تاريخ الحركة الطلابية في مصر

عودة للموسوعة

تاريخ الحركة الطلابية في مصر

لعبت الحركة الطلابية المصرية دورا كبيرا في الحركة الوطنية الرامية إلى تحقيق الاستقلال التام، ومقاومة الملك الفاسد.. ولذلك لم يكن غريبا حتى يقول المؤرخ الفرنسي والتر لاكير " لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر ".

ويرجع فضل تنظيم الطلبة كقوة فعالة في مجال العمل الوطني إلى الزعيم مصطفى كامل، الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس (نادى المدارس العليا) عام 1905بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة، وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني.. كانت شعارات وخطب ومنطقات مصطفى تام يغلب عليها الطابع الرومانسي وتلهب مشاعر الجماهير لكنها لا توحي بعمل شئ محدد أوالقيام بتمرد يشعل ثورة.. وذلك لأن الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى تام كان حزبا ليبراليا، ملكيا، ينادي بالاستقلال عن الإنجليز والاحتفاظ "بالتبعية" للدولة العثمانية.

وبعد وفاته اتى بعده الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية ويطور دور الطلاب في الحركة الوطنية من خلال تنظيم الإضرابات، وحركات الاحتجاج، وتنظيم المظاهرات، وتوزيع المنشورات، أوالعمل السري الموجه ضد الإنجليز والمتعاونين معهم مما أدى إلى نفيه. وأدى ذلك إلى ضعف الحزب الوطني واتجاه أفراده إلى العمل السري الذي اتخذ طابع العنف أوإلى اليسار.

وقد سادت الأوساط الطلابية المتمردة في هذه الفترة كما يرى الأستاذ فاروق القاضي مؤلف كتاب فرسان الأمل أيديولوجيتان.. أيديولوجية برجوازية ليبرالية نشرها الحزب الوطني وكانت الأكثر شيوعا؛ وأيديولوجية ماركسية وجدت طريقها إلى الأوساط الطلابية من خلال تحركاتهم في الخارج، واحتكاكهم باليسار الأوروبي، ومن خلال وعي فكري متقدم بالقضايا الوطنية والاجتماعية في مصر.

فبعد الاحتلال البريطاني لمصر، دفع الحماس الجارف المثقفون الثوريون وفي مقدمتهم الطلبة إلى صفوف الحزب الوطني لأنه كان يهاجم الاحتلال بقوة داعيا إلى الحكم الذاتي، وإن كان ذلك في ظل الإمبراطورية العثمانية..

إلا حتى ضعف القوى الاجتماعية في الحزب الوطني وعزلتها السياسية عن الجماهير أضعفت الحزب من الداخل، ولكنه كثف من نشاطاته في الخارج من خلال الجمعيات الطلابية في أوروبا. وقد كان لاحتكاك هذه الجمعيات بالأوساط الأوروبية ذات الطابع اليساري والمؤيدة للقضية المصرية، ما طور من مفاهيم ومبادئ الحزب في نفوس الطلاب.

ولما كانت هذه الجمعيات على اتصال دائم بطلاب الداخل فقد وزع الحزب سنة 1907 منشورا في القاهرة بتوقيع "شباب الحزب الوطني" يدعوالمصريين إلى دراسة الاشتراكية والاهتمام بها.

ثورة 1919 أشعلوها وقادوها

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واقتراب موعد مؤتمر الصلح في باريس الذي سيتقرر فيه مصير الدول والشعوب، قرر سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية المنتخب حضور المؤتمر للمطالبة بحق مصر في الاستقلال. ورفض المندوب السامي البريطاني السماح لسعد بالسفر بدعوى أنه لا يعبر عن الشعب وإنما يعبر عن الباشوات، فقرر سعد زغلول جمع توقيعات من أعضاء الهيئات النيابية، والعمد والأعيان، وأعضاء المجالس المحلية بدعوى أنهم يمثلون الأمة.

ولكن الطلاب كان لهم رأي آخر حيث قرروا توزيع أنفسهم إلى لجان عمل تجوب المحافظات لتجمع توقيعات من كافة أبناء الشعب المصري عمال فلاحين وموظفين.

رفض المندوب السامي مرة أخرى السماح لسعد بالسفر، فنشط سعد في سلسلة من الاجتماعات والخطب والمؤتمرات. وكان الطلاب يتحركون معه في جميع مكان، فتحول سعد من وكيل الجمعية التشريعية إلى زعيم للأمة، فأصدرت القوات البريطانية قرارا باعتنطقه يومثمانية مارس 1919

وفي صباح اليوم التاليثمانية مارس تجمع الناس عند بيت الأمة فصاح فيهم عبد العزيز بك فهمي " دعونا نعمل في هدوء". وما حتى بلغت الساعة التاسعة صباحا حتى انطلق صوت الطلبة" الاستقلال التام أوالموت الزؤام"..."سعد سعد يحيا سعد".

بادر طلاب الحقوق هم بالتحرك وتبعهم في هذا طلاب مدرسة المهندسخانة ومدرسة التجارة، التي ألقى فيها الأستاذ أحمد ماهر خطابا نطق فيه "مكان الطلبة اليوم في الشارع لا على مقاعد الدراسة". وكذلك تحرك طلاب مدرسة الزراعة والطب ودار العلوم وطلبة مدرسة الإلهامية الثانوية والتجارة المتوسطة والقضاء الشرعي ..

حاصرت القوات البريطانية الطلبة في ميدان السيدة زينب وقابلوهم بعنف شديد لدرجة جعلت الأهالي يتضامنون مع الطلاب وألحقوا خسائر بالقوة البريطانية التي طلبت تعزيزات أخرى من الجيش فأمكن تشتيت المتظاهرين ونقل الجرحى إلى المستشفيات واعتقل 300 طالب .

مرت أيام الثورة الأولى ولا يوجد في ميدانها سوى فرسان الحركة الطلابية المصرية؛ كانت المظاهرات تخرج سلمية ثم ما تلبث حتى تنقلب دموية، حيث رصاص قوات الاحتلال الإنجليزي. وقد أصدرت قيادة الوفد في هذه الأثناء بيانا مزورا نسبته إلى الطلاب ودعت فيه إلى وقف المظاهرات والاعتذار على أحداث العنف التي قام الطلاب بها!! فحدث صدام بين الطلاب وقيادة الوفد بسبب هذا البيان حيث تأكد الطلاب حتى هذه القيادة غير مؤهلة لقيادة الثورة.

