حرب الريف 1920، وتسمى أيضاً الحرب المغربية الثانية، نشبت بين إسپانيا، ولاحقاً ساعدتها فرنسا ضد جمهورية الريف المغربية.

خلفية

الوضع في المغرب

كان المغرب في بداية القرن العشرين يعاني من ضعف وانقسام شديد، تمثل في انقسام الأسرة الحاكمة وصراعاتها الداخلية، واستعانة أطراف هذا الصراع للبقاء على العرش بالقوى الخارجية، أما الوجه الآخر فتمثل في التنافس الاستعماري الشرس بين الدول الكبرى للسيطرة على المغرب وتأمين نفوذها ومصالحها فيه، وبخاصة فرنسا التي كانت تتحين الفرصة للانقضاض على المغرب، غير أنها وجدت إنجلترا وألمانيا واقفتين لها بالمرصاد؛ فلجأت إلى إرضاء إنجلترا من خلال الاتفاق الودي سنة 1904 الذي أطلق يدها في المغرب، أما ألمانيا فاضطرت إلى إعطائها جزءًا من الكاميرون حتى تقر باحتلال فرنسا لمراكش في أربعة نوفمبر 1911.

وفرض الفرنسيون الحماية على المغرب في 30 مارس 1912 وبعد أيام قام المغاربة بثورة عارمة في فاس ثار فيها الجيش والشعب، تزعمها المجاهد "أحمد هبة الله"، وكانت الفوزات فيها سجالا بين الفريقين، وانتهى الأمر بوفاة الرجل، وتمكن الفرنسيون من بسط نفوذهم على المغرب أثناء الحرب العالمية الأولى.

الريف والإسپان

كانت منطقة النفوذ الأسباني حسب اتفاقية [[1904 مع فرنسا تضم القسم الشمالي من مراكش، التي تنقسم إلى كتلتين: شرقية وتعهد بالريف، وغربية وتعهد بالجبالة، وتكاد بعض جبال الريف تتصل بمنقطة الساحل. وتتميز مناطقها الجبلية بوعورة المسالك وشدة انحدارها، غير أنها أقل خصبا من منطقة الجبالة. وتمتد بلاد الريف بمحاذاة الساحل مسافة 120ميلا وعرض 25 ميلا، وتسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل بربري، أهمها قبيلة بني ورياغل التي ينتمي إليها الأمير الخطابي.

وعندما بدأ الأسبان ينفذون سياسة توسعية في مراكش، صادفوا معارضة قوية داخل أسبانيا نفسها بسبب الهزائم التي تعرضوا لها على يد الأمريكيين في الفليبين وكوبا، فعارض الرأي العام الأسباني المغامرات العسكرية الاستعمارية، إلا حتى المؤيدين احتجوا بأن احتلال مراكش ضروري لتأمين الموانئ الأسبانية الجنوبية، وضَمَّ رجال الدين صوتهم إلى العسكريين.

وكان الأسبان يعهدون شدة مقاومة أهل الريف لتوسعهم، فاكتفوا في البداية بالسيطرة على سبتة ومليلة، ثم اتجهوا بعد ذلك إلى احتلال معظم الموانئ الساحلية المحيطة بمنطقة نفوذهم، وكانت خطتهم تقوم على حتى تتقدم القوات الأسبانية عبر منطقة الجبالة لاحتلال مدينة تطوان، التي اتُّفق على حتى تكون عاصمة للمنطقة الأسبانية، لكن ظهر في الجبالة زعيم قوي هو"أحمد بن محمد الريسوني" الذي حمل لواء المقاومة منذ سنة 1911 حتى تولاها منه الأمير الخطابي.

وقد اصطدم الريسوني بالأسبان عندما احتلوا ميناء أصيلة الذي كان يعتمد عليه في استيراد الأسلحة، وبعدها ساروا إلى احتلال مدينة تطوان، فسقطت مصادمات بينهم انتهت بصلح اتفق فيه على حتى تكون الجبال والمناطق الداخلية للريسوني، والساحل للأسبان، غير حتى الأسبان نقضوا العهد، وطاردوه، وتوغلوا في بلاد الجبالة بخسائر فادحة، واستطاعوا حتى يحتلوا مدينة شفشاون أبرز مدينة في تلك البلاد في (صفر 1339هـ = أكتوبر 1920م).

ثورة عبد الكريم الخطابي

كانت الثورة الثانية ضد الأسبان هي ثورة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، زعيم قبيلة بني ورياغل، أكبر قبائل البربر في بلاد الريف، وقد وُلد الأمير سنة 1881 في بلدة أغادير، لأب يتولى زعامة قبيلته، فحفظ القرآن الكريم صغيرا، ثم أوفده أبوه إلى جامع القرويين بمدينة فاس لدراسة العلوم العربية الدينية، ثم التحق بجامعة سلمنكا بأسبانيا، فحصل منها على درجة الدكتوراه في الحقوق، وبذلك جمع بين الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة وبعض النواحي من الثقافة الأوروبية، ثم عُين قاضيا بمدينة مليلة التي كانت خاضعة لأسبانيا، وأثر فيه عندما كان قاضيا مشهد ضابط أسباني يضرب عربيا بالسوط في شوارع مليلة، ويستغيث ولا يغاث، عندها رأى الوجه القبيح للاستعمار، وأدرك حتى الكرامة والحرية أثمن من الحياة.

تولى الأمير الخطابي زعامة قبيلة بني ورياغل، وقيادة الثورة في بلاد الريف، وهوفي التاسعة والثلاثين من عمره، فزحف الجنرال سلفستر قائد قطاع مليلة نحوبلاد الريف، واحتل بعض المناطق دون مقاومة تُذكر، واحتل مدينة أنوال، وتقدم اثني عشر ميلا بعدها؛ فظن حتى قبائل بني ورياغل خضعت له، ولم يدرِ حتى الأمير الثائر أراد حتى يستدرجه إلى المناطق الجبلية ليقضي عليه تماما، وأنه ادخر رجاله لمعركة فاصلة.

بلغ قوام الجيش الأسباني بقيادة سلفستر 24 ألف جندي استطاع حتى يصل بهم إلى جبل وعران قرب أغادير مسقط رأس الأمير، وعندها قام الخطابي بهجوم معاكس في 1 يوليو1921 استطاع خلاله حتى يخرج الأسبان من أنوال، وأن يطاردهم حتى لم يبق لهم سوى مدينة مليلة، وكانت خطة هجومه في أنوال حتى يهاجم الريفيون الأسبان في وقت واحد في جميع المواقع؛ بحيث يصعب عليهم إغاثة بعضهم البعض، كما وزع عددا كبيرا من رجاله في أماكن يمكنهم من خلالها اصطياد الجنود الفارين، فأبيد معظم الجيش الأسباني بما فيهم سلفستر، واعترف الأسبان أنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل و570 أسيرا، واستولى المغاربة على 130 مسقطا من المواقع التي احتلها الأسبان، وحوالي 30 ألف بندقية، و129 مدفعَ ميدان، و392 مدفعا رشاشا.

ولم ينتبه الخطابي إلى ما أدركه من نصر حاسم؛ إذ لوتابع القتال لما عثر أمامه قوة ولدخل حصن مليلة دون مقاومة تُذكر، ولأنهى الوجود الأسباني في بلاد الريف، غير أنه توقف ظنا منه حتى للأسبان قوة، وقد هيأ التوقف للأسبان الفرصة لحشد ستين ألف مقاتل، وقاموا بهجوم معاكس في (10محرم 1340هـ = 12 سبتمبر 1921م)، فاستعادوا بعض ما فقدوه، وبلغ مجموع القوات الأسبانية في ذلك العام ببلاد الريف أكثر من 150 ألف مقاتل، ورغم ذلك أصبح وجود الأسبان مقصورًا على مدينة تطوان والموانئ وبعض الحصون في الجبالة.

ويعزوالأسبان وقوع هذه الهزيمة إلى طبيعة البلاد الصعبة، والفساد الذي كان منتشرا في صفوف جيشهم وإدارتهم، وأوفدت حكومة مدريد لجنة للتحقيق في مسببات هذه الكارثة المدوية، ذكرت حتى الأسباب تكمن في إقامة مراكز عديدة دون الاهتمام بتحصينها تحصينا قويًّا، كما حتى تعبيد الطرق التي تربط بين هذه المراكز كان خطأ كبيرًا من الناحية العسكرية، ويعترف التقرير بأنه لم يكن أمام المراكشيين إلا حتى يلتقطوا الأسلحة التي هجرها الجنود الفارون، وكشف التقرير حالات بيع بعض الضباط لأسلحة الجيش.

