نادىؤ الكروان، هي رواية للأديب طه حسين. وهي ضمن أفضل مائة رواية عربية. تم تحويلها إلى فيلم سينمائي قام ببطولته الفنانة الكبيرة فاتن حمامة والفنان أحمد مظهر.

أحداث الرواية

تطرح الرواية بجرأة قضية الظلم الواقع على المرأة العربية والريفية خاصة ، في ظل مجتمع جاهل لا يرى في المرأة سوى أنها عورة لا بد من حجبها عن العالم ، وقد تفوق المحرر على ذاته الواعية والمثقفة حين استغنى عن نظرته الراقية للمرأة واستعارعين من ترى المرأة بصورة مخجلة ، ساعده في ذلك أنه عاش في يوم من الأيام ضمن هذه المنظومة الريفية ، فتداعت له الصور وهويخط عن نسوة ظلمن في زمن الرجل ، فالمرأة هنا هي (زهرة ) الأم المتفانية في تربية بناتها اللاتي تخلى عنهن والدهن سعيا وراء ملذاته الجنسية – وقد ذكرت هذه المعلومة بشكل موارب بعض الشيء - ورغم أنها أم لا تنشد أكثر من العيش بسلام ضمن مجتمع تعهده إلا حتى حياتها انقلبت رأساً على عقب ، بسبب حادثة اغتال الزوج نتيجة فساده الأخلاقي على يد طالبي الثأر لشرفهم ، فطردت الزوجة وبناتها من المكان الذي لا يعهدن سواه ، بسبب العار الذي لحق بالعائلة كلها بعد فضيحة اغتال الزاني كما لقبته القرية .

أما الشخصية النسائية الثانية فهي (هنادي) الإبنة البكر لأمينة ، وهي فتاة قتلتها سذاجتها بعد حتى غرر بها شاب مدني ومتفهم أوهمها - أوأنها من أوهمت نفسها- بمصداقية مشاعره تجاهها... وقد شكلت شخصيتها وما ارتبط بها من أحداث ، فرعا مهما من فروع الرواية التي تصب جميعها في مجرى المرأة المضطهدة ، التي وإن ساهمت بجهلها في ذلك الاضطهاد شكلياً إلا أنها سقطت في بؤرة القمع منذ ولادتها القسرية ضمن ذلك المجتمع الذي يراها جانياً لا مجني عليه . رغم حتى وقع اغتال هنادي يعد من أبرز أحداث الرواية ، خاصة فيما يتعلق بفاعليته وأثره على الشخوص الأخرى والأحداث التي توالت بعد ذلك ، إلا حتى (طه حسين) ولمنطقيته في التعامل مع حكاية لم يرد لها الإنتهاء بجريمة اغتال فقد اتخذ شخصية أخرى ( آمنة ) لتكون بطلة لروايته ... تقود المركب بكيفية واحدة ونسق متجانس منذ بداية الرواية إلى نهايتها مع إعتمادها على تغيير وجهة السير أحيانا متكأة ضمنياً على وقع القتل كمفترق طرق يحدد وجهة سير المركب الروائي قبل وبعد ، باستخدام السرد كحل أدبي لهذا التنقل الذي أثر شكلاً وموضوعاً على طبيعة الشخصيات من جانب وطبيعة المكان – كعنصر مؤثر – من جانب آخر ، عملى سبيل المثال بعد حتى كانت شخصية (آمنة ) ساكنة أصبحت فاعلة بعد مقتل أختها ، وبعد حتى غلفتنا أجواء الصحراء ( قرية بني وركان ) الممزوجة بالانكسار، إنتقلنا إلى أجواء المدينة المشبعة بمشاعر الحب والإنتقام والتي لم يرد اسمها في الرواية ، وبهذاقد يكون قد قدم لنا المحرر الشخصية النسائية الثالثة ( آمنة ) والمرتبطة بالشخصيتين السابقتين ارتباطا وثيقا فعهدت مأساة أمها ( زهرة ) وكارثة أختها( هنادى ) لتتعاطف مع الأولى وتحزن على الثانية ، بل وتتجاوز ذلك الحزن فتصر على الإنتقام ممن شوه ملامح تلك الفتاة البريئة وأسقطها في هوة الخطيئة لتهجر جثتها وجبة دسمة لحشرات القاع .

جميع هؤلاء النسوة دفع بهن (طه حسين) في لقاءة مجتمع ذكوري ، فالرجل هوالأب الذي لم يكتف بالتخلى عن مسؤولية عائلته بل أنه ألحق العار بها ، والرجل الأخر هوالخال الذي أصر على طرد نسوة ضعاف إلى حتى ينسى أهل القرية مأساة زوج أخته الزاني - وإن كنا هنا نلاحظ لا منطقية هذا التصرف الذي لا يقوم به البدوأوأهل الريف ، خاصة مع نساء لا رجل معهن- ، أما الشخصية الرجالية الفعالة الثالثة فتتمثل في ذلك الوحش الوسيم الذي تسبب في ضياع شرف (هنادي) ، وقتلها من قبل خالها الذي عاقبها على ذنب هومشارك فيه .

في ظل هذه اللقاءة الطاحنة بين جنسين آدميين لا ثالث لهما (المرأة / الرجل ) ، نلاحظ حتى الروائي لم يغفل أركان المعادلة الأخرى حيث عمل على موازنة الطرفين بالكثير من الشخصيات النسائية والرجالية كشخصيات مساعدة في سير الأحداث من جانب كما هوالحال بالنسبة لكل من :- 1- شخصية شيخ العزبة الذي وفر العمل بالنسبة لزهرة وبناتها ، الأمر

الذي تسبب بعد ذلك في تطور أحداث الرواية . 2-شخصية (زنوبة) التي ألحقت آمنه للعمل لدى المهندس بناء على طلبها.

بالإضافة إلى دور بعض الشخصيات في التأثير على ملامح الشخصيات الرئيسية ( كما أثرت شخصية خديجة في تغييرالصفات العامة لآمنه التي تحولت من فتاة ريفية جاهلة إلى فتاة واعية ومطلعة ) ، مع الأخذ بعين الإعتبار حتى وجود الشخصيات المساعدة عمل على بيان طبيعة الشخصيات الرئيسية من خلال الإفصاح عن مكنونها من منطلق الصداقة ، (ونجد ذلك واضحا في شخصية زنوبة التي ارتبطت بها آمنه لفترة معينة ) .

كما حتى تنوع الشخصيات أمر مهم جدا بالنسبة للقارئ الذي يجد متعة في تعاطيه مع مجتمع تام بكل معطياته ، ورغم حتى هذا التنوع لم يتحقق بشكل ثري في هذه الرواية إلا أنه هجر لمسة غنية خاصة حين نتنقل من منزل المأمور بطبيعته الراقية للبيت الذي اتخذته آمنه بديلا ً عن منزل المأمور، حيث نجد التباين في المستويين الاجتماعي والاقتصادي وبذلك تكون الحياة الواقعية – حينها – قد تحققت بجوانبها السيئة والجيدة .

اتخذ (طه حسين) من اسلوب الاسترجاع السردي وسيلة تعارف بين المتلقي وأبطال الرواية ، حيث بدأت الشخصية الرئيسية ( آمنه ) بالحديث عن ماضيها الذي أدى بها لهذا الحاضر المحير الواقع بين كفتي رحى رغبة الحب والإنتقام .

نبدأ في التعهد على بطلة روايتنا (آمنه) كفتاة ريفية تنتمي لاحدى القبائل البدوية ، تعمل في خدمة مهندس الري في إحدى مدن الأنطقيم الصغيرة الواقعة على أطراف مدينة القاهرة ، لكنها وإن كانت ظاهرياً تنتمي لتلك الفئة العاملة البسيطة إلا أنها - وكما أراد طه حسين - تمتلك شخصية مختلفة أهلتها للتكفل بمهمة الراوي الواعي الذي صاحبنا طوال صفحات الرواية بالسرد المحايد أحياناً ...والمبرر أحيانا كثيرة.

ورغم حتى المحرر لم يستغن ِ عن لغته الغنية المنمقة ، إلا أنه استطاع بشكل أوبآخر التغلب على صوته الذي تلاشى بين حدثات بدت كأنها نتاج مأساة حقيقة خطتها (آمنه) لا غيرها ...عزز من ذلك الملامح التي أسبغها( طه حسين ) على الشخصية مما ساهم في اضفاء هذا الإحساس على المتلقي في معظم صفحات الرواية ، فآمنة قارئة مثقفة تلقت كم من المعارف والخبرات نتيجة عملها في منزل المأمور لصيقة لابنته المتفهمة والتي كانت تلح في اشراكها في تلك الدائرة التى سرعان ما استهوتها ، فأصبحت (آمنه) تبحث عن الكتاب بل تتشمم رائحته التي قد تقودها إليه بكل سهولة رغبتها الملحة في الاطلاع ، فتستمتع بتصفح أوراقة بسرية تامة ( خاصة في فترة عملها لدى عائلة أخرى لها من الأبناء الدارسين في القاهرة ، الذين لا يستغنون عن خطهم حين يقضون إجازتهم الدراسية ، وبفضلهم قد اطلعت آمنه لأول مرة على كتاب ألف ليلة وليلة ) .

هذا الملمح الذي جعلنا نقتنع باسلوبها وهي تروي مأساتها أوسيرة حياتها بلغة راقية ، وإن توقفنا لحظات أمام بعض الجمل البليغة جداً " أي حياة يموت فيها العقل أويأخذه شيء كالموت "ص121 ، وفي وصفها لزواج المهندس بأنه خيانة منظمة " هوالآن ينظم الخيانة تنظيمًا " ص104 ، وفي مسقط آخر وهي تصف تعامله معها " هذا الفتى يعهد حقاً كيف من الممكن أنقد يكون شراء الرقيق "ص139 ، تلك الجمل وغيرها تحمل بين طياتها معان لا تصدر إلا عن وعي لا تمتلكه بالتأكيد فتاة بسيطة كآمنة ، وإن عانت في حياتها الكثير ، أواطلعت وقرأت الكثير من الروايات والخط ، أوكما يحلوللبعض حتى يحاجج في امكانية صدور مثل هذه الجمل عن آمنة ، كنتيجة طبيعية للغة المستخدمة آنذاك والتي تتميز بالبلاغة الشديدة ، إلا حتى ذلك لا ينفي بشكل أوبآخر منطقية بقاء آمنه أسيرة ثقافة محدودة لا تقوى على الخوض في غمار الخبرة والفلسفة الحياتية بلغة لم يستطع طه حسين اخفاء صوته الجلي فيها ، والذي اخترق جميع حرف من حروف تلك الجمل العميقة ، وقد تكون إحدى مآخذ الرواية وإن كانت لا تشكل خللا واضحاً فيها .

إضافة لوضوح صوت المؤلف والمعروف ( بالصوت الثالث) في بعض صفحات ( نادىء الكروان ) ، فإنه من أبرز الهنات التي سقطت بها الرواية ، هي عملية التهميش المتعمد من قبل المؤلف ، والذي طال به بعض الشخصيات والأمكنة .. مما ينفي التقارب الواقعي الذي لمسناه في التنوع في شخصيات الرواية .

لقد أصر المحرر على تهميش بعض الأمور من خلال التعميم في التعامل معها ، فمثلا بالنسبة للمدينة التي تجري فيها الأحداث ، مدينة مجهولة لا نملك عنها سوى معلومة بسيطة مفادها أنها احدى مدن الأنطقيم ، إلى غير ذلك هوالحال بالنسبة للمدن أوالقرى التي يأتي ذكرها على سبيل المرور بها أوالإقامة المؤقته خاصة في رحلة الأم وبناتها من قريتهن منبوذات أوالعكس في عودتهن إلى المدينة بصحبة الخال .

أما بالنسبة لأسماء الشخصيات فعملية التعميم طالت بعضها ولعل أهمها هي شخصية المهندس الذي يلقب على لسان آمنه ( سيدي ) أو( الباشمهندس )

هذا إضافة لشخصيات أخرى مثل ( البيه المأمور ) ، ( شيخ البلد ) وصاحب المنزل الذي عملت فيه آمنه بعد هجرها لمنزل المأمور ، حيث حتى الرواية ركزت في الملامح العامة للشخصية فقط على لسان ( زنوبه ) : " من أصحاب الثراء واليسر (....) وستجدين عنده سعة ويسراً ، ودماثة في الخلق ، وتبسطا في المعاملة "ص118 . ولم يكتف المحرر بذلك بل أنه عمد إلى تمييزه بأعم الألقاب ( فلان ) ، ولم يكن حال أولاده المتفهمين أوالجهلة أوفر حظـًا من والدهم ، فلم نتعهد على إسما واحداً لأي منهم .

ندرك بالتأكيد حتى محررـًا عريقـًا كعميد الأدب العربي ( د.طه حسين ) على وعي تام بهذه الملاحظات خاصة فيما يتعلق بشق التعميم ،لكنه- وكما أرجح - قد اتخذ بعض المحظورات الذاتية التي فرضها على قلمه للوصول إلى صيغة روائية لا مجال لإحالتها على أمكنة بعينها لتصل بعد ذلك لأشخاص بعينهم ... فقد يحدث لهذه الرواية أصل حقيقي لا يرغب من خلاله المحرر التعرض ولوبالتلميح لمشاعر الناس وأحاسيسهم ، خاصة وأن الموضوع يتعلق بقضية الشرف والكرامة !

انظر أيضاً

• أفضل مائة رواية عربية

المصادر