مبارك.. السقوط من الداخل بدل الخارج (مقالة)

عودة للموسوعة

مبارك.. السقوط من الداخل بدل الخارج (منطقة)

مبارك.. السقوط من الداخل بدل الخارج

للمحرر نبيل الفولي


القراءة الخاطئة

حل الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ثالثًا بين الزعماء العرب الذين أزيحوا عن منصبهم بالقوة منذ حتى حلت الألفية الثالثة، وإذا كان مبارك قد اشهجر مع نظيره التونسي زين العابدين بن علي في الطريقة والزمان الذي سقطا فيه، فقد اختلفا كلاهما في هاتين الناحيتين عن نظيرهما العراقي صدام حسين الذي أزيح بقوة الغزوالأميركي الدولي عام 2003.


وقد كان في إمكان مبارك حتى يقرن تنحيه الإجباري عن الحكم في فبراير/شباط الماضي بالخروج من مصر إلى دولة تقبل لجوءه إليها، كما وقع لزين العابدين بن علي تماما، لكن يظهر أنه كان يطمح في حتىقد يكون لوجوده في أرض المحروسة تأثيره في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، ومن المؤكد أنه لم يكن يتسقط حتى يصل الحال به إلى حد حتى يحاكَم هووأسرته كما يحاكم غيرهم من أركان النظام الذين عملوا في معيته.

نحن إذن أمام قراءة أخرى خاطئة من مبارك للخريطة الجديدة التي صنعتها ثورة مصر 2011، فقد كانت خطاباته الثلاثة الشهيرة أثناء الثورة (يوم الجمعة 28 يناير/كانون الثاني، ويوم الثلاثاء 1 من فبراير/شباط، ويوم الخميسعشرة من فبراير/شباط)، إضافة إلى حدثته التي بثتها قناة العربية في العاشر من أبريل/نيسان، تعبير عن قراءات خاطئة للواقع الذي جرف مبارك ونظامه من فوق ظهر الحياة السياسية، وربما من فوق ظهر الحياة كلها.

ويبدوحتى القراءة الخاطئة –للأسف الشديد- هي التي مثلت عنوان الحكم في عهد مبارك، فلم يقرأ عصره ولا شخصية مصر ومكانتها ولا شعبها وتاريخها وعلاقاتها عربيا وإقليميا بصورة سليمة، وبدلا من حتىقد يكون جديرا بمنصبه فيسخّر جهوده لخدمة وطنه وشعبه وأمته، سخّر المنصب في تحقيق أغراض شخصية وعائلية، ثم أعطى لأنصاره حتى يتصرفوا في الدولة وشؤونها كما يحلولهم.

"خطابات مبارك أثناء الأزمة وحتى حدثته التي بثتها قناة العربية كانت تعبير عن قراءات خاطئة للواقع الذي جرف مبارك ونظامه من فوق ظهر الحياة السياسية"

إن الرجل الذي عزل نفسه عن الحكم العملي لمصر منذ عام 1993، نأيا عن مسببات التوتر والانفعال، كما أفاد بعض من عملوا معه عن قرب، كان يفتقر إلى قدرات السياسي الماهر الذي يمكن حتى يقود كيانا سياسيا ذا علاقات معقدة بالعالم من حوله كمصر؛ ولهذا كان من الطبيعي حتىقد يكون حصاد عهده في الحكم مرا بالنسبة لمصر والمصريين والعرب والمسلمين، ومضىيا بالنسبة لإسرائيل التي عدت مبارك –على لسان وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين ين إليعيزر- كنزا إستراتيجيا!

إن من الملامح النفسية الأساسية للرجل الذي نجح في الحياة العسكرية قائدا لسلاح الطيران ضمن نظام الرئيس أنور السادات، وفشل، في اللقاء، فشلا ذريعا في القيادة السياسية منفردا بأعلى منصب في مصر، هوأنه أناني يدور حول ذاته، وعنيد يبالغ في الخصومة، يميل إلى التجمل، ولا يحسن تصور الأمور وقراءة مآلاتها، ويتمسك بالمظاهر، وتسيطر عليه الوسوسة والخوف على نفسه، لا يحب اللقاءة، ولا تحمل المسؤولية، قد يحدث جنديا ماهرا، إلا حتى ذلك مرتبط فيما يظهر بخجله وحرصه على ألا يظهر له عيب.

ولسنا نريد حتى نقع في الرجل بعد حتى فقد سلطانه، ونخوض في سيرته خوضَ المتشفي، إلا حتى بيان طبيعة المستبد، وتحليل سلوك الديكتاتور هوحق التاريخ، وحق الشعوب التي كثيرا ما تُبتَلى بمثل هذه النماذج البشرية الشائهة.

ليس من اللائق أخلاقيا حتى نفتش في دفاتر الديكتاتور أي ديكتاتور، عن سقطة أخلاقية أوانحراف سلوكي مثير لا تعلق له بحقوق الشعوب ومصلحة البلاد؛ ذلك حتى ما يظهر لنا من سلوكه مع العباد وسياسته لأمور الأوطان كاف لإطلاعنا على كثير من الجذور النفسية غير السوية التي دفعت إلى التصرف في الأمور بهذه الطريقة أوتلك.


حكمة مبارك

والحقيقة حتى اللقاءة بين صدام حسين وحسني مبارك وما آل إليه مصيرهما، تبدوفي هذا السياق وكأنها تفرض نفسها على القلم فرضا بما فيها من دلالات تخدم هدف هذه السطور؛ وذلك حتى الرئيس المصري السابق تقمص، في انادىء تنقضه الأدلة، شخصية الحكيم الناصح حين ضاق الخناق واشتد الحصار الأميركي على العراق، فقد نصح مبارك نظيره العراقي بالتنحي حتى يجنب العراق شرورا لا مَردّ لها.

وعقب الغزوالأميركي للعراق خرج مبارك على شعبه مؤكدا حتى سياسته جنبت مصر مصيرا كمصير العراق التي داستها أقدام الغزاة الثقيلة، وأنه لولا السياسة الرشيدة التي التزمها في إدارة البلاد لأصابها ما أصاب بلاد الرافدين.

والمفاجأة الغريبة حتى هذا الكلام قد خدع حينها كثيرا من المصريين، فأثنوا على حكمة الرجل الذي جنب بلادهم مصيرا كمصير العراق، فامتنع عن حتى يخوض مغامرات غير محسوبة تورط مصر فيما لا تحمد عقباه، وتعطي النظام الأميركي المتعطش للخراب والدمار ذريعة للعدوان عليها.

"تقمص مبارك في انادىء تنقضه الأدلة، شخصية الحكيم الناصح حين نصح نظيره العراقي بالتنحي حتى يجنب العراق شرورا لا مَردّ لها"

وهذا الموقف، كما لا يفوتنا، هونفسه الذي وقفته طائفة كبيرة من أبناء الشعب المصري "الطيبين" حين ألقى مبارك خطبته الشهيرة عبر التلفزيون في الأول من فبراير/شباط الماضي لتهدئة الثورة المشتعلة ضده، مذكرا بخدمته الطويلة لمصر والمصريين في الحرب والسلام، ومؤكدا أنه لم يكن ينوي الترشح في انتخابات الرئاسة القادمة، وأنه سيبقى في مصر حتى يموت ويُدفَن في ترابها.

والحقيقة أننا لا ندعوإلى حتى يورط زعماء الدول الضعيفة بلادهم في مغامرات لا تجلب لبلادهم وشعوبهم إلا الكوارث والخراب، لكن لا ينبغي حتىقد يكون البديل عن هذا هوالخنوع والخضوع لأهواء السياسة الدولية، فنساير الأميركان أوغيرهم فيما نحب ونكره، وما يوافق مبادئنا ومصالحنا وما يخالفهما، خاصة ما أسموه "الحرب على الإرهاب" التي استُخدمت فيها القوة العسكرية بصورة مفرطة جدا لم تصب ما عدّوه إرهابا إلا قليلا، في حين دمرت العراق وأفغانستان وقتلت مئات الآلاف من الأبرياء في أنحاء العالم.

إن المقارنة بين الرجلين –مبارك وصدام- تكشف حتى الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كان صاحب مشروع إقليمي، ولكنه متسرع وقاس يسيء التصرف، ويستغل اتجاهات السياسة الدولية نحوالمنطقة، فيشن باسمها حربا على إيران، ولكنه لا يحسن قراءة أغوار هذه السياسة فيسقط سقطة الكويت التي يسرت للأميركيين تجييش العالم ضده، ونشأت عن ذلك نتيجة كارثية على المنطقة لا تقل عن استسلام الدولة العثمانية للأوروبيين بعد حتى ساعدوها ضد محمد علي الكبير في القرن التاسع عشر.

لقد كان صدام حسين يقدم نفسه زعيما لمشروع عربي كبير، يقود فيه العسكر المنطقة في ظل تحالفات تتقاسم الكيانات الصغيرة وتبتلعها، وقد عرض صدام على مبارك –كما أفاد الأخير في إحدى خطبه– حتى يشاركه في هذا المشروع، إلا حتى الرئيس المصري السابق رفض ذلك، فانطلق صدام نحوالمغامرة وحده.

"نسب مبارك إلى سياسته صفة الحكمة، لكن الأيام أثبتت حتى هذه الحكمة من الصعب إثباتها له، سواء على المستوى الداخلي أوالخارجي

"

لقد جر السلوك غير المسؤول لحسني مبارك، والسلوك غير المحسوب لصدام حسين على بلادنا العربية شرورا وويلات كثيرة، وإذا كان الرجلان قد اتفقا في اتباع سياسة قاسية مع شعبيهما، حتى عانى المصريون والعراقيون في ظلهما أزمات حادة في الحريات وحقوق الإنسان، فقد طفحت السياسة القاسية لصدام وتجاوزت الحدود إلى الجيران في إيران والكويت، في حين أبدى مبارك تجاه السياسة الدولية وقراراتها تكيفا شبه تام، فيما يظهر أنه كان محاولة منه لإبعاد المنغصات عن كرسيه.

لقد نسب مبارك إلى سياسته صفة الحكمة، لكن الأيام أثبتت حتى هذه الحكمة من الصعب إثباتها له، سواء على المستوى الداخلي أوالخارجي، وإذا حاسبناه بالنظر إلى ما آل إليه مصيره، كما عمل هومع صدام حسين، فإن حكمنا عليه سيكون أقسى؛ ذلك لأن الخلع كان من نصيبه بدون استعانة بقوة خارجية، وإنما اجتاحه سيل العرم، أوما دُعي الثورة المصرية التي أزاحته في الحادي عشر من فبراير/شباط، وأشرقت الشمس على مصر من جديد.

  • المصدر الجزيرة
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:51:05
التصنيفات: مقالات الجزيرة, الجزيرة, الثورات العربية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

البيت الأبيض يكشف حقيقة تراجع بايدن عن السباق الرئاسي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:25:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

استبعاد ميسي من أولمبياد باريس - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:27:39
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

مسؤول إسرائيلي: رد حماس على مقترح الصفقة بنّاء وربما نتوصل ل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

سوناك يكافح للفوز وستارمر يتطلع لنصر كبير في الانتخابات البر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:22
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 57%

بعد اقتراح ضرب غزة بالنووي.. جنون وزير إسرائيلي يتواصل: طالب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:30
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

من هو محمد جبران وزير العمل الجديد؟ إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:17
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 50%

كراكتير عمر دفع الله – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:26:21
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 64%

أزمة دبلوماسية بين تركيا وألمانيا بسبب احتفال لاعب المنتخب ا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:48
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

السيرة الذاتية للدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:07
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 36%

ماليزيا.. الاحتفال بيوم إفريقيا بمشاركة المغرب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:25:05
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

نبيل فهمي يكشف كواليس خلاف حاد مع أوباما بسبب ثورة 30 يونيو

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:25:16
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 68%

رابط التقديم للصف الأول الثانوى العام والفنى بالقاهرة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:14
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 40%

عدد من الوزراء العرب يقدمون التهنئة لوزير الخارجية بعد توليه

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-07-04 00:24:40
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية