ارتداد التمايز وتحلل النسج
ارتداد التمايز dedifferentiation هوعودة بعض الخلايا المتمايزة إلى حالة جنينية شاملة ذات إمكانات كاملة، أوهوفقدان خلية أونسيج للصفات الخاصة التي تميزها فقداناً كاملاً أوجزئياً، وذلك بتتالي حوادث كيمياوية وفيزيولوجية تطرأ على خلايا المنطقة ونسجها. أما التحلل النسيجي histolysis فهوفقدان عضومتمايز خلال الفترة اليرقية وزواله نتيجة تفكك خلايا ذلك العضووتخربه. ففي بداية حياة المتعضيات تكون أغلب خلاياها واسعة الإمكانيات. ثم تفقد غالباً قدراتها، على الأقل قدرتها على الانقسام، فتصبح خلايا متمايزة. إلا حتى هذه الخلايا قد تحتفظ أحياناً بقدرتها على الرجوع عن تمايزها فتصبح ذات قدرات شاملة وتحقق، نظرياً، طرائق التمايز الخلوي كافة، ويصبح تكاثرها ممكناً. وقد يحدث الرجوع إلى الوراء عودة حقيقية، فيصل بالخلايا أحياناً إلى فترة جنينية أوقريبة جداً من الحالة الجنينية. ويشاهد ذلك في خدر يرقات الحشرات ذات التحول الشكلي الكامل (الشكل 1) وخلايا تَكَيُّس النباتات البَرْيونية Bryophyta بتأثير الجفاف. ويمكن إِحداث العودة إِلى الحالة الجنينية صنعياً، كما في ديدان النِيمْرت Nemertii.
ويطلق على هذه المظاهر اسم ارتداد التمايز الخلوي، الذي يترافق بالتمايز الجزئي. فالبرعمة لدى الحيوانات البريونية تدل على تنشيط قدرة الخلايا على التكاثر، وزراعة خلايا قلب الدجاج تعطي النتيجة نفسها، والتئام جروح الإنسان يتضمن أيضاً ارتداداً وتمايزاً خلوياً موضعياً مؤقتاً ترافقه حوادث التشكل لخلايا نسج المنطقة. وقد ثبت في الفقاريات حتى تشكل خلايا قادرة على تجديد الأقسام المخرَّبةقد يكون بارتداد التمايز، إِذ تأخذ هذه الخلايا الصفات الجنينية وتصبح قادرة على الانقسام. وتثبت التجارب تشكُّل مواد منبِّهة لخلايا الجرح مع تنظيمٍ نشيطٍ يحرض الخلايا ويبدل نسج المنطقة الملامسة، ثم يسيطر على الأجزاء المجاورة كما في اللافقاريات.
ارتداد التمايز الخلوي في النباتات
من المعروف حتى الافتسال في النباتات بغرس جزء من ورقة مكتملة النمو(بالغة كاملة) أوشدفة ساق فيها عقلة (وهي أجزاء مجردة تماماً من أي خلية منشئة) يتمم الأجزاء الأخرى ليعطي نباتاً تام الأجزاء، أي يحدث تشكل، بدءاً من متعضية تخرَّب جزء منها أوعدة أجزاء، بالتجديد التشكلي الذي يعد إِحدى طرائق تكاثر النبات، ويكون ذلك مصحوباً بارتداد التمايز الخلوي الذي درسه بوفا Buvat.
تقسيم التطور الراجع الارتدادي
ويمكن تقسيم التطور الراجع الارتدادي إلى:
فترة تكوين الأنسجة الحية
فترة تكوين الأنسجة الحية (التشكل النسيجي): الذي يُتَرْجَم بالعودة إلى بنية خلوية مُنشِئة ثانوية تتمثل بالخلايا القُلبية cambial. وتتناول هذه الفترة النواة التي تدخل بالانقسام نتيجة اكتسابها إمكانية إِحداث تراكيب جديدة لحمض الدنا DNA، كما تتناول المتَقَدِّرات mitochondria التي تتجزأ وتتضاعف بعد نسخ شريط الدنا فيها، والجسيمات الصانعة التي تتراجع.
فترة التشكل العضوي
فترة التشكل العضوي: وفيها تصبح النواة مركزية وتزداد كثافة السيتوبلاسما، تتضاعف البنى الغشائية وتزداد، ويتجزأ الجسم الفجوي إلى فجوات صغيرة متعددة. إلى غير ذلك تصبح هذه الخلايا مماثلة للخلايا المُنشِئة الأولية. وتحدث هذه المظاهر كلها في فترة التشكل الطبيعي للأعضاء النباتية. فعند تشكل جذر جانبي، وفي التجديد أيضاً، تحدث عودة للنشاط والفتوة بالتدريج إلى خلية أوعدة خلايا من المنطقة حول القُلْبية. وهذا يفسر نشاط القدرة التكاثرية للنباتات الدنيا. فجزء سهل من نَميصَة protonema نبات بَرْيَوني يشتمل على خلية واحدة يعطي في بضعة أيام نباتاً تام الأعضاء المتمايزة، إِذا كانت شروط الوسط ملائمة. وكذلك فإن بترة صغيرة من مشيجة فطر أوكِسْرة من مَشَرَة طحلب Algue، تعيد بناء الفطر الكامل أوالطحلب كاملاً. كما حتى التجديد والتكاثر يحدثان أيضاً بكثرة في النباتات الراقية ويتضمنان حدوث ارتداد تمايزي خلوي فيها.
ارتداد التمايز الخلوي في العالم الحيواني
إن ارتداد التمايز في العالم الحيواني قليل جداً مقارنة بعالم النبات. ولكن لا يجوز إهمال الحادثة الارتدادية لديه. ففي الحيوانات البسيطة، يُرى لدى البلاناريا مثلاً، إلى جانب الخلايا غير المتمايزة المحتفظة بإمكانياتها الجنينية، خلايا أخرى قد ارتدت عن تمايزها لتسهم في بناء نسج وأعضاء جديدة. وغالباً ما تحافظ هذه الخلايا على المجال الإجمالي الذي كانت تشتمل عليه في البدء. فالخلايا المتشكلة في الجنين من الأدمة الخارجية الأصلية ectoblastoderm ترتد إِلى الوراء وتعطي، بعد ارتداد تمايزها وبعد تمايزها مجدداً، نسجاً تنتسب للأدمة الخارجية مثل البشرة. والبرعمة في الحيوانات نموذج لذلك. ففي الكأسيات (القِرْبِيات) المركبة تشكل السلائل polyps تشعبات تنتفخ وتنفصل عن المتعضية الأم. ويسهم في تكوين الانتفاخات خلايا ظهارية وخلايا متوسطية mesodermic، ومن هذه المجموعة الخلوية يبنى الفرد الجديد. وإِن تجديد عضوما في بعض الفقاريات لا يتم، كما في عديمات الفقار، بوجود خلايا احتفظت بصفاتها الجنينية وقدراتها الكاملة، وإنما يتم موضعياً بارتداد التمايز لخلايا نسج المنطقة. وقد دلت دراسة التئام الجروح بأن الجرح هوالذي ينبه فعالية الحادثات الخلوية النسيجية، وأن حركة الخلايا المتحولية هي التي تعمل على امتداد البشرة بين النسيج الضام والطبقة المتخثرة لا التكاثر الخلوي، وأن ارتداد التمايز للخلايا المجاورة للسطح يحدث بتحلل المادة الخلالية لنسج المنطقة مع تحلل الخلايا العضلية مما يجعل خلايا النسيج الضام مماثلة لخلايا النسج الأخرى وتصبح العلاقة النووية السيتوبلاسمية كبيرة. إلى غير ذلك تصبح الخلايا مماثلة للخلايا الجنينية لكنها لا تستطيع حتى تقوم مثلها بالتجديد فيما لوعُزلت عن بقية الجزء المجروح، ثم تتكتل الخلايا التي ارتد التمايز فيها وتحللت تحت البشرة لتشكيل البرعم التجديدي. وقد دلت الدراسات الإلكترونية واستخدام النظائر المشعة على حتى خلايا النسيج التي يرتد التمايز فيها يمكنها تشكيل براعم تجديدية، وأن الجرح هوالذي ينبه خلايا المنطقة التي تعمل على إحداث تراكيب جديدة لحمض الدنا والمواد البروتينية. لذلك تأخذ هذه الخلايا بالانقسام السريع المتتالي الذي يرافقه الفقدان الوظيفي والبنيوي المعقد، مما يجعل هذه الخلايا صغيرة، ثم تتباطأ هذه الحوادث ويبدأ التمايز الخلوي الذي يأخذ بالتزايد.
وتكون هذه التبدلات الفيزيولوجية في البدء نتيجة نشاط الأفعال الاستقلابية المؤدية إلى تحلل النسج بسبب نشاط الإنظيمات التي تحلل المواد البروتينية وفعاليتها، فيحدث تبدل في هجريبها. وفي نهاية التشكل تهيمن عمليات الابتناء anabolism فينشط تشكل حمض الرنا RNA في الخلايا كلها، ثم تأخذ بالتناقص عند بدء التمايز. إن هذه المظاهر الارتدادية تماثل المظاهر الخلوية للتحولات الشكلية، كالتحلل النسيجي للأعضاء التي تتخرب خلاياها وتُرتشف وتشكل جزءاً من التحول الشكلي الطبيعي مثل ذنب الشراغيف وتراجع التيموس وفقدان جذور الأسنان اللبنية وغيرها، وكذلك التحول الشكلي للحشرات الذي تتفكك فيه خلايا اليرقة تفككاً كاملاً وتموت نتيجة تحلل ذاتي autolyse، ثم تلتهم البالعات النسيج المتحلل الذي فقدت أغشيته الخلوية ارتباطها وتهضمه. وتُنقل عناصر النسيج المتحلل باللمف أوالدم. فتسهم هذه العناصر بعد ذلك في بناء الفرد الآخذ في التشكل، وذلك بعبور البالعات غشاء الخلايا العضلية اليرقية المتعددة النوى، فتفكك النوى واللييفات العضلية. وإِن الانتنطق النشيط لهذه العناصر يسهم في بناء العضلات، فتتمايز عضلات يرقية تأخذ، وهي في مكانها، البنية العضلية المميّزة للكهل مثل القلب، وأنابيب مالبيكي وغيرها. ومن المؤكد أنه في هذه التطورات التدريجية تترأس العمل غدد تفرز مواد يعتقد أنها تُحدث تبدلات للفعاليات الإرثية على الصعيد الكيمياوي النسيجي.
الشيخوخة الخلوية وارتداد التمايز
إن فقدان الإمكانيات الخلوية الكاملة بالتمايز له أهمية كبيرة؛ وهويتخذ، في الكائنات الحية، مظاهر مهمة. فبقاء مجموعة الخلايا الأرومة يسمح بإنتاج مستمر لخلايا متمايزة تصبح غزيرة وتتجدد. ويُفسر ما يحدث في النسج المجردة من الخلايا الأرومة اعتماداً على عوامل ثلاثة مهمة جداً هي:
- وجود خلايا كثيرة متمايزة تحتفظ بقدرات كافية تسمح لها بالانقسام الذي يعطي خلايا بنات مماثلة للخلايا الأصلية كزراعة ألياف قلب الدجاج. وإِن دوام سلالات خلوية متعددة بالزراعاتقد يكون إِما بالاصطفاء الخلوي وإِما بأن تكون هذه السلالات هي الخلايا الأرومية وقد بقيت من دون حتى يطرأ عليها أي اصطفاء وهذا غير مؤكد.
- يكون زوال قدرات الخلايا المتمايزة أحياناً مؤقتاً أوجزئياً، مما يجعل ارتداد التمايز فيها ممكناً، فكثير من النسج المتمايزة تفقد عند زراعتها بعض صفاتها المتميزة.
- استحالة ارتداد التمايز في الخلايا الواسعة الاختصاص بعكس خلايا المتعضيات البسيطة كالهدرا. فالخلايا العصبية تفقد جميع قدرة على الانقسام، لذلك تفقد الكائنات، تدريجياً وباستمرار، خلايا عصبية، في حين يمكن لبعض الفقاريات البدائية تجديد أطراف كاملة.
إلا حتى فقدان الخلايا الأرومة يجعل المتعضية تعتمد على الخلايا المتمايزة، وهذا قد ينتج عنه نتائج حيوية خطيرة. فالفضلات التي لا يمكن طرحها قد تتجمع في الخلايا وتسبب انقسامات جسسمية شاذة قد تسبب خللاً تدريجياً للوظيفة الحياتية الخاصة لهذا النسيج.
وإن الفكرة القائلة بأن ارتداد التمايز هوظاهرة معاكسة للتمايز فقط يمكن حتى تتعرض هي نفسها لصعوبات ومشاكل عدة. فالموت الخلوي الذي يؤلف فترة لارتداد التمايز يستخدم في الأجنة وبعد النضج وسيلة لتوليد أعضاء مهمة. فكثير من الخلايا الإفرازية يموت عند طرح المفرزات. وإن عدم موت بعضا الخلايا يؤلف صعوبات تعترض التطور العضوي، لذلك فإن التمايز الخلوي يسهم مباشرة في شيخوخة الخلايا وموتها وهرم الفرد. هكذا تنتج الشيخوخة عن زوال مُوَجَّه لمخطط عالي البرمجة في المتعضيات. وإِن ذلك الفقدان الموجه للمخطط الذي يضمن الارتداد السريع للأفراد وتجديدها يترافق بمستوى عال من التبدل الوراثي. وبهذا يمكن تفسير ارتداد التمايز بزوال عوامل التثبيط المقنّعة لبعض المورثات (الجينات)، وتتوضح آثار ذلك بالزراعات، فالخلايا العصبية التي لا تنقسم أبداً في المتعضية تكتسب القدرة على الانقسام. وإِن الخلايا التي هجرِّب بروتيناً نوعياً يميز النسيج الأصلي تفقد تلك الخاصة (هجريب البروتين). فالخلايا العصبية المتميزة بترطيبها للكلولينيستراز تفقد فعاليتها في الأسبوع الثاني للغرس. فالعوامل الحقيقية التي تؤثر في ذلك معقدة ويصعب تفسيرها. ويعتقد بأن هذه المظاهر قد تكون ظاهرية لا إرثية نتيجة خلل في إمكان توصيل ركيزة الصفات المميزة لتبدل يطرأ على صفات الأغشية لا نتيجة فقدان هجريب بروتين نوعي أونتيجة منع إرثيقد يكون عكوساً نظرياً. فالعوامل الحقيقية لارتداد التمايز كثيرة لا يمكن تجزئتها، ولكنها ترتبط كلها بالهجريب الجزيئي الفائق التخطيط الذي يعد مفتاح ارتداد التمايز.
المصادر
- الموسوعة العربية
المراجع
- J.M.ASHWORTH, Cell Differenciation (Edward Arnold, London 1977). - N. McLEAN, The Differenciation of Cell (Chapman & Hall, London 1975).
المصادر: | |
منطقات متعلقة: | | Stem cell line | |