التقييم النفسي للقادة السياسيين

تحرير: جيرولد م. بوست

الناشر: مطبعة جامعة ميتشيجان، الولايات المتحدة الأمريكية( 2003)؛ 446 صفحة.

ظلت دراسة العلوم السياسية عالقة منذ فترة طويلة في التوتّر بين التفسيرات الكاملة الكبرى وبين خصائص العالم الذي نقوم بدراسته. وفي كثير من الأحيان، يظهر هذا التوتّر بصورة حادة عندما تقترب العلوم السياسية من الفروع الفهمية الأخرى، مثل التاريخ، والاقتصاد، وفهم النفس. وقد أشار الرئيس السابق لجمعية الدراسات الدولية ، بيل تومسون، في حلقة دراسية ضمت عددا من المؤرخين والمتخصصين في العلوم السياسية إلى حتى العلوم السياسية تختلف عن التاريخ كما تختلف الميكانيكا النيوتونية عن فيزياء الكمّ: إذ يسعى الفهماء السياسيون إلى التفسيرات العريضة العامّة على المستوى العياني ،والتي توضّح أنماط السلوك، بينما يبحث المؤرخون بين الكمّات quanta الفردية للعمل السياسي، ليس عن الأنماط بل عن تلك الأحداث الفوضوية العشوائية ظاهريا، والتي يظهر أنها تتحكم في المستوى الدقيق للأمور.

وبطبيعة الحال، عملى أرض الواقع ، نجد حتى مجال العلوم السياسية واسع بما يكفي لتغطية جميع من التفسيرات على المستوى العياني والدقيق، وأحيانا لاستخدام التوتّر بين الفهم النيوتوني والآينشتايني على نحوخلاق. كان هذا الأمر واضحا تماما عند التقاء العلوم السياسية وفهم النفس، حيث يندمج الهجريز على فهم النفس الفردي مع المقاربات الفهمية الصارمة التي تتطلب الموضوعية وانتهاج طرق البحث التي يمكن إعادة تطبيقها . يعد فهم النفس السياسي على المستوى الفردي بتجسير الفجوة بين إصرار العلوم السياسية على أوجه الصرامة الفهمية القابلة للتعميم وبين غريزة المؤرخ التي تنادي بأهمية الخصائص الفردية.

إنّ الأدبيات المتعلقة بدراسات فهم النفس الفردي للقادة السياسيين، بطبيعة الحال، ليست بالجديدة؛ إذ يعود تاريخها لأكثر من خمسين سنة من الاستكتشاف والتقدّم. إذا ما يزوّدنا به كتاب التقييم النفسي للقادة السياسيين ليس مجموعة جديدة جوهريا من التبصرات المتعلقة بكيفية إجراء تقييم نفسي للزعماء المنفردين ، بل ما يشبه خلاصة للعقود الخمسة الماضية من البحث في هذا المضمار؛ وهي خدمة مفيدة للغاية يقدمها المؤلف للطلاب في هذا المجال، لذا فمن المتسقط حتى يلقى هذا الكتاب قبولا واسعا بينهم.

ولأن مجال للتقييم النفسي يعتبر جهدا مجتمعيا، مثله مثل معظم فروع العلوم السياسية ، فمن الملائم حتىقد يكون هذا الكتاب نتاجا لأبرز شخصيات المجتمع الفهمي الذي قاد هذه الأبحاث؛ فالمؤلفون - جيرولد بوست Post، وديفيد ونتر Winter، وستانلي رنشون Renshon، ومارجريت هرمان Hermann، وستيفن ووكر Walker، وفيليب تتلوك Tetlock- وغيرهم، هم من الشخصيات المألوفة لدى طلاب هذا المجال، لأنهم عموما هم من وضعوا أسسه كتخصص فهمي مستقل. من النادر حتى يشهجر جميع الفهماء الرئيسيين في فرع فهمي بعينه لإصدار كتاب واحد، لكن كتابا يريد احتواء عقود من البحث لا يمكن حتى يصدر من قبل مجموعة منهم فقط.

ينقسم متن الكتاب إلى ثلاثة أقسام؛ فيزودنا الجزء الأول – وهو من تأليف ونتر وبوست – بنظرة تاريخية عن الفرعين الفهميين اللذين التقيا لتكوين تخصص التحليل النفسي للسياسيين: البحث الأكاديمي ودراسات السياسات المدعومة من قبل الحكومة. ويعمل هذان الفصلان على تقديم تغطية جيدة مراحل تطوّر هذا المجال، ووصف النقاشات المهمة على طول الطريق - حول اعتماد الشخصانية subjectivity لقاء الموضوعية، أوالخلال المنفردة لقاء المقاربات المتكاملة. يزوّدنا الفصلان معا بطريقة ممتازة للولوج السريع إلى هذا المجال من قبل أي فرد غير معتاد عليه، ومن المرجح حتى يزوّد الباحثين في مجالي السياسات أوالجوانب الأكاديمية بتبصرات مهمة حول طرق عمل الفرع الآخر.

أما الجزء الثاني من الكتاب، وهوالأكثر أهمية إلى حد بعيد ، فيعرض مجموعة واسعة من طرق التقييم، والتي تتراوح بين الدراسات المتكاملة للشخصية (تحليل السمات الشخصية والتحليل النفسي)، وبين تحليلات الخلال trait analyses (السلوك اللفظي verbal behavior، والدوافع، والصفات القيادية)، وبين المقاربات المعهدية (الترميز العملياتي operational coding والتعقيد التكاملي integrative complexity). يتم عرض كلّ طريقة في فصل مستقل ، ويتم وصف طريقة كلّ منها بما يكفي من التفصيل لأن يستفيد منها القارئ؛ وقد يمثل هذا أبرز فائدة يقدمها الكتاب – أي تقديم تعليمات تفصيلية لعدد كبير من طرق التقييم في مكان واحد، بدلا من إلزام الطلاب والباحثين بالبحث عنها ضمن ذلك الكم الضخم من الموضوعات الفهمية المتباينة. ولهذا السبب لوحده، من المرجح حتىقد يكون الكتاب مقروءا على نطاق واسع في الحلقات الدراسية لطلاب الدراسات العليا في فهم النفس السياسي.

يقوم الجزء الثالث والأخير من الكتاب بدمج كلّ هذه المقاربات ويطبقها على دراستين توضيحيتين للسيرة الذاتية لزعيمين سياسيين: الرّئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون (ولد عام 1946)، والرئيس العراقي السابق صدام حسين (1937-2006). تم عرض دراستي الحالة هذه بصورة رئيسية كتطبيق عملي للطرق المتنوعة المعروضة في الجزء الثاني من الكتاب. وفي حين يحتوي الكتاب على تبصرات حول شخصية كلا الزعيمين، ليست هناك محاولة حقيقية لتلخيصها بصورة إجمالية. سيستفيد الباحثون المنخرطون في دراسة شخصية أي من هذين الزعيمين بلا شك من هذه الفصول ، لكنّها لا تحتوي على القول الفصل لشخصية أي من الرجلين .

وفي حين نرى حتى الكتاب مهم كملخص مفيد للأدبيات المتعلقة بهذا المجال الشائق، والشائك، نجد أنه يعاني من بعض الضعف؛ فقد سقط اختيار دراسات السيرة الذاتية للرئيسين السابقين- والتي قد تُرى على أنها أقل أهمية الآن مما كانت عليه قبل سنوات قليلة - ضحيّة للتاريخ، إذ تم تأليف الكتاب قبل الغزوالأمريكي للعراق في العام 2003 ، ولكن باعتبار حتى المساهمة الأهم للكتاب تكمن في جمع كافة طرق البحث والأدبيات بين دفتي كتاب واحد، لا تمثل هذه معضلة كبيرة. وبالمثل، فإن محاولات المؤلفين في خاتمة الكتاب لتبرير حقل التقييم النفسي بالإشارة إلى "الدول المارقة" و“عالم بعد الحادي عشر من سبتمبر” من المرجح حتى تفقد مغزاها بمرور الوقت، وتبدوممثلة لآراء شخصية أكثر من كونها مبنية على أسس فهمية سليمة. هناك حجج جيدة يمكن سوقها لمصلحة أنواع التحليل الملخّصة في هذا الكتاب، لكن قد لا تكون الإشارات الكثيرة إلى الطبيعة المتغيّرة للسياسة العالمية هي أفضل طريقة لعرضها.

والأمر الأكثر تقييدا هوالطبيعة المنعزلة للكتاب؛ ففي حين تتم الإشارة مرّة أومرّتين في المقدمة والخاتمة إلى القضايا الأوسع في نظرية العلاقات الدولية (الدوافع، البنية لقاء القوة) أوإلى الأسئلة البالغة الأهمية المتعلقة بفرضية الاتساق النفسي psychological consistency، لم يبذل المؤلفون أية محاولة جدّية لعرض وجهات النظر الأخرى، أولتحديد مسقط هذا المجال الفرعي ضمن المنظومة الأكبر للعلاقات الدولية أودراسات السلوك السياسي؛ سيحتاج القارئ لإعداد هذا النوع من السياق بنفسه، أوحتى يقوم بإعداده الأساتذة لطلاب الدراسات العليا الذين يشرفون عليهم، لكن بالنسبة للقرّاء الذين يريدون الولوج بسرعة إلى تخصص التقييم النفسي - والذين يمكنهم إعداد السياق اللازم بأنفسهم - سيمثل هذا الكتاب مصدرا ثمينا للمعلومات بهذا الخصوص.