اغتيال فترة (منطق)
--نبيل عبدالقادر عبدالوهاب 03:32، 17 نوفمبر 2012 (EST) اغتيال فترة
للمحرر: مؤمن بسيسو
اتساع نطاق اللقاءة
سبل اللقاءة
مآلات اللقاءة
مع اغتيال أحمد الجعبري القائد الكبير في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس تكون إسرائيل قد اغتالت فترة، واختطت الطريق لفترة جديدة ذات أبعاد خطيرة في لقاءة المقاومة الفلسطينية.
لم نفرغ بعد من تدوين دروس السياسة والميدان التي حملتها جولة التصعيد الأخيرة التي استمرت بضعة أيام الأسبوع الماضي حتى باغتنا الانفجار الكبير بأسرع مما كنا نعتقد ويعتقد الكثيرون.
اتساع نطاق اللقاءة
لم يساور أحد من السياسيين والمراقبين أدنى شك طيلة الأشهر الماضية في حتى لحظة اللقاءة والصدام الكبرى بين إسرائيل من جهة، وحماس وقوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من جهة أخرى آتية لا ريب فيها، وأن المسألة هي مسألة وقت فحسب، وأن نقطة الصفر تقترب سريعا للغاية من ملامسة الواقع.
منذ انتهاء الحرب على غزة مطلع عام 2009 التي عجزت إسرائيل فيها عن تحقيق معظم أهدافها كان واضحا حتى العجز الإسرائيلي عن القضاء على قوى المقاومة الفلسطينية واستمرار تعاظم قدراتها العسكرية ومواصلة إطلاقها للصواريخ على جنوب الدولة العبرية، من شأنه حتى يعيد إنتاج المعركة من حديث في سياق ظروف ومناخات مواتية مهما طال الزمن.
""
اتىت جريمة اغتيال الجعبري لتخلط جميع الأوراق، وتعقّد جميع الحسابات، وتنهي تماما من القاموس الميداني مصطلح "جولة" الذي اعتدنا على وسم تضاريس الصراع واللقاءة مع الاحتلال به، وتؤذن ببدء فترة جديدة من اللقاءة المفتوحة مع الاحتلال " " |
ومع اندلاع ثورات الربيع العربي أدركت إسرائيل حتى هامش عملها العسكري الذي تمتع بالأريحية الكاملة في الماضي قد تقلص كثيرا، وأن ضرب المقاومة الفلسطينية وبناها التحتية من جهة، وإجبار حركة حماس على لعب دور الشرطي في منع قوى المقاومة من إطلاق الصواريخ من جهة أخرى، بات حاجة إستراتيجية أكثر إلحاحا في خضم المتغيرات الإقليمية التي لا تصب –إجمالا- في الصالح الإسرائيلي.
إلى غير ذلك تضافرت مجموعة من العوامل والاعتبارات في نقل موجات التصعيد المحسوب المتفرقة التي طغت على مشهد العلاقة بين إٍسرائيل وقوى المقاومة خلال فترة ما بعد الحرب على غزة إلى دائرة التصعيد الواسع التي تعتمل حاليا، وأهمها اقتراب السباق الانتخابي في إسرائيل من ميقاته المعلوم نهاية يناير/كانون الثاني القادم وتعويل نتنياهووباراك على استثمار نتائج الحملة العسكرية الراهنة وما يتسقطانه من عودة الهدوء إلى جنوب إٍسرائيل كإنجاز كبير يسهم في حمل أسهمهما وحظوظهما الانتخابية، فضلا عن حسابات سياسية تتعلق بتأجيل الحرب على إيران ودفع معضلة غزة إلى القابلة من جديد، وحسابات عسكرية أخرى تتعلق بضغط المستوى العسكري الإسرائيلي المتكرر لتطبيق عملية واسعة ضد المقاومة في غزة بهدف إضعاف قدراتها العسكرية، واستعادة قدرة الردع المتآكلة، وإعادة الهدوء إلى المناطق الجنوبية في الدولة العبرية.
ومن هنا اتىت جريمة اغتيال الجعبري لتخلط جميع الأوراق، وتعقّد جميع الحسابات، وتنهي تماما من القاموس الميداني مصطلح "جولة" الذي اعتدنا على وسم تضاريس الصراع واللقاءة مع الاحتلال به، وتؤذن ببدء فترة جديدة من اللقاءة المفتوحة مع الاحتلال.
