اجتراء القذافي على مقدسات الأمة

غازي التوبة

قامت مئات الدول ثم سقطت في القرون الماضية في الخلافات الأموية والعباسية والمملوكية والعثمانية، وصعد كذلك آلاف الحكام إلى سدة الحكم ثم هبطوا، لكنهم كانوا -جميعا- يأخذون شرعيتهم من خلال تواصلهم مع مقومات الأمة، واحترامهم لمقدساتها وشرائعها ومبادئها، واعتزازهم بقيمها وثقافتها، وتصديهم لأعدائها.

وهم عندما يعلنون هذا التواصل مع الأمة يأتي الفهماء –وهم القيادة الثقافية للأمة- ويمنحونهم الشرعية، ويطلبون من الرعية حتى تطيعهم، لذلك يحدث التواصل بين القيادة وجماهير الناس، ويستمر البناء الحضاري في مختلف المجالات الفهمية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.

هذا ما وقع في مئات السنين الماضية، ولم يحدث حتى اجترأ أحد من الحكام على مقدسات الأمة وشعائرها ومبادئها بأي لون من الاستهزاء والاستخفاف، بل كان يظهر –دائما- منهم التوقير والاحترام والإعلاء.

ربما وقع استهزاء أواستخفاف ببعض مقومات الأمة أوشرائعها أومقدساتها. كما وقع مع الشعوبية عندما ازدرت الجنس العربي، وكما وقع مع الزنادقة عندما ازدروا القرآن الكريم والنبوة, لكن جميع أولئك المجترئين على القرآن والسنة والمقدسات كانوا أشخاصا، وأصبحوا –في أحسن الأحوال- تيارا أوفرقة، لكنهم لمقد يكونوا حكاما في أي حكومة إسلامية.

لكن الذي وقع في العصر الحديث ومنذ سقطت الخلافة العثمانية قامت دول قومية ووطنية بترت الصلة ببعض مقومات الأمة كالدين والشرائع، واعتبر الفكر القومي العربي حتى هناك أمة عربية في المنطقة الواقعة بين المحيط والخليج قامت على عنصري اللغة والتاريخ، واستبعد الدين من مقوماتها، كما قام فكر قومي آخر من لون آخر وهوالفكر القومي المصري في مصر، والفكر القومي السوري في بلاد الشام، واعتبر الأول حتى هناك أمة مصرية في مصر قامت على العامل الجغرافي، ولا ولج للدين في إقامة هذه الأمة، وكذلك اعتبر الفكر القومي السوري حتى هناك أمة سورية قامت في بلاد الشام على العامل الجغرافي ولا ولج للدين في إقامتها، واعتبرت جميع تلك الأفكار القومية الحضارة الغربية نموذجها الذي تتطلع إليه، وحاولت استنساخه في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفنية.

وتطلعت القيادات -في هذه الفترة- إلى إقامة نهضة للأمة، لكنها فشلت، والسبب في فشلها يعود إلى أنها بترت مع الماضي نتيجة نظر خاطئ إلى واقع الأمة وعدم تشخيصه التشخيص الدقيق، وعدم فهم العناصر التي تقوم عليها الأمة بشكل سليم، وبسبب استبعاد الدين من العناصر المكونة لهذه الأمة، والنظر إليه مثل نظر الغرب على أنه عامل معطل للحياة الفهمية والعقلية والاجتماعية.

وقد اكتفى حكام النهضة في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي بأن بتروا الصلة ببعض مقومات الأمة، لكنهم لم يجترئوا على مقدسات الأمة، ولم يستخفوا بشعائرها، ولم يستهزئوا بأي حكم من أحكامها. وربما كان معمر القذافي هوأول حاكم اجترأ على معظم مقدسات الأمة ورجالاتها وشعائرها وأحكامها، واستخف بها دون فهم ودون دراية، ونحن سنحاول حتى نستعرض بعض أقواله التي اجترأ فيها على مقدسات الأمة وثوابتها.

نطق القذافي عن الله: "إن الثورة ليست بالضرورة حتى تكون بيضاء دائما، ممكن تكون حمراء ضد أعدائها، والمعارضة لا بد حتى تسحق، قلت لكم إذا الأديان سحقت معارضيها، والله يسحق معارضيه، الذين خلقهم، وكل واحد يسحق معارضيه". وقارن القذافي بين البشر وبين الله الذي هوفي السماء، وقرر حتى الشعب مثل الله، وأنه لا بد للشعب حتىقد يكون إلها على الأرض "الشعب مثل الله.... الله في السماء والشعب في الأرض، ليس معه شريك، الله لومعه شريك نطق: لاتخذوا إلى ذي العرش سبيلا، لوكان معه آلهة كان واحد منهم يقول: أنا أريد أكون إلها، الذي بقى في العرش الآخرين يحاولوا حتى يقوموا بانقلاب عليه.... الشعب فوق الأرض لازم حتىقد يكون هكذا، متأله فوق أرضه" (خطاب للقذافي في ذكرى جلاء الطليان 7/10/1989).

