جلال نوري إلري

جلال نوري إلـِري Djelal Nuri Ileri (عاش 15 أغسطس 1882 - 2 نوفمبر 1938) صحفي وأديب هجري مجدد، ولد في غاليبولي لأب ينحدر من أصل كريتي (نسبة إلى جزيرة كريت)، هومصطفى نوري حلوجي زاده، الذي ترقى في مناصب عدة وكان نائباً في البرلمان الهجري (مجلس مبعوثان)، وأمه ابنة عابدين پاشا، الذي كان والياً ووزيراً في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876 - 1909).

ينتمي إلري إلى وسط عائلي مثقف، فقد كان أحد أخوته محرراً وصحفياً اشتراكياً شهيراً، وعمل أخ آخر له في الرسم والكاريكاتور، واشتهر عمه سري پاشا في الوسط الفهمي، وكذلك زوجه ليلى ساز التي كانت شاعرة وموسيقية ومحررة مذكرات.

ولد جلال نوري في گلي‌بولو، چنق‌قلعه بدأ إلري دراسته في ثانوية غَلَطه سراي Galata Saray، ثم التحق بجامعة اصطنبول حيث تفهم الحقوق. وقد تفهم الإنكليزية والفرنسية وأتقن هذه الأخيرة حتى خط بها. ويُذكر له في هذا الميدان رواية بعنوان «الكابوس» Cauchemar تدور حول الحياة في اصطنبول في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

قام إلري برحلات عدة في أوربة وسجل مشاهداته في كتابين من المذكرات والخواطر. وعمل في الصِّحافة وشارك في تحرير عدد من الصحف والدوريات كما أصدر بعضها مثل: «إقدام»، و«اجتهاد»، و«ثروة الفنون»، و«إلري»، و«الوطن الهجري»، فضلاً عن إصداره صحيفتين بالفرنسية هما: «أخبار الشرق» Le courrier d'orient و«الهجري الفتى» Jeune Turc، وقد خط في الصحيفة الأخيرة ما ينوف على ألف وخمسمئة منطق وثائقي عن المدة التي تلت انقلاب 13 أبريل 1909، الذي أطاح السلطان عبد الحميد الثاني.

شارك إلري في آخر برلمان عثماني، كما انتُخب أربع مرات للمجلس الوطني الكبير الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك. ولمعهدته الواسعة بالقانون، وبثقافات الشرق والغرب، صار أحد المستشارين الذين لا يستغنى عنهم لدى حكومة أنقرة، التي يرأسها مصطفى كمال، وعهد عنه صراحته ونزاهته وتمسكه بالمبادئ وتأييده للحكومات المتحررة والشريفة. وقد أثارت انتقاداته اللاذعة لحكومة السلطان ومساوئها، في صحيفته اليومية «إلري» الصادرة في اصطنبول، وكذلك قوله بعدم ملاءَمة حكم الحزب الواحد للديمقراطية، ردود عمل شديدة في الصحافة، فقد هاجمه مؤيدوالحكومة في الصحف الرسمية، كما تهجّم عليه عضوفي البرلمان وهوفي مخطه، كان إلري قد اتهمه وعدداً من النواب بإساءة استعمال سلطاتهم. وقد أثر هذا الحادث في نفس إلري، فأقل الكتابة وتجنب المهاترات بقية حياته إلى حتى توفي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني.

مؤلفاته

وضع إلري أكثر من ثلاثين مؤلفاً فضلاً عن آلاف الموضوعات التي جُمع بعضها في كتاب. ولم ينتسب إلى أي من الفئات الثلاث الرئيسية التي استقطبت السياسة الهجرية في أعقاب انقلاب 1908(أصحاب الاتجاه الهجري، وأصحاب الاتجاه الإسلامي، وأصحاب الاتجاه الغربي «المستغربون»). ولكنه تبنى موقفاً وسطاً بين الاتجاهين الأخيرين. وقد أُثر عنه قوله إذا الحضارة نوعان: تقنية وأصيلة، فالغرب قد وصل إلى الذروة في الحضارة التقنية ولكنه لم يحقق، ولن يحقق، أي حضارة أصيلة. وقوله إذا الحضارة التقنية يمكن نقلها من بلد إلى آخر، في حين لا يمكن نقل أصالة الحضارة، وقد ارتكب المصلحون العثمانيون خطأً كبيراً بخلطهم بين الحضارتين التقنية والأصيلة، فعوضاً عن الاكتفاء بنقل تقنية الغرب حاولوا تقليده في مجالات كان الإسلام فيها متفوقاً. وقد ولج جلال نوري في نقاش مطول مع عدد من الكتاب المشهورين حول القضايا الاجتماعية والسياسية والدينية والفقهية واللغوية، كما عارض بشدة القوميين المتطرفين، ونادىة التغريب، وكذلك الإسلاميين المتشددين.

آراؤه

كان إلري مصلحاً معتدلاً وقد أدلى برأيه في قضايا مهمة، كانت مدار المناقشات في المدة بين عامي 1908 و1923. ففي مجال القضاء طالب بإصلاح جذري يستند إلى تطور الأمة التاريخي في ضوء أوضاعها وخصوصياتها وشروط حياتها ومتطلبات عصرها. ونطق إذا دستور مدحت باشا، ومجلة جودت باشا والقوانين الأخرى المتعلقة بالإدارة والقضاء والملكية لم تعد ملائمة لأنها لا تناسب المتغيرات المستجدة. وطالب بتعديل القوانين وفق مستجدات جميع فترة.

وفيما يختص بتحرير المرأة، أشار إلى المساوئ الاجتماعية التي تعانيها النساء في المجتمع العثماني، وطالب بمنع تعدد الزوجات، وبعدم معاملة المرأة كأنها سلعة، ونادى إلى تحديث القوانين المتصلة بالزواج والطلاق والأولاد، بعد حتى مضت قرون أسيء فيها تفسيرها. ولكن أفكاره بدت لكثيرين تقدمية أكثر مما يجب. وحول عوامل انحطاط العثمانيين، نطق إذا أهمها يعود إلى عدم مشاركتهم في الكشوف البحرية، وعصر النهضة الأوربية، واستغلال المطبعة.

وكان من نادىة تغيير حروف كتابة اللغة الهجرية، وذكر حتى حروف الهاتى العربية لا تناسب اللغة الهجرية، ونادى إلى ضرورة تبني الألفبائية اللاتينية. ولكنه اتخذ موقفاً محافظاً حيال اللغة نفسها، فقد نطق: إذا المفردات العربية والفارسية طبيعية بل ضرورية للغة الهجرية ضرورة الحدثات اللاتينية والفرنسية للإنكليزية. وما لبثت حملته على نادىة تبسيط اللغة حتى تضاءلت في أعقاب إعلان الجمهورية في هجرية.

وفي مجال الدعوة إلى الإصلاح في الإسلام، رأى إلري حتى الإسلام ذاته لم يكن عقبة في سبيل التطور، ولكن أسيء فهمه وتفسيره، واستُغل من المتزمتين والانتهازيين، ولهذا فالإصلاح في الإسلام، ولاسيما في مجال القانون ضروري. وبذلك تصبح وحدة العالم الإسلامي المثل الأعلى، وتحل محل العقائد القومية لمختلف الشعوب الإسلامية. ونطق: إذا إقامة دولة دينية (ثيوقراطية) مغالطة تاريخية، كما حتى تجاهل حضارة الغرب لا يفيد، وعلى الأتراك حتى يتبنوا الحضارة التقنية ـ كما عمل اليابانيون ـ محتفظين في الوقت نفسه بحضارتهم الخاصة، وهي الحضارة الهجرية الإسلامية، التي يجب تطويرها بالإصلاحات. وقد لخص إلري أفكاره هذه، ومنها آراؤه في السياسة الخارجية لهجرية، في المذكرة التي قدمها في عام1911 إلى مؤتمر سالونيك الذي دعت إليه جمعية الاتحاد والترقي، وأورد ذلك أيضاً في كتابه «تاريخ الانحطاط العثماني».

خلّف إلري ثلاثة وعشرين مؤلفاً مطبوعاً بالهجرية من مجموع مؤلفاته، وقد صدرت بين عامي 1327 و1344هـ/1910 و1926م، منها: «مذكرات تاريخية» و«اتحاد الإسلام» و«نساؤنا» و"خاتم الأنبياء» و«اتحاد الإسلام وألمانية» و«الروم وبيزنطة» وآخرها «الانقلاب الهجري» (طبع في اصطنبول عام 1926).