ورغم اتساع نطاق اللقاءة والصدام، ومحاولة حكومة الاحتلال ومؤسسته العسكرية الإيحاء بفتح جميع الخيارات في لقاءة غزة ومقاومتها، إلا حتى تضاريس الفترة والواقع يجعل من تطور اللقاءة الحالية الشبيهة بالحرب المصغرة والمحدودة، والقائمة أساسا على تطبيق الاغتيالات والضربات والقصف الجوي، إلى حرب مفتوحة بمعنى الحدثة على شاكلة حرب عام 2008 و2009، أمرا صعبا ومتعذرا لاعتبارات سياسية وعسكرية وإستراتيجية.
وبقراءة موضوعية لسيرورة وتفاصيل اللقاءة التي بدأتها إسرائيل باغتيال الجعبري يمكن الجزم بأن شكل وآلية تطبيق الحملة استهدف إرباك حماس وقوى المقاومة وإفقادها صوابها، ودفعها إلى كشف جميع أوراق القوة لديها، وحشرها في أتون لقاءة مفصلة تماما على المقاس الإسرائيلي بغية فرض اشتراطاتها الميدانية من منطلق اليد الإسرائيلية العليا.
وبمنطق الواثق الذي تحسّب طويلا للحظة الصدام الراهنة تدرك حماس وقوى المقاومة ألا مفر من اللقاءة ودفع الثمن، وخصوصا حتى الاحتلال قد فرض توقيت وحجم المعركة هذه المرة، لكن الفارق أكثر ماقد يكون تجليا في حجم الاستعداد لتحمل الألم واستيعاب المعاناة ما بين أهالي القطاع الذين تجذرت فيهم قيم ومعاني الصمود وبين الإسرائيليين الذين سكنهم الرعب وفروا مذعورين من مناطق القصف الصاروخي الفلسطيني.
سبل اللقاءة
في لقاءة هذا التطور الخطير يجب على حكومة حماس وقوى المقاومة في غزة حتى تبادر إلى سلسلة من المراحل الهامة والإجراءات الدقيقة على المستوى الميداني والسياسي والإعلامي والجماهيري.
ميدانيا، ينبغي إعلان حالة الطوارئ القصوى على مستوى قطاع غزة بشكل تام في أبعادها العسكرية والأمنية والصحية والاقتصادية والإدارية، وتفعيل غرفة العمليات العسكرية المشهجرة التي تضم كافة القوى والتشكيلات العسكرية الفاعلة والحية بهدف تنسيق وتأطير الجهد المقاوم وضمان هجريزه ميدانيا بما يحقق أعلى قدر ممكن من الأهداف الموضوعة.
وغني عن القول إذا توقف قوى المقاومة عن ممارسة ردودها المنفردة على عدوان الاحتلال والالتزام بالقرارات الجمعية الموحدة، يشكل ارتقاء جمعيا واعيا لقوى المقاومة إلى مستوى خطورة اللحظة الراهنة، ويجسد خطوة هامة ومتقدمة إلى الأمام للإثخان في الاحتلال ولقاءته بموقف فلسطيني مقاوم موحد من شأنه حتى يربك حساباته التي تعتمد بث الفرقة ودق الأسافين بين قوى المقاومة ومكوناتها المتنوعة.
سياسيا، ينبغي مواصلة الضغط الفلسطيني على الجوار العربي، وعلى رأسه مصر والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بهدف التدخل القوي والفاعل لوقف إجرام الاحتلال ضد أهالي القطاع، وإلزام المجتمع الدولي بوضع حدّ للتغول الإسرائيلي الضخم على غزة وأهلها الصامدين.
""
ينبغي مواصلة الضغط الفلسطيني على الجوار العربي، وعلى رأسه مصر والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بهدف التدخل القوي والفاعل لوقف إجرام الاحتلال ضد أهالي القطاع " " |
وهنا لا يكفي اللوذ بالموقف المصري الرسمي بسحب السفير المصري من تل أبيب وإيفاد رئيس الوزراء هشام قنديل إلى غزة على أهميته، إذ يجب مواصلة حثّ مصر على اتخاذ مواقف أكثر عملية لوقف العدوان من واقع حتى مصر مشفوعة بدعم هجري وعربي عام هي الدولة الأكثر أهلية للتصدي للعنجهية الإسرائيلية وإجبارها عبر وسائل وخطوات جادة على وقف عدوانها الواسع ضد أهالي القطاع.
وعليه، فإن الدولة المصرية مطالبة اليوم بوضع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية، واتفاقية كامب ديفيد في قلب المعركة الدائرة، وإنذار إٍسرائيل والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي بإلغاء الاتفاقية وبتر العلاقات حال استمرار العدوان، وما يستتبعه ذلك من التهديد بإعلان حالة الطوارئ في الجيش المصري ونشره على طول الحدود مع الدولة العبرية.
ويحيط بذلك كله موقف وطني عال ومسؤول يجب حتى يضطلع به الرئيس "أبومازن"، فهويقف اليوم أمام محك الاختبار العملي في لقاءة الإجرام الإسرائيلي، وبه تناط مسؤوليات الاصطفاف إلى جوار أبناء شعبه الذين يتعرضون للنار المحرقة في قطاع غزة، وتفعيل سبل التواصل الإقليمي والدولي في لقاءة العدوان الإسرائيلي على أهالي القطاع، والمبادرة بإعلان وقف التعاون الأمني مع الدوائر الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
إعلاميا، ينبغي تشكيل غرفة عمليات إعلامية فلسطينية مشهجرة تضم كافة الأطياف السياسية والمؤسساتية بهدف توحيد الجهد الإعلامي الرامي إلى فضح الاحتلال وتعرية جرائمه على المستوى الإقليمي والدولي.
جماهيريا، ينبغي حتى تُسيّر الفعاليات الجماهيرية الكبرى في الضفة الغربية وقطاع غزة أمام مقار الأمم المتحدة وممحرر التمثيل الخاصة ببعض الدول الهامة في غزة، بهدف إيصال رسائل فلسطينية شعبية موحدة تدعوالمجتمع الدولي ودوله الفاعلة للتدخل العاجل لوقف العدوان، وتضعهم أمام مسؤولياتهم القانونية والإنسانية والأخلاقية في حماية المدنيين الأبرياء من البطش والعربدة والإرهاب الإسرائيلي.
مآلات اللقاءة
يصعب رسم سيناريودقيق مكتمل المعالم والأركان لفحص آفاق المعركة ومآلات اللقاءة الدائرة بين المقاومة والاحتلال في ظل الشحن العاطفي الضخم الذي ولده استهداف قيادي كبير بوزن القائد الجعبري، وفي ظل قيام كتائب القسام بوضع مدينة تل أبيب التي تشكل العاصمة العملية لإسرائيل في مرمى صواريخها عقب استهدافها بصواريخ فجر "5" المتطورة، في تطور بالغ الأهمية يكسر جميع الخطوط الحمراء، ويغير تماما قواعد اللعبة الدارجة بين قوى المقاومة والاحتلال.
وإذا ما أدركنا حتى أحد أبرز الأهداف التي يرمي إليها الاحتلال من وراء حملته العدوانية يستهدف إجبار حماس التي تدير شؤون القطاع على ضبط الجبهة الميدانية ومنع إطلاق الصواريخ، فإن طول أوقصر أمد المعركة يفترض أن يتحدد أساسا وفقا لمدى استعداد حماس لتجرع الأذى والضربات العسكرية المتنوعة التي قد تمتد لاحقا حسب بعض السيناريوهات لتشتمل على استهداف القيادات السياسية للحركة إذا ما فشلت وساطات التهدئة التي تستحثها إسرائيل عبر وسطاء أوروبيين حاليا.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أبرز المحددات التي تسهم في صوغ مقاربة لمآلات اللقاءة الحالية، وبالتالي رسم السيناريوالأقرب لمشهد النهاية المتسقطة، وهي كالتالي:
""
صمود حماس وحكومتها وقوى المقاومة المتنوعة، وعدم رضوخهم للضغط الإسرائيلي، من شأنه حتى يجبر إسرائيل على إعادة تقييم موقفها من مسألة استمرار المعركة وإطالة أمدها " " |
أولا- مدى صمود حماس والمقاومة: لا يخفى حتى صمود واستمرار حماس وحكومتها وقوى المقاومة المتنوعة، وعدم رضوخهم للضغط الإسرائيلي، من شأنه حتى يجبر إسرائيل على إعادة تقييم موقفها من مسألة استمرار المعركة وإطالة أمدها.
والثابت حتى حكومة وجيش الاحتلال قد فوجئوا بحجم القدرات الصاروخية لقوى المقاومة، وباتوا في مسقط الحرج أمام شعبهم في ظل استمرار تساقط الرشقات الصاروخية الكثيفة على جنوب إسرائيل، ولم يعد أمامهم من مجال سوى تكثيف مدى وحجم عدوانهم عبر حمل وتيرة الاغتيالات بحق كوادر المقاومة العسكريين، ولربما الشروع في اغتيال القيادات السياسية للمقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، أوالشروع في استجداء التهدئة عبر بعض الوساطات.
إلى غير ذلك فإن مسار اللقاءة الدائرة قد يتحدد مع مصير الوساطات التي تتفاعل حاليا لإنجاز تهدئة توقف العدوان على أرضية الرعاية والدعم الإقليمي والدولي.
ثانيا- مدى جدية الموقف المصري: وبكل تأكيد فإن المدى الذي يمكن حتى يبلغه الموقف المصري في إطار لقاءة العدوان الإسرائيلي سيلعب دورا رئيسيا في تحديد آفاق ومستقبل الحملة الإسرائيلية الحالية.
ومن خلال استقراء الموقف المصري الراهن يمكن الوثوق بأن إسرائيل لن تغامر بإخراج حملتها العسكرية عن نطاقها الجوي الراهن بعمل قوة الموقف المصري، وستعمد إلى محاولة استنبات هدنة ميدانية خلال الساعات أوالأيام المقبلة بحيث تحفظ ماء وجه الاحتلال قبل حتى تخرج الأمور عن السيطرة وما يعنيه ذلك من حرج بالغ لموقف الثنائي نتنياهوباراك الذي يقود المعركة على غزة ومقاومتها.
ثالثا- طبيعة الموقف الدولي: وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال طبيعة الموقف الدولي إزاء اللقاءة الدائرة، فهويعمل كمحدد مهم في التأثير على السياسة الإسرائيلية سلبا أوإيجابا.
وحتى اللحظة فإن المجتمع الدولي يقف موقفا سلبيا إزاء عدوان الاحتلال، وخصوصا الموقف الأميركي الداعم للعدوان، وممالأة مجلس الأمن وعدم توازن المنظمات الدولية الأخرى في التعاطي مع الجرائم الإسرائيلية.
رابعا- مدى تماسك الموقف الإسرائيلي الداخلي: من شأن وحدة الموقف الإسرائيلي الداخلي حتى يجعل نتنياهووباراك أكثر جرأة في خوض غمار المعركة حتى النهاية، متسلحيْن بدعم مطلق من المؤسسة العسكرية وشبكة أمان سياسية وحزبية واجتماعية داعمة.
وبالعكس من ذلك، فإن انقسام الموقف الإسرائيلي الداخلي، وظهور أصوات ومواقف مهمة رافضة، كفيل بإرباك وإضعاف موقف نتنياهووباراك وقيادة المؤسسة العسكرية، وحملهم على تقصير أمد المعركة واستجلاب الحلول السياسية لها.
""
الحقيقة الأكيدة حتى الفلسطينيين لا يملكون الكثير من أوراق القوة في لقاءة سعة القدرات العسكرية للاحتلال, لكنهم يملكون إرادة الصمود والتحدي والثبات على هذه الأرض الطاهرة " " |
إن الحقيقة الأكيدة حتى الفلسطينيين لا يملكون الكثير من أوراق القوة في لقاءة سعة القدرات العسكرية للاحتلال وتفوق ترسانته الحربية، لكنهم يملكون –في اللقاء- إرادة الصمود والتحدي والثبات على هذه الأرض الطاهرة المباركة، وهوسلاح معنوي وأخلاقي محصّن بقوة الحق الذي تكتنزه قضيتهم العادلة وغير قابل للانكسار بأي حال من الأحوال.
صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي ما زال طويلا، ويعتمد أساسا على سياسة النفس الطويل وامتصاص الضربات ومراكمة الإنجازات، وهوصراع دامٍ وقوده الدم والعرق والدموع، ولا يتألم فيه الفلسطينيون لوحدهم بقدر ما يتألم الصهاينة الآخرون.
الحملة العدوانية التي بدأها الاحتلال على غزة، صغيرة كانت أم كبيرة، لن تحقق أهدافها، وستمضي حملة "عامود السماء" كما مضت حملة "الرصاص المصبوب" من قبل، وسيبقى شعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة شامخا عزيزا وأكثر تجذرا بأرضه وتمسكا بحقوقه، ولن ينال منه بطش وإرهاب الاحتلال رغم جميع الآلام والمحن والجراح والتحديات.
وبهذه الحملة العدوانية الجديدة تكون إسرائيل قد أطلقت السهم الأخير في كنانة عدوانها ومخططاتها الإجرامية ضد قطاع غزة وقواه المقاومة، ولم يعد في جعبة تهديداتها ما يمكن حتى تلوّح به في وجه قوى المقاومة مستقبلا، وهوما يعبّد الطريق أمام فترة جديدة من الفشل والتراجع الإسرائيلي.
المصدر:الجزيرة