وقد أعرب القذافي على الملأ إنكاره السنة النبوية وإلغاءها، وأحرق خط السنة تحت باب إحراق (الخط الصفراء)، والتشكيك الدائم بالأصل الثاني من أصول الإسلام (السنة)، وأنكر القذافي عموم دعوته صلى الله عليه وسلم للناس كافة مخالفا بذلك صريح القرآن والسنة وإجماع المسلمين قاطبة من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، فنطق "العرب جسدهم القومية العربية وروحهم الإسلام، لأن محمدا مرسل للعرب فقط!! والقرآن اتى من أجل العرب وبلغة عربية، موجه للعرب فقط، وأي واحد غير عربي اعتنق الإسلام هذا متطوع في الحقيقة، أمره عند الله لكنه غير معني"، (لقاء للقذافي مع أساتذة الجامعات بتاريخ 19/2/1978).

تجرأ القذافي على تحريف القرآن، وحذفَ حدثة "قُلْ" من القرآن، محتجا بأن الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى جوار ربه، فلم يعد هناك حاجة لقول "قل"، وإنما يبتدئ القارئ للقرآن مثلا بـ"هوالله أحد" و"أعوذ بِرب الفلقِ"، و"أعوذ برب الناسِ"

وتطاول القذافي على الصحابة واتهمهم من طرف خفي بوضع الأحاديث، بل وقارن بينهم وبين بعض الكفار والمرتدين كأبي لهب ومسليمة، فقا: "لا نستطيع مثلما تأتي لنا بحديث وتقول، هذا الحديث رواه النبي، لا نستطيع حتى نعهد هل هذا الحديث اختلقه معاوية أم نطقه النبي عملا،يا ترى؟ أم اختلقته سجاح أم نطقه أبوسفيان أم أبولهب،يا ترى؟ لا نفهم، لأن هناك الآف الأحاديث عليها علامة استفهام، يا ترى أي منها نطقه النبي عملا"، (خطاب للقذافي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإسلامي بتاريخ 25/9/1989).

ونطق القذافي عن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى": "هذا كذب... هذا حديث لم يقله النبي، هذا نطقه يزيد لأنه يبغي -يريد- الناس ما تمشيش -لا تمضى- إلى الكعبة وتحج إلى القدس، لأن القدس تحت سيطرته"، (خطاب للقذافي أمام مجلس اتحاد الجامعات العربية في بنغازي بتاريخ 17/2/1990).

نزع القذافي الصبغة الإلهية عن الشريعة الإسلامية وساوى بينها وبين الشريعة الرومانية أوالفرنسية فنطق "... لهذا تعتبر الشريعة الإسلامية ممضىا فقهيا وضعيا شأنه شأن القانون الروماني أوقانون نابليون، وكل القوانين الأخرى التي وضعها الفقهاء الفرنسيون أوالطليان أوالمسلمون... فالذي يفهم القوانين الرومانية يعتبر حتى فهماء الإسلام يحملون قانونا وضعيا يضاهي القانون الروماني، لكن لا تقول، هذا دين"، (حوار للقذافي مع حفظة القرآن الكريم بطرابلس بتاريخ 3/7/1978)

واعتبر القذافي حتى الشريعة الإسلامية مؤلفة من بعض الأشخاص والفرق، فنطق "إن ما يسمى بالشريعة الإسلامية تعبير عن خط وضعية واجتهادات وتأليفات قام بها بعض الناس، أمثال الغزالي وابن سينا والفارابي وأهل الصفا والمعتزلة، جميع واحد منهم ألف، وجميعهم أخذوا من اليونانية"، (خطاب للقذافي في الملتقى الثاني للجان الثورية في الجامعات والمعاهد، بقاعة التربية العقائدية بطرابلس، بياريخ 30/3/1991).

استهزأ القذافي ببيت الله الحرام، واعتبر الكعبة صنما، فنطق "إن الكعبة هذه هي آخر صنم ما زال باقيا من الأصنام"، (خطاب للقذافي في افتتاح مجلس اتحاد الجامعات العربية بمدينة بنغازي بتاريخ 17/2/1990). كما استخف القذافي بشعيرة رمي الجمرات، وهي من واجبات الحج، وطالب استبدالها بسبع حجرات ترمى في فلسطين، تحدث فنطق "ترجمون الحجرات؟! كان يجب حتى ترجم الصهاينة في فلسطين، جميع واحد منا يحمل سبع حجرات ويمضى بها إلى فلسطين، هذا هوالجهاد، هذا هورمي الجمرات... ماذا تعني حتى ترمي سبع جمرات على تمثال؟! الذي هونيابة عنه، هذا هوالحج الحقيقي في هذه الفترة"، (خطاب للقذافي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثاني للقيادة الشعبية الإسلامية العالمية بمدينة بنغازي بتاريخ 19/3/1990).

أنكر القذافي المعراج فنطق "لا يوجد في القرآن حاجة اسمها المعراج إطلاقا، خاصة في مسألة الإسراء، وليس هناك أي مصدر لحكاية المعراج تعتمد عليه... ولوكانت المعراج هي سقطت بالعمل أوفيه شيء اسمه المعراج لكان القرآن ذكرها... هذه السيرة الخيالية التي تسرد دائما على ألسنة الفقهاء ليس لها ما يدعمها من مصدر وحيد للمعلومات في هذا الخصوص وهوالقرآن، خاصة حكاية البراق، هذه خرافة تماما ليس لها وجود، من هنا يجب حتى ينتهي الجانب الأسطوري في الإسراء والمعراج"، (حديث إذاعي للقذافي بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج بتاريخ 24/6/1976).

والقذافي قد سقط في حديثه عن المعراج في خطأين، الأول: إنكاره المعراج، والثاني: إنكاره حتىقد يكون القرآن ذكر المعراج، مع حتى عدة آيات وردت عن المعراج في سورة النجم، فنطق الله فيها: "عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُومِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)" وقد أجمع المفسرون على حتى هذه الآيات اتىت في الحديث عن رؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لجبريل على صورته الملائكية أثناء رحلة المعراج.

ثم خلع القذافي الأدب عندما تحدث عن الخلفاء الراشدين وتقول على الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما لم يقله، فنطق "إن رسول الله برئ من الخلفاء الذين أتوا بعده، إذا كان علي خليفة رسول الله فلماذا قاتله نصف المسلمين، وقتلوا أولاده من بعده... عثمان لا يصلح للحكم لأنه أرستقراطي، ومكن أقاربه من حكم المسلمين ونشر الواسطة والمحسوبية في الدولة العربية الإسلامية في ذلك الوقت فقتلوه..."، (خطاب للقذافي في الملتقى الثاني للجان الثورية بالجامعات والمعاهد العليا بطرابلس بتاريخ 30/3/1991).

ثم استخف القذافي بقدسية مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فنطق: "لا يمكن الرسول يقول، تشد الرحال إلى مسجدي هذا أبدا، لأن مسجد الرسول في ذلك الوقت ما له قدسية... إيش هي القدسية في مكان بنى فيه الرسول مثل قدسية الفاتيكان... أوقدسية قم بالنسبة لإخواننا الشيعة أوكربلاء أوالنجف... ما لها أي قدسية... الأماكن المقدسة عند الله معروفة... البيت العتيق، المسجد الأقصى، جبل الطور، وادي طوى، "[فـ] اخلع نعليك إنك في الوادي المقدس طوى""، (حدثة للقذافي في اجتماع لجنة الأمانة المؤقتة للقيادة الشعبية الإسلامية العالمية بتاريخ 19/12/1989).

عرضنا فيما تجاوز نماذج من أقوال القذافي التي اتضح فيها استخفافه واستهزاؤه ببعض مقدسات الأمة، وهي غيض من فيض ولا مجال لاستقصاء جميع اجتراءاته, لكننا في الختام نقول: إذا حاكما بتر صلته بمقومات الأمة يجب حتى تبتره هذه الأمة، وإن رجلا خان ما يجب حتىقد يكون أمينا عليه وهي مقدسات هذه الأمة يجب حتى تنبذه هذه الأمة.

لذلك نشد على أيدي إخوتنا في ليبيا ونقول لهم طهروا أرض ليبيا من رجسه، وضعوا على قبره شاهدا يقول: "هذا قبر أبي رغال الجديد" (دليل أبرشة إلى هدم الكعبة), واطلبوا من جماهير أمتنا, والأجيال القادمة حتى ترجمه بحجر جزاء اجترائه على مقدسات هذه الأمة العظيمة.

أنظر : الأعلام والأقزام في ميزان الإسلام (كتاب) / أحمد عرابي والماسون

• [1]