قراءة كتابين عن الشيخوخة

خرافات حول الشيخوخة

مراجعة الكتابين:

ساعة الأعمار

و

عكس اتجاه شيخوخة البشر

The Clock of Ages

by John J. Medina

Cambridge University Press, 1996

Reversing Human Aging

by Michael Fossel

William Morrow, 1996

إما أنك بلغت من العمر عِتِيّا، أوأنك من المرجح حتى تغدومتقدما بالسن. إذا هذه الإحصائية لم تصبح واقعا سليما إلا منذ أربعين سنة. فالشيخوخة تُعَدُّ حاصلا صُنْعيا للحضارة العالية التطور. وعلى مدى %99.9 من الزمن الذي وُجِد فيه البشر على هذا الكوكب لم يَزِدْ أمل الحياة عند الولادة على 30 أو40 سنة. ولم يصبح ممكنا لنسبة هامة من سكان الدول النامية حتى يكبروا حتى سن الشيخوخة إلا بعد حتى تَعَلَّمنا كيفية اجتناب الحيوانات المفترسة والقتل الجماعي ومسبِّبات الحوادث المؤسفة والأمراض المعدية (الخمجية).

ومع حتى الرغبة في حياة طويلة، وحتى خلودها، كان ومازال موضوعا عاما في الفكر البشري عبر التاريخ المسجَّل، فإن بيولوجية الشيخوخة biogerontology لم تصبح مجال اهتمام كبير للمجتمع الفهمي والجماهير بعامة إلا في السنوات العشرين الفائتة. أما ما لقيته بيولوجية الشيخوخة من إهمال في السابق فمبعثه إلى حد كبير المواقف النمطية السلبية تجاه كِبَرِ ageism المتقدمين بالسن، تلك المواقف التي تُلاحَظ حتى بين الفهماء الذين يظهر أنهم موضوعيون. ولكن التأثير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الفعال لعدد كبير من الأشخاص المتقدمين بالسن استنهض الدراسات حول شيخوخة الناس والحيوانات.

إن الشيخوخة سيرورة معقدة، ولكن أساسها بسيط. فما إذا تصل الحيوانات إلى النضج الجنسي وتعيش زمنا يكفي لتربية نسلها وصولا إلى فترة استقلاله (الأمر الذي يضمن بقاء الأنواع الحية) حتى تتضاءل قوى الانتقاء (الانتخاب) الطبيعي. فالطاقة التي تصرفها المتعضيات الحية organisms يُفَضَّل توجيهها نحوالنجاح الإنجابي (التكاثري) بدلا من توجيهها نحوإطالة حياة الأفراد. وفي نهاية المطاف، يفوق الاضطراب الجزيئي آليات ترميم الجسم العادية وتحدث الشيخوخة.

إن الكثير من الخط المسطَّرة حول شيخوخة الناس العاديين لم تتناول تعقيدات هذا الموضوع بشكل جيد. فهذه الخط، اللهم باستثناء واحد أواثنين، قام بتأليفها مراسلون صحفيون قابلوا بعض اختصاصيي بيولوجية الشيخوخة، أوألّفها فهماء في الطب الحيوي استهواهم موضوع الشيخوخة من دون حتى يتمتعوا بمؤهلات مهنية كافية أوالتزام راسخ بهذا المجال. ويقع جميع من كتاب ساعة الأعمار The Clock of Ages وعكس اتجاه شيخوخة البشر Reversing Human Aging في هذا الصنف الأخير. وبالنظر إلى نقص الإحاطة الكاملة بتعقيدات بيولوجية الشيخوخة كثيرا ما جَهِلَ المؤلفون غير المحترفين مطباتها الكثيرة، وقد يتجاهلون بدائل الفرضيات التي يقدمونها كحقائق.

يخصص الباحث في البيولوجيا الجزيئية <J. ميدينا> نحوثلث كتابه «ساعة الأعمار» لمَسَاق دراسي في البيولوجيا الأساسية يتم فيه توضيح مبادئها بالكثير من المخططات والرسوم التي نجد أمثالها نمطيا في كتاب تمهيدي للبيولوجيا، وقد تكون هذه الخلفية منادىة اهتمام بعض القراء، ولكنها لا تهتم بالشيخوخة بشكل مباشر. أما أكثر المادة صلة بالموضوع فيتمثل في فهرس التبدلات التي تحدث مع التقدم في السن، في أجهزة الأعضاء الرئيسة بالجسم. ويُعْلِمُنا ميدينا حتى عضوا ما «يسوء» أويقل إفرازه أو«يتدهور» أو«يَضْعُف» أو«يستجر خسائر» أو«يتعرض للتحوير» في وظائفه. ولكن معظمنا يعهد ذلك القدر عن الشيخوخة. وما نريد حتى نعهده يتعلق بسببية حدوث هذه التبدلات؛ وقد أُهْمِِل هذا السؤال إلى حد كبير. وفضلا عن ذلك، نجد بعض المفردات الواردة في القائمة مغلوطة ببساطة: فمثلا، لا تتناقض الوظيفة القلبية مع التقدم في السن لدى الناس الأصحاء.

ويمضى قسم هام آخر من الكتاب لرسوم تزدان بها مطالع الفصول وتصف شيخوخة بعض الناس من أمثال F . نايتنگيل وJ. أوستن وN. بونابارت وG. كازانوفا وV .L. بيتهوفن وB. ذي كيد ، وغيرهم ممن قد يتعهد القارئ أسماءهم أَوْ لا يتعهدها. وينشد كلٌ من هذه الرسوم توضيح نقطة فهمية، ولكن النتيجة غالبا ما تكون استنباطا أكثر من احتوائها على معلومات.

هذا وتكثر في الكتاب الأخطاء الفكرية: فلا يميز المؤلف مثلا بين تأثيرات الشيخوخة وتأثيرات السقم. كما أنه يُغْفِل أهمية الفرق بين تحديد الشيخوخة aging وتحديد التعمير longevity؛ إذ إذا الشيخوخة تهتم بالانحطاط البدني (الفيزيائي)، في حين يهتم التعمير بمعدل الوفيات. والأهم من هذا وذاك حتى ميدينا يُخْطِئ التفريق بين خلود الجماعة وخلود الأفراد في المتعضيات الميكروية (الصغرية) microorganisms، معلنا الاعتقاد المغلوط بوجود أشكالٍ وحيدة الخلية خالدة. إذا السلالات الخلوية «الخالدة» تستمر بالانقسام إلى ما لانهاية، أما الخلايا الفرادى فتموت بالتأكيد مثلما نموت. إذا موت الخلايا سيرورة أساسية في التطور المبكر للمتعضيات المعقدة مثلنا، ولكنه لا يشكل عاملا رئيسا في الشيخوخة.

وأخيرا، لا توجد «ساعةٌ للأعمار» clock of ages. فلا يوجد مرشد على آلية بيولوجية تقيس الزمن. سليم حتى الخلايا قد تحوي آليات تَحْسِبُ أحداثا مثل الانقسام الخلوي، ولكنها لا تسجل مرور الزمن على طريقة الساعة الزمنية أوتقويم الرزنامة calender.

يتفق معظم اختصاصيي بيولوجيا الشيخوخة لا على وجوب احتواء الخلايا على عدّادات متعددة للأحداث البيولوجية فحسب وإنما أيضا على حتى هذه العدادات تُحدِّد الحد الأقصى لعمر المتعضية الفعال، ولا تحدد عوارض السوء العشوائية للتبدلات المرتبطة بالسن. وفي كتابه بعنوان عكس اتجاه شيخوخة البشر يطلق <M. فوسيل>، الذي هوفي الأصل مختص بالبيولوجيا العصبية، العنان لتخميناته إلى أقصاها وذلك بصدد تعداد الأحداث الجزيئية. فهويركز على الاكتشاف الحالي والمهم لآلية يظهر أنها تحدد عدد المرات التي تتكاثر بها الخلية، ويشير إلى حتى فهما إضافيا لهذه الآلية ولكيفية التعامل معها قد يسمح لنا بزيادة أعمارنا زيادة ذات شأن.

ابتدأت السيرة الفهمية التي تعزز تخمينات فوسيل قبل 35 سنة، وكان ذلك في معهد ويستار للتشريح والبيولوجيا بفيلادلفيا حين أظهرتُ و S .P. مورهيد أنه خلافا للاعتقاد الذي كان شائعا حينذاك ومسلّما به في البيولوجيا الخلوية، ليس للخلايا جميعها إمكانية الخلود. فمستنبتات الأرومات الليفية (الفيبروبلاست) للجنين البشري المكتمل السوي تنقسم نحو50 مرة لا أكثر، وتموت في نهاية المطاف الخلايا الأخيرة مسجِّلة بذلك نهاية المجموعة الخلوية الحية في أنبوب الاختبار. لقد وجدنا حتى المجموعات الخلوية غير السوية، أوالسرطانية، هي وحدها الخالدة. فقد كان المختصون ببيولوجية الشيخوخة إلى حين ظهور اكتشافنا يعتقدون حتى الشيخوخة لا ولج لها بالأحداث التي تتم داخل الخلايا الفرادى.

ومنذ تم نشر مكتشفاتنا، شرع الفهماء ببحث الآلية الجزيئية التي تقرر الحد الإكثاري replicative limit للخلايا السوية البشرية والحيوانية. ففي السنوات القليلة الماضية توصل الباحثون إلى الاعتقاد بأن الجواب يكمن في التيلومير (القُسَيْم الانتهائي) telomere، الذي هوامتداد يضم آلاف التتاليات النيوكليوتيدية المتكررةnucleotide sequences repeated للشكل TTAGGG[حيث T وA وG تمثل الحروف الكيميائية في الكود (الراموز) الجيني]، والذي يقع في نهايتي جميع الصبغيات (الكروموسومات) البشرية البالغ عددها 46 صبغيا. ففي جميع انقسام خلوي تضيع بعض تتاليات التيلومير إلى حتى يَقْدَح الامتداد المُتقاصر أحداثاقد يكون من شأنها حتى تؤدي إلى إيقاف الانقسام في الخلية. أما الخلايا الخالدة فتولّد إنزيما يسمى تيلوميراز telomerase يقوم بإضافة تتاليات جديدة إلى الصبغي في جميع مرة يتم فيها الانقسام الخلوي، وبذلك يصان طول التيلومير السابق الذكر بشكل ثابت. وقد أكدتْ القياسات الحساسة الحالية وجود كميات صغيرة جدا من الإنزيم تيلوميراز في خلايا الأجنة والنسج التي تنقسم خلاياها بانتظام.

لقد أقنعتْ هذه السيرة المثيرة فوسيل بأن الفهم اكتشف الآلية التي تُحدِّد تقدم العمر، وأن الساعة الجزيئية molecular clock سرعان ما يمكن إرجاعها إلى الوراء. لكنني أعتقد حتى فوسيل قد بالغ في تفسير هذا الاكتشاف، كما أعتقد حتى تقاصر التيلومير يمكن حتى يخبرنا بالشيء الكثير عن الحدود القصوى لعمر الإنسان، ولكنه لا يفهمنا إلا القليل عن الشيخوخة.

لقد شغل بالي على الدوام ما سيمتلكه البشر من قوة هائلة إذا عهدنا في يوم ما كيف من الممكن أن نتلاعب بالشيخوخة أونطيل أعمارنا، فمن غير الواضح ما إذا كان في مقدور الناس حتى يتحملوا التبدلات النفسانية والاقتصادية والطبية والثقافية التي ستصاحب الأعمار الطويلة إلى حد كبير فيما لوثبت إمكان ذلك فِزْيولوجيّا. هذا ويقدم فوسيل نظرة شاملة غنية عن قناعته الفكرية بأن البشر سيستفيدون من هذه الاستطاعة الرائعة. ولكن الكثير من الكُتّاب والفلاسفة لا يتفقون معه. فمع حتى الشيخوخة والموت يضعان نهاية لحياة مواطنين أخيار، فإنهما يُنهيان كذلك حياة طغاة وقتلة وأعداد غفيرة من أناس غير مرغوب فيهم. ونشير أيضا إلى حتى الكثير من الإبادة الجماعية المستمرة على كوكبنا، وما يتبع ذلك من آلام يعانيها البشر بسببها، قد تعود إلى التضخم السكاني الذي يشكل ظاهرة لا يظهر بالإمكان تخفيفها. إلى غير ذلك فإن إطالة حياة الناس في أحد المجتمعات التي ترزح تحت إرهاق مواردها الكاملة تُعتبر في رأي الكثيرين أمرا غير معقول.

وفي نهاية الأمر، إذا كان الثمن الذي لا بد من دفعه لقاء النتائج المفيدة للشيخوخة والموت هوأنه يضم جميع فرد، عملينا جميعا حتى ندفع هذا الثمن كما عملنا على الدوام.

المؤلف

Leonard Hayflick

أستاذ التشريح في كلية طب جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، ورئيس سابق لجمعية طب الشيوخ gerontology الأمريكية ومؤلف كتاب كيف من الممكن أن ولماذا نشيخ Ballantine books، 1996).