استقلال بلاد الريف

بعد الفوز العظيم الذي حققه الخطابي في أنوال ذاعت شهرته في بلاد الريف، وترسخت زعامته فاتجه إلى تأسيس دولة؛ لذلك نادى القبائل إلى عقد مؤتمر شعبي كبير تُمثَّل فيه جميع القبائل لتأسيس نظام سياسي، ووضْعِ دستور تسير عيه الحكومة، وتم تشكيل مجلس عام عُرف باسم الجمعية الوطنية مُثِّلت فيه إرادة الشعب، واتخذ أول قرار له وهوإعلان الاستقلال الوطني وتأسيس حكومة دستورية جمهورية في سبتمبر 1921، وتم وضع دستور لجمهورية الريف مبدؤه سلطة الشعب، ونص الدستور على تشكيل وزارات، ونص على حتى رجال الحكومة مسئولون أمام رئيس الجمهورية.

وقد أعرب الخطابي حتى أهداف حكومته هي عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية، وجلاء الأسبان عن جميع ما احتلوه، وإقامة علاقات طيبة مع جميع الدول، والاستفادة من الفنيين الأوروبيين في بناء الدولة، واستغلال ثرواتها؛ فشجع بعض شركات التعدين للعمل في الريف حتى قيل بأن تأييد بعض الأوساط الرأسمالية له في أوروبا إنما كان سببه ارتباط مصالحهم بمشاريع في الريف، كذلك تحول رجاله المقاتلون إلى جيش نظامي، له قواده ومقاتلوه من الفرسان والمشاة المدفعية، وعهد بالوظائف الفنية إلى المغاربة الذين تجاوز لهم الخدمة في الجيش الفرنسي، وعمل على تنظيم الإدارة المدنية، والإفادة من بعض وسائل الحضارة العصرية؛ فمدّ أسلاك البرق والهاتف وشق الطرق، وأوفد الوفود إلى العواصم العربية ليحصل على تأييدها، وطلب من فرنسا وبريطانيا وبابا الفاتيكان الاعتراف بدولته، وعاصمتهاأجدير (أغادير).

الاستقلال عن المغرب

وأثار وضع جمهورية الريف مسألة سياسية هامة أثرت في حياة مراكش، وهوموقف الخطابي من العرش والسلطان المغربي، فنسب البعض إليه أنه اعترف بمبدأ السيادة السلطانية، واستدلوا على ذلك بأنه لم يعلن نفسه سلطانا، غير حتى السلاطين من الأسرة العلوية لم يقتنعوا بذلك، واعتقدوا حتى دولته تمثل انشقاقا على العرش، واستمر سوء التفاهم هذا بينهم وبين الخطابي حتى عهد السلطان محمد الخامس، ونفى الخطابي حتىقد يكون تطلع إلى عرش مراكش بدليل أنه منع أنصاره من الخطبة باسمه في صلاة الجمعة، وأنه كان مستعدا لقبول الأسرة الملكية الحاكمة، وأن يبايع الوطنيون السلطان الذي يحقق أهدافهم بعد تحرير البلاد.

الأوضاع الداخلية في إسپانيا

أصبحت معضلة الريف والخطابي هي المشكلة الأولى التي تقلق أسبانيا داخليا وخارجيا، فارتفعت القوات الأسبانية في شمال المغرب بعد شهور من هزيمة أنوال إلى 150 ألف مقاتل، وعرضت مدريد على الخطابي الاعتراف باستقلال الريف بشرط حتىقد يكون استقلالا ذاتيا خاضعا للاتفاقات الدولية التي أخضعت المغرب للنظام الاستعماري، فرفض الأمير الاستقلال تحت السيادة الأسبانية.

وداخليا سقط انقلاب عسكري في أسبانيا في 12 سبتمبر 1923 وتسلم الحكم فيه الجنرال بريمودي ريفيرا، فأعرب عن سياسة جديدة لبلاده في مراكش، وهي الانسحاب من المناطق الداخلية والتمركز في مواقع حصينة على الساحل، وأدرك ريفيرا حتى تعدد المواقع الأسبانية المنعزلة أمر بالغ الخطورة؛ لأنها محاطة بالقبائل المغربية. أما الخطابي فلم يكن هناك ما يدفعه إلى مهادنة الأسبان، خاصة بعد وثوقه بقدرته على طردهم، وبعد رفضهم الانسحاب إلى سبتة ومليلة؛ لذلك بدأ في عمليات قتالية باسلة ضد القوات المنسحبة اعتمدت على أساليب حرب العصابات، واعترفت الحكومة الأسبانية في تعدادها الرسمي حتى خسائرها في الستة أشهر الأولى من عام 1924 بلغت 21250 قتيلا وجريحًا وأسيرًا رغم إشراف الجنرال ريفيرا بنفسه على عمليات الانسحاب.

واستطاع الخطابي حتى يبسط نفوذه على الريف، رغم استمالة مدريد لزعيم منطقة الجبالا الريسوني، فزحف على الجبالا، ودخل عاصمتهم سنة 1925 وصادر أملاك المتعاونين مع الأسبان، وألقى القبض على الريسوني، واقتاده سجينا إلى أغادين حيث توفي في سجنه، فأصبح زعيم الريف بلا منازع، وسيطر على مساحة تبلغ 28 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها مليون مغربي.

فرنسا والريف

وأدرك الأسبان عجزهم الكامل عن مقاومة دولة الريف الناشئة، وقوبلت هذه النتيجة بدهشة كبيرة من الدوائر الاستعمارية التي لم تكن مطمئنة لحركة الخطابي وعلى رأسها فرنسا التي كانت تتسقط حتى يتمكن الأسبان يوما ما من القضاء على هذه الحركة، أما الخطابي فكان يحرض على تجنب الاصطدام بالفرنسيين حتى لا يفتح على نفسه جبهتين للقتال في وقت واحد، إلا حتى الأوضاع بين الاثنين كانت تنذر بوقوع اشتباكات قريبة.

والمعروف حتى فرنسا كانت تخشى من حركة الخطابي حتى تكون عاملا مشجعا للثورات في شمال أفريقية، ويرى البعض حتى مصالح الرأسمالية التي استثمرت أموالها في بناء ميناء الدار البيضاء الضخم وفي مشروعات أخرى في منطقة ساحل الأطلسي استحسنت بقاء منطقة الريف مضطربة حتى يصعب استخدام الطريق الموصل بين فاس وطنجة، الذي يحول تجارة مراكش إلى ذلك الميناء، واستقرار الأوضاع في الريف سيؤثر سلبا على مصالحها، يضاف إلى ذلك حتى الخطابي حرص على دعوة الشركات الأجنبية لاستغلال موارد الريف الطبيعية خاصة البريطانية؛ وهوما يعني حتى تقترب المصالح الرأسمالية البريطانية من المصالح الفرنسية، وتصبح دولة الريف في حالة من الأمان الدولي في ظل التنافس بين هذه المصالح؛ لذلك ينطق: إذا بعض الأسلحة البريطانية المتطورة في ذلك الوقت بدأت تتدفق على دولة الريف عبر ميناء الحسيمات.

كما حتى قيام جمهورية قوية في الريف يدفع المغاربة دفعا إلى الثورة على الفرنسيين، ورفض الحماية الفرنسية؛ لذلك كرهت فرنسا قيام دولة المغاربة مستقلة، وأوفدت تعزيزات عسكرية على الجبهة الشمالية لها في مراكش، وتحينت الفرصة للاصطدام بها والقتال معها، وفشلت محاولات الخطابي للتفاهم مع الفرنسيين للتوصل إلى اتفاق ينظم العلاقة بينهما، فبعث أخاه إلى باريس، وبعث موفدا له إلى السلطات الفرنسية في فاس، لكنهما لم يتوصلا إلى شيء.

بداية الحرب

كان مجموع القوات الفرنسية في مراكش 65 ألف جندي، وكانت فرنسا ترى حتى هذه القوات غير كافية لدخول حرب في الريف؛ لذلك أوفدت قوات إضافية أخرى حتى بلغ مجموع هذه القوات 158 ألف مقاتل منهم 133 ألف مغربي، وفي أبريل 1925 سقطت شرارة الصدام بين الفرنسيين والخطابي، عندما أمدّ الفرنسيون زعماء الطرق الصوفية بالمال والسلاح ليشجعوهم على إثارة الاضطرابات في دولة الريف، فأدى ذلك إلى مهاجمة الريفيين لبعض الزوايا قرب الحدود، ووجد الفرنسيون في ذلك حجة للتدخل لحماية أنصارهم، وعندما بدأ القتال فوجئ الفرنسيون بقوة الريفيين وحسن تنظيمهم وقدراتهم القتالية، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع مدة أربعة أشهر، واستطاعت بعض قوات الريف التسلل إلى مسافة 20 ميلا بالقرب من فاس، وخسر الفرنسيون خسائر فادحة، وسقطت كثير من أسلحتهم في أيدي الريفيين، فقلقت فرنسا من هذه الفوزات، وأوفدت قائدها العسكري البارع "بيتان" للاستعانة بخبرته وكفاءته.

التحالف الإسپاني الفرنسي

كان صمود جمهورية الريف الناشئة أمام فرنسا وأسبانيا والمناوئين لها من المغاربة أمرًا باهرًا رائعا وحالة نادرة في تاريخ الحروب الاستعمارية، يرجع جوهره إلى كفاءة الزعماء الريفيين في ميدان القتال والحرب؛ فقد استخدم هؤلاء المقاتلون خطوط الخنادق المحصنة على النمط الذي أقامته فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى، ويكفي الريفيين فخرًا أنهم قادوا الحرب ضد ثلاثة ماريشالات وأربعين جنرالا وحوالي ربع مليون مقاتل فرنسي وأسباني ومغاربي مدعمين بالطائرات والمدرعات وتحت إشراف رؤساء حكوماتهم.

وقد اتخذت فرنسا بعض الإجراءات لتدعيم موقفها في القتال، فأغرت السلطان المغربي بأن يعلن الخطابي أحدَ العصاة الخارجين على سلطته الشرعية، فعمل السلطان ما أُمر به، وقام برحلة إلى فاس لتأليب القبائل على المجاهدين، كذلك نسقت خططها الحربية مع حكومة مدريد، وعقد مؤتمر لهذا الغرض اتفق فيه على مكافحة تجارة السلاح بين الريف وأوروبا، وسمع بتتبع الثائرين في مناطق جميع دولة، وتعهدت باريس ومدريد بعدم توقيع صلح منفرد مع الخطابي.

سقوط جمهورية الريف

بعد فشل مؤتمر وجدة تشكل تحالف دولي ضم إسپانيا وفرنسا والمخزن المغربي الذي كان بمثابة العدوان الثلاثي على الجمهورية الريفية بالإضافة إلى الاستعانة بالجنود المرتزقة من شمال إفريقيا. وعقد مجلس حربي مشهجر بقيادة الجنرال بواشوفي القيادة الفرنسية وسان خورخوفي القيادة الإسبانية واتفقوا على الهجوم دفعة واحدة على جميع الاتجاهات من الجمهورية الريفية. وبعد المعارك الكثيرة في شهر أكتوبر الذي كان يصادف فصل الشتاء من سنة 1925 تمكنت القوات الفرنسية من دخول تونات وبيبان وجبل مسعود وقوات أخرى احتلت جبل الناظور وتمكنت من الاتصال بالقوات الإسبانية التي كانت تتقدم من ميضار. وما هي إلا أيام حتى تمكنت قوات أخرى بقيادة الجنرال إيبوس من الاستيلاء على هجريست، وفي الثامن من شهر سبتمبر 1925 تمكنت قوات التحالف من الاستيلاء على العاصمة الريفية أجدير بعد الإنزال المكثف على شاطئ الحسيمة.

وقد استخدمت في هذا الزحف جميع الأسلحة الفتاكة التي كانت موجودة آنذاك زمن الحرب العالمية الأولى من الغازات السامة أرهاج وقنابل الطائرات والمدافع التي كانت تطلق نيرانها على المراكز الريفية ليلا ونهارا فتحدث الذعر في سكان الريف. وأخذ الاضطراب يستولي على الجيش الريفي وبدأت بعض القبائل تتمرد. وأمام هذا الوضع اضطر مولاي محند إلى تسليم نفسه إلى القوات الفرنسية في هجريست، لتكون بذلك نهاية وجود الجمهورية الريفية وتبخر الحلم الريفي.

الاستسلام

واتفق الأسبان والفرنسيون على الزحف على جمهورية الريف بهدف تحقيق اتصال عسكري بين الدولتين وخرق الريف، وتقسيم قواته إلى جزأين؛ وهوما يعرضهم لموقف عسكري بالغ الحرج، إلا حتى قدوم الشتاء ببرودته أجَّل هذا الزحف وبعض العمليات العسكرية، وخسر الخطابي في تلك المعارك حوالي 20 ألف شهيد، وبقي بجانبه حوالي 60 ألف مقاتل. اتسعت الحرب في 1926 وتجدد الزحف والتعاون العسكري التام بين باريس ومدريد مع تطويق السواحل بأساطيلهما، وقلة المؤن في الريف؛ لأن معظم المقاتلين في صفوف الخطابي من المزارعين، وهؤلاء لم يعملوا في أراضيهم منذ أكثر من عام، وهم يقاتلون في جبهة تمتد إلى أكثر من 300 كم.

ولجأ الفرنسيون إلى دفع المغاربة المتعاونين معهم إلى توجيه دعوة للقبائل لعقد صلح منفرد مع فرنسا أوأسبانيا في لقاء الحصول على حاجاتهم من الطعام، فوجد الخطابي حتى الحكمة تقتضي وقف القتال رحمة بسكان الريف وقبائله قبل حتى تلتهمهم الحرب، وقبلها الجشع الفرنسي والأسباني والخائنون من المغاربة.

وقد فكر الرجل حتى يخوض بنفسه معارك فدائية؛ دفاعا عن أرضه ودينه، إلا حتى رفاقه منعوه ونصحوه بالتفاوض، فقرر حتى يحصل لبلاده ونفسه على أفضل الشروط، وألاقد يكون استسلامه ركوعا أوذلا، ورأى تسليم نفسه للفرنسيين على أنه أسير حرب، واقتحم بجواده الخطوط الفرنسية في مشهد رائع قلّ نظيره في 25 مايو1926 واستمر القتال بعد فترة. أما هوفنفته فرنسا إلى جزيرة ريونيون النائية في المحيط الهادي على بعد 13 ألف كيلومتر من موطنه الذي شهد مولده وجهاده.

وطال ليل الأسر والنفي بالخطابي وأسرته وبعض أتباعه نيفا وعشرين سنة، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن الكريم في تلك الجزيرة الصخرية، عانى فيها قلة المال، فآثر حتى يعمل بيديه لتأمين معيشته هووأسرته، فاقتنى مغرسة، وجاهد فيها كسبا للعيش، ولم تفلح محاولاته بأن يرحل إلى أية دولة عربية أوإسلامية؛ لأن فرنسا كانت تفهم حتى الرجل يحمل شعلة الحرية في قلبه وهي لم تنطفئ، كما حتى حدثاته عن تقرير المصير هي عبارات محشوة بالديناميت تفجر الثورات وقبلها نفوس الأحرار.

وفي عام 1947 قررت فرنسا نقل الخطابي وأسرته إليها لتضغط به على الملك محمد الخامس لمطالبته الدائمة بالاستقلال، غير أنها استجارت من الرمضاء بالنار، فعندما وصلت الباخرة التي تقله إلى ميناء بورسعيد، التجأ إلى السلطات المصرية، فرحبت القاهرة ببقاء هذا الزعيم الكبير في أراضيها، واستمر بها حتى وفاته في 1963م.

انظر ايضاً

• الأسلحة الكيميائية في حرب الريف

المصادر

SACANELL, Enrique. "El general Sanjurjo". Editorial La Esfera de Los Libros, Madrid (2004) ISBN 978-84-9734-205-6

وصلات خارجية

• Steven Thomas, 1911 - 1927 Rif War / Second Moroccan War
• The Rif War 1893 (sic) on OnWar.com.
• Chemical Weapons: Tenth Session of the Conference of the States Parties to the CWC 7-11 November 2005, The Hague, The Netherlands
• Rif war

• David Montgomery Hart, The Aith Waryaghar of the Moroccan Rif : an ethnography and history. Published for the Wenner-Gren Foundation for Anthropological Research [by] University of Arizona Press, c1976. xxiii, 556 p. : ill. ; 28 cm. ISBN 0-8165-0452-0 :

Series Viking Fund publications in anthropology ; no. 55, Notes. Bibliography: pages 533-546. (Tucson, Arizona, (1976)