ابن القرية
ابن القِرِّيَّة هوأيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي (توفي 84هـ/703م) أحد البلغاء الفصحاء، برع في الخطابة حتى صار يضرب المثل به؛ فينطق: أبلغ من ابن القِرِّية. وقد شهد له بالتفوق في الفصاحة والخطابة فهماء كبار، منهم الأصمعي الذي نطق: أربعة لم يلحنوا في جِدٍّ ولا هزل: الشعبي، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية.
وهومن الأعراب الأميين، عاش في العصر الأموي، وكان يتردّد إلى موضع ينطق له: عين التمر (غربي الكوفة)، فاتصل بالحجاج، وكان والياً للأمويين على العراق، فأُعجب بفصاحته ومقدرته على تصريف الكلام والبيان؛ فأوفده على الخليفة عبد الملك بن مروان؛ ليسمع من كلامه.
والقِرّيَّة: أمّه، وهي خماعة بنت جُشَم بن ربيعة، واسم أبيه: زيد (وينطق: يزيد) بن قيس بن زرارة النمري الهلالي.
أما خبر مقتله ومحاورته الحجاج قبل ضرب عنقه؛ فقد رُوي حتى ابن الأشعث خلع طاعة الأمويين، فرأى الحجاج حتى يبعث ابن القرّية؛ ليحاوره، ويردّه إلى طاعتهم. لكن ابن القِرِّية لما قابل ابن الأشعث غير موقفه، والتحق بجيشه، وشهد معه سقطة دير الجماجم (بظاهر الكوفة)، وكان شجاعاً، فلما انهزم ابن الأشعث أُسر ابن القرِّية وسيق إلى الحجاج، ولما أُحضر بين يديه موثقاً نطق له الحجاج: يا بن القرّية، ما أعددت لهذا الموقف،يا ترى؟ نطق: أصلح الله الأمير! ثلاثة حروف كأنهن ركْب وقوف: دنيا، وآخرة، ومعروف. فنطق الحجاج: أَخْرِج مما قلت، نطق: أعمل، أما الدنيا فمال حاضر، يأكل منه البر والفاجر؛ وأما الآخرة فميزان عادل، ومشهد ليس فيه باطل؛ وأما المعروف فإن كان علي اعترفت، وإن كان لي اغترفت، نطق: إما لا، فاعترف بالسيف إذا سقط بك. نطق: أصلح الله الأمير! أقلني عثرتي، وأَسِغْني ريقي، فإنه ليس جواد إلا له كبوة، ولا شجاع إلا له هبوة، فنطق الحجاج: كلا، والله لأرينّك جهنّم، نطق: فأرحني، فإني أجد حرّها، نطق: قدّمه يا حَرَسيّ، فاضرب عنقه. فلما نظر إليه الحجاج يتشحّط في دمه نطق: لوكنا هجرنا ابن القرّيَّة حتى نسمع من كلامه.
وله أخبار كثيرة مبثوثة في خط الأدب والتاريخ. منها:
- سأل الحجاج ابن القرية عن الصبر فنطق: كظم ما يغيظك واحتمال ما ينوبك.
- ونطق أيضاً: الرجال ثلاثة؛ عاقل وأحمق وفاجر، فالعاقل إذا تكلّم أجاد، وإن سمع وعى، وإن نطق نطق بالصواب؛ والأحمق إذا تكلّم عجل، وإن حُدِّث ذهل، وإن حمل على القبيح عمل؛ والفاجر: إذا ائتمنته خانك وإن حادثته شانك. وفي حديث آخر: وإن ائتمنته سراً لم يكتمه عليك.
- نطق الجاحظ: سأل الحجاج ابن القرية عن أضيع الأمور،يا ترى؟ فنطق: سراج في شمس، ومطر في سبخة، وبِكْر تُزَفّ إلى عنين، وطعام متأنّقٌ فيه عند سكران، ومعروف عند غير أهله.
المصادر
- أحمد نتوف. "ابن القِرِّيَّة (أيوب بن زيد ـ)". الموسوعة العربية.
للاستزادة
- المضىي، سير أعلام النبلاء، تحقيق محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي (دار الفكر، 1997).
- ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم (دار المعارف، مصر 1970).
- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري (دار الفكر، بيروت 1995).