط فيه المعاني السياسية بالمعاني الدينية هوالقصص. فكان القصاص يرافقون الجيوش الغازية ويثيرون الحمية في النفوس عن طريق التمثل بالآيات القرآنية التي تحث على الجهاد وتذكير المجاهدين بما ينتظرهم عند الله من الثواب العظيم وربما استعانوا بأخبار فرسان العرب القدامى لتحقيق هذه الغاية.

والضرب الثاني من الخطابة هوالخطابة الدينية، وقد نالت هذه الخطابة حظاً وافراً من الازدهار والنماء في عصر بني أمية وإن لم تضارع الخطابة السياسية. ومرد ازدهارها إلى دواع شتى منها ظهور الفرق الدينية، وقد اكتسى حزبا الخوارج والشيعة مع الزمن ثوباً دينياً بعد حتى كانا حزبين سياسيين. وهذه الفرق كانت تستعين بخطبائها في الدعوة إلى مبادئها والرد على خصومها، وكثيراً ما كانت المناظرات تقوم بين الفريقين المتنازعين.

ومما ساعد على نموالخطابة الدينية كذلك حركة الزهد التي شهدها العصر الأموي، فقد ظهر في ذلك العصر جماعة من الزهاد وجهوا همهم إلى وعظ الناس وصدهم عن التهالك على ملاذّ الدنيا، وكان ظهور حركة الزهد رداً على انغماس عامة الناس في الشهوات، ولاسيما أولئك الذين أفاءت عليهم الفتوح أوالتجارة المال الكثير. وكان في مقدمة الوعاظ الحسن البصري الذي نذر نفسه لهداية القوم وتزهيدهم في الدنيا الفانية بمواعظ بلغت الغاية في بلاغتها وقوة أثرها.

وإلى جانب القصاص الذين كانوا يرافقون الحملات الغازية لحث الجند على الاستبسال في القتال وجدت جماعة أخرى من القصاص تلازم المساجد وتقوم بسرد القصص الديني وتفسير القرآن الكريم تفسيراً ممزوجاً بقصص الأنبياء وأخبار الأمم القديمة، وكان بعضهم يجنح إلى المبالغة والتزيد كي يستميلوا الناس إلى قصصهم.

ويضاف إلى هذه الأنواع من الخطابة الدينية تلك الخطب التي كانت تلقى في المساجد أيام الجمع وفي الأعياد، وكان الوعظ غالباً على هذه الخطب إلا أنها لم تكن تخلوأحياناً من التعرض للجوانب السياسية.

وثمة خطب كان يلقيها الزهاد بين أيدي الخلفاء والولاة لتزهيدهم في الدنيا وقد أطلق عليها لفظ «المقامات».

ومن ألوان الخطابة الدينية أخيراً الخطب المتصلة بعقائد المتحدثين. وقد شهد العصر الأموي ظهور أوائل الفرق الكلامية المرجئة والقدرية والمعتزلة والجبرية، وكان لكل من هذه الفرق نادىتها الذين يروجون لعقائدها ويجادلون خصومها، وكثيراً ما كانت المناظرات تقوم بين هؤلاء، جميع يدلي بحجته وأدلته، فارتقى بذلك فن المناظرة، وهوفن لم يعهده العرب قبل، وفي حين كانت ضروب الخطابة الأخرى قوامها العناصر العاطفية كان قوام المناظرات العناصر العقلية المنطقية، وقد بلغ هذا الفن غايته في العصر العباسي. والضرب الثالث من الخطابة هوالخطابة الحفلية. والمراد بالخطابة الحفلية الخطب التي كانت تلقى في المحافل والمجالس والأسواق لغرض من الأغراض المتصلة بالحياة الاجتماعية كالمفاخرة والتهنئة والتعزية والتكريم والشكوى وعقد النكاح وإصلاح ذات البين ونحوذلك.

وقد حظيت هذه الخطب بقسط وفر من النماء والارتقاء في العصر الأموي لتوافر دواعيها، فكانت الوفود تقدم على الولاة والخلفاء ويقوم خطباؤها فيلقون الخطب بين يدي الوالي والخليفة في الغرض الذي قدموا من أجله. وربما اجتمع في مجلس واحد خطباء من قبائل شتى فيجري بينهم التفاخر بقبائلهم والإشادة بمآثرها. وقد شهد العصر الأموي استعار نار العصبية القبلية على نحولم تعهده العصور السابقة وأدى استعارها إلى نموالشعر القبلي واتساع نطاقه من جانب وإلى كثرة المفاخرات القبلية من جانب آخر، ولاسيما بين خطباء العدنانية والقحطانية.

ومما يلفت النظر في ذلك انتنطق مراكز النشاط الأدبي من البوادي إلى الحواضر والأمصار المحدثة التي ازدحمت بأفواج المهاجرين إليها من شتى قبائل العرب، فأدى ذلك إلى وقوع المفاخرات بين خطباء تلك القبائل في تلك الحواضر فضلاً عما قام بين شعرائها من مناقضات. وقد ظلت الخطابة الحفلية التي كانت معروفة من قبل قائمة في العصر الأموي كخطب الإملاك وخطب إصلاح ذات البين وخطب التعزية وغيرها.

خصائص الخطابة في العصر الأموي

كان الخطباء الأمويون يعنون بتجويد خطبهم وتحبيرها وتنميقها حتى تأتي في الصورة التي يرتضونها ولمقد يكونوا يرسلون الكلام عفواً على البديهة - صنيع الجاهليين - وقد أثر عن البعيث الخطيب الشاعر قوله: «إنّي والله ما أوفد الكلام قضيباً خشبياً وما أريد حتى أخطب يوم الحفل إلا بالبائت المحكك».

وكان من ثمرة هذا التنقيح حتى اتىت خطب العصر الأموي منسقة الأفكار، مرتبة الأقسام، محكمة التسلسل. وتظهر هذه السمات على نحوجلي في خطبة زياد التي نطقها يوم قدم البصرة.

وكان من خطباء العصر الأموي من تعمد محاكاة أهل البادية في جزالة أسلوبهم وبداوة ألفاظهم. ويظهر الطابع البدوي في خطب الحجاج خاصة. على حتى أسلوب الخطابة الأموية كان يتفاوت بتفاوت أغراضها وموضوعاتها.

وقد ظلت خصائص الخطابة التي وجدت في خطب صدر الإسلام قائمة في الخطب الأموية، ومن ذلك استهلال الخطبة بذكر اسم الله وحمده وإلا كانت بتراء وتوشيحها بآي من القرآن الكريم وإلا كانت شوهاء، وقد يتمثل الخطيب بشيء من الشعر أوالرجز. وربما سقط السجع في طائفة من الخطب الأموية ولكن الخطباء ما كانوا يسرفون في الإتيان به كراهية محاكاة سجع الكهان، وكان النبي e وخلفاؤه يوصون الخطباء بتحامي هذا السجع.

وحين ظهرت الفرق الكلامية برزت الحاجة إلى تعليم أتباع جميع فرقة أصول الخطابة ووسائل الإقناع وتدريبهم على محاجة خصومهم بالبراهين والأدلة العقلية، وظهر صدى ذلك في خطبهم ومناظراتهم من حيث خصب الأفكار وتنسيقها وعمقها واستنادها إلى المنطق وأصول الجدل.

وفي الوسع القول إذا فن الخطابة لم يبلغ في أي عصر من العصور ما بلغه في العصر الأموي من النماء والنضج.

أعلام الخطباء في العصر الأموي

ظهر في العصر الأموي عدد وفر من الخطباء في شتى ضروب الخطابة، ومن اللافت للنظر في ذلك العصر ظهور جماعات من الخطباء تنتمي جميع منها إلى أسرة واحدة. ومن هؤلاء آل رقبة الذين ينتمون إلى قبيلة عبد القيس الربعية ومن الخطباء المشهورين في هذه الأسرة كرب بن رقبة وابنه مصقلة بن كرب، وهوأشهر خطباء هذه الأسرة، وكان أيام الحجاج. وقد ذكر الطبري حتى الحجاج لما ولج الكوفة بعد هزيمة ابن الأشعث أجلس مصقلة بن كرب إلى جانبه وأمره حتى يخطب فيشتم جميع امرئ بما فيه. وكان ابنه كرب بن مصقلة خطيباً مفوهاً كذلك، وكان له خطبة ينطق لها «العجوز» كان آل رقبة يفاخرون بها.

ومن الأسر التي اشتهرت بالخطابة كذلك آل الأهتم من قبيلة تميم، وهي أعرق الأسر العربية في الفن الخطابي، وعهد منها في العصر الجاهلي والإسلامي عمروبن الأهتم [ر]، وأخوه عبد الله بن الأهتم. وكان لعبد الله ولدان اشتهرا بالخطابة في عصر بني أمية هما صفوان ابن عبد الله بن الأهتم، وعبد الله بن عبد الله ابن الأهتم. وقد ذكر حتى عبد الله هذا ولج على عمر بن عبد العزيز فألقى بين يديه خطبة بليغة عرض فيها بأسلاف عمر من بني أمية.

وفي أواخر العصر الأموي ظهر من هذه الأسرة خطيبان أصابا شهرة بعيدة هما خالد بن صفوان بن عبد الله بن الأهتم، وشبيب بن شيبة ابن عبد الله بن عبد الله بن الأهتم، وكان لهذين الخطيبين شأن كبير في العصر العباسي كذلك.

ومن الأسر القرشية التي كان لها حظ واف من الشهرة الخطابية عصرئذ آل العاص، وهم من بني أمية. ومن مشهوري خطباء هذه الأسرة سعيد بن العاص [ر]، وهوأشهر خطبائها. ومنها كذلك عمروبن سعيد بن عمروبن العاص المعروف بعمروبن خولة - نسبة إلى أمه - وهومن الخطباء الذين فاخر بهم بنوأمية بني هاشم.

ومن الأسر التي اشتهرت بالخطابة الدينية في ذلك العصر أسرة فارسية الأصل تنتمي بالولاء إلى قبيلة رقاش البكرية، ومن هذه الأسرة يزيد بن أبان الرقاشي، وكان من القصاص المجيدين، وابن أخيه الفضل بن عيسى بن أبان القصاص. وكان عمروبن عبيد يحضرمجلسه، ثم اشتهر بعدئذ ابنه عبد الصمد بن الفضل الرقاشي.

إلى جانب هذه الأسر الخطابية ظهر عدد جم من الخطباء المجيدين، وقد تقدم القول إذا جميع حزب من الأحزاب السياسية كان يستظهر بطائفة من الخطباء للمنافحة عنه. وقد برز من الحزب الأموي خطباء من الأسرة الأموية أشهرهم معاوية بن أبي سفيان، وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان، وسليمان بن عبد الملك، وعتبة بن أبي سفيان، وعمروبن سعيد الأشدق.

وأشهر خطباء الحزب الأموي زياد بن أبي سفيان [ر]، والحجاج بن يوسف [ر]، وكلاهما من قبيلة ثقيف التي كانت تستوطن الطائف. وقد تجلى نبوغ زياد الخطابي منذ أيام عمر بن الخطاب، ونادىه عمر بالخطيب المصقع. وقد مهدت له براعته البيانية والحسابية وثقافته الطريق لتولي الإمارة أيام علي ومعاوية، فولاه علي فارس وكرمان، وبعد مقتل علي استماله معاوية إلى صفه واستحلفه بنسبه وولاه البصرة، وهي يومئذ تموج بالفتن والاضطراب، فاستطاع بحنكته السياسية وحزمه القضاء على الفتنة وحمل أهل البصرة على طاعة بني أمية وأشاع الأمن والاستقرار فيها. وما لبث معاوية حتى ضم إليه الكوفة بعد وفاة واليها المغيرة بن شعبة [ر]، فكان أول من جمع له العراقان. ولما توفي سنة 53هـ كان الأمن والهدوء يعمان أراتى العراق.

وقد سار الحجاج بن يوسف على خطا سلفه زياد ولكنه كان أكثر ميلاً إلى البطش وسفك الدماء. وكان يضارع في البراعة الخطابية، وشهد له معاصروه بذلك فنطق مالك بن دينار: «ما رأيت أحداً أبين من الحجاج، وإن كان ليرقى المنبر فيذكر إحسانه إلى أهل العراق وصفحه عنهم وإساءتهم إليه حتى أقول في نفسي: لأحسبه صادقاً وإني لأظنهم ظالمين له».

ومن ولاة بني أمية الذين اشتهروا بالخطابة خالد بن عبد الله القسري [ر] وأخوه أسد، وروح بن زنباع، وعبد الله بن عامر، وبلال بن أبي بردة الأشعري، والمهلب بن أبي صفرة، وابنه يزيد، وقتيبة بن مسلم، ونصر بن سيار.

وظهر من الخوارج كثرة من الخطباء المجيدين منهم قطري بن الفاتىة [ر]، وعبيدة بن هلال اليشكري، والمستورد بن علفة، وزيد بن جندب الإيادي، وقد أشاد الجاحظ بفصاحته وبراعته الخطابية، وعمران بن حطان شاعر الصفرية وخطيبهم، وصالح بن مسرح وقد اشتهر بقصصه ووعظه لأصحابه، والضحاك بن قيس الشيباني. وأشهر خطباء الخوارج في ذلك العصر هوأبوحمزة الخارجي الإباضي [ر]، وقد انتهت إلينا طائفة من خطبه تنبئ بمهارته البيانية المتفوقة.

وبرز من رجال الحزب الشيعي عصرئذ الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم، وقد ورثا عن أبيهما البلاغة والمقدرة الخطابية. ومن خطباء الشيعة كذلك زيد بن علي، رأس الزيدية، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، وحفيده عبد الله بن معاوية بن عبد الله، ومنهم كذلك صعصعة بن صوحان، والمختار الثقفي، وسليمان بن صرد زعيم التوابين، وعبيد الله بن عبد الله المري.

ومن خطباء الحزب الزبيري المبرزين عبد الله بن الزبير، وأخوه مصعب، وعثمان بن عروة بن الزبير، وأخوه عبد الله بن عروة، وكان هذا أبرع الزبيرية وكانوا يشبهونه في بلاغته بخالد بن صفوان.

وأشهر الخطباء الدينيين عصرئذ هوالحسن البصري [ر]، ولم يحظ أحد من رجال الدين بمثل المنزلة التي حظي بها الحسن في ذلك العصر، وعلى أنه كان من أصل غير عربي فقد أجاد الخطابة إجادة العرب الخلص، وذلك لأنه نشأ نشأة عربية بين مواليه الأنصار، حتى كانوا يشبهونه برؤبة بن العجاج، وشهد له أبوعمروابن العلاء بالفصاحة فنطق: «لم أر قرويين أفصح من الحسن والحجاج». وكان الحسن يعظ فيأسر القلوب ويسيل الدموع. وكانت حلقة «صاحب العمامة السوداء» أكثر حلقات المسجد ازدحاماً بالوافدين، وكانوا يشبهون كلامه بكلام الأنبياء، ولما توفي سنة 110هـ، كانت وفاته حدثاً عظيماً في تاريخ البصرة، وقد سار أهلها جميعاً في جنازته واشتغلوا به فلم تقم صلاة العصر في الجامع.

ومن فصحاء أهل الكلام وخطبائهم واصل ابن عطاء ، شيخ المعتزلة، وقد بلغ من مقدرته الخطابية أنه خطب خطبة كاملة تجنب فيها حرف الراء لئلا تظهر لثغته. ومن خطباء الوعظ سحبان بن زفر الوائلي [ر] الذي ضرب المثل ببلاغته، وقد رووا أنه خطب عند معاوية ذات يوم من صلاة الظهر حتى صلاة العصر. ومنهم كذلك عمر بن عبد العزيز الذي كان يكثر من وعظ الرعية، ومنهم الأوزاعي [ر]، وإياس بن معاوية [ر]، وجامع المحاربي، وصالح المري القاص.

ومن أشهر خطباء المحافل في ذلك العصر الأحنف بن قيس [ر] سيد بني تميم، والبعيث المجاشعي، والنخار بن أوس العذري، وصعصعة ابن صوحان.

الكتابة

عهد العرب الكتابة منذ العصر الجاهلي لتوافر الحاجة إليها، إذ كانوا يحتاجون إليها في كتابة العهود ومواثيق الأحلاف وصكوك التعامل والتبادل التجاري، وفي كتابة الرسائل، وغير ذلك. وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى القلم والكتابة نحوقوله تعالى: )ن، والقلم وما يسطرون( (سورة القلم، الآية 1). وكذلك نجد في الشعر الجاهلي ما يشير على فهم الجاهليين بالكتابة.

إلا حتى الكتابة لم تكن شائعة عصرئذ، إذ كان جل العرب على الأمية، وكانت الكتابة منتشرة في البيئات الحضرية أكثر من انتشارها في البيئات البدوية. وبقيام الدولة الإسلامية ازدادت الحاجة إلى الكتابة لتلبية متطلبات الدين الجديد، وانصرفت طائفة من كتاب الرسول e إلى كتابة الوحي، في حين عني آخرون بكتابة الرسائل. وقد ذكرنا حتى الكتابة في تلك الحقبة كانت بسيطة موجزة بعيدة عن التعقيد والزخرف.

فلما اتى العصر الأموي تعقدت الحياة وتطور المجتمع الإسلامي واتسعت رقعة الدولة فوجدت الحاجة إلى إنشاء الدواوين. وكان إنشاؤها قد بدأ في عهد عمر بن الخطاب الذي أنشأ ديوان العطاء، فلما اتى الأمويون أوجدوا دواوين أخرى كديوان الرسائل وديوان الجيش وديوان الخاتم.

ورافق إنشاء الدواوين بدء حركة التدوين الرقمي، فجمعت طائفة من الأخبار والسير والأشعار، وخطت رسائل من موضوعات شتى.

وقد ظهر في عصر بني أمية كتاب احترفوا صنعة الكتابة، وكان لكل خليفة ولكل وال كتابه. وكان ديوان الخراج يخط أول الأمر بلغة الدولة التي كانت قائمة قبل الفتح، فكان يخط بالعراق بالفارسية، وبالشام بالرومية،وكان يتولاه الموالي من الفرس والروم وغيرهم، وفي عهد عبد الملك بن مروان عرب هذا الديوان.

أما ديوان الرسائل فكانت لغته العربية منذ إنشائه، وكان يقوم عليه كتاب من العرب أومن الموالي الذين أجادوا العربية. ومن الكتاب المبرزين في ذلك العصر عمروبن نافع محرر عبيد الله بن زياد، وجناح محرر الوليد بن عبد الملك، وعبد الحميد الأصغر محرر سليمان بن عبد الملك، والليث بن رقية محرر عمر بن عبد العزيز، وسالم مولى هشام بن عبد الملك، وعبد الحميد المحرر [ر] محرر مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وهوأشهرهم.

كانت الكتابة تجري أول الأمر على السنن الذي كانت عليه في صدر الإسلام من حيث توخي البساطة والإيجاز ومجانبة التنميق والزخرف، ولكن تطور الحياة الاجتماعية والعقلية من جانب، وتولي الموالي - من الفرس خاصة - منطقيد الكتابة من جانب آخر، جميع ذلك أدى إلى تطور فن الترسل وتعقد أدواته.

وقد تأثر الكتاب الموالي بمناهج الكتابة وأساليب التعبير في لغاتهم الأصلية، فظهرت في طرائقهم الكتابية سمات لم تعهدها الكتابة العربية من قبل، ومن ذلك إطالة الرسائل والتكرار والترادف والإسراف في التنميق والصنعة. وأول من عهد بإطالة الرسائل عمروبن نافع محرر عبيد الله بن زياد، ولم يكن ابن زياد راضياً عن طريقته الكتابية التي تغاير ما ألفه العرب.

ثم اتى سالم محرر هشام بن عبد الملك فنهض بفن الكتابة الديوانية، وينطق إنه كان ملماً باللغة اليونانية وإن ما أوجده من سمات جديدة في الكتابة العربية مرده إلى تأثره بتلك اللغة، وهوقول يفتقر إلى ما يؤيده، ولم يصلنا من رسائل سالم إلا رسالة خطها على لسان هشام إلى خالد القسري عامله على العراق.

وعلى يد سالم هذا تخرج عبد الحميد المحرر، وهويمت إليه بصلة القربى. كان عبد الحميد مولى العلاء بن وهب القرشي، وهوفارسي الأصل، وكان في أول أمره ينتقل في البلدان ويفهم الصبيان في الكتاتيب، ثم التحق بديوان الرسائل بدمشق في عهد هشام بن عبد الملك وتخرج على يد زوج أخته سالم في فن الترسل. وقد اتصل بمروان بن محمد منذ عهد هشام وخط له، فلما صارت الخلافة إليه اتخذه محرراً لرسائله، ولازمه عبد الحميد حتى آخر أيامه وأبى حتى يتخلى عنه يوم أحيط به فقتل معه، وتمضى رواية أخرى إلى أنه توارى عند صديقه ابن المقفع ثم عثر عليه فقتل.

وعلى يد عبد الحميد تطور فن الترسل وبلغ غاية بعيدة من النضج،وجمهور الباحثين على حتى الكتابة الفنية إنما وجدت على يده، ولهذا قيل: «فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد» وقد انتهت إلينا طائفة من رسائله القصيرة والمطولة وتوقيعاته.

وأبرز ما تتسم به كتابة عبد الحميد إطالة التحميدات في صدور الرسائل، والإكثار من الترادف، والعناية بالتصوير الفني وبالجانب الموسيقي، وذلك من طريق اختيار الألفاظ والتوازن بين الجمل، والإتيان بالسجع أحياناً. وهويسرف في استعمال صيغة الحال. وكتابته بعيدة عن البساطة والعفوية اللتين عهدتا في الكتابة العربية من قبل وأثر الجهد والتكلف فيها واضح، وهويسرف في تنميق رسائله وزخرفتها بألوان الصنعة.

المصادر

  1. ^ إحسان النص. "الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-10.
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:39:41
التصنيفات: أدب عربي, أمويون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

لماذا تأخر رد طهران على اغتيال إسماعيل هنية؟.. الرئيس الإيرا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:23:22
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

ألمانيا تثير غضب جيرانها بسبب "إجراءات الحدود" ضد المهاجرين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:25:20
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

ولي العهد ورئيس الوزراء المصري يستعرضان العلاقات الثنائية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:24:55
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

آل أبو خضاعة مساعداً لشؤون المستشفيات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:24:50
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

معادن توقع اتفاقية اكتتاب بأسهم جديدة في شركة ألبا البحرينية

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:25:13
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 48%

رئيس إيران: نسعى إلى تنمية علاقاتنا مع مصر والسعودية والأردن

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:23:27
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 59%

التامني تسائل رئيس الحكومة حول "أحداث الفنيدق"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:23:23
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 83%

"صدمة لبرشلونة قبل انطلاق دوري أبطال أوروبا"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:23:25
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 80%

السنوار: المقاومة تحضر نفسها لحرب استنزاف تكسر خلالها إرادة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:23:32
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

جيسوس: سنواجه فريقاً صعباً - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:24:50
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 62%

ألمانيا تثير غضب جيرانها بسبب "إجراءات الحدود" ضد المهاجرين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:25:28
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

الشبكة اليمنية: الحوثي يختطف موظفَين بمنظمات أممية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-16 18:24:49
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية