الضحك كتاب للفيلسوف الفرنسي هنري برگسون عام 1900.

المقدمة

لم يحبّ الفكر التقدمي في القرن العشرين، الفيلسوف الفرنسي هنري برگسون على الاطلاق. فبرگسون في نظر هذا الفكر، مثالي جعل «الديمومة الخالصة، أي اللامادية أصل الأمور وأساسها»، مؤكداً انه لا يمكن «احراز الفهم بالديمومة، الا بالحدس مفهوماً على انه ادراك صوفي اوفهم صوفية»، فيها «يتطابق عمل الفهم مع العمل الذي يخلق الواقع». ويأخذ الفكر التقدمي على برغسون خصوصاً كونه وضع لقاء «الجدل» الذي، لواتبعه لكان اوجد مبرراً هيغلياً لمثاليته، ممضىاً كاملاً في «التطوّر الخلاق» عبّر عنه في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه. فهذا التطور يقوم لدى برغسون على مفاهيم مستمدة من المثالية البيولوجية، ما أوصل هذا المفكر الى ان يبرر في فكره «قهر طبقة لطبقة في المجتمع، باعتبار ذلك حالاً طبيعية» معتبراً الحرب نفسها «قانوناً للطبيعة» محتماً. إلى غير ذلك، انطلاقاً من هذا التفسير لفكر برجسون، اعتبر الرجل رجعياً واعتبرت فلسفته «تعبيراً حياً عن اللاعقلانية» (الموسوعة الفلسفية السوفياتية). وعلى رغم هذا فإن المفكر التقدمي، ناهيك بالفكر غير التقدمي المتسامح عادة مع برغسون، لا يفوته ان يقرأ واحداً من خط برگسون ويناصره، باعتباره فريداً من نوعه في عالم الكتابة الفلسفية. وهذا الكتاب هو«الضحك: محاولة في دلالة الهزلي»، الذي يعتبر اشهر خط برگسون على الاطلاق، ويقرأه عادة حتى اولئك الذين لا يعهدون شيئاً عن فلسفة هذا المفكر، اوحتى يمكن لهم ان يدركوا ان «الضحك» ينتمي اصلاً الى الخط الفلسفية.

المضمون

كتاب «الضحك» وضعه هنري برجسون ونشره في العام 1911، اي حين كان في الثانية والخمسين من عمره، وبدأ يشغل كرسي الفلسفة في «الكوليج دي فرانس» والعام نفسه الذي خط فيه واحداً من نصوصه الاكثر اهمية («الحدس الفلسفي») الذي قرأ ملخصاً له في مؤتمر للفلسفة عقد في مدينة بولونيا الايطالية، وأثار جدلاً كبيراً. والحال ان الباحثين اعتبروا، دائماً ان كتابي «الضحك» و«الحدس» مترابطان، بل ان ثانيهما هوالمقدمة النظرية والفلسفية المنطقية للأول. ولا بد من ان نشير هنا الى ان القراء عموماً - من الذين عهدوا «الضحك» - لم يبالوا ابداً بذلك «التقديم الفلسفي» له، فنظر الى «الضحك» على انه كتاب مستقل، كانت اهميته في كونه خط اخيراً، ليحلل ظاهرة - ونشاطاً انسانياً - عمرها من عمر الانسان، ترافقه في حياته اليومية، وفي حياته الذهنية، ولطالما عبّرت عنها الآداب والفنون، من دون ان ينحوالفكر الى تحليلها وتحليل أوالياتها. وهنا لا بد من ان نشير الى ان كتابة «الضحك» ترتبط، في زمنها، بالولادة الحقيقية للتحليل النفسي، على يد فرويد وصحبه، وفي السياق نفسه الذي جعل فرويد يخط «تفسير الاحلام». كان الشعار: آن للانسان اخيراً ان يفهم جميع ظواهر حياته، الخفية والواضحة وألا يهجر ظاهرة للغيب. ومع هذا لا بد من ان نلاحظ منذ الآن كيف من الممكن أن ان كتاب برغسون «العقلاني» هذا، نسب دائماً الى الفلسفة الميتافيزيقية، واعتبر من اعمالها الاساسية. وتلك «مفارقة» من الصعب هنا زعم امكان حلها. المهم في الأمر هوالتوقف عند هذا العمل الطريف والفريد، وعند محرره.

بالنسبة الى الباحثين في حياة برغسون وعمله ينحوهذا الكتاب ومنذ البداية الى ان يقول لنا ان «الضحك الذي يستثيره على الدوام، أمر انساني ما، له بالتأكيد وظيفة اجتماعية»، فبرغسون يقول لنا هنا ان «المرء لا يضحك في حقيقة الأمر الا بالتواطؤ مع الآخر»، و«الضحك انما هورد عمل ضد جميع ما يظهر لنا، في الحياة، ميكانيكياً (آلياً): يحدث الضحك لدينا في جميع مرة نلاحظ فيها في كلام اوتصرفات إنسان ما، افراطاً في النزعة الميكانيكية». ونحن، في رأي برغسون، نضحك ازاء العيوب كما ازاء الفضائل، في جميع مرة تبدولنا هذه اوتلك، لدى الذين يمتلكونها، باعتبارها اوالية (ميكانيزم) تحكمهم». ومن هنا يستنتج برغسون حتى «الضحك نوع من السلوك الاجتماعي. بواسطته ينبه المجتمع مشيراً الى الحس السليم، جميع اولئك الذين ينحرفون عن النشاط الاجتماعي المستقيم والحقيقي... جميع اولئك المنحرفين اوالذين يريدون ان يظهروا غريبي الاطوار، اي جميع تلك العناصر التي تسعى، بوعي اومن دون وعي، الى تفتيت التماسك الاجتماعي ونسيجه».

