مؤتمر طنجة 1958

عودة للموسوعة

مؤتمر طنجة 1958

، أستاذ بجامعة العقيد أحمد دراية، أدرار
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

مؤتمر طنجة، هومؤتمر دعت إليه الهيئات الشعبية الممثلة لبلدان المغرب العربي؛ وهي حزب الإستقلال (المغرب)، حزب الدستور الجديد (تونس)، جبهة التحرير (الجزائر). عقد المؤتمر في مدينة طنجة المغربية بين 28-30 أبريل 1958.

بحث المؤتمر عدة مبادئ منها:

1-تشكيل مجلس استشاري للمغرب العربي ينبثق من المجالس الوطنية المحلية في الأقطار الثلاثة (المغرب، تونس، والجزائر)، وتكون مهمته دراسة القضايا ذات الاهتمام المشهجر في بلاد المغرب العربي، وتقديم التوصيات بخصوصها للسلطات التطبيقية المحلية.

2- درس قيام اتحاد فدرالي بين البلاد المشهجرة في المؤتمر.

3- استئناف الاتصالات، بصفة دورية، بين المسؤولين المحليين في البلدان الثلاثة.

4- تأسيس أمانة دائمة من ستة أعضاء (مندوبين عن جميع حركة شعبية مشهجرة في المؤتمر) لذمان تطبيق مقررات المؤتمر.

توحيد المغرب العربي

حدد قادة الثورة التحريرية، منذ انطلاقها، هدفا استراتيجيا يتمثل في تدويل القضية الجزائرية وإخراجها من النطاق الفرنسي وفرض اعتراف المجتمع الدولي بها. وقد اقتضت المستوى الأولى نحوالتدويل، ضرورة بلوغ أهدافها الإقليمية بتجسيد الاعتراف بها والتضامن معها في إطار الشمال الأفريقي وفق ما رسمته وثيقة نوفمبر. في لقاء ذلك أدركت إدارة الاحتلال دقة الموقف الذي تقابله في المغرب العربي بدخول الجزائريين معركة التحرير، إذ أصبح جيشها يحارب على ثلاث جبهات في رقعة جغرافية واحدة مع ما ينطوي ذلك من مخاطر إذا توحدت حركات المقاومة.

ظل الخوف من توحيد المقاومة في المغرب العربي، هاجس إدارة الاحتلال التي كانت على فهم بمشروع ونشاط لجنة تحرير المغرب العربي في القاهرة وسعي رئيسها، عبد الكريم الخطابي؛ إلى إنشاء جيش تحرير المغرب العربي. ودون شك، كان تزامن الهجومين في المغرب والجزائر صيف عام 1955 يغذي هذا التخوف الاستعماري.

نطق پيير منديس فرانس في مرسيليا بتاريخ 26 ديسمبر 1955:

«يتطور الوضع في الجزائر بنفس طريقة الشرق الأقصى، هل سندخل في مشبك أفريـقي مشابه لمشبك الهند الصينية؟»

والظاهر حتى اتساع عمليات جيش التحرير وانتشار بقعة الزيت وفشل مشروع خنق الثورة في الاوراس، لم يربك الموقف الفرنسي على الساحة الجزائرية فحسب، بل فرض على إدارة الاحتلال قرار الانسحاب الاستعجالي من المغرب وتونس.

هذا الوضع كان أشبه ماقد يكون بحالة السفينة التي تفقد توازنها، فكي لا تغرق يلجأ ربانها مكرهين وبسرعة إلى التخلص من الحمولات الزائدة. وعبر پيير منديس فرانس، على خطة الانسحاب، بعد حتى انتقل على عجلة إلى تونس، قائلا: "أخذنا الطائرة يوم السبت 31 جويلية 1955 إلى تونس ووصلنا نصف ساعة قبل الموعد، لقد قدم بويي دولا تور على الساعة الخامسة صباحا أوراق اعتماده إلى الباي الذي استيقظ لتوه، أبلغته بأن فرنسا تعترف دون خلفيات بالاستقلال الداخلي للدولة التونسية، بشرط حتى تتخذ فورا من القوى الوطنية حكومة ندخل في المحادثات معها.. وعلى الفور صرح بورقيبة بأنه يجب اغتنام فرصة اليد التي نمدها، لكن بعض الأوساط التونسية ترددت وفي شهر نوفمبر هبط أواخر الفلاقة وسلموا لنا بكل رغبة منهم أسلحتهم ".

وبديهي حتى سياسة فصل المسارات الجزائرية والتونسية والمغربية، التي انتهجها منداس فرانس وسار عليها من اتى بعده، إنما استهدفت تطويق الثورة الجزائرية والتفرد بها. وقد برر الإعلام الفرنسي، ومعه التونسي والمغربي، هذا "التكتيك" بأطروحة مفادها اختلاف وضعية الحماية التي عليها تونس والمغرب مع وضعية الجزائر التي تعد مسألة إلحاق نهائي وقضية داخلية محضة.


التخلي عن تونس والمغرب

كان رأي منديس فرانس والعسكريين حتى السبيل الوحيد لإنقاذ وضع فرنسا المتردي في الجزائر، هوالانسحاب من تونس والمغرب لقاء الاحتفاظ بالمصالح الاقتصادية والقواعد العسكرية بهذين القطرين. ذلك حتى إيقاف الحرب في المغرب وتونس سيمكن فرنسا من تجميع جميع قواها الاقتصادية والعسكرية في الجزائر ويضمن لها الفوز على الثورة الجزائرية، أوعلى الأقل يعيد زمام المبادرة إلى قواتها.

ويعد هذا التجاوب السريع لدى القيادة التونسية والمغربية، مع مخطط التجزئة الاستعماري عملا غير أخلاقي اتجاه الثورة الجزائرية، ومشاركة عملية في مخطط عزلها وتطويقها، هذه الثورة التي أضعفت موقف الاحتلال ومؤسسته العسكرية لصالح البلدين. نطق بورقيبة، وهوتحت الإقامة الجبرية في فرنسا بين جويلية ونوفمبر 1954، محاولا تجاوز الحكم الذاتي:" فقط ليصمد المقاتلون الجزائريون."

وأظهرت الأحداث التاريخية اضطراب موقف أولئك الذين سقطوا معاهدات الاستقلال الذاتي، إذ حتى لسان حالهم كان يقول إلى الجزائريين " امضى أنت وربك فقاتلا « وفي ذات الوقت يريدون من الثورة الجزائرية حتى تنتصر بمفردها على الاستعمار حتى تضعفه فلا يعود الى تهديد البلدين.

والحقيقة حتى هناك أطرافا تونسية ومغربية أخرى، غير الأطراف الرسمية، كانت متشبثة بموقف مناهض لمخططي التفرد والتطويق الاستعماريين، وأحسن من عبر عن هذا الوعي صالح بن يوسف الذي وصف تجاوب بورقيبة مع المخطط الاستعماري بالخيانة الصريحة للثورة الجزائرية. لقد بينت التجربة حتى النظرة القطرية لمبدأ الأمن القومي تصور قاصر فاشل لأنه لم يمنع المغرب العربي من الوقوع في قبضة الاحتلال الفرنسي، الذي اعتمد المرحلية والتفرد بكل قطر على حدة بل استخدم المجندين من الأقطار الثلاث في تحقيق مشروعه التوسعي بهذه البلدان .

وقد عبر أحمد بن بلة من سجنه عن هذه المرارة قائلا:

«هذا الوضع الشاذ ناتج بالأساس على عدم الالتزام والانسحاب العسكري للمغرب وتونس من المعركة، إذا الكفاح المشهجر وتطوراته هوالذي سرع استقلال تونس والمغرب. إذا توقف الكفاح الموحد سبب العزل العسكري للجزائر، لكن الجزائر تميزت بالتعقل السياسي بقبول ودعم السياسة الايجابية لحصول البلدين على الاستقلال... إذن قابلت بشجاعة وروح بناءة نتائج التملص العسكري الذي لم يسبقه مثيل في تاريخ الشعوب المستعمرة وأخطر ما يمكن حتى يقبل به بلد في حالة حرب... وأمام التصميم الاستعماري لا حظنا الانسحاب السياسي أيضا.»

كانت المناورة الاستعمارية تقتضي جعل الجيش التونسي والمغربي كأداتين لحماية الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر، فلما فشلت المناورة وتطور نشاط جيش التحرير على مستوى الحدود وتحول البلدان إلى قاعدتين خلفيتين للثورة، انزعج المحتل انزعاجا شديدا وقام بعدة إجراءات. كان من بين ما اهتدى إليه الاحتلال في هذا الاتجاه، قيام جهاز مخابراته بتحويل مسار الطائرة المغربية المقلة للبعثة الخارجية لجبهة التحرير الوطني في 22أكتوبر 1956، واعتنطق أسماء بارزة في هرم الثورة، ومعلوم حتى الاجتماع الذي كان مبرمجا في تونس قد اتى بمبادرة من الملك محمد الخامس وكان من بين أهدافه، اعتماد سياسة ديناميكية منسقة على المستوى المغاربي.

وإذا كان الهدف الفوري من العملية هوإحداث الصدمة النفسية داخل صفوف الثورة والشعب، فإنها ترمي على المستوى البعيد إحباط وإجهاض أي تنسيق بين الأطراف المغربية وتحييد العناصر المؤمنة بالفكر القومي العربي الناصري، بل إذا الأخطر من جميع ذلك هومحاولة غرس الشك واقتلاع ثقة جبهة التحرير نهائيا، بشركائها وهجر الانطباع لدى قيادتها بوجود الخيانة في صفوف التونسيين والمغاربة.

وفي جميع الأحوال أثبتت العملية حتى جهاز المخابرات الفرنسية ظل نشطا على التراب المغربي والتونسي وأن الفرنسيين يتتبعون بقلق محاولات التقارب بين الأطراف المغاربية. ومع ذلك لم تحقق هذه الخطة إلا نتائج جزئية، لأنها أثبتت حتى الثورة من الصلابة ما مكنها من امتصاص الصدمة والاستمرار بأكثر قوة، هذا لأنها أصبحت بعد الصومام لا ترتبط بالأشخاص وإنما تستند إلى مؤسسات.

وعلى العكس من ذلك جنبت، هذه العملية، الثورة شر الانقسامات والنزاعات التي كان سيسببها الغاضبون على مبدأ الاولويتين المنبثقتين عن مؤتمر الصومام، كما عززت التضامن المغاربي مع الثورة كما أدان المجتمع الدولي القرصنة والعدوان مما أسهم في تدويل القضية الجزائرية. وعندما حلت السنة الخامسة من عمر الثورة التحريرية، كانت قيادتها قد حققت ثلاثة أهداف استراتيجية هي التنظيم والشمولية والتعاطف الدولي.

