دستور

القانون

الدستور constitution، هوالمادة التي من خلالها تستوحى الأنظمة والقوانين التي تسير عليها الدولة لحل القضايا بأنواعها.

تعريفات

يعهد الدستور على أنه مجموعة القواعد التي تنظم تأسيس السلطة وانتنطقها وممارستها، أي تلك التي تتعلق بالتنظيم السياسي». أوأنه «وثيقة أساسية أقرتها سلطة خاصة وفق إجراءات خاصة لتحديد وتنظيم شؤون الحكم وعلاقته مع المواطنين.

وهوأيضا القانون الاسمى بالبلاد وهويحدد نظام الحكم في الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث وتلتزم بة جميع القوانين الأدني مرتبة في الهرم التشريعي فالقانون يجب حتىقد يكون متوخيا للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب ان تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة اذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي تعبير واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية اذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية.

وحدثة دستور ليست عربية الأصل ولم تذكر القواميس العربية القديمة هذه الحدثة ولهذا فإن البعض يرجح أنها حدثة فارسية الأصل دخلت اللغة العربية عن طريق اللغة الهجرية، ويقصد بها التأسيس أوالتكوين أوالنظام.

وفي المبادئ العامة للقانون الدستوري يعهد الدستور على أنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق جميع من الحكام والمحكومين فيها، والواضعة للأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة، أوهوموجز الإطارات التي تعمل الدولة بمقتضاها في مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية.


نشأة الدساتير

تعبّر هذه الأساليب عن فوز إرادة الشعوب وانتنطق السيادة من الحاكم إلى الأمة أوالشعب الذي أصبح وحده صاحب السيادة في الدولة, ولهذا فإن دساتير هذه الفترة تتميز بطابعها الديمقراطي, نظراً لانفراد الشعب بممارسة السلطة التأسيسية الأصلية, حيث يتولى بمفرده ــ ودون تدخّلٍ أومشاركةٍ من جانب الحكَّام ــ وضع تنظيمه الدستوري الذي يرتضيه, ويلتزم بقواعده أفراد الجماعة حكَّاماً ومحكومين على السواء .

وقد جرى العمل على إتباع أحد أسلوبين لوضع الدساتير في ضوء احتكار الأمة أوالشعب للسلطة التأسيسية، فإما حتى يتم وضع الدستور من قبل هيئة منتخبة من الشعب يطلق عليها اسم الجمعية التأسيسية، وإما حتى يتم طرح مشروع الدستور على الشعب في استفتاء عام لأخذ موافقته عليه، وهوما يطلق عليه اسم الاستفتاء التأسيسي.

أسلوب الجمعية التأسيسية

يعتبر أسلوب الجمعية التأسيسية هوأحد الأساليب الديمقراطية المتبعة في وضع وانشاء الدساتير، من خلال بيان مضمون هذا الأسلوب، والأسس الفكرية التي يستند إليها، وانتشار هذا الأسلوب، وأنواع الجمعيات التأسيسية، وأخيراً تقدير هذا الأسلوب، وذلك وفق الآتي:

مضمون أسلوب الجمعية التأسيسية

تعود أصول فكرة الجمعية التأسيسية L'assemblée constituante إلى مبدأ سيادة الأمة Le principe de la souveraineté nationale، الذي ينكر حتى تكون السيادة في الدولة لغير الأمة، وتعتبر هذه الفكرة في جوهرها تطبيقاً حقيقياً لنظام الديمقراطية التمثيلية أوالنيابية La démocratie représentative.

ومن مقتضى هذا الأسلوب الديمقراطي في وضع الدساتير حتى تقوم الأمة صاحبة السيادة ومصدر جميع السلطات, بتفويض ممارسة سيادتها لممثّلين عنها ( وهؤلاء يشكِّلون هيئةً يُطلق عليها اسم المجلس التأسيسي أوالجمعية التأسيسية أوالمؤتمر الدستوري ) يتولون باسمها ونيابةً عنها وضع قواعد نظام الحكم في البلاد, بحيث يُعدّ الدستور الذي يصدر عن هذه الهيئة المنتخَبة الممثِّلة للأمة وكأنه صادرٌ عن الأمة بمجملها, وعلى ذلك يكتمل الدستور ويصبح نافذاً بمجرد وضعه وإقراره من قبل هذه الهيئة، ما دامت الأمة قد فوَّضتها بذلك, مما لا يحتاج بعد ذلك عرض وثيقة الدستور على الشعب لاستفتائه فيها أوأخذ موافقته عليها, إذ أنه بمجرد إقرار الهيئة المذكورة للوثيقة الدستورية في صيغتها النهائية, تصبح هذه الوثيقة نافذةً ودون حتى يتوقف ذلك على إقرارٍ من أي جهةٍ كانت.

الأسس الفكرية التي يستند إليها أسلوب الجمعية التأسيسية

كان لفلاسفة القانون الطبيعي وكتَّاب القرن الثامن عشر فضل الدعوة إلى هذا الأسلوب الديمقراطي في وضع الدساتير, فقد اعتبروا الدستور بمثابة تحقيقٍ لفكرة العقد الاجتماعي la Contrat social الذي ينشئ الجماعة السياسية ويؤسِّس السلطة العامة فيها, ومن ثم لا يمكن حتىقد يكون الدستور إلا من وضع جميع أفراد الجماعة, أي من خلق الشعب في مجموعه, لا من خلق فئة معينة منه . كما أنهم نادوا بالأخذ بهذا الأسلوب وضرورة جعل الدستور من خلق الشعب بحجة حتى الدستور هومصدر السلطات العامة جميعاً بما فيها السلطة التشريعية . ويترتب على ذلك عدم إمكان إصدار الدستور بواسطة السلطة التشريعية, لأن هذه الأخيرة تستمد سلطتها ووجودها من الدستور, ومن ثم لا يجوز لها حتى تضع الدستور أوحتى تعدله, فهل يعقل حتى تقوم هذه السلطة التي يؤسِّسها الدستور ويهبها الحياة, حتى تقوم هي بوضعه ؟! ومن ذلك يخلص هؤلاء الكُتَّاب والفلاسفة إلى ضرورة إتباع وسيلة الجمعية التأسيسية التي تختارها الأمة خصيصاً لوضع الدستور( ).

انتشار أسلوب الجمعية التأسيسية

تُعدّ المستعمرات الأمريكية الشمالية الثائرة ضد الاستعمار الإنجليزي أول من أخذ بهذا الأسلوب في وضع دساتيرها عقب استقلالها عن التاج البريطاني في عام 1776, حيث قامت معظم هذه الولايات بانتخاب جمعية نيابية عُرفت باسم Convention ( أي المؤتمر ) من أجل وضع الدستور الخاص بها, ثم صدر بعد ذلك دستور الاتحاد الفيدرالي عام 1787 بنفس الأسلوب, أي بواسطة جمعية نيابية منتخبة من الشعب الأمريكي اجتمعت في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا وأصدرت الدستور الحالي للولايات المتحدة الذي اتى في مقدمته: ﴿ نحن شعب الولايات المتحدة, رغبةً منا في إنشاء اتحادٍ أكثرَ كمالاً، وفي إقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشهجر، وتعزيز الخير العام وتأمين نِعَم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية ﴾, وقد أطلق على الجمعية النيابية التي تولت وضع الدستور الاتحادي اسم ﴿ مؤتمـر فيلادلفيا الدستوري ﴾ Philadelphia Constitutional Convention . وقد انتقل هذا الأسلوب من الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية في عام 1789, وذلك عند وضع أول دساتير الثورة في عام 1791, ثم أخذت به أيضاً في وضع دستورَيْ سنة 1848 وسنة 1875, غير حتى الجمعيات المنتخبة التي كانت تمارس نيابةً عن الشعب الفرنسي صلاحية السلطة التأسيسية ( أي مهمة وضع أوتعديل الدستور) كانت تعهد اصطلاحاً باسم "الجمعية التأسيسية" Assemblée constituante بدلاً من اسم "المؤتمر" Convention الذي كانت تستخدمه الولايات الأمريكية.

كما شاع استخدام أسلوب الجمعية التأسيسية خارج فرنسا, فطبقته بلاد كثيرة عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية, فأخذ به دستور فيمار الألماني في سنة 1919, والدستور النمساوي في سنة 1920, والدستور الاسباني في سنة 1931, والدستور الياباني في سنة 1947، والدستور الإيطالي في سنة 1947، والدستور الهندي في سنة 1949 .

ومن دساتير الدول العربية التي صدرت وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية نذكر على سبيل المثال : دستور الجمهورية السورية الصادر في سنة 1950, وكذلك الدستور الحالي للجمهورية التونسية الصادر في سنة 1959.


أنواع الجمعيات التأسيسية

الجمعيات التأسيسية ليست كلها على نمط واحد, إذ يمكن التمييز ـ من زاوية المهمة الموكلة إليها ـ بين نوعين رئيسيين لهذه الجمعيات:

الجمعيات التأسيسية على النمط الأمريكي

الجمعيات التأسيسية على النمط الأمريكي L'assemblées constituante de type américain ، وهي الجمعيات التي ينحصر عملها في وضع الدستور فقط, دون حتى تملك الحق في مباشرة أي صلاحيات أخرى, وبوجه خاص صلاحيات السلطة التشريعية, وبمعنى آخر, فهي ﴿جمعيات تأسيسية مخصَّصة ﴾ Assemblées constituante ad hoc , يتم إنشاؤها لغرض محدّد بالذات ألا وهووضع الدستور, وينتهي دورها وتزول من الوجود بمجرد انتهاء عملها وإنجاز المهمة الموكلة إليها, ومثالها مؤتمر فيلادلفيا la convention de Philadelphie الذي تولى وضع الدستور الفيدرالي للولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1787.

ولاشك حتى هذا النوع من الجمعيات التأسيسية له فوائدٌ تُحْمَد, فمن ناحية أولى يتيح هذا المجال للجمعية التأسيسية فرصة الهجريز في عملها, مما يوفّر لمشروع الدستور الذي تقوم بإعداده ما يستحقه من تأمّلٍ, وما يحتاجه من بحثٍ ودراسة, كما أنَّ اقتصار عمل الجمعية التأسيسية على وضع الدستور يجنبنا مخاطر الاستبداد الذي ينجم عن هجريز السلطات la concentration des pouvoirs بيد أعضاء الجمعية, وهجرهم يعملون ما يشاؤون تحت شعار كونهم نواباً عن الأمة.

الجمعيات التأسيسية على النمط الفرنسي

الجمعيات التأسيسية على النمط الفرنسي L'assemblées constituante de type français، وهي تلك الجمعيات التي لا ينحصر عملها في مجرد وضع الدستور, بلقد يكون لها وظيفة مضاعفة, حيث تتولى من ناحية أولى مهمة وضع دستور البلاد, وتقوم من ناحية أخرى بمباشرة اختصاصات السلطة التشريعية من سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة .

ونقابل مثل هذا النوع من الجمعيات ـ بصورة أساسية ـ في أعقاب قيام الحركات الثورية,حيث يسند للجمعية التأسيسية ـ بسبب التغيير الجذري الكامل الذي تحدثه الثورة في بنية المجتمع ـ ليس فقط وضع الدستور للبلاد, وإنما أيضاً مباشرة اختصاصات السلطتين التشريعية والتطبيقية ريثما يتم تشكيل السلطات المتنوعة في الدولة بعد وضع الدستور الجديد, ولذا توصف مثل هذه الجمعيات بأنها ﴿جمعيات تأسيسية عامة ﴾, وهوالأسلوب التقليدي المتبع في فرنسا.

وجدير بالذكر حتى هذا النوع من الجمعيات التأسيسية التي تمارس وظيفة مزدوجة, له مضارٌ لا تُحمد عقباه, فمن ناحية أولى, يمكن حتى يشتّت الدور الإضافي الذي تنهض به الجمعية التأسيسية جهودها ويؤخّر بالتالي انجازها لعملها الأساسي المتمثل في وضع الدستور وإقراره, ومن ناحية أخرى فإن هجريز السلطات التشريعية والتأسيسية بين أيدي نفس الأشخاص قد يؤدي إلى ديكتاتورية الجمعية la dictature d'une assemblée.

وهذه الحقيقة غير خافيةٍ على أحد, فطبيعة النفس البشرية أثبتت عبر القرون, ومن خلال التجارب المستمرة, حتى الاستبداد قرين الاستئثار بالسلطة, فليس أخطر على الحرية, وأقرب إلى الطغيان والاستبداد من جمع السلطات وهجريزها في يدٍ واحدة, ولوكانت هذه اليد هي قبضة الشعب نفسه, أومجلس منبثق عنه. وقد أثبت التاريخ جديَّة هذه المخاوف, وحسبنا هنا حتى نشير إلى تلك الجمعية التأسيسية التي انتخبت في فرنسا في عصر الثورة وعهدت باسم شهير La Convention Nationale, وقد جمعت في قبضة يدها فضلاً عن السلطة التأسيسية ( سلطة وضع الدستور ) السلطتين التشريعية والتطبيقية, وقد اتخذت من الإجراءات الاستبدادية ما لا يُعهد له مثيل في تاريخ الملوك والقياصرة المستبدين, وكذلك كان شأن الجمعية التأسيسية التي انتخبت في فرنسا عام 1848 إذ كانت بيدها أيضاً سلطة دكتاتورية, من أجل ذلك كان بعض أساتذة الفقه الدستوري الفرنسي يحاربون فكرة انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد ( وهودستور الجمهورية الفرنسية الرابعة لعام 1946 ) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

تقدير أسلوب الجمعية التأسيسية

أن هذا الأسلوب على الرغم من أنه يعدّ تطبيقاً سليماً للديمقراطية النيابية, إلا أنه يؤخذ عليه أنه يؤدي إلى تحجيم دور الشعب وحصره في إطارٍ ضيق يقتصر على المساهمة السلبية التي لا تتجاوز اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية دون حتى يتدخل الشعب في تحديد اتجاهات الجمعية أوالتأثير بالإيجاب في مضمون الدستور الذي يتحدد مصيره بالكامل من قبل أعضاء الجمعية النيابية المنتخبة .

ولا يقلّل من هذه المخاوف حتى انتخاب الشعب لأعضاء الجمعية إنما يتم على أساس اتجاهاتهم المعلنة بالنسبة للمبادئ التي تحكم التنظيم الدستوري, لأن هذه الاتجاهات فضلاً عن كونها التزاماً أدبياً واهياً, فإنها تنصب على العموميات دون النظر إلى التفصيلات؛ وهوما يؤكّد حتى الدستور يتم وضعه بعيداً عن رقابة الشعب الذي يعطي الجمعية تفويضاً على بياض . ومما يزيد الأمر خطورةً, حتى انتخاب الجمعية التأسيسية خاصةً في الدول الحزبية يفترض أن تحكمه ذات الأسس التي تسيطر على الانتخابات التشريعية, مما قد يؤدي إلى تحويل الجمعية التأسيسية من هيئة يُفترض فيها الحياد وغَلَبة الطابع الفني إلى جماعةٍ تسيطر عليها النزعات السياسية, ويحكم سير العمل فيها الاتفاقات الحزبية التي تستهدف تحقيق مصالحٍ وأهدافٍ ذات طابعٍ حزبيّ ضيّق.

وتجدر الإشارة إلى حتى الفقه الدستوري يحتاج توافر شروط معينة لعدّ الدستور الذي تضعه الجمعية التأسيسية ديمقراطياً, وهذه الشروط تتمثل في الآتي:

1 ــ يجب حتى تكون الجمعية التأسيسية منتخبة بواسطة الشعب, لا حتى يُعيَّن أعضاؤها من قبل الحكومة أوقادة الانقلاب .