وفي اليوم الرابع للثورة انتشر المد الثوري في جميع أنحاء الجمهورية بعد حتى أوفد الطلاب زملائهم الذين ينتمون لمحافظات وقرى مختلفة لتحريك ذويهم. فتحرك الطلاب في زفتى وطنطا وأسيوط وإسكندرية وشبين الكوم وكافة أنحاء البلاد. حتى طلاب المدارس العسكرية ومدرسة البوليس تحركوا في مظاهرة في 2 إبريل أمام قصر البستان وبعض السفارات الأجنبية. ووصل تأثير الطلاب مداه حتى أفرجت سلطات الاحتلال عن سعد زغلول.

واستمر الطلبة في المظاهرات وسقط عدد أكبر من الشهداء. واستمر سعد في خطبه الحماسية للشعب المصري وفي مقدمته الطلبة حتى تم اعتنطقه مرة أخرى، وتحت ضغط المظاهرات الطلابية أفرجوا عنه. واستقبل الشعب سعد بحفاوة بالغة ولكن الاستقبال اختلف هذه المرة حيث حمل الأهالي الطلبة على الأعناق وهتفوا لهم.

بعدها صدر دستور 1923 الذي يحد بشكل كبير من اختصاصات الملك وجرت الانتخابات التي لعب فيها الطلبة دورا كبيرا في فوز سعد ومن رشحهم بـ 200 مقعد من أصل 240 وتولى سعد رئاسة الحكومة .

وعند تأسيس ((الجامعة المصرية)) كجامعة حكومية عام 1925 وانضمام بعض المدارس العليا إليها اتى الطلاب وأساتذتهم يحملون معهم خبرات النضال الوطني وبصفة خاصة طلبة الحقوق الذين كانوا من انشط العناصر الطلابية في العمل السياسي الوطني كما حمل شباب الجامعة معهم هموم الوطن الذي كافح من اجل نيل حريته فلم يجن إلا استقلالا منقوصا ومع ما شاب دستور 1923 من أوجه القصور إلا حتى الملك ضاق به وعطله ثم ألغاه ليخلق بذلك قضية جديدة شغلت المصريين جميعا وهى قضية الديموقراطية والمطالبة بعودة دستور 1923، أضف إلى ذلك ما منيت به جولات المفاوضات المصرية - البريطانية من فشل ذريع وعجز عن حمل القيود التي تكبل الاستقلال الوطني وبقاء السيطرة الأجنبية على الاقتصاد المصري تلك السيطرة التي استظلت بحماية الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة.

كما حاولت حكومات الأقلية الموالية للقصر حتى تحد من حركة طلاب الجامعة وتقيم الحواجز في وجه النشاط السياسي للطلبة من ذلك القانون رقم 22 لسنة 1929 الذي أصدرته وزارة محمد محمود باشا بضغط من الإنجليز وهوالقانون الخاص بحفظ النظام في معاهد التعليم ونصت مادته الأولى على ((أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر أوبغرامة من عشرين إلى خمسين جنيها جميع من استخدم القوة أوالعنف أوالإرهاب أوالتهديد أوالمناورات أوالأعطية أوالوعود أوأي طريق أخرى لدعوة تلاميذ وطلبة المدارس أوالكليات أوغيرهما من معاهد التعليم أوالانقطاع عنها أوإلى تأليف لجان أوجماعات سياسية للطلبة أوالانضمام إليها أوإلى حضور اجتماعات سياسية أوإلى الاشتراك بأية طريقة كانت في تحرير أوتوقيع أوطبع أونشر أوتوزيع محاضرات سياسية أواحتجاجات موجهة إلى السلطات بشان مسائل أوأمور لها صبغة سياسية)) كانوا يهدفون من ذلك صرف أنظار الطلاب عن تدعيم المعارضة السياسية للانقلاب الدستوري عام 1930 – 1933 بتبني الحكومة وإدارة الجامعة لنشاط الطلاب الاجتماعي وتشجيعهم عليه كمشروع القرش وجمعية الطلبة لنشر الثقافة وغيرها .

ورغم ذلك ظل طلبة الجامعة يمارسون دورهم في العمل السياسي الوطني - بصورة أوبأخرى طوال تلك الحقبة غير انهم كانوا أصحاب مبادرات سياسية هامة شكلت نقطة تحول في العمل الوطني في مراحل حاسمة من تطوره من ذلك انتفاضة الطلاب عام 1935 التي فرضت على الأحزاب السياسية تكوين ((الجبهة الوطنية)) ومن ذلك - أيضا - تكوين ((اللجنة الوطنية للطلبة والعمال)) عام 1946 التي طرحت نفسها كقيادة سياسية بديلة للأحزاب التقليدية


انتفاضة 1935 وتشكيل الجبهة الوطنية

ساد التوتر الساحة السياسية المصرية مع مطلع عام 1935. فمنذ تولى محمد توفيق نسيم باشا الوزارة (14 نوفمبر 1934) تعلقت الآمال على استعادة دستور 1923، وخاصة عندما ألغت الوزارة الجديدة دستور 1930. غير أنها لم تتخذ قرارا بعودة دستور 1923 بضغط من القصر والإنجليز؛ ثم ما لبثت إيطاليا الفاشية حتى غزت الحبشة فاستاء المصريون لهذا العدوان وخشوا حتى تزج بريطانيا بمصر في عمل عسكري ضد إيطاليا

وفى ظروف صعبة كتلك الظروف كان الأمر يحتاج توحيد صفوف القوى السياسية المتنوعة وراء المطالبة باستعادة الدستور، وتحديد العلاقات مع بريطانيا من خلال التفاوض حول معاهدة تنهى وضع مصر المعلق منذ تصريح 28 فبراير 1922. غير حتى الأحزاب السياسية شغلت بصراعاتها، وراح جميع منها يزاحم الآخر في تصدر الحركة السياسية. وسعى جميع منها - أيضا - لجذب الطلبة إلى جانبه؛ فبذل الوفد والأحرار الدستوريين الجهد الأكبر في هذا المجال.

ووسط هذا الجوالمليء بالمشاحنات السياسية ألقى وزير الخارجية البريطاني (السير صامويل هور) بيانا أعرب فيه، "أنه عندما استشيرت الحكومة البريطانية في شان دستور 1923 نصحت بعدم إعادته أوإعادة دستور 1930 لأن الأول ثبتت عدم صلاحيته لمصر والآخر يتعارض مع رغبات المصريين" (9 نوفمبر 1935 ).

وجرح هذا التصريح المشاعر الوطنية للمصريين الذين أيقنوا حتى بريطانيا تتدخل في أدق شئون بلادهم؛ وتحول السخط الوطني المتراكم إلى انتفاضة كبرى أعادت إلى الأذهان حوادث ثورة 1919 . وملك طلبة الجامعة زمام المبادرة فعقدوا اجتماعا داخل حرم الجامعة بالجيزة في ذكرى عيد الجهاد (13 نوفمبر) أدانوا فيه موقف بريطانيا، ثم خرجوا من الجامعة في مظاهرة كبرى سلمية. فتصدى لهم البوليس طالبا منهم الانفضاض وعندما رفضوا ذلك أطلق البوليس النار عليهم فأصيب طالبان إصابة خطيرة وأصيب عدد آخر منهم بإصابات طفيفة. مع ذلك استمروا يهتفون بحياة مصر وحياة الاستقلال وحياة دستور الأمة.

وفى اليوم التالي (14 نوفمبر) أعاد طلبة الجامعة تنظيم صفوفهم وخرجوا في مظاهرة كبرى صوب القاهرة. غير حتى البوليس كان قد حشد قواته للحيلولة دونهم ودون الزحف على وسط القاهرة. فحاصر نحوالثلاثمائة طالب من المتظاهرين فوق كوبري عباس وأطلق عليهم النار فقتل طالب الزراعة "محمد عبد المجيد مرسى" وجرح طالب الآداب "محمد عبد الحكم الجراحي" جرحا بالغا توفي على أثره في اليوم التالي. وألقى القبض على عدد من الطلاب وأصدرت إدارة الجامعة قرارا بتعطيل الدراسة لمدة عشرة أيام تحاشيا لتطور الموقف.

ولكن دون جدوى، فقد استمر مجلس اتحاد طلاب الجامعة يقود الحركة وينظمها. فأوفد اتحاد الطلبة برقية احتجاج إلى عصبة الأمم على تصريح وزير الخارجية البريطاني، وعلى اعتداء البوليس بقيادة الضباط الإنجليز على الطلبة، وأعربوا عزمهم على متابعة الجهاد حتى يتحقق الاستقلال.

ونظم طلاب الجامعة مظاهرة أخرى (يوم 16 نوفمبر) استخدموا فيها الحجارة والمقذوفات الزجاجية ضد البوليس. وكان لطلبة الطب فيها دور ملحوظ. فجرح ضابط إنجليزي كبير في رأسه جرحا بالغا، كما أصيب طالب آخر برصاص البوليس هوالطالب" على طه عفيفي" (من دار العلوم) ومات في اليوم التالي متأثرا بجراحه؛ وانتشرت المظاهرات الطلابية بعد ذلك في مختلف أنحاء القاهرة والمدن الكبرى .

ونظم إضراب عام (يوم 28 نوفمبر) حدادا على الشهداء فأغلقت المتاجر بالقاهرة، واحتجبت الصحف، وعطلت المواصلات. وفىسبعة ديسمبر أقام طلاب الجامعة في فنائها نصبا تذكاريا تخليدا لشهداء الجامعة أزيح الستار عنه في احتفال مهيب.

وتضامن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة مع الطلاب. فعقد أساتذة كلية الآداب اجتماعا (يومستة نوفمبر) بحثوا فيه الأمر وقدموا لمدير الجامعة ووزير المعارف مذكرة تضمنت رأيهم في الموقف ذكروا فيها:

أن الطلبة قاموا بمظاهرات سلمية قوبلت بالعنف الشديد،

وارجعوا مسببات القلق الذي يسود طلاب الجامعة إلى تدخل الإنجليز في شئون البلاد،

وأعربوا انهم يلفتون أنظار الأمة إلى حتى مستقبل الوطن عامة والفهم والمتفهمين خاصة تتهددها الأخطار ما بقى هذا القلق متسلطا على النفوس،

وان ما يسببه الإنجليز من القلق في مصر لا يلائم مصلحة مصر أوبريطانيا أوالسلام العام.

وكان تحرك أساتذة الآداب حافزا لزملائهم في كليات الهندسة والحقوق والزراعة والتجارة على الاحتجاج على تصريح هور والأسلوب الذي اتبع في لقاءة مظاهرات الطلبة.

كما كان للقضاء المصري موقف وطني مشرف من طلاب الجامعة الذين قدموا للمحاكمة أمام محكمة عابدين الجزئية (يومسبعة نوفمبر). إذ أصدر القاضي" حسين إدريس" أحكاما بالغرامة تتراوح بين عشرين قرشا وجنيها واحدا. ونطق في حيثيات الحكم "أن المتجمهرين جميعا أوفي أغلبيتهم الساحقة كانوا من طلبة اكبر معهد فهمي في البلاد، وهم بطبيعة ثقافتهم وفطنتهم يدركون حتى مظاهرتهم هذه لا تؤثر على السلطات في أعمالها ذلك التأثير الذي يقصده القانون". أما عن تهمة استعمال العنف ضد البوليس فقد بررها القاضي بأنها "كانت دفاعا عن النفس". وقد أثارت تلك الأحكام ثائرة المندوب السامي البريطاني فضغط على الحكومة لإصدار تعليمات للقضاة بتوقيع أقصى العقوبة على الطلاب.

ولم تقتصر جهود طلبة الجامعة على المظاهرات الاحتجاجية بل نظموا حركتهم من خلال تكوين لجنة أطلقوا عليها اسم ((اللجنة العليا للطلبة)) انبثقت منها لجان أخرى لتوجيه النادىية الإعلامية لحركة وتعبئة الرأي العام وراءها، والاتصال بالسياسيين والأحزاب، مع الحرص الشديد على استقلال حركتهم عن الأحزاب السياسية. وراحوا يطوفون على زعماء الأحزاب السياسية يدعونهم إلى تكوين جبهة وطنية متحدة لإنقاذ البلاد.

ففي 21 نوفمبر أصدرت اللجنة العليا للطلبة)) بيانا ناشدت فيه جميع الهيئات السياسية الوقوف جبهة واحدة في وجه العدوالغاصب للمطالبة بالاستقلال التام لمصر والسودان والتمسك بدستور 1923، فاستجاب زعماء الأحزاب - وخاصة أحزاب الأقلية - لهذه الدعوة. واتىت الاستجابة الأولى من محمد محمود باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين ثم اضطر الوفد وغيره من الأحزاب إلى قبول فكرة ((الجبهة المتحدة))، بعدما زادت ضغوط الحركة الطلابية.

وتطورت الأحداث بعد ذلك بالشكل الذي أدى إلى إعادة العمل بدستور 1923، ووصول الوفد إلى الحكم. وبذلك كان طلاب الجامعة قد نجحوا في تحريك الموقف السياسي بصورة إيجابية، وان كانت الظروف الدولية قد دفعت بريطانيا إلى تهدئة الأمور حتى تستطيع إبرام معاهدة مع وزارة مصرية تحظى بتأييد شعبي.


انتفاضة فبراير 1946

زادت الانتفاضة الطلابية عام 1935الأحزاب السياسية اقتناعا بتدعيم ركائزها بين صفوف الطلبة، وكان للوفد النصيب الأكبر في هذا المجال. وان كان النصف الثاني من الثلاثينيات قد شهد علوأعطى نشاط ((مصر الفتاة)) بين صفوف الطلاب ثم جماعة ((الإخوان المسلمين)). حتى كانت بداية الأربعينيات عندما نجحت المنظمات الماركسية في تحقيق وجودها بين صفوف طلبة الجامعة.

وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت الأحكام العهدية تحول دون قيام الطلاب بنشاط سياسي معارض بصورة علنية. ومن ثم بدا النشاط السري يتخذ مواقعه بين طلاب الجامعة، وأصبحت المنشورات أداة النشاط للتعبير عن المواقف السياسية للطلبة الذين فقدوا روح الاتحاد التي جمعت بين صفوفهم في انتفاضة 1935،غير انهم عادوا في نهاية الحرب يفرضون وجودهم على الساحة السياسية مطالبين بالاستقلال الوطني، والعدالة الاجتماعية معا من خلال صيغة تنظيمية جديدة طرحت كبديل للقيادات السياسية التقليدية. فقد كانت مصر تعانى أزمة اقتصادية خانقة كنتيجة طبيعية لظروف الحرب التي حملت مصر أعباء فوق طاقتها، وبسبب التضخم الذي أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة زيادة كبيرة، وتفاقمت أزمة البطالة بين خريجي الجامعة وبين العمال على السواء.

وأثبتت الحرب حتى ((معاهدة الشرف والاستقلال)) التي أبرمت مع بريطانيا عام 1936 كانت قيدا ثقيلا على حركة مصر، وأنقصت من السيادة الوطنية. لذلك كان المصريون جميعا يرون إلغاء المعاهدة، والجلاء التام عن مصر والسودان، وحل المعضلة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ولما كان طلاب الجامعة يعبرون عن ضمير مصر السياسي، وتمثل بينهم جميع التوجهات السياسية والأحزاب والهيئات السياسية الموجودة في مصر، فقد تهيئوا للعب دور حديث فعال بعد حتى وضعت الحرب أوزارها. واتجه طلاب الجامعة إلى توحيد صفوفهم، فقامت لجنة سميت ((لجنة أعمال الشباب)) - في سبتمبر 1945- ضمت الطلبة المنتمين إلى الحزب الوطني، والوفد، والأحرار الدستوريين، والهيئة السعدية، والكتلة الوفدية، والإخوان المسلمين، ومصر الفتاة وبعض المستقلين لتحقيق وحدة الحركة الطلابية. ولكن يبدوا انهم لم ينفقوا على برنامج موحد للعمل فعادوا إلى الانقسام وخاصة عندما حاول الإخوان المسلمين كما هومعروف عنهم حتى تكون لهم اليد العليا في أمور اللجنة.

ومع بداية العام الدراسي (أكتوبر 1945) قامت محاولة أخرى لتكوين جبهة طلابية لعب فيها الشيوعيين والطليعة الوفدية الدور الأساسي في التنظيم. وتجاوزت دعوة الجبهة - هذه المرة - حدود الجامعة لتمتد إلى طلبة الأزهر، والمعاهد العليا والفنية. فعقد اجتماعا بكلية الطب ضم ممثلين للطلبة اتخذ قرارا بتكوين ((اللجنة التحضيرية للجنة الوطنية للطلبة)). وحددت الجبهة الجديدة أهدافها بالنضال من اجل الاستقلال الوطني، والتخلص من السيطرة الاستعمارية الاقتصادية والسياسية والثقافية، والعمل على تصفية العملاء المحليين للاستعمار. واعتبرت اللجنة التفاوض مع المستعمر حول حقوق الوطن جريمة لا تغتفر. واتفق المجتمعون على ضرورة تنظيم نضال الجماهير من خلال لجان وطنية تشكل لهذا الغرض بطريقة الانتخاب، وبدؤوا التطبيق العملي لذلك بانتخاب ((لجنة تطبيقية)) منبثقة عن اللجنة التحضيرية ضمت عناصر من شباب الطليعة الوفدية والمنظمات الماركسية وبعض طلاب الإخوان المسلمين. وتولى رئاسة اللجنة التطبيقية الطالب مصطفى موسى، وتولى السكرتارية ثلاثة من الطلبة أيضا هم فؤاد محي الدين، وعبد المحسن حموده، وعبد الرءوف أبوفهم.

وكانت الحكومة المصرية قد أوفدت مذكرة رسمية إلى الحكومة البريطانية تدعوها إلى الدخول في مفاوضات لإعادة النظر في معاهدة 1936، فتأخر وصول رد بريطانيا مما أثار القلاقل السياسية. وعندما تسلمت الحكومة المصرية الرد (في 26 يناير 1946)، اتى الرد خاليا من الإشارة إلى موضوع الجلاء، واقتصر على مراجعة المعاهدة في ضوء التجارب المشهجرة، مع مراعاة ميثاق الأمم المتحدة.

وأصدرت اللجنة التطبيقية للطلبة بيانا أبدت فيه رأيها في مذكرة الحكومة المصرية وانتقدت تدويلها للقضية، كما انتقدت الرد البريطاني على المذكرة المصرية، وراحت تثير الشبهات حول نوايا بريطانيا. وطالبت الحكومة بعدم الدخول في مفاوضات إلا على أساس الجلاء، على حتى يصدر بذلك تصريح رسمي من جانب الحكومة البريطانية. وطالبت الأحزاب المصرية بتحديد مواقفها في حالة رفض الحكومة البريطانية مبدأ التفاوض على أساس الجلاء ووحدة وادي النيل.

ثم وجهت اللجنة التطبيقية الدعوة إلى الطلبة لعقد مؤتمر عام فيتسعة فبراير، للنظر في الموقف الراهن. فعقد اجتماع كبير داخل الحرم الجامعي، انتهى بإصدار بيان موجه إلى الملك طالبوا فيه الحكومة برفض الرد البريطاني رفضا قويا، وعدم الدخول في مفاوضات مع بريطانيا إلا بعد إصدارها تصريح رسمي تعترف فيه بحق مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل، وطالبوا بسحب عبد الحميد بدوي باشا من وفد مصر في الأمم المتحدة بسب التصريح الذي أدى به إلى تدويل القضية المصرية مما اعتبره الطلاب ضارا بالقضية الوطنية .

وبعد المؤتمر قرر الطلبة التوجه في مظاهرة كبرى إلى قصر عابدين لحمل مطالبهم إلى الملك، وكان البوليس قد اعد للأمر عدته منذ أعربت اللجنة عن عقد المؤتمر. فما كاد الطلاب يتحركون على كوبري عباس حتى فتحه البوليس الذي هاجمهم من الخلف فأصيب الكثير منهم. وكما وقع عام 1935، أدت لقاءة المظاهرة الطلابية السلمية بالعنف إلى استمرار المظاهرات في اليوم التالي (10 فبراير) وامتدادها إلى الإسكندرية، والزقازيق، والمنصورة، وأسيوط. وتصدى لها البوليس بالقوة ليقع المزيد من الإصابات بين المتظاهرين الذين خرجوا للتظاهر في تلك المدن احتجاجا على مأساة كوبري عباس.

وأوفدت اللجنة التطبيقية للطلبة مذكرة احتجاج إلى الملك على لقاءة الحكومة لهم بالعنف وعلى ما وقع يومتسعة فبراير، وطالبوا بان تصر الحكومة المصرية على رفض التفاوض إلا على أساس الجلاء ووحدة وادي النيل دون قيد أوشرط، وحل المشاكل الاقتصادية حلا عاجلا، والتوجه إلى مجلس الأمن لعرض قضية مصر في حالة رفض بريطانيا لمبدأ الجلاء، على حتى تطالب الدول العربية بتأييد مصر تأييدا رسميا.

وتضامن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة مع الطلاب فقدموا احتجاجا على سياسة القمع التي انتهجتها الحكومة معهم، وطالبوا بإجراء تحقيق عاجل لتحديد المسئولية فيما سقط من حوادث أليمة. كما تضامنت معهم اتحادات خريجي الجامعة وخريجي الأزهر.

وكانت أحداثتسعة وعشرة فبراير موضع هجوم المعارضة على حكومة النقراشي باشا داخل مجلس النواب. وقام الطلاب بتحطيم الزينات التي علقت على الجامعة بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الملك فاروق، وانتزعوا صورته وداسوها بالأقدام. وكان مقررا حتى يقوم الملك بزيارة الجامعة ووضع حجر الأساس للمدينة الجامعية فأعرب الطلاب مقاطعة الزيارة، ولم يسمح بحضور الاحتفال إلا للطلبة الذين اختارهم الأمن بعناية من العناصر التي يطمئن إليها.

وإزاء عجز الوزارة عن حفظ الأمن والنظام لم يكن أمامها سوى الاستنطقة فقدم النقراشي باشا استنطقة وزارته في 15 فبراير 1946، وكلف الملك إسماعيل صدقي باشا بتشكيل الوزارة الجديدة. واتبع صدقي باشا سياسة المهادنة فسمح بالمظاهرات، وأطلق سراح الطلاب المعتقلين، وكفت الحكومة عن لقاءة المظاهرات بالعنف. وفى نفس الوقت راح يعمل على تفتيت جبهة الطلاب وشق صفوفهم، فاستمال الإخوان المسلمين إلى جانب الحكومة، كما استمال بعدهم شباب مصر الفتاة حتى يضرب الحركة الطلابية من داخلها. ولم يبق باللجنة الوطنية للطلبة سوى الوفديين، والشيوعيين، وبعض شباب الأحزاب الصغيرة الأخرى وبعض المستقلين.

ولعب الشيوعيون دورا هاما في دعم اللجنة الوطنية للطلبة بالالتحام مع الحركة العمالية فتكونت ((الجنة الوطنية للطلبة والعمال))، التي أصدرت بيانا أعربت فيه قرارها بانقد يكون يوم الخميس 21 فبراير ((يوم الجلاء))، يقوم فيه المصريون بإضراب عام استئنافا للحركة الوطنية ((التي تشهجر فيها جميع عناصر الشعب المصري متكتلة حول حقها في الاستقلال التام والحرية الكاملة)). ونادت بتعطيل الأعمال العامة والمواصلات وإغلاق المحلات التجارية والمصانع ودور الفهم في جميع أنحاء البلاد.

وفى يوم 21 فبراير 1946، استجاب الشعب للجنة استجابة كاملة. فشلت حركة المواصلات وتوقفت جميع المصانع والمحال التجارية عن العمل، وأقفلت المدارس والكليات. وخرجت من الأزهر مظاهرة كبرى شاركت فيها الجماهير اتجهت إلى ميدان الأوبرا، حيث عقد مؤتمر شعبي اتخذ قرارات: بمقاطعة المفاوضات وأساليب المساومة، والتمسك بالجلاء عن وادي النيل، وإلغاء معاهدة 1936، واتفاقية 1899الخاصة بالسودان، وعرض القضية على مجلس الأمن.

ثم زحفت المظاهرة الكبرى إلى ميدان قصر النيل (التحرير الآن) حيث الثكنات البريطانية (مسقط فندق الهيلتون الآن)، واتجه قسم منها إلى ساحة عابدين. وكانت المظاهرات تسير في نظام تام دون اعتداء على أحد ودون التعرض للممتلكات أوجنوح نحوالتخريب، فإذا ببعض السيارات العسكرية البريطانية المسلحة تخترق الميدان وسط الجماهير فجأة لتدهم بعضهم تحت عجلاتها. وكان الرد الطبيعي من جانب المتظاهرين رجم الثكنات البريطانية بالحجارة. فرد الجنود البريطانيون بإطلاق الرصاص. فكانت مذبحة أثارت ثائرة الجماهير، فأشعلوا النار في معسكر بريطاني بالميدان (كان يحتل مسقط مبنى المجمع الآن)، وبعض المنشات العسكرية البريطانية الأخرى.

وظلت المظاهرات التلقائية تنتقل إلى جميع أحياء القاهرة دون استثناء، كما انتشرت في الإسكندرية والمدن الأخرى متخذة طابع العنف .

وأثار البيان الذي أعربه صدقي باشا في المساء ثائرة الطلبة على وجه الخصوص، لوصفه العمال بالدهماء واتهامهم بالتخريب فأصدرت ((اللجنة الوطنية للطلبة والعمال)) بيانا استنكرت فيه هذا الوصف والاتهام. واستمر تنظيم المؤتمرات والمظاهرات في الأيام التالية. وأعربت اللجنة يوم (25 فبراير) يوم حداد عام. فصدرت الصحف في ذلك اليوم متشحة بالسواد. وأعربت اللجنة يوم أربعة مارس يوم حداد وإضراب عام، فاستجاب الجميع للدعوة.

فاحتجبت الصحف عن الصدور في ذلك اليوم، وخليت الشوارع إلا من المتظاهرين وأغلقت المصانع والمحلات التجارية والمدارس والجامعة. وحدث صدام بالإسكندرية بين الجنود والمتظاهرين سقط فيه 28 من المتظاهرين قتلى وجرح 432 متظاهرا وقتل جنديان بريطانيان وجرح أربعة جنود بريطانيين.

وتضامنا مع الحركة الوطنية المصرية سقط في نفس اليوم (4 مارس) إضراب عام في السودان وسوريا ولبنان وشرق الأردن. وكان لمذبحة 21 فبراير أثرها في الحركة الطلابية العالمية، فقررت اعتبارا بوم 21 فبراير يوم التضامن العالمي مع طلاب مصر تكريما لنضال الطلاب المصريين.


الاحتجاج على هزيمة 1967

لم ينته دور الجامعة في الحركة الوطنية بانتهاء ذلك الدور الكبير الذي لعبه الطلبة في الحركة بعد الحرب العالمية الثانية. فقد استمر طلاب الجامعة وهيئة التدريس فيها يعبرون عن الضمير الوطني في السنوات السابقة على ثورة يوليو1952. فكان لهم دور بارز في الأحداث التي ترتبت على إلغاء معاهدة 1936، على يد حركة الكفاح المسلح ضد الوجود البريطاني في قناة السويس. وخلال تلك الفترة (1946 – 1952) كان النشاط السياسي داخل الجامعة قسمة بين الوفديين، والشيوعيين، والإخوان المسلمين كقوى سياسية أساسية، إلى جانب قلة سارت في ركاب الحزب الاشتراكي (مصر الفتاة). وكان مظهر النشاط السياسي الوطني تنظيم المظاهرات والإضرابات في المناسبات الوطنية المتنوعة.

وظل النشاط السياسي محصورا بين تلك القوى الأربع حتى قيام ثورة يوليووتشكيل (هيئة التحرير) - يناير 1953. فاستطاع التنظيم الجديد حتى يستقطب عدد من الطلبة كما استقطب بعض أعضاء هيئة التدريس.. وأصبح النشاط السياسي محظورا داخل الجامعة، ولم يتم استئنافه إلا في الستينات. غير انه كان قاصرا على أعضاء (الاتحاد الاشتراكي العربي) و(منظمة الشباب)، أما العناصر السياسية الأخرى فاتجهت إلى العمل السري .

وبعد هزيمة يونيو1967، والأحكام الهزيلة التي حكم بها على الضباط المتسببين في النكسة، اخذ السخط يتراكم في صدور الجماهير وخاصة العمال وطلاب الجامعة. فعند إعلان أحكام قضايا التقصير والإهمال في سلاح الطيران التي اتهم فيها بعض الضباط (20 فبراير 1968)، وكذلك أحكام ضباط المدرعات، أحس الناس حتى العقوبات التي اتىت بالأحكام لا تتناسب مع كارثة الهزيمة. فانفجرت براكين الغضب الشعبي التي بدأت بعمال المصانع الحربية بحلوان الذين خرجوا في مظاهرة عامة متجهين إلى القاهرة فتصدت لهم قوات الأمن في (21 فبراير).

وعندما وصلت أنباء حوادث حلوان إلى الجامعة بعد ظهر نفس اليوم، اجتمع الطلاب بأحد مدرجات كلية الآداب، وشكلوا من بينهم لجنة لحمل رأيهم في الأحكام وفى أحداث حلوان، وظلوا مجتمعين حتى المساء. وحضر الاجتماع مدير الجامعة في محاولة لاحتواء الموقف، وتجنب المضاعفات.

واستمر الاجتماع إلى اليوم التالي، رغم انه كان عطلة رسمية (عيد الوحدة)، حيث جاء وزير التعليم العالي وتناقش مع الطلاب على مدى أربع ساعات طرحوا خلالها مطالبهم التي كانت تتصل باتحاد الطلاب، والاتحاد الاشتراكي، وإدارة الجامعة، وفوق ذلك كله أمر ((النكسة))، ومسالة الأحكام. فوعد الوزير ببحث المطالب مع جهات الاختصاص، وحمل ما اتصل بالنكسة والأحكام إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وقد أصر الطلاب على حمل المطالب السياسية للرئيس لأنهم كانوا يولونه ثقتهم التامة.

وكانت المطالب محصورة في أمر النكسة، والاحتجاج على الأحكام، ثم أخذت تتسع لتضم الحريات العامة.

وكان من الممكن احتواء الموقف لوأبدت السلطة حسن نواياها تجاه الطلاب، غير انه تم إلقاء القبض على بعض أعضاء اللجنة التي شكلها الطلاب. فانفجرت المظاهرات، حيث خرج طلبة الهندسة من كليتهم إلى حرم الجامعة، ثم انضم إليهم طلبة الكليات الأخرى، واتجهوا في مظاهرة كبيرة إلى كوبري الجامعة صوب وسط المدينة مطالبين بالإفراج عن الطلبة المعتقلين؛ مرددين شعارات التنديد بالهزيمة، مطالبين بمحاكمة المسئولين عنها، وبإطلاق الحريات العامة. وتصدت قوات الأمن للطلاب عند مدخل كوبري الجامعة، كما تصدت لطلاب الطب الذين كانوا يتحركون في نفس الوقت لملاقاة زملائهم رافعين نفس المطالب مرددين نفس الهتافات.

كذلك تزامنت حركة طلاب جامعة القاهرة مع طلاب جامعة عين شمس الذين خرجوا في مظاهرة كبيرة قابلتها قوات الأمن بالعنف عند ميدان العباسية.

ورغم حصار قوات الأمن استطاع الطلبة اختراق حواجز الشرطة والوصول إلى وسط المدينة (ميدان التحرير وباب اللوق)، حيث ظلوا يرددون الهتافات احتجاجا على النكسة، والأحكام القضائية الهزيلة على المتسببين فيها، ومطالبين بالإفراج عن زملائهم المعتقلين .

وعند منتصف الليل اتخذ مجلس الوزراء - برئاسة الزعيم جمال عبد الناصر - قرارا بإلغاء الأحكام التي صدرت، وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية عليا أخرى، وتمت الاستجابة لمطالب الطلبة الخاصة بإعطاء مزيد من الاستقلال والفاعلية وحرية الحركة لاتحاداتهم، والسماح للاتحادات بالعمل السياسي. وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1523 لسنة 1968، بشان تنظيم الاتحادات الطلابية منفذا لهذه المطالب. وبدأت الجامعة تموج بالحركة وعاد الطلاب يعبرون عن آرائهم بحرية داخل الجامعة وارتفعت يد منظمة الشباب عن الجامعة.

الحركة الطلابية في السبعينات

بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، وتولي السادات السلطة في مصر كانت ردته على الناصرية هي إيذانا ببدء عهد حديث في مصر يتسم بالانفتاح الاقتصادي، والتبعية لأمريكا، وللكيان الصهيوني والتخلي عن القضايا العربية.. وكانت هذه السياسة الجديدة بعيدة جميع البعد عن طموحات وآمال فرسان الحركة الطلابية المصرية الذين تصدوا للسادات من بداية عهده مطالبين بالثأر وخاصة حين أعرب حتى عام 1971 هوعام الحسم.

اجتاحت مظاهرات الطلبة جميع أنحاء الجمهورية مطالبة بالثأر، وقابلتها سلطة السادات بكافة أشكال العنف من ضرب وتعذيب واعتنطق. فقد أعرب السادات حتى عام 1971، هوعام الحسم ولم يحرك ساكنا. وأعرب حتى عام 1972 هوعام "الضباب!"، ولهذا لن يستطيع الدخول في معركة، مما أشعل نيران الغضب في صدور الطلاب.

وعمت مظاهراتهم جميع أنحاء مصر حتى بدأ السادات يشعر تجاهها بالقلق خوفا من حتى يتضامن بقية طوائف الشعب مع الطلبة، ولهذا قرر السادات التعجيل في قرار العبور في السادس من أكتوبر 1973.

ولما كان التيار اليساري (الناصري والشيوعي) هوالتيار الذي يعتنقه معظم فرسان الحركة الطلابية في ذلك الوقت، فقد كان من الطبيعي حتى ترتبط الحركة بأدق التفاصيل في الحياة الداخلية والاجتماعية في مصر. ويتضح هذا من المظاهرات الضخمة التي خرجت من الجامعات والمصانع في 18 و19 يناير 1977 بعد إعلان قرارات إلغاء الدعم وغلاء الأسعار. وسقط الكثير من شهداء الحركة الطلابية المصرية والطبقة العاملة برصاص اليمين المصري الذي يتزعمه السادات . ولكن هذه الانتفاضة الشعبية التي أشعلها الطلبة مع العمال كادت حتى تطيح بالنظام الخائن وحاشيته مما اجبر السادات على التراجع في قراراته وعودة الأسعار كما كانت .

كانت انتفاضة الخبز في يناير 1977 بمثابة جرس إنذار للسادات ومن خلفه اليمين المصري ينبه عن تزايد النفوذ اليساري بين الحركة الطلابية المصرية فتحالف السادات مع الجماعات المتأسلمة في صفقة كان شرطاها الإفراج عن الجماعات المتأسلمة لقاء ضرب " الولاد الشيوعيين اللي لابسين قميص عبد الناصر " على حد تعبير السادات. وكان يصرف لهذه الجماعات أموالا طائلة لكافة الأنشطة التي تقيمها داخل الجامعة وكان المسئول عن هذه الأموال عثمان أحمد عثمان .

لقد شهدت معظم فترة السادات تحركات طلابية ضخمة لما شاب هذه الفترة من سياسات يمينية متصهينة وقد ابتلت هذه السياسات مصر والوطن العربي كله بأشياء كثيرة منها الردة على الناصرية والانفتاح الاقتصادي ومعاهدة الذل والخيانة التي سقطها مع العدوالصهيوني في كامب ديفيد .. ولكي يرتاح السادات من هذه التحركات الطلابية التي تعبر عن ضمير الأمة وقلبها النابض أصدر السادات لائحة 79 ، التي ألغى من خلالها اتحاد طلاب الجمهورية الذي كان يمثل رأيا عاما غاية في الخطورة ويعبر عن الحركة الطلابية المصرية وذلك في محاولة لاغتيال هذه الحركة الشامخة ، كما ألغى السادات اللجنة السياسية في اتحادات الطلاب وحرم كافة أشكال العمل السياسي داخل الجامعة .

الحركة الطلابية في الثمانينات والتسعينات

قتل السادات (الغير مأسوف عليه) على يد الجماعات المتأسلمة التي أعطاها الحرية لضرب التيار اليساري داخل الجامعة. وتولى السلطة بعده مبارك الذي سار على طريق سلفه وبالتالي كان من الطبيعي حتى يتخوف من الحركة الطلابية المصرية التي أصدر ضدها قرار في تعديله للائحة 79 والصادر عام 1984 وبموجب هذا القرار أصبح عمل الميليشيات العسكرية التي شكلها السادات داخل الجامعة وأطلق عليها كذبا اسم الأمن الجامعي لا يتوقف على حماية منشآت الجامعة فقط بل و"أمنها" وبالطبع لم يحدد حسني مبارك ما المقصود بحدثة أمنها وهجرها مطاطة حتى يسهل مهمة هذه الميليشيات في اعتنطق وشطب من الانتخابات ومضايقة أي طالب جامعي .

في عهد مبارك أثمرت الشجرة التي غرسها سلفه غير المأسوف عليه وهي نموالجماعات المتأسلمة داخل الجامعة التي راحت تمارس نشاطها بدون قيود وكأن لها لائحة طلابية أخرى تطبق عليهم غير اللائحة التي تطبق على بقية الطلبة. ولكن ذلك لم يمنع الطلاب من التحرك بعد اندلاع الانتفاضة الأولى في الأراضي المحتلة وقاومهم أمن مبارك بكل شراسة واعتقل الكثير منهم مع الكثير من قيادات الطبقة العاملة.. وفي بداية التسعينات خرج فرسان الحركة الطلابية المصرية لينددون بالعدوان الثلاثيني على العراق الشقيق والذي اشهجر فيه نظام مبارك وقاومتهم السلطة بكل عنف حيث ألقت عليهم القنابل المسيلة للدموع وأطلقت كلابها البوليسية وضربتهم بالمياه.

وفي عام 98 خرج طلاب مصر عن بكرة أبيهم لينددون بالقصف الأمريكي على العراق الشقيق ويهاجمون نظام مبارك الذي اكتفى بمصمصة الشفاه في العلن وبالشماتة في النظام العراقي في السر.

وفي 29 سبتمبر 2000، خرجت جموع الطلبة من جميع جامعات الجمهورية ومدارسها الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية للاحتجاج على اقتحام شارون للمسجد الأقصى في اليوم السابق. ومن هنا اشتعلت المظاهرات في كافة أنحاء مصر. وظلت هذه الفترة الأخيرة فترة مظاهرات دائمة من الطلبة احتجاجا على الوضع المخزي الذي تعيشه الأمة.. وفي يوم 20 مارس 2003، بعد الهجوم الأمريكي على العراق تحرك فرسان الحركة الطلابية إلى ميدان التحرير وشاركهم في ذلك أبناء الشعب المصري ونجحوا في تحرير ميدان التحرير أكبر ميادين القاهرة من نظام حسني مبارك. وبرغم حتى التيار المتأسلم قد حقق نجاحا كبيرا في السيطرة على الحركة الطلابية المصرية إلا أننا في الفترة الأخيرة بدأنا نلاحظ مدا يساريا بين صفوف الحركة الطلابية المصرية نتمنى حتى يتواصل وحتى يعود لليسار دوره الرائد في هذه الحركة الوطنية الشامخة.


المصادر

  • ياسر لبلاب. "تاريخ الحركة الطلابية المصرية". فيسبوك.
  • انتفاضة فبراير 1946.. دماء الطلاب على كوبري عباس
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:39:33
التصنيفات: تاريخ مصر

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

وفاة 14 إيرانيا تناولوا مشروبات كحولية فاسدة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:03
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 99%

حفتر يدعم التقارب الليبي حول القوانين المنظمة للانتخابات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:00
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 88%

بيرسي تاو: ليست لدي أي إصابة.. وأعرف كيف نواجه منتخب المغرب

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:19:24
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 47%

صلاح يخطف الأنظار بساعة من الأحجار الكريمة.. فكم يبلغ سعرها؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:11
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 91%

إنجلترا تكتسح مالطا برباعية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:18:40
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 97%

الجزائر.. تفكيك شبكة إجرامية وضبط كمية كبيرة من المخدرات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:06
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 93%

وصول رائدي الفضاء ريانة برناوي وعلي القرني إلى الرياض

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:18:50
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 86%

مبابي وجيرو يقودان فرنسا لفوز جديد في تصفيات "يورو 2024"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:09
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 85%

ليبيا.. حفتر يدعو لتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة الانتخابات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:18:21
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 99%

ربيعة: كولر لا يضحك مرتين.. وعلم اللاعبين الانضباط

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:19:25
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 47%

مودريتش يحسم موقفه من عرض الهلال السعودي الضخم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:10
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 88%

لافروف: محاولات الغرب الضغط على دول الخليج باءت بالفشل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:06
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 95%

ماذا قدم مانشيني لإيطاليا في 5 أعوام؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:18:33
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 87%

السبت.. رونالدو يبحث عن تعزيز رقمه القياسي مع البرتغال

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:18:35
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 87%

وزير الخارجية البريطاني: النزاع في أوكرانيا قد يستمر طويلا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:17:05
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 90%

مبابي يتألق ويقود فرنسا للفوز على جبل طارق بثلاثية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-17 00:18:43
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 85%

pendik escort
betticket istanbulbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info oslobet
Turbanli Porno lezbiyen porno
Anal Porno izle
ankara escort
deneme bonusu
levant casino
تحميل تطبيق المنصة العربية