جر المياه
جر المياه هونقل المياه من المصدر المائي أومن محطة المعالجة (في حال وجودها) إلى مسقط الاستخدام.
يعد الماء أبرز الموارد الطبيعية فمن دونه لا تقوم حياة وعليـه ترتكز أنشطة المخلوقات عامة والإنسان خاصة. وإلى جانب احتياجات الإنسان اليومية المباشرة إلى مياه استهلك والأغراض الشخصية الأخرى كالطعام والغسيل وغيرها، فإنه يحتاج إلى الماء أيضاً لأعمال الزراعة والصناعـة وتربية الحيوان وغيرها.
لم يكن لدى الإنسان البدائي الذي كان يعمل في الصيد أوالرعي حاجة إلى مشروعات جر المياه. فقد اعتاد الناس في ذلك الحين الاستقرار بالقرب من مصادر المياه العذبة، وكان السكان قلة مبعثرة لم تنذر بأي خطر جدي على تلوث مصادر المياه. ثم ما لبث الإنسان حتى استقر وعمل في الزراعة فبرزت الحاجة إلى جر المياه لأغراض الري خاصة.
عهد عن البابليين والفراعنة قبل نحو2000 عام من الميلاد، قيامهم ببعض مشروعات جر المياه، وخاصة لأغراض الري. فقد قاموا بإنشاء نظم من السدود والقنوات لتخزين مياه فيضان نهري الفرات والنيل واستخدامها في مواسم الجفاف.
بعد تطور الحياة الاجتماعية ونشوء المدن، أضحت القرى الزراعية مراكز حضرية، فبرزت معضلة إمداد المياه لسكان المدن ولري المزارع التي تحيط بها.
المطر
هوالمصدر الأساسي للمياه الطبيعية العذبة كلها على سطح الأرض. عند هطول المطر تجري المياه الهاطلة إلى الجداول والأنهار أوتغوص في الأرض متسربة عبر طبقات التربة المسامية حتى وصولها إلى طبقة كتيمة تتجمع فوقها مكوّنة مياه جوفية. تعد المياه الجوفية مصدر مياه الآبار والينابيع التي تغذي الجداول والأنهار والبحيرات. تختلف نوعية مياه هذه المصادر اختلافاً كبيراً، فالمياه السطحية تحتوي عادة مواد معلقة وجراثيم أكثر مما تحتويه المياه الجوفية، غير حتى المياه الجوفية تحتوي تراكيزاً أعلى من العناصر الكيمياوية المنحلة. ولما كانت نوعية المياه تختلف اختلافاً كبيراً بين مصدر وآخر، فإن قابليتها للاستخدام تعتمد على الغرض الذي ستستخدم من أجله. فالمياه التي قد تكون صالحة للري من دون معالجة، قد لا تكون صالحة للشرب أوللصناعة وتتطلب عملية تنقية معقدة قبل حتى تصبح صالحة للاستخدام.
يمكن تقسيم المصادر المائية التي تعتمد عليها مشروعات إمداد المياه إلى مصادر مائية جوفية كمياه الآبار، ومصادر مائية سطحية كمياه الأنهار والبحيرات، ومصادر مائية غير تقليدية كمياه البحر المحلاة. تكون المصادر المائية الجوفية عادة قليلة الكمية مقارنة بالمصادر السطحية مما يجعل الاعتماد عليها مصدراً رئيسياً لمياه المدن أولمشروعات الري الكبيرة غير ممكن. أما المياه السطحية في الأنهار وبحيرات المياه العذبة فتعد المصدر الرئيسي لمياه المدن الكبيرة ولمشروعات الري الضخمة. أما مصادر المياه غير التقليدية كمياه البحر المحلاة فإن كلفتها الباهظة تجعلها مناسبة فقط لأغراض الشرب والاستعمالات الصناعية الخاصة.
يمكن تقسيم أعمال الإمداد بالمياه عموماً إلى أربعة أجزاء رئيسية هي: تجميع المياه، وتنقية المياه، وجر المياه، وتوزيع المياه.
يتلخص الغرض من أعمال تجميع المياه في سحب المياه من المصدر المائي وحملها إلى أعمال التنقية. وتضم أعمال تجميع المياه، طالما كون المصدر المائي سطحياً (نهر أوبحيرة)، منشأة المأخذ على النهر أوالبحيرة، وقناة المأخذ، ومحطات الحمل. وفي حال كون المصدر المائي جوفي فإن أعمال تجميع المياه تقتصر على الآبار التي تسحب منها المياه بوساطة مضخات غاطسة أورأسية ثم تجمع وتنقل إلى محطة المعالجة.
أهداف تنقية المياه
تهدف أعمال تنقية المياه إلى تحسين نوعية المياه لتصير ملائمة للاستخدام المطلوب. فالمياه التي ستستخدم لأغراض الري قد لا تتطلب أي معالجة أوقد تتطلب معالجة بسيطة كالتصفية والترشيح لإزالة المواد العالقة. أما المياه التي ستستخدم في الشرب أوفي الصناعة فقد تتطلب معالجة أعقد كإزالة المواد المعلقة واللون والطعم والرائحة وقتل الجراثيم وتخفيف عسر المياه وغيرها.
أهداف جر المياه
تهدف أعمال جر المياه إلى نقل المياه من المصدر المائي أومن محطة المعالجة (في حال وجودها) إلى مسقط الاستخدام. في الحال الأمثل، أي عندماقد يكون المصدر المائي قريباً من مسقط الاستخدام ويقع على منسوب جغرافي أعلى، تستجر المياه بالإسالة الطبيعية (أي بعمل الثنطقة) ومن دون الحاجة إلى ضخ، فقد اعتمدت مدينة دمشق مثلاً، مدة طويلة من الزمن على مياه نبع الفيجة الذي يبعد مسافة 17كم عنها، وتستجر المياه منه عبر نفق مائي بالإسالة الطبيعية بسبب فرق المنسوب الجغرافي الكائن بين النبع والمدينة. غير أنه غالباً ما تبرز الحاجة لجر المياه عبر مسافات طويلة جداً، ويكون ذلك أحياناً بوساطة الضخ، ويعدُّ النهر الصناعي العظيم في ليبيا مثالاً مهماً على ذلك إذ تضخ كمية تراوح بين 2 و3 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من خزَّانات المياه الجوفية الواقعة في صحاري الجنوب إلى المدن الساحلية الواقعة في شرقي ليبيا وغربيها عبر شبكة من الأنابيب الضخمة.
طرق جر المياه
تنقل المياه عامة عبر أقنية مكشوفة أومغلقة، بالإسالة الطبيعية أوبوساطة الأنابيب التي تعمل تحت ضغط، أوبكليهما معاً. وللتخفيف من فواقد الاحتكاك التي تنشأ على طول المجرى المائي والتي تزيد من متطلبات طاقة محطات الحمل، يلجأ عادة إلى اختيار جريانات بطيئة نسبياً إذ تزداد الفواقد ازدياداً كبيراً مع زيادة سرعة الجريان.
تحفر الأقنية على سطح الأرض، للأقنية المكشوفة، وتبطن جدرانها عادة بالإسمنت لتخفيف الاحتكاك ولتقليص الرشح. وعندما يتقاطع مسار هذه الأقنية مع الوديان تستخدم الجسور المائية التي هي أقنية بيتونية مسلحة محمولة على أعمدة، أوتستخدم السيفونات المقلوبة. أما عندما تعترض مسار الأقنية المكشوفة حواجز جبلية فتستخدم الأنفاق المائية.
أما فيما يتعلق بالنواقل المغلقة، وعندماقد يكون الجريان فيها من النوع ذي السطح الحر، أي بعمل الثنطقة، فغالباً ما تستخدم الأنابيب البيتونية الدائرية المبتر. وأما للنواقل التي تعمل تحت ضغط فتستخدم أنابيب مصنوعة من مواد متنوعة كالبيتون المسلح والفولاذ والحديد الصب والأسبستوس وغيرها. من أبرز مميزات الأنابيب البيتونية مقاومتها للضغط الخارجي وإمكانية تصنيعها محلياً من دون الحاجة إلى خبرة عالية وكلفة صيانتها المتدنية. أما عيوبها الرئيسية فتتلخص في عدم تحملها للضغوط الداخلية العالية وصعوبة نقلها لثقل وزنها. تتميز الأنابيب الفولاذية من غيرها بسهولة النقل والهجريب لخفة وزنها وبتحملها ضغوطاً داخلية أعلى من غيرها. إلا أنها أكثر عرضة للتآكل وتحتاج إلى حماية مناسبة. تعد أنابيب الحديد الصب أكثر مقاومة للتآكل من الأنابيب الفولاذية، غير أنها أكثر صلابة. أما أنابيب الأسبستوس أوالأمينت فهي تصنع من خليط الإسمنت والأسبستوس وتتميز بنعومتها وتحملها ضغوطاً داخلية وخارجية كبيرة وسهولة هجريبها. غير حتى مادة الأسبستوس تعد مادة مسرطنة وبالتالي فإن إنتاج هذا النوع من الأنابيب يتضاءل باستمرار بسبب خطورة التعرض لهذه المادة.
تصنع الأنابيب عادة بأقطار وأطوال نظامية. وتنقل الأنابيب ذات الأقطار الكبيرة إلى مسقط التمديد بشاحنات خاصة وتستخدم آليات خاصة في تمديدها. وهناك عدة طرائق لوصل الأنابيب المعدنية بعضها مع بعض، منها الوصل باللحام والوصل بطرق ميكانيكية كالفلنجات والوصل بالتدكيك.
تنشأ الحاجة إلى محطات حمل المياه عندما يقع مسقط الاستخدام على منسوب جغرافي أعلى من المصدر المائي، أوعندما تكون فواقد الطاقة بالاحتكاك على طول خط الجر كبيرة ولا يغطيها فرق المنسوب المتوفر بين المصدر المائي ومسقط الاستخدام، وعامة تؤمن عملية حمل المياه بوساطة محطات ضخ تتألف من مجموعة من المضخات النابذة التي تعمل بوساطة محركات كهربائية أومحركات ديزل. يعد منسوب الماء الأدنى في حوض امتصاص محطات الضخ إحدى العقبات التي لا يمكن تجاوزها، فيجب ألا يزيد الفرق بين طرف سحب المضخات ومنسوب الماء في الحوض نظرياً علىعشرة أمتار وعملياً علىستة أمتار تقريباً تفادياً لظاهرة التكهف. لذا فمن أجل الآبار العميقة طورت الصناعة مجموعة من المضخات الغاطسة قطرها أصغر من قطر البئر ويمكن تنزيلها في البئر إلى العمق اللازم. ويمكن لهذه المضخات حتى تتضمن مراحل متعددة لتوفير ضغط تصريف مرتفع مما يسمح لها بالضخ مباشرة إلى أنابيب الجر إذا لزم الأمر.
تحوي أنابيب جر المياه تجهيزات وملحقات كثيرة، لكل منها غرض معين كصمامات العزل وصمامات عدم الرجوع وصمامات الهواء وصمامات تخفيض الضغط وصمامات الغسيل وأجهزة قياس الضغط وأجهزة قياس الغزارة وأجهزة الحماية من المطرقة المائية وغيرها من التجهيزات. تصب أنابيب جر المياه عادة في منشآت لتجميع المياه والتي تنطلق منها أعمال توزيع المياه.
تعد عملية نقل المياه عملية مكلفة، ولاسيما حين تكون عبر مسافات طويلة وبالضخ. وبالتالي تكون المياه المستجرة في كثير من الحالات مرتفعة الثمن مما يجعلها غير مناسبة للاستخدامات التي تتطلب مياه رخيصة الثمن كالاستخدامات الزراعية.
المصادر
- وائل معلا. "جر المياه". الموسوعة العربية.