2 ــ يجب حتىقد يكون الانتخاب ديمقراطياً, وبمعنى آخر يجب حتى يتم انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية وفقاً لمبادئ الاقتراع العام, الحُرّ, المتساوي, السري, المباشر ( أي على درجة واحدة ), كما يجب حتى يتم فرز وإحصاء الأصوات الانتخابية المدلى بها في صناديق الاقتراع تحت إشراف ورقابة القضاء. ولهذا قيل بأن سلامة هذا الأسلوب ( أسلوب الجمعية التأسيسية ) تتوقف على صحة العملية الانتخابية ودقة التمثيل النيابي .

3ـ ولكيقد يكون الانتخاب حراً بالمعنى السليم, فإنه من الضروري حتىقد يكون هنالك خيارات متعددة أمام الناخبين . وهذا ما توفّره الأحزاب السياسية les partis politiques في الدول الديمقراطية. وهوما يعني إتاحة الفرصة أمام جميع الأحزاب السياسية القائمة ـ دون استثناء ـ للمشاركة في عملية انتخاب الجمعية التأسيسية .

4 ـ يجب حتى تكون الحريات العامةles libertés publiques في الدولة مصانة ومكفولة, وإلاَّ فإنَّ اشتراك الأحزاب السياسية المتنوعة في الانتخابات سيكون بلا معنى, لأن هذه الانتخابات ستجرى في جوٍ من القمع والكَبْت للحريات .

5ـ وبالإضافة إلى ما سبق, ينبغي على الجمعية التأسيسية ـ التي تتوافر فيها الشروط التي ذكرناها آنفاً ـ حتى تمارس عملها بحريّةٍ وحيادٍ تامّين, أي حتى تكون بمنأى عن جميع الضغوطات السياسية les pressions politiques التي قد تؤثر في عملها .


أسلوب الاستفتاء التأسيسي

إنَّ الديمقراطية في معناها الحرفي تعني "حكم أوسلطة الشعب"؛ ولهذا فقد عرَّفها البعض بأنها « حكم الشعب بالشعب وللشعب », وهوما يعني حتى الشعب في الحكومات الديمقراطية هوصاحب السيادة ومصدر جميع السلطات فيها, وهذا يستلزم بطبيعة الحال حتى يباشر الشعب بنفسه وبشكلٍ مباشرٍ جميع مظاهر السيادة.

ولمَّا كانت هنالك صعوبات تقنية أوفنية des difficultés techniques تحول دون تطبيق نظام « الديمقراطية المباشرة » في دول عالمنا المعاصر, فكان لا بد من الالتاتى إلى نظام آخر بديل, فكان نظام «  الديمقراطية النيابية », الذي من مقتضاه حتى يقوم الشعب صاحب السيادة بإلقاء عبء الحكم ومباشرة السلطة على هيئات يختارها, ويهجر لها مباشرة تلك السلطة, فالشعب هنا لا يُقرّر بنفسه, وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين سيقرّرون باسمه ونيابةً عنه . وقد كان أسلوب الجمعية التأسيسية ــ السابق دراسته ــ تطبيقاً حقيقياً للنظام النيابي « الديمقراطية النيابية », غير حتى هذا النظام الأخير تعرَّض لانتقاداتٍ كثيرةٍ, نظراً لأنه يبتعد كثيراً عن ﴿ المَثَل الأعلى للديمقراطية التي تفترض ممارسة الشعب لسيادته بنفسه ﴾ « l'idée démocratique exige que le peuple exerce lui-même sa souveraineté ».

ولذلك تلجأ بعض الأنظمة الديمقراطية الحديثة إلى إشراك الشعب إشراكاً عملياً في ممارسة السلطة . وتحقيقاً لهذه الغاية, تقوم هذه الأنظمة أساساً على الأخذ بالنظام النيابي (الديمقراطية النيابية) مع الرجوع إلى الشعب في بعض الأمور المهمة كي يمارسها بنفسه مباشرة, فتُبقي على الهيئات النيابية المنتخبة من الشعب والتي تمارس السلطة باسم الشعب, مع الأخذ ببعض مظاهر (الديمقراطية المباشرة) التي تجعل السلطة في يد الشعب يمارسها بنفسه؛ وهذا هوالنظام الوسط الذي يجمع بين الديمقراطية النيابية والديمقراطية المباشرة, ولذلك يسمى بنظام « الديمقراطية شبه المباشرة » .

وحاصل القول, أنه نتيجةَ استحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة, وبسبب العيوب التي شابت الديمقراطية النيابية, برزت فكرة « الديمقراطية شبه المباشرة » التي تُشرك الشعب في ممارسة السلطة بجوار الهيئة النيابية المنتخبة, وتجعله رقيباً عليها, وعلى السلطة التطبيقية عن طريق مظاهر معينة.

ومن أبرز مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة « الاستفتاء الشعبي », الذي يتنوع من حيث الموضوع المعروض على التصويت الشعبي إلى ثلاثة أنواع هي: ( الاستفتاء الدستوري Constitutional Referendum, والاستفتاء التشريعي Legislative Referendum, والاستفتاء السياسي Political Referendum ).

ويتضح من التعريف السابق حتى الاستفتاء الدستوري ينقسم إلى قسمين : « استفتاء تأسيسي » يتعلق بوضع دستور حديث للدولة, و« استفتاء تعديلي » يتصل بتعديل الدستور القائم, سواء بالتغيير في بعض مواده أوبالإضافة أوالحذف . ولمَّا كان النوع الثاني (الاستفتاء التعديلي) يتصل بموضوع تعديل الدساتير, فإننا سنقصر حديثنا هنا على (الاستفتاء التأسيسي), وذلك من خلال بيان مضمون هذا الأسلوب, وانتشاره, وتقديره كواحد من الأساليب الديمقراطية المتبعة في وضع الدساتير .

مضمون أسلوب الاستفتاء التأسيسي

يجمع الفقه الدستوري على حتى الاستفتاء التأسيسي Le referendum constituent يُعدّ من أكثــــر الأساليب الديمقراطيــة التي تتبعها الدول المعــاصرة في وضع دساتيرهــا وقواعد نظام الحكم فيها؛ وتعود أصول فكـرة الاستفتاء التــأسيسي إلى « مبدأ السيادة الشعبية » Le principe de la souveraineté populaire .

وتعتبر فكرة الاستفتاء التأسيسي من أهـم مظـاهر أوتطبيقات نظام « الديمقـراطية شبه المباشرة ». وقد ثبت من خلال التجربة حتى أسلوب الاستفتاء التأسيسي قد استُخدم بهدف أخذ رأي الشعب إما في مسألة جوهرية يتوقف عليها وضع الدستور, كما وقع في إيران بعد فوز الثورة الإسلامية فيها بالنسبة للاستفتاء العام الذي جرى في آذار سنة 1979 بخصوص تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية, أوفي إقرار مشروع دستور تضعه جمعية تأسيسية منتخبة (كما وقع بالنسبة لدستور الجمهورية الفرنسية الرابعة لعام 1946)أولجنة حكومية (كما وقع بالنسبة لدستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لعام 1958).

ويمكن تعريف الاستفتاء التأسيسي بأنه ﴿ ذاك الاستفتاء الذي ينصبّ على مشروع دستور معين لحكم الدولة, فيأخذ المشروع صفته القانونية ويصدر إذا وافق عليه الشعب, وإذا رفضه زال ما كان له من اعتبار بصرف النظر عمَّن قام بوضعه ولوتعلَّق الأمر بجمعية تأسيسية منتخبة من الشعب ﴾.

وعلى ذلك, يمكن القول بأن أسلوب الاستفتاء التأسيسي يمرّ بمرحلتين :الفترة الأولى, هي فترة إعداد مشروع الدستور, ويتولى القيام بهذه المهمة إما جمعية تأسيسية ينتخبها الشعب أولجنة فنية تعيّن الحكومة أعضاءها. ويعدّ ما تضعه هذه الجمعية أوتلك اللجنة من قواعد نظام الحكم في الدولة مجرد مشروع للدستور يفتقر إلى صفَتَيْ النهائية والنفاذ. والفترة الثانية, هي فترة سريان ونفاذ الدستور , وتبدأ هذه الفترة بمجرد اقتران مشروع الدستور بموافقة الشعب بعد عرضه عليه في استفتاء عام .

وبذلك يكمن الفرق بين أسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الدستوري التأسيسي : فإذا كان الشعب بموجب الأسلوب الأول لا يُقرّر بنفسه دستوره, وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين سيقرّرون باسمه ونيابةً عنه دستور البلاد؛ فإن الشعب بموجب الأسلوب الثاني هوالذي يقرر دستوره بنفسه من خلال الموافقة أوعدم الموافقة على مشروع الدستور المعروض عليه؛ ويترتب على ذلك نتيجة مهمة مفادها حتى الدستور ــ الذي يوضع وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية ــ يستكمل وجوده قانوناً ويصبح نافذاً بمجرد إقراره في صيغته النهائية من قبل الهيئة المنتخبة الممثِّلة للأمة, ودون حتى يتوقف ذلك على إقرارٍ من أي جهةٍ كانت, في حين حتى الدستور ــ الذي يوضع وفقاً لأسلوب الاستفتاء التأسيسي ــ لا يستكمل وجوده قانوناً ولا يصبح نافذاً إلا إذا أقرَّه الشعب في استفتاءٍ عام .

انتشار أسلوب الاستفتاء التأسيسي

بدأت فكرة الاستفتاء التأسيسي بالظهور مع حركة تدوين الدساتير في بعض المستعمرات الأمريكية الشمالية عقب استقلالها عن بريطانيا العظمى في عام 1776, ولم يكن يُنظر آنذاك إلى الاستفتاء الشعبي على أنه مجرد وسيلة فنية ممكنة لوضع الدساتير, وإنما كتعبير مباشر عن ممارسة فكرة السيادة الشعبية. ففي عام 1778, قام المجلس التشريعي المحلي Provincial Assembly لولاية ماساشوستس State of Massachusetts ــ تحت ضغط المزارعين والبلدات الواقعة غرب الولاية ــ بإعداد دستورٍ عرضه على التصويت الشعبي لإبداء الرأي فيه, فرفضه الشعب, لأن المجلس التشريعي هومن قام بإعداد وثيقة الدستور, وكان من المفترض حتى يقوم بهذه المهمة مؤتمر خاص Special Convention يُنتخب خصيصاً لهذا الغرض, وليس المجلس التشريعي, ولهذا سُحِبَ مشروع الدستور, وقام الشعب بانتخاب مؤتمر دستوري Constitutional Convention تولى وضع دستور جديد, وافق عليه الشعب في استفتاء عام جرى في حزيران 1780.

وتأكَّد ظهور الاستفتاء التأسيسي كوسيلة من الوسائل الديمقراطية لوضع الدساتير بصورة واضحة في الإعلان الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الفرنسية المعروفة باسم La Convention Nationale في أولى جلساتها بتاريخ 21 أيلول عام 1792, وقرَّرت فيه حتى « لا وجود لأي دستور إلا ذلك الذي يقبله الشعب », وتطبيقاً لهذا الإعلان خضع للاستفتاء الشعبي دستور 24 حزيران لسنة 1793, ودستور رقمخمسة فريكْتدور للسنة الثالثة لإعلان الجمهورية, ودستور 22 فريمير للسنة الثامنة, ثم تحول الاستفتاء بعد ذلك من حيث الواقع ــ خلال الإمبراطوريتَيْن الأولى والثانية, وفي ظل دستور سنة 1870 ــ إلى استفتاء شخصي أواسترآس Plébiscite يُطلب فيه من الشعب التعبير عن ثقته في إنسان رئيس الدولة وفي النظام السياسي الذي يقترحه . ثم عاد الاستفتاء إلى الظهور في صورته الحقيقية في دستورَيْ الجمهوريَّتَيْن الرابعة لعام 1946 والخامسة لعام 1958.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 والاستفتاء التأسيسي آخذ في الانتشار في بلاد العالم المتقدِّم والمتخلِّف على السَّواء, خاصة تلك التي نشأت من تفكّك إمبراطوريات ما قبل هذه الحرب, فقد قام على أساسه دستور جمهورية فيمار Weimar Republic الألماني لسنة 1919, ودستور اسبانيا لسنة 1920, ودستور النمسا لسنة 1920, ودستور ايرلندا الحرة لسنة 1937, وكافة الدساتير الجمهوريَّة في مصر وآخرها الدستور الحالي لسنة 1971 الذي نص في المادة رقم/193/ منه على أن : « يُعمل بهذا الدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء ».

ومن الدساتير الحديثة التي صدرت وفقاً لأسلوب الاستفتاء الدستوري, دستور الاتحاد الروسي (روسيا الاتحادية) الذي وافق عليه الشعب في استفتاء عام جرى في كانون الأول سنة 1993, وقد اتى في القِسم الثاني من هذا الدستور ( بعنوان الأحكام الختامية والانتنطقية, حتى « دستور الاتحاد الروسي سيدخل حيز التطبيق لحظة نشره بصورة رسمية عقب إعلان نتائج الاستفتاء العام, كما حتى اليوم الذي سيجري فيه الاستفتاء في عموم البلاد ـ وهو12 كانون الأول 1993 ـ سيكون هوتاريخ تبني دستور الاتحاد الروسي ».

وكذلك أيضاً دستور الاتحاد السويسري لسنة 1999 ( وهوالذي حلَّ محل الدستور الاتحادي الصادر في 29/5/1874 ), الذي أقرَّ مسودته البرلمان الاتحادي في 18 كانون الأول عام 1998, ثم وافق عليه الشعب السويسري ( بأغلبية 59% "نعم" لقاء 41% "لا" ) في استفتاء عام جرى بتاريخ 18 نيسان سنة 1999, ودخل حيز التطبيق في الأول من كانون الثاني سنة 2000 ( )؛ كما حتى دستور جمهورية العراق الدائم لسنة 2005 صدر وفقاً لهذا الأسلوب, حيث نص في المادة /143/ منه على حتى « يُعدّ هذا الدستور نافذاً, بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام, ونشره في الجريدة الرسمية, وتشكيل الحكومة بموجبه » .

أما بالنسبة لطريقة وضع دستورنا الحالي الصادر في سنة 1973, فيمكن القول بأنه وضع بطريقةٍ ديمقراطيةٍ, فبناءً على طلبٍ من رئيس الجمهورية الراحل حافظ الأسد " رحمه الله "، شُكِّلت في 26 آذار عام 1972 لجنة برئاسة فهمي اليوسفي رئيس مجلس الشعب مهمتها وضع مشروع دستور دائم للبلاد . وخلصت هذه اللجنة بعد دراسةٍ استغرقت مدة عامٍ كاملٍ تقريباً، إلى وضع مشروع دستور الجمهورية العربية السورية، ثم عرض على مجلس الشعب, فأقرَّه بعد مناقشاتٍ طويلة،في جلسته المنعقدة بتاريخ 30/1/1973 وتاريخ 20/2/1973 .

وبتاريخ 3/3/1973 أصدر رئيس الجمهورية المرسوم رقم/199/ المتضمن دعوة المواطنين للاستفتاء على الدستور المذكور بتاريخ 12/3/1973 وفقاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم/8/ تاريخ 1/3/1973 الناظم لأحكام الاستفتاء, وبعد حتى اقترن الدستور بتأييد أغلبية ساحقة من هيئة الناخبين ــ وفقاً لنتيجة الاستفتاء المعلنة بقرار وزير الداخلية رقم 166/ ن تاريخ 13/3/1973 ــ أصدر رئيس الجمهورية المرسوم رقم /208/ القاضي بنشر الدستور في الجريدة الرسمية واعتباره نافذاً من تاريخ 13/3/1973.

تقدير أسلوب الاستفتاء التأسيسي

لا شك حتى الاستفتاء الدستوري التأسيسي يعد أكثر الوسائل ديمقراطيةً في وضع الدساتير, فهوأصدق الأساليب تعبيراً عن الرأي الحقيقي للشعب, وبالتالي يفضل على أسلوب الجمعية التأسيسية, لأن النواب في هذه الحالة قد يحلون إرادتهم محل إرادة الجماهير الشعبية, وقد لا يحسنون التعبير عن الإرادة الحقيقية للشعب .

غير أننا نعتقد حتى الاستفتاء الذي يرى فيه بعض الساسة ورجال الفقه الدستوري ــ إنْ صدقاً أونفاقاً ــ أنه قمَّّة الديمقراطية, هوفي حقيقة الأمر سلاح خطير ذوحدين؛ ففي الدول المتقدمة التي تمارَس فيها الديمقراطية ممارسةً جادّة, وتتعدد فيها الأحزاب السياسية ذات الجذور الشعبية, وتتمتع فيها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى بالقدر الكافي من الحرية, يعتبر الرجوع إلى الشعب لاستفتائه في أمر من الأمور تأكيداً لمفهوم الديمقراطية وإعمالاً لها . أما في الدول المتخلفة, أوالتي مازالت تفتقد الوعي السياسي لسببٍ أولآخر كانتشار الأمية فيها, أولعدم تمرُّسها على الحكم الديمقراطي, أولحرمانها منه طويلاً, وحيث تحتكر الدولة فيها الصحافة وسائر وسائل الإعلام وتملك توجيهها كيفما تشاء, فإن الالتاتى إلى الاستفتاء في مثل هذه الدول كثيراً ماقد يكون هوالسبيل إلى مزيد من الحكم المطلق أوإلى مزيد من الانتقاص من الحريات العامة باسم الديمقراطية والإرادة الشعبية المزعومة!!

والواقع حتى غرابة نتائج الاستفتاءات التي تجري في دول العالم الثالث عموماً, تثير التساؤل عن جدوى هذه الاستفتاءات, وتدعوإلى الدهشة إذ كانت تربوفي معظم الأحيان على نسبة 95 % ؛ ومن هنا, فإننا نعتقد حتى وسيلة الاستفتاء الشعبي في هذه الدول لا تعتبر وسيلة معبِّرة بصدق عن رأي الشعب؛ فتاريخ الاستفتاء في هذه الدول يؤكّد أنه كان يطبَّق كمظهرٍ بلا جوهر لإضفاء نوعٍ من الشرعية الصوريَّة على موضوعه. ولهذا يطلق بعض الفقهاء الفرنسيين على هذا النوع من الاستفتاءات اصطلاحLe Plébiscite Constituent أي « الاستفتاء السياسي » تمييزاً له عن « الاستفتاء التأسيسي » Le Referendum Constituent؛ فالاستفتاء السياسي إذن يستخدم لاستفتاء الشعب في مسألة تتصل بوضع الدستور بصورة تجعل من المحتَّم على الشعب حتى يُقرّ ما يُسْتَفتى فيه, فالسيادة الشعبية هنا لا تلعب دوراً إيجابياً, بل سلبياً, وهي لا تقرّر شيئاً, بل تقبل ما يُعرض عليها في ظروفٍ كثيراً ما يتعذَّر عليها فيها حتى تتصرف على نحوٍ آخر, ولهذا يطلق عليه البعض اسم « التصديق الشعبي ».

وعلى ذلك, فإن المعيار الحاسم للقول بأن دستوراً ما قد وضِعَ بأسلوب الاستفتاء الدستوري أوالتأسيسي وليس بأسلوب التصديق الشعبي أوالاستفتاء السياسي، لا يعتمد على التسمية التي تعطيها له السلطة الحاكمة, إذ قد تعمد هذه السلطة إلى تجنّب استخدام اصطلاح الاستفتاء السياسي رغم انطباقه على مضمون الاستفتاء المراد اللجوء إليه, كما أنه لا يعتمد أيضاً على الجهة أوالهيئة التي تولت وضع مشروع الدستور المطروح على التصويت الشعبي ( هل هي جمعية تأسيسية منتخبة، أولجنة حكومية، أوحتى الحاكم نفسه ), وإنما يعتمد بشكل أساسي على الظروف الواقعية التي جرت فيها عملية الاستفتاء, فنقول إذا هناك استفتاء دستوري أوتأسيسي إذا كانت إرادة الشعب حرة في الموافقة أوعدم الموافقة على مشروع الدستور المعروض عليه، ونكون أمام استفتاء سياسي أوتصديق شعبي إذا كانت إرادة الشعب مسلوبةً أوغير حرةٍ، بحيث يوضع الدستور في ظروف تُحتّم على الشعب الموافقة شبه التلقائية .

ولهذا , فإن الفقه الدستوري في غالبيته متفقٌ على حتى الاستفتاء حتىقد يكون ــ بحقّ ــ الأسلوب الديمقراطي الأمثل لوضع الدساتير, فإنه من الضروري حتى تتوافر له المقومات أوالضمانات التي تحقق له هذه الأفضلية على غيره من الأساليب المتبعة في وضع وإنشاء الدساتير, وهذه المقومات أوتلك الضمانات تتمثل في الآتي:

1ـ حتى يجري الاستفتاء في مجتمع سياسيقد يكون فيه الأفراد على درجة مناسبة من الوعي والنضج السياسي تسمح لهم بتفهم شؤونهم العامة, والاشتراك الجدي في مباشرة السلطة التأسيسية, والمساهمة الفعَّالة والإيجابية في وضع قواعد نظام الحكم في الدولة. فليس من المقبول استفتاء شعب أُمّي لا يعهد حتى القراءة والكتابة وهي مفاتيح الفهم المعتادة بين الناس, إذ إذا الاستفتاء هوطلب الفتوى, ولا يتصوَّر حتى تُطلَب الفتوى من جاهلٍ لا فهم له.

2ـ يجب حتىقد يكون الاستفتاء مسبوقاً بمناقشات كافية لكل وجهات النظر من مختلف فئات الشعب وقطاعاته, وهذا يستلزم بطبيعة الحال حتى لا يُطلب من الشعب المشاركة في عملية الاستفتاء إلا بعد انقضاء فترة كافية على إعلان مشروع الدستور المقترح على الرأي العام بواسطة أجهزة الإعلام المتنوعة (كالصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والانترنت ... الخ), حتى تتاح الفرصة الكافية أمام المواطنين للإطلاع على مشروع الدستور المقترح للوقوف على ما ينطوي عليه من المزايا والعيوب .

3ـ يجب حتى يُجرى الاستفتاء في جوً من الديمقراطية السليمة, بحيث يتمتع فيه المواطنون بالقدر الكافي من الحريات العامة, خاصةً حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وحرية الاجتماع . وهذا يستلزم بطبيعة الحال إتاحة الفرصة أمام الجميع أفراداً وأحزاباً من الموالاة أوالمعارضة للتعبير عن آرائهم بحرية تامة, بعيداً عن أجواء الخوف والقمع . ولذلك لا يجوز استبعاد الاتجاهات المعارضة أواضطهادها أوحرمانها من حرية التعبير عن آرائها.

ولكي يستطيع الفرد حتى يُكَوِّن رأياً مستنيراً يتعيَّن حتى تكون وسائل الإعلام حرةً ومستقلة ومحايدة, حتى يستطيع حتى يزن الأمور بناءً على حقائق, أمَّا وضع رقابة على وسائل الإعلام أوجعلها تكتسي طابع الإرشاد والتوجيه والإقناع برأي واحد دون سواه, فمن شأنه حتى يحول دون الارتقاء بمستوى تفكير المواطنين, وتنمية الوعي السياسي لديهم, وزيادة قدرتهم على تحمّل المسؤولية, والاهتمام بالشؤون العامة .

4ـ وأخيراً, يجب لضمان نزاهة عملية الاستفتاء ذاتها, من حيث استعمال وسائل النادىية والإعلام, وحرية وسرية التصويت, وأمانة فرز وحساب الأصوات المعبَّر عنها في الاستفتاء لفهم نتيجته النهائية, حتى يجري الاستفتاء تحت إشراف ورقابة الهيئات القضائية في البلاد, أوعلى الأقل تحت إشراف جهات أوهيئات أخرى ــ محلية أوغير محلية ـ تكون مستقلة ومحايدة . فمِمَّا لا ريب فيه حتى تزييف نتائج الاستفتاء يُفقده كلَّ قيمةٍ حقيقية .

القانون الدستوري, دمشق, طبعة 2009, تأليف الدكتور حسن مصطفى البحري أستاذ القانون الدستوري بجامعة دمشق/كلية الحقوق.

أنواع الدساتير

تقسم الدساتير من حيث تدوينها أوعدم تدوينها إلى دساتير مدونة وغير مدونة، ومن حيث كيفية تعديلها إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة.

تختلف الدساتير وتتعدد أنواعها باختلاف الزاوية التي ينظر منها إلى تلك المجموعة التي تبين نظام الحكم ومظاهره في الدولة.

على حتى أبرز التقسيمات التي ينتهجها الفقه الدستوري في شرح أنواع الدساتير تنطلق من زاويتين، تتعلق الأولى بالكتابة وتُميز بين دساتير مكتوبة وعهدية، والثانية تتعلق بالثبات أوالتعديل وتميز بين دساتير جامدة ومرنة.

الدساتير العهدية

الدساتير المكتوبة والدساتير العهدية: كانت الأنظمة الدستورية قديماً بكليتها عهدية، ثم أخذت الشعوب تنتزع السلطة من حكامها انتزاعاً، وتضطرهم إلى إصدار الوثائق القانونية المكتوبة التي تضمن حرية الشعب وتكفل مشاركته في السلطة، وكانت هذه الوثائق مقصورة على ما يقابل النزاع بين الحاكم والمحكومين.

والدساتير العهدية constitution coutumiéres: هي الأحكام المتعلقة بتنظيم السلطات العامة وحريات الأفراد مما لم ينص عليه في قانون مكتوب، وإنما في التنطقيد والأعراف والسوابق.

الدساتير المكتوبة

الدساتير المكتوبة constitution ecrites: هي الدساتير المدونة والموضوعة من قبل سلطة تأسيسية مخصوصة لذلك، سواء صدرت بوثيقة واحدة، أوعدة وثائق.

الدساتير المدونة وغير المدونة

ماجنا كارتا.

يعتبر الدستور مدونا إذا كانت غالبية قواعده مكتوبة في وثيقة أوعدة وثائق رسمية صدرت من المشرع الدستوري.

الدساتير غير المدونة

وهي تعبير عن قواعد عهدية استمر العمل بها لسنوات طويلة حتى أصبحت بمثابة القانون الملزم وتسمى أحيانا الدساتير العهدية، نظرا لأن العهد يعتبر المصدر الرئيسي لقواعدها ، ويعتبر الدستور الإنجليزي المثال الأبرز على الدساتير غير المدونة لأنه يأخذ غالبية أحكامه من العهد، وبعضها من القضاء ، وان وجدت بعض الأحكام الدستورية المكتوبة مثل قانون سنة 1958 الذي جاز للنساء بأن يكن عضوات في مجلس اللوردات.


الدساتير المرنة

الدساتير المرنة: هي التي يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية أي بواسطة السلطة التشريعية وأبرز مثال لها هوالدستور الإنجليزي.

الدساتير الجامدة

هي التي يستلزم تعديلها إجراءات أشد من تلك التي تم بها تعديل القوانين العادية .


مقارنة بين أنواع الدساتير

وقد أحاطت بكلا النوعين اعتبارات ومزايا متباينة:

فالفقيه الألماني أيسمن Aiesman، يحدد أبرز الاعتبارات التي تدعوإلى كون الدستور مكتوباً بما يأتي:

ـ القانون المكتوب أفضل دائماً من العهد، ولذلك فإن الأحكام الدستورية، وهي أخطر القواعد الحقوقية يجب حتى تكون مكتوبة.

ـ إذا الدساتير أملتها السيادة القومية فهي في الواقع تجديد للعقد الاجتماعي، أوتعديل لبنوده، وينبغي حتى تعهد هذه التعديلات بوضوح عبر الكتابة.

ـ إذا الدساتير المكتوبة المنسجمة والواضحة هي أفضل طريقة لتعميم التربية السياسية في البلاد حيث يعهد المواطنون حقوقهم وواجباتهم.

ـ إذا الأعراف تكون في بدء نشأتها مضطربة غامضة، أما الكتابة فتمتاز بالصراحة والوضوح، ويضطر الحكام بالتالي للتقيد بالنصوص الدستورية المكتوبة، أما الأعراف فيسهل التهرب منها والتحايل عليها.

ويجدر بالذكر هنا حتى أول دستور مكتوب في العالم كان دستور فرنسة عقب ثورتها الكبرى وقد صدر في ثلاثة أيلول 1791م.

أما دُعاة الدساتير العهدية فقد حددوا مزاياها بأنها ليست من خلق رجل أومجلس، ولكنها من خلق التاريخ والوسط السياسي، فهي تنشأ معه، وتنمومُتّبعةً سُنّة التدرج والارتقاء، كما حتى هذه المرونة تستتبع الاستقرار، لأن التطور الهادئ الذي يحققه العهد من شأنه حتى يكفل للمؤسسات السياسية استقراراً لا تستطيع الكتابة كفالته.

يبقى القول إذا التمييز بين دساتير مكتوبة ودساتير غير مكتوبة، تقسيم نسبي فما من دستور إلا ويضم أحكاماً مكتوبة وأخرى غير مكتوبة، فالدستور الإنكليزي نموذج الدستور العهدي في العالم، يضم وثائق رسمية هامة، اعتبرت جزءاً لا يتجزأ منه، كالعهد الأعظم Magnacharta لعام 1215م، ووثيقة الحقوق Bill of rights لعام 1698م.

2- الدساتير الجامدة والدساتير المرنة: ومناط هذا التمييز ما يعهد بالسموالشكلي للدستور، الذي يكرس تفوق الدستور من الناحية الشكلية، ويجسد قدسيته وقيمته القانونية بإخضاع إصداره وتعديله لبعض القيود الشكلية تجعل المساس به أمراً عسيراً وكسبه بالتالي استقراراً خاصاً.

أما الدساتير المرنة constitution souples فهي التي يخضع تعديلها إلى ذات الإجراءات التي يجب اتباعها لتعديل القوانين العادية، فهذه الدساتير تستطيع الهيئة التشريعية بيسر وسهولة تعديلها أوإبطالها، وخير مثال لها الدستور الإنكليزي الذي يقوم على ضروب من الأعراف والسوابق والذي كثيراً ما يطالبه البرلمان بالتعديل، حتى قيل إذا البرلمان الإنكليزي قادر على عمل جميع شيء إلا حتى يقلب الرجل امرأة.

لكن هذا لا يعني حتى ثمة تلازماً بين الدستور العهدي، ومرونة الدستور أوجموده فالدساتير المرنة يمكن حتى تكون مكتوبة ويمكن حتى تكون عهدية.

كما أنه من الدساتير المرنة، الدساتير المكتوبة التي سكتت عن أسلوب تعديلها فعدم النص على آلية التعديل يفيد بإمكان تحقيقه كالقوانين العادية.

أما الدساتير الصلبة أوالجامدة constitution rigides وهي الطاغية في دول العالم فهي تلك التي لا يمكن تعديلها أوتنقيحها إلا باتباع إجراءات خاصة أكثر شدة وتعقيد من تعديل القوانين العادية.

ولابد من الإشارة إلى حتى صلابة الدستور لا تعني خلوده، فالغرض الأساسي من هذه الصلابة، كفالة الاستمرار والاستقرار للأحكام الدستورية، والنأيُ بها عن الأهواء السياسية والحزبية في المجالس التشريعية، بالنظر لخطورتها وعُلوها على سواها من قواعد قانونية، فالدستور من الناحية الحقوقية، قانون، والقانون بطبيعته صك دائم التطور، ومن الناحية السياسية يحدد تنظيم الدولة في ظروف سياسية واجتماعية معينة ومتى تعدلت هذه الظروف وجب تعديل أحكامه.

