العنبر رقم 6
المؤلف | أنطون تشيكوڤ |
---|---|
العنوان الأصلي (إذا لم يكن بالعربية) | Палата № 6 |
الناشر | |
الإصدار | 1892 |
العنبر الرقم 6 (بالروسية: Палата № 6؛ بالإنگليزية: Ward No. 6) رواية للمحرر الروسي أنطون تشخوڤ، 1890- 1892.
المقدمة
لم يعش المحرر الروسي أنطون تشيكوف ليقرأ ميشل فوكوخلال النصف الثاني من القرن العشرين... ولا هواطلّع على أدب كثير خط في القرن العشرين، حول قضايا المجانين والمستشفيات والسؤال حول من هوالعاقل حقاً ومن هوالمجنون حقاً. وهولم يعهد بالتالي ان جزءاً أساسياً من هذا الأدب يدين لروايته القصيرة «العنبر الرقم 6» التي خطها خلال العامين 1890- 1892... إذ اننا اذا قرأنا بعض هذا الأدب ولا سيما كما صاغه كن كيزي في مسرحيته الشهيرة «واحد طار فوق عش الوقواق»، ثم كما صاغه الكثير من الكتاب الألمان والعرب والروس والفرنسيين وغيرهم، سنرى تأثيرات ذلك العمل التشيكوفي واضحة. بل ينطق ايضاً ان كافكا نفسه في الكثير من اعماله يظهر متأثراً بـ «العنبر الرقم 6»، حتى وإن كان هذا العمل لا يعتبر الأشهر بين اعمال تشيكوف. ومهما يكن من أمر، فإن تأثر كبار مبدعي القرن العشرين، من مسرحيين وروائيين وسينمائيين (وصولاً الى إنگمار برگمان ووودي آلن) بصاحب «بستان الكرز» و«الشقيقات الثلاث» و«الخال ڤانيا» ليس ابداً في حاجة الى تأكيد. أما بالنسبة الى «العنبر الرقم 6»، فإن تأثيرها يظهر مفاجئاً بعض الشيء، لأن موضوعها يكادقد يكون الأكثر التصاقاً بتشيكوف من بين جميع اعماله، انها النص الأكثر ذاتية، في اعماقه، الذي خطه أنطون تشيكوف. ناهيك بكونه النص الأكثر ارتباطاً بالظروف التي خط فيها. في اختصار خط تشيكوف كـ «فشة خلق» من دون حتى يدري أنه سيعيش طويلاً ويعتبر من بين اقوى اعماله، بل العمل الذي يختصر زمناً وذهنية وظروفاً تاريخية مرتبطة بهما.
هذه الظروف التاريخية تكاد تتلخص في تلك النزعة العدمية المريرة التي هيمنت على الذهنية الروسية، ولا سيما على أفكار النخب المثقفة الروسية خلال السنوات التي تلت اغتيال القيصر ألكسندر الثاني. في ذلك الحين كان تشيكوف لا يزال شاباً... فوجد فجأة أحلامه الإصلاحية والتغييرية تنهار، وسط انهيار اجتماعي عام في البلاد... ذلك ان الاغتيال في حد ذاته دفع الى استشراء تلك العدمية وانبعاثها من حديث بعدما كانت قد طويت - اوخيل للمثقفين انها طويت - مع بروز الزمن الإصلاحي. إلى غير ذلك بدل الأحلام المستقبلية، حل البؤس والانهيار الطبقي وخيبات الأمل. والحال ان انطون تشيكوف كان، في ذلك الحين، في مقدّم المثقفين الذين راحوا يعانون ذلك كله. ومن قلب هذه المعاناة، تحديداً، ولدت رواية «العنبر الرقم 6»، التي كان تشيكوف يريد ان يتنفس من خلالها بعض الشيء وأن يرمي أحزانه وخيباته على الورق.
ولكن لأن المعاناة التي صوّرها أنطون تشيكوف في «العنبر الرقم 6» كانت صادقة وتعبّر من خلال المحرر، عن نظرة جيل بأسره، كان لا بد للنجاح من انقد يكون حليفها. حتى وإن كان تشيكوف قد تردد شهوراً طويلة قبل نشرها، خصوصاً انه في شكل اوفي آخر رأى - كما سيقول لاحقاً - انها تمتّ بصلة الى دوستويفسكي، سلفه الكبير، اكثر مما تمت بأي صلة الى نزعاته الأدبية الخاصة... بل تبدومنتمية الى عوالم غوغول اكثر مما هي منتمية الى عوالمه الخاصة... لكن هذا كله لن يظهر سليماً على ضوء القراءة الثانية لـ «العنبر الرقم 6». هذه القراءة تؤكد تشيكوفية هذا النص، بل تكاد تجعله محورياً في أدب تشيكوف ككل، من الصعب قراءة هذا الأدب من دونه.
السيرة
كما يشير العنوان، تدور احداث هذه السيرة من حول صالة في مستشفى للأمراض العقلية يطلق عليها اسم «العنبر الرقم 6»... والمستشفى الذي تدور فيه الأحداث هومستشفى ريفي، سيئ التنظيم وشديد القذارة. في العنبر المذكور يعيش خمسة وعشرون مريضاً عقلياً عيشة تغلب عليها الفوضى، إذ لا يعتني بهم سوى حارس وحيد، قاس وعنيف، لا يتورع في جميع مرة عن ضرب السقمى لكمات قوية لكي يدفعهم الى الهدوء حينما يثورون أوتحل بواحد منهم نوبة عصبية. وذات يوم يحدث، على سبيل الصدفة، حتى يمر بالعنبر الرقم 6، الدكتور أندريه أفيمفيتش، وهوطبيب شاب يتولى مسؤولية المستشفى ويبدوزاهداً في جميع شيء، وغير راض عن أوضاع أهل بلده، يشعر بمرارة كبيرة - هي المرارة نفسها التي سنعهد لاحقاً حتى أنطون تشيكوف نفسه كان يعاني منها في ذلك الحين... وإضافة الى هذا نعهد ان أندريه لم يعد مؤمناً بفاعلية الطب، ويعيش قلقاً دائماً. لذلك حين يمر بالعنبر الرقم 6، يدهشه حتى يلتقي بواحد من السقمى ليكتشف حتى هذا المريض ذكي واع، ومطّلع على أحوال العالم، حتى وإن كان يعاني من عقدة الاضطهاد. إلى غير ذلك بعد التعارف الأول وبعد حتى يكتشف جميع منهما الآخر، وإن بحدود، يصبحان صديقين ... ويصبح في وسع الطبيب منذ ذلك الحين حتى يمضي أمسياته في المستشفى يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه المريض، فيخوضان في مساجلات وحوارات متشعبة تطاول أوضاعهما والأوضاع العامة في البلاد.
ذات مرة يمر بهما مساعد للطبيب، ويفاجأ بهذا الحوار بين الطبيب والمجنون... ويستنتج من هذا حتى رئيسه صار مجنوناً بدوره... إذ هل يمكن حتى يتحدث الى مجنون سوى مجنون مثله،يا ترى؟ وإذ ينقل المساعد هذا الخبر الى الإدارةقد يكون موقفها مشابهاً لموقف المساعد، ما يجعل الطبيب الذي يجابه بالأمر، يقدم على الاستنطقة من عمله، خوفاً أوقرفاً أوزهداً لا فرق... ولكن في جميع الأحوال كنوع من خيبة الأمل... ثم بعد أحداث عدة ومتنوعة، وبعد تصرفات من الطبيب باتت تؤكد ما يمضى اليه مساعده والإدارة، ينتهي الأمر به الى حتى يودع بدوره في العنبر الرقم 6، كمريض هذه المرة... لا كطبيب. ففي ذهنية هؤلاء المسؤولين الريفيين لا يمكن شخصاً حتى يتحدث بالعقل وبالحجة... وتحديداً مع مريض مجنون، إلا حتىقد يكون فاقداً عقله بدوره. إلى غير ذلك يتحول طبيبنا الى مجنون، ثم تكون له مجابهته الأولى مع الحارس القاسي نيكيتا، الذي كان الطبيب قد نهره وعارضه وعاقبه مراراً من قبل. وخلال هذه المجابهة، وإذ يبدي اندريه رغبته في الخروج من العنبر لتنشق بعض الهواء، يفاجئه الحارس بضربة قوية على رأسه تقتله من فوره بسبب داء قديم كان يعاني منه.
كان من الواضح حتى هذه النهاية السوداوية التي اختارها أنطون تشيكوف لقصته، تعكس حالته النفسية الخاصة، هوالذي كانت العدمية قد استبدت به في ذلك الحين، فهماً حتى النهايات السود طالما ميزت خواتيم معظم أعمال هذا المحرر. فأنطون تشيكوف (1860 - 1904)، وحتى في أكثر لحظات حياته وعمله زهداً وقوة، كان ينظر بقدر كبير من الحزن الى المصير الإنساني، ولا سيما الى المصير الذي ينتظر جميع انسان عاقل ومثقف في آخر الطريق. وفي هذا الاطار لا يظهر لنا مصير اندريه افيمفيتش شديد الاختلاف عن المصير السيئ الذي ينتهي اليه أبطال قصص ومسرحيات تشيكوف الآخرون. وبهذا كان تشيكوف رائداً من رواد الكتابة السوداوية التي ستستشري في القرن العشرين... هوالذي إذا قرأنا بإمعان نصوص الحوارات التي يجريها على لسان المجنون والطبيب خلال تلك الجلسات المسائية التي يتسامران فيها معاً قرب العنبر الرقم 6، سنكتشف انها تكاد تنطق باسمه، معبرة عما كان يفكر فيه في ذلك الحين. وعبّر عنه دائماً في أمهات أعماله، من مسرحية وقصصية، وحتى في الكثير من النصوص التي خطها والتي يمكن حتى تحسب، في شكل أوفي آخر على فن السيرة الذاتية مثل «روايته» المبكرة «السهوب».
المصادر
- ابراهيم العريس (2010-11-01). "«العنبر الرقم 6» لتشيكوف: شبه سيرة مواربة لزمن سوداويّ". جريدة الحياة اللبنانية.