وللوصول الى عقلنة نظريته يلجأ برغسون، كما يقول دارسوه، الى «تأسيس هذه النظرية على تحليل رهيف لمختلف فئات الهزلي: الاشكال المضحكة، الحركات المضحكة، المواقف والحدثات، وأخيراً، السمات الشخصية المضحكة (الكاراكتيرات). وليس من قبيل الصدفة ان يخصص برغسون، لهذه الفئة الاخيرة، تام القسم الثالث من كتابه، حيث يعطي امثلة فائقة الاهمية مستقاة خصوصاً من فن المسرح، الذي هو- بالنسبة اليه، وفي الوقت نفسه - المكان الذي يظهر فيه الهزلي شكلاً من اشكال الفن، ووظيفة اجتماعية. بيد ان برغسون يلاحظ هنا، وكما يشرح لنا جان دوفال، ان الهزلي، لا ينتمي كلياً لا الى الفن ولا الى الحياة. فالفن، في رأي برغسون وكما يوضح دوفال، ليس سوى رؤية، اكثر اكتمالاً ومباشرة، للطبيعة والروح، يقتصر امتلاكه على عدد ضئيل من الافراد. والفن يتوجه دائماً نحوالفردي لمجرد انه يعهد كيف من الممكن أن يتفادى المقولات العامة التي ترتبط بالعمل الاعتيادي والذرائعي للبشر. اما الهزلي، فإنه في اللقاء وعلى العكس من ذلك يتوجه الى ما عمومي. وعلى العكس من الدراما (المأساة) التي تدخل الى اعمق اعماق ظلمات ارواحنا، عبر تحليل ما نحن كائنوه حقاً، تأتي الكوميديا (الهزل) لكي تنتزع من داخل الانسان، انماط سلوك وتفكير عامة تدفعنا الى الضحك. اذ تعرض امامنا مشاهد ميكانيكية هذه الانماط وضروب التفكير مذكرة ايانا (وذلكم هوالعمل الاجتماعي للكوميديا وعملها المباشر) بضرورة ان نراقب انفسنا، معززة - بصورة عامة - من فائدتنا الذرائعية للمجتمع. والحال انه انطلاقاً من هذا التحليل الفريد والخلاق ننظر دائماً الى كتاب «الضحك» على انه افضل كتاب لبرغسون، بل افضل ما اطلعته تلك الفترة المفصلية التي ألّف فيها، من دراسات فلسفية انسانية. وفي هذا المجال يظهر محقاً ذلك الباحث الذي نطق عن «الضحك» ان فائدته «مزدوجة، لأنها جمالية وميتافيزيقية في الوقت نفسه، لأنه يتعمق في فكرة دفق الحياة الحقيقي الذي يفلت من براثن الفهم المفهومية». وهذا التعمق هوالذي مهد لظهور كتاب برغسون، الأشهر فلسفياً، وخارج نطاق الحس الشعبي العام: «التطور الخلاق».

المؤلف

ولد هنري برگسون العام 1859 في بارس، تفهم في ثانوية كوندورسيه، ثم انضم الى دار المفهمين متخصصاً في الفلسفة، واتجه بعد ذلك الى التعليم. بدأ ينشر خطه منذ العام 1889، فنشر تباعاً «دراسة حول معطيات الوعي المباشرة» و«التطور الخلاق» و«منبعا الدين والاخلاق». حين صار محاضراً في «الكوليج دي فرانس» (1914) اجتذب جمهوراً عريضاً بفصاحته. بعد ذلك عيّن رئيساً للجنة التعاون الثقافي التابعة لعصبة الأمم. ونال جائزة نوبل للأدب في العام 1928. وعند نهاية حياته تحول من اليهودية إلى الكاثوليكية، لكنه اوصى بألا يعلن هذا إلا بعد موته الذي كان يوم أربعة كانون الثاني (يناير) 1941.

عبر جميع هذا يحتل هنري برگسون، في تاريخ الفلسفة الفرنسية عند بداية القرن العشرين، مكانة مميزة وربما تكون فريدة. ففي ذلك الحين كانت النزعة الفهمية واحدة من التيارات الفكرية الاكثر رواجاً ونفوذاً، معتبرة العلوم السليمة الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من فهم طبيعة الاشياء فهم يقينية، اتى برغسون ليعيد الى الفلسفة الميتافيزيقية مكانتها باعتبارها «فهم عليا وسامية بكل ما حقيقي وواقعي». ولقد اهتم برغسون طوال حياته، وعلى وجه الخصوص، بالرصد الداخلي (الجوّاني) للكيفية التي بها تطورت تلك الفلسفة الميتافيزيقية، مؤكداً ان «الحدس» الذي هوواحد من اعمدتها الاساسية يكتشف، ضمن اطار هذه الفلسفة، ليس فقط افكاراً اومفاهيم، بل ايضاً دفعاً دائماً متواصلاً، «يمكن مقارنته بلحن موسيقي داخلي يتدفق بعذوبة». ويرى الباحثون ان هذا الكشف عن «الديمومة الداخلية لأنانا والتي تشكل الزمن الحقيقي الذي يعيشه الانسان، هوالذي يقف في خلفية فلسفة برغسون ويبررها.

المصادر

• ابراهيم العريس (2010-11-04). "«الضحك» لبرغسون: الفلسفة تدنومن الإنسان على غير توقّع". جريدة الحياة اللبنانية.