بالموازاة مع ذلك، وتحت ضغط الثورة المتصاعد، توالى انهيار حكومات الجمهورية الرابعة، التي أصبحت متهمة بالعجز من قبل العسكريين والمدنيين المتطرفين في الجزائر، لهذا قررت حكومة فليكس گيار ووزيرها المقيم في الجزائر، اعتماد ما أسمته "حق المتابعة" فكان ذلك ذريعة لعدوان الطيران الاستعماري على ساقية سيدي يوسف فيثمانية فبراير 1958.

والظاهر حتى حالة الإحباط المتواصلة عند القيادة العسكرية والسياسية في الجزائر وفرنسا، جراء فشل مخطط التطويق، هي التي دفعت بها إلى الحلول الجنونية حسب وصف إعلام الثورة.

وقد بلغ عدد الضحايا في هذه العملية أكثر من ثمانين قتيلا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، في عملية وصفها روبار لاكوست بحق المتابعة ورغم مسؤوليته المباشرة في هذا العدوان تحدث عن "ديان بيان فودبلوماسي".

كان الهدف الأساسي من تنظيم هذا العدوان داخل التراب التونسي، هوإجبار الحكومة التونسية على التحرك لتجميد نشاط جيش التحرير ومنعه من شن العمليات ضد القوات الفرنسية في الجزائر، مثل ما سقط في "جبل الكوشة" في 11 جانفي 1958، حيث اغتال احد عشر عسكريا فرنسيا وأسر أربعة آخرين.

وفي كلتي الحالتين إما حتى يصبح الجيش التونسي حارسا للحدود وهذا قد ينسحب أيضا على الجيش المغربي، أويؤدي المخطط إلى تصادم جيش التحرير مع البلدين الذين يأويان اللاجئين وجزء كبير من جيش التحرير وقيادة الثورة.

وعوضا حتى يحقق مخطط التطويق أهدافه، اتى بنتائج عكسية وانتصر مشروع التدويل وأصبح المغرب العربي ومعه الثورة الجزائرية، محل هجريز السياسة والإعلام الدوليين مما جعل كوريار يقول في هذا الشأن: "ومرة أخرى أملت الجزائر سياستها على فرنسا، وهذه المرة كارثة والجزائر تفخر بأنها سيدة باريس".

لقد برهن العدوان على تونس والعمليات المنسقة التي يقودها الجنرال كوني مع القوات الاسبانية جنوب إقليم درعة، أنه لنقد يكون هناك استقرارا أوسلما في منطقة المغرب العربي دون التضامن مع الثورة الجزائرية.

ففي تصريح للباهي لدغم ببنزرت في 11 مارس 1958 اتى:" حرب الجزائر هي حرب المغرب العربي، تلك هي الحقيقة التي لم تتضح في وقت من الأوقات كما اتضحت الآن.إن جبهة التحرير الوطني ما انفكت تصرح من أول قيام الثورة بالجزائر ،أن استقلال تونس واستقلال المغرب في الوقت الذي تتسلط فيه على الجزائر حرب مطلقة ،يعد تناقضا صارخا سيؤدي مع طول الوقت إلى تعميم الحرب في شمال إفريقيا .وهاهي الآن الحقيقة تبرز إلى العيان واضحة في حوادث الحدود بصفة عامة وفي حادث الساقية وفي حوادث ايفني بصفة أخص " وقد فهم الجزائريون من رد العمل الأولي الصادر عن الحكـومتين، التونسية والمغربية، حتى العدوان قد أثر سلبا على علاقاتهما مع فرنسا وحتى ذلك سيدفعهما إلى مزيد التضامن مع الثورة الجزائرية.

عهد قادة الثورة الجزائرية دقة الموقف أمام استراتيجية العدووسعيه الدائم إلى عزل الجزائر عن إطارها الطبيعي الإقليمي المغاربي، وحاجتهم الضرورية إلى فك الحصار والبحث عن "النفس الثاني" على حد تعبير حربي. لقد سعوا إلى فك الحصار بمحاولة إعادة الالتزام السياسي للبلدين ومحاولة دفعهما إلى مساندة الثورة الجزائرية بشكل ملموس لا حتى يستعملوها كأداة للمساومة.

وإذا كانت عملية ساقية سيدي يوسف قد نفذت للضغط على موقف حكومة بورقيبة، فان الخط المكهرب الملغم قد كان حزاما جهنميا لفه المحتل على عنق الثورة التحريرية، وواحدا من أدوات العزل والتطويق الجهنمية التي أدخلها المحتل في هذه الفترة. وتكفي إطلالة على وثائق الثورة والمراسلات بين الداخل والخارج، حتى يشدنا تصاعد اتهام المقاتلين في الداخل لمن هم في الخارج بالعجز عن إمداد المقاتلين في الداخل بالسلاح. وقد قام رئيس الحكومة الفرنسية،" بورجيس مونوري"، في شهر فبراير عام 1957 رفقة محرر الدولة للقوات المسلحة، "ماكس لوجون"، بمعاينة ميدانية للحدود التونسية والمغربية وعهدا حتى التنازل على البلدين لم يمنع تحولهما إلى قواعد خلفية لتموين الثورة، مما جعل الأخير يقول:" يحصل المتمردون على السلاح عبر الحدود وليس عن طريق البحر، ويمكن القول أنه لولا المساعدة الخارجية لانتهى أمر التمرد ". وكانت تقارير الجنرال "دولبيرث"، قائد فيلق المشاة الرابع عشر، حول مرور قوافل السلاح عبر الحدود التونسية من بوشقوف وعزابة ودخولها عبر الطريق الساحلي إلى غاية الميلية فجيجل تلحق بتوصية مفادها ضرورة اقامة هذا الخط العازل.

بناء على هذه المعاينة والتوصيات شرع سلاح الهندسة ابتداء من شهر جوان 1957 في إقامة السد المكهرب الملغم على الحدود وهوالخط الذي عهد باسم صاحبه أندري موريس، لقد كانت الثورة الجزائرية أمام مخطط حديث يهدف إلى عزلها عن محيطها المغاربي بوسائل أكثر إحكاما . ففي تقرير للعقيد أوعمران، مسؤول مديرية التسليح والإمداد العام، من مخط القاهرة في الثامن جويلية 1958 اتى "إن الوضع خطير وأن الثورة الجزائرية بعد حتى فاجأت العدووتمكنت بحيويتها من زعزعة إجراءاته العسكرية والسياسية، فان الثورة لم تتطور وبقيت في مستوى سنة 1956 وان جيش التحرير قد تلقى خسائر قدرت ب6000 شهيد في مدة شهرين وبمنطقة واحدة هي بوشقوف.

لقد شعر قادة الثورة بخطورة الخطوط بعد حتى قللوا من تأثيرها في بداية الأمر وأصبح لزاما عليهم، إخراج الثورة الجزائرية من العزلة التي يريد ويخطط لها المحتل على المستوى المغاربي ولن يتحقق مشروع فك الحصار إلا بإحياء الجبهة المغاربية.

في هذه الظروف صادف حتى قابل علال الفاسي صعوبات كثيرة ومنها تعثر حكومة حزبه في تحقيق التنمية الاقتصادية وانهيار قواته وفشلها في تحقيق ما يسميه "بالصحراء المغربية"، بعمل ضربات خطة " المكنسة "، ولم يختلف الوضع مع الرئيس بورقيبة الذي كان تحت ضغط القواعد العسكرية الفرنسية المنتشرة على التراب التونسي والتي تدخلت بقوة في "رمادة"، كما عجزت حكومته عن تجسيد شعاراتها في الواقع الاقتصادي والاجتماعي .

والى هذا وذاك كان خوف بورقيبة متناميا إزاء تعاظم جاذبية المد القومي الناصري، الذي تجسد في قيام الجمهورية العربية المتحدة وإيواء الحكومة المصرية وتحالفها مع غريمه صالح بن يوسف ، الذي كان يشن حملة قوية على سياسة بورقيبة المتحالفة مع الغرب. في هذا الظرف مهد علال الفاسي إلى اجتماع إقليمي مغاربي بان أثار موضوع الوحدة المغاربية وعدد مزاياها وأصل لها في جريدة "الصحراء المغربية " ، ثم تبنى الحزب هذه الافكار ونادى في اجتماع الثامن من مارس 1958 إلى " وحدة حقيقية تلبي المطامح الصادقة لشعوب المغرب العربي الثلاث " تجاوب حزب الدستور الجديد مع هذه الدعوة وجرت لقاءات بين الطرفين في الفترة 19-22 مارس 1958، كما كان الفاسي قد أوفد قبيل ذلك جميع من عبد الرحمان اليوسفي والمحجوب بن صديق عضوي اللجنة السياسية إلى القاهرة لمشاورة لجنة التنسيق في هذا الموضوع. ومنذ بداية التحظير لهذا الاجتماع ينتبه الدارس لهذه المساعي الحثيثة نحوالعمل الجماعي،كيف أنها لم تكن بمبادرة من جبهة التحرير الذي يفترض بأنها أكثر الأطراف حاجة إليها وإنما اتىت من تونس والمغرب . توجت هذه المراحل باجتماع الأحزاب المغاربية الثلاث: ، جبهة التحرير الجزائرية والحزب الدستوري الجديد التونسي وحزب الاستقلال المغربي، في بيت علال الفاسي بطنجة بين 27-29 أفريل 1958 وبعد ثلاثة أيام من المداولات أعرب التونسيون والمغاربة جهارا بحق الشعب الجزائري في الاستقلال، وأن ذلك شرط أساسي لحل الأزمة الفرنسية الجزائرية، كما ألحوا على سحب القوات الفرنسية من منطقة المغرب العربي ودعوا إلى إنشاء حكومة جزائرية بعد التشاور مع حكومة تونس والمغرب.

شعرت ادارة الاحتلال بفشل مخطط عزل الجزائر عن المحيط المغاربي، وشنت الصحف الفرنسية حملة إعلامية ضد الحكومتين المغربية والتونسية ووصفت اعترافهما بجبهة التحرير وابدائهما إرادة الاعتراف بالحكومة المؤقتة، كنجاح كبير لمشروع التدويل الذي تقف وراءه الثورة التحريرية. وقد اتى في جريدة "لوموند" :"هكذا تتحقق وحدة المغرب العربي في الحرب وضدنا وكل ما اليوم توصيات ستتجسد غدا في مؤسسات سياسية وثقافية واقتصادية ستقوم بتمثيل 23 مليون من المسلمين

وقد ضمن الملك محمد الخامس تأييده الصريح لقرارات المؤتمر في خطابه بتاريخ أول ماي 1958وباءت ضغوطات السفير الفرنسي، " بارودي"، بالفشل، حيث اتهم المغرب بالتورط السافر في الحرب إلى جانب جبهة التحرير، فما كان من الملك محمد الخامس إلا القول بأنه غير قادر على الوقوف في وجه إرادة الشعب المغربي.

ومنذ البداية ميز الجزائريون بين مواقف المجاملة التي تصدر في الاجتماعات غير الرسمية، الرامية إلى زيادة شعبية الحكومتين، وبين المواقف الرسمية الملزمة، لهذا كانت المستوى الثانية بعد تصريحات طنجة، هوالدعوة على الفور لاجتماع على مستوى الحكومات لترجمة الأقوال بالأفعال فكان لقاء المهدية بين 17- 20 جوان 1958.

بين هذا الاجتماع تنصل تونس والمغرب من التزامات مؤتمر طنجة وتوجههما إلى افراغ مقرراته من محتواها، تلك المقررات التي أسالت الكثير من الحبر وحققت الكثير من النادىية للحكومتين.فما الذي غير مواقفهما بهذه السرعة؟

كان الانقلاب الذي قاده الفاشيون في الجزائر بتاريخ الثالث عشر ماي 1958 واحدا من الأحداث التي برهنت على عمق الأزمة التي تعيشها الجمهورية الرابعة، وقد ذكر الجنرال ماسي من بين مسببات الانقلاب: "هشاشة حكومات الجمهورية الرابعة واتصالها سرياً بالعدو، وانهيار موقفها الدولي" غير حتى هذه المبررات لا تفصح إلا عن ظاهر الأزمة ونتائجها، وفيها تهرب واضح من ذكر السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذه الأزمات الداخلية والخارجية، إذا هذه النتائج يجمعها سبب واحد أشارت إليه جريدة المجاهد: "فرنسا أمام ثورتنا، أزمة دائمة ".

لقد عزز الانقلاب شعور الحكومة التونسية والمغربية بخطر هذا التهديد الفاشي ولا سيما بعد صدور تصريحات من العسكريين في الجزائر فيها التهديد والوعيد بالحرب الكاملة. غير حتى استلام الجنرال شارل ديجول الحكم، بدعم من الجيش، قد صحبه نادىية واسعة وحربا نفسية جعلت الحكومتين في تونس والمغرب، تشعران بتغير معطيات الحرب الجزائرية الفرنسية.

وقد جرت سلسلة لقاءات في لوزان وجنيف بسويسرا بين قادة المغرب العربي لمتابعة مقررات طانجة وقرروا اللقاء على المستوى الرسمي في تونس منتصف جوان 1958.

ويبدوان هذه الاجتماعات قد أقلقت الإدارة الاستعمارية التي بدأت في مناوشتها والتقليل من أهميتها بوسائل الإعلام، كما مارست ضغوطا على الحكومتين بالقول أنها ستجري بين تونس والمغرب فقط وإذا حظر الجزائريون فستعقد على المستوى الحزبي وليس على المستوى الرسمي !. وعملا لاحظ التقرير السياسي المؤقت للحكومة المؤقتة، الذي حرره احمد بومنجل، عضوالمخط الدائم للمغرب العربي المنبثق عن مؤتمر طنجة، بتراجع التونسيين والمغاربة عن ما وافقا عليه في طنجة، واكتفائهما بالمظاهر التشريفية.

إن تدهور علاقات الثورة الجزائرية مع الحكومتين التونسية والمغربية ستبدأ بعد مؤتمر طنجة على الفور وبشكل متسارع بعد شهرين من المؤتمر يوما بيوم تقريبا، إذ عقدت الحكومتان اجتماعا على المستوى الوزاري ولم تدع إليه لجنة التنسيق والتطبيق وبررتا ذلك بأنه يندرج في إطار تعزيز التعاون الثنائي لكن في خضم هذا الاجتماع، قررت الحكومتان التونسية والمغربية إبعاد قادة الثورة الجزائرية من اللقاءات الرسمية يعود هذا القرار إلى شروع الجنرال ديجول في تفعيل مخطط تطويق الثورة وإحكام عزلها عن تونس والمغرب، بإرضاء البلدين ببعض المبادرات قصد تحييد دورهما أكثر في هذا الصراع وافراغ تصريحات طنجة من مضمونها، ومن هذه المبادرات قرار فرنسا إخلاء قواعدها العسكرية ابتداء من 14 جوان 1958 في الغرب والجنوب المغربي وفي 17 جوان من الغرب التونسي باستثناء قاعدة بنزرت وهذا بالتزامن مع اجتماع المهدية . وقد كشف المحلل السياسي في جريدة المجاهد مسببات هذا الجلاء قائلا:"إن انحناء ديجول لقبول الجلاء عن تونس والمغرب قد اتى نتيجة لمؤتمر طنجة، ولم يأت نتيجة لأي شيء آخر".

وفي المهدية بين 17-20 جوان 1958 دعيت جبهة التحرير كهيئة تطبيقية لهذا الاجتماع وليس كممثل تام الحقوق، وبعد حتى فضل التونسيون والمغاربة حتى تكون الجلسات سرية ، لم يعط الطرفان الثورة الجزائرية إلا بعض الوعود بالدعم الإنساني لفائدة اللاجئين الجزائريين مع وعود أخرى بدعم دبلوماسي على المستوى الدولي ، من اجل الوصول إلى حل سلمي للمشكل الجزائري.

إلى غير ذلك أثبت كريم بلقاسم وعبد الحفيظ بوالصوف وبومنجل أنهم في لقاءة طبقة سياسية حاكمة في تونس والمغرب تتصفان بالبراغماتية وتتملصان من التزاماتهما في طنجة. دفعت هذه التنازلات بالمغرب وتونس إلى التنصل التدريجي من مسؤولياتهما تجاه الثورة الجزائرية ومارستا ضغوطا متكررة كي تِؤثرا على مواقف جبهة التحرير، هذا الذي بدا واضحا بعد اجتماع المهدية. والحقيقة إذا حكومتا المغرب وتونس قد انساقتا وراء مخطط التطويق الديجولي الذي استوعب استحالة الوصول إلى نتيجة ميدانية في الجزائر، ما لم ينه المشاكل العالقة مع المغرب وتونس.

وقد احتفلت الحكومتان بالجلاء وأعطتا ذلك زخما إعلاميا كبيرا وحاولتا إظهار مسعاهما، كعمل يندرج في إطار استكمال السيادة الوطنية وكتجاوب مع مطالب الثورة الجزائرية، التي دعتهما في مناسبات عديدة إلى غلق المراكز العسكرية الفرنسية على اراضيهما.

غير حتى هناك اجتماعات دورية أصبحت تعقد بين البلدين اتخذت خلالها إجراءات منسقة متزامنة على المستوى الميداني، ومنها شروعهما، باسم فرض سلطة الدولة والنظام، في الحد من حرية حركة أفراد جيش التحرير الجزائري والمسؤولين السياسيين. إلى غير ذلك لم تعد الثورة الجزائرية بالنسبة للمغرب وتونس إلا مسألة لاجئين وأمن حدود، وبخصوص حوادث الحدود نشرت وزارة الإعلام التونسي بتاريخ 24افريل 1959 بيانا اتى فيه حتى "من 17 جوان 1958، تاريخ توقيع إخلاء القواعد العسكرية الفرنسية من تونس، إلى تاريخ 1جانفي 1959 سببت القوات الفرنسية المتمركزة على التراب الجزائري خلال ستة اشهر 73 حادثا حدوديا منها 45 حادثا خطيرا، هذه الحوادث قد سببت مقتل ستة تونسيين وفقدان 7آخرين وأكثر من أحد عشر جريحا. في حين من 1 يناير 1959 إلى 23 افريل 1959 أي خلال أربعة اشهر فان 64 حادثا قد سقط وفيها ضرب بالمورتر والهاون سببت مقتل أحد عشر شخصا وجرح ستة عشرة آخرين واختطاف واحدا وعشرين آخرين"

وفي خطاب بورقيبة بتاريخ 23 يوليو1959 ذكر السيادة التونسية اثنا عشر مرة وحذر الجزائريين أكثر من ستة مرات. ما سبب هذه المعاملة من المغاربة والتونسيين اتجاه الثورة الجزائرية ؟ إن إحكام غلق الحدود وبرنامج الحرب الكاملة الذي كان الجنرال شال بصدد تطبيقه داخل التراب الوطني، مع بعض الخلافات في صفوف الثورة التي برزت داخل حدود البلدين، قد أشعرت التونسيين والمغاربة حتى ميزان القوة يسير لصالح الجنرال ديجول ويبدوحتى كلاهما قد شك في فوز الثورة الجزائرية ، كما شعر البلدان بان الحكومة الجزائرية المؤقتة ترغب في جر بلديهما إلى الحرب في حين يتبعان سياسة " المغامرة المحسوبة "لإرضاء شعبيتهما.

والى جانب التنازلات المحسوبة وغير الهامة كان الجنرال ديجول يدير شطرنج المغرب العربي بالإغراء أيضا ، حتى يوصل الثورة الجزائرية إلى الطريق المسدود ويحكم بذلك عزلها على المستوى المغاربي ويفرغ بذلك مؤتمر طنجة من الأفكار التي نادى إليها . والواقع حتى الجنرال ديجول هوأكثر المسؤولين الفرنسيين فهم بالسياسة التي تتبعها السلطتين الحاكمتين في المغرب وتونس، وقد تفهم من مؤتمر طنجة والأفكار التي مررها الحزبان الحاكمان، حالة الغضب وعدم الرضا في البلدين على السياسة التي تتبعها فرنسا اتجاههما وعجزهما عن تحقيق الحياة الكريمة لشعبيهما وحاجتهما لوسيلة ضغط ومساومة قوية مثل ورقة الثورة الجزائرية ، اذ كيف من الممكن أن يهددان بدعم الثورة الجزائرية وتحقيق الوحدة زمن الحرب الكاملة وهما لم يعملا ذلك مع بداية الثورة !. من هنا طرح الجنرال ديجول فكرة تمرير البترول الجزائري من حوض" ايجلي" عبر التراب الليبي أوالتونسي .وفي حين رفضت الحكومة الليبية ورفض المغاربة تكرير البترول الجزائري في القنيطرة وأدركتا مغزى المشروع ، تلقفه النظام التونسي واعتبره فرصة لتحقيق فوائد اقتصادية ومآرب أخرى .

وقد مضى بورقيبة إلى أبعد من ذلك وسقط اتفاقا مع الفرنسيين لتمرير البترول الجزائري عبر ميناء "السخيرات "التونسي دون أي استشارة للجنة التنسيق والتطبيق .

وإذا كانت الجمهورية الرابعة تعتمد القوة والتهديد وحق المتابعة لفرض مخطط التطويق الاستعماري على الثورة الجزائرية وتحييد تونس والمغرب عن معادلة الصراع، فقد اعتمد الجنرال ديجول سياسة الاحتواء والإغراء لجرهما إلى التنصل من دعم الثورة الجزائرية والهائهما بما أسمته الثورة الجزائرية " الخبز المسموم " كان مخطط التطويق الديجولي مدروسا بدقة متناهية، فأسلوب الإغراء قد حقق نتائج معتبرة لم يحققها أسلوب القوة.ذلك أنه لم يخسر شيئ من التنازل على بعض الفتات، بل حقق تأمين أنابيب نقل البترول الجزائري ، الذي طالما تعرضت عرباته إلى التدمير ،ويوفر على الاقتصاد الاستعماري 500 مليون دولار أمريكي من الواردات وهومبلغ كان يشكل نصف مبلغ العجز في الميزان التجاري الفرنسي لعام 1956. ومن جهة أخرى أثبت النظام التونسي، بطريقة أوأخرى، اعتراف الدولة التونسية للاحتلال بشرعية نهب الثروات الجزائرية، في وقت يخوض الجزائريون حرب الحياة والممات، وينطوي المخطط الديجولي على مخاطر أخرى تتمثل في جلب رؤوس أموال الشركات البترولية العالمية مع ما ينجر على ذلك من تحالفات استعمارية بين دولها على حساب الشعب الجزائري. وأخيرا وهوالأهم، تمكن الجنرال ديجول من إحداث أزمة في العلاقات الجزائرية التونسية وقبر إلى الأبد تصريحات طنجة وأراح كاهل السلطات التونسية والمغربية منها.


لقاءة خطة ديجول

أدركت قيادة الثورة من القاهرة خطورة المناورة التي يقدم عليها الجنرال ديجول ومبلغ تردي الأخلاق السياسية لؤلئك الذين تجاوبوا معه، لذلك أوفدت لجنة التنسيق برقية إلى الحكومة التونسية بتاريخعشرة جويلية 1958 ، عبرت فيها عن انشغالها الشديد بشأن المعلومات التي تتحدث عن مفاوضات جارية بين الحكومة التونسية والشركات الفرنسية لنقل البترول الجزائري عبر الأراضي التونسية .واتى في البرقية أيضا:"أن لجنة التنسيق والتطبيق تلفت نظر الحكومة التونسية إلى العواقب الخطيرة التي من شأنها حتى تنجر عن هذا العمل والتي لا يمكن للجبهة حتى تكون مسؤولية عنها في شيء ".

وقد اتى في افتتاحية أسبوعية المجاهد الصادرة بتاريخ 22 يوليو1958 إدانة صريحة للاتفاق التونسي الفرنسي على حساب الشعب الجزائري وقضيته وتضمن برقية لجنة التنسيق والتطبيق مما حذا بالسلطات التونسية إلى احتجاز المجاهد ومضايقة فريق التحرير والحد من تنقلاتهم. فهم قادة الثورة الجزائرية طبيعة وأبعاد مناورة العدوالذي يضغط على أعصابهم كي يدفعهم إلى الصدام مع نظام بورقيبة، وقد عبر فرحات عباس عن مستوى الوعي في تقرير وجهه إلى لجنة التنسيق والتطبيق بتاريخ 29 جويلية 1958 نطق فيه:" إذا المشكل الجزائري يندرج في إطار الشمال الإفريقي.. على جبهة التحرير حتى لا تدخل في أي نزاع مع تونس أوالمغرب".

وبنفس أسلوب العدولجأت الثورة الجزائرية إلى الإغراء بالحديث عن" بترول المغرب العربي " واتى في المجاهد تحت ذلك العنوان: " إذا بترول المغرب العربي ملك لهذا المغرب قبل جميع شيء ويجب حتى يخدم صالحه داخل استقلال متحرر من التأثيرات الأجنبية ". وفي موضع آخر: " إذا تحديد سياسة بترولية مشهجرة يجب حتى يتم بأسرع ما يمكن....يجب على السكرتارية الدائمة للمغرب العربي حتى تنظر سريعا في قضية البترول وتعين لجنة مختصة لإقامة تصميم وتحظير الوثائق اللازمة والنظر في الاتفاقات المتنوعة الممكنة التي تتعلق بالتفتيش عن النفط واستثماره ورؤوس الأموال واليد العاملة " . وعلى المستوى الميداني كان العقيد أوعمران، مدركا لهذا التغير الذي يقتضي تفكيرا جديدا يتماشى مع الفترة الجديدة ويؤدي إلى عمل يفك الطوق المضروب على الثورة، إذ اقترح القيام بسلسلة عمليات داخل التراب الفرنسي ، تضع حكومة بورقيبة وبلفريج أمام الأمر الواقع،وهذا قبل حتى يحكم الجنرال ديجول قبضته على الحكم .

تطبيقا لهذه المقترحات نقلت الثورة عملياتها إلى التراب الفرنسي وشن الفدائيون سلسلة عمليات ضد الاقتصاد الاستعماري، مما هجر صدا كبيرا في وسائل الإعلام الدولية فكان مشروع التدويل في فترة الأوج. وبعيد هذه العمليات الجريئة التي شدت انتباه العالم إلى القضية الجزائرية، اختارت قيادة الثورة هذا التوقيت فأعربت عن قيام الحكومة المؤقتة في 19 سبتمبر1958 فلقيت الاعتراف، تباعا، من قبل الدول العربية والإسلامية والاشتراكية مما شكل نجاحا مرحليا كبيرا لمشروع التدويل وهزيمة مريرة لمخطط التطويق.

ذلك حتى اعتراف هذه الدول بالحكومة الجزائرية المؤقتة قد أدى إما إلى بتر علاقاتها مع فرنسا أوتأزمها مما يعني تراجع هامش مناورة هذه الأخيرة في المحافل الدولية.

وبجر تونس والمغرب إلى هذا الاعتراف، تحت ضغط شارع البلدين، عملت قيادة الثورة على تحقيق هدفين أساسيين أولهما: إحداث أزمة في علاقة البلدين مع فرنسا وإعادة التزامهما العسكري والسياسي اتجاه الثورة الجزائرية ، بدل موقف الوسط والمساومة بالثورة، وثانيهما: توضيح حقيقة موقف البلدين ومزاعمهما بتبني كفاح الشعب الجزائري وتبيان حدود هذا الدعم. والظاهر حتى قيادة الثورة الجزائرية قد كانت خبيرة ببواطن سياسات الحكومتين في البلدين، وهوما جعل بعض إطارات الثورة يقترح برمجة سلسلة من العمليات الحدودية لحمل درجة التوتر في علاقة البلدين مع فرنسا، وجرهما إلى التحكيم الدولي وتارة أخرى اعتماد أسلوب المداهنة كتصوير نقل مقر لجنة التنسيق والتطبيق مثلا إلى تونس، كتفضيل لبورقيبة على جمال عبد الناصر وتنظيم حملات إعلامية للثناء على إنجازات حكومتي البلدين وجعلهما يعتقدان بانحياز الثورة إلى صفهما .

أما المستوى الثالثة في استراتيجية فك الحصار فقد قامت على خطة الخروج من الصراع المحلي المغاربي الذي يريد مخطط التطويق عزلها بداخله إلى إيجاد حلفاء داخل المعسكر الشرقي من أجل الحصول على الأسلحة لجيش التحرير والظفر بدعمهم الدبلوماسي. ورغم الحملة الإعلامية الفرنسية التي حاولت تصوير هذا الخيار على أنه الدليل القاطع عن التوجه الشيوعي للثورة الجزائرية ووقوف المعسكر الشرقي وراءها، مما يزج بالمسألة الجزائرية في صراع الحرب الباردة وما يمكن حتى ينجر عنه من مزيد الدعم الأطلسي للقوات الفرنسية، فانه على العموم كان الغرب الرأسمالي يريد من الجزائريين حتى يموتوا بأسلحته الفتاكة على حتى يدافعوا عن أنفسهم بالأسلحة الشيوعية ! وعلى العموم لم يكن دعم السوفيات كبيرا لأن سياستهم قامت على إبقاء موقف الجنرال ديجول قويا ومستقلا عن القرار الأمريكي، فليس من الحكمة الاعتراف الفوري بالحكومة المؤقتة.

وعلى العكس من ذلك، كانت الصين متحررة من هذا القيد ما دامت فرنسا تعترف بالصين الوطنية ( تايوان) وتنكر على الصين دخول الامم المتحدة. اغتنمت الثورة الجزائرية هذا الظرف الدولي وجلبت من الصين أسلحة عززت الجيش الجزائري على حدود تونس والمغرب وتمكن بسلاح " البننطقور " من تخريب اجزاء من الخطوط المكهربة الملغمة.

هكذا بدا مؤتمر طنجة كمناورة سياسية صغيرة وملتقا انتهازيا تافها اتخذ فيه التونسيون والمغاربة من الثورة الجزائرية أداة ضغط يخيفون بها فرنسا ليفتكوا منها بعض التنازلات في اطار ما يسمى ب"المخطط العظيم" خذ وطالب وهوبرأيي التطبيق العملي للانتهازية والانانية والحسابات الضيقة زمن فشلهما السياسي والاقتصادي وتقاعسهما عن الدعم العملي والملموس للثورة الجزائرية في وقت كانت الثورة الجزائرية تمر بأحلك الفترات وأكثرها دموية.

انظر أيضا

  • المغرب العربي

المصادر

  1. ^ اتحاد المغرب العربي
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:47:03
التصنيفات: وحدة عربية, المغرب العربي, تاريخ الجزائر, تاريخ تونس, تاريخ المغرب

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ختام دورة الألعاب العالمية القتالية بحضور بن جلوي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 68%

ميسي يفوز بالكرة الذهبية للمرة الثامنة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:24
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 62%

هل تناول الدجاج يرفع الكوليسترول؟ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:18
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

35 دولة تشارك في معرض البناء السعودي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:26
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

البحوث الفلكية: غرة شهر جمادى الأول الأربعاء 15 نوفمبر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:21:54
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 45%

مواعيد القطارات المتجهة من الإسكندرية إلى محافظات الصعيد

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:04
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 41%

تفاصيل حفل الكرة الذهبية وأسباب فوز ميسى وتراجع صلاح.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:21:48
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 43%

إعلام فلسطيني: قصف إسرائيلي عنيف على بيت حانون وشمال قطاع غزة

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:20:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

ميسي يعانق الثامنة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:22
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 51%

«خصخصة» المطارات والخدمات الأرضية.. ورفع جودتها - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:16
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

مندوب الأردن بمجلس الأمن: لن تتوقف أعمال القتل طالما تسمع إ

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:16
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

مكتب نتنياهو: المساعدات الإنسانية تتيح لإسرائيل تحقيق أهدافه

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:22
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

20 مليار ريال القيمة السوقية للتعليم الأهلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:25
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

بدء تطبيق جدول الجزاءات المحدث بأنشطة الصحة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:24:17
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

سي إن إن: جهود إخراج الرهائن من غزة تعقدت بسبب العملية البري

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-10-31 03:22:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية