سقوط روبسپيير

عودة للموسوعة

سقوط روبسپيير

Gendarme Merda shooting at Robespierre during the night of theتسعة Thermidor.

رد العمل الثرميدوري كان انتفاضة في الثورة الفرنسية ضد تجاوزات عهد الرعب. وقد أشعله تصويت في لجنة السلامة العامة لإعدام ماكسيمليان روبسپيير، أنطوان لوي ليون ده سان-جوس ريشبور والكثير من أعضاء عهد الرعب البارزين الآخرين. وقد أنهت تلك الانتفاضة الطور الأكثر راديكالية في الثورة الفرنسية.

الثيرميدوريون 29 يوليو1794 - 26 اكتوبر 1795

أوالثرميدور (شهر الدفء) في التقويم الجمهوري الفرنسي

Fusilier de la Garde de la Convention, 1795

في 92 يوليوأوفد الذين انتصروا في التاسع من ثيرميدور (شهر الدفء في التقويم الجمهوري) سبعين من أعضاء كومون باريس إلى المقصلة وبعدها أصبح الكومون تابعا للمؤتمر الوطني، وتم إلغاء قانون يوم 22 من شهر المروج الخضر وهوالشهر التاسع من التقويم الجمهوري (تم الإلغاء في أول أغسطس)، وتم إطلاق سراح من سجنهم روبيسبير وتم سجن بعض أعوانه(321). وتم إصلاح المحكمة الثورية لضمان محاكمات عادلة. وتم استنادىء فوكييه - تينفيل Fouquier Tinville للدفاع عن أعماله فاستطاع بسبب براعته الاحتفاظ برأسه حتىسبعة مايوسنة 5971 وظلت لجنة الأمن العام ولجنة المراقبة العامة (لجنة الضمان العام) لكن مخالبهما كان قد قصت، وازدهرت الدوريات المحافظة وماتت الصحف الراديكالية لافتقارها للدعم الجماهيري. ووجد تاييه Tallien وفوشيه Fouche` وفريرون Fréron أنه يمكنهم حتى يشاركوا في القيادة الجديدة بالتأثير في المؤتمر الوطني لتجاهل أدوارهم في فترة حكم الإرهاب، وتم إغلاق نوادي اليعاقبة في أنحاء فرنسا كلها (21 نوفمبر)، وانتقل نواب المؤتمر الوطني ممن كانوا في السهل Plain (نواب الوسط) الذين طالما عانوا من التخويف والإرهاب إلى اليمين، أما الجبليون The Mountain فقد أزيحوا عن السلطة، وفيثمانية ديسمبر استعاد ثلاثة وسبعون عضوا من الجيرونديين ممن ظلوا على قيد الحياة مقاعدهم. إلى غير ذلك أعادت البورجوازية قبضتها على "الثورة".

وسمح استرخاء الحكومة بإعادة إحياء الدين. لقد كان معظم الرجال الفرنسيين، والنساء الفرنسيات كلهن تقريبا يفضلون الاحتفال بالقديسين والطقوس الدينية على وفق التقويم الكاثوليكي على مهرجانات الاحتفاء بالموجود الأسمى Supreme being ولم يكن على خلاف هذا الاتجاه الشعبي سوى قلة صغيرة ممن تلقوا تعليما عاليا وأفراد الشريحة العيا من الطبقة الوسطى التي تأثرت بحركة التنوير. وفي 51 فبراير سنة 5971 تم توقيع معاهدة سلام مع متمردي الفندي Vendéae يضمن لهم حرية العبادة، وبعد أسبوع واحد امتد هذا الحق ليضم فرنسا كلها؛ وتعهدت الحكومة بالفصل بين الكنيسة والدولة.

أما المشكلة الأكثر صعوبة واستعصاءً على الحل الدائم السقمي فهي معضلة العلاقة بين المنتج والمستهلك، فالمنتجون يطالبون ويلحون في المطالبة بإلغاء سقف الأسعار(الحد الأقصى الذي حددته الحكومة لأسعار السلع) والمستهلكون يطالبون بالغاء الحد الأعلى للأجور، وقد انصت المؤتمر الوطني إلى طلبات الطرفين وألغى الحد الأقصى في الحالتين (في 42 ديسمبر سنة 4971) فقد كان يسيطر على المؤتمر في ذلك الوقت أعضاء متحمسون يؤمنون بالاقتصاد الحر والمنافسة وحرية التجارة، فأصبح العمال الآن أحرارا في البحث عن الأجور العليا، وأصبح الفلاحون والتجار أحرارا في التصرف على وفق الحركة التجارية.

اغلاق نادي اليعاقبة، أثناء ليلة 27–28 يوليو1794

وارتفعت الأسعار على الجانبين (أسعار البضائع وأسعار العمالة) وأصدرت ا لحكومة أسينات assignates جديدة كعملة ورقية لكن قيمتها تدنت أكثر من ذي قبل: فبشل الدقيق الذي كان يكلف أهل باريس أسينين اثنين في سنة 0971 أصبح يكلفهم 522 أسيناً في سنة 5971 وارتفع ثمن الحذاء من خمسة أسينات إلى مائتين، وارتفع ثمن الاثنتي عشرة بيضة من 67 إلى 0052(421).

وفي أول أبريل سنة 5971 انفجرت في أحياء مختلفة في باريس مرة أخرى اضطرابات بسبب أسعار الخبز واقتحمت جماهير غير مسلحة مقر المؤتمر الوطني مطالبة بالغذاء وإنهاء اضطهاد الراديكاليين، وقد أيدهم عدد من الأعضاء ممن أصبحوا الآن ضمن الجبليين(üü) Mountain ، ووعد المؤتمر الوطني بإيجاد حل عاجل لكنه في الوقت نفسه نادى الحرس الوطني لتفريق المشاغبين. وفي تلك الليلة أصدر المؤتمر الوطني قرارا بترحيل (نفي) الزعماء الراديكاليين بيلوفارين Billaud Varenne . وكولودربوا Collot d`Herbois وبارير Barére وفادييه Valdier إلى غيانا Guiana ، وتملص بارير وفادييه من القبض أما كولووبيلوBillaud فقد نفيا إلى مستعمرة أمريكا الجنوبية حيث الحياة القاسية، وهناك سقم هذان المعاديان للإكليروس فاعتنت الراهبات بهما وسقمنهما. واستسلم كولوللموت أما بيلوBillaud فعاش وتز وج من جارية مخلطة وأصبح فلاحا قانعا، ومات في هيتي Haiti في سنة 9181(521).

وأصبحت المعارضة العامة شرسة فقد ظهر بلاكار Placards داعيا للعصيان المسلح، وفي 02 مايوغزا حشد من النساء والرجال المسلحين المؤتمر الوطني مطالبين بالخبز ومطالبين بإطلاق سراح الراديكاليين المقبوض عليهم وبحل abdication الحكومة، وقتل أحد النواب بطلقة مسدس وحمل قاتلوه رأسه اليابس (إشارة لعناده) على رمح أ مام رئيس المؤتمر بوينسي دنجلا Boissy d`Anglas الذي أدى له (للرأس) التحية الرسمية، وأجبرت القوات الحكومية والمطر الهاطل المتمردين على العودة لبيوتهم. وفي 22 مايوحاصرت قوة بقيادة بيشجروPechegru عمال فابورج سان أنطوان Fabourg St. Antoine وأجبرت المتمردين المسلحين الآخرين على الاستسلام وقبض على اثني عشر نائبا من النواب الجبليين (أي اليساريين) بتهمة المشاركة في الاضطرابات وقد هرب منهم اثنان وانتحر أربعة وكان خمسة على وشك الموت من جراء جروح أحدثوها بأنفسهم فأسرعوا بهم إلى المقصلة حيث جزت رقابهم. وطالب عضومحافظ بالقبض على كارنوCarnot فاعترض صوت: "لقد خطط لفوزاتنا ونظم أمرها" إلى غير ذلك احتفظ كارنوا برأسه.

والآن (مايوويونيه 5971) استعر الإرهاب الأبيض White Terror الذي كان ضحاياه هم اليعاقبة وقضاته هم البورجوازية (المعتدلون Moderates ) المتحالفة مع الروابط الدينية: "جماعة يسوع Companies of Jusis " و"جماعة يهوه Companies of Jehu " وجماعة الشمس Companies of Sun ". وفي ليون (5 مايو) جرى ذبح 97 إرهابيا سابقا في السجن وفي إيكس إذا بروفنس Aix- en Provence (71 مايو) جرى ذبح ثلاثين آخرين "للتخلص من البربرية" وحدث أمر كهذا في أرل Arles افينون Avignon ومارسيليا. وفي تاراسون Tarascon (52 مايو) حاصر مائتا رجل ملثم الحصن الملىء بالمسجونين وقذفوا بهم إلى الرون Rhon . وفي طولون Toulon ثار العمال على الإرهاب الجديد، فقام إسنار Isnard أحد الجيرونديين الذين عاد وا إلى وضعهم السابق بقيادة كتيبة جند وقضى على هذا الاضطراب العمالي (13 مايو)(621). إذا الإرهاب إذن لم ينته، وإنما غير يديه (حل إرهابيون جدد محل إرهابيين قدامى).

Insurrection royaliste contre la Convention Nationale le 13 Vendémiaire an IV – gravure d’Abraham Girardet (1764-1823).

لم يعد البورجوازيون المنتصرون في حاجة لحلفاء من البروليتاريا لأنهم - البورجوازيين - قد كسبوا دعم الجنرالات وأولئك الذين أحرزوا الفوزات التي حملت من مركز البورجوازيين حتى بين طبقة العوام (السانس كولوت) ففي 91 يناير سنة 5971 استولى بيشجروPichegrn على أمستردام وهرب ستادثولدر وليم الرابع Stadtholder IV إلى إنجلترا وأصبحت هولندا طوال عقد من الزمن هي جمهورية "باتا فيا Batavian Republic " تحت الوصاية tutelage الفرنسية. وقامت جيوش فرنسية أخرى بإعادة الاستيلاء على الشاطىء الأيسر لنهر الراين Rhine واحتفظت بمواقعها فيه. أما المتحالفون ضد فرنسا Allies فإنهم بعد حتى هزموا واختلفوا هجروا فرنسا واتجهوا إلى فريسة أسهل في بولندا، فبروسيا رغبة منها في منع روسيا من الاستيلاء على أي شىء في التقسيم الثالث Thrid Partition (5971) أوفدت مبعوثيها إلى باريس ومن ثم إلى بازل Basel للتفاوض لعقد سلام منفصل (أي بغير مشاركة حلفائها) مع فرنسا. وما كان المؤتمر الوطني ليستطيع تحمل هذا الطلب لأنه نظر بذعر إلى سلام يمكن حتى يعيد إلى باريس أوأي مكان آخر في فرنسا آلاف الجنود نصف المتوحشين يعيشون الآن من موارد البلاد التي فتحوها، ولوعادوا لكانوا إضافة جديدة للمجرمين والسقمى والمشاغبين في المدن الفرنسية التي يصرخ ساكنوها الآن طالبين فرص عمل وخبزا. كما حتى الجنرالات الذين لم يستريحوا من متاعب الحروب والذين أثملتهم الفوزات - بيشجروPichegru وجوردا Jourdan وهوش Hoche وموروMoreau - من الممكن لا يقاومون الإغراء بالقيام بانقلاب عسكري ضد الحكومة إذا هم عادوا من جبهات القتال. لكل هذا أوفد المؤتمر الوطني إلى بازل، مارك فرنسوا دى بارثليمي Marquis Francsois de Barthélemy مزودا بتعليمات بالتمسك بالممتلكات الفرنسية على الشاطىء الأيسر للراين، ورغم اعتراض بروسيا إلا أنها استسلمت للواقع، ولحقت ساكسوني Saxony وهانوفر Hanover وهيس كاسيل Hesse Cassel بالمناطق الأخرى، وفي 22 يونيه تخلت إسبانيا لفرنسا عن الجزء الشرقي(سانتودومنجو(Santo Domingo من جزيرة هسبانيولا Hispaniola . واستمرت الحرب مع النمسا وإنجلترا لسبب بدا كافيا وهوإبقاء الجنود الفرنسيين على جبهات القتال.

وفي 27 يونيه جلبت السفن البريطانية 0063 مهاجرا (من الذين كانوا قد هجروا فرنسا إثر أحداث الثورة) من بورتسموث Portsmouth وأنزلتهم عند قنة كيبورن Quiberon (قنة الجبل الداخلة في البحر) من بريتاني Brittany لينضموا إلى كتائب شوا Chouan الملكية لإحياء تمرد أهالي فندي، وقد هزمهم تاييه في معركة عبقرية(12 يوليو) وفي حركة قادها تاييه Tallien قبض المؤتمر الوطني على 847 وأمر بقتلهم.

وفيثمانية يونيوسنة 5971 توفي ابن لويس السادس عشر (ولي العهد) البالغ من العمر عشر سنوات. توفي في السجن وليس من مرشد على حتى ذلك كان لسوء المعاملة، وربما كان موته بسبب درن العقد الليمفية العنقية (الاسكروفولا Scrofula ) والاكتئاب despondency . ومن ثم اعترف الملكيون بالأكبر من أخوي لويس السادس عشر ملكا وهوالمهاجر كومت (كونت) دى بروفنس Comte de Provence باعتباره لويس الثامن عشر Louis XVIII وأقسموا حتى يجعلوه ملكا لفرنسا، وأعرب هذا البوربوني غير الإصلاحي (في أول يوليو5971) أنه إذا عاد للعرش أعاد نظام الحكم القديم على حاله كما كان بلا تغيير بما في ذلك الحق المطلق للملك والحقوق الإقطاعية، ومن هنا كان الدعم المشهجر الذي قدمه البورجوازيون والفلاحون والعامة من السانس كولوت لنابليون خلال اثنتي عشرة معركة.

وفاة روبسپيير

اعدام روبسپيير في 28 يوليو1794 كان العلامة الفارقة لنهاية عهد الرعب

لقد أرهقت الثورة فرنسا فبدأ التسامح مع المشاعر الملكية التي تظهر في بعض الصحف والصالونات والأسر الثرية. فلا يستطيع سوى ملك شرعي يتولى الملك بالوراثه وعلى وفق التنطقيد المتبعة حتى يعيد النظام والأمن لشعب خائف وتعس بعد سنوات من التمزق السياسي والاقتصادي والانقسام الديني والحرب والمستمرة، وعدم ضمان فرصة عمل أوطعام أوحتى حياة. وكان نصف سكان جنوب فرنسا أوأكثر نافرين بعمق من باريس وسياسيّيها. وفي باريس وجدنا اجتماعات الأحياء التي كان يسيطر عليها العامة(السانس كولوت) في وقت من الأوقات أصبحت الآن بشكل متزايد يسودها رجال الأعمال، بل وقبض على زمام الأمور فيها الملكيون وكانت صالات المسارح تضج بالتصفيق استحسانا عندما يرد في سياق المسرحية حديث عن "أيام زمان الطيبة" قبل سنة 9871 وأصبح الشباب الذين كانوا في حالة ثورة دائمة يشاغبون أويتمردون على الثورة فنظموا أنفسهم في روابط كرابطة الشباب الأنيق (الترجمة الحرفية: الشباب المموه بالمضى) Jeunesse Dore` ورابطة الهوى Merveilleux (أوالعجيب كما تفيد الحدثة في القواميس الفرنسية) ورابطة الشباب الغندور أوالأنيق Muscadins (أوشباب الثمار أوالفاكهة على وفق اللقاء الإنجليزي الذي - وضعه المؤلف لها Fruits ) وراحوا يتباهون بملابسهم الغالية الغريبة وشعورهم الطويلة المعقوصة يجوبون الشوارع حاملين الهراوات الخطرة معبرين بجسارة عن مشاعرهم الملكية. لقد أصبح من غير الملائم (مما لا يتسار مع المودة) حتى يؤيدوا الحكومة الثورية بدليل أنه عندما سرى خبر مبتسر عن حل المؤتمر الوطني قوبل ذلك بالفرح حتى إذا بعض الباريسيين رقصوا في الشوارع.

لكن المؤتمر الوطني استمات للاستفادة مما بقي له من وقت، ففي يونيوسنة 5971 بدأ في وضع دستور حديث مختلف كثيرا عن الدستور الديمقراطي غير العملي الصادر في سنة 3971 والآن فقد تبنى المؤتمر الوطني نظاما توجد بمقتضاه هيئتان تشريعيتان إحداهما عليا مكونة من النواب الأكبرين سنا والأكثرين خبرة، وموافقة هذه الهيئة العليا Upper Chamber يعد ضروريا لإقرار أي إجراء تتبناه الهيئة الأخرى (الأدنى درجة Lower Chambre ) الأكثر انفتاحا واتصالا مباشرا بالحركات الشعبية والأفكار الجديدة. فالشعب كما نطق بويسى دنجلا Boissy d`Anglas ليس على الدرجة الكافية من الحكمة والتوازن ليقرر سياسة الدولة(721). وعلى هذا كان دستور السنة الثالثة Constitution of the year III (تبدأ السنة الثالثة من 22 سبتمبر سنة 4971) كمراجعة لإعلان حقوق الانسان (9871) لحذف ما به من تضليل وخداع فيما يتعلق بالفضائل والسلطة. لقد جرى حذف الافتراض القائل إذا "الناس يولدون أحرارا، ويظلون أحرارا متساوين في الحقوق" وعهد المساواة بأنها لا تعني أكثر من حتى "القانون ينطبق على الجميع" وجعل الانتخابات غير مباشرة بمعنى حتى يقوم المصوتون Voters (من كان لهم حق الانتخاب وأدلوا بأصواتهم) بانتخاب مندوبين (أومفوضين delegates ) ليكونوا أعضاء في هيئة المنتخبين (بكسر الخاء) electoral College في جميع دائرة (محافظة) ويقوم هؤلاء الناخبون بدورهم باختيار أعضاء الهيئة التشريعية الوطنية (على مستوى فرنسا) وأفراد السلطة القضائية Judiciary والهيئات الإدارية. واقتصرت عضوية هيئة المنتخبين على أصحاب الملكيات وبذاقد يكون اختيار الحكومة الوطنية منوطا بثلاثين ألف فرنسي. وقدم واحد من الأعضاء اقتراحا للمؤتمر الوطني بإتاحة حق الانتخاب للنساء لكن عضواً آخر أقنعه بسؤال وجهه: "أين هي الزوجة الصالحة التي تجسر على القول بأن رغبة زوجها غير رغبتها؟"(821) ورفض مبدأ سيطرة الدولة على الاقتصاد باعتباره غير عملي لأنه يعوق الإبداع والمشروعات ويبطىء من نموثروة البلاد.

وضم هذا الدستور بعض الأفكار الليبرالية: لقد أكد على الحرية الدينية، وكذلك حرية الصحافة " لكن في حدود آمنة" (وكانت الصحف في ذلك الوقت في غالبها تديرها الطبقة الوسطى) وأكثر من هذا فإن التصديق على الدستور هجر للناخبين الذكور الراشدين، مع إضافة شرط يدعوللدهشة: حتىقد يكون ثلثا النواب في الهيئات الجديدة أعضاء في المؤتمر وإذا لم ينجح عضوالمؤتمر في الانتخابات ملأ الأعضاء (من المؤتمر الوطني) الذين أعيد انتخابهم الفراغ (في الثلثين) باختيار زملاء لهم ممن هم أعضاء في المؤتمر الحالي، وكان تعليل ذلك هوضرورته لاستمرار السياسات والخبرات.

وكان المصوتون طيعِّين (متجاوبين) فمن بين 622.859 أدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع وافق على الدستور 358.419، ومن بين 131.362 صوت كانت مطلوبة للثلثين(الشرط الآنف ذكره) وافق 857.761(921). وفي 32 سبتمبر سنة 5971 جعل المؤتمر الوطني الدستور الجديد هوقانون فرنسا وجهز لانسحابه (أي المؤتمر) بنظام.

لقد كان من الممكن حتى يزعم بقيامه ببعض الإنجازات رغم شهوره التي قضاها في التشوش والإرهاب والخضوع للجان التابعة له وخوف أعضائه من الطرد (من المؤتمر الوطني) بناء على طلب السانس كولوت (عوام الطبقة الثالثة). لقد حافظ المؤتمر على شيء من القانون في المدينة في وقت فقد فيه القانون هالته وجذوره. كما حتى المؤتمر دعم تفويض السلطة للبورجوازيين لكنه حاول السيطرة على جشع التجار بدرجة تكفي لمنع حدوث مجاعة تسبب شغب العامة وكان قد نظم الجيوش الفرنسية ودربها، وحمل من شأن الجنرالات الأكفاء المخلصين، وصد التحالف القوي ضد فرنسا وحقق السلام بأن جعل فرنسا تحميها حدود طبيعية (الراين وجبال الألب وجبال البرانس) ومياه المحيط، وبالإضافة إلى هذه الجهود كلها المكلفة أسس النظام المتري، وأسس أوأعاد تأسيس متحف التاريخ الطبيعي ومدرسة البوليتقنية (البوليتكنك) ومدرسة الطب. وافتتح معهد فرنسا Institute of France ، لقد بات المؤتمر الوطني الآن بعد ثلاثة أعوام ظل فيها باقيا بما يشبه المعجزة يستحق موتاً هادئا على حتى يبعث ثلثا أعضاؤه (بانضمامهم للهيئات الجديدة).

لكن ما وقع هوحتى موته لم يكن بسلام وإنما ملطخاً بالدم كما هوالمأ لوف في ذلك الوقت فالبلوتوقراط (ذووالنفوذ الناشىء عن ثرواتهم Plutocrates ) والملكيون الذين كانوا قد استولوا على قسم (حي) الليبلتيير Le Lepeletière في باريس حول البورصة، قاموا بحركة تمرد على التشريعات التي ولدت من جديد، وانضمت إليهم أحياء أخرى لأسباب مختلفة تخصها، وكونوا جميعا قوة قوامها 000.52 رجل وتقدموا إلى عدة مواقع فتحكموا في التوليري ومن ثم في المؤتمر الوطني (5 أكتوبر، 1792 / 31 فيندميير بالتقويم الجمهوري) فعين نواب المؤتمر المرعوبون بارا Barras لتولى أمور الدفاع كيفما اتفق فعين بدوره بونابرت وكان في السادسة والعشرين من عمره، وكان وقتها عاطلا في باريس (أي بلا عمل) ليجمع الرجال والمؤن والأهم من ذلك المدفعية. وكان بطل طولون يعهد مكان المدافع فأوفد مورا Murat مع قوة لتأمينها فأحضروها ووضعوها في مراكز تشرف على المتمردين المتقدمين، وصدرت النداءات للمتمردين بالتفرق، فاحتقروها، فأمر نابليون بإطلاق المدافع فسقط ما بين مائتي قتيل وثلاثمائة جريح وفر الباقون، وأحيا المؤتمر الوطني بذلك آخر محاكماته المصحوبة بالتعذيب ودخل نابليون الحاسم القاسي لتكون أعماله وسيرته من أكثر المشاهد دراماتيه في التاريخ الحديث.

وفي 62 أكتوبر حل المؤتمر الوطني نفسه وفي الثاني من نوفمبر سنة 5971 بدأ الطور الأخير للثورة الفرنسية.

وفي هذه الأثناء قاد نابليون رجاله ليخوض بهم اثنتي عشرة معركة للفوز بدرة لمبارديا مدينة ميلان الغنية المتحضرة. وعند لودي Lodi على الشاطىء الغربي للأدا Adda لحقت قواته الرئيسية بالقوة الرئيسية في الجيش النمساوي بقيادة بوليوBeaulieu ، فتراجع بوليووعبر النهر فوق جسر خشبي طوله 002 متر تم نصب مدافعه في مواقع تسمح له بمنع الفرنسيين من القيام بعبور مماثل، فأمر نابليون فرسانه بالاتجاه شمالا حتى يجدوا مخاضة يعبرون المجرى منها، ومن ثم يتجهون جنوبا لمهاجمة مؤخرة الجيش النمساوي. واحتفظ نابليون بمشاته خلف أسوار المدينة ومنازلها، وشارك بفعالية في توجيه نيران مدافعه إلى المدافع النمساوية التي تحمي الجسر. وعندما وصل فرسانه فجأة إلى الشاطىء الشرقي للنهر وهاجموا القوات النمساوية، أمر نابليون الرماة (رماة القنابل اليدوية) حتى يشقوا الطريق عبر الجسر فحاولوا لكن المدافع النمساوية أوقفت تقدمهم، فاندفع نابليون متقدما وانضم إلى جميع من لان Lannes وبيرثييه Berthier في قيادة المجموعة فهزم النمساويون وأسر منهم ألفان، فانسحب بوليوBeaulieu إلى مانتوا Mantua واستراح الجيش الفرنسي مدة يوم ثم ولج ميلان وبسبب هذه الواقعة وهي اندفاع القوات الفرنسية بقيادة بونابرت بشكل انتحاري وبروح عالية في الوقت نفسه معرضا نفسه لنيران العدوأطلق عليه تدليل محبب وهو"العريف الصغير Le petit Caporal ".

وبعد هذا الفوز بفترة وجيزة تلقى نابليون من حكومة الإدارة اقتراحاً مهينا له حتى إنه نص في رده لهم عن تخليه عن مهامه مضحيا بما وصل إليه من مجد. فهؤلاء الرجال الخمسة (حكومة الإدارة) الذين كانوا ينعمون بالمهرجانات الاحتفالية عندما تصل أخبار فوزات نابليون إلى باريس، أبلغوه (7 مايو) بضرورة حتى ينقسم جيشه الآن إلى قسمين؛ قسم يقوده الجنرال فرانسوا إيتين كيلرمان Franscois- Etienne Kellermann (ابن محقق نصر فالمي Valmy ) ليعهد إليه حماية الفرنسيين في شمال إيطاليا من هجمات النمساويين، وقسم بقيادة بونابرت ليتجه به جنوبا ليضم الولايات الباباوية Papal States ومملكة نابلي إلى الحكم الفرنسي. ولم ير نابليون في هذا الاقتراح حيفا أوظلما لشخصه فحسب وإنما رأى فيه خطأ إستراتيجيا أساسيا، فالهجوم على الباباوية Papacy لن يثير فحسب كاثوليك أوربا كلهم بمن فيهم كاثوليك فرنسا على الثورة الفرنسية، وإنما سيكون كاثوليك النمسا مستعدين بالعمل لإرسال جيش قوي بقيادة الفيلد مارشال كونت داجوبيرت فون فيرمسر (فورمسر (Wurmser لطرده (أي طرد نابليون) إلى فرنسا. لذا فقد أجاب نابليون بأن الجيش الفرنسي في إيطاليا Army of Italy في حاجة لأنقد يكون موحدا مزودا بما يلزمه ليحافظ على مكاسبه ولا يمكن حتى تتم قيادته بنجاح إلا بقيادة واحدة، لذا فهو- أي نابليون - سيهجر مسقطه القيادي للجنرال كيلرمان Kellermann وسيقدم استنطقته.

وتلقت حكومة الإدارة رسالة نابليون في الوقت الذي تلقت فيه تقارير عن نجاحاته الأخيرة في المجالين الحربي والدبلوماسي. ذلك حتى الجنرال الشاب ( نابليون) كان قد منح لنفسه الحق في عقد معاهدات السلام تماما كحقه في شن الحرب، كما منح لنفسه الحق في حتى يقدر الثمن الذي يجب حتى تدفعه جميع مدينة أودولة إيطالية لتنعم بالحماية الفرنسية بدلاً من حتى يهجرها نهباً لطمع عساكره، ولم يعط نابليون لنفسه هذه الحقوق إلا اعتزازا منه بما حققه من نصر ولشعوره بأن هؤلاء السياسيين القابعين بعيدا في باريس (حكومة الإدارة) ليسوا في موقف يمكنهم من التفاوض لعقد المعاهدات بما يتناسب مع موارد العدووظروف الجيش الفرنسي. وإنما عثر نفسه هوالأقدر بحكم قربه من الحقائق الموجودة على أرض الوا قع. لكل هذا فإنه بعد دخوله ميلان Milan منتصرا (51 مايو6971) رتب هدنة مع دوق پارما ودوق مودِنا Modena وملك ناپولي Naples ، ضمن - من ناحيته - لهم السلام مع فرنسا وحمايتهم من النمسا، وحدد لكل منهم قيمة ما يدفعه لقاء هذا التفاهم، فدفعوا مبالغ طائلة وتحملوا - عاجزين عن عمل أي شيء - سرقة الأعمال الفنية الخالدة من متاحفهم وقصورهم وميادينهم العامة.

لقد رحبت به ميلان، فطوال ما يقرب من قرن كانت تتطلع للتحرر من حكم النمسا، وكان هذا القائد الحربي الشاب - على غير العادة - كريما - إذا قيس بالفاتحين الآخرين، وكان متآلفا مع أسلوب الحياة الإيطالي ومع اللغة الإيطالية مقدرا للنساء الإيطاليات، حفيا بموسيقا الإيطاليين وفنهم. ولم يكن ذلك غريبا على الإيطاليين فلم يكن إدراكهم لشغفه بالفن الإيطالي مفاجئا. وعلى أية حال فهولم يكن إيطاليا إلا لشهر أونحوذلك ( المقصود أنه لم يظل ودوداً بهذا الشكل إلا لفترة شهر أونحوذلك). لقد جمع حوله فناني إيطاليا وشعراءها ومؤرخيها وفلاسفتها وفهماءها وراح يتحدث معهم بألفة. لقد بدا له لفترة وكأن لودوڤيكوسفورزا Lodovico Sforza وليوناردودا ڤنشي Leonardo da Vinci بعثا معا من حديث وصارا كيانا واحدا. أي شيء يمكن حتىقد يكون أكثر جاذبية وتشويقا من خطابه إلى عالم الفلك بارنابا اورياني Barnaba Oriani ؟

"المثقفون والفهماء في ميلان لم يعتادوا حتى ينعموا بما يستحقونه من تقدير. فهم مختبئون في معاملهم يظنون أنه إذا لم ينلهم من الملوك والقسس أذى، إنهم إذن لفي نعيم. إذا الأمر ليس كذلك الآن. لقد أصبح الفكر في إيطاليا حرا. لا مكان لمحاكم التفتيش بعد الآن. لا مكان للتعصب وعدم التسامح. لا مكان للظلم والطغيان. إنني أدعوالمثقفين والفهماء كلهم حتى يجتمعوا معا وأن يدلوني على ما يجب عمله أوالاحتياجات المطلوبة حتى نبث حياة جديدة في العلوم والفنون الجميلة... أرجوك أبلغ هذه المشاعر عني للرجال المميزين من قاطني ميلان المثقفين والفهماء".

قد أدمج نابليون مدينة ميلان ومدناً أخرى في جمهورية لومبارديا التي كان على سكانها حتى يشاركوا الفرنسيين في "الحرية " و"المساواة" و"الإخاء" و"الضرائب".

وفي إعلان للمواطنين الجدد ( صدر في 91 مايو1796) وضح أنه ما دام الجيش المحرر قد دفع ثمنا باهظا لتحرير لومبارديا، فإن على المحررين حتى يشاركوا بدفع نحوعشرين مليون فرنك لإنفاقها على جنوده (جنود نابليون)، وهذا - بالتأكيد - مجرد إسهام صغير بالنسبة لبلاد بمثل هذا الخصب، وأكثر من هذا فإن الضرائب ستفرض على "الأثرياء ... وعلى المؤسسات الكنسية حتى يتم إعفاء الفقراء(15). ولم يحظ النظام الذي فرض في الأيام الآنف ذكرها بكثير من الشعبية، ذلك النظام القاضي بأن يصحب مندوب إيطالي الجيش الفرنسي ليدله على الأعمال الفنية والمستلزمات الفهمية وما إلى ذلك الموجودة في المدن المفتوحـة لتحويلها إلى الجمهورية(25). ولم يستطع الإيطاليون الثأر لأنفسهم وإنما عللوا أنفسهم ببعض التوريات اللفظية كقولهم: "ليس الفرنسيون كلهــم لصوصــا وإنمــا منهــم عــدد كبير من الصالحين". وعلى أية حال فقد كان نابليون يتبع في هــذا النظــم التي وضعهــا المؤتمــر الوطنــي وحكومـــة الإدارة، وكـــان ســـلب الأعمـــال الفنيــة في المدن المفتوحة عملاً ليس له سوابق إلا فيما ندر، أثار السخط في جميع مكان ما عدا فرنسا، وكان نموذجا احتذاه المحاربون بعد ذلك. وتم إرسال جميع ما سلب إلى حكومة الإدارة فتلقتها بسرور ووجدت هذه المسلوبات طريقها إلى اللوفر Louvre حيث توجهت لوحة الموناليزا Mona Lisa التي لم تفقد ابتسامتها رغم ما تعرضت له من اغتصاب (المقصود حتى نقل اللوحة من إيطاليا إلى فرنسا نوع من الاغتصاب) واحتفظ نابليون لنفسه بقليل من العوائد الإيطالية(35) استثمر بعضها في تقديم الرشاوي بحكمة وتدبير، واستخدم كثيرا منها في الدفع لجنوده ليخفف من حماسهم للسرقة.

وبعد حتى جهز نابليون عشا لعروسه أوفد يلح على جوزفين (81 مايو) لتأتي إليه: "ميلان... لابد حتى تعجبك فهي جميلة جداً.. سأطير من الفرح... أكاد أموت شوقاً لأراك وأنت تحملين طفلك ... Addio,mio dolce amor .... تعالي بسرعة لتسمعي الموسيقا اللطيفة ولترى إيطاليا الجميلة"(45). وبينما كان خطابه في الطريق إليها عاد لينهمك في طرد النمساويين من إيطاليا. وفي 02 مايوكان مرة أخرى مع جنوده ولأنه كان يفهم أنهم سيقابلون بعد فترة وجيزة كثيرا من المصاعب وقوات العدو، فقد خاطبهم في بلاغ آخر من بلاغاته البليغة:

"أيها الجنود،
لقد اندفعتم كالسيل من جبال أپنين Apennines وهزمتم جميع قوة اعترضت مسيرتكم وشتتم ضمها ... فبوPo وتيسينوTicino وأدا Adda لا يمكنها حتى توقف تقدمكم .. نعم، أيها الجنود، لقد قمتم بالكثير لكن أحقا ما عاد مطلوبا منكم شيئا آخر،يا ترى؟ لا ! إنني أراكم بالعمل وقد طرتم لتقبضوا على أسلحتكم ... فأنتم لا تحبون الاستجابة الكسلى.. فكل يوم يمر دون حتى تحققوا أمراً جليلا، إنما هويوم ضائع لا يحسب من أعماركم.. وهوضائع أيضا لأنكم لم تحققوا فيه سعادتكم . دعونا نتحرك بسرعة، فما زال أمامنا مسيرة شاقة، ومازال أمامنا عدويتحتم علينا الفوز عليه، ولا زالت أمامنا أكاليل الغار نحوزها، ومن الخطأ حتى تحركنا روح الانتقام... لا تفزعوا الشعوب التي نمر بها، فنحن أصدقاء للشعوب كلها ... ستحوزون العظمة الخالدة لتغييركم وجه الحياة في أجمل بقاع أوربا .. فالأمة الفرنسية الحرة ... ستقدم لأوربا سلاما مجيدا ... عندها ستعودون إلى بيوتكم ومواطنيكم الذين سيميزونكم عن سواكم ... سيقول قائلهم عن الواحد منكم " إ نه كان مع الجيش الفرنسي المقاتل في إيطاليا."

وفي 72 مايوواصلت القوات الفرنسية تقدمها في لومبارديا واحتل نابليون بريسكيا Brescia - متجاهلاً أنها تابعة للبندقية - وجعلها المركز الأول للمعركة القادمة، وعندما أوفدت البندقية مبعوثيها إليه للاحتجاج، تظاهر بالغضب وأثار الرعب فيهم بقوله لهم إذا البندقية - بالعمل - تسمح للقوات النمساوية باستخدام طرقها ومدنها، فاعتذر البنادقة له ووافقوا على حتىقد يكون له الحق نفسه في استخدام أراضي البندقية(65).

وأدى جد القوات الفرنسية في المسير إلى وصولها إلى بشيرا Peschiera ، فهربت الحامية النمساوية التي هجرها النمساويون فيها، وتملك نابليون الحصن الاستراتيجي ودعمه ليحمي طرق مواصلاته، واندفع إلى مانتوا Mantua حيث كانت بقايا جيوش بوليوBeaulieu الثلاثة قد اتخذت لنفسها مواقع دفاعية حصينة. وهجر نابليون جزءاً من قواته لمحاصرة الحصن، وأوفد جزءاً آخر إلى الجنوب لطرد البريطانيين من ليجورن Leghorn ، وتم ذلك عملا، وسرعان ما قامت ثورة شعبية أرغمتهم على مغادرة كورسيكا. ووجد مورا Murat حتى طرد المبعوث (السفير) النمساوي من جنوا مسألة بسيطة، وعمل على ضم هذا الجزء النَّاتئ في البحر المتوسط في الجمهورية الليجورية تحت الحكم الفرنسي. ولا تكاد تكون إيطاليا قد شهدت مثل هذه التغييرات في القوى في فترة قصيرة كما شهدتها في هذه الفترة.

وعاد نابليون إلى ميلان وانتظر جوزفين التي وصلت في 31 يوليو، فعانق القائد المنتصر (نابليون) هازمه (جوزفين). وفي اليوم التالي حيتها المدينة بإقامة عروض خاصة في لاسكالا La Scala أعقبها حفل راقص قدم لها فيه الشخصيات المحلية البارزة كلهم - وبعد ثلاثة أيام من النشوة كان على الجنرال (نابليون) حتى يعود إلى جنوده في مارميلوروMarmiloro، ومن هناك بثها أنشودة حب وإعجاب وفتنة لا تصدر إلا عن شاب:

"منذ فارقتك وأنا حزين الفؤاد. عندما أكون معك لا أستطيع ادخار شيء من السعادة... فمفاتن جوزفنيني (حبيبتي جوزفين) التي لا مثيل لها تشعل النار التي تحرق قلبي باستمرار وتلهب مشاعري. وعندما أتخلص من مشغولياتي ومسئولياتي، وأكون حرا في قضاء وقتي كله معك، فلن أعمل شيئا سوى حتى أحبك.

منذ أيام قليلة مضت ظننت أنني أحبك، لكن الآن وقد رأيتك مرة ثانية فإنني أحبك أكثر من ذى قبل آلاف المرات ...

آه ! إنني أتوسل إليك، دعيني أرى حتى فيك عيوبا. كوني أقل جمالا، أقل لطفا، أقل رقة، أقل طراوة. وفوق جميع هذا لا تكوني غيوراً. لا تبكِي، فدموعك تفقدني عقلي، تجعل دمائي تغلي .. تعالي بسرعة إليّ، على الأقل لنستطيع القول قبل الممات : لقد قضينا ساعات كثيرة طيبة معاً ..."

وأطاعت جوزفين رغم خطر شرك العدوفي الطريق فلحقت به في بريسكيا Brescia وصحبته إلى ڤـِرونا وهناك حمل له جواسيسه أخبارا مفادها حتى جيشا نمساويا جديدا كان قد ولج إيطاليا بقيادة الكونت فون ڤورمسر Von Wurmser كان قد طرد مؤخرا الفرنسيين من مانهايم Mannheim وقدر حتى عدد أفراد هذا الجيش المعادي يفوق عدد قوات نابليون بنسبة ثلاثة إلى 1.

وتحسبا لكارثة محتملة أعاد جوزفين إلى بيشيرا Peschiera ودبر أمر نقلها من هناك إلى فلورنسا. وفي هذه الأثناء أصدر أوامره للفصائل الفرنسية بضرورة حتى تغادر إلى مانتوا Mantua لفك الحصار عنها، وأن تأتي من طرق ملتوية (غير مباشرة) لتنضم إلى قوات جيشه الرئيسية. ووصلت القوات الفرنسية في وقت مكنها من المشاركة في معركة كاستيليونه Castiglione (5 أغسطس 6971). ولم يكن ڤورمسر Wurmser يتسقط هذا الهجوم الفرنسي المبكر، فقد كان يقود كتائبه صوب الجنوب في صفوف طويلة ليس لها عرض كثيف، فانقض نابليون على القوات النمساوية غير المستعدة وشتتها وأسر خمسة عشر ألف أسير، وتراجع فورسمر إلى روفيريتوRovereto فتبعته القوات الفرنسية وألحقت به الهزيمة هناك، كما ألحقت به هزيمة أخرى في باسانوBassano ، وهرب القائد العجوز الحزين مع من تظل من جيشه ليجد له ملجأ خلف أسوار مانتوا، فهجر نابليون بعض فصائل قواته للتعامل معه هناك.

لكن - الآن - وصلت قوات نمساوية إضافية عددها 000.06 مقاتل بقيادة بارون ألڤنزي Alvinczy عبر جبال الألب لتخوض حربا مع 000.54 مقاتل فرنسي هم من بقى الآن مع نابليون. والتقى الجيشان في أركول Arcole، لكن هذه القوات النمساوية كانت على الجانب الآخر من نهر أديگه Adige ولم يكن يمكنها العبور إلا على جسر في ظل وابل من النيران. ومرة أخرى - كما وقع في لودي Lodi في الأدا the Adda كان نابليون من بين أول العابرين. وقد حكى نابليون بعد ذلك : "عندما كنت في معمعة المعركة، ألقى مساعدي الكولونيل مويروMuiron بنفسه ناحيتي وغطاني بجسده وتلقى عني قذيفة كانت موجهة لي، وغرق عند قدمي"(85). وفي معركة الأيام الثلاثة التي تلت ذلك (51-71 نوفمبر 6971) تراجع النمساويون - بعد قتال شرس - تراجعا منظما. وأعاد ألفنتسي Alvinczy ترتيب قواته في ريفولي Rivoli لكنه لاقى هناك هزيمة أخرى، فقاد ألفنتسي ما تظل من قواته - بعد حتى فقد 000.03 مقاتل، وعاد متراجعا إلى النمسا. أما فورسمر Wursmer فبعد حتى فقد الأمل في استرجاع شيء وبعد حتى عانت قواته من الجوع بشكل يدعوللشفقة - استسلم في 2 فبراير سنة 7971، وبذلكقد يكون قد تم استيلاء الفرنسيين على لومبارديا.

وبعد ذلك استدار نابليون - النهم - بقواته إلى الجنوب في اتجاه الولايات الباباوية، وطلب - بأدب - من البابا پيوس السادس حتى يتنازل عن بولونيا وفرارا وراڤنا وأنكونا والأراضي التابعة لهذه المدن جميعا. وبالعمل سلم البابا هذه المدن إلى نابليون على وفق معاهدة تولنتينوTolentino (في 19 فبراير 1797)، ودفع البابا مبلغ خمسة عشر مليون فرنك "تعويضاً indemnity " عما لحق الجيش الفرنسي من خسائر. لقد أصبح نابليون الآن هوسيد الشمال الإيطالي كله فيما عدا بيدمونت Piedmont والبندقية (فينيسا)، فأعاد تنظيم قواته وأضاف إليها بعض الكتائب كونها في إيطاليا بالإضافة إلى دفعة جديدة وصلته من فرنسا بقيادة الجنرال برنادوت Bernadotte فبلغ عدد أفراد القوات تحت إمرته 000.57 مقاتل قادهم عبر الألب في طرق ارتفع فيها الجليد ثلاثة أقدام، ليهاجم فينا نفسها، المركز الإمبراطوري للهجوم على الثورة الفرنسية.

وأوفد الامبراطور فرانسيس الثاني جيشا قوامه 000.04 مقاتل للقاءته بقيادة الأرشيدوق كارل لودفيج Karl Ludwig الذي عاد لتوه ثملاً بما حققه من فوزات على جبهة الراين Rhine لكنه عندما فهم بأعداد القوات الفرنسية المتقدمة، وهالته شهرة نابليون المقرونة بالاحترام اتخذ استراتيجية تراجعية (خططاً للانسحاب)، فتعقبه نابليون حتى أصبح على مسافة ستين ميلا من العاصمة النمساوية، وكان يمكنه حتى بلا جيش حتى يستولي على المدينة فيحلوله عند ذلك حتى يترنم مع هايدن العجوز Haydn وبيتهوفن الشاب. لكن لوحتى ذلك وقع لتراجعت حكومة فينا إلى المجر وساعتها قد تطول مدة الحرب وتتسع رقعتها، وفي وسط الشتاء، وسيكون الجيش الفرنسي في وسط معادٍ عرضة في جميع لحظة للهجوم على جناحيه. وفي لحظة نادرة من لحظات الاعتدال وبالحذر الذي استفاد منه كثيرا في سنواته اللاحقة - أوفد نابليون إلى الأرشيدوق دعوة للتفاوض لعقد هدنة، لكن الأرشيدوق رفض العرض، فألحق به نابليون هزائم منكرة في نوي‌ماركت Neumarkt وفي أومتس‌ماركت Umzmarkt فوافق كارل على التباحث، وفي 81 ابريل في لوبن Leoben عقد القائدان الشابان معاهدة سلام مبدئية يتوقف إقرارها على موافقة حكومتيهما.

وكان الطريق إلى التصديق على المعاهدة مغلقا يعترضه رفض النمسا التسليم من ناحية، وإصرار نابليون على الاحتفاظ بفتوحاته في لمبارديا من ناحية أخرى. لكن حدثاً بدا قليل الشأن منح لنابليون فرصة - كفرصة لاعب القمار - ليتخلص من هذا المأزق. لقد كان نابليون قد احتل عدة مدن تابعة للبندقية (فينيسيا)، وقد سرى عصيان مسلح في بعض هذه المدن ضد الحاميات الفرنسية. ولأن مجلس الشيوخ (السينات (Senate في البندقية كان متورطا في إثارة هذا العصيان، فقد عزله نابليون وأحل محله سلطات بلدية (جهاز إداري على نمط المجالس البلدية) تابعة للسيطرة الفرنسية وجردها (أي البندقية) من الأراضي التابعة لها في البر الإيطالي. وعندما حان الوقت لتحويل الاتفاق المبدئي في لوبن Loeben ليصبح معاهدة كامپوفورميوCampoformio (في 17 أكتوبر 1797) عرض نابليون على النمسا حتى تكون حرة في ضم البندقية إلى إمبراطوريتها لقاء تنازلها عن لمبارديا وبلجيكا واعترافها بالحقوق الفرنسية على الشاطىء الأيسر لنهر الراين Rhine. لقد اعترى أوربا كلها تقريبا رعب شديد بسبب دبلوماسية التبرع بأراضي الآخرين هذه (إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق)، ونسيت آلاف المعاهدات.

وعلى أية حال فإن مكيافيلي الجديد أصر على الاحتفاظ لفرنسا بالجزر التابعة للبندقية في البحر الأدرياتي وهي كورفوCorfu وظانطه Zante وسفالونيا Cephalonia. فقد خط نابليون إلى حكومة الإدارة في 61 أغسطس 7971 "إن هذه الجزر بالنسبة لنا أكثر فائدة لنا من إيطاليا كلها مجتمعة. إنها حيوية لإنعاش تجارتنا وازدهارها وإذا كان علينا حتى ندمر إنجلترا بفاعلية فلا بد لنا من الاستيلاء على مصر. فالدولة العثمانية تذوي يوما بعد يوم، وهذا يرغمنا على استباق الأحداث وأن نتخذ خطوات مبكرة للحفاظ على تجارتنا في الشرق(95) Levant ". لم يكن لدى الشيوخ إلا القليل ليفهموه لهذا الشاب ابن الثامنة والعشرين (نابليون).

وأعاد نابليون تنظيم المناطق التي فتحها فخول لنفسه صلاحيات سياسية واضحة، فجعل من ميلان مركزا لجمهورية عبر الألپ Cisalpine وجعل من جنوا مركزا لجمهورية ليگورية، يحكم جميع منهما حكومة ديمقراطية محلية تحت الحماية الفرنسية وأيضا تحت السيادة الفرنسية. والآن وقد انتقم من الفتح القيصري الروماني لبلاد الغال، عاد العريف الصغير Little Corporal (عبارة تدليل أطلقها عليه جنوده) مكللا بغار المجد محملاً بالأسلاب - إلى باريس لاعتماد معاهداته التي أبرمها من حكومة إدارة انتنطقية كان هو- بفوزاته - قد ساعد أعضاءها على البقاء في مناصبهم.


الهامش

المصادر

  • Becker Marianne, Maximilien, Histoire de Robespierre, tome 1 (1989); fiction.
  • Becker Marianne, Maximilien, Histoire de Robespierre, tome 2 (1994); fiction.
  • Becker Marianne, Maximilien, Histoire de Robespierre, tome ثلاثة (1999); fiction.
  • Bouloiseau Marc, Robespierre, Que sais-je?, Presses Universitaires de France (1956).
  • Bouloiseau Marc, La republique Jacobin (10 août 1792 -تسعة thermidor an II). Paris. (1972)
  • Brunel Françoise, Thermidor, la chute de Robespierre, Ed. Complexe (1989).
  • Domecq Jean Philippe, Robespierre, derniers temps, Seuil (1984).
  • Frère Jean-Claude, Robespierre, la victoire ou la mort, Flammarion (1983).
  • Gallo Max, L'homme Robespierre, histoire d'une solitude, Librairie Acad. Perrin (1984).
  • Guillemin Henri, Robespierre politique et mystique, Seuil (1987).
  • Hamel Ernest, Histoire de Robespierre, A. Cinqualbre, Paris (1885).
  • Hamel Ernest, Thermidor, Jouvet & Cie Editeur (1891).
  • Jacob Louis, Robespierre vu par ses contemporains, (1938).
  • Pierre-Toussaint Durand de Maillane, L'Histoire de la Convention Nationale. Paris: Baudouin (1825)
  • Madelin Louis, Fouché, de la Révolution à l'Empire, tome 1, Nouveau Monde Editions, Reedition (2002)
  • Massin Jean, Robespierre, Club français du livre (1959).
  • Mathiez Albert, Autour de Robespierre, Payot.
  • Mathiez Albert, Robespierre terroriste, (1921).
  • Mathiez Albert, Etudes sur Robespierre, S.E.R.(1927).
  • Robespierre Maximilien, Discours et rapports à la Convention, Ed. 10/18 (1965).
  • Robespierre Maximilien, Textes choisis, Ed. Sociales (1973).
  • Sollet Bertrand, Robespierre, Messidor (1988).
  • Walter Gèrard, Robespierre, Gallimard (1961).

Hibbert, Christopher "Paris in the Terror" New York: Dorset Press (1981).

تاريخ النشر: 2020-06-04 10:20:30
التصنيفات: Articles containing non-English-language text, نزاعات 1794, انقلابات عسكرية في فرنسا, 1794 events of the French Revolution, التقويم الجمهوري الفرنسي, Revolution terminology

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الولايات المتحدة ترحب باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:27:04
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

أبشر.. ما خدمات الجوازت الإلكترونية للأسر الحاضنة للأيتام؟

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:26:52
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

والدة السلمي إلى رحمة الله - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:25:26
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

القضاء الفرنسي يحكم بالسجن على زوجين "عائدين" من ليبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:28:08
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

المعارضة تستدعي وزيرة الانتقال الطاقي بسبب قضية الغاز الروسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:27:16
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

مقتل ضابطي شرطة في جنوب شرق إيران

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:26:53
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

في يوم العلم.. طرق وميادين الباحة تتوشّح باللون الأخضر

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:27:01
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

إضافة إلى فينورد وأجاكس: أندية إسبانية وإيطالية مهتمة بزروقي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:25:28
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

الولايات المتحدة ترحب باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:27:08
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

متعددة الوسائط.. GPT 4 نسخة جديدة أكثر تطورا بقدرات غير مسبوقة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:26:57
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

ثوران بركان ميرابي في إندونيسيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:26:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

ضبط 17092 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:25:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

الشيخ صالح المنصوف.. رحلة خطاط العلم السعودي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:27:00
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

مقتل ضابطي شرطة في جنوب شرق إيران

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:26:56
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

المعارضة تستدعي وزيرة الانتقال الطاقي بسبب قضية الغاز الروسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:27:17
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 62%

أمطار متوسطة إلى غزيرة على الطائف وأتربة مثارة في نجران

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:27:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

القضاء الفرنسي يحكم بالسجن على زوجين "عائدين" من ليبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:28:11
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

تناقض الخطاب المعادي للمغرب في فرنسا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-03-11 12:26:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية