ظاهرية
الظاهرية (أوالظواهرية أوالظاهراتية) Phenomenalism في الفلسفة هي الممضى القائل بالوجود الحقيقي للظواهر وإنكار الجوهر المادي. ويزعم أصحاب هذا الممضى حتى الإدراك لايكون إلا بظاهر الأمور، أي بما تبدوعليه، بمعنى أنه إدراك بما ينطبع من الظواهر على الحس، وما يتخلف عن هذا الانطباع من صور، وما يترتب عليها من أفكار، وعلى ذلكقد يكون الحديث عن الشيء، حديثاً في الواقع عن انطباعات عنه، وليس عن الشيء نفسه، وكأن وجود الأمور هووجودها في الوعي،وليس وجودها في الواقع، والتفكير بها أوالحديث عنها هوإيجاد لها، وهذا ما يسمى بالظاهرية اللغوية التي نطق بها آير Ayer وپرايس Price وبرتراند رسل.
يمكن التمييز بين معنيين للظاهرية، المعنى الأول: الذي يقول إنه لا وجود إلا للظواهر، وإن ما يسمى بالشيء في ذاته ليس سوى لفظ أومفهوم، وهوممضى هيوم ورينوڤييه Ch.Renouvier، والمعنى الثاني: وهوالظاهراتية Phenomenalism أي الممضى القائل بوجود الشيء في ذاته، وأنه غير مدرك، فالعقل يدرك الظاهرات وحسب، أي ما يحدث في الزمان والمكان، ويتجلى هذا الممضى في نقدية «كانت» وفي وضعية «أوگست كونت».
وسواء أكانت الظاهرية بالمعنى الأول أم المعنى الثاني فإنها تنطلق في نظرتها للوجود من وصفه مجموعةً من الظواهر المدركة عن طريق المشاهدة والتجربة، فتلك الظواهر تؤثر في الحواس فتثير فيها الأحاسيس، ومن خلالها يتم التوصل إلى فهم هذه الظواهر بارتباطيّها الزماني والمكاني، فالفهم بهذا المعنى ليست سوى عملية تفسير لما تنقله الحواس، وهي تأتي بالفترة الثانية بعد عملية الإحساس، إذ أنها ليست في النهاية إلا فهم لما هوظاهر، فلا وجود لما يسمى الجوهر، لأن هذا الجوهر غير خاضع للملاحظة ومن ثم هوخارج نطاق الفهم.
وقد ظهرت بوادر الظاهرية ضمن إطار الفكر التجريبي، في فلسفة بركلي G.Berkeley المثالية ونظرية ديڤيد هيوم D.Hume في المعنى، ولكنها لم تتخذ شكلها الحقيقي إلا في فلسفة جون ستوارت مل Mill، وخاصة في نظرته للموجودات المادية في أنها، على حد قوله: «إمكان دائم للإحساس». وقد اكتملت هذه النظرة وتبلورت نهائي مع ظهور الوضعية المنطقية positivism ، في بداية القرن العشرين، فكانت الظاهرية في الفلسفة الوضعية نتيجة للنظرية الوضعية في المعنى، تسعى من خلال تحليل العبارات الشيئية وترجمتها إلى لغة المعطيات الحسية إلى تجنب التأويل المثالي، وذلك بهدف تسليم ما توسمه أصحاب الممضى الظاهري من أخطاء في النظرة الواقعية الساذجة، وفي النظرة السببية في الإدراك التي تجد جذورها في الواقعية التمثيلية،في فلسفة لوك وفي مثالية بركلي.
وتقوم الظاهرية على نظرة معينة إلى الإدراك الحسي، مفادها أنه لايمكن فهم العالم المادي مباشرةً، فهوموضوع للفهم من خلال المعطيات الحسية وحسب، فما يُدْرَكُ مباشرة في العالم الخارجي ليس الموجودات المادية، بل صفات لها، كاللون والشكل والحجم وما شابه. وبهذا تجري الظاهرية تعديلاً على المثالية في مسألتين: المسألة الأولى، تتعلق بوجود الأمور المادية التي لا تشكل موضوعاً لأي إدراك عملي. وتنظر للأشياء المادية على أنها منظومات من الإحساسات الواقعة والممكنة. والمسألة الثانية، تردّ الأمور المادية إلى منظومات من الإحساسات أوالأفكار، وتستبدل الإحساسات بالمعطيات الحسية، فالمعطى الحسي يختلف عن الإحساس في أنه يشكل موضوع التجربة، وليس جزءاً من محتوى التجربة، كإحساس الإنسان بأنه يرى الألوان ويسمع الأصوات مباشرة، فهي معطيات حسية، بمعنى أنها موضوعات تجربته. إذا ما يراه ويسمعه ويتذوقه هومعطى حسي وليس إحساساً، إذا رؤيته للون وإحساسه به ليسا شيئاً واحداً.
إن المعطيات الحسية هي الأساس الأخير للفهم، وهي لذلك ذات أسبقية إبستمولوجية على الأمور المادية، وذات أسبقية منطقية على الأخيرة، ولكن ليس ذات أسبقية أنطولوجية.
والظاهراتية كما تجلت في ممضى كونت Comte الوضعي، تنظر للعالم كما هويظهر بالمشاهدة والتجريب، فموضوع الفهم هوالأمور الظاهرة من خلال الحواس، والبحث فيما يسمى بالعلل الأولى أمر مرفوض وخالٍ من جميع معنى، فالروح الوضعية ترفض النظر في أصل الأمور، لأن هذا الأمر يتجاوز نطاق المشاهدة والتجربة. والخاصية الأساسية للفلسفة الوضعية برأي «كونت» هي النظر إلى جميع الظواهر على أنها خاضعة لقوانين طبيعية ثابتة، وهدف الوجود اكتشاف هذه القوانين وردِّها إلى أقل عدد ممكن.
واستخدم إيمانويل كانت I.Kant في ممضى الظاهراتية مصطلح «ظاهري» للتمييز بين عالم الظواهر وعالم الشيء في ذاته، فــ«الفنومن» phenomen عند «كنت» هوعالم الظواهر المعطى في التجربة، وفي الإدراك الحسي، الذي يتواجد في الزمان والمكان، أما «النومن» nomen فهوالشيء في ذاته، الذي يتعذر الوقوف عليه من خلال التجربة والممارسة، فالأمور في ذاتها مستعصية على الفهم، فالإنسان لايستطيع فهم سوى الظواهر، وعلى الرغم من حتى «كَنْت» كان يعي تماماً حتى في هذا إظهار لعجز العقل عن إدراك جوهر الأمور وقصر إدراكه على الظواهر فقط، فإنه يرى حتى هذا الحد ضروري لتطور العلوم، إذ حتى ذلك من شأنه حتى يلغي جميع الانادىءات القائلة بإمكانية إقامة البرهان المنطقي على وجود الإله وعالم الغيب.
وقد ظهر هذا الممضى لدى «كنت» في مؤلفاته النقدية، فهويفرق بين «النومينات» و«الفينومينات»، ويقول بعالم مستقل عن الفكر والحواس، وهوعالم الأمور في ذاتها، وتبدأ عملية الفهم بأن تؤثر الأمور في ذاتها على الحواس، فتثير فيها الأحاسيس، إلا حتى الأحاسيس والأفكار العقلية لا تعطي فهم نظرية عن الأمور في ذاتها، فمهما تكن يقينية حقائق الرياضيات والعلوم الطبيعية، فإن الفهم التي تقدمها ليست فهم للشيء في ذاته، فهذه الفهم تقتصر على تناول الأحاسيس والمفاهيم والأحكام،وليس في الإمكان تحصيل أية فهم عن الشيء في ذاته، وكل ما يمكن معهدته هوالظواهر.
المصادر
- عبير الأطرش. "الظاهرية (ممضى ـ)". الموسوعة العربية.
الموضوعات ذات صلة
- باركلي
- التجريبية
- كنت
- كونت
للاستزادة
- كنت، نقد العقل المحض، ترجمة موسى هبه (مركز الإنماء القومي، بيروت 1985).
- ول ديورانت، سيرة الفلسفة (مخطة المعارف، بيروت د.ت).
- Fenomenismo in L'Enciclopedia Garzanti di Filosofia (eds.) جياني ڤاتيمووGaetano Chiurazzi. Third Edition. Garzanti. Milan, 2004. ISBN 88-11-50515-1
- Berlin, Isaiah. The Refutation of Phenomenalism. The Isaiah Berlin Virtual Library. 2004.
- Bolender, John. Factual Phenomenalism: a Supervenience Theory, in SORITES Issue #09. April 1998. pp. 16–31.