وقد اتى في دستور فرنسة الأول لعام 1791م: «أن الأمة لها الحق الذي لا يَبْلى في تغيير دستورها، لكن وفق الشكل الذي نص عليه الدستور».

ومع تقرير مبدأ تعديل الدساتير الصلبة بإجماع الفقه، بدر الخلاف حول السلطة المخولة هذا التعديل، فقد أنكر بعضهم وأشهرهم ڤاتيل Vattelعلى أعضاء الهيئة التشريعية حتى يعدلوا الدساتير، لأن المشترعون الأعضاء، يستمدون سلطتهم من الدستور ولا يستطيعون تعديله إلا بتهديم أساس سلطتهم، ونطق آخرون: إذا التعديل صلاحية معقودة للسلطة التي يعينها الدستور، وثم من نطق بأن الأمة تستطيع تعديل الدستور متى أرادت لأنها غير مقيدة بشيء وتستطيع حتى تتجاوز الأشكال التي يعينها الدستور، وبما حتى المجالس التشريعية تقوم مقام الأمة وتمثلها، فلها حق تعديل الدستور.

وقد ميز الفقه الدستوري في الدساتير الصلبة بين نصوص يُحظر تعديلها إطلاقاً، ونصوص تقبله بشروط خاصة.

Entrenchment

[[File:Constitution Pg1of4 AC.jpg|thumb|دستور الولايات المتحدة]

مواد الدستور الغير قابلة للتعديل

توزيع السيادة

==== ==== الفصل بين السلطات

خطوط المساءلة

حالة الطوارئ

Façade constitutions

المحاكم الدستورية


التاريخ والتنمية

الدساتير المبكرة

دساتير لاحقة

Diagram illustrating the classification of constitutions by Aristotle.

أثينا

روما

الهند

ألمانيا

اليابان

المدينة

ويلز

روسيا

الإيروكوا

انجلترا

صربيا

المجر

ساكسونيا

إمبراطورية مالي

اثيوبيا

صربيا

الصين

سردينيا

الدساتير الحديثة

The Bendery Constitution by Hetman Pylyp Orlyk.

دساتير التنوير

[[File:Konstytucja ثلاثة Maja.jpg|left|thumb|350px|Constitution of May 3, 1791 (painting by Jan Matejko, 1891). Polish King Stanisław August

الدساتير الحكومية

[[File:Red copy of the Russian constitution.jpg|thumb|upright|نسخة رئاسية من الدستور الروسي.]]

أساليب وضع الدستور

يرتبط ذلك إلى حد كبير بظروف تاريخية من ناحية، وبمدى تبني أسس الديمقراطية[ر] واستقرارها من ناحية أخرى، كما حتى هذه الظروف التاريخية والأسس الديمقراطية مرتبطة بفكرة السيادة في الدولة وتحديد صاحبها الحقيقي.

وتقسم أساليب وضع الدستور إلى طائفتين:

1- الأساليب غير الديمقراطية: وهي التي لا يقوم الشعب فيها بوضع الدستور إنما يقوم الحاكم بوضعه منفرداً(منحة) أوبالاشتراك مع الشعب (عقد).

أ ـ المنحة: وفيها يتنازل الحاكم عن بعض سلطاته إلى شعبه، وفي هذه الحالةقد يكون الدستور الناجم عن هذا التنازل وليد إرادة منفردة للحاكم، وغالباً ما يأتي هذا التنازل نتيجة ضغط شعبي واسع، ومن أمثلته دستور «موناكو» عام 1812م ودستور «مصر» لعام 1923م، والقانون الأساسي لشرق الأردن لعام 1928م.

ويتسم هذا الأسلوب بأنه نهائي فيما نجم عنه بمعنى أنه «لا يجوز سحب أواسترداد الدستور الممنوح من الحاكم لصالح الشعب أوانتقاصه، لأن التنازلات المتضمنة في المنحة قد أصبحت حقوقاً مدنية للشعب، ولا يجوز المساس بها أوالاعتداء عليها، وهي للأمة، وليست حقوقاً جديدة يتفضل بها الحاكم، وإنما إعادة لحقوق طبيعية للأمة كانت محرومة منها».

ب ـ العقد: وقد كان هذا الأسلوب خطوة إلى الأمام تجاه الديمقراطية حيث ينشأ الدستور فيه باتفاق بين الحاكم والأمة، وتظهر فيه إرادة الأمة إلى جانب إرادة الحاكم، ويتجسد هذا الأسلوب بإقدام الأمة على انتخاب جمعية تأسيسية لوضع مشروع الدستور الذي يعرض في خطوة تالية على الحاكم ليوافق عليه ويصدقه ويصبح نافذاً، أوقد تعهد الأمة إلى ممثليها في المجلس التشريعي المنتخب بإعداد مشروع الدستور ليعرض على الحاكم فيما بعد للموافقة، وقد تستفتى الأمة بطريقة مباشرة على مشروع دستور ليجري رفضه أوإقراره فإذا ما رفضه الشعب أُلغي برمته، وإذا ما لاقى القبول وجبت له مصادقة الحاكم كي ينفذ.

2- الأساليب الديمقراطية: وتشتهر بأسلوبين رئيسين:

أ ـ أسلوب الجمعية التأسيسية: assemblee constituante ومضمونه حتى يقوم الشعب بانتخاب هيئة خاصة تتولى وضع الدستور باسمه ونيابة عنه دون حتى يتوقف ذلك على تصديق أوموافقة أحد آخر. ولا شك حتى انتخاب أعضاء هذه الهيئة أوالجمعية هوالعنصر الجوهري في اعتبارها تأسيسية وصالحة لوضع الدستور، هذا وينتهي عمل الجمعية بانتهاء مهمتها في صياغة الدستور وإقراره، ومن أمثلة هذا الأسلوب الدستور السوري لعام 1950م ودستور اليابان لعام 1947م والدستور الاتحاد الأمريكي عام 1787م.

ب ـ أسلوب الاستفتاء الشعبي le referendum: وفيه يباشر الشعب بنفسه سلطاته من دون مشاركة أحد، ومعناه حتى يتولى الشعب وحده الموافقة أوعدمها، على مشروع دستور معين «فإذا وافق عليه يصبح نافذاً ذا قوة قانونية بغض النظر عن الجهة التي قامت بصياغته وإعداده سواء كانت هيئة تمثيلية أولجنة فنية أوحكومية أوفرداً واحداً».

ويتميز هذا الأسلوب من أسلوب الجمعية التأسيسية وغيرها في حتى للشعب الحدثة الأولى والأخيرة وبشكل مباشر في تقدير مصير مشروع الدستور الذي يُعرض عليه.

العهد الدستوري وعلاقته بالدستور

غالباً ماقد يكون الدستور المكتوب من عمل الفقهاء والمُنَظّرين المهتمين بالبلاغة القانونية والتوازن الشكلي، أكثر من اهتمامهم بفعالية الدستور الفهمية، ولذلك تُظهر الحياة السياسية ما اصطناعي في الدستور، وتؤدي إلى إدخال بعض الاستعمالات والعادات التي تكمل الدستور أوتعدله، وهذا ما يدعى بالعادة أوالعهد الدستوري lacoutume constitutionelle الذي يتميز من الدستور العهدي بأنه لا يقوم إلا في البلاد التي تنتهج دستوراً مكتوباً، أما الدستور العهدي فيتكون بُرمته من مجموعة أعراف وسوابق تنظم عمل السلطات العامة، وحقوق وواجبات المواطنين، فالعهد الدستوري «اصطلاح يُطلق على الأوضاع التي دَرَجت السلطات العامة على انتهاجها في مزاولة منفصلة لنشاط معين يتصل بمسألة دستورية، وينشأ من تكرار هذا السلوك على مر الزمن قاعدة غير مكتوبةقد يكون لها قوة القاعدة الدستورية».

تختلف الرقابة على دستورية القوانين في طبيعتها بين رقابة سياسية ورقابة قضائية:

1- الرقابة السياسية: وهي التي تتولاها هيئة سياسية بمعنى الحدثة، تحت حجة حتى الرقابة على دستورية القوانين وإن كانت قانونية في موضوعها، إلا أنها سياسية في نتائجها، كما حتى الهيئة التي ستضطلع بنظر القوانين والحكم عليها بالإلغاء أوالنفاذ وفقاً لدستوريتها ستكون في مركز الصدارة في الدولة ومثل هذه الهيئة لا بد حتى تكون سياسية.

وقد طبقت هذه الرقابة للمرة الأولى في دستور السنة الثامنة للثورة الفرنسية (دستور 1793م) بإنشاء مجلس الشيوخ الخاص بحماية الدستور، لكنها باءت بالإخفاق لوقوع المجلس أداة طيّعة في يد الامبراطور آنذاك.

ويؤخذ حالياً بها وبشكلٍ جزئي في فرنسة (دستور 1985م) عن طريق المجلس الدستوري الذي تنحصر سلطته في رد القانون إلى البرلمان طالما عدم دستوريته لتعديله، وإلا يُعرض على الشعب لاستفتائه في قبول التعديل أورفضه.

2- الرقابة القضائية: وهي الأشهر والأجدى بحسبان حتى الرقابة عمل قانوني في جوهره، وليس يجاري القضاء في هذا العمل أي سلطة أخرى، لأن تكوين القاضي يدفعه إلى عدم التحيّز كما حتى الإجراءات القضائية بما يتوافر لها من علانية، وما تحتمه من تبادل اللوائح وتعليل الأحكام توفر الضمانات للوصول إلى حكمٍ عادل في القانون موضوع الرقابة.

ويجدر بالذكر حتى هذه الرقابة كانت ابتكاراً أسلفه القاضي الأمريكي مارشال Marshal عام 1852م مقيماً إياها على أساس «أن الحق ناشئ عن تمازج فكرتين سلطان القضاء ومبدأ سيادة الدستور، ومهمة القضاء هي تطبيق القانون في القضايا المعروضة عليه، فإذا عثر في حكم قضية معروضة، تنازعاً بين نص دستوري ونص قانوني وجب على القاضي حتى يطبق أحد النصين، وبما حتى النص الدستوري هوالأعلى وجب تطبيقه وإعماله».

والرقابة القضائية قد تنعقد صلاحيتها للقضاء العادي كما هي الحال في الولايات المتحدة، أولتمضية خاص من هيئة خاصة تدعى المحكمة الدستورية أوالمجلس الدستوري كما هي الحال في فرنسة.

انتفاء الرقابة

هناك دول غيبت من نظمها القانونية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين بذريعة حتى ليس للمحاكم حق تقدير دستورية القوانين من عدمها وأن وظيفتها هي تطبيق القوانين لا الحكم عليها، وأبقت على بعض الصيغ التي تعبر عن ضرورة احترام الدستور في القوانين قبل إقرارها، كما هوالأمر في سورية حيث تنظر المحكمة الدستورية بمشروعات القوانين المحالة عليها من مجلس الشعب لتبت دستوريتها دون حتىقد يكون لرأيها إلزام على مجلس الشعب ومن الدول التي تنتفي فيها الرقابة الدستورية تونس والعراق والأردن.

انقضاء الدساتير

تنتهي الدساتير عادة بأحد الأسلوبين:

1- الأسلوب العادي أوالقانوني: ويقصد به إلغاء الدستور وانتهاء العمل به بهدوء وبغير عنف والاستعاضة عنه بدستور آخر جديد، وهذا يجب حتى يتم وفقاً للأصول والإجراءات التي يتم بها إنشاء الدستور بإجماله، لا تعديله إذ يمتنع على السلطة التي تملك تعديل الدستور جزئياً، حتى تعدله كلياً وتلغيه، لأن حق التعديل الكلي للدستور وإلغاؤه لا يملكه إلا الأمة، فالأمة وحدها التي تستطيع إلغاء الدستور باعتبارها صاحبة السيادة في الدولة.

2- الأسلوب الواقعي أوالثوري: وهوالأوسع انتشاراً ويتم بالثورة أوالانقلاب وهما ظرفان واقعيان يختلفان سياسياً في حقيقتهما، ذلك حتى الانقلاب يقوم به أحد ذوي النفوذ أوالسلطان في الدولة كإجراء يهدف إلى تغيير في شؤون الحكم دون اتباع لأحكام الدستور. أما الثورة فهي حركة اجتماعية مفاجئة تتحقق بقوة الشعب من غير مراعاة الأشكال القانونية الموضوعة، وتستهدف إقامة نظام قانوني يحل محل نظام آخر.

ورغم هذا الاختلاف السياسي بين طرفي الانقلاب والثورة فهما من الوجهة الدستورية مفهوم واحد في أثرهما على إنهاء الدساتير، وهذا ما حدا بالفقه الدستوري إلى توحيد الاصطلاح عليهما «بالثورة» وأثرها في إنهاء الدساتير.

ومما لاشك فيه حتى نجاح الثورة أوإخفاقها لا يؤثر في وجود الدولة، وإنما يؤثر في نظام الحكم فيها، لكن نجاحها يؤدي إلى سقوط فوري للدستور القائم متى تناقضت أحكامه مع أهداف الثورة مفسحاً في المجال لتولي الحكومة العملية منطقيد الحكم بدلاً من الحكومة القانونية والسقوط الذاتي للدستور لا يحتاج إلى تشريع يقرره، وخاصة إذا كانت الثورة شاملة، والإعلان عن سقوطه بعد نجاح الثورة لا يعني أكثر من تقرير كاشف ومؤكد لحالة واقعية ترتبت عملاً

انظر أيضاً

  • Apostolic constitution (a class of Roman Catholic Church documents)
  • دستور الجمهورية الرومانية
  • محكمة دستورية
  • اقتصاد دستوري
  • Constitutionalism
  • دستور الشركات
  • Judicial activism
  • Judicial restraint
  • Judicial review
  • دور القانون
  • Rule According to Higher Law

Judicial philosophies of constitutional interpretation (note: generally specific to United States constitutional law)

  • قائمة الدساتوير الوطنية
  • List of constitutions by age
  • Originalism
  • Strict constructionism
  • Textualism
  • Proposed European Union constitution
    • Treaty of Lisbon (adopts same changes, but without constitutional name)
  • ميثاق الأمم المتحدة

المصادر

عبد الله طلبة. "الدستور".

وصلات خارجية

ابحث عن constitution في
قاموس الفهم.
اقرأ نصاً ذا علاقة في

Wikisource:Constitutional documents


  • Dictionary of the History of Ideas Constitutionalism
  • , "Constitutions, bibliography, links"
  • : English translations of various national constitutions
  • United Nations Rule of Law: Constitution-making, on the relationship between constitution-making, the rule of law and the United Nations.
  • by Steve Muhlberger of Nipissing University
  • Report on the British constitution and proposed European constitution by Professor John McEldowney, University of Warwick Submitted as written evidence to House of Lords Select Committee on Constitution, published to the public on 15 October 2003.

تاريخ النشر: 2020-06-04 09:40:32
التصنيفات: صفحات تستخدم وسوم HTML غير صالحة, قانون, دساتير, مواثيق سياسية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الدفاع الأوكرانية: بدأنا بأعمال هجومية على بعض المحاور

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-05 21:16:48
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 91%

نهائي دوري أبطال أوروبا: إنزاغي يؤكد أن إنتر "ليس خائفًا" من سيتي

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-05 21:16:34
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

بطولة ألمانيا: دورتموند يضم الدولي الجزائري بن سبعيني

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-05 21:16:37
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 85%

بلينكن يحث السعودية وإسرائيل على تطبيع علاقاتهما

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-05 21:16:33
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 95%

كوليبا: كييف حصلت على أسلحة تمكنها من شن الهجوم المضاد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-05 21:16:49
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 85%

مايك بنس قدم ترشيحه للرئاسة الأميركية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-05 21:16:35
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية